تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل الْفَرَائِض)
(3/187)
فارغة
(3/188)
لوحة 51 من المخطوطة أ:
تكلم فِي جَمِيع أَبْوَاب الْفَرَائِض عَليّ، زيد، ابْن
مَسْعُود، ابْن عَبَّاس، وَتكلم فِي أَكْثَرهَا أَبُو بكر
وَعمر وَعُثْمَان، معَاذ، قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام "
أفرضكم زيد "، وخطب عمر بالجابية وَقَالَ: من أحب أَن يسْأَل
عَن الْقُرْآن فليسل أبي بن كَعْب، وَمن أحب الْفَرَائِض فليسل
زيدا، وَمن أحب الْفِقْه فمعاذ وروى ابْن الْمَاجشون، ... ...
... ... ... ... ... ... ...
(3/189)
عَن ابْن شهَاب: لَو هلك عُثْمَان وَزيد
فِي بعض الزَّمَان لهلك علم الْفَرَائِض، وَخلاف الصَّحَابَة
رَضِي الله عَنْهُم فِي الْفَرَائِض على ز أَقسَام (سَبْعَة) :
أ - (1) فَرَائض الصلب، ب - (2) حكم الْعَوْل.
ج - (3) الرَّد.، د - (4) الْجدَّات.
هـ - (5) الْجد.، و - (6) الْوَلَاء.
ز - (7) ذَوُو الْأَرْحَام.
وَمَتى اجْتمع عَليّ وَزيد على حكم، فَإِن تابعهما ابْن
عَبَّاس خالفهما ابْن مَسْعُود وَبِالْعَكْسِ، وَرُبمَا اجْتمع
عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَخَالفهُم زيد، وَإِذا
اجْتمع ثَلَاثَة مِنْهُم على أصل فِي الْفَرَائِض فهم على
ضَرْبَيْنِ: أَن يجتمعوا على أصل الْبَاب وفروعه كاجتماع عَليّ
وَزيد وَابْن مَسْعُود على
(3/190)
تعصيب الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات وَبَنَات
الابْن وَلَا خلاف بَينهم فِي فروع هَذَا الْبَاب، فَأَما ابْن
عَبَّاس فأسقطهن.
الضَّرْب الثَّانِي: أَن يجتمعوا على أصل ويختلفوا فِي فروعه
كاجتماع (عَليّ وَزيد) وَابْن مَسْعُود على تَوْرِيث الْأُخوة
وَالْأَخَوَات مَعَ الْجد، ثمَّ اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة
توريثهم وَخَالفهُم ابْن (عَبَّاس فِي الأَصْل) فأسقطهم،
وَكَذَلِكَ اجْتمع عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس على
القَوْل بِالرَّدِّ مَعَ اخْتلَافهمْ فِي كيفيته وَخَالفهُم
زيد فِي الأَصْل، واجتماع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة اجْتِمَاع
الْفُقَهَاء، وكل مَسْأَلَة انْفَرد فِيهَا عَليّ تَابعه ابْن
أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح، وتابع زيدا مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَأكْثر
(3/191)
الْمَدَنِيين، وتابع ابْن مَسْعُود
عَلْقَمَة وَالْأسود، وَتَابعه مَسْرُوق فِي بَاب الْجد، وتابع
أَبُو حنيفَة فِي الْجد أَبَا بكر وَابْن عَبَّاس، وَالْمجْمَع
على توريثهم
(3/192)
الابْن وَابْنه وَإِن سفل، وَالْأَب
وَأَبوهُ وَإِن علا، (وَالْأَخ من) كل جِهَة وَابْن الْأَخ
إِلَّا من الْأُم، وَالْعم إِلَّا من الْأُم وَالزَّوْج وَمولى
النِّعْمَة، وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن نزلت دَرَجَة
أَبِيهَا، وَالأُم وَالْجدّة من الْجِهَتَيْنِ، وَالْأُخْت من
كل جِهَة وَالزَّوْجَة ومولاة النِّعْمَة، وَتسقط بنت الابْن
بالابن، والأجداد بِالْأَبِ، والجدات بِالْأُمِّ، وَيسْقط ولد
الْأُم بأَرْبعَة؛ بِالْوَلَدِ وَولد الابْن، وَالْأَب
وَالْجد.
وَيسْقط ولد الابْن بِثَلَاثَة بالابن وَابْن الابْن وَالْأَب،
وَيسْقط ولد الْأَب بهؤلاء الثَّلَاثَة وبالأخ من
الْأَبَوَيْنِ. إِذا اسْتكْمل (الْبَنَات الثُّلثَيْنِ سقط
بَنَات الابْن إِلَّا أَن يكون مَعَهُنَّ أَو أنزل مِنْهُنَّ
ابْن ابْن فيعصبهن، وَإِذا اسْتكْمل الْأَخَوَات من
الْأَبَوَيْنِ الثُّلثَيْنِ سقط الْأَخَوَات من الْأَب إِلَّا
أَن) يكون مَعَهُنَّ أَخ لَهُنَّ فيعصبهن. والعصبة إِذا
انْفَرد ورث المَال (وَإِذا كَانَ مَعَهم) ذُو فرض يُدْلِي
بِهِ، وَكَانَ الْبَاقِي للْعصبَةِ، فَإِن استغرقت الْفُرُوض
المَال سقط.
(3/193)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: الصَّبِي الْمُمَيز الَّذِي يعقل عقل مثله
(قصو) :)
الْمَذْهَب: لَا يَصح إِسْلَامه، وَقيل: يَصح فِي حكم
الْآخِرَة.
عِنْدهم: يَصح إِسْلَامه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " رفع الْقَلَم عَن
ثَلَاث: عَن الصَّبِي ... الحَدِيث "، وَجه الدَّلِيل أَنه لما
رفع الْقَلَم رفع الْخطاب فَلَا يُخَاطب بِالْإِسْلَامِ، وَلَا
يَصح صدوره مِنْهُ.
لَهُم:
رُوِيَ أَن عليا كرم الله وَجهه وَهُوَ طِفْل قَالَ:
(3/194)
(سبقتكموا إِلَى الْإِسْلَام طفْلا ...
صَغِيرا مَا بلغت أَوَان حلمي)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لم يعرف إِسْلَامه فَلَا يحكم، لِأَن الِاعْتِقَاد ركن وَلم
يعرفهُ وَخَبره مُحْتَمل أَن يكون قد عرف وَلم يعْتَقد،
وَدَلِيل الشَّرْع اتَّصل بِخَبَر الْبَالِغ دون الصَّبِي،
وَالدَّلِيل عدم خطابه بِالْإِسْلَامِ وَهَذَا اعْتِقَاد
كَامِل فَيَقْتَضِي نظرا كَامِلا وَالْإِسْلَام لَا يعقل
إِلَّا بعد تقدم الْإِلْزَام كَمَا لَا يعقل جَوَاب إِلَّا بعد
سُؤال.
لَهُم:
خبر عَن اعْتِقَاد صَحِيح فصح كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّهُ يخبر
عَن التَّوْحِيد بشرائطه وَهُوَ أهل الِاعْتِقَاد بعقله
وتمييزه وَقد وجد مِنْهُ الْإِسْلَام فصح، وَالْإِسْلَام فرض
فَلَا يسْقط بِعُذْر الصِّبَا.
مَالك: لَا يكون مُسلما بِإِسْلَام الْأُم.
أَحْمد:
(3/195)
التكملة:
الْأَحْكَام الدنيوبة مُتَعَلقَة بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ
الاستسلام الَّذِي لَا يعقل إِلَّا بخطاب وَفرق بَين
الْإِيمَان وَالْإِسْلَام. قَالَ الله تَعَالَى: {قَالَت
الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} ،
وَلِهَذَا لم يعقل الْإِسْلَام قبل وُرُود الشَّرْع، وَلَكِن
عقلت الْمعرفَة وَالنَّظَر؛ لِأَنَّهُ لَا إِلْزَام فإسلام
الصَّبِي كإسلام من أسلم قبل الْبعْثَة، فَإِن الشَّرِيعَة لم
تلْزم الصَّبِي، وَإِنَّمَا حلنا بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ؛
لِأَنَّهُ قد بَدَت مِنْهُ مخايل الْإِسْلَام، فَرُبمَا رداه
وَدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين لكَونه مُسلما فِي أَحْكَام
الْآخِرَة، وَالله أعلم بسريرته، فَإِن قَالُوا أوجب عَلَيْهِ
الْإِسْلَام عقله، فَالْجَوَاب أَن الْعقل لَا يُوجب شَيْئا
وَلَا نسلم عِقَاب صبيان الْكفَّار.
ونقول: من صَحَّ إِسْلَامه تبعا لِأَبَوَيْهِ لم يَصح
إِسْلَامه لنَفسِهِ كَيْلا يصير التَّابِع أصلا ونقف مَعَ
هَذَا الْحَرْف وَهُوَ أَن الْإِسْلَام بحقيقته لَا يُوجد من
صبي، وَلَا يُمكن أَن يُقَال: إِن الْإِسْلَام وَاجِب فِي
ذمَّته، لِأَن إِيجَاب الْعِبَادَات والتكاليف فِي الذِّمَّة
محَال، إِذْ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا خطاب طلب الْفِعْل، وَذَلِكَ
لَا يعقل فِي الذِّمَّة، فَإِن ناقضونا بالذمي، فَإِنَّهُ غير
مَحْمُول على الْإِسْلَام، وَلَو أسلم قُلْنَا من قَالَ إِنَّه
غير مَحْمُول على الْإِسْلَام، وَهل الْجِزْيَة إِلَّا حمل على
الْإِسْلَام لكَونهَا عُقُوبَة.
(3/196)
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: الْفَاضِل عَن سِهَام ذَوي الْفُرُوض (قصز) :
الْمَذْهَب: لبيت المَال إِن لم يكن ثمَّ عصبَة.
عِنْدهم: يرد على ذَوي الْفُرُوض.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن الله تَعَالَى لم
يكل مواريثكم إِلَى ملك مقرب، وَلَا نَبِي مُرْسل، وَإِنَّمَا
قسمهَا بِنَفسِهِ فَقَسمهَا أحسن قسم فَأعْطى كل ذِي حق حَقه
أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث ".
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لَا رد على الزَّوْجَيْنِ فَكَذَلِك ذَوُو الْفَرْض؛ لِأَن
مُقْتَضى فرضهم
(3/197)
وَاحِد، وَلِهَذَا اسْتَووا فِي الْعَوْل،
وَالنِّكَاح قرَابَة كَمَا أَن الْوَلَاء يحدث قرَابَة، وَالله
تَعَالَى قدر الْفُرُوض وَحدهَا وَذَلِكَ يَنْفِي الزِّيَادَة،
وجهة الْمُسلم جِهَة وارثة فالفاضل مَصْرُوف إِلَيْهِم؛ لأَنهم
يتحملون الْعقل كالورثة.
لَهُم:
إِذا ضَاقَ المَال عَنْهُم قسم على قدر سِهَامهمْ فَكَذَا إِذا
اتَّسع، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى لما ذكر سِهَامهمْ مَا
أَرَادَ أعيانها، وَإِنَّمَا أَرَادَ نسب بَعضهم إِلَى بعض
وَأما الزَّوْجَانِ فبالموت انْقَطع مَا بَينهمَا وَإِنَّمَا
توارثا بِحرْمَة العقد.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
قَالُوا: للْبِنْت النّصْف مِيرَاثا بِحَق الْبُنُوَّة،
وَالْبَاقِي لَهَا بالرحم الْمُرْسلَة الَّتِي شاركت بهَا
سَائِر الْأَقَارِب، وَالْجَوَاب: أَن هَذِه الرَّحِم صَارَت
مقتضية الْحق بِقَضَاء حق الْبُنُوَّة؛ لِأَن الْبُنُوَّة
تَتَضَمَّن الرحمية الْمُرْسلَة لَا محَالة،
(3/198)
فالرحمية من الْبُنُوَّة بِمَنْزِلَة
السّقف من الْبَيْت والخمسة من السِّتَّة، فَمن ملك بَيْتا
بِعشْرَة دَرَاهِم لَا يملك السّقف بِعشْرَة أُخْرَى، فَإِن من
ملك الْبَيْت ملك السّقف، وَلَو كَانَت الرحمية الْعَامَّة
قَضِيَّة شَامِلَة للْجَمِيع لوَجَبَ أَن يقسم الْبَاقِي بَين
ذَوي الْفُرُوض بِعَدَد رُءُوسهم وَلَا نفضل بِنْتا على أم.
عبارَة ذُو سهم لَا تعصيب لَهُ فَلَا يرد عَلَيْهِ كالزوج.
ومخرجهما من ج فرض كل اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا من الْبَنَات أَو
بَنَات الابْن أَو الْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو
الْأَخَوَات من الْأَب، وَالثلث ومخرجه مخرج
(3/199)
الثُّلثَيْنِ فرض كل اثْنَيْنِ فَصَاعِدا
من ولد الْأُم ذكرهم وأنثاهم فِيهِ سَوَاء وَهُوَ للْأُم مَعَ
عدم الْوَلَد وَعدم الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا من الْأُخوة
وَالْأَخَوَات، وَالسُّدُس ومخرجه من و، فرض كل وَاحِد من
الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَد، وَهُوَ للْأُم مَعَ كل اثْنَيْنِ
فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات، وَالْجد مَعَ الْوَلَد،
وَالْجدّة أَو الْجدَّات، ولبنت الابْن أَو بَنَات الابْن مَعَ
بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَللْأُخْت من الْأَب، أَو
الْأَخَوَات من الْأَب مَعَ الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ
تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وللواحد من ولد الْأُم.
شَذَّ عَن الْأُصُول مَسْأَلَتَانِ: (زوج وأبوان، وَزَوْجَة
وأبوان، للْأُم فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثلث الْبَاقِي بعد
فرض الزَّوْجَيْنِ هما العمريتان) .
(3/200)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: ذَوُو الْأَرْحَام (قصح) :)
الْمَذْهَب: لَا يَرِثُونَ.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلكُل جعلنَا موَالِي مِمَّا ترك
الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ} ، وَالْمولى يُطلق على
الْعصبَة هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ عمم الْكل وَجعل لكل إِنْسَان
عصبَة، وَالْجهل بهَا لَا يَقْتَضِي صرف المَال إِلَى غير
مُسْتَحقّ، وَرُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ
عَن مِيرَاث الْعمة وَالْخَالَة فَركب إِلَى قبَاء يستمطر
الْوَحْي وَيَقُول: اللَّهُمَّ عمَّة وَخَالَة، وَعَاد
فَقَالَ: لَا مِيرَاث لَهُنَّ.
(3/201)
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض}
، وَقَوله: {وللرجال نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان
وَالْأَقْرَبُونَ وللنساء نصيب} .
قَالَ وَاسع بن حبَان: توفّي ثَابت بن الدحداح وَلم يدع
وَارِثا
(3/202)
فَدفع رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام
مَاله إِلَى ابْن أُخْته أبي لبَابَة بن عبد الْمُنْذر،
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْخَال وَارِث من لَا وَارِث
لَهُ يَرِثهُ وَيعْقل عَنهُ "، وَأعْطى عمر الْخَالَة
الثُّلُث، والعمة الثُّلثَيْنِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(3/203)
الْإِرْث عرف توقيفا لَا قِيَاسا لكَونهَا
مقادير شَرْعِيَّة تحرم بنت الْبِنْت، وتورث ابْن الْعم فَيتبع
النَّص وَلَا نَص فِي ذَوي الْأَرْحَام والمقدرات على أَصله
لَا تثبت قِيَاسا، وانعقد الْإِجْمَاع أَن كل أُنْثَى وارثة
يعصبها أَخُوهَا، ونرى بنت الْأَخ لَا يعصبها أَخُوهَا، فَدلَّ
على أَنَّهَا غير وارثة وَبِالْجُمْلَةِ الْقيَاس لَا يجرى فِي
الْمِيرَاث.
لَهُم:
الْإِرْث يبْنى على الْولَايَة وَكلما قطعهَا قِطْعَة كالرق
وَاخْتِلَاف الدّين، وَالْمِيرَاث يقدم فِيهِ الْأَقْرَب
فَالْأَقْرَب كالولاية، وَالْوَارِث نَائِب عَن الْمَيِّت
يَبْنِي ملكه على ملكه، وَحَوله على حوله وَيرد بِالْعَيْبِ،
وذوو الْأَرْحَام لَهُم الْولَايَة؛ لأَنهم يبذلون التَّجْهِيز
والتكفين والدفن.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
الْآيَة الَّتِي استدلوا بهَا مجملة لَيْسَ فِيهَا تعرض
للميراث، فيكفينا
(3/204)
دَعْوَى الْإِجْمَال، ونحملها على
الْحَضَانَة والتربية والتجهيز والتكفين، وَيحْتَمل أَنه
أَرَادَ بهم الْأَقَارِب الْمَذْكُورين فِي آيَة الْمِيرَاث،
وَقَوله فِي كتاب الله يدل على ذَلِك؛ لِأَن ذَوي الْأَرْحَام
لم يذكرُوا فِي كتاب الله، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام فِي
الْخَال معَارض بأحاديثنا، وَيحْتَمل أَن يكون منهاجه
كَقَوْلِه: " الْجُوع زَاد من لَا زَاد لَهُ ".
وَمَعَ تعَارض الْأَحَادِيث لَا يستبعد التَّأْوِيل الْغَرِيب
ثمَّ المَال يصرف إِلَى جِهَة الْإِسْلَام لَا إِلَى جِهَة
الْمُسلمين، فَلَا وَجه لقَولهم (ترجح) ذَوي الْأَرْحَام،
فَإِنَّهُ يخرج أَيْضا فِي عمَارَة قناطر ومصالح وَيصرف إِلَى
الرَّقِيق وَالْكَافِر إِذا تعلق بِهِ مصلحَة (الْإِسْلَام
وَبِالْجُمْلَةِ نصيب الرَّحِم للتوارث كالنسب حكم شَرْعِي لَا
بُد لَهُ من مُسْتَند، وَإِمَّا أَن يثبت أصلا أَو فرعا لَا
أصل لَهُ، وَلم يرد فِي ذَلِك) نَص وَمَوْضِع النَّص لَا
يُقَاس عَلَيْهِ هَاهُنَا؛ لأَنهم لَيْسُوا على قِيَاس ذَوي
الْفُرُوض، حَيْثُ لم
(3/205)
يقدر لَهُم وَلَا على قِيَاس الْعَصَبَات؛
لأَنهم لَا يَأْخُذُونَ مَا فضل عَن الْفُرُوض (بل يرد على
الْفُرُوض ويحرمون) .
(3/206)
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: المشركة (قصط) :
الْمَذْهَب: يُشَارك ولد الْأَبَوَيْنِ وَالأُم.
عِنْدهم: يستأثر ولد الْأُم بسهمهم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: هبوا أَن أباهم كَانَ حمارا،
فَمَا زادهم ذَلِك إِلَّا قربا، وَقيل: بل ولد الْأَبَوَيْنِ
قَالَ ذَلِك لعمر.
لَهُم: ... .
(3/207)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شاركهم فِي قرَابَة الْأُم، وَانْفَرَدَ بِقرَابَة الْأَب،
فَإِذا لم يُوجب التَّقْدِيم لم يُوجب التَّأْخِير، وَإِنَّمَا
قدمت قرَابَة الْأُم لقوتها فعمرت قرَابَة الْأُم وَلما لم
تظهر قرَابَة الْأُبُوَّة ظَهرت قرَابَة الأمومة، وَفِي هَذِه
الصُّورَة يَرث بِالْفَرْضِ لَا بِالتَّعْصِيبِ.
لَهُم:
عصبَة لم تَجِد (فضلا فَسقط) كالأخ من الْأَب، وَهَذَا لِأَن
قرَابَة الْأُم هَاهُنَا للترجيح (فَلَا تكون للاستحقاق) وَلَو
كَانَت سَببا لَاسْتَحَقَّ الْفَرْض والتعصيب، وَدَلِيل بَقَاء
تعصيبه أَنه فِي هَذِه الْحَالة تسْقط الْأُخْت من الْأَب ثمَّ
لَو أَن ولد الْأُم وَاحِد وَولد الْأَب عشرَة فلجميعهم
السُّدس.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
(3/208)
التكملة:
حرمانهم مَعَ الْمُسَاوَاة فِي الِاسْتِحْقَاق لَا وَجه لَهُ؛
لأَنهم لم يتميزوا إِلَّا بِقرَابَة الْأَب وقرابة الْأُم
تَابِعَة لقرابة الْأَب سَاقِطَة الْعبْرَة إِذا أمكن الْعَمَل
بِقرَابَة الْأَب، وَأما إِذا لم يُمكن فَجعل قرَابَة الْأُم
سَاقِطَة مَعَ وجودهَا خَارج عَن الإفادة، وَبِهَذَا نجيب عَن
الصُّورَة الَّتِي فِيهَا وَاحِد من ولد الْأُم، وعدة من ولد
الْأَبَوَيْنِ، فَإِن تمّ ظهر ابْن قرَابَة الْأُم فَهُوَ إِذا
عصبَة، وَقد وجد فِي حَقه سَبَب آخر فَصَارَ كَابْن عَم هُوَ
أَخ لأم.
(3/209)
(الْمَسْأَلَة المائتان: الْجد مَعَ
الْأُخوة وَالْأَخَوَات (ر) :)
الْمَذْهَب: لَا يحجبهم بل يقاسمهم.
عِنْدهم: يحجبهم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم} ، وَقَوله
تَعَالَى إِخْبَارًا عَن يُوسُف: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي
إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق} ، وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " ارموا بني إِسْمَاعِيل "، وَقَوله تَعَالَى:
(وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح
(3/210)
آباؤكم} .
وَجه الدَّلِيل: أَن اسْم الْأَب يُطلق على الْجد فحجب
كَالْأَبِ الْأَدْنَى.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْجد وَالْأَخ اسْتَويَا فِي الإدلاء إِلَى الْمَيِّت فاشتركا
فِي الْمِيرَاث كالأخوين لِأَن الْجد أَبُو أَبِيه، وَالِابْن
ابْن ابْنه، والإدلاء بالبنوة فِي التَّعْصِيب أقوى من
الْأُبُوَّة، بِدَلِيل تَقْدِيم الابْن على الْأَب وَإِن سمي
الْجد أَبَا فعلى طَرِيق الْمجَاز.
لَهُم:
كل حكم يثبت للْأَب يثبت للْجدّ من الاستبداد بِالْولَايَةِ
ورد الشَّهَادَة ودرء الْقصاص وَالْعِتْق عِنْد الْملك وَملك
المَال عِنْد الْحَاجة، وَإِذا استولد جَارِيَته ملكهَا،
فَإِذا كَانَ كَذَلِك ساواه فِي حجب الْأُخوة، ثمَّ إِن الْأَخ
يسْقط إِذا بَقِي فَرْضه وَلَا يُشَارِكهُ دَائِما.
مَالك: ق.
(3/211)
أَحْمد: ف.
التكملة:
جِهَة الْأُخوة مورثة بِنَصّ الْكتاب فحجب المدلي بهَا
إِنَّمَا يَسْتَقِيم بِنَصّ أَو قِيَاس على نَص وَلم يثبت حجب
الْأَخ الْجد نصا، وَإِنَّمَا حجب الْأَب، وَالِابْن وَابْن
الابْن، وَلَيْسَ الْجد فِي معنى وَاحِد من هَؤُلَاءِ ويرجح
الْأَب على الْأَخ، لَا لأجل أَنه بِنَفس البعضية بل للبعضية
المتأكدة بِالْقربِ، فَإِن كَانَ الْجد يدل بالبعضية، فَلَيْسَ
لَهُ قرب، وَإِن نزل الْجد منزلَة الْأَب فِي الْأَحْكَام
الَّتِي ذكروها فقد نزل الْأَخ بِمَنْزِلَة الابْن عِنْد عدم
الابْن فِي أَنه عصب أُخْته بِخِلَاف الْعم وَابْن الْأَخ،
وَأَن الذّكر ليستغرق وَالْأُنْثَى النّصْف، والانثيين
الثُّلُثَانِ وَالْجد يُفَارق الْأَب فِي الْمِيرَاث فِي
العمريتين، وَبِالْجُمْلَةِ الْجد وَارِث، وَالْأَخ وَارِث
فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يسقطا مَعًا، أَو
(3/212)
يسْقط أَحدهمَا، وَيَرِث الآخر، وإسقاطهما
مَعًا لَا يُمكن، وَالتَّرْجِيح يحكم فَبَقيَ أَن يرثا مَعًا،
فَأَما تفاصيل أَحْوَالهم فبالتوقيف وَاتِّبَاع الصَّحَابَة
رضوَان الله عَلَيْهِم حجَّة إِذا اجْتمع الْجد مَعَ الْأُم
أَخذ مثلي مَا يَأْخُذ الْأُخوة لَا ينقصُونَ الْأُم من
السُّدس، فَلَا ينقصُونَ الْجد من ضعف السُّدس.
(3/213)
لوحة 52 من المخطوطة أ:
إِذا ورد نَص بتعليق حكم على وصف وَظَهَرت الْمُنَاسبَة
لِمَعْنى يتضمنه ذَلِك الْوَصْف وَانْقطع أثر صُورَة الْوَصْف
كَانَ اعْتِبَاره على مذاق التحكمات الجامدة الَّتِي لَا نستشف
مِنْهَا مخايل الْمَعْنى وَجب إِحَالَة الحكم على مُتَضَمّن
الْوَصْف، وَإِن كَانَ للوصف خُصُوص أثر فَلَا سَبِيل إِلَى
الْغَايَة، وَقد يُفْضِي هَذَا إِلَى نفي الحكم مَعَ وجود
الْوَصْف لانفكاكه عَن الْمَعْنى الْمُنَاسب، فَبِهَذَا قد
يُزَاد على المنقوص وَينْقص وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام: " الْقَاتِل لَا يَرث " الصَّحِيح أَن الْقَاتِل
قصاصا وحدا يَرث لأَنا فهمنا من الْقَتْل أمرا، ذَلِك الْأَمر
مَخْصُوص بِبَعْض أَنْوَاع الْقَتْل فَنَقُول: لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يناط الحرمان بِالْقَتْلِ لصورته أَو لِمَعْنى
يتضمنه، وَذَلِكَ الْمَعْنى إِذا كَانَ مناسبا لَا بُد من
اعْتِبَاره.
وَقد اضْطربَ رَأْي الْمُجْتَهدين فِي منَاط الحكم من
الْقَتْل، وَالْقَتْل يَنْقَسِم إِلَى عمد وَخطأ، وَالْخَطَأ
يَنْقَسِم إِلَى: مبَاشر وتسبب، فالشافعي عمم الحرمان، وَأَبُو
حنيفَة خصص بالمباشر وَقَالَ: من حفر بِئْرا فِي مَحل
(3/214)
عدوان فتردى فِيهَا قَرِيبه وَرثهُ،
وَكَأَنَّهُ يَقُول قَائِلا حَقِيقَة، فَإِن الْهَلَاك حصل
بالحركة لَا بِالْحفرِ، وَعِنْدنَا هُوَ قَاتل بِدَلِيل
الدِّيَة وَالْكَفَّارَة، وَالْقَتْل فِي حق الْقَاتِل
يَنْقَسِم إِلَى مَا يصدر عَن مُكَلّف، وَإِلَى مَا يصدر عَن
غير مُكَلّف، وَيَنْبَنِي على ذَلِك مَسْأَلَة الصَّبِي
وَالْمَجْنُون، ثمَّ الْقَتْل الْعمد يَنْقَسِم إِلَى مَحْظُور
وَغير مَحْظُور، والمحظور لَا محَالة ينْدَرج تَحت الْعُمُوم،
وَغير الْمَحْظُور يَنْقَسِم إِلَى مُبَاح كَالْقَتْلِ قصاصا
وَقتل الصَّائِل والباغي، وَإِلَى وَاجِب كَالْقَتْلِ حدا
فتردد الشَّافِعِي فِي هَذِه الصُّورَة وَقطع أَن كل قتل
مَضْمُون بدية أَو كَفَّارَة، أَو قتل فَهُوَ يُوجب الحرمان،
وَمَا لَا يُوجب شَيْئا فَهُوَ هدر.
ثمَّ ثار بعد هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الْوَصِيَّة للْقَاتِل
فَمنع مِنْهَا الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة، وَهَذَا زِيَادَة
على الْمَنْصُوص عملا بِالْمَعْنَى، إِمَّا تشوفا إِلَى
مُقَابلَة المتعجل بضد قَصده، أَو نظرا إِلَى أَن المَال
المستعجل بَاب وَاحِد يسْتَحق تَارَة بِقرَابَة وَتارَة بزوجيه
وَتارَة بِوَصِيَّة، فَمَا كَانَ عِلّة الْإِسْقَاط فِي
أَحدهَا كَانَ عِلّة فِي الْبَوَاقِي، وأحق الْعَصَبَات البنون
ثمَّ بنوهم، ثمَّ الْأَب، ثمَّ الْجد، وَقد ذكرنَا حَاله مَعَ
الْأُخوة، ثمَّ بَنو الْأَب، ثمَّ بنوهم، ثمَّ بَنو الْجد،
ثمَّ بنوهم، وعَلى هَذَا لَا يَرث بَنو أَب (أَعلَى وَهُنَاكَ
بَنو أَب) أقرب مِنْهُم، وَإِن سفلوا وَأولى ولد كل أَب أقربهم
إِلَيْهِ فاستووا فأولاهم من
(3/215)
كَانَ لأَب وَأم والبنون وبنوهم والأخوة من
الْأَبَوَيْنِ والأخوة من الْأَب يعصبون أخواتهم ويمنعونهن
الْفَرْض ويقتسمون مَا ورثوا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَالْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات عصبَة يرثن ويحجبن كالأخوة، وَقد
يجْتَمع للْأَب وَالْجد الْفَرْض والتعصيب مَعَ إناث الْوَلَد.
(3/216)
(مسَائِل من الْفَرَائِض)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة بعد الْمِائَتَيْنِ: الْمُرْتَد
إِذا مَاتَ أَو قتل مُرْتَدا (را) :)
الْمَذْهَب: كَانَ مَاله فَيْئا.
عِنْدهم: مَا اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة لوَرثَته الْمُسلمين،
مَا اكْتَسبهُ بعد الرِّدَّة فَيْء.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يَرث الْمُسلم
الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم "، وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام: " لَا توارث بَين أهل ملتين شَتَّى "، وَهَذَا نَص
فِي
(3/217)
الْبَاب.
لَهُم:
قتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْمُسْتَوْرد الْعجلِيّ على ردته،
وَصرف مَاله إِلَى ورثته الْمُسلمين، قَالَ زيد بن ثَابت
أَرْسلنِي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مُنْصَرفه من قتال
الْمُرْتَدين، وَأَمرَنِي أَن أجعَل مَال كل وَاحِد مِنْهُم
لوَرثَته من الْمُسلمين، وَلم يرد خِلَافه عَن أحد.
(3/218)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَافِر فَلَا يَرِثهُ الْمُسلمُونَ كَسَائِر الْكفَّار، لِأَن
الْمُوَالَاة شَرط الْإِرْث، لِأَن الوراثة خلَافَة فِي
الْملك، فَإِذا انْقَضتْ الْمُوَالَاة انْقَطَعت الْخلَافَة،
وَلِهَذَا قَطعنَا الْمِيرَاث، وَلَا نسلم ثُبُوت حكم
الْإِسْلَام لَهُ، وَإِنَّمَا لم يقسم مَاله رَجَاء فيئته.
لَهُم:
الْمُرْتَد لَهُ حكم الْإِسْلَام، بِدَلِيل أَنه لَا يكون
مَاله فَيْئا فِي الْحَال، وَأَنه لَا يقر على كفره وَيُؤمر
بِقَضَاء الصَّلَوَات وَولده من الْكِتَابِيَّة مُسلم،
وَالْمَال تبع النَّفس فورث كَالْمُسلمِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْآثَار الَّتِي نقلوها عَن آحَاد الصَّحَابَة فدعواهم فِيهَا
الْإِجْمَاع لَا وَجه لَهُ؛ لِأَن الْخلاف تحقق من التَّابِعين
وَلَوْلَا أَن الْخلاف عَن الصَّحَابَة لما تحقق من
التَّابِعين، وَلَعَلَّ أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
فعل ذَلِك لمصْلحَة رَآهَا.
(3/219)
قَوْلهم: مُسلم حكما كَلَام لَا أصل لَهُ،
فَإِنَّهُ مَتى تحقق الْكفْر انْتَفَى الْإِسْلَام، وَأما
قَضَاؤُهُ الصَّلَوَات فَهَذَا الحكم عندنَا يخْتَص بالكافر
أَيْضا لِكَوْنِهِمَا مخاطبين بِفُرُوع الْإِسْلَام،
وَإِنَّمَا سقط عَن الْكَافِر تَخْفِيفًا، أما الْمُرْتَد
فَلَا يسْتَحق التَّخْفِيف وَالْولد يتبع أمه لِأَنَّهَا جُزْء
مِنْهُ دينا، وَالَّذِي يدل على أَنه كَافِر حَقِيقَة وَحكما
شرع الْقَتْل فِي حَقه على كفره وَكَونه لَا يَرث الْمُسلم
وَلَا الْمُرْتَد، والمرء يُورث من حَيْثُ يَرث، ثمَّ فِي أَي
وَقت يُورث، أيورث وَهُوَ حَيّ؟ هَذَا محَال، لِأَن مِيرَاث
الْأَحْيَاء لَا يَصح، وَإِذا مَاتَ فَهُوَ كَافِر حَقِيقَة،
ويلزمهم مَا اكْتَسبهُ مُرْتَدا، فَإِنَّهُم لم يورثوا بِهِ
عَنهُ، ثمَّ نقُول: الرِّدَّة أبطلت عصمَة النَّفس فأبطلت
عصمَة المَال، لِأَن المَال تَابع للنَّفس.
(3/220)
فارغة
(3/221)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بعد
الْمِائَتَيْنِ: الْقَتْل من الصَّبِي وَالْمَجْنُون (ر ب) :)
الْمَذْهَب: يَقْتَضِي حرمَان الْمِيرَاث.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ للْقَاتِل من
الْمِيرَاث شَيْء "، وَهَذَا عَام.
لَهُم: ... .
(3/222)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قتل بِغَيْر حق فَيُوجب حرمَان الْإِرْث، لِأَن حرمَان
الْمِيرَاث يتَعَلَّق بِنَفس الْقَتْل سَوَاء كَانَ عُدْوانًا
أَو مؤثما، بِدَلِيل الْخَطَأ، وفقهه أَن سَبَب الحرمان قطع
الْمُوَالَاة الَّتِي هِيَ شَرط الْإِرْث.
لَهُم:
جَزَاء فعل مَحْظُور لَا يتَعَلَّق بِفعل الصَّبِي
وَالْمَجْنُون، دَلِيله الْقود، وتأثيره: أَن حرمَان
الْمِيرَاث لَيْسَ فِيهِ جبر (الْمحل وَقد جبر) بِالدِّيَةِ
وَإِنَّمَا يُقَابل جَزَاء الْفِعْل، وَالْجَزَاء يفْتَقر
إِلَى حظرية وخطاب.
مَالك: الْقَاتِل عمدا لَا يَرث.
أَحْمد: ق.
التكملة:
بِالْقَتْلِ قطع الوصلة فَلَا يثبت فِي حَقه مَا هُوَ وصلَة
كَمَا فِي حق الْبَالِغ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ قطع الرَّحِم
الَّتِي هِيَ سَبَب الْمِيرَاث، ثمَّ يلْزمهُم الخاطئ، فَإِن
فعله غير مؤثم، وَمَعَ هَذَا حرمه الْمِيرَاث، وَبِالْجُمْلَةِ
الْعلَّة فِي
(3/223)
قطع الْمِيرَاث قطع الْمُوَالَاة، قَوْلهم
فِي الْموضع الْمُتَّفق عَلَيْهِ قد استعجل مَا أَخّرهُ الله
تَعَالَى، قُلْنَا: يبطل بِأم الْوَلَد، وَالْمُدبر وَصَاحب
الدّين الْمُؤَجل، فَإِن الْمُدبر وَأم الْوَلَد يعتقان،
والغريم يسْتَحق الدّين، أما الْقَتْل الْوَاجِب، وَالْقَتْل
الْمُبَاح، قُلْنَا فيهمَا منع، فَنَقُول: يحرم الْمِيرَاث،
وَإِن شِئْنَا خرجناه على طريقتنا؛ لأَنا قُلْنَا بِغَيْر حق،
وَهَذَا قَاتل بِحَق.
(3/224)
(المسالة الثَّالِثَة بعد الْمِائَتَيْنِ:
الْقرَابَات بِنِكَاح الْمَجُوس وَوَطْء شُبْهَة (ر ج) :)
الْمَذْهَب: يَرث بأقوى قرابتيه.
عِنْدهم: يَرث بهما.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
(3/225)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شخص وَاحِد فَلَا يجمع بَين فرضين كَمَا لَو كَانَت زَوجته
هِيَ بنت أَو هِيَ أم، وَذَلِكَ لِأَن الْفُرُوض مقدرَة لَا
يجوز الْمَزِيد عَلَيْهَا كالحدود والعبادات، قَالَ
الشَّافِعِي: لَو قضينا بذلك لزم مِنْهُ أَن تحجب نَفسهَا
وَذَلِكَ مستبعد.
لَهُم:
قرابتان لَهما اسمان فورث بهما كَابْن الْعم إِذا كَانَ أَخا
لأم، والأسباب إِذا تعدّدت تعدّدت مسبباتها، ثمَّ الْأَب
وَالْجد يجْتَمع لكل مِنْهُمَا الْفَرْض والتعصيب بِجِهَة
وَاحِدَة، فَلِأَن يجْتَمع لشخص فرضان بجهتين كَانَ أولى.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
الْجمع فِي التَّوَارُث بقرابتين حكم شَرْعِي لَا يعرف إِلَّا
بِدَلِيل شَرْعِي
(3/226)
وَهُوَ النَّص، أَو الْقيَاس على مَنْصُوص
وَلَا نَص وَلَا أصل يُقَاس عَلَيْهِ، فَإِن قستموه على ابْن
الْعم الْأَخ من الْأُم لم يَصح أَولا؛ لِأَن هَذِه قَرَابَات
أذن الشَّارِع فِيهَا، وَثَانِيا؛ لِأَنَّهَا فرض وتعصيب.
قَالُوا: إِذا ورثنا بالأمومة مُفْردَة وبالأخوة مُفْردَة،
فالجمع بَينهمَا لَا يزِيد عَلَيْهِمَا، وَالْجَوَاب: أَنه شرع
كل وَاحِد مِنْهُمَا يدل على الْأُخْرَى وَلم يشرع الْجمع،
قَوْلهم: الْجمع لَا يزِيد على الْإِفْرَاد مناكرة للمعقول
وينتقص عَلَيْهِم بالأخت من الْأَبَوَيْنِ.
(3/227)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة بعد
الْمِائَتَيْنِ: إِذا قتل الْعَادِل الْبَاغِي (ر د) :)
الْمَذْهَب: لَا يَرث.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عُمُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ للْقَاتِل من مَال
مقتوله شَيْء "، وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي
حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} أَمر بِالْقِتَالِ لَا
بِالْقَتْلِ.
لَهُم: ... .
(3/228)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمَأْمُور بِهِ الْقِتَال لَا الْقَتْل، فوجود الْقَتْل
فِيهِ تعد من وَجه فَأوجب حرمَان الْإِرْث كالمؤدب
وَالْإِجْمَاع وَاقع على أَنا لَا نذفف على جريحهم وَلَا نقْتل
أسيرهم، وَلَا نبدأهم بِقِتَال، فالقصد كف شرهم لَا إعدامهم
فَصَارَ كالروح.
لَهُم:
مَأْمُور بِالْقِتَالِ وَهُوَ سَبَب الْقَتْل فَسقط عَنهُ
مُوجب حكم الْقَتْل كَالْقصاصِ وَالْكَفَّارَة؛ لِأَنَّهُ لما
أذن فِيهِ اسْتَحَالَ أَن يُؤَاخذ بِهِ كَمَا فِي الجلاد بل
أولى، فَإِن الْجلد لَا يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا،
والقتال يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَالُوا: فعل الْمُؤَدب وَالزَّوْج مُتَعَدٍّ، فَلهَذَا أوجب
الضَّمَان وَالْكَفَّارَة
(3/229)
وَهَذَا الْفِعْل لَا يُوجب ضمانا وَلَا
كَفَّارَة، فَلَا يحرم الْإِرْث.
الْجَواب: قد بَينا وَجه التَّعَدِّي فِيهِ، فَإِنَّهُ أَمر
بِالْقِتَالِ لَا بِالْقَتْلِ لَكِن لما كَانَ التَّعَدِّي
فِيهِ أقل لم يُوجب الضَّمَان وَلَا الْكَفَّارَة، وَالْفرق
فِي هَذَا يُوجب الْفرق فِي الْمِيرَاث، أَلا ترى أَن
الْعَامِد يلْزمه الْقصاص والخاطئ لَا يلْزمه، وَمَعَ هَذَا
اتفقَا فِي حرمَان الْإِرْث، ثمَّ إِن المصول عَلَيْهِ إِذا
قتل الصَّائِل لَا ضَمَان وَلَا كَفَّارَة وَمَعَ هَذَا لَا
يَرث، وَيدل على جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ أَن الْخِتَان يحرم
الْمِيرَاث إِذا قتل، وَقد فعل فعلا مَأْمُورا بِهِ، ثمَّ هُوَ
عنْدكُمْ شبه عمد، وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَة مشكلة لعدم
الضَّمَان وَالْكَفَّارَة.
(3/230)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة بعد
الْمِائَتَيْنِ: الْمُوَالَاة (ر هـ) :)
الْمَذْهَب: لَا يُورث بهَا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
سَبَب لَا يُورث بِهِ مَعَ وجود السَّبَب بِحَال، وَلَا يُورث
بِهِ مَعَ فَقده كالرضاع.
(3/231)
لَهُم:
الْإِرْث مرّة بِالْفَرْضِ وَمرَّة بِالتَّعْصِيبِ ثمَّ
الْإِرْث بِالْفَرْضِ يسْتَحق بمعنيين أَحدهمَا يلْحقهُ
الْفَسْخ وَهُوَ النِّكَاح، وَالْآخر لَا يلْحقهُ الْفَسْخ،
وَهُوَ النّسَب (فَيجب أَن يكون فِي التَّعْصِيب كَذَلِك،
فَالَّذِي يلْحقهُ الْفَسْخ الْمُوَالَاة وَالَّذِي لَا
يلْحقهُ الْفَسْخ النّسَب) .
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَالُوا: الرَّضَاع لم يسْتَحق بِهِ الْإِرْث فِي ابْتِدَاء
الْإِسْلَام والموالاة اسْتحق بهَا. الْجَواب: لَيْسَ إِذا ورث
فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ورث بِهِ الْآن كالهجرة، قَالُوا:
الْإِرْث ثَبت بَين الرجل وَالْمَرْأَة بِثَلَاثَة أوجه:
الْعتْق، وَالنّسب، وَعقد النِّكَاح فَيجب أَن يثبت بَين
الرجلَيْن والمرأتين من ثَلَاثَة أوجه، وَهَذَا يَنْقَلِب
عَلَيْهِم، فَإِن الْإِرْث لَا يثبت (والمرأتين من ثَلَاثَة
أوجه وَهَذَا يَنْقَلِب عَلَيْهِم، فَإِن الْإِرْث لَا يثبت من
الرجل) بَين الرجلَيْن من أَرْبَعَة أوجه
(3/232)
فَيجب أَن يثبت بَين الرجل وَالْمَرْأَة من
أَرْبَعَة أوجه.
من هوامش لوحة 52 أ:
اعْلَم أَن مخرج كل كسر عدد مَا فِي الْوَاحِد من أَمْثَاله،
فمخرج النّصْف من اثْنَيْنِ، وَالثلث من ثَلَاثَة، فَإِذا
أردْت مخرج كسرين فَمَا زَاد، عملت مخرج كسرين مِنْهُمَا بِأَن
تنظر إِن كَانَ سمى أحد المخرجين بعد سمى الْمخْرج الآخر
فالمعدود، وَهُوَ مخرج الكسرين، وَإِن باينه ضربت أَحدهمَا فِي
الآخر، وَإِن وَافقه ضربت وفْق أَحدهمَا فِي الآخر، فَإِذا
عملت مخرجا لكسرين عملت بِهِ، وبمخرج الْكسر الثَّالِث
كَذَلِك، فعلى هَذَا مخرج ثلث وَربع وَسدس من اثْنَي عشر ومخرج
ثلث وَثمن وَسدس من أَربع وَعشْرين، والعددان المتوافقان هما
اللَّذَان بعدهمَا عدد ثَالِث، وهما متفقان بِأَكْثَرَ مَا
بعدهمَا، والعول هُوَ أَن تزيد السِّهَام على الْمخْرج، وَأَنت
إِذا جمعت السِّهَام فمهما بلغت فَهُوَ أصل الْمَسْأَلَة.
مِثَاله: زوج وَأُخْت وَأم، أَصْلهَا من سِتَّة: للزَّوْج
ثَلَاثَة، وَللْأُخْت ثَلَاثَة، وَللْأُمّ اثْنَان تعول إِلَى
ثَمَانِيَة، فَصَارَ ذَلِك أصل الْمَسْأَلَة، فقد كَانَ
للزَّوْج نصف يصير لَهُ ربع وَثمن، وَكَذَلِكَ للْأُخْت،
وَكَانَ للْأُم الثُّلُث فَيصير لَهَا الرّبع.
قَالَ بعض الْأَصْحَاب: كل قتل مَضْمُون لَا إِرْث مَعَه،
وَقيل مَتى لحقته التُّهْمَة بِوَجْه لَا يَرث.
(3/233)
مَذْهَب عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ أَن
دِيَة الْمَقْتُول لِلْعَاقِلَةِ.
الْوَلَاء الْمُرَتّب على الْعتْق يُورث بِهِ، وَلَا يُورث
وَهُوَ للكبر من الْعَصَبَات، مِثَاله: مُعتق مَاتَ وَخلف
ابْنَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا وَخلف ابْنا ثمَّ مَاتَ الْمُعْتق
فَمَاله لِابْنِ مُعْتقه، وَلَا شَيْء لِابْنِ الابْن الدارج،
وَالنِّسَاء لَا يرثن إِلَّا من أعتقن أَو أعتق من أعتقن.
اخْتصم عَليّ وَالزُّبَيْر فِي موَالِي صَفِيَّة بنت عبد
الْمطلب فَقَالَ عَليّ: أَنا أَحَق؛ لِأَنِّي أَعقل عَنْهُم،
وَقَالَ الزبير: أَنا أَحَق لأَنهم موَالِي أُمِّي قضى عمر
بِأَن يعقل عَنْهُم عَليّ ويرثهم الزبير.
(3/234)
|