تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (الْوَدِيعَة وَمَا بعْدهَا من ربع الْبيُوع)

(3/257)


فارغة

(3/258)


لوحة 54 من المخطوطة أ:
إِذا أَرَادَ الْمُودع سفرا كَانَ لَهُ رد الْوَدِيعَة إِلَى صَاحبهَا أَو وَكيله، فَإِن دَفعهَا إِلَى الْحَاكِم مَعَ وجود أَحدهمَا ضمن، فَإِن لم يحضر أَحدهمَا وَاحْتَاجَ إِلَى السّفر دَفعهَا إِلَى الْحَاكِم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، فَلَو دَفنهَا وَلم يعلم بهَا أحدا ضمن، وَكَذَا إِذا أعلم بهَا غير ثِقَة، فَإِذا حَضرته الْوَفَاة جرى مجْرى السّفر، وَإِن أودعها عِنْد ثِقَة جَازَ مَعَ عدم الْحَاكِم، وَإِذا جن الْمُودع أَو حجر عَلَيْهِ لسفه كَانَ على الْمُودع رد الْوَدِيعَة إِلَى الْحَاكِم؛ لِأَن إِذْنه فِي الْإِيدَاع بَطل والناظر عَلَيْهِ الْحَاكِم، إِذا أودع دَرَاهِم فِي كيس فَكسر الْخَتْم أَو حل الشد ضمن؛ لِأَنَّهُ خرق حرز الْوَدِيعَة وهتك حرمتهَا، وَإِن خرق فَوق الشد ضمن مَا خرق.
وَاعْلَم أَن الْغَنِيمَة مَا أَخذ من الْمُشْركين بالقهر وَالْغَلَبَة، والفيء مَا انجلوا عَنهُ، والجزية والعشور وأموال الْخراج مقسوم على خَمْسَة: للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، لِذَوي الْقُرْبَى وهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب ابْنا عبد منَاف، لِلْيَتَامَى، للْمَسَاكِين، لِابْنِ السَّبِيل، فَأَما الْفَيْء فَأَرْبَعَة أخماسه كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وخمسه يقسم على خَمْسَة كخمس الْغَنِيمَة خمسه لرَسُول الله مقسوم على

(3/259)


أَرْبَعَة أَخْمَاس فَيكون من عشْرين سَهْما، فَلَمَّا توفّي (النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام) انْتقل السهْم الَّذِي كَانَ لَهُ من الْخمس إِلَى الْمصَالح، وَأما أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء فَفِيهَا قَولَانِ: أَحدهَا أَنَّهَا انْتَقَلت إِلَى المرابطين؛ لِأَن بهم ينتصر الْإِسْلَام كَمَا كَانَ ينتصر بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا لمصَالح الْمُسلمين.
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ الإِمَام من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ فَهُوَ شَرط بَاطِل خلافًا لَهُم، لنا آيَة الْغَنِيمَة وَعِنْدهم لَا يُخَمّس.
مَسْأَلَة: إِذا فتح بَلَدا وملكت أَرض وَجب قسمتهَا بَين الْغَانِمين، قَالَ أَبُو حنيفَة الإِمَام بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أجلاهم مِنْهَا وَأقر غَيرهم من الْكفَّار فِيهَا، وَإِن شَاءَ قسمهَا بَين الْغَانِمين، وَإِن شَاءَ أقرّ أَهلهَا فِيهَا بالخراج. لنا آيَة الْغَنِيمَة وَلِأَنَّهُ نوع مَال فَلم تكن قسمته موكولة إِلَى اخْتِيَار الإِمَام كالمنقولات.
وَلَا يُقَال: إِن المنقولات لَا يَصح وضع الْخراج عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِك

(3/260)


الْعقار؛ لأَنا لَا نسلم أَنه يجوز ضرب الْخراج عَلَيْهَا وَمَا فعله عمر فِي أَرض السوَاد إِنَّمَا هُوَ أُجْرَة أَو ثمن.
مَسْأَلَة: الإِمَام بِالْخِيَارِ فِي أُسَارَى الْمُشْركين بَين الْقَتْل والاسترقاق والمن وَالْفِدَاء. قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْمَنّ وَالْفِدَاء.
لنا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من على ثُمَامَة بن أَثَال، وَإِنَّمَا يفعل الإِمَام ذَلِك إِذا علم أَن فِيهِ مصلحَة، وَأما سِلَاحهمْ فَإِنَّمَا لم يدْفع إِلَيْهِم؛ لِأَنَّهُ صَار مَمْلُوكا.
مَسْأَلَة: لَا يجوز صرف شَيْء من الصَّدقَات المفروضات إِلَى (الْكفَّار قَالَ الْخصم: يجوز صرف صَدَقَة الْفطر إِلَى أهل الذِّمَّة) .

(3/261)


الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ: إِذا تعدى الْمُودع فِي الْوَدِيعَة (ريا) :
الْمَذْهَب: يضمن، فَإِن عَاد إِلَى الوثاق لم يبرأ من الضَّمَان.
عِنْدهم: يبرأ من الضَّمَان بعوده.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه "، وَجه الدَّلِيل أَن يَده قد صَارَت عَادِية آخذة، فَالضَّمَان عَلَيْهِ إِلَى أَن يرد، فَمن ادّعى الرَّد أَو طريان قَاطع للضَّمَان فَعَلَيهِ الدَّلِيل.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
زَالَت يَد الْوَدِيعَة فارتفع العقد؛ لِأَنَّهَا دخلت فِي ضَمَان الْمُودع وَصَارَت

(3/262)


يَده عَادِية؛ لِأَن يَده عَادِية فِي الْحِفْظ، فَإِذا خَان فقد استردها، ثمَّ لَو أودع الْغَاصِب صَار أَمينا فَإِذا خَان الْأمين صَار غَاصبا والأشياء تعرف بنظائرها.
لَهُم:
مُودع مُوَافق فبرئ من الضَّمَان؛ لِأَن العقد لم يرْتَفع كالإيمان لَا يرْتَفع بترك الصَّلَاة؛ وَلِأَنَّهُ أَمر بِالْحِفْظِ وَالْخلاف لَا يلاقي الْأَمر حَتَّى يرفعهُ إِنَّمَا يلاقي الْمَأْمُور والوديعة عقد حفظ على الْعُمُوم فَأَي وَقت يحفظ فقد جَاءَ بِمُقْتَضى العقد ثمَّ لَو خَان فِي بعض الْوَدِيعَة بَقِي أَمينا، فَكَذَلِك فِي بعض الزَّمَان.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَالُوا: لَو رد إِلَى يَد وَكيل الْمَالِك أَو نَائِبه خرج عَن الْعهْدَة والآن مهما عَاد إِلَى الْحِفْظ فقد رد إِلَى الْيَد الثَّابِتَة الممسكة لأَمره فِي الْحِفْظ فَخرج عَن الْعهْدَة. الْجَواب: ذَلِك صَحِيح إِن ثَبت أَن الْمَالِك رَاض بائتمانه بعد الْخِيَانَة، فَإِن الْخِيَانَة هدمت الْأَمَانَة، وَإِذا انْهَدم الْحِرْز لم يرض الْمَالِك بإيداع مَاله

(3/263)


فِيهِ، قَالُوا: حَال المَال قَاطِعَة بِطَلَب الْحِفْظ وإرادته فِي كل وَقت (ونعد الْخِيَانَة بعض الْأَحْوَال) ، الْجَواب: نعم يُؤثر الْحِفْظ لَكِن على كَرَاهِيَة كَمَا يُؤثر حفظ مَاله الَّذِي فِي يَد الْغَاصِب وَلَا يدل على أَن يَد الْغَاصِب يَد أَمَانَة. قَالُوا: إِن نظرتم إِلَى شوب قلبه بالخيانة فَهُوَ كَمَا لَو سمع بِفِسْقِهِ أَو رَآهُ قد أَخذ مَال غَيره وخان فِي وَدِيعَة أُخْرَى. الْجَواب: هَذِه احتمالات يجوز أَن يطيب الْقلب مَعهَا، أما إِذا خَان فِي هَذِه الْوَدِيعَة لم يبْق احْتِمَال، قَالُوا: مَا ذكرتموه بَاطِل بالمستأجر على الْحِفْظ إِذا خَان ثمَّ عَاد أَمينا فَإِنَّهُ يسْتَحق الْأُجْرَة.
الْجَواب: إِنَّه إِن اُسْتُؤْجِرَ على حفظ مَال وخان فِيهِ لَا يبرأ عَن الضَّمَان؛ لِأَن العقد اقْتضى جعل يَده حرْزا أَو مُقَابلَة مَنْفَعَة فِي الْحِفْظ (بِأُجْرَة) .

(3/264)


فارغة

(3/265)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ: إِذا أودع صَبيا فأتلف الْوَدِيعَة (ريب) :)

الْمَذْهَب: يجب الضَّمَان فِي مَال الصَّبِي وَيتَعَلَّق بِرَقَبَة العَبْد.
عِنْدهم: لَا ضَمَان على الصَّبِي وَيتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد يتبع بِهِ إِذا عتق.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .

(3/266)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَاجِب ضَمَان اسْتِهْلَاك فيؤاخذ بِهِ الصَّبِي كَالْبَالِغِ؛ لِأَن الصّبيان يؤاخذون بِضَمَان الْأَفْعَال وَمن ضمن المَال بِالْإِتْلَافِ قبل الْإِيدَاع ضمنه بعد الْإِيدَاع بذلك كَالْبَالِغِ، وَمن شِيمَة الْمُرَاهق أَن يحفظ وَلَو أودع عبدا فأتلفه وَجب الضَّمَان، وَضَمان الْإِتْلَاف حكمه يَدُور مَعَ الْإِتْلَاف فَمَتَى وجد وجد.
لَهُم:
هُوَ بالإيداع للصَّبِيّ مسلط على الِاسْتِهْلَاك وَلَا ضَمَان؛ لِأَنَّهُ أثبت للصَّبِيّ يدا على المَال فَهُوَ رَاض بِالْإِتْلَافِ وَصَارَ كتقديم الطَّعَام، وللإنسان ملكان ملك عين وَملك يَد، وَقد أثبت للصَّبِيّ ملك الْيَد، وَقد تملك بِالْيَدِ مُفْردَة عَن الْعين كَالْمكَاتبِ والمأذون وَالْوَكِيل.

(3/267)


أَحْمد:
التكملة:
نمْنَع من أَنه مكنه من الْإِتْلَاف بل استحفظه، وَإِن سلمناه، فالتمكن لَا يسْقط الضَّمَان كمن ترك مَتَاعه فِي مفازة، أَو شمر فرسه، فقد رفع يَده عَن الْمَتَاع وَالْفرس وَالضَّمان على متلفهما ذَلِك لِأَن الْمُسَلط على التَّصَرُّفَات لَيْسَ هُوَ ملك الْيَد بل ملك الْعين، وَإِنَّمَا ترَاد الْيَد لنقل الضَّمَان وَالْقَبْض، وأسعد النَّاس بذلك أَبُو حنيفَة، فَإِنَّهُ قَالَ: بيع الْعقار قبل الْقَبْض صَحِيح فَنَقُول الْمكَاتب مَا تصرف بِملك الْيَد، بل لَهُ ملك الْعين من وَجه، وَكَذَلِكَ الْمَأْذُون يتَصَرَّف بِملك الْعين؛ لِأَنَّهُ نَائِب عَن سَيّده، ثمَّ الْيَد تقسم إِلَى يَد ملك وَيَد أَمَانَة وَلم يثبت للصَّبِيّ يَد الْملك إِنَّمَا ثبتَتْ لَهُ يَد الْوَدِيعَة، وَمَعْنَاهَا جعل يَده نائبة عَن يَد الْمَالِك فِي الْحِفْظ، فَكَأَنَّهُ ضم يدا

(3/268)


أُخْرَى حافظة لهَذَا الْملك إِلَى يَده ويلزمهم إِذا أودعهُ عبدا، فَإِنَّهُ يضمن، فَإِن قَالُوا مَا مكنه من الْإِتْلَاف؛ لِأَن السَّيِّد لَا يملك دم العَبْد بَطل بِمَا لَو صرح بِالْإِذْنِ فِي قَتله، فَإِنَّهُ يسْقط الضَّمَان.

(3/269)


الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ: السَّلب (ريج) :
الْمَذْهَب: يسْتَحقّهُ الْقَاتِل.
عِنْدهم: لَا يسْتَحق إِلَّا أَن يُنَادي الإِمَام بذلك.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أَيّمَا مُسلم قتل مُشْركًا فَلهُ سلبه "، وَقَالَ: " من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه "، وَقَول الشَّارِع مَحْمُول أبدا على تَقْرِير الْقَوَاعِد.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ للمرء إِلَّا مَا طابت بِهِ نفس إِمَامه ".

(3/270)


وَخبر اللَّذين قتلا أَبَا جهل، وَأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أعْطى سلبه أَحدهمَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَال تفرد الْقَاتِل باستيلائه عَلَيْهِ، فتفرد بِملكه كالصيد، وَنزل هَذَا الأَصْل فِي الْغَنَائِم خوف الْفساد بالاشتغال عَن الْقِتَال بالغنائم، أما هَاهُنَا فقد كفى شَره وَانْفَرَدَ بقتْله فَانْفَرد بسلبه.
لَهُم:
مَأْخُوذ بشوكة الْمُسلمين فَكَانَ مقسوما بَينهم كَسَائِر الْغَنَائِم، بَيَانه: أَنه لَوْلَا قوتهم لم يقف وَيقتل وَصَارَ كالواحد ينْفَرد بِفَتْح حصن.
مَالك: ف.
أَحْمد:

(3/271)


التكملة:
لزِيَادَة العناء تَأْثِير فِي زِيَادَة الِاسْتِحْقَاق، بِدَلِيل فضل الْفَارِس على الراجل فليعلل ذَلِك بالترغيب، فَإِن اعْترضُوا بتفاصيل الْمَذْهَب من حرمَان قَاتل المنهزم، وَقَاتل من أثخنه غَيره قلب عَلَيْهِم بِمَا لَو نَادَى الإِمَام وَظهر الْجَواب، يفهم معنى التَّخْصِيص بالترغيب من قبل الْمقَاتل لَا المنهزم ونقول: هَذَا مَال مُبَاح وَطَرِيق اسْتِحْقَاقه حيازته، وَالْأَمْوَال وَإِن كَانَت للْكفَّار إِلَّا أَنَّهَا قدرت مُبَاحَة حَتَّى ملكت بِالِاسْتِيلَاءِ، وَهَذَا الْقيَاس كَانَ يَقْتَضِي أَن يملك الْغَنَائِم كل من حازها لَكِن ترك ذَلِك لمصْلحَة وسياسة حَرْب.

(3/272)


فارغة

(3/273)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ: إِذا جَاوز الدَّرْب فَارِسًا فنفق فرسه (ريد) :)

الْمَذْهَب: لم يسْتَحق سهم الْفَارِس.
عِنْدهم: يسْتَحق.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة " علق الْغَنِيمَة بالشهود، وَهُوَ يُوَافق الْقيَاس، فَكيف يلْحق بِهِ دُخُول الدَّرْب وَلم يساوه؟
لَهُم:
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا يطئون موطئا يغِيظ الْكفَّار وَلَا ينالون من عَدو نيلا إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح} فَجعل مُجَرّد وَطْء دِيَارهمْ جهادا

(3/274)


وَقَالَ تَعَالَى: {وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله} وَقد حصل الإرهاب بِدُخُول الدَّار.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لَا يُوجد سَبَب اسْتِحْقَاق الْفَارِس فَلَا يسْتَحق سهم الْفَارِس، كَمَا لَو هلك قبل الدَّرْب؛ لِأَن السَّبَب قِتَالهمْ فَارِسًا، فالجهاد فعل فَهُوَ كضرب زيد لَا يُوجد بِدُونِ ضربه.
لَهُم:
مُجَاهِد فَارس فَاسْتحقَّ سهم فَارس؛ لِأَن دُخُول دَار الْحَرْب جِهَاد؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْجِهَاد، وَلَو شهد الْوَقْعَة فَارِسًا وَلم يُقَاتل اسْتحق، وَأول السَّبَب يُفْضِي إِلَى نهايته وَلِهَذَا أقيم الْأَجَل مقَام حَقِيقَة الْقُدْرَة فِي السّلم.
مَالك:
أَحْمد:

(3/275)


التكملة:
عبارَة: شهد الْحَرْب رَاجِلا فَلَا يسْتَحق سهم فَارس كَمَا لَو كَانَ مستعارا، أَو بَاعَ الْفرس. قَالُوا: لَا خلاف أَن حَيَاة الْفرس إِلَى (حِين تَمام الِاسْتِيلَاء غير مُعْتَبر) ، وَسبب ملك الْغَنِيمَة الِاسْتِيلَاء، وَأول أَسبَاب الِاسْتِيلَاء دُخُول الدَّار لما فِيهِ من الْقَهْر وَالْغَلَبَة، وَلِهَذَا يتَعَيَّن على الْمُسلم الْجِهَاد إِذا دخل الْكفَّار أَطْرَاف بِلَادهمْ فاعتبرنا دُخُول الدَّار. الْجَواب: السَّبَب مَا نَصبه الشَّرْع سَببا، وَهُوَ شُهُود الْحَرْب، وَفِيه مُنَاسبَة، والقتال هُوَ الْمُؤثر فِي الْقَهْر ثمَّ مُبَاشرَة عينه لم تشْتَرط بل الاستعداد لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من الحزم اشْتِغَال الْجَمِيع بِالْقِتَالِ، وكل مَا يذكرُونَهُ منقوض بِمَا لَو بَاعَ الْفرس أَو مَاتَ الْفَارِس أَو كَانَ الْفرس مستعارا.

(3/276)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ: اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية فِي الصَّدقَات (ريه) :)

الْمَذْهَب: وَاجِب.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} الْآيَة. أضَاف الصَّدقَات إِلَيْهِم بلام التَّمْلِيك وَعطف الْبَعْض على الْبَعْض فَاقْتضى الِاشْتِرَاك.
لَهُم:
ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} الْآيَة، وَجه الدَّلِيل: أَنه جعل عَطاء الْفُقَرَاء خيرا، وَالصَّدقَات إِذا أطلقت شرعا أُرِيد بهَا الْفَرْض. قَالَ تَعَالَى: {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} .

(3/277)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ملك مُضَاف إِلَى أَصْنَاف بأوصاف فَوَجَبَ أَن يستووا استحقاقا قِيَاسا على مَا لَو أوصى لَهُم.
لَهُم:
الزكوات لله تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا عبَادَة مَحْضَة فَهِيَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة غير أَن الْفُقَرَاء لَهُم رزق على الله تَعَالَى بوعده، فأحيلوا على الْأَغْنِيَاء والجهات إِلَى عَددهَا جِهَات حاجات؛ فأيها وَقع جَازَ وَصَارَ بِمَثَابَة إِضَافَة الصَّلَاة إِلَى الْكَعْبَة وَلَا يجب استيعابها.
مَالك: يدْفع إِلَى أمسهم حَاجَة.
أَحْمد: من ملك خمسين درهما لم يجز لَهُ الْأَخْذ.
التكملة:
الْمُعْتَمد الْآيَة المسوقة لَا بِأَنَّهُ صرف الصَّدقَات إِلَى الْمَذْكُورين إِمَّا حَقًا لَهُم أَو نَفَقَة دَاره برابطة قرَابَة الْإِسْلَام، أَو حَقًا لله تَعَالَى صرف إِلَيْهِ

(3/278)


بِوَاسِطَة أَيْديهم وكيفما مَا قدر، فَالظَّاهِر (مستغن باستيفائهم) وَإِيجَاب الصّرْف إِلَى جَمِيعهم بِلَا حَاجَة إِلَى الْخَوْض فِي أَن الْحق لله أَو للْفُقَرَاء، فالقراءة تَقْتَضِي الصّرْف إِلَيْهِم على الِاسْتِيعَاب، فَإِن قَالُوا صِيغَة الْآيَة إِخْبَار فَلم يُؤْخَذ مِنْهُ الْوُجُوب، إِنَّمَا الْوُجُوب مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {وَآتوا الزَّكَاة} والمأخوذ من هَذِه الْآيَة جَوَاز صرفهَا إِلَيْهِم.
الْجَواب: لَو كَانَ الْمَقْصُود مَا ذَكرُوهُ قَالَ: إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين فَلَمَّا عدل عَن صِيغَة التَّخْيِير إِلَى صِيغَة التَّشْرِيك دلّ على مَا قُلْنَاهُ، فَإِن قَالُوا: الْوَاو بِمَعْنى أَو. قُلْنَا: الظَّاهِر مَا قُلْنَاهُ فعلى مدعي غَيره

(3/279)


الدَّلِيل.

(3/280)