تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (كتاب النِّكَاح)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ:
الْمَرْأَة هَل تملك عقد النِّكَاح ولَايَة أَو نِيَابَة أَو
اسْتِقْلَال؟ (ريو))
:
الْمَذْهَب: لَا فِي الْأَطْرَاف الثَّلَاثَة.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أَيّمَا امْرَأَة أنكحت
نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل بَاطِل بَاطِل،
فَإِن مَسهَا، فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا، فَإِن
اشتجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ "، أثبت الْولَايَة
عَلَيْهَا، وأكد
(4/25)
الْبطلَان بالتكرار، وعلق الْمهْر على
الْمَسِيس لَا على العقد، وسمى الزَّوْج مستحلا، وَكَانَت
عَائِشَة تخْطب وتعقد سواهَا.
لَهُم:
قَالَ الله تَعَالَى: {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} ، وَجه
الدَّلِيل أَنه أضَاف النِّكَاح إِلَيْهَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قدرَة التَّزْوِيج ولَايَة، فَلَا تثبت للْمَرْأَة كالقضاء
والإمامة، ونعني بِالْولَايَةِ إِثْبَات حكم لمصْلحَة يَرَاهَا
الْمُثبت، فالتصرفات بَين نَائِب يعقل النَّقْل
بِالِاسْتِيفَاءِ والإسقاط، ونقف على الْعقل وَالْملك
وَالرِّضَا كَالْبيع، وَآخر يشغل محلا فَارغًا كالصيد، وَآخر
يتَعَيَّن فِيهِ مصلحَة الْإِثْبَات، فَيحْتَاج إِلَى نظر
كَالنِّكَاحِ وَالْوَلِيّ حَقه المرعي ذَلِك ونفرض فِي غير
الكفؤ.
لَهُم:
تصرفت فِي مَحْض حَقّهَا وَهِي من أهل التَّصَرُّف، فصح كَمَا
لَو باعت
(4/26)
مَالهَا، وَلَا شكّ أَن ملكهَا لنَفسهَا
آكِد من ملكهَا لمالها، ثمَّ لَو أقرَّت بِالنِّكَاحِ صَحَّ
وَالْإِقْرَار والإنشاء يتجاريان وَالنِّكَاح حَقّهَا لعود
مقاصده إِلَيْهَا فَيعْتَبر لَهُ كَمَال عقلهَا كالخطاب وَلَا
يقف على نَقصهَا الإضافي فَيسْقط عَنْهَا.
مَالك: لَا تزوج نَفسهَا إِن كَانَت جليلة.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ
الزُّهْرِيّ: لَا أعرفهُ، فَصَارَ كشاهد الأَصْل إِذا أنكر
شَهَادَة شَاهد الْفَرْع. ثمَّ المُرَاد بِالْحَدِيثِ نِكَاح
غير الكفؤ، وَهُوَ السَّابِق إِلَى الْفَهم، وَقَوله: " بَاطِل
": أَي سيبطله الْوَلِيّ. ثمَّ مَقْصُود الحَدِيث صِحَة
نِكَاحهَا بِإِذن الْوَلِيّ وَهُوَ مَحْمُول على الْأمة؛
لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَهَا ولي، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتبَة،
فَإِنَّهُ لما قَالَ: بِإِذن وَليهَا اقْتضى الَّتِي لَهَا
ولي، وَالْجَوَاب: رُجُوع الزُّهْرِيّ لَا يُؤثر فَلَعَلَّهُ
نسي، وللدارقطني كتاب فِيمَن روى وَنسي، وَفرق بَين
الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة، فَإنَّا نسْمع من رَاوِي الْفَرْع
مَعَ وجود رَاوِي الأَصْل، وَلَا نقبل شَهَادَة الْفَرْع مَعَ
إِمْكَان شَاهد الأَصْل، ثمَّ قَوْله: نكحت لم يخصص الكفؤ بل
أطلق،
(4/27)
وتأكيد الْبطلَان يدل على نجازه، وعَلى
قَوْلهم قد لَا يبطل، فَإِن الْوَلِيّ رُبمَا رَضِي، وَدَلِيل
الْخطاب عِنْدهم لَيْسَ بِحجَّة، فَإِن قَالُوا: الْمَرْأَة
تملك ذَاتهَا فلهَا نقل مَنَافِعهَا كَالْإِجَارَةِ،
فَالْجَوَاب: أَن اسْتِيفَاء مَنْفَعَة الْبضْع لَا يتَصَوَّر
من الْمَرْأَة وَالنِّكَاح حق عَلَيْهَا للزَّوْج، وكلامنا فِي
الِاسْتِقْلَال وَالْولَايَة أظهر، وَكَلَامهم فِي الْوكَالَة
أظهر، فَإِن الْوَلِيّ يَسْتَوْفِي نظره، وَتبقى الْحَاجة
إِلَى عبارَة، وَالْمَرْأَة تملك ذَلِك فِي العقد إِلَّا
النِّكَاح، وَالنِّكَاح الْحَال عبارَة من قبل نَفسهَا فَلَا
يَصح.
والحرف أَنا نلحق النِّكَاح بالولايات ونسكت عَن النِّسَاء،
وهم ينحون
(4/28)
بِهِ نَحْو التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة.
يسْتَحبّ أَن يَأْتِي بِالْخطْبَةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْن
مَسْعُود: الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ
بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهد
اللَّهِ فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد
أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده
وَرَسُوله، {وَاتَّقوا اللَّهِ الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام
إِن اللَّهِ كَانَ عَلَيْكُم رقيبا} ، {اتَّقوا اللَّهِ حق
تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} ، {اتَّقوا
اللَّهِ وَقُولُوا قولا سديدا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم
ذنوبكم وَمن يطع اللَّهِ وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما} .
وَيسْتَحب أَن يَقُول فِي آخرهَا: وَالنِّكَاح مِمَّا أَمر
اللَّهِ بِهِ وَندب إِلَيْهِ، وَأما الْخطْبَة الَّتِي تتخلل
النِّكَاح، فَهِيَ أَن يَقُول الْوَلِيّ: بِسم اللَّهِ وَصلى
اللَّهِ على رَسُول اللَّهِ، أوصيكم بتقوى اللَّهِ، زَوجتك
فُلَانَة، وَيَقُول الزَّوْج: قبلت ذَلِك إِلَّا أَنه يَقُول
مَعَ زَوجتك: قبلت هَذَا النِّكَاح، قَالَ الشَّافِعِي: وَاجِب
الْوَلِيّ أَن
(4/29)
يَقُول مَا قَالَ ابْن عمر: أنكحتك على مَا
أَمر اللَّهِ من إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان.
قَالَ أَبُو دَاوُد: إِن كَانَت بكرا زَوجهَا الْوَلِيّ، وَإِن
كَانَت ثَيِّبًا زوجت نَفسهَا.
ابْن جريج والإمامية يَقُولُونَ بِالْمُتْعَةِ، وَرجع عَنْهَا
ابْن عَبَّاس، وَصورتهَا: أَن يَتَزَوَّجهَا إِلَى مُدَّة
مَعْلُومَة أَو مَجْهُولَة، قَالَ الشَّاعِر:
(أَقُول للشَّيْخ لما طَال محبسه ... يَا صَاح هَل لَك فِي
فَتْوَى ابْن عَبَّاس)
(يَا صَاح هَل لَك فِي بَيْضَاء بهكنة ... تكون مثواك حَتَّى
مصدر النَّاس)
(4/30)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة بعد
الْمِائَتَيْنِ: ريز:)
هَل لكل وَاحِد من الْأَب وَالْجد إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة
على النِّكَاح.؟ .
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: لَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الثّيّب أَحَق
بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا، وإذنها
صماتها "، قسم النِّسَاء قسمَيْنِ، وخصصهما بحكمين، فَلَمَّا
خصص الْبكر بالاكتفاء بالصمات انعكس فِي الثّيّب، فَإِذا خصص
الثّيّب بِأَنَّهَا أَحَق يَنْبَغِي أَن ينعكس فِي الْبكر.
لَهُم:
رُوِيَ أَن خنساء أخْبرت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن
أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي كارهة
(4/31)
فَخَيرهَا، وَرُوِيَ أَن فتاة جَاءَت إِلَى
عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا وَقَالَت: إِن أبي زَوجنِي من
ابْن عَم لي أرفع خسيسته، فحكت ذَلِك للنَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام فَرد نِكَاحهَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْولَايَة مستمرة عَلَيْهَا بعد الْبلُوغ، وَلَيْسَ فِي
إجبارها تَفْوِيت رَأْي عَلَيْهَا، فَجَاز إجبارها؛ لِأَن
سَبَب الْولَايَة الْأُنُوثَة، والاستقلال بِالتَّزْوِيجِ
يبتني على وجود الِاسْتِقْلَال فِي حق المزوج، والمسلط فِي
الصغر كَمَال حَال الْأَب لِأَن الْأَجْنَبِيّ لَا يُزَوّجهَا
مَعَ صغرها، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح إرفاق وَحقه أَن لَا
يشرع لَوْلَا الْحَاجة، فَاحْتَاجَ إِلَى كَمَال.
لَهُم:
بَالِغَة عَاقِلَة رَشِيدَة فَلَا تجبر كالثيب.
تَأْثِيره: أَن الثيوبة تدل على كَمَال الْحَال، وَالْعلَّة
الصغر؛ لكَون النِّكَاح
(4/32)
مصلحَة كَمَا هُوَ فِي حق الرجل، وَعَلِيهِ
الْولَايَة فِي حق الذّكر الصَّغِير وَلَا يُطَالب الْوَلِيّ
ويجبره على النِّكَاح، وَإِذا عينت كُفؤًا يقدم على تعْيين
الْوَلِيّ، وَإِنَّمَا صَار صماتها إِذْنا لنَصّ مُعَلل
بالخفر.
مَالك: ق.
أَحْمد: وَافق، وَأما الصَّغِيرَة، فَإِنَّهَا يجبرها الْأَب.
التكملة:
قَالُوا: مَفْهُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الثّيّب أَحَق
" أَن الْبكر لَيست أَحَق، أما كَون الْوَلِيّ أَحَق، فَلَيْسَ
من ضَرُورَته، الْجَواب: الْكَلَام إِذا خرج جملَة اعْتبر
جملَة، وَمعنى جَمِيع الْكَلَام تَرْجِيح جَانب الثّيّب على
الْوَلِيّ، فمفهومه تَرْجِيح جَانب الْوَلِيّ على الْبكر،
قَالُوا: إِذا لم يدل الْمَنْطُوق عنْدكُمْ على اسْتِقْلَال
الثّيّب بِالتَّزْوِيجِ كَيفَ يدل الْمَفْهُوم على اسْتِقْلَال
الْوَلِيّ بتزويج الْبكر؟ ! الْجَواب: لعمرى أَن اللَّفْظ دلّ
على اسْتِقْلَال الثّيّب، لَكنا تَرَكْنَاهُ لقَوْله: " لَا
نِكَاح إِلَّا بولِي "، وَخبر الخنساء روى البُخَارِيّ
أَنَّهَا
(4/33)
كَانَت ثَيِّبًا، وَالْخَبَر الآخر فِيهِ
إِشَارَة إِلَى عدم الْكَفَاءَة وَلَعَلَّه كَانَ ابْن عَم لأم
وَلَا نسلم أَن تَعْيِينهَا الكفؤ يقدم على تعْيين الْوَلِيّ،
نعم، لَا ننكر أَن الأولى اتِّبَاع رأيها كَمَا أَن الأولى
اتِّبَاع الْوَلِيّ، غَرَض الصَّبِي فِي جنس الطَّعَام الَّذِي
يشتهيه، وَلَو اشْترى لَهُ غَيره جَازَ وَالْمَنْع جيد فِي
الجدل، والحرف أَن مضرَّة النِّكَاح فِي حَقّهَا احتملت
لبَقَاء النَّوْع وهون بالشهوة وَالْوَلِيّ يملكهُ فِي الصغر
وَالْكبر، وَعِنْدهم هُوَ مصلحَة وَهِي الْآن قادرة عَلَيْهِ.
(4/34)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة بعد
الْمِائَتَيْنِ: (ريح) :)
الثّيّب الصَّغِيرَة هَل يجبرها الْوَلِيّ على النِّكَاح؟ .
الْمَذْهَب: لَا. بل ينْتَظر بُلُوغهَا واستنطاقها.
عِنْدهم: تجبر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
وَجه الدَّلِيل من الْخَبَر السَّابِق بِإِثْبَات الأحقية
وَأدنى درجتها وجوب استئمارها، وَقد جَاءَ مُطلقًا: " لَا
تنْكح الثّيّب حَتَّى تستأمر "، وَمَتى وقف الحكم على شَرط
فَاتَ بفواته.
لَهُم: ...
(4/35)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ثيب فَلَا تزوج دون إِذْنهَا كالبالغة؛ لِأَن الثيوبة ممارسة
تكسبها خبْرَة تميز بهَا بَين رجل وَرجل، فإذنها آكِد فِي
الألفة وَإِنَّمَا للْوَلِيّ زفافها عِنْد تَكَامل الْمصلحَة
فِي حَال الْبكارَة والمصلحة هَاهُنَا فِي إِذْنهَا.
لَهُم:
صَغِيرَة فَزَوجهَا أَبوهَا كالبكر؛ لِأَن النِّكَاح شرع
لمصلحتها وَمَا فِيهِ من ملك عَلَيْهَا فَهُوَ وَسِيلَة
مصلحتها، وَهِي عاجزة فَقَامَ أَبوهَا مقَامهَا، وَلَا يخْتَلف
هَذَا بالبكارة والثيوبة كَمَا فِي ولَايَة المَال.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
الْعلَّة عِنْدهم الصغر، وَعِنْدنَا الْأُنُوثَة، فَإِذا فَوت
عَلَيْهَا رَأْي لم يجز، وَقد حصل لَهَا بالثيوبة نوع رَأْي،
وتقرر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَأَخَوَاتهَا أَن النِّكَاح
ضَرَر فِي حق الْمَرْأَة بِالْوَضْعِ؛ لكَونه إرقاقا وتمليكا
واستفراشا، وَفِيه
(4/36)
إذلال يَجْعَلهَا مصب فضلته الَّتِي
يتَأَذَّى بهَا فَهِيَ والمستحم سَوَاء، وَلِهَذَا إِذا تعرى
الْوَطْء عَن الْحل كَانَ عارا غير أَن دواعي الشَّهْوَة فِي
الْمَرْأَة يهون عَلَيْهَا الْمَعْنى وكل ذَلِك لتَحْصِيل
الْغَرَض الْكُلِّي من بَقَاء النَّوْع الْإِنْسِي.
والحرف أَن مصلحَة النِّكَاح عَامَّة، وَالْمَرْأَة مَحَله
وَالْوَلِيّ يسْتَقلّ بِهِ ومراجعة الثّيّب أقرب فشرطت، وَلم
يُمكن تَحْصِيله فلغا، وَعِنْدهم هِيَ عاجزة للصغر فَقَامَ
الْوَلِيّ مقَامهَا.
(4/37)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة بعد
الْمِائَتَيْنِ: (ريط) : المصابة بِالْفُجُورِ:)
الْمَذْهَب: وَاجِب استنطاقها.
عِنْدهم: يَكْفِي صماتها.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
ظَاهر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا
وَالْبكْر تستأمر وإذنها صماتها "، فالاكتفاء بالصمات خَاصَّة
للبكر، وَهَذِه لَيست بكرا حَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ لَو أوصى
للأبكار لم تدخل فِيهِنَّ. لَهُم: لما قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " الْبكر تستأمر "، قَالَت عَائِشَة: إِنَّهَا
تَسْتَحي، فَقَالَ: " إِذْنهَا صماتها "، علل عَلَيْهِ
السَّلَام بِالْحَيَاءِ، وَيحسن
(4/38)
التَّعْلِيل بِهِ؛ لِأَنَّهُ عقلة على
اللِّسَان، وَالْحيَاء مَوْجُود هَاهُنَا، وَالْفَرْض فِي
المكرهة أَو فِيمَن خالطت مرّة خُفْيَة وَذَلِكَ لَا يزِيل
الْحيَاء بل يزِيدهُ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ثَابت بوقاع تَامّ، فَلَا نكتفي بصماتها كَالْوَطْءِ
الْحَلَال، وَذَلِكَ لاعْتِبَار رِضَاهَا فِي التَّصَرُّف فِي
نَفسهَا ناطقة يعْتَبر رِضَاهَا فِي العقد، فَاشْترط نطقها
كالمنكوحة؛ لِأَن رِضَاهَا مُعْتَبر وَيعلم بالنطق (فَأَما غير
النُّطْق) إِن دلّ فبقرينة، لَا أَنه وضع كَذَلِك.
لَهُم:
وجد عِلّة الِاكْتِفَاء بالصمات فَاكْتفى كالبكر، وَالْعلَّة
تعذر الْإِذْن، والصمات إِذن بِدَلِيل الحمامي والمضيف.
وَالتَّحْقِيق: أَن الْإِذْن يحصل تَارَة بالعبارة وَتارَة
بِمَا يقوم مقَامهَا.
مَالك: لَا يجوز نِكَاح الْحَامِل من زنى.
(4/39)
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
قَالُوا: الْمَنْقُول حِكَايَة حَال الثّيّب بِنِكَاح،
فَإِنَّهَا تنطق غَالِبا، الْجَواب: مُطلق كَلَام الشَّارِع
يحمل على شرع الْأَحْكَام وتخصيصه بالمنكوحة؛ لِأَنَّهَا فِي
الْغَالِب تحْتَاج إِلَى دَلِيل وَإِن التزمنا أَن الرِّضَا
إِنَّمَا يحصل بالنطق ألزمونا الْبكر.
وَالْجَوَاب: إِن كَانَ المزوج أَبَا أَو جدا، فَلَا
يُرَاجِعهَا وَلَا يشْتَرط رِضَاهَا، فَإِنَّهُ مجبر، وَإِن
زَوجهَا عَم أَو أَخ اعْتبر رِضَاهَا نطقا وَلَا يَكْفِي الصمت
وَبِهَذَا الْمَنْع تستمر الطَّرِيقَة، ونقول: هِيَ قادرة على
النُّطْق لصِحَّة آلَته، وَالْأَصْل اعْتِبَار النُّطْق،
بِدَلِيل أَن من قدر عَلَيْهِ لَا يعدل عَنهُ، إِن ألزمونا
كَونهَا لَا تسمى ثَيِّبًا فِي حق الرَّجْم، فَالْجَوَاب: أَن
الرَّجْم خصص بِبَعْض الثّيّب بِدَلِيل دلّ عَلَيْهِ، كَمَا
خصص بِالْحرَّةِ الْبَالِغَة الْمسلمَة أَيْضا على أصلهم،
كَمَا أخرج عَنهُ المصابة بِشُبْهَة وَهِي ثيب،
وَبِالْجُمْلَةِ: الْوُقُوف
(4/40)
على الْحيَاء وَعَدَمه بالقرائن لَا
ينْحَصر، فوقفنا مَعَ الثيوبة الَّتِي علق الشَّرْع الاستنطاق
عَلَيْهَا.
(4/41)
(الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: (رك) : ولَايَة الْفَاسِق النِّكَاح:)
الْمَذْهَب: لَا تصح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " النِّكَاح رق، فَلْينْظر
أحدكُم أَيْن يضع كريمته؟ ".
أوجب النّظر وَذكر النّظر عليته وَالْفَاسِق قَاصِر عَن
النّظر.
لَهُم: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... . .
(4/42)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَمَال النّظر باجتماع أَسبَابه وتوفر دواعيه، وَذَلِكَ
بِالْعَدَالَةِ والقرابة؛ ليجمع بَين الشَّفَقَة والرادع
الديني وَهَذَا مَا نظر لنَفسِهِ فَكيف ينظر لغيره؟ ! وَلذَلِك
لَا يَلِي المَال.
لَهُم:
ملئ على نَفسه فولي على غَيره؛ لِأَن عِلّة الْولَايَة كَمَال
الشَّخْص بِالْعقلِ وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة فيتعدى إِلَى
غَيره بِالسَّبَبِ المعدى، ثمَّ الْكَافِر يتَوَلَّى
الْكَافِرَة، وَالْكفْر يزِيد على الْفسق، وَكَذَلِكَ المستور
الْعَدَالَة تصح ولَايَته، وَلَو كَانَت الْعَدَالَة شرطا
لوَجَبَ الشَّك فِيهِ، ثمَّ السَّيِّد الْفَاسِق يجْبر
رَقِيقه.
مَالك: ف.
أَحْمد: وَافق فِي أحد الْوَجْهَيْنِ.
(4/43)
التكملة:
ندعي افتقار هَذَا العقد إِلَى نظر كَامِل، هَذِه مُقَدّمَة
إِن تورعنا فِيهَا دللنا بِأَنَّهُ إرفاق، الْمُقدمَة
الثَّانِيَة: أَن الْفَاسِق نَاقص النّظر بِدَلِيل سلبة
الِاسْتِقْلَال فِي التَّصَرُّفَات، وشفقة الْإِنْسَان على
وَلَده لَيست ضَرُورِيَّة، وَرُبمَا كَانَت فِيمَا يَدُور بَين
وَلَده وأجنبي، فَأَما إِن كَانَ لِلْفَاسِقِ غَرَض فَهُوَ
يقدمهُ على مصلحَة وَلَده، وَالْمَانِع عَن هَذَا الْخلق وازع
الشَّرْع، وَأما الْمَشْهُور الْعَدَالَة فنعارضهم بالمستور
الْحُرِّيَّة، ثمَّ الْمُعْتَبر ظَاهر الْعَدَالَة الَّتِي
يكون بهَا مَقْبُول القَوْل، ونمنع الْكَافِر، وَمَعَ
التَّسْلِيم هُوَ عدل فِي دينه، وتزويج السَّيِّد عَبده
مَمْنُوع، وَفِي الْأمة قد نقل مَا كَانَ لَهُ إِلَى الزَّوْج،
ثمَّ فسق السَّيِّد لَا يُؤثر تُهْمَة فِي ملكه، وَأما إِذا
عضلها، فَإِنَّمَا لم يَنْعَزِل، وَإِن كَانَ نوع فسق؛ لِأَن
العضل لَا يتَصَوَّر إِلَّا بعد طلب الْبَالِغَة، وَذَلِكَ فِي
ولَايَة الاستئمار،
(4/44)
وَنحن نقُول على وَجه: إِن الْفَاسِق أهل
ولَايَة الاستئمار، ثمَّ إِن سلم فَهَذِهِ صَغِيرَة لَا تُؤثر
فِي الْعَدَالَة.
والحرف أَنا نعتبر الْعَدَالَة الوازعة وهم يعتبرون
الشَّفَقَة.
(4/45)
(لوحة 56 من المخطوطة أ:)
(تَعْلِيل الشَّرْط بِذكر مُنَاسبَة بَينه وَبَين الْمَشْرُوط
كتعليل الْأَسْبَاب بإبداء مناسباتها مَعَ الْأَحْكَام، غير
أَن كل وَاحِد يُعلل على حسب مَوْضِعه فَوضع السَّبَب أَن
وجوده يَقْتَضِي ثُبُوت الحكم، والمعلل يبين أَن وجوده يُنَاسب
ثُبُوت الحكم، وَوضع الشَّرْط أَن عَدمه يمْنَع ثُبُوت الحكم،
فَحق الْمُعَلل أَن يبين أَن انتفاءه يُنَاسب انْتِفَاء الحكم،
وَهَذَا كالزنى مَعَ الْإِحْصَان، فَإِن الزِّنَى سَبَب
يُنَاسب وجوده ثُبُوت الحكم فَإِنَّهُ جِنَايَة، وَالْحَد
عُقُوبَة، والإحصان شَرط، فَنَاسَبَ انتفاؤه انْتِفَاء الحكم
أَن غير الْمُحصن لَا يتَمَكَّن من التَّوَسُّع فِي الْمُبَاح،
وَلزِمَ من هَذَا أَن نبين مُنَاسبَة عدم الشَّاهِدين
وَانْتِفَاء حكم العقد.
ثمَّ الْمُنَاسب مَا أَشَارَ إِلَى رِعَايَة أَمر مَقْصُود
للشَّرْع، وَقد بَان أَن قصد الشَّرْع حفظ الدّين وَالْعقل
وَالنَّفس وَالْمَال، فَكلما قَامَ بِحِفْظ هَذِه فَهُوَ
مُنَاسِب وَاقع فِي رتب الضَّرُورَة، وَكلما انتهض بِحِفْظ
مصالحها وتهيئتها وتربيتها فَهُوَ فِي رُتْبَة الكمالات
والتتمة، وَبَين هَاتين الرتبتين رتب الْحَاجَات.
مِثَاله أَن حضَانَة الصَّغِير وتربيته من رُتْبَة
الضَّرُورَة؛ لِأَن بِهِ حفظ
(4/46)
الْأَنْفس، فَأَما اتِّصَاله إِلَى كفؤ فِي
الزَّوْج، فَمن تَكْمِلَة عيشته وتتمة مصْلحَته، وَبَين ذَلِك
أصل تَزْوِيجه، فَإِن (حُضُور الكفؤ) فرْصَة بَينهُنَّ وَإِذا
اعْتبرت هَذِه الرتب وَجدتهَا فِي هَذِه الْأُمُور الْخَمْسَة
وَبَين الرُّتْبَة الْعَالِيَة والطرف الآخر مَرَاتِب كَثِيرَة
يسْلك فِيهَا الْعقل ويرجح الْبَعْض على الْبَعْض) .
وَاعْلَم أَن النِّكَاح لَا يدْخلهُ خِيَار الشَّرْط وَلَا
خِيَار الْمجْلس؛ لِأَن الْعَادة جَارِيَة بالبحث قبل العقد.
وَاعْلَم أَن الْقسم للحرائر وعماد الْقسم اللَّيْل، إِذا
كَانَ عِنْده أَربع نسْوَة فسافرت وَاحِدَة بِغَيْر إِذْنه
وظلم وَاحِدَة، فَلم يقسم لَهَا وَأقَام عِنْد الآخرتين
ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ أَرَادَ أَن يقْضِي للمظلومة وقدمت
الظالمة، فَإِنَّهُ يقسم للمظلومة ج أَيَّام وللقادمة أخمسة
أدوار فَيحصل للمظلومة ية يَوْمًا عشرَة قَضَاء وَخَمْسَة
أَدَاء وللقادمة ة،
(4/47)
ثمَّ يسْتَأْنف الْقِسْمَة وَيجوز لَهُ
الِانْفِرَاد عَن الْجَمِيع لَكِن لَا يجوز لَهُ أَن يخص
الْبَعْض دون الْبَعْض، وَمن أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بأمته وَله
ابْنَانِ زوجه ابْنه مِنْهَا، قَالَه ابْن الْحداد، وَقيل:
يُزَوجهُ السُّلْطَان، وكل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَمْرو
بن أُميَّة فِي نِكَاح أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان إِذا
زَوجهَا وكيلان من اثْنَيْنِ فَالنِّكَاح للسابق، وَإِن جهل
السَّابِق فسد النِّكَاح، قَالَ مَالك: يكون للسابق إِن لم
يدْخل بهَا الثَّانِي، وَإِذا أَرَادَ الْحَاكِم أَن يتَزَوَّج
من لَا ولي لَهَا، فَإِنَّهُ يرفع ذَلِك (إِلَى الإِمَام
ليزوجه بِنَفسِهِ أَو يولي
(4/48)
من يُزَوجهُ وَلَا يتَوَلَّى طرفِي العقد،
وَإِذا أَرَادَ الإِمَام أَن يُزَوّج من لَا ولي لَهَا فَفِيهِ
وَجْهَان: أَحدهمَا أَنه يتَوَلَّى) طرفِي العقد، وَقيل:
يُزَوجهُ الْحَاكِم، وَلَيْسَ الْحَاكِم وَكيلا لَهُ،
وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب عَن الْمُسلمين؛ وَلِهَذَا لَيْسَ
للْإِمَام عَزله من غير سَبَب.
(4/49)
|