تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (من مسَائِل النِّكَاح)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ:
ركا: حُضُور الْفَاسِقين.)
الْمَذْهَب: لَا ينْعَقد النِّكَاح بهما.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي
مرشد وشاهدي عدل "، وَمُطلق كَلَام الشَّارِع يصرف إِلَى
الْمَعْهُود الشَّرْعِيّ، والمعهود الْعُدُول كَمَا فِي
(4/50)
قَوْله تَعَالَى: {واستشهدوا شهيدين من
رجالكم} .
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي
وشهود "، وَجه الدَّلِيل: أَنه ذكر الشُّهُود وَلم يشرط
الْعَدَالَة، ويعبر بِالشَّهَادَةِ عَن الْحُضُور، قَالَ
تَعَالَى: {مَا أشهدتهم خلق السَّمَوَات} أَي: مَا أحضرتهم.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
فقد شَرط انْعِقَاد النِّكَاح، فَلَا ينْعَقد؛ لِأَن الشَّرْط
حُضُور شُهُود، وَالْفَاسِق لَا شَهَادَة لَهُ، وَلِأَنَّهَا
شَهَادَة فتختص بِالْعَدَالَةِ كالحدود؛ لِأَن الشَّهَادَة
حَيْثُ وضعت كَانَت لإِثْبَات الدَّعْوَى، وَلَا تتَصَوَّر
الشَّهَادَة من فَاسق، بِدَلِيل مَا لَو وكل فِي البيع بِشَرْط
الْإِشْهَاد، فَإِنَّهُ يخْتَص بِالْعَدْلِ.
(4/51)
لَهُم:
الْفَاسِق من أهل الْولَايَة فَيكون من أهل الشَّهَادَة؛ لِأَن
الْمُعْتَبر تَنْفِيذ القَوْل على الْغَيْر، وَبَيَان
الْأَهْلِيَّة أَن الشَّهَادَة قَول صَحِيح فأهله من كَانَ
صَحِيح القَوْل.
مَالك: لَا يفْتَقر إِلَى شَهَادَة.
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن حملُوا الشَّهَادَة على الْحُضُور قُلْنَا: مُطلق كَلَام
الشَّارِع ينْصَرف إِلَى الْمَعْهُود، ويلزمهم تَعْدِيل
امْرَأتَيْنِ بِرَجُل، وَهَذَا من خَواص الشَّهَادَات، ثمَّ
النِّكَاح شرع لمصْلحَة الْخلق، وحافظ الشَّرْع عَلَيْهِ وصانه
بالشهود عَن الْفَوات بالجحود كَيْلا يتَبَيَّن الْمَطْلُوب
مِنْهُ، وَطَرِيق الصيانة فِيهِ الْإِشْهَاد وللشرع فِي تمهيد
هَذِه الطَّرِيق مسلكان؛ أَحدهمَا: الْأَمر بِالْإِشْهَادِ
وَالْآخر: اشْتِرَاط الشَّهَادَة، وَاشْتِرَاط الشَّهَادَة
آكِد من الْأَمر بهَا؛ لِأَن الزَّوْجَيْنِ إِذا علما أَن لَا
وُصُول إِلَى مقصودهما إِلَّا بِالشَّهَادَةِ اعتمداها وَلَو
(4/52)
كَانَ أمرا يحصل لَهما الْمَقْصُود دونه،
فَلَمَّا رَأينَا الشَّارِع قد شَرط الشَّهَادَة عرفنَا أَنه
شَرطهَا لتحقيق مقصودها وَهُوَ الْإِثْبَات. قَالُوا: لَو حضر
مراهقان وعبدان قد علق عتقهما على مَا يُوجد سَاعَة العقد،
فالإثبات بهم مُمكن، وعندكم لَا يَصح. وَالْجَوَاب: أَن هَذَا
الْإِلْزَام عكس الدَّلِيل، فَإنَّا لَا ندعي أَن كل نِكَاح
أمكن إثْبَاته وَجب أَن ينْعَقد بل ادعينا أَن مَا لَا يُمكن
إثْبَاته لَا ينْعَقد.
(4/53)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ
بعدالمائتين: ركب:)
هَل ينْعَقد النِّكَاح بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول.
لنا:
الحَدِيث الْمُقدم، وَظَاهره اشْتِرَاط رجلَيْنِ، وَإِن سمي
رجل وَامْرَأَة شَاهِدين فَهَذَا قطعا لَا يعْمل بِهِ،
فَإِنَّهُ لَا يَصح كَشَهَادَة رجل وَامْرَأَة، وتعديل
امْرَأتَيْنِ بِرَجُل أَمر شَرْعِي ورد فِي المَال، فَمَا
الْجَامِع بَينه وَبَين النِّكَاح؟ ! .
لَهُم: ... ... ... ... ... ... ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لَيْسَ للنِّسَاء شَهَادَة أصلا؛ لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى ضبط
ابْتِدَاء وَحفظ دواما
(4/54)
وَأَدَاء على الْوَجْه، وتقصر النِّسَاء
عَن ذَلِك، بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تسمع شَهَادَتهنَّ منفردات،
وَمن لَا يثبت النِّكَاح بقوله لَا ينْعَقد بِحُضُورِهِ.
لَهُم:
أهل الشَّهَادَة بِدَلِيل المَال؛ لِأَن الشَّهَادَة قَول
صَحِيح، وَقَوْلها صَحِيح، وشهادتهن أصل، بِدَلِيل قبُولهَا
مَعَ إِمْكَان شَهَادَة الرِّجَال فَهِيَ مَقْبُولَة
الْإِقْرَار مُطلقًا، فَتكون مَقْبُولَة الشَّهَادَة
كَالرّجلِ، غَرَض التَّنْفِيذ بِالْإِطْلَاقِ احْتِرَازًا من
العَبْد، وَالْجَامِع أَن الشَّهَادَة وَالْإِقْرَار خبران،
ويتأيد بالرواية، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهَا.
مَالك: من شَرط النِّكَاح ترك التواصي بِالْكِتْمَانِ.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْعدَد فِي الشَّهَادَة متلقى من الشَّرْع، وَقد جَاءَ فِي
الزِّنَى أَرْبَعَة، وَفِي
(4/55)
المداينة (رجل وَامْرَأَتَانِ) ، وَقَالَ
فِي الرّجْعَة: (ذَوي عدل) ، وَقَالَ فِي النِّكَاح: (شَاهِدي
عدل) ، والمنصوصات لَا تغير وَمَا لَيْسَ بمنصوص يلْحق
بالمنصوص وَلَو جرى الْقيَاس لجَاز فِي الزِّنَى رجلَانِ
وَأَرْبع نسْوَة ثمَّ الْأَلْيَق بِحَال النِّسَاء أَلا يشهدن
وَلَا يتبرجن، وَاعْتِبَار الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ بَاطِل،
فَإِن العَبْد يقر على نَفسه فَيقبل وَلَا تقبل شَهَادَته،
وَإِنَّمَا يرد إِقْرَاره فِيمَا يتَعَلَّق بالسيد من
الْأَمْوَال. وَصحت الرِّوَايَة من الْمَرْأَة كَمَا صحت من
العَبْد، وَلم تصح شَهَادَته، وَالْفِقْه فِيهِ أَن
الرِّوَايَة لَا تخْتَص بشخص بل يقوم بهَا جمَاعَة، فَإِن
نَسِيَهَا شخص ذكرهَا آخر، وَالشَّهَادَة يستحفظ فِيهَا
اثْنَان، وفوات معنى الشَّهَادَة لنُقْصَان عقل الْمَرْأَة،
وَلَوْلَا ذَلِك مَا عدل رجل امْرَأتَيْنِ.
(4/56)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: ركج:)
غير الْأَب وَالْجد هَل يُزَوّج الصَّغِيرَة؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم، وَيثبت لَهَا الْخِيَار عِنْد الْبلُوغ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
توفّي عُثْمَان بن مَظْعُون وَأوصى فِي أَمر ابْنَته إِلَى
أَخِيه قدامَة،
(4/57)
قَالَ ابْن عمر: فَزَوجهَا مني، فجَاء
الْمُغيرَة إِلَى أمهَا ورغبها فِي المَال فرغبت وَرفعت
الْقِصَّة إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فَرد نِكَاحهَا،
وَقَالَ: " إِنَّهَا يتيمة، وَإِنَّهَا لَا تنْكح إِلَّا
بِإِذْنِهَا ".
وَجه الِاسْتِدْلَال ظَاهر. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا
يتم بعد الْبلُوغ ".
لَهُم: ... ... ... ... . .
(4/58)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
يدل على أَن نِكَاح الصَّغِير يفْتَقر إِلَى كَمَال نظر، وندعي
أَن الْعم مثلا قَاصِر النّظر، دَلِيل الْمُقدمَة الأولى مَا
لَا يخفى من الِاحْتِيَاط فِي النِّكَاح، وَخَوف غوائله،
وَدَلِيل الْمُقدمَة الثَّانِيَة: كَون العقد لَا يلْزم،
وَكَون الْعم لَا يتَصَرَّف فِي المَال، وَإِن وَقع الْفَرْض
فِي الْحَاكِم لم يستقم فضل المَال، فتعلل بقصور الشَّفَقَة.
لَهُم:
الْعم مشارك فِي أصل الشَّفَقَة، (والتفاوت فِي مَرَاتِب
الشَّفَقَة) غير مُعْتَبر، وتعطيل الْيَتِيمَة بعد وجود الكفؤ
ضَرَر، فَقُلْنَا: يَصح مِنْهُ أصل العقد لوُجُود أصل
الشَّفَقَة ولتفاوت الشَّفَقَة لَا يلْزم، وَإِن فرض فِي
الْحَاكِم قيل: تصرف فِي مَالهَا فتصرف فِي بَعْضهَا.
مَالك:
(4/59)
أَحْمد:
التكملة:
بِالْجُمْلَةِ ولَايَة الْإِجْبَار حَيْثُ وجدت نصا أَو
قِيَاسا على نَص، وَلَا نَص فِي الْأَخ وَلَا إِجْمَاع،
وَطَرِيق إثْبَاته الاحتداء، وَالْمجْمَع عَلَيْهِ الْأَب
وَالْجد وَلَيْسَ الْأَخ فِي مَعْنَاهُمَا فَإِن الأَصْل إِذا
تصرف فِي فروعه كَانَ كالتصرف فِي نَفسه وَلَا خَفَاء بالفرقان
بَين الْأَخ وَالْأَب فِي ذَلِك، وَلذَلِك لَا يَلِي المَال،
وَلَا يلْزم عقده النِّكَاح؛ كل ذَلِك لغوامض غوائل النِّكَاح،
وَإِثْبَات (الْخِيَار لَهَا) لَا يُفِيد بعد الوقاع وَلَا
يتدارك الضَّرَر مَعَ إِثْبَات الْجَوَاز وَخيَار الرُّؤْيَة
أَمر بدع فِي النِّكَاح لَا يشْهد لَهُ أصل، وَأما الْحَاكِم
ولي المَال لما فِيهِ من مصلحَة الْيَتِيم كَيْلا تَأْكُله
النَّفَقَات، وغوائل المَال قريبَة، وَثمن الْمثل مَعْرُوف.
(4/60)
وَحَاصِل الْكَلَام أَن أَمر النِّكَاح
عَظِيم، ومضرته خُفْيَة، وَإِنَّمَا يصير عقد مصلحَة إِذا صدر
من ذِي شَفَقَة كَامِلَة، وَأما بعد الْبلُوغ فعندنا كَمَا قبل
الْبلُوغ إِنَّمَا تملك ولَايَة الاستئمار وَهِي من أهل
الِاخْتِيَار، وكلامنا فِي ولَايَة الْإِجْبَار، وَأما
تَزْوِيج الْمَجْنُونَة، فَإِنَّمَا جَازَ مَعَ فَتْوَى
الطِّبّ، وَهَذَا من بَاب دفع المضار لَا من بَاب اقتناص
الْمصَالح.
(4/61)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: ركد:)
هَل يُزَوّج الابْن أمه بالبنوة؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي "،
وَالِابْن لَيْسَ بولِي للْأُم بِدَلِيل سِيَاق الْخَبَر
الَّذِي رَوَوْهُ، فَإِن أم سَلمَة قَالَت: يَا رَسُول
اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَة مصبية غيرى وأوليائي غيب، فَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَام: " أما المصبية فَسَيَكْفِيكَهُم اللَّهِ،
وَأما الْغيرَة فأسأل اللَّهِ يذهبها عَنْك، وَأما
الْأَوْلِيَاء فَلَا أرى فيهم أحدا يكرهني ".
(4/62)
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْولَايَة للعصبات ".
وَجه الدَّلِيل كَون الابْن عصبَة.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لعمر بن أم سَلمَة: " يَا غُلَام،
فزوج أمك من رَسُول اللَّهِ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
غير منتم إِلَى شجرتها فَلَا يملك إنكاحها كالخال، وَتَقْرِيره
مَا تقدم من كَون النِّكَاح مصلحَة عَامَّة تحْتَاج إِلَى
رَأْي ثاقب وَنظر صائب، وَدَلِيل قُصُور الْوَلَد عَن ذَلِك
عدم إعراضه فِي الْكَفَاءَة وَكَون الأنفة تحمله على
كَرَاهِيَة هَذَا الشأ.
لَهُم:
الابْن أقرب النَّاس إِلَيْهَا فَزَوجهَا كَالْأَبِ،
وَتَقْرِيره كَون النِّكَاح شرع
(4/63)
لمصلحتها، وَكَون الابْن عَالما بالمصالح،
وتقديمه على الْعَصَبَات فِي الْإِرْث دَلِيل قربه، والموانع
لَا أثر لَهَا كَمَا لَو كَانَ قَاضِيا أَو ابْن عَم.
مَالك: الابْن أولى من الْأَب.
أَحْمد:.
التكملة:
إِن فرض الْكَلَام فِي تَزْوِيج الْأُم أَو الْأَب المجنونين
فالأصلح منع ذَلِك، ونقول: لَا يملك تَزْوِيج هَؤُلَاءِ أحد،
لِأَن مَقَاصِد النِّكَاح فَاتَت فِي حَقهم، وَلَو طرى
الْجُنُون لفسخ العقد، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُشِير
الْأَطِبَّاء بذلك فَينزل منزلَة الدَّوَاء. ثمَّ إِثْبَات
الْولَايَة للِابْن بالإجبار على أحد أَبَوَيْهِ الْمَجْنُون
إِنَّمَا تثبت بِنَصّ، وَلَا نَص (أَو إِجْمَاع) ، وَلَا
إِجْمَاع، أَو بِقِيَاس على غَيره وَالْمجْمَع عَلَيْهِم
الْأَب وَالْجد وَالْحَاكِم وَلَيْسَ الابْن فِي معنى
(4/64)
وَاحِد مِنْهُم، أما إلحاقة بِالْأَبِ،
فَلَا يُمكن لِأَن الْولَايَة منصب تَقْتَضِيه رُتْبَة الْأَب
لَا رُتْبَة الابْن، وَإِن كَانَ النّظر إِلَى جَانب الْمولى
عَلَيْهِ، فمراعاة الْأَب لمصَالح فَرعه لَا تناسبها مُرَاعَاة
الْوَلَد لمصَالح الْأُم.
وَالْجَوَاب عَن منقولهم: إِمَّا أَن ذَلِك خَاص برَسُول
اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَام) وَإِمَّا لِأَن الْوَلَد كَانَ
ابْن عَم أمه. وَأما الصُّورَة الَّتِي لَا أثر لمنع الابْن من
الْكَفَاءَة فِيهَا هِيَ أَن تتَزَوَّج شريفة بنبطي وتلد
مِنْهُ ثمَّ تبين عَنهُ ثمَّ تعود إِلَيْهِ، فَلَيْسَ للْوَلَد
الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ رُبمَا منعُوا فِي غير
هَذِه الصُّورَة، وَقَالُوا: للْوَلَد الِاعْتِرَاض فِي
الْكَفَاءَة والْحَدِيث الآخر عَن ثَبت، ونقول: الابْن يُدْلِي
بِأَبِيهِ وَأمه، وَالأُم لَا تصلح عندنَا أَن تكون ولية
نَفسهَا، وَالِابْن لَا يكون ولي نِكَاحهَا، قَالَه الْقفال.
(4/65)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ...
(4/66)
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: ركه.
إِذا رضيت أقل من مهر الْمثل.
الْمَذْهَب: لم يكن للأولياء الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(4/67)
تصرفت فِي حَقّهَا وَهِي من أهل
التَّصَرُّف فَلَا يعْتَرض عَلَيْهَا كَمَا لَو باعت مَالهَا
بالبخس، دَلِيل كَون الْمهْر حَقّهَا تصرفها فِيهِ حبسا
وَاسْتِيفَاء وإبراء، وَإِن قدر مثل مَنَافِعهَا فمنافعها
مَالهَا، وَإِن قدر الْبضْع جزءها، فإهدارها للطرف إِن لم
يُؤثر فِي الْإِبَاحَة أثر فِي نفي الضَّمَان.
لَهُم:
نقيس نُقْصَان الْمهْر على فَوَات الْكَفَاءَة، وَالْجَامِع
أَن الزَّوْجَيْنِ يتعادلان فِي المنصب غَالِبا، ونقصان
الْمهْر شين للنسب، ثمَّ ضَرَر بنساء عشيرتها، ثمَّ تَقْرِير
الْمهْر إِلَى عشرَة حق الشَّرْع، وَإِلَى مهر الْمثل حق
الْأَوْلِيَاء لتأثرهم بِهِ، ونسلم أَن الْمهْر حَقّهَا لكنه
عبارَة عَن الْوَاجِب، وَالْكَلَام فِي الْوُجُوب، وَصَارَ
كَالزَّكَاةِ تجب لله وَالْوَاجِب للْفُقَرَاء.
مَالك:
أَحْمد: ق.
(4/68)
التكملة:
الِاعْتِرَاض على عقدهَا بِالْفَسْخِ إِمَّا بِنَصّ أَو
قِيَاس، وَلَا نَص، وَلَا أصل بتخيل إِلْحَاقه بِهِ سوى
الِاعْتِرَاض عِنْد فَوت الْكَفَاءَة، وَلَيْسَ هَذَا فِي
مَعْنَاهُ لِأَن الِاعْتِرَاض على تصرف الْغَيْر فِي حَقه إِذا
ثَبت تضرر عَظِيم لَهُ وَقع فِي النُّفُوس اعتياد يثبت بِضَرَر
دونه، وَلذَلِك ثبتَتْ شُفْعَة المساهم لَا المجاور، ثمَّ لَو
زوجت نَفسهَا بالنخالة أَو بقشور الرُّمَّان لم يعْتَرض
عَلَيْهَا، وَقِيمَة بضع الْمَرْأَة يخْتَلف باخْتلَاف الرغبات
فَرب نسيبة قَليلَة الْمهْر ووضيعة كَثِيرَة الْمهْر، فَلَيْسَ
الْمهْر معيار النّسَب، بل مَحل الْمهْر من الْبضْع مَحل
الثّمن من الْمُثمن (ويصل الْإِضْرَار بنساء الْعَشِيرَة
منقوض) بِمَا لَو رَضِي الْوَلِيّ، وتحقيقه أَن النُّقْصَان
لَا يحط من مهر الْمَوْطُوءَة بِالشُّبْهَةِ بل يعْتَبر قانون
مهر الْمثل فِي الْعَشِيرَة، ثمَّ نعتبر بعده فَضِيلَة إِن
كَانَت فِيهَا أَو فِي غَيرهَا، ونقيصة إِن كَانَت فِيهَا أَو
فِي غَيرهَا، وَكَذَلِكَ الْمُسَامحَة (من إِحْدَاهُنَّ
(4/69)
تخْتَص بهَا) .
(4/70)
(لوحة 57 من المخطوطة أ:)
هَذَا الْفَصْل يَقع فِيمَا إِذا زوج مولاته من نَفسه ويدور
فِي كثير من الْمسَائِل. نسلم وجود الْأَهْلِيَّة والمحلية
والصيغة ونقول: الصِّحَّة حكم شَرْعِي مَعْنَاهُ اعْتِبَاره
هَذَا العقد فِي إِيجَاب حكمه، فَلَا بُد من سَبَب وأمارة تدل
على ثُبُوته فالأهلية عبارَة عَن صِفَات إِذا اجْتمعت لشخص
أمكن أَن يعْتَبر قَوْله وَفعله فِي مجاري الْأَحْكَام،
والمحلية مَجْمُوع صِفَات فِي الْمحل تقبل مَقْصُود الحكم
فَيمكن إِثْبَات الحكم فِيهَا، والصيغة أَلْفَاظ منظومة يُمكن
جلب الحكم بهَا، فَإِذا اجْتمعت الْأَهْلِيَّة والمحلية
والصيغة وَهِي الْأَركان أمكن أَن يَصح العقد، وَمَعْنَاهُ لَو
صَحَّ لم يُنَاقض أصلا شَرْعِيًّا وَلَا عقليا، لَكِن مَا
الدَّلِيل على وُقُوع هَذِه الْعلَّة الممكنة وثبوتها؟
فَلَيْسَ كل مُمكن وَاقع لَكِن الْمُمكن مَا اسْتَوَى طرفاه
وجودا وعدما، فَإِن وجد مَا يرجحه ثَبت وَإِلَّا بَقِي على
عَدمه.
فَإِن قَالُوا: (الأَصْل اعْتِبَار كَلَام الْعَاقِل فَنَقُول:
هَذَا الأَصْل إِن ادعيتموه عقلا فمحال؛ لِأَنَّهُ لَا مجَال
للعقول فِي الْأَحْكَام، وَإِن ادعيتموه
(4/71)
شرعا، فَلَا يتعرف إِلَّا من نَص أَو
إِجْمَاع أَو قِيَاس عَلَيْهِمَا، فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا
أعْطى الْعقل لاعْتِبَار قَوْله وَفعله، قُلْنَا: لِإِمْكَان
اعْتِبَار قَوْله وَفعله أم لوجوبهما؟ ! للإمكان مُسلم
للْوُجُوب وَلَا نسلم.
مَسْأَلَة: الْموقف بَاطِل خلافًا لَهُم. لنا: إِن إِذن
الْوَلِيّ شَرط فِي الاستباحة فَإِذا تَأَخّر عَن العقد لم
يَصح كَالشَّهَادَةِ.
مَسْأَلَة لَا ينْعَقد نِكَاح الْمُسلم مَعَ الذِّمِّيَّة
بِشَهَادَة أهل الذِّمَّة خلافًا لَهُم.
لنا: أَن من لَا ينْعَقد بِشَهَادَتِهِ نِكَاح مُسلمين لَا
ينْعَقد بِشَهَادَتِهِ نِكَاح مُسلم وذمية كَالْعَبْدِ
وَالصَّبِيّ وَلَا يحسن قِيَاس شَهَادَته على ولَايَته؛ لِأَن
الْولَايَة تستدعي الشَّفَقَة وَطلب الْمصلحَة للْمولى
عَلَيْهِ، وَالْكفْر لَا يُنَافِي ذَلِك وَالشَّهَادَة تستدعي
حفظ الْحق وَالْكفْر يُنَافِي ذَلِك، فَإِنَّهُ لَو كَانَ
الْمُنكر الزَّوْج لم تَنْفَع شَهَادَة الذِّمَّة.
(4/72)
مَسْأَلَة: الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ
وَالْأَخ من الْأَب سَوَاء فِي الْولَايَة فِي القَوْل
الْقَدِيم، وَيقدم الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ فِي القَوْل
الْجَدِيد، ومذهبهم الْحجَّة: أَخَوان يُزَوّج كل وَاحِد
مِنْهُمَا إِذا انْفَرد، فَإِذا اجْتمعَا تَسَاويا كَمَا
تَسَاويا فِي الإدلاء وَلَا حجَّة فِي التَّقْدِيم
بِالْمِيرَاثِ، فَإِن المشركة يقدم ولد الْأُم على ولد
الْأَبَوَيْنِ وَلَا يقدم فِي الْولَايَة؛ وَذَلِكَ لِأَن
قرَابَة الْأُم لَهَا مدْخل فِي الْمِيرَاث فرجح بهَا وَلَا
مدْخل لَهَا فِي الْولَايَة فَلَا تَقْتَضِي التَّرْجِيح.
(4/73)
(من مسَائِل النِّكَاح)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ:
ركو.)
إِذا زوج ابْنَته الصَّغِيرَة بِدُونِ مهر الْمثل.
الْمَذْهَب: يجب مهر الْمثل وَإِذا زَوجهَا من غير كفؤ لم
ينْعَقد.
عِنْدهم: يجب الْمُسَمّى، وَينْعَقد.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ... . .
(4/74)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد يتَضَمَّن إِضْرَارًا فَلَا ينْعَقد عَلَيْهَا كَمَا لَو
بَاعَ مَالهَا بخسا؛ لِأَن العقد فوض إِلَيْهِ لينشئه وفْق
الْمصَالح، وَعدم الْكَفَاءَة ونقصان الْمهْر يضاد الْمصَالح
وَلَو فعلت هِيَ هَذَا رد عَلَيْهَا؛ وَلِأَن ترد هِيَ
عَلَيْهِ أولى لِأَن يتَصَرَّف لَهَا.
لَهُم:
الْبضْع لَيْسَ مَالا حَتَّى يُقَال ينزل عَنهُ بِمَا لَا
يُسَاوِيه وَغَايَة مَا يقدر أَنه امْتنع عَن تَحْصِيل
زِيَادَة لَهَا، وَلَعَلَّه راقب فِي ذَلِك مصلحَة أُخْرَى،
وشفقته تحقق ذَلِك، ثمَّ النِّكَاح لم يقْصد لِلْمَالِ،
فَالْمَال فِيهِ تبع.
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.
(4/75)
التكملة:
رُبمَا منعُوا أَنه يضر بهَا وَأَن الْمصلحَة فِي رِعَايَة
الْكَفَاءَة وَالْمهْر فَحسب، وَزَعَمُوا أَن وَرَاء ذَلِك
مصَالح، الْوَلِيّ أعرف بهَا، وَالْجَوَاب: أَن الْكَفَاءَة
وَمهر الْمثل حَيْثُ شرعا كَانَا لابتغاء الْمصَالح، وَلذَلِك
اعْتِرَاض عِنْد فواتهما، ولعمري أَن الْأَب ولي ابْنَته لَكِن
فِي تَحْصِيل مَا لَيْسَ لَهَا أما تَفْوِيت مَالهَا فَلَا،
أَلا ترى أَنه ينهب وَيفْعل الْوَصِيَّة لَهَا وَلَا يهب وَلَا
يعْتق مَالهَا (كَذَلِك مَا نَحن فِيهِ يضر بهَا، فَلَا تملكه)
، وَيُمكن أَن نقُول: الْمهْر مُقَابل المَال وَمَنْفَعَة
الْبضْع مَال، وَإِن سلمنَا أَنه غير تَفْوِيت فَهُوَ يحصل لما
تيَسّر تَحْصِيله من غير ضَرَر وَلَا غرر، وَذَلِكَ وَاجِب على
الْوَلِيّ كَمَا إِذا طلب مَالهَا بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل،
فَإِنَّهُ لَا يَصح، فَإِن قَالُوا: هَذَا فَوَات يعود إِلَى
بدل، فَإِنَّهُ مَا فعل ذَلِك إِلَّا وَقد رأى فِي الزَّوْج
مصَالح توفّي على مهر الْمثل، وَالْجَوَاب رِعَايَة مثل ذَلِك
لَا يُوقف الْأَحْكَام عَلَيْهِ بل يُرَاعى
(4/76)
مَا جعله الشَّرْع مصلحَة وَلِهَذَا لَو
خَالع زَوْجَة الصَّبِي الشوهاء على أَضْعَاف مهرهَا لم يجز.
الْحَرْف الْخَاص بِالْمهْرِ أَنه عندنَا مَقْصُود بِالْعقدِ
وَعِنْدهم تَابع، والحرف الْعَام أَن عندنَا فِيهِ ضَرَر
خلافًا لَهُم.
(4/77)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: ركز.)
الْوَلِيّ الْأَقْرَب إِذا غَابَ غيبَة مُنْقَطِعَة.
الْمَذْهَب: الْحَاكِم نَائِب الْأَبْعَد وَلَا تنْتَقل
الْولَايَة إِلَى الْأَقْرَب دَارا.
عِنْدهم: ينْتَقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ...
(4/78)
لَهُم: ... ... ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْأَقْرَب دَارا مَحْجُوب عَن الْولَايَة بالأقرب نسبا،
وَهُوَ بَاقٍ فَبَقيَ الْحجب؛ لِأَن الْعلَّة الْقَرَابَة
وأهلية النّظر وَتمكن الِانْتِفَاع بالمراسلة وَإِن خيف
الْفَوات بالسلطان، وَالدَّلِيل على بَقَاء ولَايَته: بَقَاء
سَببهَا وَهِي الْقَرَابَة الباعثة على النّظر ويتأيد بِمَا
لَو زَوجهَا حَيْثُ هُوَ رُبمَا لَو كَانَ لَهُ وَكيل حَاضر.
لَهُم:
زَالَت ولَايَة الْأَقْرَب نسبا فانتقلت إِلَى الْأَقْرَب
دَارا كَمَا لَو مَاتَ أَو جن، الدَّلِيل على الزَّوَال أَن
الْولَايَة ترَاد للنَّظَر وَقد فَاتَ وَلَيْسَ الْمُعْتَبر
أَهْلِيَّة النّظر بل انْتِفَاع الْمَرْأَة بِهِ وَهَذَا
الْمطلب قد فَاتَ فَصَارَ كفوات الْأَهْلِيَّة ثمَّ ثُبُوت
الْولَايَة لَهما يرجح الْأَقْرَب دَارا.
(4/79)
مَالك:
أَحْمد: ف.
التكملة:
لَهُم فِي طرفِي ولَايَة المَال منع، وَإِن سلمُوا فعذرهم أَنه
يُمكن نَقله بسهولة، بِخِلَاف الْمَرْأَة، فَإِنَّهَا تحْتَاج
إِلَى محرم ومراعاة مصَالح الْبضْع أَكثر من مُرَاعَاة مصَالح
المَال، وَمِنْهُم من يسلم بَقَاء ولَايَة الْأَقْرَب نسبا
وندعي أَيْضا ثُبُوتهَا للأقرب دَارا أَو نفرض كَمَا لَو غَابَ
الْأَب وَالْجد حَاضر فَإِن قرَابَة الْجد ثَابِتَة،
وَإِنَّمَا بِفضل الْأَب إِذا بالأكملية فَإِذا غَابَ فَاتَ
هَذَا الْقدر، وقابل ضَرَر غيبته نفع الأكملية، الْجَواب:
بِالْجُمْلَةِ منع انْقِطَاع نظره، فَإِن أَهْلِيَّة النّظر
كَامِلَة قَائِمَة والباعث على النّظر تَامّ، وَإِن عرضت
حَاجَة حاقة، فَالْحكم يُزَوّج، قَالُوا: احْتِمَال تَزْوِيجه
إِيَّاهَا فِي الْغَيْبَة أَمر بعيد. الْجَواب:
الِاحْتِمَالَات الْبَعِيدَة لَا تعْتَبر فِي إِثْبَات
الْأَحْكَام ابْتِدَاء أما
(4/80)
بَقَاؤُهَا دواما فَيعْتَبر فِيهِ كل
احْتِمَال وَإِن بعد، (والفارق أَن الحكم فِي الِابْتِدَاء على
النَّفْي) ، فَيحْتَاج فِي إثْبَاته إِلَى أَرْكَانه وشرائطه
أما الثَّابِت، فَالْأَصْل بَقَاؤُهُ، والعضل لَازم لَهُم جدا
من جِهَة أَنه يُزَوّجهَا الْحَاكِم، وَلَا ينْتَقل إِلَى
الْبعيد النّسَب إِذا عضلها الْقَرِيب النّسَب.
(4/81)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: ركح.)
إِذا زوج أحد الْأَوْلِيَاء من غير كُفْء.
الْمَذْهَب: لَا ينْعَقد فِي قَول، وَينْعَقد فِي قَول،
وَينْعَقد غير لَازم فِي قَول.
عِنْدهم: ينْعَقد وَيلْزم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... .
(4/82)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْحق مُتَعَدد فإسقاط أحد الْمُسْتَحقّين لَا يُوجب إِسْقَاط
الآخر كالشفعة وَالْقصاص؛ لِأَن السَّبَب هُوَ الْأُخوة مثلا،
وكل أَخ يُدْلِي بأخوة كَامِلَة، وَلَيْسَ يقف كَمَال أخوته
على أَخ آخر فَهِيَ عقد تضمن ضَرَرا لسَائِر الْأَوْلِيَاء،
فَوَجَبَ أَلا يلْزم قِيَاسا على مَا لَو عضل الْوَلِيّ،
فَزَوجهَا الْحَاكِم، فَإِن للعاضل الْفَسْخ.
لَهُم:
عقد صدر من ولي كَامِل الْولَايَة، فَوَجَبَ أَن يلْزم كَمَا
لَو انْفَرد دَلِيل ذَلِك أَن الْحق لَا يتَجَزَّأ، فَلَا يثبت
بعضه كالإيمان.
(4/83)
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
يلْزمهُم على أصلهم إِذا زوجت نَفسهَا من غير كُفْء وأفهمه أَن
قطع النِّكَاح أَو دَفعه ثَابت للأخوة وفَاقا وكل وَاحِد
مِنْهُم على قَوْلنَا ولي لَا الْوَلِيّ وَالْمَسْأَلَة فرع
النِّكَاح بِلَا ولي وَسِيَاق الْكَلَام أَنه لَا يَصح دون
الْوَلِيّ، ثمَّ الْوَلِيّ قد يتحد وَقد يَتَعَدَّد والمتعدد
فِي حكم الْولَايَة كالواحد لِأَن سَبَب الْولَايَة وَاحِد
وَهُوَ الْأُخوة مثلا، وَهَذَا الْحق يُضَاف بِكَمَالِهِ إِلَى
كل أَخ، وَمُقْتَضى الْقيَاس أَن لَا ينْعَقد إِلَّا بهم
جَمِيعًا، وَإِن كَانَ الزَّوْج كُفؤًا قَالُوا: هَذَا
الْمُمْتَنع لَو كَانَ مُنْفَردا لامتنع العقد بامتناعه،
وَكَذَلِكَ هَذَا الزَّوْج لَو كَانَ مُنْفَردا لصَحَّ العقد
بتزويجه من غير كُفْء.
الْجَواب: هما وليان وَقد تعَارض فيهمَا سَببا الْفساد
وَالصِّحَّة فسقطا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِالِاعْتِبَارِ،
فَبَقيَ الْأَمر على مَا كَانَ أَو يرجح جَانب
(4/84)
الْفساد حُرْمَة الأبضاع والعذر عَن
التَّزْوِيج من الْكُفْء كَونه ينْفَرد بِهِ دون الآخر.
وَالْجَوَاب: أَن الْمَرْأَة إِذا طلبت الْكُفْء وَجب على
الْكل الرِّضَا حَتَّى يَعْصِي الْمُمْتَنع وكل من لزمَه
الرِّضَا فِي أَمر معِين استغني عَن مُرَاجعَته كالشفيع
يتَمَلَّك الشّقص من غير مُرَاجعَة المُشْتَرِي؛ لِأَن
الشَّرْع ألزمهُ الرِّضَا بِثمن العقد، والحرف أَن عندنَا يثبت
لكل وَاحِد مِنْهُم حق كَامِل وَعِنْدهم الْحق الْوَاحِد ثَابت
للْجَمِيع.
(4/85)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: ركط.)
هَل يُزَوّج الْوَلِيّ مولاته من نَفسه؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم، وَيَكْفِي أَن يَقُول: زوجتها من نَفسِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... . .
لَهُم: ... ... ... .
(4/86)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَمَانَة شَرْعِيَّة فَلَا تثبت فِي مَظَنَّة التُّهْمَة
كَالشَّهَادَةِ، فَإِن الشَّارِع فوض العقد إِلَى الْوَلِيّ
ليحتاط لَهُ بِنَظَر تَامّ، والمرء مُتَّهم فِيمَا يعود إِلَى
نَفسه، وَلَيْسَ الْمَحْذُور بخس حَقّهَا بل بخس حق الشَّرْع
من العقد الَّذِي يشْتَمل على مصَالح تدوم وَتبقى ويتأيد
بالوكيل، فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي من نَفسه.
لَهُم:
التعويل على أَرْكَان العقد من الْأَهْلِيَّة والمحلية والصيغة
وَلَا حَادث إِلَّا اتِّحَاد الْعقْدَيْنِ وَذَلِكَ غير مَانع،
فَإِن الشَّخْص الْوَاحِد قد يُضَاف إِلَيْهِ أَمْرَانِ بسببين
كالأخ من الْأُم إِذا كَانَ ابْن عَم يتأيد بِبيع الْأَب مَال
الصَّغِير فِي نَفسه.
مَالك: ف.
أَحْمد: يُوكل من يُزَوّجهَا مِنْهُ وَلَا يَتَوَلَّاهُ
بِنَفسِهِ.
(4/87)
التكملة:
التَّزْوِيج فعل شَرْعِي والشرعي يثبت على مذاق الحسية،
وَالْأَفْعَال الحسية المتعدية يَنْقَسِم إِلَى مَا يتَعَدَّى
إِلَى مفعول وَاحِد وَإِلَى مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين،
والأركان الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة
يتحد الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، ويلزمنا على هَذَا أَنه
يَنْبَغِي أَن يَصح تَزْوِيج الْوَكِيل من نَفسه إِذا كَانَ من
جِهَة الْوَلِيّ لِأَنَّهُ مَا اتَّحد الْفَاعِل
وَالْمَفْعُول، فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ: يَصح، وَالْجَوَاز
(أَن التَّزْوِيج صدر من الْوَكِيل حسا) ، وَالْمُوكل فاثم،
فَكيف يُضَاف الْفِعْل إِلَى الْمُوكل وَهُوَ خلاف الْحس
وَخلاف الشَّرْع أَيْضا؟ ! فَإِنَّهُ لَو حلف لَا يتَزَوَّج
وَتزَوج وَكيله لم يَحْنَث وَالْوَكِيل لَو حلف لَا يتَزَوَّج
وَتزَوج بِالْوكَالَةِ حنث، بَقِي علينا الْأَب، فَإِنَّهُ
يَبِيع مَال ابْنه الصَّغِير من نَفسه وَقد اتَّحد البَائِع
والمبتاع. وَهُوَ عَلَيْهِم أَيْضا، فَإِنَّهُم منعُوا
الْوَكِيل أَن يَبِيع من نَفسه والتقصي عَن عُهْدَة إِلْزَام
الْأَب أَن البيع وَإِن صدر من الْأَب حسا فَهُوَ من الابْن
شرعا، وَذَلِكَ لمعنيين فِي حق الْأَب خَاصَّة.
أَحدهمَا: قِيَاس البعضية، وَالْآخر: الرِّفْق بالطفل.
(4/88)
والحرف أَن النِّكَاح عندنَا حق الشَّرْع
لمصْلحَة عَامَّة فَاحْتَاجَ إِلَى تَامّ النّظر وَنظر
الْمَرْء لنَفسِهِ تُهْمَة.
وَعِنْدهم هُوَ حق الْمَرْأَة، فَزَوجهَا بالنيابة ويتزوج
بالاستقال.
(4/89)
(الْمَسْأَلَة الثَّلَاثُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: رل 230:)
هَل يجْبر السَّيِّد عَبده على النِّكَاح؟ .
الْمَذْهَب: أظهر الْقَوْلَيْنِ لَا، وَيجوز إِجْبَار العَبْد
الصَّغِير وَالْإِمَاء.
عِنْدهم: يجْبر الْجَمِيع.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
بَالغ عَاقل فَلَا يجْبر على النِّكَاح كَالْحرِّ، وَتَقْرِيره
أَن الْبلُوغ يتَضَمَّن أصل الْعقل، والذكورية تفِيد كَمَاله،
وَكَمَال الْعقل يُنَاسب أَهْلِيَّة الِاسْتِقْلَال،
(4/90)
فَالْعقد حَقه وَهُوَ من أهل مُبَاشَرَته
وغنمه لَهُ وغرمه عَلَيْهِ وَالنَّفس الَّتِي بهَا صَار ناكحا
غير مَمْلُوكَة للسَّيِّد؛ لِأَنَّهَا لَيست مَالا.
لَهُم:
ملك عينة، فَملك تَزْوِيجه كالأمة، تَأْثِيره أَن ملك
الرَّقَبَة سَبَب ملك النِّكَاح فِي حق الْأمة؛ لِأَن
النِّكَاح يرد على الْعين أَو مَا هُوَ فِي حكم الْعين،
فَالْعَبْد ملك السَّيِّد وَالنِّكَاح شرع لمصلحته فَجَاز
انشاؤه لاصلاح ملكه كالأمة.
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
التكملة:
ولَايَة الْإِجْبَار إِمَّا أَن تثبت ابْتِدَاء من جِهَة
الشَّرْع أَو قِيَاسا على مَنْصُوص وَلَا نَص وَلَا أصل يُقَاس
عَلَيْهِ، فَإِن الْملك لَيْسَ فِي معنى الْقَرَابَة، وَلَيْسَ
هَذَا تَصرفا مِنْهُ لنَفسِهِ حَتَّى ينزل منزلَة بيع العَبْد
وَلَيْسَ مستصلحا ملكه إِذْ الصّلاح بِالْوَطْءِ وَهُوَ غير
مجبر عَلَيْهِ، بل هُوَ قَادر على الطَّلَاق. لم يبْق إِلَّا
مَأْخَذ الْولَايَة على الْغَيْر، وَلَا سَبَب إِلَّا ملك
الرَّقَبَة، فَلَا بُد من دَلِيل على ملك الرَّقَبَة سَبَب
هَذِه الْولَايَة، وَلَا أصل يُقَاس عَلَيْهِ إِلَّا الْأمة،
وَالْفرق بَين
(4/91)
الْأمة وَالْعَبْد أَولا لأَنا لَا نسلم
أَنه يُزَوّج الْأمة لولاية الْإِجْبَار لَكِن بطرِيق
التَّصَرُّف فِي حق نَفسه، فَإِن الْبضْع ملكه فَصَارَ
كَالْإِجَارَةِ فمعقول النِّكَاح على الْأمة ملك الْمَنْفَعَة
ومعقول النِّكَاح على العَبْد إِلْزَام ذمَّته المَال
وَتَحْصِيل ملك النِّكَاح لَيْسَ لَهُ، وَلَيْسَ للسَّيِّد أَن
يلْزم ذمَّة العَبْد مَالا وَلذَلِك لَا يجْبرهُ على
الْكِتَابَة، وَإِن سلمنَا أَنه قبل الولايات لَكِن للسَّيِّد
فِي الْأمة ملك الرَّقَبَة وَملك الْمَنْفَعَة.
(4/92)
(لوحة 58 من المخطوطة أ:)
إِذا كتب إِلَى الْوَلِيّ: زَوجنِي وليتك فقرأه الْوَلِيّ
بِحَضْرَة شَاهِدين وَقَالَ: زَوجتك لم ينْعَقد. وَاعْلَم أَن
من تزوج بِامْرَأَة حرم عَلَيْهِ أمهاتها على التَّأْبِيد
وَتحرم بنتهَا تَحْرِيم جمع إِلَّا أَن يدْخل بهَا فَتحرم
بنتهَا على على التَّأْبِيد وكل من يحرم عَلَيْهِ تَحْرِيم جمع
يَصح نِكَاحهَا فِي عدَّة من حرمت بِسَبَبِهَا إِذا كَانَت
الطَّلقَة ثَلَاثًا، وَالْأمة إِذا قتلت نَفسهَا أَو قَتلهَا
سَيِّدهَا قبل الدُّخُول سقط الْمهْر، وَإِن قتلت الْحرَّة
نَفسهَا فلهَا الْمهْر أما إِذا قتل الزَّوْجَة زَوجهَا أَو
أَجْنَبِي اسْتَقر مهرهَا أمة كَانَت أَو حرَّة قَالَ
الاصطخري: إِن كَانَت أمة سقط مهرهَا، لِأَن الْأمة كالمتاع
إِذا تلف قبل الْقَبْض، وَبَعض الْأَصْحَاب يَقُول: فِي
الْمَوْت مثل ذَلِك وَهَذَا لَيْسَ
(4/93)
بِصَحِيح؛ لِأَن الْأمة فِي أَحْكَام
النِّكَاح كَالْحرَّةِ يَصح طَلاقهَا وظهارها وَالْإِيلَاء
عَلَيْهَا، وَإِذا وطىء الْأَب جَارِيَة ابْنه نظرت، فَإِن لم
تحمل مِنْهُ فَلَا يَخْلُو أما أَن يكون قد وَطئهَا الابْن
أَولا، فَإِن لم يكن وَطئهَا فَلَا حد لشُبْهَة الْملك فِي
مَال الْوَلَد، وَإِن كَانَ قد وَطئهَا الْوَلَد فَفِي الْحَد
وَجْهَان، وَأما الْمهْر فَيجب فِي الْوَجْه الأول؛ لِأَن كل
وَطْء يسْقط فِيهِ الْحَد للشُّبْهَة يجب فِيهِ الْمهْر وكل
مَوضِع سقط الْحَد وَوَجَب الْمهْر حرمت على الابْن على
التَّأْبِيد وَلَا تجب الْقيمَة، لِأَن ملك الابْن قَائِم،
فَأَما إِذا أحبلها فَحكم الْحَد وَالْمهْر على مَا سبق،
وَبَقِي الْكَلَام فِي الِاسْتِيلَاد وَقيمتهَا وَقِيمَة
الْوَلَد، أما الِاسْتِيلَاد فَإِن الْوَلَد حر، وَهل تصير أم
ولد؟ قَولَانِ: وَجه كَونهَا أم ولد أَنَّهَا علقت مِنْهُ بَحر
بِحَق الْملك فَصَارَت أم ولد كَالْوَطْءِ فِي ملكه، وَيُفَارق
الزَّوْجَة؛ لِأَنَّهَا حملت بمملوك.
قَالَ بعض الْأَصْحَاب: لَا يتَصَوَّر أَن يتَزَوَّج الْأَب
بِجَارِيَة ابْنه؛ لِأَن الابْن يجب عَلَيْهِ أَن يعف أَبَاهُ
فَلَا يجوز للْأَب أَن يتَزَوَّج بِجَارِيَة ابْنه لوُجُود
الطول، وَمِنْهُم من قَالَ: يتَصَوَّر بِأَن يكون للِابْن أمة
يحْتَاج إِلَيْهَا لَا غنى لخدمته بِهِ عَنْهَا وَلَا يملك
غَيرهَا مَا يعف بِهِ أَبَاهُ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْأَب
صَحِيحا فعلى أحد الْقَوْلَيْنِ لَا يجب على الابْن نَفَقَته
وَلَا إعفافه، فَيجوز أَن يتَزَوَّج بأمته على أَن فِي إعفاف
الابْن قَوْلَيْنِ، وَإِذا وطىء الْأمة حرم عَلَيْهِ أمهَا
وبنتها على التَّأْبِيد كَالْحرَّةِ؛ لِأَن هَذَا وَطْء لَهُ
حُرْمَة يتَعَلَّق بِهِ لُحُوق النّسَب من أحَاط علمه
بِمَدِينَة مَا من يحرم عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَن يتَزَوَّج من
الْمَدِينَة وَلَو
(4/94)
اخْتلطت هَذِه الْمُحرمَة بِعَدَد مَحْصُور
لم يجز، وَيجمع بَين الْأُخْتَيْنِ فِي ملك الْيَمين لَا فِي
الْوَطْء؛ لِأَنَّهُ يقْصد بِملك الْيَمين التمول، فَإِذا
أَرَادَ وَطْء وَاحِدَة حرم الْأُخْرَى على نَفسه بِبيع اَوْ
كِتَابَة أَو عتق أَو تَزْوِيج، فَإِن رَهنهَا لم يكف، وَإِن
كَانَ مَمْنُوعًا من وَطئهَا؛ لِأَن ذَلِك لحق الْمُرْتَهن،
وَإِذا تزوج لَهُ ابْن أمْرَأَة لَهَا بنت وَبِالْعَكْسِ جَازَ
أَن يتَزَوَّج وَلَده من وَلَدهَا، فَلَو ولدت ولدا كَانَ
أَخُوهُ مزوجا بأخته، وَإِذا تزوج بِامْرَأَة جَازَ لَهُ أَن
يُزَوّج ابْنه بأمها.
مَسْأَلَة: إِذا قبل امْرَأَة هَل تحرم أمهَا وابنتها؟
قَولَانِ: أَحدهمَا لَا تحرم، (وَالثَّانِي تحرم) وَهُوَ
مَذْهَبهم.
لنا: أَنه لمس لَا يُوجب الْغسْل فَلَا يُوجب تَحْرِيم
الْمُصَاهَرَة كالنظر إِلَى وَجههَا.
(4/95)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلا.)
بِأَيّ لفظ ينْعَقد النِّكَاح؟ .
الْمَذْهَب: بالإنكاح وَالتَّزْوِيج ومعناهما الْخَاص بِكُل
لِسَان.
عِنْدهم: ينْعَقد بِهَذَا وَبِكُل لفظ يُنبئ عَن التَّمْلِيك.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَة مُؤمنَة ... ...} الْآيَة، وَجه
الدَّلِيل أَنه جعل الْهِبَة خَالِصَة للنَّبِي، وَالضَّمِير
فِي خَالِصَة عَائِد إِلَى الْهِبَة لَا إِلَى الزَّوْجَة
(فكون الزَّوْجَة) خَالِصَة لَهُ قد اسْتُفِيدَ من آيَة
أُخْرَى، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " (استحللتم فروجهن)
بِكَلِمَة اللَّهِ " أَلا وَهِي النِّكَاح وَالتَّزْوِيج.
(4/96)
لَهُم:
صِحَة نِكَاح النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِلَفْظ الْهِبَة
دَلِيل على أَن لفظ الْإِنْكَاح لَا يعْتَبر، وَرُوِيَ أَنه
قَالَ لأعرابي: " ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
النِّكَاح عقد خَاص شرع لحكم خَاص وَثَمَرَة خَاصَّة، فَلَا
ينْعَقد إِلَّا بِلَفْظِهِ الْخَاص بِهِ وَالنِّكَاح لفظ لَا
ينْعَقد بِهِ البيع (فَوَجَبَ أَن لَا ينْعَقد النِّكَاح
بِالْبيعِ) ؛ لِأَن الأَصْل فِي الْأَلْفَاظ أَن تتحد دلالتها
وَالْمجَاز فِيهَا عَارض.
لَهُم:
تصرف أمكن العقد بمجازة فَلَا يلغى، بَيَان الْإِمْكَان أَنه
كنى بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب، وَذَلِكَ جَائِز لُغَة، وَملك
النِّكَاح ملك مَنْفَعَة، وَملك البيع ملك رَقَبَة، وبواسطة
الْمَنْفَعَة نعمل بِهِ تَصْحِيحا لكَلَام الْعَاقِل أَو
(4/97)
نجعله حَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ تمْلِيك فِي
النِّكَاح.
مَالك: بوافق الْخصم وَيشْتَرط ذكر الْمهْر.
أَحْمد: ق.
التكملة:
مَعْقُود النِّكَاح من أغمض مَا يطلع عَلَيْهِ، وَقد
اضْطَرَبَتْ فِيهِ مسالك الْفُقَهَاء، وَبِالْجُمْلَةِ ينطوي
على مَقَاصِد غَرِيبَة لَا تعرب عَنْهَا العبارت الْمَوْضُوعَة
لسَائِر الْعُقُود، وَالشَّرْع نصب عبارتي التَّزْوِيج
والإنكاح وهما لَا ينبئان عَن مَقْصُود على وضع اللُّغَة
وانعقد العقد بهما بتحكم الشَّرْع، فَمَا عداهما من
الْأَلْفَاظ لَا يقوم مقامهما، غَايَته أَن يكون مُجملا ومجازا
وَلَو جَازَ مثل ذَلِك جَازَ بِلَفْظ الْإِجَارَة والإحلال.
وصحيح لفظ منقولهم: زوجتكها على أَن الرَّاوِي لَفْظَة ملكتكها
مطعون فِيهِ، ونمنع
(4/98)
جَرَيَان الْملك فِي النِّكَاح، وَلَا
نقُول: حكمه الْحل اللَّازِم على الزَّوْجِيَّة الشَّرْعِيَّة
وَكَيف يقدر ملك الزَّوْج الْمَرْأَة وَالْمَنْفَعَة
مُشْتَركَة بَينهمَا؟ فَإِن قَالُوا: عبر عَن السَّبَب
بالمسبب، قُلْنَا: الْمُسَبّب الَّذِي يعبر بِالسَّبَبِ عَنهُ
يَنْبَغِي أَن يكون لَازِما للسبب أبدا كالمطر مَعَ السَّحَاب
وَملك الْمَنْفَعَة دون ملك الذَّات أَكثر وجودا مِنْهُ مَعَ
ملك الذَّات، فَإِذا بَطل اللُّزُوم بَطل الِاسْتِعْمَال.
(4/99)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلب)
نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت الْبَائِن.
الْمَذْهَب: يجوز وَيجوز نِكَاح أَربع سواهَا.
عِنْدهم: لَا يجوز شَيْء من ذَلِك.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} ،
وَقَوله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم} ، وَقَوله
تَعَالَى: {ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} ، وَلَيْسَ الْمَحْذُور
عَلَيْهِ الْعَجز عَن الانفاق؛ لِأَنَّهُ يجوز أَن يستكثر
السراري لَكِن الْمَحْذُور عَلَيْهِ الْعَجز عَن التحصين
الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ وَقد زَالَ بِالطَّلَاق هَذَا حجَّة
فِي نِكَاح الْأَرْبَعَة سوى الْبَائِن.
(4/100)
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} ،
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " مَلْعُون مَلْعُون من جمع
مَاءَهُ فِي رحم أُخْتَيْنِ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمحرم الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ نِكَاحا وَلم يُوجد؛ لِأَن
الطَّلَاق أَزَال الْحل وَهِي الْآن انعدمت من قبل النِّكَاح؛
لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى مُحَلل، ويتأيد بِوُجُوب الْحَد
عَلَيْهِ إِذا وَطئهَا، ثمَّ الْمحرم الْجمع وَلم يفعل الْجمع
فَإِن بَقِي نِكَاح فَمن فعل اللَّهِ تَعَالَى.
لَهُم:
تربص عَن طَلَاق فَمنع التَّزْوِيج بأختها كالرجعية، ذَلِك
لِأَن الْعدة من النِّكَاح على معنى أَن النِّكَاح قَائِم من
وَجه، دَلِيل ذَلِك أَن عدَّة الْمُتَوفَّى حق النِّكَاح،
فَإِنَّهَا تجب حَيْثُ لَا مَاء وَلَا توهم مَاء ثمَّ الْفراش
قَائِم بِدَلِيل لحاق النّسَب وَملك الْيَد بَاقٍ.
(4/101)
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
لَهُم منع بعيد فِي وجوب الْحَد وَكَيف يَصح وَلَو وَطئهَا بعد
الْمُحَلّل وَجب الْحَد وَهِي أقرب إِلَى الْحل والمأخذ بفرق
معنى الْآيَة الْمُحرمَة وَالْجمع يَسْتَدْعِي مجموعا ومجموعا
فِيهِ وجامعا، وَالنَّظَر فِي الْمَجْمُوع فِيهِ وَلَا يجوز
أَن يكون الْوَطْء؛ لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر، فَإِنَّهُ
يتعاقب، وَلَا الْحَبْس، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ نِكَاح أُخْت
الْمُسْتَوْلدَة وَأُخْت المستبرأة فاتضح أَن الْمَجْمُوع
فِيهِ النِّكَاح وَلَا نِكَاح فِي حق المبتوتة وَمَا تخيلوه من
بَقَاء النِّكَاح بِالسُّكْنَى وَالْحَبْس وَالنَّفقَة غير
صَحِيح، فَلَيْسَ النِّكَاح شَيْئا من ذَلِك وَلَو كَانَ
النِّكَاح بَاقِيا لدرأ الْحَد وَلَو بشبهته. ثمَّ حق الشَّيْء
لَا يقوم مقَام حَقِيقَته بِدَلِيل أَنَّهَا بعد الْعدة تبقى
مُحرمَة على ابْن الزَّوْج، وَأَبِيهِ وتدوم حُرْمَة
الْمُصَاهَرَة وَالْعدة وَجَبت عندنَا مُوجب شغل الرَّحِم
بِالْمَاءِ وَكَذَلِكَ ثبتَتْ بِوَطْء
(4/102)
الشُّبْهَة وقدرت بِالْأَقْرَاءِ دون
الْأَشْهر بِخِلَاف عدَّة الْوَفَاة، فَإِن ادعوا أَن الْمحرم
للْجَمِيع الغيظ المفضي إِلَى قطيعة الرَّحِم، لم نسلم لَهُم
كل غيظ بل الغيظ الْجَارِي فِي النِّكَاح.
قَالَ تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم
وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت
وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة وَأُمَّهَات
نِسَائِكُم وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم
اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن
فَلَا جنَاح عَلَيْكُم وحلائل أَبْنَائِكُم} .
{وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} .
{وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} .
فالمحرمات أَرْبَعَة عشر: بِالنّسَبِ سبع بالرضاعة اثْنَتَانِ،
بالصهر
(4/103)
أَربع، بِالْجمعِ وَاحِدَة.
من أسرار الشَّرْع أَن الرجل يكون محرما لامْرَأَة أَبِيه بعد
الْبَيْنُونَة، وَلَا يكون الْأَب محرما لَهَا، وَهَذَا حَال
الْأَب مَعَ زَوْجَة الابْن تعجب مِنْهُ الْقفال.
الإمامية: يجوز للرجل أَن يتَزَوَّج الْمَرْأَة على عَمَّتهَا
وخالتها بعد أَن يستأذنها.
(4/104)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلج.)
المخلوقة من مَاء الزِّنَى.
الْمَذْهَب: يحل لَهُ نِكَاحهَا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عُمُوم الْآيَة السَّابِقَة، وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " الْوَلَد للْفراش ".
وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف} ،
وَجه الدَّلِيل أَن النّصْف للْبِنْت، وَلَيْسَ لهَذِهِ حق فِي
الْمِيرَاث.
(4/105)
لَهُم:
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم
وبناتكم} ، وَهَذِه بنته حَقِيقَة وَبضْعَة بِدَلِيل قَوْله
لفاطمة: " بضعَة مني " فالبنت مُحرمَة بِنَصّ الْكتاب، وَهِي
بِوَضْع اللُّغَة من يخلق من مَاء الرجل، وخاطب الْعَرَب
بعرفهم. والبنوة تُعْطِي الِاتِّصَال كَمَا يُقَال: ابْن
سَبِيل.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
نِكَاح وجد من أَهله فِي محلّة بشرائطه فتم، والمقدر مَانِعا
الْآيَة المُرَاد بهَا الْبِنْت شرعا، وَلَو أوصى لبنات فلَان
لم تشاركهن بنت الزنية، وَكَذَلِكَ لَا تعْتق عَلَيْهِ إِذا
اشْتَرَاهَا كَمَا تعْتق بنت الرشدة.
(4/106)
لَهُم:
الْمحرم فِي حق الْبِنْت البعضية لما فِي النِّكَاح من
الإذلال، وَيحرم على الْمَرْء أَن يرق نَفسه، وَذَلِكَ معنى
مُنَاسِب، وَلِهَذَا لم يملك أَوْلَاده فِي ملك الْيَمين،
وَثَبت حُرْمَة الرَّضَاع لما فِيهَا من بعضية، وَالْمُعْتَبر
مَا أنشز الْعظم، فعلة التَّحْرِيم الرَّضَاع، وَلَا نسب
كَذَلِك هَاهُنَا (وَلَا يحرم نسب ذَلِك للبعضية) .
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
البعضية لَا تناسب التَّحْرِيم، فَإِن النِّكَاح لَا ملك فِيهِ
وَلَا ذل، (بل هُوَ مُتْعَة، وإلذاذ، وَفِيه معنى التحصين) ،
وَلَو كَانَ فِيهِ ذل لمنع فِي حق الْأَجْنَبِيّ، وَإِن كَانَ
لابد مِنْهُ فأجزاء الْإِنْسَان أولى بِاحْتِمَال إذلاله، ثمَّ
عَلَيْهِ
(4/107)
امْتنَاع نِكَاح بنت الرشدة النّسَب،
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي رفع الْحجاب والتربية فَتحصل شَفَقَة توجب
انحباس الشَّهْوَة، ثمَّ لَو حلت لَهُ لامتد طرفه إِلَيْهَا
وَخيف الْفِتْنَة من ذَلِك فَكَانَ النّسَب منافيا لشرع
النِّكَاح، فَهَذِهِ الْمعَانِي وَلعن ناكح يَده إِنَّمَا
كَانَ؛ لِأَنَّهُ يسفح مَاءَهُ لَا للْحُرْمَة والبعضية كَمَا
زَعَمُوا، وَثُبُوت نَسَبهَا من الْأُم مُشكل علينا
وَعَلَيْهِم؛ لِأَنَّهُ سَبَب الْإِرْث وَالنَّفقَة وَسَائِر
الْأَحْكَام بعد قيام الزِّنَى، والعذر عَنهُ أَن منَاط
النّسَب البعضية المحسوسة أَو المستندة إِلَى سَبَب شَرْعِي
وَهِي من جَانب الْأُم محسوسة، وَكَذَلِكَ تبع الْوَلَد الْأُم
رقا وحرية، (فَالْمُعْتَبر من جَانب الْأُم الْفراش وَمن جَانب
الْأُم المحسوس) .
(4/108)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلد.)
يُوجب الزِّنَى حُرْمَة الْمُصَاهَرَة.
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} ،
وَجه الدَّلِيل أَنه قَالَ ذَلِك بعد عد الْمُحرمَات وَلَيْسَ
الْمُتَنَازع فِيهِ مِنْهُنَّ، فَإِن أبدوا مُحرمَات لَيْسَ
فِي الْآيَة، فَذَلِك تَخْصِيص النَّص وَلَا يمْنَع
الِاحْتِجَاج بِالْبَاقِي.
لَهُم:
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} ،
وَجه الدَّلِيل تنَاول لفظ النِّكَاح الْحَلَال وَالْحرَام.
(4/109)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وصلَة شَرْعِيَّة فَلَا تعلق على
الزِّنَى كالنسب، ذَلِك لِأَن بهَا تنسج الْأَنْسَاب وَيحصل
التعاضد وَذَلِكَ نعْمَة لَا يَقْتَضِي تَعْلِيقهَا على
الزِّنَى فَهُوَ وَطْء بمحض عُدْوانًا، فَلَا يثبت حُرْمَة
الْمُصَاهَرَة كَمَا لَو كَانَ بصغيرة أَو فِي غير المأتى.
لَهُم:
الْوَطْء سَبَب البعضية فَأوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة، ذَلِك
لِأَنَّهُ يُوجب اخْتِلَاط الماءين والبعضية تَقْتَضِي
الْحُرْمَة وتنافي الرّقّ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف. وَإِذا لَاطَ بِغُلَام حرم عَلَيْهِ بنته وَأُخْته.
التكملة:
إِن قيل: لم أثبتم الْمُصَاهَرَة بِوَطْء الشُّبْهَة؟ قُلْنَا:
لِأَن اللَّهِ تَعَالَى
(4/110)
جمع بَين النّسَب والصهر وَثَبت النّسَب
إِجْمَاعًا فَثَبت الصهر، وَإِن منعُوا العدوانية زَعَمُوا أَن
هَذَا الْوَطْء مُبَاح من حَيْثُ أَنه حرث فِي مَحَله
المقتضيه، وَهِي الْأُنُوثَة، وَإِنَّمَا حرم من خوف اخْتِلَاط
الْمِيَاه وَانْتِفَاء الْولَايَة عَن الْمحل فَصَارَ
كالاصطياد بفرس الْغَيْر وَالصَّلَاة فِي دَار الْغَيْر،
وَوَجَب الْحَد لَا لذات الْوَطْء بل لصفته وَكَونه فِي ملك
الْغَيْر، فَالْجَوَاب مطالبتهم بِالسَّبَبِ الْمُبِيح قَوْلهم
هِيَ مَحل الْحَرْث (قُلْنَا جعلنَا بَين لبحث الْحَرْث) أَو
ليمكن إِن زَعَمُوا الْوُجُوب لم يَجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا
إِلَّا بِالْعودِ إِلَى مَسْأَلَة التحسين والتقبيح، وَإِن
زَعَمُوا الْإِمْكَان مُسلم لَكِن يفْتَقر إِلَى دَلِيل فِي
ثُبُوته، وَلنَا أَن نمْنَع الْجُزْئِيَّة بَين الْوَالِد
وَالْولد وَمَا هِيَ إِلَّا فضلَة مستحيلة انفصلت مِنْهُ
كَسَائِر الفضلات أجْرى اللَّهِ سنَنه بِخلق الْوَلَد مِنْهَا،
وَإِن سلم فِي الْوَلَد فَكيف يدعى فِي الْأَبَوَيْنِ وهما
شخصان منفصلان؟ .
(4/111)
مَذْهَب عَليّ وَقَول مُجَاهِد: أَن
أُمَّهَات النِّسَاء يحرمن بِالدُّخُولِ بِالنسَاء كَمَا تحرم
الربائب بِالدُّخُولِ بالأمهات.
الإمامية: من زنى بِامْرَأَة لَهَا بنت حرم عَلَيْهِ
نِكَاحهَا، وَإِن فَارقهَا البعل، وَكَذَلِكَ إِن كَانَت فِي
الْعدة، وَلَو عقد على امْرَأَة مُعْتَدَّة وَقد علم بذلك لم
تحل لَهُ أبدا.
(4/112)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رله.)
إِذا استولد الْأَب جَارِيَة ابْنه.
الْمَذْهَب: لزمَه الْمهْر وَالْقيمَة.
عِنْدهم: تلْزمهُ الْقيمَة دون الْمهْر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول.
لنا: ... ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وَطْء فِي ملك الْغَيْر، فَيلْزمهُ الضَّمَان كَمَا لَو لم
تحبل، وَلَو طئ
(4/113)
أحد الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَة
الْمُشْتَركَة، فَإِنَّهُ يجب نصف الْمهْر وَنصف الْقيمَة،
وَذَلِكَ لِأَن الْوَطْء فِي ملك الْغَيْر لَا يَخْلُو عَن
ضَمَان زجرا (وجبر عقر أَو عُقُوبَة) ، وَملك الْوَلَد
مَعْصُوم بِالْإِسْلَامِ وَالدَّار.
لَهُم:
الْوَطْء وَاقع فِي ملكه بِدَلِيل ثُبُوت النّسَب، فَإِن
النّسَب لَا يُمكن إثْبَاته دونه ولولاه كَانَ حَرَامًا وَلم
يثبت النّسَب، نعم لم يجب عِنْد عدم الإحبال لقَوْله: " أَنْت
وَمَالك لأَبِيك "، (أما أحد الشَّرِيكَيْنِ) ، فالاستيلاء
حَاصِل بِالْملكِ فِي (نصِيبه ثمَّ سرى) إِلَى نصيب شَرِيكه
بِالْقيمَةِ، فَهُوَ فعل أوجب ضَمَان الْكل، فَلَا يُوجب
ضَمَان الْجُزْء كَقطع الْيَد إِذا سرى.
مَالك:.
أَحْمد:.
(4/114)
التكملة:
الْمُصَحح للسبب فِي حق التَّمْلِيك أَن لَهُ أَن يتَمَلَّك
الْجَارِيَة مَتى شَاءَ وَذَلِكَ مخرج الْفِعْل عَن العدوانية
الْمَحْضَة فَيثبت النّسَب وَلَا يلْزم حل وَطْء الابْن لِأَن
لَهُ حَقِيقَة الْملك، فَإِن قَالُوا: ضَمَان الْجُزْء دَاخل
فِي ضَمَان الْكل لم نسلم أَن الْفَائِت بِالْوَطْءِ من
الْمَضْمُون بِالْقيمَةِ بل الْقيمَة بدل الذَّات وَالْمهْر
بدل مَنْفَعَة الْبضْع، وَكَيف يَسْتَقِيم الْقيَاس على
سرَايَة الْقطع، وَلَو قطع غَيره ثمَّ حز رقبته لم تجب إِلَّا
دِيَة وَاحِدَة، وَلَو وَطئهَا ثمَّ قَتلهَا وَجب الْمهْر
وَالْقيمَة؟ ! وَبِالْجُمْلَةِ يَقُولُونَ: الِاسْتِيلَاء قد
صَحَّ وَلَا يَصح إِلَّا فِي ملكه، وَطَرِيقه تملك الْجَارِيَة
عِنْد الِاسْتِيلَاء صِيَانة لجزئه والاستيلاء بِالْوَطْءِ،
فأثبتنا الْملك قبل الِاسْتِيلَاء ليخلق الْوَلَد حرا.
وَالْجَوَاب: أَن التَّمْلِيك والاستيلاء يَكْفِي فِيهِ قَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنْت وَمَالك لأَبِيك "، فَلَا حَاجَة
إِلَى هَذِه التعذرات.
(4/115)
(لوحة 59 من المخطوطة أ:)
نقيس فِي نِكَاح الْأمة مَا إِذا كَانَ تَحْتَهُ حرَّة
وَالْعلَّة كَونه مرق وَلَده قَالُوا: إِنَّمَا لم يجز فِي
الأَصْل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تنْكح الْأمة على
الْحرَّة "، وَلَيْسَ ذَلِك مُعَللا بالإرقاق بل بِسَبَب آخر،
وَهُوَ أَن الرّقّ مُؤثر فِي تنصف حُقُوق الرَّقِيق، ظهر ذَلِك
فِي حق العَبْد حَتَّى لَا ينْكح إِلَّا اثْنَتَيْنِ، فالأمة
لم يُمكن تنصف الزَّوْج فَنصف بالأحوال. وَقُلْنَا: تحل لمن
لَيْسَ تَحْتَهُ حرَّة وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرك لما لم
يُمكن توزيع ذَاته على موَالِيه وزع بَينهم بِالزَّمَانِ،
وَهَذِه الْعلَّة لَا تتقاصى خوف الْعَنَت وفقد الطول، وَهَذِه
الْعلَّة مُؤثرَة؛ لِأَنَّهَا ظَهرت فِي قسم الْأمة،
وَالْعلَّة المؤثرة أولى من غَيرهَا، وَالْجَوَاب: أَن مَا
يتَضَمَّن التنصيف لَا حصر لَهُ إِذْ يجوز أَن ينْكح العَبْد
دون الْأَحْرَار وَمن هُوَ أكبر سنا مِنْهَا دون من هُوَ
أَصْغَر إِلَى غير ذَلِك،
(4/116)
فَلم اقْتصر فِي التنصيف على مَا ذكرْتُمْ؟
!
مَسْأَلَة: النّظر إِلَى الْفرج لَا يُوجب حُرْمَة
الْمُصَاهَرَة خلافًا لَهُ، لنا: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
وَقد سُئِلَ عَن الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، أتحرم عَلَيْهِ
أمهَا وابنتها؟ فَقَالَ: " لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال "
وللخصم خبر يُوَافق فتواه لَكِن يرويهِ حَفْص عَن لَيْث، ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
. .
(4/117)
عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة
مَوْقُوفا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَفْص وَلَيْث ضعيفان.
مَسْأَلَة لَا يجوز للْحرّ أَن يتَزَوَّج بِأَكْثَرَ من أمة
وَاحِدَة، قَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يتَزَوَّج بِأَرْبَع
لنا أَنه حر لَا يخْشَى الْعَنَت فَلَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة
كَمَا لَو كَانَت تَحْتَهُ حرَّة.
مَسْأَلَة: يجوز للْعَبد أَن يتَزَوَّج بِأمة وَلَو كَانَ
تَحْتَهُ حرَّة خلافًا
(4/118)
لَهُ، لنا: أَنه عبد فَجَاز لَهُ
التَّزَوُّج بِأمة كَمَا لَو لم تكن تَحْتَهُ حرَّة.
مَسْأَلَة: يجوز للْمُسلمِ أَن يجْبر الذِّمِّيَّة على الْغسْل
من الْحيض خلافًا لَهُ. لنا: أَن حدث الْحيض يجْرِي مجْرى
الْحيض فِي تَحْرِيم الْوَطْء بِدَلِيل الْمسلمَة، وَإِذا
كَانَ الْوَطْء محرما ملك إجبارها على الْغسْل ليتوصل مَعَه
إِلَى اسْتِيفَاء حَقه خرج غسل الْجَنَابَة على مَا قُلْنَاهُ؛
لِأَن إِبَاحَة الْوَطْء لَا يقف عَلَيْهِ وعَلى أحد
الْقَوْلَيْنِ هُوَ مثل غسل الْحيض، ولعمرى يحْتَاج الْغسْل
إِلَى نِيَّة لَكِن إِذا أمكنت، فَأَما إِذا تَعَذَّرَتْ فَلَا
تشْتَرط وَصَارَ كَنَفس الْغسْل، فَإِن الاستباحة تقف على غسل
جَمِيع الْبدن، فَلَو تعذر غسل بعضه أَجْزَأَ غسل الْبَاقِي.
مَسْأَلَة: إِذا شَرط أَنه إِذا وَطئهَا فَلَا نِكَاح بَينهمَا
فَالنِّكَاح بَاطِل.
قَالَ أَبُو حنيفَة يَصح وَيَلْغُو الشَّرْط، لنا أَنه نِكَاح
شَرط فِيهِ انْقِطَاعه دون غَايَته، فَلم يَصح، كَمَا لَو
قَالَ: زَوجتك إِلَى شهر.
(4/119)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلو)
أَيجوزُ للْأَب نِكَاح جَارِيَة الابْن؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... .
لَهُم: ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
جَارِيَة لَهُ فِيهَا شُبْهَة ملك فَسقط بهَا الْحَد فَمنع من
التَّزْوِيج بهَا كجارية مُكَاتبَة؛ وَذَلِكَ لِأَن حق الْملك
ثَابت فِي ملك الابْن وينتقل حَقِيقَة
(4/120)
عِنْد الِاسْتِيلَاد فينفسخ النِّكَاح،
والداعي إِلَى نقل الْملك حريَّة الْوَلَد، ثمَّ العقد يُفْضِي
إِلَى الْوَطْء وَالْوَطْء يُفْضِي إِلَى الْحَبل ثمَّ
الْوَلَد ثمَّ فسخ النِّكَاح فَصَارَ النِّكَاح عَبَثا.
لَهُم:
لَا حق لَهُ فِيهَا فَيصح نِكَاحهَا، وتوقع الِانْفِسَاخ لَا
يمْنَع صِحَة النِّكَاح كَمَا لَو نكح جَارِيَة قريبَة فَهِيَ
تعرض أَن يَمُوت فيرثها، ثمَّ لَو منع هَذَا ابْتِدَاء منع
دواما، وَلَو اشْترى الابْن مَنْكُوحَة الْأَب لم يَنْفَسِخ
العقد، وَلَو اشْترى الْمكَاتب زَوْجَة السَّيِّد يَنْفَسِخ
النِّكَاح.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
نمْنَع أَن للسَّيِّد حَقِيقَة ملك فِي مَال الْمكَاتب
بِدَلِيل أَنه يَشْتَرِي مِنْهُ، ومحال أَن يَشْتَرِي ملك
نَفسه، وَالدَّلِيل على أَن للْأَب حق ملك قدرته على
التَّصَرُّف ونفوذ استيلاده، وَهَذَا فَارق الْوَارِث حَيْثُ
لَا ينفذ تصرفه فِي
(4/121)
ملك الْمُورث، وَأما إِلْزَام الدَّوَام
فمندفع فَإِن دوَام الْملك أقوى من ابْتِدَائه، فَإنَّا فِي
الِابْتِدَاء نحاول إِثْبَات حكم مُمْتَنع فنحتاج إِلَى
شُرُوط، وَفِي الدَّوَام نحتاج إِلَى قَاطع، وَظُهُور
احْتِمَال الْفساد يمْنَع الِانْعِقَاد، وَلَا يقطع الدَّوَام،
أَلا ترى أَن الرِّدَّة تمنع أول النِّكَاح وَلَو ارْتَدَّت
مَنْكُوحَة لم يَنْقَطِع نِكَاحهَا فِي الْحَال بل إِذا أصرت
على الْكفْر، كَذَلِك إِذا طَرَأَ ملك الابْن فِي
الْمَنْكُوحَة للْأَب احْتمل أَن يبْقى إِلَى الإحبال وَاحْتمل
أَن يَزُول فَلم نقطع بِالِاحْتِمَالِ، فَإِن أفْضى إِلَى
الِاسْتِيلَاد قطع، وَأما حَقِيقَة الْملك فَهِيَ مُنَافِيَة
للنِّكَاح، وَلَا يَنْضَم الشَّيْء إِلَى منافيه، وَملك
الْمكَاتب يمْنَع الِانْقِطَاع عِنْد طريانه كملك الابْن،
وَهَذَا الْمَنْع يتَعَيَّن طردا للْقِيَاس.
(4/122)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلز.)
الْحر الْوَاجِد طول الْحرَّة.
الْمَذْهَب: لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة.
عِنْدهم: يجوز.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا (أَن ينْكح
الْمُحْصنَات}
... ... ... ... . .) الْآيَة، فيتلقى مورد النَّص
بِالْقبُولِ، واستبقينا أصل الِامْتِنَاع فِيمَا عدا صُورَة
الْمُسْتَثْنى، وَلم يستفد حكم (فَسَاد) نِكَاح الْأمة من
مَدْلُول الْآيَة بل الأَصْل الِامْتِنَاع، فَإِن الْآدَمِيَّة
تنَافِي ملكي الْيَمين وَالنِّكَاح.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم} ، وَقَوله: (وَأحل
لكم مَا
(4/123)
وَرَاء ذَلِكُم} .
وَجه الدَّلِيل: أَنَّهَا لَيست من الْمُحرمَات وَقد دخلت تَحت
عُمُوم (مَا طَابَ لكم) .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
نِكَاح الْأمة أُبِيح للضَّرُورَة، فَلَا يجوز عِنْد عدمهَا،
دَلِيل الدَّعْوَى أَن فِيهِ تَعْرِيض الْوَلَد للرق وَيجب على
الْمَرْء صِيَانة جزئه عَن الرّقّ وَهُوَ مستغن عَن نِكَاح
الْأمة، فَلَا تحل لَهُ كَمَا لَو كَانَت فِي نِكَاحه حرَّة.
لَهُم:
محللة للأزواج نِكَاحا فَجَاز تَزْوِيجهَا، وَإِن لم يعجز.
دَلِيل الدَّعْوَى: الْآيَة، وَكَونهَا أُنْثَى آدمية وَمحل
مُتَصَوّر النِّكَاح من قَضَاء الشَّهْوَة وَطلب الْوَلَد،
وَلَو قَالَ السَّيِّد لعَبْدِهِ: تزوج حرَّة أَو أمة جَازَ
لَهُ الْأمة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(4/124)
التكملة:
صون الْوَلَد عَن الرّقّ نوع نظر لَيْسَ بَعيدا عَن مناهج
الشَّرْع. قَالُوا كَيفَ يمْنَع النِّكَاح لفَوَات صفة
الْحُرِّيَّة فِي الْوَلَد وَلَو نكح عقيما أَو رتقاء جَازَ
مَعَ فَوَات الْوَلَد؛ وَذَلِكَ لِأَن الْوَلَد من ثَمَرَات
النِّكَاح، فَلَا تتَوَقَّف صِحَة الأَصْل عَلَيْهِ.
الْجَواب: الْعَقِيم والرتقاء لَيْسَ فِيهِ إِلَّا عدم
الْوَلَد، وَذَلِكَ غير مَحْذُور، لَكِن الْحُصُول على وصف
فَاسد مَحْذُور، وَلذَلِك يجوز الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء
وَفِيه عدم الْوَلَد، وَلَا يجوز وَطْء الْمُعْتَدَّة حذرا من
خلط النّسَب، قَالُوا: إِذا نكح حرَّة وَتَحْته أمة جَازَ لَهُ
أَن يَطَأهَا، وَإِن كَانَ مرقا لوَلَده، قُلْنَا: الْعلَّة
منتصبة لنفي نِكَاح المستغني، فَلَا يرد هَذَا عَلَيْهِ نقصا
لِأَن الشَّرَائِط تعْتَبر لابتداء الِانْعِقَاد وَقد منع
الْمُزنِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة، الْجَواب عَن الْمَنْقُول: أما
قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم} ، أَرَادَ مَا حل
وَفِيه النزاع، وَلَفظ النِّسَاء لَا يتَنَاوَل الْإِمَاء
وَالْمرَاد نِكَاح الْحَرَائِر بِدَلِيل قَوْله: {مثنى
وَثَلَاث وَربَاع} ، أما قَوْله: {وَأحل لكم مَا وَرَاء
ذَلِكُم} فَهُوَ اسْتثِْنَاء عَن الْمُحرمَات بِأَسْبَاب
(4/125)
إضافية بَين الناكح والمنكوحة كالرضيع
وَالرّضَاع، فَأَما الْمُحرمَات بأوصاف ذاتية كالكفر وَالرّق
فَلم يذكرن.
قَالَ الثَّوْريّ: إِن خَافَ الْعَنَت جَازَ لَهُ نِكَاح أمة
وَإِن وجد طول حرَّة.
قَالَ بعض أهل الْمَدِينَة: من عشق أمة وَخَافَ على نَفسه
الْعَنَت بهَا جَازَ أَن ينْكِحهَا وَإِن كَانَ تَحْتَهُ
حرَّة. حَكَاهُ الْقفال.
قَالَ الْمُزنِيّ: إِن وجد طول بعد نِكَاح الْأمة انْفَسَخ
نِكَاحهَا.
(4/126)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلح.)
نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة.
الْمَذْهَب: لَا تحل لمُسلم.
عِنْدهم: تحل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم
الْمُؤْمِنَات} ، وَذَلِكَ تَقْيِيد بعد إِطْلَاق؛ لِأَن
لَفْظَة (الفتيات) تتَنَاوَل المؤمنة والكافرة لكنه
اسْتِدْرَاك بعد إِطْلَاق وَقيد بِذكر الْإِيمَان فَجرى مجْرى
الشَّرْط كَمَا لَو قَالَ: أصرف مَالِي إِلَى الْعلمَاء
الْفُقَرَاء، وَقَالَ تَعَالَى: {والطيبات للطيبين} .
لَهُم: ... ... ... ... ... ...
(4/127)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الأَصْل الْمَنْع من نِكَاح الْإِمَاء إِلَّا مَا اسْتثْنِي
فَيجب رِعَايَة قيد الْإِيمَان فِيهِ، وَالْأَصْل امْتنَاع
النِّكَاح بَين الْكفَّار وَالْمُسْلِمين؛ لِأَن مُعظم
مَقَاصِد النِّكَاح لَا تتمّ بَينهم والمباينة ظَاهِرَة
والنصوص فِي النَّهْي عَن مقارنتهم كَثِيرَة، وَإِنَّمَا
اسْتثْنِي من ذَلِك صُورَة وَاحِدَة لمصْلحَة فَبَقيت فِي
الْبَاقِي على الأَصْل.
لَهُم:
امْرَأَة لَو كَانَت حرَّة يحل نِكَاحهَا، فَكَذَلِك إِذا
كَانَت أمة كالمسلمة، أَو امْرَأَة لَو كَانَت مسلمة يحل
نِكَاحهَا، فَكَذَلِك إِذا كَانَت كِتَابِيَّة قِيَاسا على
الْحرَّة؛ ذَلِك لِأَن الْأُنُوثَة مَحل النِّكَاح وَالْكفْر
غير مَانع بِدَلِيل الْحرَّة، فَإِذا تمهدت الْمَحَلِّيَّة
وانتفى الْمَانِع جَازَ النِّكَاح.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة: لَا يخفى أَن الْعلَّة إِذا كَانَت ذَات وصفين لَا
يمْنَع كل وَاحِد مِنْهُمَا مُفردا
(4/128)
وَهَذَا جَوَاب قَوْلهم: أَن الْأمة يجوز
نِكَاحهَا، والحرة الْكِتَابِيَّة يجوز نِكَاحهَا،
وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن الرّقّ وَالْكفْر كل وَاحِد مِنْهُمَا
على حَاله يُوجب امْتنَاع النِّكَاح أصلا، وَحَيْثُ شرع نِكَاح
الرقيقة أَو الْكَافِرَة كَانَ رخصَة على خلاف الأَصْل والرخص
لَا تتعدى مواردها بشرع الرُّخْصَة عِنْد قيام أصل وَاحِد
مَانع من المرخص فِيهِ لَا يلْزم شرعها عِنْد اجْتِمَاع أصلين
مانعين، وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَاب: الْأمة الْكِتَابِيَّة
اعتورها النُّقْصَان.
أَبُو ثَوْر: يحل نِكَاح الْمَجُوس.
(4/129)
قَالَ ابْن عَبَّاس: نِكَاح الْأمة خير من
الاستمناء وَهُوَ خير من الزِّنَى. الإمامية: تحد المستمني على
يَده. رخص فِيهِ ابْن دِينَار.
(4/130)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رلط.)
الْكَافِر إِذا أسلم عَن أُخْتَيْنِ أَو أَكثر من أَربع
نسْوَة.
الْمَذْهَب: يخْتَار الْعدَد الْمَشْرُوع ويندفع نِكَاح
الْبَاقِيَات.
عِنْدهم: يتدافع نِكَاحَيْنِ إِن كَانَ فِي عقد وَاحِد وَلَا
يَصح مَا سبق.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
أسلم غيلَان بن سَلمَة عَن عشر نسْوَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام: " اختر أَرْبعا مِنْهُنَّ، وَفَارق سائرهن
"، وَأسلم الْحَارِث بن قيس عَن
(4/131)
ثَمَان نسْوَة فَأمره أَن يخْتَار أَرْبعا
وَيُفَارق أَرْبعا، قَالَ: ففارقت أقدمهن صُحْبَة، وَأسلم
فيزور الديلمي عَن أُخْتَيْنِ فَقَالَ لَهُ: " اختر وَاحِدَة
وَفَارق الْأُخْرَى ".
لَهُم: ... ... ... ... ... . .
(4/132)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول: لنا:
أنكحة الْكفَّار وَقعت على الصِّحَّة وطرى تَحْرِيم الْبَقَاء
على الْجمع، فَإِذا أبطلنا نِكَاح إِحْدَاهمَا أَزَال الْجمع،
دَلِيل صِحَة أنكحتهم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " ولدت من
نِكَاح لَا من سفاح "، ثمَّ لَو كَانَت الْخَامِسَة أَو
إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَأسلم بَقِي النِّكَاح.
لَهُم:
الْمحرم الْجمع وَهُوَ بعد الْإِسْلَام جَامع بَين
الْأُخْتَيْنِ وَالْخمس، تَأْثِيره أَن الْجمع فعل ينْطَلق على
بَقَاء الْمَجْمُوع كَمَا ينْطَلق على ابْتِدَائه فبقاء
الْمَجْمُوع كابتدائه حكما؛ لِأَنَّهُ لَو حلف لَا يلبس
فاستدام حنث، فَإِذا كَانَ جَامعا بعد الْإِسْلَام حرم
الْجَمِيع كابتداء الْجمع.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(4/133)
التكملة:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " اختر أَرْبعا مِنْهُنَّ وَفَارق
سائرهن " يدْفع قَوْلهم: إِنَّه أمره بِالِاخْتِيَارِ، وَعين
الْعدَد الْمُخْتَار وَلم يعين الْفِعْل الَّذِي بِهِ
الِاخْتِيَار لِأَن هَذَا لَا يلائم مَذْهَبهم فعندهم لَا
اخْتِيَار لَهُ إِن نكحوا على التَّعَاقُب، فَإِنَّهُ يَصح
الْأَوَائِل، وَإِن نكحوا مَعًا بَطل الْجمع بقوله عَلَيْهِ
السَّلَام: " اختر أَرْبعا مِنْهُنَّ "، وَتَعْيِين الْعدَد
يدْفع هَذَا الْوَهم، ثمَّ اخْتِيَار ابْتِدَاء النِّكَاح فِي
أَربع على رَأْيهمْ إِنَّمَا يكون إِذا نكحن دفْعَة
وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام لم يستفصل وَتَأْخِير
الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة لَا يجوز، وَلَا ندعي أَنه
عَلَيْهِ السَّلَام علم مَوَاقِيت أنكحته، فَهَذَا مُسْتَحِيل،
كَيفَ وَقد قَالَ: فعمدت إِلَى أقدمهن
(4/134)
صُحْبَة ففارقتها، وَالْفِقْه أَن دفع
النِّكَاح بعد الْإِسْلَام شرع ضَرُورَة، والضرورة تنْدَفع برد
أحد النكاحين، فَلَا حَاجَة إِلَى رد الآخر، ذَلِك ليرغب
الْكَفَّارَة فِي الْإِسْلَام وليمتنع من كل مَا يتَضَمَّن
تنفيرا، وَلذَلِك مَا أَخَذْنَاهُم بِمَا صدر مِنْهُم قبله،
وَلَا نسلم أَنه جَامع بَين الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا
أسلم انْدفع أحد النكاحين، وَالْخطاب عندنَا يلاقي الْكفَّار،
فَإِذا نكح أُخْتَيْنِ لم ينْعَقد النكاحان جَمِيعًا.
(4/135)
(الْمَسْأَلَة الْأَرْبَعُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: رم.)
إِذا ارْتَدَّ بعد ارتداد زَوجته؟
الْمَذْهَب: لم ينْدَفع فسخ النِّكَاح.
عِنْدهم: ينْدَفع.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... .
لَهُم:
حَدِيث الرِّدَّة أَن الصّديق أقرهم على أنكحتهم، وَلَا يلْزم
على هَذَا احْتِمَال اخْتِلَاف الْأزْوَاج فِيمَا بَينهم فِي
الرِّدَّة، فَإِن ذَلِك لَا طَرِيق إِلَى تعرفه فَيقدر أَنهم
توافقوا جَمِيعًا وَصَارَ الْأَقَارِب الْمَوْتَى بغرق لَا
يُورث بَعضهم من بعض وَيقدر مَوْتهمْ مَعًا، وَلَو ادعينا
الْإِجْمَاع فِي حَادِثَة الرِّدَّة لساغ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(4/136)
ردة الْمَرْأَة تفوت محلية الْحل فِي حق
الْمُسلم، وَالْمُرْتَدّ مؤاخذ بِجَمِيعِ علائق الْإِسْلَام،
وَلذَلِك منع من وَطْء الْمُرْتَدَّة وَمن ابْتِدَاء نِكَاحهَا
ويستحيل أَن يُضَاف إِلَى اخْتِلَاف الدّين؛ لِأَنَّهُ يجوز
للْمُسلمِ نِكَاح الذِّمِّيَّة، فَدلَّ على أَن الرِّدَّة فوتت
محلية الْحل وَلذَلِك حرم وَطْؤُهَا بِملك الْيَمين أَيْضا على
الْمُرْتَد.
لَهُم:
لم يختلفا دينا وَلَا دَارا فَلم تقع الْفرْقَة كَمَا لَو
أسلما، وَذَلِكَ لِأَن النِّكَاح يَنْفَسِخ عِنْد ردتها
باخْتلَاف الدّين، وَكَذَلِكَ يَنْفَسِخ بردة الزَّوْج إِذا
انْفَرد، وَأما الِابْتِدَاء، فَإِنَّهُ لم ينْعَقد لتَحْرِيم
الْوَطْء كَمَا لَا ينْعَقد نِكَاح الْمُعْتَدَّة، ودوام
النِّكَاح لَا يَنْقَطِع بالعدة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(4/137)
التكملة:
قَوْلهم: تَحْرِيم الْوَطْء يمْنَع الِابْتِدَاء وَلَا يمْنَع
الدَّوَام كالعدة بَاطِل؛ فَإِن كل مَا يُوجب تَحْرِيمًا
مُؤَبَّدًا يقطع الدَّوَام وَيدْفَع الِابْتِدَاء كالرضاع،
فَإِن فرقوا بِأَن الرِّدَّة يتَوَقَّع انقطاعها بَطل
بِالْملكِ بِجِهَة الشِّرَاء، فَإِنَّهُ يتَوَقَّع انْقِطَاعه
بِالْفَسْخِ وَغَيره، وَمَعَ ذَلِك قطع الدَّوَام، فَإِن
قَالُوا: لَا نسلم قطع ابْتِدَاء النِّكَاح وَلَا نحرم
الْوَطْء، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا مذهبا لأبي حنيفَة.
الْجَواب عَن حَدِيث الرِّدَّة، أَن الصّديق رَضِي اللَّهِ
عَنهُ بنى على جَرَيَان ذَلِك بعد الْمَسِيس وَالْعود قبل
مُضِيّ الْعدة، أَو لَعَلَّه نبه على إِعَادَة النِّكَاح وَلم
ينْقل، أَو لَعَلَّه رأى ذَلِك رَأيا وَنحن نخالفه، ونقول: هما
مُخْتَلِفَانِ فِي الدّين حكما، وَإِن اتحدا صُورَة؛ لِأَن
أَحْكَام الْإِسْلَام بَاقِيَة فِي حق الْمُرْتَد لم يعطل
تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلَا يجوز أَن يَسْتَفِيد بردته
مَقْصُوده، وَلِهَذَا يلْزم قَضَاء الصَّلَوَات بِخِلَاف
الْكَافِر الْأَصْلِيّ.
(4/138)
(لوحة 60 من المخطوطة أ:)
إِذا زوج أمته من عَبده بِمِائَة وَقيمتهَا مائَة وَهُوَ يملك
مائَة أُخْرَى لَا مَال لَهُ سوى ذَلِك وَأعْتق الْأمة أَو
أوصى بِعتْقِهَا لم يكن لَهَا أَن تخْتَار (فرقة الزَّوْج قبل
الدُّخُول؛ لِأَن ذَلِك يسْقط) الْمهْر فَلَا يخرج من الثُّلُث
وَإِذا لم يخرج من الثُّلُث لم ينفذ الْعتْق فِي جَمِيعهَا
وَإِذا لم تعْتق جَمِيعهَا لم يثبت لَهَا خِيَار فجر ثُبُوت
الْخِيَار لَهَا إِسْقَاطه فَسقط الْخِيَار وَثَبت الْعتْق.
وَاعْلَم أَن خِيَار الْمُعتقَة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: على
الْفَوْر، تراخي ثَلَاثَة أَيَّام مَا لم يَمَسهَا باختيارها،
إِذا قَامَت فَإِن كَانَ قد سمى لَهَا صَدَاقا فَهُوَ
للسَّيِّد، وَإِن كَانَت مفوضة فَإِن كَانَ دخل بهَا قبل
الْعتْق فالصداق للسَّيِّد، رُوِيَ أَن عُثْمَان رَضِي اللَّهِ
عَنهُ حضر عقد ملاك وَتَوَلَّى الْخطْبَة ومقدمات العقد ثمَّ
قَالَ: اعقدوا فَإنَّا قوم حرم وروى عَن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام أَنه قَالَ: " الْمحرم لَا ينْكح وَلَا ينْكح "،
وَعمل عُثْمَان بِالْحَدِيثِ يمْنَع من تَأْوِيل الحَدِيث
(4/139)
بِحمْل النِّكَاح على الْوَطْء، فعلى هَذَا
نِكَاح الْمحرم وإنكاحه بَاطِل خلافًا لَهُم، وتعلقوا بِمَا
روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نكح محرما،
قُلْنَا: روى الْأَصَم وَهُوَ عَتيق مَيْمُونَة أَن النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام نكح مَيْمُونَة بسرف وهما حلالان، قَالَ
الشَّافِعِي: كَانَ ابْن عَبَّاس يعْتَقد أَنه من قلد الْهَدْي
وَأَشْعرهُ فقد أحرم من غير تَلْبِيَة وَطواف، فَلَعَلَّهُ رأى
ذَاك من رَسُول اللَّهِ وَأطلق لَفظه بِنَاء على اعْتِقَاده،
ثمَّ النِّكَاح مَحل خَصَائِص
(4/140)
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى صَحَّ
من غير ولي وَبلا شُهُود وَبِغير مهر، فَكيف يتْرك نَصه
الصَّرِيح بِخَاصَّة ثبتَتْ لَهُ، وَالْقِيَاس ظَاهر من
جانبهم؛ لِأَن الْإِحْرَام عبَادَة والعبادات لَا تمنع
النِّكَاح وَإِن منع بَعْضهَا الْوَطْء، وَغَايَة مَا
يتَكَلَّف لنا أَن الْإِحْرَام يمْنَع استحلال الْوَطْء فَمنع
النِّكَاح كالعدة؛ لِأَن مَقْصُود شرع النِّكَاح حل الْوَطْء
فَإِذا لم يكن تَحْقِيقه عقيب العقد لم يجز شَرعه فِي الْحَال
كالعدة، وَيُخَالف الصَّوْم وَالِاعْتِكَاف؛ فَإِن التخلي
عَنْهُمَا بعد التَّلَبُّس بهما مُمكن، إِذا قَالَ: زَوجتك
بِنْتي على أَن تزَوجنِي بنتك وَيكون مهر كل وَاحِدَة
مِنْهُمَا كَذَا وَكَذَا سَوَاء اتّفق المهران أَو اخْتلفَا
فَإِن هَاهُنَا لَا يكون شغارا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تشريك
وَيكون النكاحان صَحِيحَيْنِ وَالْمهْر فَاسد؛ لِأَنَّهُ وَإِن
كَانَ سمى مهْرا جَائِزا إِلَّا أَنه شَرط نِكَاح إِحْدَاهمَا
فِي نِكَاح الْأُخْرَى، وَذَلِكَ لَا يلْزم وَإِذا لم يلْزم
وَجب أَن يرد الْمهْر إِلَى مَا حصل من الْمُحَابَاة لأَجله
وَذَلِكَ مَجْهُول، ففسد الْمهْر دون العقد، وَصَارَ كَمَا لَو
قَالَ: بِعْتُك هَذِه السّلْعَة بِأَلف على أَن تبيعني سلعتك،
فَإِن البيع فَاسد؛ لِأَنَّهُ شَرط شرطا فَاسِدا يعود
بِجَهَالَة الثّمن، إِلَّا أَن فِي البيع إِذا فسد الثّمن فسد
العقد بِخِلَاف النِّكَاح فَإِن قَالَ: زَوجتك بِنْتي وَيكون
بضع بِنْتي مهْرا لبنتك بَطل نِكَاح بنت الْمُوجب؛ لِأَنَّهُ
شرك فِي بَعْضهَا وَلم يفْسد نِكَاح الْأُخْرَى.
(4/141)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رما.)
إِذا ارْتَدَّ أحد الزَّوْجَيْنِ بعد الدُّخُول.
الْمَذْهَب: لم تنتجز الْفرْقَة وَتوقف على انْقِضَاء الْعدة.
عِنْدهم: تنتجز قبل الْمَسِيس.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... . .
لَهُم: ... ... ... ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(4/142)
اخْتِلَاف دين طرى على نِكَاح صَحِيح متأكد
بِالدُّخُولِ فَجَاز أَن يبْقى مَعَه النِّكَاح كَمَا إِذا
أسلم أَحدهمَا، ذَلِك لِأَن النِّكَاح مِمَّا يتشوف الشَّرْع
إِلَى إثْبَاته لإِقَامَة النَّوْع الْإِنْسِي.
لَهُم:
الرِّدَّة تنَافِي النِّكَاح فَبَطل، ذَلِك لِأَن النِّكَاح
وصلَة، وَالرِّدَّة تقطع الْوَصْل والعصمة، وَلِهَذَا حرم
الِاسْتِمْتَاع لَا إِلَى غَايَة، وَلَا بَقَاء للنِّكَاح مَعَ
الْمنَافِي.
مَالك: رِوَايَتَانِ.
أَحْمد: ق.
التكملة:
جَوَاب من يَقُول: الرِّدَّة مُنَافِيَة للنِّكَاح أَن نقُول:
الْمنَافِي إِمَّا ضد الْمَعْنى الَّذِي ثَبت لَهُ ذَلِك
الحكم، وَإِمَّا مُبْطل الْمَعْنى، وَالرِّدَّة ضد الْإِسْلَام
لَا ضد الْحل (فَإِن الْحل) لم يكن ثَابتا بِالْإِسْلَامِ
بِدَلِيل الْكَافرين، وَإِن نَظرنَا إِلَى الْإِبْطَال
بِالرّدَّةِ فالردة لم تبطل الإنسانية والذكورية والأنوثية
الَّتِي تثبت الْأَهْلِيَّة والمحلية، نعم هِيَ مَانِعَة
للنِّكَاح، وَالْمَانِع يَنْقَسِم إِلَى مؤبد كالرضاع
(4/143)
والصهر وهما يمنعان ابْتِدَاء النِّكَاح
ودوامه، وَمُطلق يُرْجَى زَوَاله، وَإِن لم يتَعَيَّن وقته
كالعدة، وَهِي تمنع الِابْتِدَاء دون الدَّوَام، فَإِذا عرف
هَذَا فالردة تَنْقَسِم إِلَى مَا يصدر عَن كفر مُسْتَقر فِي
الْقلب يبْقى طول الْعُمر غَالِبا، وَإِلَى وسواس يَزُول،
فألحقنا ردة الْعُمر بِالرّضَاعِ وردة الوسواس بالعدة.
(4/144)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمب.)
إِذا هَاجر الْحَرْبِيّ إِلَيْنَا بِذِمَّة مُؤَكدَة.
الْمَذْهَب: لم يَنْقَطِع نِكَاحه.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... ... .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {أَو من كَانَ مَيتا} ، وَمَا شابهها من
آيَات الْكتاب الْعَزِيز.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا: اخْتِلَاف الدَّار لَا يَنْبَغِي أَن يكون مؤثرا فِي
الْقطع كَمَا لَو دخل الْمُسلم
(4/145)
دَار الْحَرْب، وفقهه أَن ذَلِك يرجع إِلَى
تبَاين الأصقاع وَذَلِكَ لَا أثر لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يزِيد
على الدّين، وَاخْتِلَاف الدّين لَا أثر لَهُ.
لَهُم:
الْكَافِر ميت حكما بِدَلِيل الْكتاب؛ لِأَن من فَاتَ مِنْهُ
مَا خلق لَهُ وَجحد الصَّانِع سقط تقومه وزالت عصمته فَصَارَ
مَيتا، وَالنِّكَاح عماد وصلَة يَقْتَضِي السكن والألفة
وَذَلِكَ يَزُول باخْتلَاف الدَّار. ويتأيد بالحربي المسبي،
فَإِن نِكَاحه يَنْقَطِع وَلَيْسَ ذَلِك لرقه فالرق لَا
يُنَافِي النِّكَاح.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَالُوا: العَبْد إِذا هَاجر إِلَيْنَا انْقَطع عَنهُ ملك
السَّيِّد فلينقطع ملك الزَّوْج إِذا هَاجَرت الزَّوْجَة.
قُلْنَا: فِيهِ خلاف، وَقد قيل: لَا يَنْقَطِع، فَإِن منع
فينقلب عَلَيْهِم، فَإِن السَّيِّد لَو هَاجر لم يَنْقَطِع
ملكه عَن العَبْد، وَالزَّوْج بمثابته، وَالسَّبَب فِيهِ أَن
ملك السَّيِّد ملك يَمِين فثبتت على الْمَمْلُوك يَد
الِاسْتِيلَاء مَقْصُودا، وَإِن ملك النِّكَاح لَا ينْدَرج
تَحت الِاسْتِيلَاء، فَلذَلِك
(4/146)
لم يَنْقَطِع باستيلاء الْمَرْأَة على
نَفسهَا. ثمَّ الذِّمِّيّ عندنَا حر لَا حجر عَلَيْهِ مَتى
شَاءَ الِانْصِرَاف لزمنا أَن نبلغه مأمنه، والباعث على عوده
إِلَى دَاره الْكفْر، فَإِذا اجْتمعت الْمقدرَة والباعث وَلَا
مَانع فَكيف يلْحق بالموتى؟ ، ويتأيد كلما قدمْنَاهُ بِمَا
إِذا هَاجر الْمُسلم إِلَى دَار الْحَرْب وقطن، فَإِنَّهُ لَا
يَنْقَطِع نِكَاحه عَن زَوْجَاته المخلفات عندنَا.
والحرف: أَن الدَّار لَا تصلح لفسخ النِّكَاح عندنَا،
وَعِنْدهم تصلح.
(4/147)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمح.)
إِذا عتقت الْأمة تَحت حر.
الْمَذْهَب: لَا خِيَار لَهَا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عتقت بَرِيرَة تَحت عبد يُقَال لَهُ: مغيث فَخَيرهَا النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَت عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا:
وَلَو كَانَ زَوجهَا حرا لما خَيرهَا، وَنقل أَن عَائِشَة
قَالَت لَهَا: " إِن شِئْت أَقمت تَحت العَبْد " هَذَا
الْمَنْقُول خرجه مُسلم،
(4/148)
ومنقولهم مَوْقُوف على الْأسود.
لَهُم:
رُوِيَ أَن بَرِيرَة عتقت تَحت عبد فَخَيرهَا النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ: " ملكت نَفسك فاختاري "، فَلَو
كَانَ حرا لما خَيرهَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تبدلت حَالَة تنَاولهَا عقد النِّكَاح بِحَالَة تنَاوله عقد
النِّكَاح، فَلَا يثبت لَهَا الِاخْتِيَار كَمَا لَو كَانَت
مَرِيضَة فبرئت، دَلِيل ذَلِك أَنَّهَا لَو اخْتَارَتْ لم
يحْتَج إِلَى عقد، وتحقيقه أَن الْمُسَاوَاة بَين
الزَّوْجَيْنِ توجب قرارا وتأكيدا.
لَهُم:
بِالْعِتْقِ ازْدَادَ ملك الزَّوْج عَلَيْهَا؛ لِأَن ملك الْحل
فِي الْأمة على النّصْف من الْحرَّة فَثَبت لَهَا دفع
الزِّيَادَة.
(4/149)
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
عبارَة ملك مَعْصُوم فَلَا يجوز إِبْطَاله إِلَّا بِسَبَب من
الْمَالِك كملك الْيَمين، وَذَلِكَ؛ لِأَن حق الزَّوْج كَامِل
فِي زَوجته الْأمة لَكِن منع من اسْتِيفَاء بعضه لقِيَام حق
السَّيِّد وضيق الْمحل عَن الْوَفَاء بِالْجَمِيعِ، أَلا ترى
أَنه لَو ظفر بالجارية فِي نوبَة السَّيِّد حل لَهُ مِنْهَا
مَا يحل فِي نوبَته، فَإِذا زَالَت الزحمة حصلت لَهُ، وَهَذَا
يُنَاسب تَقْرِير النِّكَاح لَا إِبْطَاله. ثمَّ هم المطالبون
بِمَا يُوجب الْخِيَار حَيْثُ لَا نَص فِيهِ، وَالْفِقْه فِيهِ
أَن السَّيِّد عقد بولايته وعقده للْأمة وَلِهَذَا لَا يَصح
أَن يلْزمهَا بِالتَّزْوِيجِ من مجبوب وَإِن ألزمها البيع من
مجبوب فَصَارَ كَالْأَبِ إِذا زوج الصَّغِيرَة، وروايتهم "
ملكت نَفسك فاختاري " زِيَادَة فِي الحَدِيث لم تثبت، وَلَو
صَحَّ فَمَعْنَاه: ملكت الْخِيَار فاختاري.
والحرف أَن فسخ النِّكَاح تَحت العَبْد مُسْتَنده إِضْرَار
ينشأ من نقص الزَّوْج هَذَا عندنَا أَنَّهَا ملكت نَفسهَا أَو
تجدّد لَهَا (ملك أَو تجدّد) زِيَادَة ملك عَلَيْهَا.
(4/150)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمد.)
يَنْفَسِخ النِّكَاح بالعيوب الْخمس.
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: لَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ} ، وَجه
الدَّلِيل: التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَيْنِ فِي الْحُقُوق،
وَالزَّوْجَة تفسخ بالجب والعنة، فليفسخ الزَّوْج بالرتق
والقرن.
لَهُم: ... ... ... ...
(4/151)
(الدَّلِيل من الْمَعْقُول:)
لنا:
النِّكَاح إِثْبَات حق فِي مَحل بعوض فإطلاقه يَقْتَضِي
سَلامَة حق الِاسْتِمْتَاع وَالْمحل وَالْمَنَافِع، وكل حق
ثَبت بِعقد جَازَ إِبْطَاله بِرَفْع العقد؛ لِأَن الْمحل كَانَ
خَالِيا ثمَّ اشْتغل فأعيد إِلَى الأَصْل، ويتأيد بِخِيَار
الْعتْق.
لَهُم:
عقد النِّكَاح لَا يقبل الْفَسْخ، دَلِيل الدَّعْوَى عدم
الْإِقَالَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْوَطْء مُسْتَحقّ لَهما لتحصين الدّين، فَإِن أثبتنا
الْمُطَالبَة للزَّوْج دونهَا فَاكْتفى بداعية طبعها عبارَة:
ضَرَر ينشأ من فَوَات مَقْصُود العقد يشرع دَفعه بِدفع أصل
العقد كَمَا لَو كَانَ فِي البيع، وَتَقْرِيره أَن من زوج أمته
من شخص وباعها من غَيره وَخرجت رتقاء فقد وجد لكل وَاحِد
مِنْهُمَا عقد هُوَ
(4/152)
السَّبَب وَملك هُوَ الحكم ملك الْيَمين
للْمُشْتَرِي وَملك النِّكَاح للزَّوْج والذات تقبل الْملك من
وَجْهَيْن، ثمَّ ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي دفعا للضَّرَر،
فَكَذَلِك الزَّوْج وَطَرِيق دفع الضَّرَر رفع العقد وَإِن
أمكن الزَّوْج بِالطَّلَاق فَكَذَلِك يُمكن المُشْتَرِي
بِالْبيعِ، وفقهه: أَن فَوَات الْمَقْصُود الْخَاص
بِالْعُقُودِ تَقْتَضِي بُطْلَانهَا، وَحَقِيقَة الْفَسْخ
لَيْسَ نقل أَمْلَاك وأعيان لَكِن إِعَادَة مَا كَانَ على مَا
كَانَ، وَلِهَذَا صَحَّ الْفَسْخ فِي السّلم، وَلَيْسَ
الدَّاعِي إِلَى الْفَسْخ فِي البيع خُصُوص وصف المَال بل
الْعُمُوم الضَّرَر، وَسبب الْفَسْخ لَيْسَ العقد كَمَا ظنوه
لَكِن يخْتَلف الْمَقْصُود، وَبِالْجُمْلَةِ: النِّكَاح عندنَا
قَابل للْفَسْخ خلافًا لَهُم.
(4/153)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمه.)
نِكَاح الشّغَار.
الْمَذْهَب: بَاطِل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
نهى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن نِكَاح الشّغَار.
(4/154)
لَهُم: ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تعلل الْبطلَان بِالتَّعْلِيقِ حَتَّى لَو ترك الصِّيغَة
الْأَخِيرَة صَحَّ العقد فَنَقُول: أضَاف الْبضْع إِلَى
الزَّوْج وَإِلَى ابْنة الزَّوْج سَوَاء قَدرنَا الْإِضَافَة
على الشَّرِيك أَو يكمل كل وَاحِد مِنْهُمَا، فَإِذا لم تكمل
الْإِضَافَة للزَّوْج لم يفد الْحل؛ لِأَن الأَصْل فِي الأبضاع
الْحُرْمَة، فَصَارَ كإضافته إِلَى رجلَيْنِ.
لَهُم:
أضَاف الْبضْع من يملك وَهُوَ الزَّوْج إِلَى من لَا يملك
وَهُوَ ابْنَته فصح فِي حق من يملك كَمَا لَو أوصى لزيد
وللرياح، أَو زَوجهَا من زيد وَمن الْحَائِط، وغايته أَنه شَرط
شرطا فَاسِدا وَالنِّكَاح لَا يبطل بِالشّرطِ الْفَاسِد
(4/155)
كَمَا لَو شَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن قيل: قد اخْتلفت الْإِضَافَة، فَإِنَّهُ أضَاف إِلَى
الزَّوْج ملك النِّكَاح وَإِلَى ابْنَته ملك الْيَمين فَكَانَت
كل إِضَافَة كَامِلَة، فَالْجَوَاب: انقسام الْملك إِلَى
نِكَاح وَيَمِين ينشأ من الْمحل، وَإِلَّا حَقِيقَة
التَّمْلِيك وَاحِد كتمليك الْعين وتمليك الْمَنْفَعَة، فصح
أَن الْإِضَافَة إِلَيْهِمَا من جِهَة وَاحِدَة، والتعدد أورث
نقصا فِي كل وَاحِد فتقاعد عَن اقْتِضَاء حكمه، والحرف أَنه
أضَاف بضع ابْنَته إِلَى الزَّوْج وَإِلَى ابْنَته فبطلت
الإضافتان، وَعِنْدهم أضَاف إِلَى
(4/156)
الزَّوْج حسب.
(4/157)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... .
(4/158)
(كتاب الصَدَاق)
(4/159)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... .
(4/160)
(كتاب الصَدَاق)
(لوحة 61 من المخطوطة أ:)
قَالَ عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ: لَا تغَالوا فِي صدقَات
النِّسَاء مَا يبلغنِي أَن أحدا سَاق أَكثر مِمَّا سَارِق
رَسُول اللَّهِ إِلَّا جعلت الْفضل فِي بَيت المَال
فَاعْتَرَضتهُ امْرَأَة، وَقَالَت: كتاب اللَّهِ أَحَق أَن
يتبع، يُعْطِينَا اللَّهِ ويمنعنا ابْن الْخطاب! فَقَالَ:
أَيْن؟ قَالَت: قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُم
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} ، فَقَالَ عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ:
كل النَّاس أفقه من عمر. وروى أَن مهر أم كُلْثُوم ابْنه
(4/161)
على أَرْبَعُونَ ألف دِرْهَم،
وَالْمُسْتَحب تَخْفيف الْمهْر قَالَت عَائِشَة: كَانَ صدَاق
النَّبِي لزوجاته اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة من الذَّهَب ونشا،
وَيجوز أَن يَتَزَوَّجهَا على أَن يعلمهَا الْقُرْآن خلافًا
لَهُم، ويكرهه أَحْمد وَمَالك (وَإِذا وهبت صَدَاقهَا قبل
الدُّخُول فقد عفت عَن النّصْف فَإِن كَانَ بَاقِيا فِي ذمَّة
الزَّوْج صَحَّ وَلم يفْتَقر هبة الْعين، وَوجه كَونه لَا
يفْتَقر إِلَى الْقبُول: أَنه إِبْرَاء أَو إِسْقَاط كإسقاط
الْقصاص وَالشُّفْعَة، وَإِذا عفت الْمَرْأَة، وَكَانَ
الصَدَاق عينا احْتَاجَ إِلَى الْقبُول، لِأَنَّهُ تمْلِيك لَا
يَصح بِلَفْظ الْإِبْرَاء.
مَسْأَلَة: إِذا تلف الصَدَاق قبل الْقَبْض وَجب الرُّجُوع
إِلَى مهر الْمثل فِي الْجَدِيد، وَإِلَى الْقيمَة فِي
الْقَدِيم، ومذهبهم لنا أَنه عوض معِين، فَإِذا تلف
(4/162)
قبل الْقَبْض وَتعذر الرُّجُوع إِلَى
المعوض وَجب الرُّجُوع إِلَى قيمَة الْعِوَض كَمَا إِذا اشْترى
عبدا بِجَارِيَة وَقبض العَبْد وَهلك فِي يَده ثمَّ مَاتَت
الْجَارِيَة قبل الْقَبْض.
مَسْأَلَة: الزِّيَادَة فِي الصَدَاق لَا تلْحق بِالْعقدِ
خلافًا لَهُ. لنا: أَن مَا لَا يَتَّصِف بِالطَّلَاق قبل
الدُّخُول لَا يسْتَقرّ مهْرا بِالدُّخُولِ كَالْخمرِ
وَالْخِنْزِير، قَوْلهم: إِن بعد العقد حَالَة يملكَانِ فِيهَا
التَّصَرُّف فِي النِّكَاح بِالطَّلَاق وَالْفَسْخ فَجَاز
لَهما التَّصَرُّف فِي الزِّيَادَة على الْمهْر كحالة العقد
لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ إِذا ذكر حَالَة العقد فقد بذل فِي
مُقَابلَة مَا لَا يملكهُ وَهَاهُنَا بذل فِي مُقَابلَة ملكه
فَصَارَ كَمَا لَو اشْترى مَاله من وَكيله.
مَسْأَلَة: إِذا طلق المفوضة بعد الدُّخُول وَجب لَهَا
الْمُتْعَة فِي الْجَدِيد خلافًا لَهُم.
لنا: أَنَّهَا مُطلقَة لم تحصل على مَال مُجَرّد عَن مُقَابلَة
الْإِتْلَاف، فَوَجَبَ لَهَا الْمُتْعَة كالمفوضة قبل
الدُّخُول، وَلَا يُقَال: فِيمَا قستم عَلَيْهِ عري نِكَاحهَا
عَن الْمهْر فشرع لَهَا الْمُتْعَة، وَهَاهُنَا لم يعر عَن
الْمهْر فَصَارَ كَمَا لَو سمى
(4/163)
لَهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول،
وَالْجَوَاب أَن وجوب الْمهْر لَا يمْنَع من وجوب أَمر آخر
كَمَا منع من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى، وَأما الْمُسَمّى لَهَا
إِذا طَلقهَا قبل الدُّخُول فَمن أَصْحَابنَا من لم يسلم على
أحد الْقَوْلَيْنِ، وَإِن سلمنَا فَالْمَعْنى فِيهِ أَنه حصل
لَهَا مَال فِي مُقَابلَة الابتذال بِالْعقدِ والحزن على
الْفِرَاق فَقَامَ مقَام الْمُتْعَة، وَفِي مَسْأَلَتنَا
الَّذِي حصل لَهَا مهر فِي مُقَابلَة الْوَطْء فَيجب أَن تجب
الْمُتْعَة للابتذال والحزن على الْفِرَاق، وَتَقْرِير
الْمُتْعَة رَاجع إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم بِشَرْط أَن لَا
يزِيد على نصف الْمهْر إِن كَانَ فِي النِّكَاح أَو نصف مهر
الْمثل.
(4/164)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمو.)
هَل ينْعَقد الْمهْر بِمِقْدَار؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: أَقَله عشرَة دَرَاهِم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} علق على مُطلق
المَال فالوقوف مَعَ مِقْدَار نسخ للإطلاق، وَقَالَ النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام: " من نكح امْرَأَة على كف من طَعَام كَانَ
لَهَا صَدَاقا "، وَقَوله: " وَلَو كَانَ خَاتمًا من حَدِيد ".
(4/165)
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {إِن تَبْتَغُوا بأموالكم} .
والحل الْمُسْتَثْنى عَن الأَصْل بِقَيْد لَا يُوجد دونه.
وَقَالَ تَعَالَى فِي قصَّة الواهبة: {خَالِصَة لَك} فَلَو لم
يتَقَيَّد فِي نِكَاح غَيره بِمهْر بَطل التَّخْصِيص، وَقَالَ
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم
".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمهْر شرع فِي النِّكَاح عوضا، ومقداره فِي العوضية وَاحِد،
فالجميع مَال، فالمهر حق الْمَرْأَة بِدَلِيل أَنَّهَا تستوفيه
وتبرئ مِنْهُ وَالْوَاجِب حَقّهَا،
(4/166)
وَالْوُجُوب صفته، ومحال أَن يُفَارق
الْوَصْف الْمَوْصُوف.
لَهُم:
وجوب الْمهْر حق اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيل أَنه لَا يقبل
تراضيهما على الِانْعِقَاد دونه، فعندما يجب بِالْعقدِ وعندكم
بِالدُّخُولِ، ذَلِك لِأَن حق اللَّهِ مُتَعَلق بالأبضاع
بِدَلِيل حد الزِّنَى، وَحقّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يتَأَدَّى
إِلَّا بِمَال مُقَدّر إِظْهَارًا للخطر، وَأَقل مَال شرِيف
هَذَا، ويتأيد بِوُجُوب مهر المفوضة.
مَالك: أَقَله نِصَاب السّرقَة.
أَحْمد:
التكملة:
الْوُجُوب حق الْمَرْأَة، وَلَا نوجب للمفوضة، وَإِن سلم أصل
الْوُجُوب فَلَا مُسْتَند للتقدير، فَإِن صِيَانة الْبضْع قد
حصل بِكَثْرَة الشُّرُوط وصونه على الْبَذْل وَالْإِبَاحَة
حَاصِل بِأَيّ مَال كَانَ، وَإِن لم يكن بُد من التَّقْدِير
فالخمسة تصلح؛ لِأَنَّهَا تجب فِي نِصَاب زَكَاة، بل أقل مَا
يتمول خطير شرعا يستباح بِهِ دم الصَّائِل عِنْد الدّفع،
وَبِالْجُمْلَةِ: الْخصم هُوَ الْمُدَّعِي للتقدير فَهُوَ
المطالب
(4/167)
بِبَيَان المأخذ، وَلَا شكّ أَن الْخصم لَو
رد إِلَى مُجَرّد الْآيَة لتلقى من عمومها جَوَاز الابتغاء
بِكُل مَال، وَإِنَّمَا قدر بِدَلِيل ظهر لَهُ فَوَجَبَ أَن
يبديه، وَمن الْعجب أَنهم قَالُوا: لَو صرح بِنَفْي الْمهْر
اسْتحق كَمَال الْمثل وَلَو صرح بِخَمْسَة لم يسْتَحق إِلَّا
عشرَة.
(4/168)
زفر: مهر الْمثل. النَّخعِيّ: أَقَله 40
درهما. سعيد بن جُبَير: 50 درهما. ابْن شبْرمَة: 5 دَرَاهِم.
(4/169)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمز)
هَل تسْتَحقّ المفوضة الْمهْر بِالْعقدِ؟
الْمَذْهَب: أظهر الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ بل يجب
بِالْوَطْءِ مهر الْمثل.
عِنْدهم: تسْتَحقّ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... . .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} جعل الابتغاء
بِالْمَالِ يدل على أَنه لَا يجوز دونه، وَدلّ على أَن المَال
عوض أَيْضا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(4/170)
الْمهْر زَائِد فِي النِّكَاح فَلَا يثبت
مَعَ النَّفْي كالزائد على مهر الْمثل، بِدَلِيل أَن العقد لَا
يفْسد بفساده، وَلَيْسَ شرطا فِي النِّكَاح، فَإِن شَرط
الشَّيْء مَا سبقه أَو قاربه، وَلم يشرع النِّكَاح لكسب
المَال.
لَهُم:
عقد بعوض فَلَا ينْعَقد دونه كَالْبيع، ذَلِك لِأَن حل
الْوَطْء يَسْتَدْعِي ملكا فِي الْمحل (وَلَيْسَ الْمحل)
مُبَاحا كالحشيش والحطب فَاحْتَاجَ إِلَى عوض، وَلَو لم يكن
الْعِوَض ملازما للنِّكَاح لانقسم إِلَى ذِي عوض (وَغير ذِي
عوض) ، وَلَو كَانَ كَذَلِك جَازَ لوَلِيّ الطفلة أَن
يُزَوّجهَا من غير عوض.
مَالك: إِن طقها قبل الْفَرْض فالمتعة مُسْتَحقَّة.
أَحْمد: ف.
التكملة:
النِّكَاح لَيْسَ فِيهِ ملك عندنَا بل حكمه الزَّوْجِيَّة،
وَهِي قَضِيَّة شَرْعِيَّة
(4/171)
مقدرَة على مذاق المحسوس وَحَقِيقَة
المحسوس اجْتِمَاع فردين ليصيرا شَيْئا وَاحِدًا كشقي
المقراضين، قَالُوا: لَيْسَ يجب الْمهْر بِالْوَطْءِ وَلَو
كَانَ مجَّانا لما وَجب، قُلْنَا: قد منع القَاضِي حُسَيْن
ذَلِك، وَمَعَ التَّسْلِيم نقُول: وَجب لَا بدل الْبضْع،
فَإِنَّهَا محللة بِالنِّكَاحِ، بل لِأَن النِّكَاح اشْتَمَل
على ملك زَائِد ظهر أَثَره فِي الْحجر، فالمهر مُقَابل بِهِ
عِنْد التَّسْمِيَة غير أَن يَد الْمَالِك لَا تتأكد إِلَّا
بِالْوَطْءِ.
(4/172)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ...
(4/173)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمح.)
هَل تقرر الْخلْوَة الصَّحِيحَة الْمهْر؟
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن طلقتموهن ... ...} الْآيَة، فالتوصلة
باللمس وَاجِبَة قبل الطَّلَاق، فَإِن كَانَت الْآيَة
لإِسْقَاط النّصْف فقد بَقِي النّصْف، وَإِن كَانَت لإِيجَاب
النّصْف فإيجاب الْوَاجِب لَا معنى لَهُ، وَلَا تحمل على
اللَّمْس بِالْيَدِ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ فِي مَلأ من النَّاس
لم يُقرر الْمهْر، فاللمس هُوَ الوقاع.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من كشف خمار امْرَأَة
فَعَلَيهِ مهرهَا " فَألْحق
(4/174)
غير الْمَسِيس بالمسيس، وَقَالَ عمر رَضِي
اللَّهِ عَنهُ لعنين قرر عَلَيْهِ الْمهْر: مَا ذنبهن إِن
جَاءَ الْعَجز من قبلكُمْ؟ نبه على أَن الْوَاجِب عَلَيْهِنَّ
التَّسْلِيم لَا غير.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
خلْوَة خلت عَن الْمَسِيس فَلَا تقرر الْمهْر كالفاسدة، وعَلى
هَذَا نسلم أَن النِّكَاح مُعَاوضَة، ويلزمهم سُقُوط الْمهْر
على قِيَاس الْمُعَاوَضَات، فَإِن الْبضْع الَّذِي هُوَ المعوض
بزعمهم قد عَاد إِلَيْهِمَا سليما.
لَهُم:
أَتَت بِالتَّسْلِيمِ الْوَاجِب عَلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَن
يتَأَكَّد الْوَاجِب لَهَا من الْعِوَض كَمَا لَو سلم الدَّار
الْمُسْتَأْجرَة، وَذَلِكَ لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهَا تَسْلِيم
هُوَ غَايَة وسعهَا فاستحقت مَا لَهَا بِمَا عَلَيْهَا لتتحقق
الْمُقَابلَة، والمعاوضة تثبت لكل حَقًا على الآخر، ثمَّ
الزَّوْج بسبيل من تَقْرِير حَقه بِالْوَطْءِ فَيجب أَن
(4/175)
تكون الْمَرْأَة بسبيل من تَقْرِير حَقّهَا
بالتمكن كَيْلا يضْربهَا.
مَالك: إِذا خلا بهَا وَادعت الدُّخُول فَالْقَوْل قَوْلهَا.
أَحْمد: ف.
التكملة:
الطَّرِيق فِي تَقْرِير حَقّهَا أَن ترفعه إِلَى الْحَاكِم
فيجبره على الْوَطْء كَمَا قَالُوا فِي زَوْجَة الْمَجْبُوب،
وَقُلْنَا فِي زَوْجَة الْمولى، ثمَّ التَّسْلِيم والتسلم
متلازمان، فَلَمَّا لم يُوجد (التَّسْلِيم لم يُوجد) التسلم،
وَالْفرق بَين الْإِجَارَة ومسألتنا أَن يفهم أَن
الِاسْتِيفَاء يتَضَمَّن حُصُول الْغَرَض للْمُسْتَأْجر وفواته
فِي حق الْمُؤَجّر، والمقتضي لقرار الْعِوَض فَوَاته فِي حق
الْمكْرِي تَحْقِيقا لِمَعْنى الْجَبْر وَقد تحقق الْفَوات
عِنْد التَّمْكِين، أما هَاهُنَا فبالخلوة لَا يفوتها شَيْء
لِأَن مَنْفَعَة الْبضْع لَا تفوت إِلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ،
وَكَذَلِكَ الْحر إِذا أجر نَفسه فَهُوَ بالتمكين يعطل نَفسه،
وَالضَّابِط أَن فَوَات الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي جِهَة
الْوَفَاء
(4/176)
بِحكم العقد سَبَب لتقرير الْعِوَض،
وَهَذَا يُوجد عِنْد الِاسْتِيفَاء والتمكين جَمِيعًا فِي
سَائِر الْعُقُود وَلَا يُوجد فِي النِّكَاح إِلَّا عِنْد
الِاسْتِيفَاء.
(4/177)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رمط.)
إِذا وهبت الْمَرْأَة صَدَاقهَا من زَوجهَا.
الْمَذْهَب: يرجع عَلَيْهَا بِقِيمَة نصف الْمهْر فِي القَوْل
الْمَنْصُور.
عِنْدهم: لَا يرجع وَهُوَ القَوْل الثَّانِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
الْآيَة العزيزة.
وَجه الدَّلِيل أَنه أثبت الرُّجُوع إِلَى النّصْف إِن أمكن،
وأجمعت الْأمة على أَنه إِن لم يُمكن رَجَعَ إِلَى الْقيمَة.
لَهُم: ... ... ...
(4/178)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مُطلقَة غير ممسوسة فَثَبت للزَّوْج عَلَيْهَا نصف الْمهْر
بِإِثْبَات اللَّهِ تَعَالَى عِنْد الطَّلَاق، وَلَو كَانَ عين
الْمهْر تالفة كَانَ لَهُ قيمَة النّصْف، وَالْخَارِج عَن
ملكهَا كالتالف فِي هَذَا الْمَعْنى فَلَا يمْنَع ذَلِك عوده
إِلَى ملكه كَمَا لَو وهبته من اجنبي ووهبه لَهَا وكما لَو
ابتاعه مِنْهَا، وَلَا يمْنَع ذَلِك عوده إِلَيْهَا مجَّانا
كَمَا لَو وهبت لعبد الزَّوْج.
لَهُم:
الصَدَاق عَاد إِلَيْهِ مِنْهَا فَلَا يرجع إِلَيْهَا عِنْد
الطَّلَاق بِشَيْء كَمَا لَو كَانَ دينا فأبرأته مِنْهُ، ذَلِك
لأَنا لَو خلينا وَالْقِيَاس كُنَّا إِمَّا أَن نرد الصَدَاق
كُله إِذا عَاد المعوض إِلَيْهَا سليما أَو نقرره كُله لِأَن
الزَّوْج يسْقط ملكه كالعتاق فِي ملك الْيَمين لَكِن الشَّرْع
حكم برد النّصْف وَقرر النّصْف ثمَّ كَانَ (تَقْرِير النّصْف
مُسْندًا) إِلَى أصل العقد فَكَانَ الرَّد كَذَلِك فملكها
النّصْف غير متقرر.
مَالك: ف.
(4/179)
أَحْمد: ف.
التكملة:
الْخصم هُوَ الْمُدَّعِي كَون الْهِبَة من الزَّوْج مَانِعا من
الرُّجُوع فَعَلَيهِ الدَّلِيل، فَإِن قيل: إِنَّمَا يعدل
إِلَى الْقيمَة عِنْد فقد الْعين وَعين الصَدَاق قَائِمَة فِي
يَده فليمسكه عَن جِهَة الصَدَاق، ذَلِك لِأَن الْهِبَة
مَوْقُوفَة فَإِن سلمت الْعَاقِبَة عَن الطَّلَاق سلم مَا
قدرناه من هبة وَإِن طلق انْصَرف إِلَى جِهَة الصَدَاق
كَالزَّكَاةِ تعجل قبل مُضِيّ الْحول فنحكم بِكَوْنِهَا زَكَاة
(بِشَرْط سَلامَة النّصاب) ، فَإِن لم يسلم كَانَت صَدَقَة،
وَالْجَوَاب: إِن إِمْسَاكه عَن جِهَة الصَدَاق يُعَارضهُ
إمسكاه عَن جِهَة الاتهاب فَمَا الْمُرَجح؟ وَبِالْجُمْلَةِ
لَا نسلم عود الصَدَاق إِلَيْهِ، فَإِن مَعْنَاهُ عود ملك
الصَدَاق لَا عينه بِدَلِيل الْمسَائِل الْمَذْكُورَة،
وَالطَّلَاق لَا يفْسخ عقد النِّكَاح وَلَا عقد الصَدَاق
حَتَّى ينْتَقض الْملك فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِسْقَاط ملك
الْبضْع، وَلَكِن الشَّرْع أثبت للزَّوْج ملكا جَدِيدا فِي نصف
الصَدَاق لكَونه بذل المَال فِي طلب مَقْصُود وَلم يحصل لَهُ
مَقْصُوده، ونعلم ظَاهرا أَن الزَّوْج إِنَّمَا يقدم على
الطَّلَاق لضَرُورَة فنجبره على الْمهْر مَعَ فَوَات
الْمَقْصُود إِضْرَارًا بِهِ فَأعْطَاهُ نصف الْمهْر وَقد تعذر
هَاهُنَا بِخُرُوج الصَدَاق عَن ملكهَا فَرجع إِلَى الْقيمَة.
(4/180)
(الْمَسْأَلَة الْخَمْسُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: رن.)
إِذا تزَوجهَا على ثوب هروي.
الْمَذْهَب: فَسدتْ التَّسْمِيَة وَوَجَب مهر الْمثل.
عِنْدهم: التَّسْمِيَة صَحِيحَة وَيجب الْوسط.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... . .
لَهُم: ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمُسَمّى مَجْهُول فَيفْسد، وَيجب مهر الْمثل كَمَا لَو
قَالَ: ثوبا أَو حَيَوَانا
(4/181)
مطلقين، وتأثيره أَن الْمُسَمّى يُرَاد
للوصول إِلَيْهِ وجهله يمْنَع لاخْتِلَاف الصِّفَات فيتعارض
الْوَصْف غَيره.
لَهُم:
تَسْمِيَة مَال لَا بازاء مَال فصح مَعَ جَهَالَة الْوَصْف
كتسمية الشَّرْع الزكوات وأسنان الدِّيات، ذَلِك لِأَن الْبضْع
لَيْسَ مَالا.
وتأثيره أَن العقد يصير التزاما بِمَال؛ لِأَنَّهُ عدم
بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُعَارضَة وَابْتِدَاء الْتِزَام
المَال صَحِيح من الْجَهَالَة، دَلِيله: الْإِقْرَار
بِالْمَجْهُولِ.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة.
أَحْمد: ف.
(4/182)
التكملة:
نمْنَع دَعوَاهُم أَنه لَيْسَ بِمَال ونسلمها وندعي التقوم
وَلَا نسلم أَنه الْتِزَام ابْتِدَاء إِذْ قد بذله فِي
مُقَابلَة شَيْء وَإِذا كَانَ مُتَقَوّما فَالْقيمَة
الشَّرْعِيَّة أولى، وَلَو صَحَّ مَا قَالُوهُ من النُّزُول
على الْوسط صَحَّ أَن يُزَوجهُ إِحْدَى بَنَاته إِذا كَانَ
لَهُ ثَلَاث كبرى ووسطى وصغرى وَيصرف إِلَى الْوُسْطَى، ولوجب
أَن يَصح التسلم على هَذَا الْوَجْه، فَإِن قَالُوا: الصَدَاق
أحد عوضي النِّكَاح، فصح مَجْهُولا كالبضع فنقلت فَلَا يَصح
غير معِين كالبضع؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ إِذا لم تعْتَبر فِي أحد
الْعِوَضَيْنِ لم يعْتَبر فِي الآخر كَالْقَبْضِ فِي السّلم
وَالْمُعْتَبر الْوَصْف، فَإِن قَالُوا: جَهَالَة مهر الْمثل
أَكثر، فَالْجَوَاب: مهر الْمثل يجب بِتَلف الْبضْع عَلَيْهَا
بِعقد النِّكَاح وَمَا يجب بِالْإِتْلَافِ يَصح أَن يكون
مَجْهُولا وَهَاهُنَا عوض يجب بِالشّرطِ وَالتَّسْمِيَة فَلَا
يَصح مَجْهُولا كالعوض فِي البيع وَالْإِجَازَة.
(4/183)
(الصفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ...
(4/184)
(لوحة 62 من المخطوطة أ:)
إِذا خالعت فِي مَرضهَا فمهر الْمثل من رَأس المَال وَمَا زَاد
من الثُّلُث خلافًا لَهُ وَقَوله تَعَالَى: {لعدتهن} أَي فِي
عدتهن، وَالْعدة: الطُّهْر الَّذِي لم يصبهَا فِيهِ. قَالَ
اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم
الْقِيَامَة} أَي فِي يَوْم الْقِيَامَة. وَاعْلَم أَن
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام طلق حَفْصَة ثمَّ رَاجعهَا.
وَاعْلَم أَن الطَّلَاق فِي الطُّهْر الَّذِي جَامعهَا فِيهِ
وَطَلَاق الْحَائِض مَكْرُوه، وَطَلَاق الْمولي وَمن قضى
عَلَيْهِ الحكمان وَاجِب، وَطَلَاق الْمُوَافقَة مَكْرُوه،
وَطَلَاق من بَينهمَا نبوة مُسْتَحبّ، وَمَسْأَلَة حل الْجمع
بَين الطلقات تنبني على فهم هَذِه الْقَاعِدَة وَهِي معنى
(4/185)
الْمَشْرُوع وَغير الْمَشْرُوع، وَقبُول
الْمَشْرُوع يُطلق بِمَعْنى الْمُبَاح وَمُقَابِله غير
الْمَشْرُوع بِمَعْنى الْمَحْظُور وَالْمَكْرُوه، وَقد يُطلق
الْمَشْرُوع بِمَعْنى الْمَوْضُوع شرعا سَببا أَو حكما أَو
شرطا، ويقابله غير الْمَشْرُوع بِمَعْنى المعرض عَنهُ الملغي
فِي حق الْأَحْكَام إِذْ قد يقسم الشَّرْع إِلَى شرع
الْإِبَاحَة وَالْإِطْلَاق، وَإِلَى شرع الْوَضع
وَالِاعْتِبَار، ثمَّ الْوَضع يقسم إِلَى مَا وضع على وفْق
الْمصلحَة الْعَامَّة وَالْحكمَة الْكُلية وَتسَمى عَزِيمَة؛
وَإِلَى مَا وضع على خلاف الأَصْل لحَاجَة أَو ضَرُورَة
خَاصَّة فتسمى رخصَة، وَنَنْظُر هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى
مَسْأَلَة التخلي من جِهَة كَون النِّكَاح عِنْدهم سنة فنقيضه
بِدعَة، ونقول: النِّكَاح تأباه الْحُرِّيَّة، وَاعْلَم أَن من
لم يدْخل بهَا لَيْسَ فِي طَلاقهَا سنة وَلَا بِدعَة
وَكَذَلِكَ من دخل بهَا إِذا كَانَت حَامِلا أَو صَغِيرَة أَو
آيسة، وَإِنَّمَا السّنة والبدعة فِي طَلَاق الْمَدْخُول بهَا
إِذا كَانَت حَائِلا من ذَوَات الْأَقْرَاء، فَإِذا قَالَ
لإحدى من لَا سنة وَلَا بِدعَة فِي طَلاقهَا: أَنْت طَالِق
للسّنة أَو للبدعة وَقع فِي الْحَال، وَاعْلَم أَن الْعدَد
لَيْسَ فِيهِ سنة وَلَا بِدعَة عندنَا، وَإِنَّمَا
(4/186)
تتَعَلَّق السّنة والبدعة بِالْوَقْتِ،
فَإِذا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة، فَإِن كَانَت فِي زمَان
السّنة أَعنِي طهرا لم يصبهَا فِيهِ وَقعت الثَّلَاث، وَإِن
كَانَت فِي زمَان الْبِدْعَة لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء فِي
زمَان السّنة، وَإِن قَالَ: إِذا حِضْت فَأَنت طَالِق فَهَذَا
قد أوقع طَلَاق الْبِدْعَة وأثم بِهِ.
وَإِن قَالَ: إِذا طهرت فَأَنت طَالِق، فقد أوقع طَلَاق
السّنة، وَإِذا قَالَ: أَنْت طَالِق ملْء مَكَّة أَو ملْء
الدُّنْيَا وَقعت وَاحِدَة، لِأَن الطَّلَاق حكم فَإِذا وَقع
وَقع فِي جَمِيع الدُّنْيَا، قَالَ أَبُو حنيفَة: تقع
بَائِنَة، إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق وَقع
ثَلَاثًا لِأَن الطَّلَاق وَقع ثَلَاثًا؛ لِأَن الطَّلَاق
يُوصف بِالْكَثْرَةِ، إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق أكمل الطَّلَاق
وَقعت وَاحِدَة سنة، إِذا قَالَ لَهَا: إِن بدأتك بالْكلَام
فَأَنت طَالِق فَقَالَت: إِن بدأتك بالْكلَام فَعَبْدي حر
فكلمها وكلمته لم تطلق وَلم يَقع الْعتْق، إِذا قَالَ لَهَا
وَهِي واقفة فِي مَاء جَار: إِن وقفت فِي هَذَا المَاء فَأَنت
طَالِق وَإِن خرجت فَأَنت طَالِق فوقفت أَو
(4/187)
خرجت لم تطلق، لِأَن المَاء الَّذِي
أَشَارَ إِلَيْهِ لم تقف فِيهِ، إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق إِن
شِئْت فَقَالَت: قد شِئْت إِن شِئْت فَقَالَ: قد شِئْت لم
تطلق، لِأَن الْمَشِيئَة خبر عَمَّا فِي نَفسهَا من
الْإِرَادَة وَذَلِكَ لَا يتَعَلَّق بِشَرْط؛ لِأَنَّهُ
إِخْبَار عَن فعل مَاض فَلم تقع مشيئتها بِوُجُوب مَشِيئَته؛
وَلِأَنَّهَا أخرت الْجَواب وَيجب على الْفَوْر.
(4/188)
|