تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل الْخلْع وَالطَّلَاق)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ:
رنا.)
مَا هُوَ الْخلْع؟ .
الْمَذْهَب: فسخ على الْمَنْصُور حَتَّى لَو تكَرر لم يحْتَج
إِلَى مُحَلل.
عِنْدهم: طَلَاق وَهُوَ القَوْل الآخر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... . .
لَهُم: ... ... ...
(4/189)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
فرقة تعرب عَن صَرِيح الطَّلَاق وَنِيَّته، فَكَانَت فسخا،
كَمَا إِذا اشْترى الْمَمْلُوكَة (إِذا عتقت الْأمة تَحت عبد
فَاخْتَارَتْ الْفِرَاق) وَالْخلْع يشْعر (بِمَعْنى الْفَسْخ)
كخلع الْعظم وَالثَّوْب، وعَلى هَذَا القَوْل لَو نوى بِهِ
الطَّلَاق لم يَصح لكَونه صَرِيحًا فِي معنى الْفَسْخ، وَقد
تَقول: هُوَ ظَاهر فِي الْفَسْخ وبالنية يصرف إِلَى الطَّلَاق.
لَهُم:
فرقة مُتَعَلقَة بِسَبَب يخْتَص النِّكَاح، فَكَانَت طَلَاقا
كَمَا لَو طَلقهَا على مَال؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فسخا مَا
صَار بِالنِّيَّةِ طَلَاقا كَمَا أَن الطَّلَاق لَا يصير
بِالنِّيَّةِ فسخا.
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
(4/190)
التكملة:
قَالُوا: لَو كَانَ فسخا لسقط الْمهْر قبل الْمَسِيس وَبعده،
قُلْنَا: يسْقط الْمهْر فِي الْجَانِبَيْنِ، بَيَانه أَن
الممسوسة إِذا اخْتلعت سقط مهرهَا لَكِن لزمَه مهر الْمثل
بِالْوَطْءِ ولابد من معيار فِيهِ فَكَانَ المعيار مَا
تَرَاضيا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي غير الممسوسة، فَإِنَّهَا
تسْتَحقّ الْمُتْعَة عِنْد الطَّلَاق، فَكَانَ نصف الْمُسَمّى
مُتْعَة النِّكَاح وَقد سقط الْمهْر كُله، قَالُوا: لَو كَانَ
فسخا لما جَازَ على عوض جَدِيد كَسَائِر الْعُقُود. قُلْنَا:
لَيْسَ مَال الْخلْع عوضا، وَإِنَّمَا هُوَ مَال قد أثر عينا
للزَّوْج فِي الْخلْع، وَبِذَلِك نطق الْكتاب الْعَزِيز فالخلع
فسخ، وَالْمَال زَائِد لطلب الْخَلَاص وَالْمَسْأَلَة دقيقة
لِأَن قبُول العقد للْفَسْخ يحْتَاج إِلَى دَلِيل من نَص وَلَا
نَص، أَو بِقِيَاس على عقد قَابل للْفَسْخ يَدعِي أَنه مشبه
لعقد النِّكَاح فِي عِلّة قبُول الْفَسْخ، وللقياس مسلكان.
أَحدهمَا: الْقيَاس على مَا ثَبت فِي النِّكَاح من أَنْوَاع
الْقطع وَهُوَ ثَلَاثَة: الطَّلَاق وارتفاع النِّكَاح ضَرُورَة
الرَّضَاع وَأَمْثَاله، وأنواع الْخِيَار كَمَا فِي الْجب
والعنة والمعتقة تَحت العَبْد، والمسلك الآخر قِيَاس النِّكَاح
على الْعُقُود الثَّابِتَة، والحرف أَن النِّكَاح عندنَا قَابل
للْفَسْخ.
(4/191)
طَاوس: لَا يجوز أَن يَأْخُذ أَكثر مِمَّا
أَعْطَاهَا.
الْحسن الْبَصْرِيّ: لَا يجوز الْخلْع إِلَّا عِنْد سُلْطَان.
الزُّهْرِيّ: الزَّوْج بِالْخِيَارِ بَين إمْسَاك الْعِوَض
وَلَا رَجْعَة، أَو رده وَالرَّجْعَة.
(4/192)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنب.)
هَل يلْحق المختلعة طَلَاق؟
الْمَذْهَب: لَا، وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة.
عِنْدهم: يلْحقهَا الصَّرِيح دون الْكِنَايَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " المختلعة لَا يلْحقهَا صَرِيح
الطَّلَاق، وَإِن كَانَت فِي الْعدة ".
لَهُم:
قَالَ تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} إِلَى قَوْله {فَإِن
خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود اللَّهِ فَلَا جنَاح
عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} إِلَى قَوْله: (فَإِن طَلقهَا
فَلَا تحل لَهُ من
(4/193)
بعد} شرع الْخلْع عقيب الطَّلَاق
الرَّجْعِيّ، وَبَين أَن الطَّلَاق الثَّلَاث إِذا وَقع فَوت
الْحل، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " المختلعة يلْحقهَا
الطَّلَاق صَرِيحًا مَا دَامَت فِي الْعدة ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الطَّلَاق شرع لقطع النِّكَاح، وَلَا نِكَاح فِي الْمحل فَلَا
يَقع الطَّلَاق كالمعتدة عَن الشُّبْهَة والمفسوخ نِكَاحهَا،
دَلِيل الْمُقدمَة الأولى: أَن من طلق انْقَطع نِكَاحه، دَلِيل
الْمُقدمَة الثَّانِيَة: أَن الْخلْع فسخ وَلَا وجود للمفسوخ
بعد الْفَسْخ.
لَهُم:
لم يوضع الطَّلَاق لإِزَالَة الْملك فَلَا تفْتَقر صِحَّته
إِلَى ملك، ونقول: طَلَاق صدر من أَهله فِي مَحل تَحت ولَايَته
فَينْعَقد كالطلقة الثَّانِيَة فِي حق الرَّجْعِيَّة، وَذَلِكَ
لِأَن حكم الطَّلَاق الْحُرْمَة لَا إِزَالَة النِّكَاح،
فَإِنَّهُ مُرَاد
(4/194)
الشَّرْع فَلَا نفهم لَهُ مزيلا، وَالْعدة
من آثَار النِّكَاح، فَإِن فِيهِ ملك حل وَملك يَد وَالْعدة
إبْقَاء ملك الْيَد.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْمُعْتَمد أَن الطَّلَاق تصرف تمْلِيك يملك النِّكَاح
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ فَيَنْقَطِع بِزَوَال ملك النِّكَاح
كالظهار وَالْإِيلَاء وَالرَّجْعَة وَالْخلْع والإبانة فَإِن
قَالُوا الْعدة من حُقُوق النِّكَاح بِدَلِيل ثُبُوت النّسَب
وَالنَّفقَة وَالسُّكْنَى، فَإِن انْتَفَى النِّكَاح من وَجه
فَهُوَ بَاقٍ من وَجه، فَلْيَكُن ملك الطَّلَاق آخر مَا
يرْتَفع تَغْلِيبًا لجَانب الْحَظْر، قُلْنَا: هلا طردتم ذَلِك
فِي الْخلْع وَالْإِيلَاء وَالظِّهَار، فَهَذِهِ نقوض
صَرِيحَة، وينتقض بالعدة فِي حق من انْفَسَخ نِكَاحهَا
بِالرّدَّةِ، ثمَّ الْعدة وَجَبت عندنَا لحق المَاء
الْمُحْتَرَم لَا حَقًا للنِّكَاح، فَعدَّة الْوَطْء
بِالشُّبْهَةِ وَالنَّفقَة مَمْنُوعَة إِلَّا فِي حق الْحَامِل
لأجل الْحمل وَالسَّبَب هُوَ عندنَا من اثر النِّكَاح
السَّابِق حَتَّى إِذا تراخت الْولادَة لم تحْتَمل الْعلُوق
إِلَّا فِي الْعدة لم تثبت، وَأما السُّكْنَى فَمُسلم وَهُوَ
حكم عدَّة وَجَبت عقب الطَّلَاق لَا
(4/195)
حكم النِّكَاح، وَأما سُكْنى النِّكَاح فقد
انْقَطع بِدَلِيل أَن وجوب السُّكْنَى فِي النِّكَاح يسْقط
بِرِضا الزَّوْجَة وَهَذَا لَا يسْقط.
والحرف أَن ملك الطَّلَاق يثبت بِنَاء على النِّكَاح؛
لِأَنَّهُ قَاطع لَهُ، هَذَا عندنَا، وَعِنْدهم يثبت ابْتِدَاء
كَالْبيع وَأَمْثَاله.
(4/196)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنج.)
تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْملكِ.
الْمَذْهَب: بَاطِل.
عِنْدهم: صَحِيح.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا طَلَاق قبل
النِّكَاح ".
لَهُم: ... ... ... .
(4/197)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
من لَا يملك الطَّلَاق الْمُبَاشر لَا تَنْعَقِد لَهُ صفة
الطَّلَاق، دَلِيله: الصَّبِي وَالْمَجْنُون، وَالتَّعْلِيق
تمهيد سَبَب الطَّلَاق، لِأَن قَوْله: أَنْت طَالِق سَبَب وَقد
ذكره، فَإِذا قَالَ: إِن دخلت الدَّار فقد أَتَى بِكَلَام آخر
يعْمل بِهِ للْحَاجة فَيكون شرطا دخل على الحكم لَا على
السَّبَب فَمَا أعدم قَوْله: أَنْت طَالِق فَرجع إِلَى الحكم
فَانْدفع؟
لَهُم:
التَّعْلِيق عقد يَمِين، فَلَا يشْتَرط فِي صِحَّته وجود ملك
النِّكَاح كاليمين بِاللَّه تَعَالَى، ذَلِك لِأَنَّهَا شَرط
وَجَزَاء عقد على نَفسه بِهِ أمرا مَا، وَكَذَلِكَ تكون
الْأَيْمَان فَهُوَ يتَصَرَّف فِي نَفسه فَلَا يفْتَقر إِلَى
سوى محلهَا وَهُوَ نفس الْحَالِف.
مَالك: إِن عين ذَلِك بِمدَّة صَحَّ وَإِلَّا لَغَا.
أَحْمد: وَافق فِي الطَّلَاق، وَفِي الْعتْق رِوَايَتَانِ.
التكملة:
معنى التَّطْلِيق إِيقَاع الطَّلَاق، ومساق كَلَامهم أَن
التَّطْلِيق تصرف فِي
(4/198)
الطَّلَاق مُقَدّر شَرْعِي شرع بِنَاء لَا
ابْتِدَاء، فَإِنَّهُ شرع لقطع النِّكَاح، فَكَانَ شَرعه قبله
عَبَثا، ويتأيد بِالتَّعْلِيقِ الْمُطلق، فَإِنَّهُم وافقوا
على أَنه لَا يَقع، صورته: أَن يَقُول لأجنبية: إِن دخلت
الدَّار، فَأَنت طَالِق، وَإِنَّمَا لم يَصح لانْتِفَاء الْملك
وَإِلَّا هُوَ أهل الْإِيقَاع الطَّلَاق والصيغة مفيدة، وَلم
يعْدم سوى الْولَايَة، وَإِن سلمنَا أَن التَّعْلِيق يَمِين
لَكِن نقُول: شَرط صِحَّته كَونه فِي ملك، وَالْحَاصِل أَن
وُقُوع الطَّلَاق مَبْنِيّ على انْعِقَاد الْيَمين وانعقاده
مَشْرُوط بِكَوْن الطَّلَاق مَعْلُوم الْوُقُوع وَهُوَ مَحل
النزاع. إِلْزَام لَو قَالَ لأجنبية: تَزَوَّجتك على ألف
وطلقتك على مائَة فَقَالَت: تزوجت وَقبلت الطَّلَاق انْعَقَد
التَّزْوِيج وَلم يَقع الطَّلَاق، والخصم يَدعِي ملك
التَّعْلِيق قبل النِّكَاح فَهُوَ المطالب بِالْحجَّةِ.
والحرف: أَن عندنَا التَّصَرُّف فِي الطَّلَاق دون ملكه لَا
يتَصَوَّر، وَعِنْدهم التَّعْلِيق لَيْسَ طَلَاقا فِي الْحَال،
وَإِنَّمَا يصير طَلَاقا عِنْد وجود الصّفة.
(4/199)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رند.)
الْجمع بَين الطلقات.
الْمَذْهَب: مُبَاح وَالْأولَى التدرج فِيهِنَّ.
عِنْدهم: بِدعَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء
مَا لم تمَسُّوهُنَّ} ، وَقَوله تَعَالَى: {فطلقوهن لعدتهن} ،
وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يغن اللَّهِ كلا من
سعته} كَمَا قَالَ: {فانكحوا} .
لَهُم:
قيل للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن فلَانا طلق زَوجته ألفا،
فَقَالَ: بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاث فِي مَعْصِيّة اللَّهِ "،
وطلق رجل زَوجته بَين يَدَيْهِ ثَلَاثًا فَغَضب، وَقَالَ: "
أَتَلْعَبُونَ بِكِتَاب اللَّهِ! "، وَقَالَ: " تزوجوا وَلَا
تطلقوا، فَإِنَّهُ يَهْتَز
(4/200)
لَهُ عرش الرَّحْمَن "، " وَأبْغض
الْمُبَاحَات إِلَى اللَّهِ الطَّلَاق "، وَقَالَ تَعَالَى:
{الطَّلَاق مَرَّتَانِ ... ... ... ... .} الْآيَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الطلقات الثَّلَاث مَمْلُوكَة ومشروعة، فَلم يكره إيقاعها
جملَة كَطَلَاق الْأَرْبَع نسْوَة، دَلِيل المشروعية الْآيَات،
ونقول: طلقات جَازَ تفريقها على الْأَقْرَاء فَجَاز تفريقها
على أَيَّام قرء وَاحِد كطلقات أَربع نسْوَة، وَتَقْرِيره أَن
الْملك دَلِيل الْإِبَاحَة.
لَهُم:
أصل الطَّلَاق مَحْظُور بِدَلِيل الْآثَار المروية وَهُوَ
نَظِير النِّكَاح الْمُسْتَحبّ فَكَانَ مَكْرُوها والواحدة رخص
فِيهَا فبقينا فِي الزَّائِد على الأَصْل، وَكَون الشَّرْع شرع
الطَّلَاق سَببا ورتب عَلَيْهِ حكما لَا يدل على حلّه بِدَلِيل
الزِّنَى وَالسَّرِقَة وَالظِّهَار، فَإِنَّهُ نصبها أسبابا
للْأَحْكَام وَهِي مُحرمَة.
مَالك: ف.
(4/201)
أَحْمد: رِوَايَتَانِ.
التكملة:
يدلون على كَرَاهِيَة الطَّلَاق بِتَحْرِيمِهِ فِي زمَان
الْحيض وَالطُّهْر الَّذِي جَامعهَا فِيهِ إِذْ الْحيض زمَان
النفرة وَالطُّهْر الَّذِي جَامعهَا فِيهِ زمَان فتور
الشَّهْوَة والطلقة الْوَاحِدَة تحقق الْخَلَاص، وَالزَّائِد
عَلَيْهَا وَاقع فِي مَحل الِاسْتِغْنَاء. الْجَواب: نعم
الطَّلَاق على خلاف قِيَاس النِّكَاح وَلَكِن النِّكَاح على
خلاف الأَصْل لِأَن الْحُرِّيَّة فِي الْمحل تأباه، فَكَانَ
الطَّلَاق ردا إِلَى الأَصْل كالعتاق فِي ملك الْيَمين، نعم
يتَقرَّب بالعتاق؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاط لمحض حق العَبْد
وَالطَّلَاق لَا يتَقرَّب بِهِ، فَإِن النِّكَاح يتَعَلَّق
بِحَق الشَّرْع وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام طلق عِنْد
الْحَاجة، ويتأيد بتكميل الْمبعض وتأبيد الموقت وَتَصْحِيح
الْمُعَلق والمبهم وكل هَذَا يُنَاقض مَا قرروه، والأسباب
تَنْقَسِم إِلَى مَا شرع للعباد وَإِلَى مَا شرع عَلَيْهِم،
ويتبين ذَلِك فِي الثمرات، فَإِن الْحَد مِمَّا شرع للعباد
عَلَيْهِم، وَالْملك فِي البيع مِمَّا شرع سَببه لَهُم،
وَبِالْجُمْلَةِ شرع الطَّلَاق عندنَا شرع العزائم كَالْبيع،
وَعِنْدهم شرع على منهاج الرُّخص.
(4/202)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنه.)
الْكِنَايَات هَل تقطع الرّجْعَة؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: تقطع بقوله: اعْتدي واستبرئي رَحِمك وَأَنت وَاحِدَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... .
(4/203)
لَهُم: ... ... ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَاقِع بِالْكِنَايَةِ طَلَاق، وَحكم الطَّلَاق الرّجْعَة
دَلِيل الدَّعْوَى أَن عندنَا الْجِهَة فِي رفع النِّكَاح
الطَّلَاق، وَعِنْدهم: الطَّلَاق أُبِيح للْحَاجة ويندفع
بِلَفْظِهِ، وَالْوَاقِع طَلَاق بِدَلِيل أَنه ينتقص بِهِ
الْعدَد فقد وجد سَبَب حق الرّجْعَة بِشَرْطِهِ سليما عَن
معَارض، فَيجب إثْبَاته؛ لِأَن سَببهَا النِّكَاح المتأكد لما
فِيهِ من الألفة.
لَهُم:
الزَّوْج يملك الْإِبَانَة، وَالْمحل يقبلهَا، وَله أَهْلِيَّة
التَّصَرُّف بِالْعقلِ وَالْبُلُوغ فصح كَمَا لَو كَانَ قبل
الْمَسِيس وَبعد الْعدة، وبالخلع أَيْضا يملكهَا، وَلَا نظر
إِلَى المعوض فِي تمْلِيك مَا لَيْسَ لَهُ، وَالْمعْنَى أَنه
مَالك للنِّكَاح، فَملك إِسْقَاطه.
مَالك: الْكِنَايَات الظَّاهِرَة يَقع بهَا الثَّلَاث.
(4/204)
أَحْمد: الْكِنَايَات الظَّاهِرَة ثَلَاث
وَإِن نوى وَاحِدَة، والخفية يَقع بهَا مَا نوى.
التكملة:
انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن الرّجْعَة لَا تَنْقَطِع بقوله:
أَنْت طَالِق وَلَا تحصل الْبَيْنُونَة، فَلَا يَخْلُو إِمَّا
إِن كَانَ ذَلِك من حَيْثُ أَن الْبَيْنُونَة غير مَمْلُوكَة
لَهُ أَو من حَيْثُ أَن اللَّفْظ قَاصِر، وَلَا قُصُور فِي
اللَّفْظ بِدَلِيل حُصُولهَا بِمُجَرَّد الطَّلَاق قبل
الْمَسِيس وإنباء اللَّفْظ عَن مَوْضُوعه فِي اللِّسَان لَا
تخْتَلف بالمسيس وَعَدَمه، وأدل الْأَلْفَاظ على مضادة
النِّكَاح الطَّلَاق، ونمنع أَن الْقيَاس يَقْتَضِي انْقِطَاع
الرّجْعَة بعد الطَّلَاق، ونفرق بَين الطَّلَاق وَالْعِتْق
وَالْإِبْرَاء بِكَوْن الشَّرْع يتشوف إِلَى الْعتْق
وَأَمْثَاله وَلَا يتشوف إِلَى الطَّلَاق لَكِن إِلَى ضِدّه،
ويلزمهم مَا سلموه من الْكِنَايَات الثَّلَاث ونعتذر
(4/205)
عَمَّا قبل الْمَسِيس بِكَوْن النِّكَاح
مَا تَأَكد، ونعتذر عَن الْخلْع بِأَنا لَو جَوَّزنَا لَهُ
الرُّجُوع أضررنا بِالْمَرْأَةِ، وَلَا نسلم أَن الصَّادِر
إبانة بل طَلَاق، بَيَانه: أَن اللَّفْظ إِذا جعل كِنَايَة عَن
غَيره فالمذكور حَقِيقَة هُوَ الْمَنوِي المكنى عَنهُ دون
الملفوظ فَإِن من نَادَى آدَمِيًّا بليدا يَا حمَار كَانَ
المنادى الْآدَمِيّ، يدل عَلَيْهِ أَن نِيَّة الطَّلَاق لَا
بُد مِنْهَا فَإِذا تبين أَن الْوَاقِع طَلَاق ثمَّ الرّجْعَة
عَقِيبه مجمع عَلَيْهَا، وَلَا يعنيهم الاسترواح إِلَى لفظ
الْإِبَانَة.
والحرف: أَن عندنَا الْإِبَانَة بعد الْمَسِيس غير مَمْلُوكَة
لَهُ بِغَيْر عوض وَلَا اسْتِيفَاء عدد، وَعِنْدهم: هِيَ
مَمْلُوكَة.
(4/206)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... . .
(4/207)
(لوحة 63 من المخطوطة أ:)
إِذا كتب بِالطَّلَاق فَإِن تلفظ بِهِ وَقع، وَإِن تلفظ بِهِ
وَلم ينْو لم يَقع خلافًا لِأَحْمَد؛ لِأَن (الْكِتَابَة
تحْتَمل) تجويد الْخط وتجربة الْقَلَم، وَإِذا كتب أَنْت
طَالِق ثمَّ استمد وَكتب إِذا وصل إِلَيْك كتابي نظرت، فَإِن
فعل ذَلِك لِحَاجَتِهِ إِلَى الاستمداد لم يَقع الطَّلَاق
إِلَّا بوصول الْكتاب، وَإِن فعل ذَلِك من غير حَاجَة وَقع
الطَّلَاق فِي الْحَال، وَلم يتَعَلَّق بِالشّرطِ، وَهَذَا مثل
أَن يَقُول: أَنْت طَالِق ثمَّ يسكت ثمَّ يَقُول: إِن دخلت
الدَّار، فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِالشّرطِ، وَلَو سكت
لانْقِطَاع نَفسه ثمَّ ذكر الشَّرْط تعلق بِهِ، وَاعْلَم أَن
من أصل الشَّافِعِي أَن كل قبُول فِي تمْلِيك، فَإِنَّمَا هُوَ
على الْفَوْر، وَاعْلَم أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق
ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث لِأَن من شَرط
الْمُسْتَثْنى أَن يبْقى بعده شَيْء من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ،
إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق أول آخر الشَّهْر قيل: يَقع فِي
السَّادِس عشر، وَقيل: أول الْيَوْم الْأَخير، إِذا قَالَ:
أَنْت طَالِق فِي شهر قبل مَا بعد قبله رَمَضَان، الْأَظْهر
أَنه شَوَّال؛ لِأَنَّهُ أوقع الطَّلَاق فِي شهر وَصفه بِأَن
قَالَ: قبل مَا بعد قبله رَمَضَان، ذَلِك يَقْتَضِي أَن قبله
(4/208)
رَمَضَان لِأَن مَا بعد قبل الشَّهْر هُوَ
الشَّهْر نَفسه وَقَبله رَمَضَان.
وَإِذ قَالَ: إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق وَقع طَلْقَتَانِ.
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ لَهَا فِي حَال الْغَضَب كِنَايَة من
كنايات الطَّلَاق لم يَقع حَتَّى يَنْوِي، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: يَقع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع من غير نِيَّة وَهِي:
اخْتَارِي، واعتدى، وأمرك بِيَدِك، لنا: أَن كل لفظ فِي
الرِّضَا مَعْنَاهُ مَعْنَاهُ فِي الْغَضَب، وَلَا نظر إِلَى
الْحَال يَقْتَضِي الشتم، فَإِن الْكِنَايَات الَّتِي سلموها
تصلح للسبب.
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ: أَنْت بَائِن وَنوى طَلْقَتَيْنِ وَقع
خلافًا لَهُم؟
لنا: أَن من ملك إِيقَاع طَلْقَتَيْنِ ملك إيقاعهما بقوله:
أَنْت بَائِن كَالْحرِّ تَحْتَهُ أمة، قَوْلهم: إِن هَذَا
اللَّفْظ غير مُحْتَمل للعدد، وَإِنَّمَا أوقعنا الثَّلَاث
لِأَن الثَّلَاث إِحْدَى البينونتين وَاللَّفْظ مُحْتَمل لَهَا
فأوقعناها من طَرِيق الْمَعْنى لَا من طَرِيق الْعدَد، لَا
يَصح؛ لِأَن لفظ بَائِن يحْتَمل مَا يُفَسر بِهِ.
(4/209)
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ: إِذا لم أطلقك
فَأَنت طَالِق فَمضى زمَان يُمكنهُ أَن يطلقهَا فِيهِ فَلم
يُطلق وَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ على التَّرَاخِي إِلَى الْمَوْت،
وَالشَّافِعِيّ ينظر إِلَى أَن إِذا ظرف زمَان فَهِيَ مثل
مَتى، وَأَبُو حنيفَة ينظر إِلَى احتمالها للشّرط فَهِيَ
عِنْده مثل (أَن وَقد تجازى) بمتى، قَالَ الشَّاعِر:
(مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا
خير موقد)
وَللَّه در الْقَائِل: تِلْكَ نَار مُوسَى.
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ لامْرَأَته: أَنْت عَليّ حرَام وَنوى
تَحْرِيمهَا بِغَيْر طَلَاق لَزِمته كَفَّارَة يَمِين،
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ ذَلِك لأمته، قَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ
يَمِين يصير بهَا موليا من زَوجته حَالفا فِي أمته، لنا أَنه
كِنَايَة فِي الطَّلَاق فَلَا تَنْعَقِد بهَا الْيَمين
بِاللَّه تَعَالَى كَسَائِر الْكِنَايَات، وَتعلق الْكَفَّارَة
بهَا لَا يلْزم،
(4/210)
فَإِن الْكَفَّارَة تتَعَلَّق عِنْدهم
بِالْحِنْثِ لَا بِاللَّفْظِ.
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ: هَذَا الطَّعَام عَليّ حرَام لم
(يتَعَلَّق بِهِ شَيْء، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ يَمِين
يتَعَلَّق بِالْحِنْثِ بهَا الْكَفَّارَة، لنا: أَنه لفظ لم
يذكر فِيهِ اسْم اللَّهِ تَعَالَى فَلم يكن يَمِينا) .
(4/211)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنو)
أيصح اسْتِعْمَال الطَّلَاق وكناياته فِي الْعتاق؟ .
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: لَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... .
لَهُم: ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(نوى بِلَفْظ يحْتَملهُ فَيَقَع مَا نوى كاستعمال الْعتاق فِي
الطَّلَاق)
(4/212)
وَتَقْرِيره أَن الْملك قيد فِي الْمحل،
وَحجر على الْمَمْلُوك (وَالطَّلَاق يشْعر بِإِسْقَاط ملك
الْيَمين) ، وَالطَّلَاق يسْقط بِإِسْقَاط الْحجر، وَالطَّلَاق
إِسْقَاط ملك النِّكَاح، وَاسْتِعْمَال الْمسْقط فِي مَحل
قَابل للسقوط من أقرب وُجُوه الْمجَاز.
لَهُم:
شَرط تَصْحِيح الْمجَاز هُوَ الِاتِّصَال بَين اللَّفْظَيْنِ
والمقاربة فِي الْمَعْنى الْخَاص وَقد انْتهى من الطَّلَاق
وَالْعتاق لُغَة وَشرعا، فَإِن حكم اللَّفْظَيْنِ شرعا
مدلولهما لُغَة وَالرّق ضعف وَالْعِتْق قُوَّة، عتق الطَّائِر
إِذا كبر وَنبت جنَاحه، وثوب رَقِيق: أَي ضَعِيف النسج، وَمعنى
الطَّلَاق غير ذَلِك.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
نسلم أَن النِّكَاح رق، وَأَن الطَّلَاق حل، أما خيالهم فِي
ملك الْيَمين أَنه
(4/213)
يعْتَمد ضعفا فِي الْمحل وَالْعِتْق يحدث
قُوَّة فَهُوَ بَاطِل، فَإِن، عِلّة الِاسْتِقْلَال فِي
الْمَوْضِعَيْنِ هِيَ الإنسانية وَالْملك فِيهَا على خلاف
الأَصْل، وَعند الزَّوَال يظْهر الِاسْتِقْلَال بِالْعِلَّةِ
الْأَصْلِيَّة، ودعواهم أَن الشَّرْع أبطل فِي الرَّقِيق
ثَمَرَة الإنسانية والحقه بالبهائم مصادم للْإِجْمَاع،
فَإِنَّهُ أهل الْعِبَادَات، وَله مالكية النِّكَاح
وَالْيَمِين حَتَّى يَصح مِنْهُم إنْشَاء التمليكات كلهَا، نعم
لَا يسْتَقلّ الْملك عَلَيْهِ فَتَلقاهُ السَّيِّد لمَانع
الرّقّ، وَعِنْدنَا يتَمَلَّك الْمولى، نعم. يفترقان فِي
أَمريْن: أَحدهمَا أَن ملك الْيَمين يثبت إلزاما من الشَّرْع
وَملك النِّكَاح بِالْتِزَام من الْمَرْأَة وَهَذَا لَا يُغير
حَقِيقَة الشَّيْء، وَالْآخر أَن العَبْد فِي ملك الْيَمين
أَعم ليحصل مَقْصُود الْملك بِخِلَاف النِّكَاح، فَإِن حق
الزَّوْج (فضل بِهَذَا الْقدر من العَبْد) ، وَإِذا تبين أَن
الْملكَيْنِ على خلاف الأَصْل فيستثنى فِي كل وَاحِد من
الأَصْل بِقدر الْحَاجة.
(4/214)
(الصفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... . .
(4/215)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنز.)
إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق وَنوى عددا.
الْمَذْهَب: وَقع.
عِنْدهم: تقع وَاحِدَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ...
لَهُم: ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
نوى بِلَفْظِهِ مَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ فَصحت نِيَّته كنية
الثَّلَاث فِي قَوْله: أَنْت
(4/216)
بَائِن، ونقول: الطَّلَاق فعل يفْتَقر
إِلَى فَاعل ومفعول بِهِ، وَالْكل مُجمل يحسن الاستفسار عَنهُ
إِن لم يذكر، فَإِذا ثَبت الْإِجْمَال، وَهُوَ مُحْتَمل للعدد
صَحَّ بِالنِّيَّةِ.
لَهُم:
قَوْله: أَنْت طَالِق وصف الْمَرْأَة بِصفة، والذات الموصوفة
متحدة فتتحد الصّفة الْقَائِمَة بهَا، فَكَانَت نِيَّته لَغوا
وَقد نوى مَا لَا يحْتَملهُ لَفظه فَبَطل كَمَا لَو قَالَ:
اسْقِنِي وَنوى الطَّلَاق.
مَالك: ... ... ... ... . .
أَحْمد: خَالف إِلَّا أَن يَقُول: أَنْت طَالِق للسّنة أَو
طَلِّقِي نَفسك، فَإِنَّهُ إِذا نوى الثَّلَاث وَقعت.
التكملة:
حَقِيقَة الْمَسْأَلَة يَتَّضِح بالبحث عَن وَجه تَأْثِير
النِّيَّة فِي اللَّفْظ، وَلَا أثر لَهَا إِلَّا فِي تعْيين
أحد الِاحْتِمَالَات سَوَاء كَانَت متقابلة كاللفظ الْمُشْتَرك
أَو كَانَ
(4/217)
(أَحدهَا) أظهر مَعَ التأويلات، أما
اللَّفْظ النَّص لَا تعْمل فِيهِ النِّيَّة، نعم رُبمَا
يقْتَرن بِالْفَظِّ احتمالات لمعان لَازِمَة كالزمان
وَالْمَكَان (فالنية إِلَى الصَّلَاة) وَالصَّوْم وَسَائِر
الْأَفْعَال، فَلَو نوى بعض الْأَزْمِنَة بِلَفْظ الْفِعْل مَا
وَقع فمعتقد الْخصم أَن الطلقات الَّتِي يَنْوِي عَددهَا لَازم
اللَّفْظ، وَنحن نعتقدها مَدْلُول اللَّفْظ، ويلزمهم إِذا
قَالَ: أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بأصابعه الثَّلَاث، فَإِنَّهُ
يَقع وَلَو لم يكن مَدْلُول اللَّفْظ مَا وَقع بِالْإِشَارَةِ،
ويلزمهم مَا لَو قَالَ لوَكِيله: طلق زَوْجَتي وَنوى الثَّلَاث
فَقَالَ الْوَكِيل: طلقت، فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث وَهَذَا
لَا جَوَاب عَنهُ، ويلزمهم إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا،
فَإِنَّهُ يَقع، وَقَوله: " ثَلَاثًا " تَفْسِير لشَيْء لأَجله
كَانَ مَنْصُوبًا.
(4/218)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ...
(4/219)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنح)
إِذا قَالَ: أَنا مِنْك طَالِق وَنوى الطَّلَاق.
الْمَذْهَب: وَقع.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم} ، وَقَالَ:
{حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} ، وَقَالَ: {فَلَا تعضلوهن أَن
ينكحن} ، وَجه الدَّلِيل: تسميتهما متناكحين فَالْحكم يعمهما
فَحكم الطَّلَاق أَيْضا يعمهما.
لَهُم: ... ... ... ... .
(4/220)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الطَّلَاق وَاقع بِكُل لفظ مُحْتَمل وَهَذَا مُحْتَمل وَلَا
يتقاصر عَن قَوْله: اعْتدى أَو الحقي بأهلك، فَإِنَّهُ عبر
بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب وَهَاهُنَا قد صرح (فَإِن
عَلَيْهِ) بِالنِّكَاحِ نوع تكلّف وحجرا لحقها فَحسن أَن
يَقُول: أَنا مِنْك طَالِق.
لَهُم:
تصرف أَخطَأ مَحَله فلغا، ذَلِك لِأَن الرجل لَيْسَ محلا
للنِّكَاح فَإِن النِّكَاح رق، وَله الْحَبْس وَالْمَنْع.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
المُرَاد بِالطَّلَاق الْخَلَاص الْعرفِيّ فَهُوَ كَقَوْلِه:
أَنا مِنْك باين، وَهَذَا لَازم
(4/221)
لَهُم، وَجَمِيع مَا سلموه من قَوْله:
اعْتدى والحقي بأهلك لَيْسَ من ضَرُورَة الطَّلَاق، فَإِن
ألزمونا إِذا قَالَ لزوجته: أَنا مِنْك حر فَفِيهِ لنا منع،
فَنَقُول: يَقع الطَّلَاق مَعَ النِّيَّة، فَإِن ألزمونا إِذا
قَالَ: أحللت أختك، فَالْجَوَاب: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة غير
منصوصة فَنَقُول: يَقع الطَّلَاق حملا على قَوْله: اعْتدي، وكل
مَا يذكرُونَهُ من هَذِه الْمسَائِل نُشبههُ بالمسائل الَّتِي
اجْتَمَعنَا عَلَيْهَا، فَإِن فرقوا بَينهَا فرقنا،
وَبِالْجُمْلَةِ نطالبهم بِالْفرقِ بَينهَا وَبَين قَوْله:
اعْتدي، ونفرق بِمَا يفرقون بِهِ، وَكَونهَا فِي حَبسه لَا يدل
على ملك كَمَا أَنه فِي حبس الزَّوْجَات الْأَرْبَع عَن
خَامِسَة وَفِي حبس زَوجته عَن أُخْتهَا.
(4/222)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رنط.)
إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى جُزْء معِين.
الْمَذْهَب: وَقع وسرى.
عِنْدهم: لَا إِلَّا أَن يضيفه إِلَى الْوَجْه وَالرَّأْس
والرقبة والفرج.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... . .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فطلقوهن} وَجه الدَّلِيل: أَن الْمُضمر هُوَ
جمَاعَة النِّسَاء لَا لأجزائهن، فَإِنَّهَا تَابِعَة فأصالة
الطَّلَاق فِيهَا لَا يجوز.
(4/223)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَحل النِّكَاح، فَكَانَ مَحل الطَّلَاق كالوجه وَالرَّأْس،
لِأَن الْمَرْأَة مَحل فأجزاؤها مَحل، وَالْبَعْض فِي مَحل
الطَّلَاق كالبعض فِي الطَّلَاق، وَبَعض الطَّلَاق كل، كَذَلِك
بعض الْمحل كل فِي محلية الْوَاقِع وَصَارَ كالجزء الشَّائِع.
لَهُم:
الْيَد لَيست محلا للطَّلَاق فلغت، بَيَانه: أَنَّهَا لَيست
محلا للنِّكَاح وَإِنَّمَا مَحل النِّكَاح الْمَرْأَة.
مَالك:
أَحْمد: يَقع إِذا أضَاف إِلَى عُضْو لَا تبقى الْحَيَاة مَعَ
انْفِصَاله.
التكملة:
كل جملَة لَا تتجزأ فِي حكم الطَّلَاق فَذكر بعضه كذكر كُله
بِدَلِيل الزَّمَان وَالْمَكَان والجزء الشَّائِع، وَصورته أَن
تَقول: أَنْت طَالِق فِي هَذَا
(4/224)
الشَّهْر فِي هَذِه الدَّار، أَو نصفك
طَالِق أَو نصف طَلْقَة، ونقول: أَي فرق بَين أَن يَقُول: نصفك
طَالِق أَو نصفك الْأَعْلَى طَالِق أَو الْأَسْفَل أَو
الْأَيْسَر أَو الْأَيْمن؟ ! فَإِن سلمُوا فِي الْأَعْلَى
والأسفل ترقينا فِي الْعشْر وَعشر الْعشْر وَيكون الْأَمر
فِيهِ رَاجعا إِلَى حد الإصبع مثلا، فَإِن منعُوا إِذا قل
الْجُزْء نطالبهم بالمرد، فَإِن قَالُوا: يكون من مَقَاصِد
النِّكَاح والتناسل يلْزمهُم إِذا قَالَ: جَمِيع بدنك سوى
فرجك، وأرشق صِيغَة فِي الْبَيَان أَن من قَالَ لزوجته: إِن
مسستك فَأَنت طَالِق فمس يَدهَا طلقت إِجْمَاعًا فَنَقُول: إِن
لم تكن الْيَد الممسوسة مِنْهَا، فَلَا يَقع الطَّلَاق
الْمُعَلق عَلَيْهَا، وَإِن كَانَ مِنْهَا فليقع الطَّلَاق
الْمُنجز الْمُضَاف إِلَيْهَا، فَإِن ألزمونا بَقَاء اسْم
الْمَرْأَة بعد زَوَال الْيَد فَذَلِك لِأَن الِاسْم
الْمَوْضُوع بِإِزَاءِ الْجُمْلَة فَصَارَ كالعسكر إِذا
انْفَصل مِنْهُ عشرَة مثلا، فَإِن اسْم الْعَسْكَر بَاقٍ
عَلَيْهِ وَإِن كَانَ النَّفر (الْمُنْفَصِل جُزْءا) مِنْهُ.
(4/225)
(الْمَسْأَلَة السِّتُّونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: رس.)
طَلَاق الْمُكْره وعتاقه وَيَمِينه
الْمَذْهَب: لَا يَقع شَيْء من ذَلِك.
عِنْدهم: يَقع الْجَمِيع.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... . .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}
وَقَوله تَعَالَى: {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد} .
(4/226)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حق مَعْصُوم فَلَا يقطع بِسَبَب من الْمُسْتَحق كرها كحق
الشُّفْعَة، لِأَن عصمَة الْملك وحرمته تَقْتَضِي إبْقَاء ملكه
لَهُ مَا دَامَ يُؤثر بَقَاؤُهُ وَالْمعْنَى جلي فِي
الْمُنَاسبَة؛ لِأَنَّهُ يتم بِهِ حسم مَادَّة الظُّلم
وَالْملك الْمَعْصُوم لَا يَنْقَطِع إِلَّا بِسَبَب صادر
مِنْهُ مُضَاف إِلَيْهِ من وَجه (وَإِلَى الْمُكْره من وَجه) .
لَهُم:
طَلَاق صدر من أَهله تَحت ولَايَته فنفذ كَطَلَاق الهازل لِأَن
التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة أَسبَاب الْأَحْكَام على وزان
التَّصَرُّفَات الحسية بِالنِّسْبَةِ إِلَى آثارها، وَفِي
اعْتِبَار قَول الْآدَمِيّ بَيَان شرفه وتميزه عَن غَيره من
الْحَيَوَان سِيمَا وَهَذِه التَّصَرُّفَات الْمُتَنَازع
فِيهَا لم يشرع طَرِيق فَسخهَا وردهَا بِخِلَاف البيع
وَالْإِجَارَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: وَافق وَقَالَ: الْوَعيد لَيْسَ بإكراه.
(4/227)
التكملة:
نسائلهم مَا يعنون باسم الطَّلَاق، أيعنون بِهِ الصِّيغَة
اللُّغَوِيَّة، أم الصِّيغَة الْمُعْتَبرَة شرعا؟ أما اللَّفْظ
اللّغَوِيّ فَمُسلم وجوده لَكِن لم قَالُوا: يَنْقَطِع
النِّكَاح بِهِ والصيغة الشَّرْعِيَّة لم تُوجد والانعقاد
وَالِاعْتِبَار وصفان شرعيان للفظ المحسوس ثمَّ الْمُعْتَبر
المنعقد ينتهض سَببا ينصب الشَّرْع؟ وَبَيَان هَذِه
الْأَلْفَاظ أَن الشَّارِع جعل البيع سَببا مثلا، وَالْبيع
اسْم مَجْمُوع من حُرُوف انتظمت كلمة ثمَّ مَجْمُوع كَلِمَات
انتظمت كلَاما فَلَا اجْتِمَاع لَهَا فِي الْجِنْس فاعتبار
الشَّرْع مَعْنَاهُ إمْسَاك الْجُزْء الأول فِي تَقْرِيره،
وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الْأَجْزَاء فتصرف الشَّرْع فِي كلمتي
الْإِيجَاب وَالْقَبُول يرْبط إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى، وَمثل
ذَلِك فِي الطَّلَاق يحْتَاج إِلَى الِاعْتِبَار
(4/228)
الشَّرْعِيّ فَمَا الدَّلِيل على
الِاعْتِبَار؟ وَالشَّرْع يُرَاعِي الْمصَالح وَلَا مصلحَة فِي
هَذَا.
(4/229)
(اللوحة 64 من المخطوطة أ:)
(قَالَ: مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله
ثَلَاثًا، اخْتلف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك؛ ذهب ابْن الْحداد
والقفال وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب إِلَى أَنه وَقع عَلَيْهَا
الطَّلَاق.
وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه يَقع الطَّلَاق الْمُبَاشر دون
الْمُعَلق بِصفة، قَالَ ابْن الْقَاص: وَإِن طلق امْرَأَته
بِصفة وَقع الطَّلَاق لمجيء الصّفة إِلَّا وَاحِد وَهُوَ إِذا
قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق الْيَوْم ثَلَاثًا إِن طَلقتك
غَدا وَاحِدَة (وَطَلقهَا غَدا وَاحِدَة) ، وَقعت دون
الثَّلَاث وَحكي هَذَا عَن ابْن سُرَيج، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا
قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق
أُخْرَى قبل الَّتِي أوقعهَا عَلَيْك وَطَلقهَا وَقعت الَّتِي
أوقعهَا وَلم تقع الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَو وَقعت لم تقع
هَذِه الَّتِي أوقعهَا، وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه يَقع
الطَّلَاق الْمُبَاشر وَتَمام الثَّلَاث من الْمُعَلق بِصفة
وَبِه قَالَ الْخصم، فَأَما من قَالَ: لَا يَقع عَلَيْهَا
طَلَاق أصلا تعلق بِأَنَّهُ إِن وَقع عَلَيْهَا مَا أوقعه وَجب
أَن يَقع الطَّلَاق
(4/230)
الْمُعَلق بِهِ لِأَن الشَّرْط إِذا حصل
وَجب حُصُول الْمَشْرُوط، وَإِذا وَقع قبله ثَلَاثًا لم يَقع
مَا أوقعه؛ لِأَنَّهُ لَا يملك أَكثر من ثَلَاث، وَإِذا لم
يَقع مَا أوقعه (لم يَقع) الثَّلَاث فإثبات هَذَا الطَّلَاق
يُؤدى إِلَى نَفْيه فَلم يجز إثْبَاته وإيقاعه) ، قَالُوا:
وَهَذَا مثل مَا قَالَه الشَّافِعِي: إِذا زوج الرجل عَبده من
حرَّة بِصَدَاق ضمنه لَهَا ثمَّ بَاعهَا العَبْد بِالصَّدَاقِ
قبل الدُّخُول لم يَصح البيع؛ لِأَنَّهُ لَو صَحَّ ملكت
زَوجهَا وَإِذا ملكته انْفَسَخ النِّكَاح وَإِذا انْفَسَخ سقط
مهرهَا، لِأَن الْفَسْخ كَانَ من جِهَتهَا قبل الدُّخُول
فَإِذا سقط الْمهْر بَطل البيع؛ لِأَنَّهُ هُوَ عرضه فأفسد
البيع لِأَن ثُبُوته يُؤَدِّي إِلَى نَفْيه كَذَلِك هَاهُنَا،
وَمن قَالَ: يَقع الْمُنجز خَاصَّة، قَالَ: الْمُنجز طَلَاق
أوقعه على زَوجته وَهُوَ مِمَّن يملك الطَّلَاق فَوَقع، فَأَما
الْمُعَلق بِهِ فإيقاعه يُؤَدِّي إِلَى نَفْيه وَنفي
الْمُبَاشر، فَيجب أَلا يَقع وَيحسن أَن يعلق هَذَا الطَّلَاق
على مَشِيئَة اللَّهِ تَعَالَى وَيَقُول: مَتى وَقع على
امْرَأَتي طَلَاقي دون أَن أستخير اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ
طَالِق قبله ثَلَاثًا، وَإِذا قَالَ: أَنْت طَالِق إِن شَاءَ
اللَّهِ وَقع فِي الْحَال بِخِلَاف إِن، وَإِذا قَالَ طَالِق
مَرِيضَة لم يَقع إِلَّا إِذا مَرضت، لِأَن الْحَال
بِمَنْزِلَة الظّرْف للْفِعْل فَلَا يَقع قبلهَا، وَلَو قَالَ:
مَرِيضَة كَانَ كَمَا لَو نصب وَيكون لحنا، واللحن
(4/231)
لَا يُغير الْمَعْنى، قَالَ
الْبَنْدَنِيجِيّ: إِن كَانَ نحويا وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال
لِأَن مَرِيضَة صفة لَهَا وَهَذَا غير صَحِيح لِأَن مَرِيضَة
نكرَة وَهِي معرفَة، (وَإِذا قَالَ: أَنْت طَالِق 5 (5) الاج
(3) قَالَ الطَّبَرِيّ: تطلق ج (3) وَجهه: أَن 5 لَا تكون
طَلَاقا، وَإِنَّمَا يكون الْموقع مِنْهَا ج (3) فَإِذا
اسْتثْنى (ج (3) فَإِن كَانَ اسْتثْنى الْجَمِيع، فَلم يَصح
الِاسْتِثْنَاء وَوَقع الْموقع، قَالَ أَكثر الْأَصْحَاب: يَقع
ب (2) ، وَلَو قَالَ: أَنْت طَالِق 5 الْأَب وَقع على قَول
الطَّبَرِيّ ا) ، وَلَو) طَلقهَا فِي مرض مخوف وَقيل: قبل أَن
يعافى لَا يَقع فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
(4/232)
|