تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (من مسَائِل الْعتْق وَالْكَفَّارَة)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ:
رعا.)
من اشْترى من يعْتق عَلَيْهِ على نِيَّة الْكَفَّارَة.
الْمَذْهَب: لم يجز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ...
(4/277)
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لن يَجْزِي والدا وَلَده
حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه " أَي بالشرى
كَقَوْلِهِم: أطْعمهُ فأشبعه أَي بِالْإِطْعَامِ، وَمن اشْترى
نصف قَرِيبه قوم عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَلَو كَانَ عتقا
عَلَيْهِ دون إِعْتَاقه لما قوم عَلَيْهِ كَمَا لَو ورث نصف
قَرِيبه.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عتق يَسْتَغْنِي فِي الْوُقُوع عَن قَصده فَلَا ينْصَرف إِلَى
جِهَته كَالْعِتْقِ الْمُعَلق على الشرى، وَصورته إِذا قَالَ
للْعَبد: إِن بِعْتُك واشتريتك فَأَنت حر، وَذَلِكَ لِأَن
الْمَأْمُور بِهِ إِزَالَة الْملك والشرى تَحْصِيل الْملك
بِدَلِيل شرى الْأَجْنَبِيّ، وَقد انْعَقَد هَاهُنَا حَتَّى
علق عَلَيْهِ الْعتْق، وَالْعِتْق بِالْقَرَابَةِ حكم شَرْعِي
بِغَيْر اخْتِيَار.
لَهُم:
الْملك يُنَاسب الصِّلَة كالقرابة بِدَلِيل أَن من ملك عبدا
وَجب عَلَيْهِ نَفَقَته، كَمَا تجب نَفَقَة قَرِيبه الْفَقِير،
فَإِذا اجْتمع الْملك والقرابة فِي مَحل النزاع وَحكم
(4/278)
الشَّرْع بِحُصُول الْعتْق وَهُوَ يصلح أَن
يكون صلَة أضيف إِلَى الوصفين فالعلة مركبة من جزءين وَالْملك
هُوَ الْأَخير فأضيف إِلَيْهِ كَأَجر من يلقى فِي السَّفِينَة
فيغرق ويتأيد بِثُبُوت الْولَايَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
تَسْمِيَته معتقا فِي الحَدِيث مجَاز، فالقرابة عِلّة الْعتْق
والشرى مهد مَحل الْعتْق وَالْمُشْتَرِي جمع بَينهمَا فَقرب
الْمحل من الْعلَّة فَصَارَ كمن قرب الْقطن من النَّار،
فَإِنَّهُ يُسمى محرقا والحقيقة أَن يُوقد النَّار فِي مَحل
يقبل أَثَرهَا عِلّة الإحراق وَكَذَلِكَ حافر الْبِئْر يضمن من
تردى فِيهَا كحاز الرَّقَبَة، وَإِنَّمَا يثبت لَهُ الْوَلَاء؛
لِأَنَّهُ حكم الْعتْق عَلَيْهِ لَا حكم الْإِعْتَاق، أَلا ترى
أَن من وَرثهُ قَرِيبه وَهُوَ نَائِم أَو صبي عتق عَلَيْهِ
وَكَانَ لَهُ الْوَلَاء من غير إِعْتَاق غير أَن الْعتْق لَا
يحصل فِي الْغَالِب إِلَّا بِالْإِعْتَاقِ فإخراج النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام كَلَامه مخرج الْغَالِب وَالْملك لَا
يُنَاسب الصَّبِي، وَإِنَّمَا تطلق لَهُ التَّصَرُّفَات
الَّتِي لَهُ لَا الَّتِي
(4/279)
عَلَيْهِ، والإنفاق تَخْيِير لكنه لحُرْمَة
الزَّوْج كَيْلا يضيع حَتَّى لَو لم يملك الْمَالِك مَا
يُنْفِقهُ وَجب فِي بَيت المَال وعَلى مياسير الْمُسلمين
حَتَّى لَو تَرَكُوهُ حرجوا، ونمنع مَسْأَلَة السَّفِينَة
وَرُبمَا قَالُوا: الشَّرْط وَالسَّبَب اصْطِلَاح الْفُقَهَاء،
وَقصد الشَّرْع بِالْعِتْقِ لرقبة اخْتِيَارا وَقد حصل
وَرُبمَا سلمنَا نَحن أَن الشرى عِلّة مُسْتَقلَّة لَكِن فِي
التَّصَرُّف خلل، فَإِنَّهُ إِذا أعتق أَبَاهُ أَو ابْنه كَانَ
الْحَظ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بعضه فَصَارَ كَمَا لَو اشْترى عبد
نَفسه بنية الْكَفَّارَة، فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي.
(4/280)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رعب.)
إِذا قَالَ: أعتق عَبدك عني وَنوى صرفه إِلَى الْكَفَّارَة
فَقَالَ: أعتقت.
الْمَذْهَب: وَقع عَن الْكَفَّارَة.
عِنْدهم: لَا يَقع.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ...
لَهُم: ... ... ... ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عتق أمكن تَصْحِيحه عَن الْمسَائِل فصح كَمَا لَو ذكر
الْعِوَض، بَيَانه: أَن
(4/281)
الْملك قد أدرج وَالْملك حَاصِل بعوض
كالملك الْحَاصِل بِغَيْر عوض فَصَارَ كَمَا لَو قَالَ: أطْعم
عني عشرَة مَسَاكِين عَن كَفَّارَة يَمِين، فَإِنَّهُ يَصح،
وَإِن لم يذكر الْعِوَض، ونناقضهم بالتماسه بِعقد فَاسد وَلَا
يُفِيد إِلَّا بِالْقَبْضِ.
لَهُم:
الْملك فِي الْمَوْهُوب مَوْقُوف على الْقَبْض، وَالْقَبْض فعل
فَلَا ينْدَرج فِي القَوْل بِخِلَاف البيع، فَإِنَّهُ من جنس
الالتماس والإسعاف وَلَا يلْزم البيع الْفَاسِد حَيْثُ يفْتَقر
إِلَى الْقَبْض وَلَو وَقع هَاهُنَا أَجْزَأَ لِأَن الْقَبْض
لَيْسَ ركنا فِي البيع لكنه اعْتبر هَاهُنَا لضعف الْملك.
مَالك: إِذا أعتق عَن غَيره صَحَّ كَمَا لَو قضى دين غَيره.
أَحْمد: رِوَايَتَانِ.
التكملة:
لَيْسَ معنى درج البيع فِي الْإِعْتَاق على مِثَال طي شَيْء
فِي شَيْء حَتَّى يعْتَبر بَينهمَا نوع تجانس بل مَعْنَاهُ أَن
البيع الْوَاقِع مُقَدّر الْوُجُود شرعا وَإِن كَانَ مَعْدُوما
حسا فالشارع يقدر بيعا، وَيثبت حكمه، فَلذَلِك يقدر هبة
(4/282)
وَيثبت حكمهَا وَيُمكن أَن يُقَال: لَا
حَاجَة إِلَى تَقْدِير البيع وَالْهِبَة بل الْوَاقِع من
ضَرُورَة تَصْحِيح اللَّفْظ هُوَ الْملك وَقد قدر الشَّرْع
انْتِقَاله لِأَن الملتمس أهل الالتماس والمسعف أهل
الْإِسْعَاف وَالْعِتْق الملتمس لَا يَسْتَحِيل أَن يَقع من
الملتمس وَالْحق لَا يعدوهما فَلَمَّا توافقا عَلَيْهِ قدر
الشَّرْع مَا هُوَ ضَرُورَة تصرفهما تشوفا إِلَى تَصْحِيح
الْعتْق وَالْوَاقِع من ضَرُورَة الشَّيْء لَا يطْلب لَهُ
سَبَب وَلَا يمْتَنع إِثْبَات ملك دون بيع وَهبة
كَالْوَصِيَّةِ تفِيد الْملك بِالْمَوْتِ أَو الْقبُول من غير
عوض وَلَا قبض وَهَذَا ملك قدره الشَّرْع لضَرُورَة صِحَة
اللَّفْظ فلتقدرها هُنَا وَالْجَامِع خَاصَّة الْعتْق وتشوف
الشَّرْع إِلَيْهِ وَالْمَال فِي الأَصْل مبذول فدَاء لترغيب
المَال فِي الْإِجَابَة لَا ثمنا للْملك الْمُقدر وَهَذَا
مُتَوَجّه.
(4/283)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رعج.)
اسْتِيعَاب الْمَسَاكِين السِّتين أَو الْعشْرَة فِي كفارتي
الظِّهَار وَالْيَمِين.
الْمَذْهَب: وَاجِب.
عِنْدهم: لَو صرف إِلَى مِسْكين وَاحِد فِي أَيَّام تفي عدد
الْمَسَاكِين جَازَ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} ، وَهَذَا ظَاهر،
وَهُوَ كَقَوْل الْمُوصي اصرف هَذَا الطَّعَام إِلَى سِتِّينَ
مِسْكينا، فَيَقْتَضِي اللَّفْظ وجوب الِاسْتِيعَاب
لَهُم: ... ... ... ... ... ... ... ... . .
(4/284)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَاجِب التَّمْلِيك من سِتِّينَ فَيكون تَمْلِيكًا مِمَّن
هُوَ مُسْتَحقّ لَهُ وَحقا لمن وَجب تَمْلِيكه كَمَا فِي
الزَّكَاة، وَإِذا كَانَت حُقُوق سِتِّينَ فَلَا يَجْزِي
وَاحِد.
لَهُم.
الْكَفَّارَة وَجَبت لله تَعَالَى ابتلاء وزجرا بتنقيص المَال
فَحسب، نعم عين الشَّارِع مصرفه وَهُوَ الْمِسْكِين لَا لذاته
بل لسد خلته وسد خلة شخص سِتِّينَ يَوْمًا كسد خلة سِتِّينَ
مِسْكينا يَوْمًا فَهُوَ أحد ركني الْكَفَّارَة فَلَا يشْتَرط
تعدده فِي الْأَجْزَاء قِيَاسا للمصروف إِلَيْهِ على المصروف
فِيهِ فَإِنَّهُ لَو صرف الْمَدّ إِلَى وَاحِد واستعاده صَحَّ
صرفه إِلَى آخر.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْآيَةِ وظاهرها وجوب الِاسْتِيعَاب،
ومبدأ التَّعْلِيل فِي التَّأْوِيل كَون الْوَاجِب حق اللَّهِ
تَعَالَى وَذَلِكَ بعد التَّسْلِيم لَا يُنَافِي وجوب
الِاسْتِيعَاب بعد تَحْقِيق الْأَمر بِهِ، وَمَا تخيلوه من
تنقيص وسد خلة (لَا يُوجب) ترك الظَّاهِر؛ لِأَنَّهُ يجوز أَن
يكون الْمَقْصُود سد خلة سِتِّينَ مِسْكينا استظهارا
(4/285)
بِإِجْمَاع هممهم وبركات دعواتهم فِي غَرَض
التمحيص والمحو؛ لِأَن الْغَالِب أَن الْجمع الْكثير يشْتَمل
على مجاب الدعْوَة، فَإِن قَالُوا: مَعْنَاهُ (فإطعام طَعَام)
سِتِّينَ مِسْكينا فَالْجَوَاب أَن هَذَا تعسف ظَاهر؛ لِأَن
الْإِطْعَام يتَعَدَّى إِلَى مفعولين يسْتَقلّ بِكُل وَاحِد
مِنْهُمَا، أَحدهمَا الطَّعَام، وَالْآخر الْمطعم، وَالله
تَعَالَى ذكر أحد المفعولين وَهُوَ الْمطعم، وَترك الثَّانِي
وَهُوَ الطَّعَام فإلغاء الْمَفْعُول الْمُصَرّح بِهِ وإدراج
الْمَحْذُوف مراغمة، فَإِن قيل: فقد قَالَ: " فليستنج
بِثَلَاثَة أَحْجَار " وأقيم حجر وَاحِد ذُو ثَلَاث شعب
مقَامهَا، فَالْجَوَاب: قد رُوِيَ ثَلَاث مسحات أَيْضا؛
وَلِأَنَّهُ علم قطعا أَن مَا عداهُ مسَاوٍ لَهُ فِي
الْمَقْصُود وَلم يظْهر بَينهمَا فرق، وَهَاهُنَا أظهر فرق
بَين الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة.
(4/286)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رعد.)
التفدية والتعشية فِي الْكَفَّارَة.
الْمَذْهَب: لَا يَجْزِي بل لَا بُد من التَّمْلِيك.
عِنْدهم: يَجْزِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فإطعام} ، وَقد وجد كَقَوْلِه عز وَجل:
{ويطعمون الطَّعَام على حبه} .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قربَة مَالِيَّة مقصودها إِخْرَاج المَال إِلَى المحاويج
فَتعين فِيهَا التَّمْلِيك قِيَاسا
(4/287)
على الْكسْوَة والعة على أقوى مَرَاتِب
الشّبَه وأنهما خصلتان من خِصَال الْكَفَّارَة شرعتا لعوض
وَاحِد (على شخص وَاحِد) ، وَإِن تشوفنا إِلَى الْمَعْنى
فالتمليك أتم من التسليط.
لَهُم:
من لزمَه إطْعَام قوم قبل مِنْهُ إِبَاحَة الطَّعَام لَهُم،
دَلِيله: نَفَقَة الزَّوْجَات؛ لِأَن الْمَقْصُود سد الْخلَّة
وَلَا يفوت إِلَّا التَّصَرُّفَات كَالْبيع وَلم تصرف
الْكَفَّارَة إِلَيْهِم للتِّجَارَة، وَأما الْكسْوَة فَهِيَ
اسْم الثَّوْب وَلَا يصرف إِلَى الْمِسْكِين إِلَّا بالتمليك
والإعارة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا صرف الْمَنَافِع.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
نمْنَع الأَصْل الَّذِي قاسوا عَلَيْهِ ونقول: لَا يَكْفِي
التَّقْدِيم إِلَى الزَّوْجَة بل يحْتَاج إِلَى تمليكها،
وَالْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن لِلزَّوْجَاتِ أَن يسقطن
(4/288)
ذَلِك، وَلَيْسَ للْفُقَرَاء إِسْقَاطه،
قَوْلهم: الظَّاهِر الْإِطْعَام وَقد حصل، الْجَواب:
الْإِطْعَام بِالْوَضْعِ الْحَقِيقِيّ الْإِيجَار فَإِذا أوجره
الطَّعَام وَوصل إِلَى معدته وشبع سمي إطعاما حَقِيقَة
وَذَلِكَ غير مَشْرُوط وَيحْتَمل التَّقْدِيم كَمَا ذَكرُوهُ
وَيحْتَمل التَّمْلِيك كَمَا قَالَ الرَّاوِي: أطْعم رَسُول
الله الْجدّة السُّدس، وَتَأْويل التَّمْلِيك لما فِيهِ من
رِعَايَة حق الْمِسْكِين أولى، يدل عَلَيْهِ أَنه لَو ملكه
الْحبّ (وَتلف لم يلْزمه إِبْدَاله، وَلَو قدم الطَّعَام
إِلَيْهِ وَتلف لزمَه إِبْدَاله، يدل عَلَيْهِ أَنه لَو ملكه
الْحبّ) كَفاهُ وَلَو كَانَ الْوَاجِب التَّمْكِين من الْأكل
لوَجَبَ مُؤنَة الْخبز والطحن حَتَّى يستعد للْأَكْل.
(4/289)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رعه.)
بِأَيّ الْأَحْوَال يعْتَبر فِي الْكَفَّارَات.
الْمَذْهَب: بِحَال الْوُجُوب فِي قَوْله فَيلْزمهُ
الْإِعْتَاق إِن كَانَ مُوسِرًا وَلَا ينْتَقل إِلَى الصَّوْم
وَإِن أعْسر وَبِالْعَكْسِ.
عِنْدهم: بِحَال الْأَدَاء وَهُوَ قَول لنا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... الْآيَة العزيزة.
لَهُم: الْآيَة العزيزة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
انْعَقَد السَّبَب مُوجبا للإعتاق، وَالْأَصْل بَقَاء
الْوُجُوب إِلَى حِين الْأَدَاء. دَلِيل الْوُجُوب سِيَاق
الْآيَة وَتوجه الْخطاب فِي الْحَال بِهِ وإجراؤه على الْأَمر
عِنْد الْأَدَاء (وَالْقَضَاء بسقوطه) تحكم من غير دَلِيل،
وَكَذَلِكَ تقرر عِنْد
(4/290)
وجوب الصَّوْم حَتَّى تجب باسم
التَّكْفِير، فاعتبرت فِيهِ حَالَة الْوُجُوب كالحدود.
لَهُم:
الصّيام بدل الْعتْق بِدَلِيل نظم الْآيَة وَتوقف الْوُجُوب
فِي أَحدهمَا على الْعَجز عَن الآخر وشأن الْبَدَل أَن يُصَار
إِلَيْهِ عِنْد الْعَجز كالتيمم مَعَ الْوضُوء وَالْقيمَة مَعَ
الْمثل فِي الضَّمَان وَالْأَشْهر مَعَ الْأَقْرَاء فَإِذا لَا
يبْقى الْبَدَل مَعَ الْقُدْرَة على الْمُبدل وَصَارَ
كَالصَّلَاةِ إِذا فَاتَت حَالَة قدرَة الْقيام صلى قَاعِدا
فَإِن وجد قبل الْقَضَاء قدرَة قَامَ.
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نمْنَع قَضِيَّة الْبَدَلِيَّة بل هما واجبان مُخْتَلِفَانِ
فِي حالتين وَلَيْسَ فِي الْآيَة إِلَّا بَيَان وَاجِب كل
حَالَة إِذْ الْبَدَل مَا يقوم مقَام الْمُبدل من بعض
الْوُجُوه فِي تَحْصِيل مَقْصُود الْمُبدل، فَإِنَّهُ لَو
كَانَ مثله من كل وَجه صَار أصلا مُسْتقِلّا
(4/291)
بِنَفسِهِ فالتيمم يُبِيح الصَّلَاة،
وَالْوُضُوء يرفع الْحَد، فتباح الصَّلَاة لوُجُود شُرُوطهَا
وَهُوَ الطَّهَارَة، وَأما الصَّوْم فَهُوَ مثل الْإِعْتَاق
مُطلقًا فِي مَقْصُود الْكَفَّارَة من محو الْإِثْم والذنب
وَحل وَطْء الْمظَاهر عَنْهَا وَجَوَاز الْإِقْدَام على
الْمَحْلُوف عَلَيْهِ من غير فرق فَبَطل معنى الْبَدَلِيَّة
وَصَارَ كخصال الْكَفَّارَة المخيرة، نعم جَمِيعًا ينسبان
إِلَى سَبَب وَاحِد وَذَلِكَ لَا يُوجب الْبَدَلِيَّة كالرجم
وَالْجَلد واجبان فِي الزِّنَى بحالتي الْبكارَة والثيابة
وَالْجَلد مائَة مَعَ الْجلد خمسين فِي حالتي الرّقّ
وَالْحريَّة، ثمَّ لَو تبدلت الْحَال بإحصان لم يَنْقَلِب
الْجلد رجما، وَلَو عتق العَبْد لم تصر الْخَمْسُونَ مائَة،
ثمَّ الزَّكَاة وَاجِب مَال فِي الذِّمَّة وَلِهَذَا نوجبه فِي
قتل الصَّبِي وَالْمَجْنُون كإيجاب الزَّكَاة فِي مَالهمَا،
ونقول: الْكَفَّارَة اسْم جنس كالعبادة، ثمَّ الصَّوْم
وَالصَّلَاة واجبان مُخْتَلِفَانِ وَإِن شملهما قَضِيَّة
الْعِبَادَة وَكَذَلِكَ الصَّوْم مَعَ الْإِعْتَاق فالعدول
إِلَى أَحدهمَا إِسْقَاط الْوَاجِب الأول.
(4/292)
(اللوحة 67 من المخطوطة: أ:)
إِذا لَاعن الزَّوْج وَجب حد الزَّوْجَة إِلَّا أَن تلاعن،
وَعِنْدهم الْوَاجِب عَلَيْهَا اللّعان وتحبس عَلَيْهِ،
وَالْحجّة أَن الشَّارِع لما أَقَامَ اللّعان مقَام الشُّهُود
فِي حق الزَّوْج فلتعمل على الأَصْل تَحْقِيقا لِمَعْنى
الْبَدَلِيَّة ويتأيد بقوله تَعَالَى: {ويدرأ عَنْهَا
الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شهادت بِاللَّه} ، وَالْعَذَاب هُوَ
الْحَد قَالَ تَعَالَى: {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من
الْعَذَاب} وَلَا يَسْتَقِيم حمله على الْحَبْس لِأَن الْحَبْس
لَا يَقع مَقْصُودا بل وَسِيلَة إِلَى اسْتِيفَاء مَقْصُود.
وَاعْلَم أَن الْحر الْمُسلم إِذا قذف زَوجته الذِّمِّيَّة أَو
الْأمة لَاعن خلافًا
(4/293)
لَهُم ومعتمدنا الْآيَة.
فَإِن قيل: اللّعان يسْقط الْحَد الْوَاجِب عنْدكُمْ وَيدْفَع
الْوُجُوب عندنَا وَالزَّوْج لم يتَعَرَّض للحد هَاهُنَا،
وَالْجَوَاب أَن اللّعان شرع لإِسْقَاط الْحَد وَنفي النّسَب
وَقطع الْفراش والتشفي من الزَّوْجَة، وآحاد هَذِه الْمَقَاصِد
تستقل بشرعه، فَإِن قيل: اللّعان حكمه وجوب الْحَد عَلَيْهِمَا
وَلَيْسَت أَهلا لَهُ، قُلْنَا: لَا نسلم أَنه حكمه بل وجوب
الْحَد لثُبُوت الزِّنَى، وَإِن سلمنَا فَلَا نسلم أَنَّهَا
لَيست من أهل اللّعان.
وَاعْلَم أَن الْأَخْرَس أهل الْقَذْف وَاللّعان خلافًا لَهُم،
أما أَهْلِيَّة الْقَذْف فَلِأَن إِشَارَته قَامَت مقَام
الْعبارَة فِي جَمِيع التَّصَرُّفَات إنْشَاء وإقرارا، فَإِن
قيل: ذَلِك خلاف الأَصْل بِاعْتِبَار الْحَاجة وَلَا حَاجَة
لَهُ فِي تَصْحِيح قذفه إِذْ مُوجبه الْحَد أَو اللّعان فالنظر
لَهُ فِي إِبْطَاله، وَالْجَوَاب: أَن قذف الزَّوْج بِهِ
حَاجَة إِلَى تَصْحِيحه لنفي النّسَب وَقذف الْأَجْنَبِيّ
(4/294)
يصحح لحَاجَة الْمَقْذُوف يرحض عَنهُ
الْعَار فَصَارَ كإقرار الْأَخْرَس بِالْقَتْلِ يصحح لحَاجَة
مُسْتَحقّ الْقصاص، وَاعْلَم أَن النّسَب يَنْتَفِي فِي
النِّكَاح الْفَاسِد، وَكَذَا فِي الصَّحِيح بعد انْقِطَاعه
بِالْخلْعِ، وَعِنْدهم لَا يُلَاعن إِلَّا فِي نِكَاح،
وَالْمُعْتَمد أَن اللّعان شرع لحَاجَة دفع النّسَب وَالْحَاجة
قَائِمَة وَلَا فقه فِي اعْتِبَار النِّكَاح، وَاعْلَم أَنه
لَا يجب الْحَد على الْملَاعن بِقَذْف الْأَجْنَبِيّ مَعَ
الزَّوْجَة خلافًا لَهُم، ومعتمدنا دَعْوَى الشُّبْهَة، فَإِن
الرِّيبَة وَاحِدَة أضافها إِلَيْهِمَا وَصدق بِاللّعانِ فِي
حق الزَّوْجَة فَانْتقضَ ذَلِك شُبْهَة بدرء الْحَد، وَقد تعرض
الْعجْلَاني لِشَرِيك، ... ... ... ... ... . .
(4/295)
ابْن السحماء وَلم يحد الْعجْلَاني،
وَإِنَّمَا يجب الْحَد على الْأَجْنَبِيّ؛ لِأَن الْحجَّة مَا
كملت وَالْحَد يسْقط بِالشُّبْهَةِ وَهَذَا كَقَوْلِهِم: لَو
أقرّ الْمَقْذُوف بالزنى مرّة سقط الْحَد عَن الْقَاذِف وَلم
يحد الْمَقْذُوف لعدم التّكْرَار.
وَاعْلَم أَنه إِذا شهد على زَوجته من ثَلَاثَة لم يثبت
الزِّنَى خلافًا لَهُم.
وَالْمُعْتَمد أَنه شهد بِالْجِنَايَةِ على مَحل حَقه فَلَا
يقبل كَمَا إِذا شهد على زنى أمته المطاوعة ونسلم سُقُوط
الْمهْر كَيْلا يتَضَمَّن جلد مَنْفَعَة، فَإِن منعُوا الأَصْل
فَرضنَا فِيهِ وقسناه على مَا إِذا شهد على قطاع الطَّرِيق
بقتل عَبده مَعَ الْعَفو عَن الدِّيَة وَالْقصاص.
والحرف أَن الشَّهَادَة أَن يشْهد الْغَيْر على الْغَيْر،
فَإِذا شهد لنَفسِهِ جَازَ
(4/296)
دَعْوَى حَقِيقَة شَهَادَة لفظا وَلَا
يُمكن إنجاز قيام حَقه بِالْمحل فعندهم مورد الْعقل الذَّات.
(4/297)
|