تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل اللّعان)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ:
رعو.)
مَا يُوجب قذف الزَّوْجَة.
الْمَذْهَب: الْحَد، وَاللّعان دَافع لَهُ.
عِنْدهم: اللّعان حسب، فَإِن امْتنع حبس حَتَّى يُلَاعن.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم
يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ} ، فعموم الْآيَة
يتَنَاوَل الزَّوْج، نعم دَخلهَا التَّخْصِيص فاستثني عَنْهَا
الزَّوْج الْقَاذِف إِذا لَاعن فَبَقيَ الْمُمْتَنع عَن
اللّعان تَحت الْعُمُوم.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم
شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات
بِاللَّه} فَبين حَال الْأزْوَاج وَذكر مَا عَلَيْهِم بفاء
التعقيب، وَبِهَذَا خَرجُوا عَن عُمُوم الْآيَة الأولى فوزان
قَوْله تَعَالَى فِي
(4/298)
تِلْكَ: {فاجلدوا} قَوْله فِي هَذِه:
{فشهادة} .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قذف مُحصنَة، وَمُوجب قذف الْمُحْصنَات الْحَد كَمَا قبل
النِّكَاح؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِير للنِّكَاح فِي إِسْقَاط
مُوجب الْجِنَايَات فَسقط الْحَد فِي اللّعان حَيْثُ أَتَى
بِحجَّة جعلت علما على صدقه فَصَارَ كالبينة.
لَهُم:
(اللّعان عُقُوبَة) لاحْتِمَال الْكَذِب المهلك، وَهُوَ كالحد
للْأَجْنَبِيّ، وَله نكاية فِي النَّفس، وتأثير فِي
الْمُرُوءَة، وَيثبت الْحُرْمَة، وَلَو كَانَ حجَّة مَا ثبتَتْ
هَذِه الْأَحْكَام؛ لِأَنَّهُ لَا إِشْعَار فِي اللّعان بِقطع
النِّكَاح وَثُبُوت الْحُرْمَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: إِذا لم يُلَاعن حد، وَإِن لَاعن لم يجب الْحَد على
الْمَرْأَة وَفِي
(4/299)
حَبسهَا رِوَايَتَانِ.
التكملة:
سِيَاق الْآيَة حجَّة عَلَيْهِم، فَإِنَّهُ ذكر الزَّوْج ورميه
وَعدم الشُّهُود، ثمَّ ذكر اللّعان وشرعه فِي حق الزَّوْج
بَدَلا عَن الشُّهُود، لَا مُوجبا للرمي بفاء الْبَدَلِيَّة
لقَوْله تَعَالَى: {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل
وَامْرَأَتَانِ} {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} . وَمَا
تخيلوه من الْمَشَقَّة فِي اللّعان فَذَلِك من جبن النُّفُوس؛
وَمثله تَغْلِيظ الْأَيْمَان فِي مجْلِس الحكم، فَإِن الْيَمين
شرعت حجَّة لَا عُقُوبَة وَإِن تَضَمَّنت كلفة فَالْعِبْرَة
بِجِهَة المشروعية لَا بِمَا يلْزم عَنْهَا، وَيدل على نفي
معنى الْعقُوبَة سَبَب نزُول الْآيَة لِأَن الْعجْلَاني لما
قذف زَوجته هم النَّبِي بحده فَنزلت فسر بهَا سُرُورًا شَدِيدا
وعدها الصَّحَابَة فِي حَقه نعْمَة، وَأما الْحُرْمَة، فقد
ثبتَتْ فِي مَحل لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَة كَحُرْمَةِ الرَّضَاع،
وَلَعَلَّ ذَلِك كَرَامَة، فَإِن الصُّحْبَة بَينهمَا بعد
اللّعان لَا تلتئم، ثمَّ عِنْدهم لَو أكذب نَفسه بعد اللّعان
جَازَ لَهُ نِكَاحهَا، وَبِالْجُمْلَةِ: الزَّوْج معدول بِهِ
قِيَاس قذف الْأَجَانِب، فَإِنَّهُ يطلع من زَوجته على أَمر
لَا يفضى عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ شُهُود، فَكَانَ اللّعان
مخلصا لَهُ، وَعرض الزَّوْجَة مصون عَن الزَّوْج كَمَا كَانَ
قبل
(4/300)
النِّكَاح، وكما صينت نَفسهَا بِالْقصاصِ
يصان عرضهَا بِالْحَدِّ.
(4/301)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رعز.)
العَبْد الْمَحْدُود وَالذِّمِّيّ.
الْمَذْهَب: من أهل اللّعان.
عِنْدهم: تعْتَبر الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام وَالْعَدَالَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
الدَّلِيل على شَائِبَة الْيَمين قَول النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام للعجلاني: " قُم فاحلف "، وَقَوله بعد لعد لعان
الْمَرْأَة: " لَوْلَا اللّعان كَانَ لي وَلها شَأْن "، فَكل
زوج رام لَا شُهُود لَهُ متناول بِاللَّفْظِ.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} ،
والمستثنى يجب
(4/302)
أَن يكون من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ،
هَذَا يدل على أَن اللّعان شَهَادَة، فَيجب أَن يَأْتِي
بِلَفْظ الشَّهَادَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
من صَحَّ طَلَاقه أَو يَمِينه أَو إيلاؤه صَحَّ لِعَانه
كَالْمُسلمِ الْحر، وَالْمعْنَى الدَّاعِي إِلَى شرع اللّعان
لما اسْتَوَى فِيهِ كل زوج أعمى أَو بَصِير، عدل أَو فَاسق
اسْتَوَى فِيهِ الْحر وَالْعَبْد وَالْكَافِر وَالْمُسلم،
لِأَن الْمَعْنى يعم الْجَمِيع فَيجب تَعْمِيم الحكم تمهيدا
لهَذِهِ الْقَاعِدَة وقطعا للنَّظَر المفضي إِلَى الْأَيْمَان
والشهادات، وَاللّعان أصل قَائِم بِنَفسِهِ.
لَهُم:
اللّعان شَهَادَة، وَهَؤُلَاء لَيْسُوا من أهل الشَّهَادَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: رِوَايَتَانِ.
التكملة:
الْإِنْصَاف أَن فِي اللّعان شائبتين: يَمِين وَشَهَادَة
فلكونه، تَصْدِيق الْمَرْء نَفسه بقوله الْمُؤَكّد باسم
اللَّهِ تَعَالَى هُوَ يَمِين؛ لِأَن هَذَا حد الْأَيْمَان،
وَأَنه
(4/303)
يتَكَرَّر من شخص وَاحِد، ثمَّ لَا يُمكن
تمحيص شَائِبَة الْيَمين، فَإِنَّهُ يُخَالف قِيَاس
الْأَيْمَان إِجْمَاعًا حَيْثُ هُوَ يَمِين الْمُدَّعِي
لإِثْبَات مَا يَدعِيهِ ابْتِدَاء، وَإنَّهُ لَو امْتنع عَن
اللّعان فَلهُ أَن يعود إِلَيْهِ، وَحقّ الْيَمين يبطل
بِالنّكُولِ وَيُخَالف قِيَاس الشَّهَادَات، فَإِنَّهُ
شَهَادَة الْمَرْء لنَفسِهِ فِي مَحل عرضه وَذَلِكَ غير
مَشْرُوع، وَشَهَادَة الْأَعْمَى فِي المحسوس لَا تقبل
وَشَهَادَة الْفَاسِق فِي الْحُدُود لَا تقبل وَشَهَادَة
الْوَاحِد لَا يحكم بهَا وَاللّعان قَول الْوَاحِد لنَفسِهِ،
وَإِن كَانَ أعمى فَاسِقًا، ثمَّ لَا نسلم أَن العَبْد لَيْسَ
من أهل الشَّهَادَة، فَإِن الْأَهْلِيَّة بِصِفَات تُؤثر فِي
تَحْقِيق التَّصَرُّف على وَجه يتوفر عَلَيْهِ مَقْصُوده،
وَذَلِكَ بِالْعقلِ الَّذِي هُوَ آلَة الضَّبْط والفهم
وَالْحِفْظ، وبالعدالة الَّتِي تؤمن غائلة الْكَذِب، وَمَا
عَداهَا صِفَات مُعْتَبرَة للقبول إِمَّا تعبدا كالحرية أَو
لِمَعْنى كالبصر وَالْإِسْلَام، والأهلية اصْطِلَاح فقهي
وَالْآيَة جعلت كل زوج رام أَهلا للشَّهَادَة الَّتِي هِيَ
اللّعان، وَاللّعان رَأس بِنَفسِهِ مُنْقَطع عَن الشَّهَادَات
والأيمان.
(4/304)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: (رعح) :)
إِذا أقرّ بِوَطْء أمته وَأَتَتْ بِولد يُمكن إِسْنَاده
إِلَيْهِ لحقه.
الْمَذْهَب: يلْحقهُ إِن لم يدع الْعَزْل أَو الِاسْتِبْرَاء.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
مَا نقل فِي وليدة زَمعَة وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
" الْوَلَد للْفراش "، وَهُوَ صُورَة النزاع، فَأَبُو حنيفَة
لما بلغه مُطلق الْخَبَر حمله على الْمَنْكُوحَة
وَالشَّافِعِيّ لما عرف السَّبَب أثبت فرَاش الْأمة.
(4/305)
لَهُم: ... ... ... ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَطْء سَبَب ظَاهر للعلوق كالجرح للزهوق، ثمَّ لَو أقرّ
بِالْجرْحِ أضيف الزهوق إِلَيْهِ، وَإِن أمكن أَن يكون الزهوق
بِسَبَب آخر، كَذَلِك هَاهُنَا، ويتأيد بِالْوَطْءِ بِشُبْهَة
وَلَا تَأْثِير للظن بعد زَوَاله.
لَهُم:
الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ يكون إِقْرَارا بِالْوَلَدِ لَو كَانَ
الْوَطْء سَبَب الْوَلَد، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ إيلاج
أَثَره الْإِنْزَال، والعلوق أَمر زَائِد، وَإِنَّمَا لحق
بالفراش وَلَيْسَت فراشا، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون شراها
للتِّجَارَة فوطء الْأمة لَا يتَعَيَّن لاتخاذها فراشا فقد
يقْصد قَضَاء الشَّهْوَة مَعَ بَقَاء الْمَالِيَّة.
مَالك:.
أَحْمد:.
(4/306)
التكملة:
الْوَطْء سَبَب للْوَلَد بمدلول الْعرف وَالْعقل وَالشَّرْع "
تناكحوا تكثروا "، وَلما وَطئهَا وَلم يعْزل وَلم يستبرئ، فقد
جعلهَا فراشا لِأَن بِالْعَزْلِ يعرف صرف فعل الْوَطْء عَن
جِهَة الِاسْتِيلَاد، وبالاستبراء يعرف أَنه نَدم على الْوَطْء
وردهَا إِلَى جِهَة التِّجَارَة، وَذَلِكَ كمن يحرث أَرضًا
(بعد أَن) اتخذها مزرعة فَلَو لم ينثر الْبذر فِيهَا لم يتم
فعله، وَإِن نثر الْبذر ثمَّ هجرها، وَلم يسقها يُقَال: نَدم
على فعله، وَمَتى انْتَفَت هَذِه الْعَوَارِض كَانَ الْفِعْل
بِنَفسِهِ اتِّخَاذ مزرعة، كَذَلِك هَاهُنَا، فَإِن فرقوا بَين
الفراشين بِجَوَاز الْعَزْل منعناه فيهمَا أَو جوزناه فيهمَا
على الصَّحِيح، فَإِنَّهُ لَا فرق بَين الِامْتِنَاع من أصل
الْوَطْء أَو الِامْتِنَاع من إرْسَال المَاء، وَإِن فرقوا
(4/307)
بامتناع اللّعان فِي الْأمة منعناه على
رَأْي، وَإِن سلمنَا فالعذر استغناؤه بِدَعْوَى الْعَزْل
والاستبراء عَن اللّعان، وَإِن فرقوا بِأَن الْمُسْتَوْلدَة
عِنْد الْعتْق تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء لزوَال الْفراش
وَالْأمة الموطؤة بقرء ومنعناه فِي الْمُسْتَوْلدَة واكتفينا
فِي الْمَوْضِعَيْنِ بقرء وَهُوَ دَلِيل بَرَاءَة الرَّحِم
إِلَّا فِي النِّكَاح تعبدا وَامْتِنَاع بيع الْمُسْتَوْلدَة
لحُرْمَة الْوَلَد وَلَا ولد هَاهُنَا.
(4/308)
(من مسَائِل اللّعان وَأول مسَائِل الْعدة)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ:
رعط.)
النِّكَاح الَّذِي لم يتَّصل بِهِ إِمْكَان الْوَطْء.
الْمَذْهَب: لَا يثبت فرَاش النّسَب.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله
نسبا وصهرا} ، وَقَالَ: {وَبث مِنْهُمَا رجَالًا} الْآيَة،
وَجه الدَّلِيل إخْبَاره أَن خلق الْبشر من المَاء لَكِن
أَقَمْنَا الْفراش مقَام الْوَطْء المفضي إِلَيْهِ لاشْتِمَاله
عَلَيْهِ فَإِذا انْتَفَى يَقِينا لم يبْق مَا كَانَ وَسِيلَة
إِلَيْهِ.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْوَلَد للْفراش ".
(4/309)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لم يُوجد مَا يَقْتَضِي ثُبُوت النّسَب فَلَا يثبت؛ لِأَن
السَّبَب الْوَطْء بِصفة مَخْصُوصَة، وَلم يُوجد، لِأَن أصل
ثُبُوت النّسَب البعضية رأفة بِالْوَلَدِ وليكون ذخْرا لوالده،
فَإِذا تحقق انْتِفَاء البعضية لم يكن بَينهمَا تراحم.
لَهُم:
قِيَاس السَّبَب يُوجب ثُبُوت الحكم؛ لِأَن الْمَعْنى الْخَفي
لَا يُمكن أَن يكون منَاط الحكم فَانْقَطع النّظر عَنهُ وَتعلق
الحكم بِالسَّبَبِ الْمَنْصُوب شرعا، وَنَظِيره السّفر مَعَ
الْمَشَقَّة وَلَو اشْترى بكرا أَو مس امْرَأَة يتَيَقَّن
انْتِفَاء الشّغل وَوَجَب الِاسْتِبْرَاء مَعَ ذَلِك.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
الْخَبَر ورد فِي وَاقعَة مُعينَة وَهِي وليدة زَمعَة،
وَالْمرَاد بِالْوَلَدِ الْمَذْكُور ذَلِك الْمعِين وَالْألف
وَاللَّام هَاهُنَا لتعريف الْمَعْهُود، وتلحق بِهِ كل صُورَة
كَانَت فِي مَعْنَاهُ، وَكَانَ إِمْكَان الْوَطْء قَائِما
بهَا، وَيجوز أَن يثبت الحكم عِنْد السَّبَب من غير تعْيين
الْعلُوق مِنْهُ، أما أَن يثبت مَعَ تعْيين الانتفاء فَلَا
وَهَذَا كالجرح يثبت الزهوق مَعَ إِمْكَان أَن يكون الْمَوْت
بِغَيْرِهِ فَلَو تعقبه حز الرَّقَبَة انْقَطع
(4/310)
أثر الْجرْح وأضيف الزهوق إِلَى (حز
الرَّقَبَة) ، وَأما الْمَشَقَّة فالسفر لَا يَنْفَكّ عَنْهَا
إِذا قايست حَال كل مُسَافر إِلَى إِقَامَته، وَكَذَلِكَ تجدّد
الْملك لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال الشّغل، فَإِن الْبكر يُمكن
علوقها وعود الْجلْدَة والإمكانات كَبِيرَة، فَإِن قَالُوا:
المشرقي يُمكن أَن يصل إِلَى المغربية بِضَرْب من الكرامات أَو
السحر، قُلْنَا: الْأُمُور الشَّرْعِيَّة لَا يجوز تَعْلِيقهَا
على هَذِه الِاحْتِمَالَات.
(4/311)
(الْمَسْأَلَة الثَّمَانُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: (رف) :)
هَل يُورث حد الْقَذْف؟ وَهل يسْقط بِعَفْو الْمَقْذُوف؟ .
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: لَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... .
لَهُم:
(4/312)
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِن الَّذين
يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة فِي الَّذين آمنُوا} يدل على أَنه
لحق اللَّهِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لَو أقرّ بِالْقَذْفِ ثمَّ رَجَعَ لم يسْقط، وَلَو كَانَ
الْمُغَلب حق اللَّهِ لسقط وَلَو تَسَاويا فَكَذَلِك دَرأ للحد
بِالشُّبُهَاتِ، فَلَمَّا لم يسْقط دلّ على أَن الشَّرْع رعى
فِيهِ حق الْآدَمِيّ هَذَا فِي صُورَة الْعَفو، وَيُقَال فِي
الْإِرْث: كَانَ الْحق ثَابتا على وَجه يَسْتَوْفِيه الإِمَام
مَعَ طلب الْمَقْذُوف والحادث الْمَوْت، وَلَا يُنَافِي قيام
الْوَارِث مقَام الْمَوْرُوث كَمَا قَامَ مقَامه فِي دَعْوَى
السّرقَة.
لَهُم:
لَو أَبَاحَ الْمَقْذُوف قذفه وَجب الْحَد فَإِذا عَفا كَانَ
أولى بألا يسْقط، لِأَن الْإِبَاحَة تمنع انْعِقَاد السَّبَب
وَالْعَفو إِسْقَاط الْوَاجِب، وَلذَلِك لَو اسْتَوْفَاهُ
الْمَقْذُوف لم يبرأ جَانب الْقَاذِف، ثمَّ شَرط الْإِقَامَة
طلبه وَقد تعذر بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا توقف على طلب
الْمَقْذُوف؛ لِأَن قعوده عَنهُ (لَا يُورث تُهْمَة
(4/313)
لِأَن لَهُ حَقًا) .
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
يدل على أَن الْحَد لحق العَبْد أَن عرضه مصون لَهُ،
وَالْقَذْف جِنَايَة عَلَيْهِ، فإلحاق الْعَار بِهِ مَعَ مَا
فِيهِ من التشفي فَصَارَ كَالْقصاصِ الْوَاجِب بقتْله وَكَذَا
لَا يسْقط بتقادم الْعَهْد، وَيدل على أَنه لحق اللَّهِ كَونه
إِشَاعَة فَاحِشَة إِمَّا بهتانا عَلَيْهِ أَو لغير قصد
إِقَامَة الْحِسْبَة، فَإِذا الشَّهَادَة وَالْعرض مَعْصُوم
لله وَلِلْعَبْدِ، ثمَّ نعتذر بتشطره فِي حق العَبْد أَن
التأثر برمي حر أَكثر من التأثر برمي عبد، وَيمْتَنع
اسْتِيفَاء الْحَد إِذا أَبَاحَ الْمَقْذُوف قذف نَفسه،
وَكَذَلِكَ نقُول: لَو اسْتَوْفَاهُ وَقع موقعه.
وَاعْلَم أَن فِي الْحُقُوق مَا يمحض حَقًا لله تَعَالَى
كالرمي، وَمَا يمحض حَقًا للآدمي كالبعضية، وَمَا فِيهِ
الشائبتان مَعًا كَالْقَتْلِ حق اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ يُوجب
الْكَفَّارَة وَحقّ الْآدَمِيّ الْقصاص أَو الدِّيَة،
وَكَذَلِكَ حد السّرقَة الْغرم
(4/314)
للآدمي وَالْقطع حق اللَّهِ تَعَالَى،
وَالْقَذْف من هَذَا الْقَبِيل، وَحقّ الْآدَمِيّ فِيهِ أظهر؛
لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي إِلَّا بِطَلَبِهِ، وَلَا
يَسْتَوْفِيه الْحَاكِم بِعِلْمِهِ، وَلَا بِكِتَاب قَاض وَلَا
بِشَهَادَة على شَهَادَة.
(4/315)
(لوحة 68 من المخطوطة أ:)
إِذا كَانَت الْمُطلقَة من ذَوَات الْأَقْرَاء، فَإِن طَلقهَا
طَاهِرا فَأَقل مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة لب يَوْمًا، ولحظه
وَاحِدَة، وَلَا بُد من لَحْظَة أُخْرَى لتصدق، وَإِن لم تكن
هَذِه اللحظة من الْعدة، وَذَلِكَ أَنه يحْتَمل أَن يكون
طَلقهَا فِي اللحظة الْأَخِيرَة من الطُّهْر ثمَّ تحيض يَوْمًا
وَلَيْلَة وتطهر، ية فَإِذا انْقَضى الطُّهْر انْقَضتْ الْعدة،
لِأَن اللحظة الأولة قرء والطهران الْآخرَانِ قُرْآن إِلَّا
أَنَّهَا لم تعلم إِلَّا بِمُضِيِّ لَحْظَة أُخْرَى من الْحيض
بعد الطُّهْر، وَإِن كَانَت أمة فبمضي يو يَوْمًا ولحظتين،
وَإِن طَلقهَا حَائِضًا قبل قَوْلهَا بعد مز يَوْمًا،
(4/316)
ولحظتين، وَهُوَ أَنه يحْتَمل أَن يكون فِي
اللحظة الْأَخِيرَة من الْحيض ثمَّ تطهر يه يَوْمًا ثمَّ تحيض
يَوْمًا وَلَيْلَة، ثمَّ تطهر أَيْضا يه يَوْمًا ثمَّ ترى
الدَّم لَحْظَة وَاحِدَة، وَإِن كَانَت أمة فبمضي لَا يَوْمًا
ولحظتين، وَإِن كَانَت حَائِلا فبأن يمْضِي بعد العقد،
وَإِمْكَان الْوَطْء ف يَوْمًا، لِأَن الْوَلَد لَا يتَبَيَّن
فِيهِ الْخلق إِلَّا فِي ف يَوْمًا. وَاعْلَم أَن الْعدَد
بِالْأَقْرَاءِ وَيجب على من تحيض إِذا فَارَقت زَوجهَا بعد
الدُّخُول أَو وطِئت بِشُبْهَة وَيُوضَع الْحمل يكون مِمَّن
لحقه الْحمل وَإِن نَفَاهُ سَوَاء فَارقهَا حَيا أَو مَيتا
وَالْعدة بالشهور على ضَرْبَيْنِ: عدَّة الْوَفَاة أَرْبَعَة
أشهر وَعشر تجب على من توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَائِل
سَوَاء كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء أَو لم تكن، وَسَوَاء دخل
بهَا الزَّوْج أَو لم يدْخل، وَالثَّانيَِة ثَلَاثَة أشهر
وَهِي عدَّة الصَّغِيرَة والآيسة إِذا وَطئهَا الزَّوْج أَو
الْأَجْنَبِيّ بِشُبْهَة وَإِذا قَالَ: إِذا ولدت فَأَنت
طَالِق فَولدت وَمضى مز يَوْمًا ولحظة وأخبرت بِانْقِضَاء
عدتهَا قبل لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن تَلد وَلَا ترى الدَّم وتطهر
يه يَوْمًا ثمَّ تحيض يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ تطهر يه يَوْمًا
ثمَّ ترى الدَّم لَحْظَة.
(4/317)
وَإِذا اشْترى جَارِيَة فَلَا يجوز لَهُ
وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا، وَلَو أعْتقهَا وَأَرَادَ
أَن يَتَزَوَّجهَا خلافًا لَهُم، وَوَقعت للرشيد فأفتاه أَبُو
يُوسُف أَن يعتقها ويتزوجها، وَاعْلَم أَن الْعدة بالأطهار
عندنَا، وَعِنْدهم بِالْحيضِ، وَحجَّتنَا أَن الْمَشْرُوع هُوَ
الطَّلَاق السّني لقَوْله تَعَالَى: {فطلقوهن لعدتهن} أَي فِي
زمَان إِمْكَان عدتهن فَوَجَبَ أَن يكون الزَّمَان عقب
الطَّلَاق محسوبا من الْعدة، وإلغاء بَقِيَّة الطُّهْر
والاحتساب من الْحيض يطول الْعدة عَلَيْهَا ويضر بهَا،
وَكَذَلِكَ الِاسْتِبْرَاء، فَإِن الشِّرَاء لَا يخْتَص
بِحَالَة الطُّهْر حَتَّى يلْزم الاحتساب بعده فَنَظَرْنَا
إِلَى مَقْصُود الْبَرَاءَة وحصولها بِالْحيضِ ثمَّ
الْمَقْصُود الْبَرَاءَة لحل الْوَطْء، فَيجب أَن يشرع على
جِهَة يُفْضِي آخرهَا إِلَى الْوَطْء، وَفِي الطَّلَاق
الْمَقْصُود النِّكَاح وَيجوز أَن يَقع فِي زمن الْحيض يدل
عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} أَي:
يكففن أَنْفسهنَّ عَن الْوَطْء فليتخص ذَلِك بِزَمَان إِمْكَان
حل الْوَطْء وَهُوَ الطُّهْر وَوَطْء الْحَائِض مَمْنُوع فِي
غير زمَان التَّرَبُّص، فَإِن قَالُوا: يُفْضِي قَوْلكُم إِلَى
أَن تكون الْعدة ثَلَاثَة أَقراء إِلَّا زمَان الطُّهْر،
قُلْنَا: ورأيكم يُفْضِي إِلَى ثَلَاثَة أَقراء وزمان
الطُّهْر.
(4/318)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفا.)
عدَّة الزَّوْج هَل تَنْقَضِي بِوَضْع حمل من غَيره؟ .
الْمَذْهَب: (لَا، وَيَسْتَوِي فِيهِ الزِّنَى والشبهة وعدتا
الْوَفَاة وَالطَّلَاق) .
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا}
وَقَوله: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة
قُرُوء} وَتحمل الْحَامِل من الزَّوْج على الِاسْتِثْنَاء من
الْعُمُوم بِدَلِيل فَتبقى الْحَامِل من غَيره تَحت الْعُمُوم.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن
حَملهنَّ} وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي امْرَأَة
أنكحت على قرب وَفَاة الزَّوْج: " لَو وضعت
(4/319)
وَالزَّوْج على السرير حلت "، فَصَارَ
الْوَضع نوع عدَّة كالأقراء وَلَيْسَ أَحدهمَا بَدَلا عَن
الْأُخَر وَهَذَا لَا ينْتَقل إِلَى الْحمل الطَّارِئ فِي
الْعدة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْحَامِل من الزَّوْج الأول قاضية حق الزَّوْج بحضانة
الْجَنِين وَحفظه، وتمكينها من الْخُرُوج وَالنِّكَاح يبطل
هَذِه الْمَقَاصِد، فالعدة عبارَة عَن هَذَا الْحق للزَّوْج
عَلَيْهَا وبقضائه انْقِضَاء الْعدة، وَهَذَا الْمَعْنى
مَعْدُوم فِي حمل الزِّنَى بِأَنَّهُ غير مَحْفُوظ شرعا فَيبقى
حق الزَّوْج.
لَهُم: ... ... ... ... ... ... ... ... ...
(4/320)
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
نمْنَع إلحاقهم الزِّنَى بِحمْل الزَّوْج بِدَلِيل الْحمل
الطَّارِئ فِي الْعدة، فَإِنَّهُ لَو كَانَ من الزَّوْج
انْتَقَلت إِلَى عدَّة الْحمل وَانْقَضَت بِوَضْعِهِ، وَإِن
كَانَ من الزِّنَى لَا تَنْقَضِي الْعدة بِوَضْعِهِ، فَإِن
قَالُوا: مَا صرتم إِلَيْهِ يمْنَع شرع الْعدة فِي حق غير
الْحَامِل، قُلْنَا: الْحَائِل إِن كَانَت غير ممسوسة فَلَا
عدَّة، وَإِن مَسهَا فَهُوَ سَبَب ظَاهر فِي الْحمل فَتعْتَد
لَهُ، فالعدة زمَان ضرب لحفظ الْوَلَد إِمَّا علما أَو ظنا،
وَأما عدَّة الْوَفَاة، فَإِن كَانَت مَوْطُوءَة فنهج القَوْل
مَا سبق، وَإِن كَانَت غير ممسوسة، فَهُوَ زمَان حداد
إِظْهَارًا للتأسف.
وعدة الصبية والآيسة على خلاف القياسين حفظ الْحمل وَبَرَاءَة
الرَّحِم فقد فقدا جَمِيعًا فَلَا يرد نقضا) .
وَجَوَاب الْآيَة أَنَّهَا دَلِيل على انْقِضَاء أجل (الْحمل
لَا غير فَيتَنَاوَل حد
(4/321)
حمل لَهُ أجل مَضْرُوب شرعا وَحمل الزِّنَى
لَيْسَ لَهُ أجل تتناوله الْآيَة، أما حمل الشُّبْهَة فينقضي
أَجله بِوَضْعِهِ وَلَا يلْزم انْقِضَاء حق) الزَّوْج،
وَالْخَبَر ورد فِي وَاقعَة عين فيلتحق بهَا مَا كَانَ فِي
مَعْنَاهَا، وَلم يثبت أَن ذَلِك الْحمل كَانَ من غير زوج
وَلَو كَانَ الْمَقْصُود الْبَرَاءَة لحصل إِذا كَانَ حمل
الزَّانِي مُسْتَيْقنًا فَإنَّا نعلم يَقِينا فراغها من مَاء
الزَّوْج.
الثَّلَاثَة قُرُوء عندنَا أطهار وَبِه قَالَ مَالك، وَعِنْدهم
حيض.
(4/322)
الْمُعْتَدَّة: لَا تخرج من دَار الطَّلَاق
إِلَّا بِفَاحِشَة، وَقيل: هِيَ إِيذَاء الأحماء ببذاء
اللِّسَان.
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: الْفَاحِشَة: الزِّنَى.
الإمامية: الْآيَة من النِّسَاء بِالسِّنِّ لَا عدَّة
عَلَيْهَا، وعدة الْحَامِل الْمُطلقَة أقرب الْأَجَليْنِ
المتوفي عَنْهَا زَوجهَا أبعد الْأَجَليْنِ.
(4/323)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفب:)
إِذا أقرَّت بِانْقِضَاء عدتهَا ثمَّ أَتَت بِولد يحْتَمل أَن
يكون الْعلُوق (بِهِ من النِّكَاح) .
الْمَذْهَب: لحق النّسَب مَا لم تنْكح زوجا يحْتَمل الْعلُوق
مِنْهُ.
عِنْدهم: لَا يلْحق النّسَب.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... ...
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْوَلَد للْفراش ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(4/324)
وجد سَبَب ثُبُوت النّسَب فَثَبت دَلِيل
وجود النّسَب توهم الْعلُوق فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يُمكن
اعْتِبَار سَبَب سوى هَذَا لتعذر ظُهُور الْوَطْء وَالْمَاء
فَيبقى التَّوَهُّم خَاصَّة إحتياطا فِي إثْبَاته لحق الْوَلَد
فَصَارَ كَمَا قبل الْإِقْرَار.
لَهُم:
أَتَت بِولد يُمكن أَن يكون الْعلُوق بِهِ بِوَطْء حَادث بعد
الْإِقْرَار فَلَا يثبت النّسَب من الأول كَمَا لَو تزوجته،
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أمينة على الْعدَد فَإِذا أمكن حمل
قَوْلهَا على الصدْق حمل؛ لِأَن الْأمين لَا يكذب فِي خَبره
مَعَ وجود مَحل الصدْق.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
نبحث عَن معنى الحَدِيث؛ وَمَعْنَاهُ: الْوَلَد لصَاحب الْفراش
فَإِنَّهُ سيق لبَيَان نِسْبَة الْوَلَد إِلَى أَبِيه، لِأَن
نسب الْأُم ظَاهر فَتَارَة يعلق الحكم على
(4/325)
حَقِيقَة الاستفراش كَوَطْء الشُّبْهَة
إِجْمَاعًا، وَالْوَطْء فِي ملك الْيَمين عندنَا، وَتارَة يعلق
على النِّكَاح الَّذِي هُوَ مَظَنَّة الاستفراش لعسر الإطلاع
على حَقِيقَة الْوَطْء فمهما أمكن إِلْحَاق الْوَلَد بِهِ لحق
إِلَّا إِذا تعذر ذَلِك إِمَّا بِانْقِضَاء أقْصَى مُدَّة
الْحمل أَو بِنِكَاح آخر وَلَا نظر إِلَى انْتِفَاء الْفراش
حَالَة الِانْفِصَال كَمَا فِي وَطْء الشُّبْهَة وَملك
الْيَمين بل نراعيه حَالَة إِمْكَان الْعلُوق، يدل عَلَيْهِ
إِذا جَاءَت بِولد فِي عدَّة البائنة بِحَيْثُ يُمكن استتار
الْعلُوق إِلَى النِّكَاح إِذْ النّسَب يلْحقهُ مَعَ انْتِفَاء
الْفراش بِالطَّلَاق الثَّلَاث.
(4/326)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفج:)
العدتان من رجلَيْنِ.
الْمَذْهَب: لَا تتداخلان.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} ، وَقَوله:
{فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} كل ذَلِك إِشَارَة
إِلَى طلب فعل مِنْهَا وَهُوَ فعل الْكَفّ عَن النِّكَاح
وأسبابه من الزِّينَة والتبرج، وَلَا يخفى أَدَاء حقين
بِأَحَدِهِمَا.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} ، وَقَوله: {أَجلهنَّ
أَن يَضعن حَملهنَّ} ، وَالْأَجَل زمَان تَأْخِير الحكم بعد
انْعِقَاد السَّبَب كَذَلِك الطَّلَاق
(4/327)
يَقْتَضِي ردهَا إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ
قبل النِّكَاح منطلقة، وتأخيره لتعرف بَرَاءَة الرَّحِم،
فَإِذا انْقَضى أقْصَى الْأَجَليْنِ اندرج فِيهِ أقربهما كآجال
الدُّيُون.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
إِذا فعلين فِي مَحل وَاحِد فِي وَقت وَاحِد غير مَعْقُول
كصومي ظِهَار وَيَمِين وَلَا فرق بَين الْعدة وَالصَّوْم فِي
كَونهمَا إمساكين وَإِن اخْتلفَا فِي الممسك عَنهُ وَفِي زمَان
الْإِمْسَاك.
لَهُم:
الْمَقْصُود تَأْخِير النِّكَاح إِلَى مُضِيّ الْأَجَل، وَترك
أَشْيَاء مُتعَدِّدَة فِي وَقت وَاحِد مُمكن، فَإِن الْجمع
بَين الصَّلَاة والزنى فِي وَقت وَاحِد (محَال وتركهما فِي
وَقت وَاحِد) مُمكن فَصَارَ كَمَا لَو حرم الْجِمَاع على
الْمَرْأَة بِالصَّوْمِ وَالْإِحْرَام وَالْحيض، فَإِن
الِانْتِهَاء عَن الْكل فِي (حَالَة وَاحِدَة) مُمكن.
مَالك:
أَحْمد:
(4/328)
التكملة:
مدَار نَظرنَا على الْجمع بَين التَّعَبُّد والبراءة والتربص
والكف والانتهاء إِلَى مُدَّة والخصم يَبْنِي على إبِْطَال
الْجَمِيع وَتَجْرِيد التّرْك الْمَحْض، فمسلكنا أولى فِي
الِاحْتِيَاط ونفرض فِي الْحَائِل الْمُعْتَدَّة من الزَّوْج
ثمَّ وطِئت بِشُبْهَة، فَنَقُول: حمل من غير الزَّوْج فَلَا
تَنْقَضِي بِهِ عدَّة الزَّوْج كالحمل من الزِّنَى إِذا كَانَ
الْحمل طارئا وَقد سلموه وَالْأَصْل شَاهد وَالْمعْنَى
مُنَاسِب وَتَسْمِيَة الْعدة أَََجَلًا خطأ، فَإِن الْعدة اسْم
لجَمِيع هَذِه الْمدَّة وَالْأَجَل غَايَة كل مُدَّة مقدرَة
ومنقطعها قَالَ تَعَالَى: {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} ، وَقَالَ:
{فَإِذا جَاءَ أَجلهم} ثمَّ الْمدَّة المضروبة تَنْقَسِم إِلَى
مَا شرعت لتأخير حق العقد لسَبَب كأجل الدّين، وَإِلَى مُدَّة
يُوفى فِيهَا حق كَالْإِجَارَةِ {فَلَمَّا قضى مُوسَى
الْأَجَل} ، وَمَا نَحن فِيهِ من هَذَا الْقَبِيل وَمَا
ذَكرُوهُ من الْقَبِيل الأول، وَالدَّلِيل على أَن الْبَرَاءَة
لَيست كل الْقَصْد أَنه لَو علق طَلاقهَا
(4/329)
على بَرَاءَة رَحمهَا وَوَقع الطَّلَاق
اعْتدت، وَأما انْقِضَاء الْعدة مَعَ الْجُنُون وَالْإِغْمَاء
فَتلك أَحْوَال نادرة لَا تنقص الْأَجَل كَمَا فِي الصَّوْم،
وَأما تدَاخل عدتي شخص نمْنَع، وَإِن سلمنَا، فالمستحق وَاحِد
فَصَارَ كتعدد الوطيات مِنْهُ، وَمِثَال ذَلِك جراحتان من شخص
وَاحِد وجراحتان من شَخْصَيْنِ.
(4/330)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفد:)
إِذا انعتقت أم الْوَلَد إِمَّا بِعِتْق السَّيِّد أَو
بِمَوْتِهِ.
الْمَذْهَب: تربصت قرءا وَاحِدًا.
عِنْدهم: اعْتدت ثَلَاثَة أَقراء.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ...
(4/331)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تربص سَببه الْوَطْء فِي ملك يَمِين فَيقدر بقرء وَاحِد
كاستبراء الْأمة الْمُشْتَرَاة، وَتَحْقِيق وصف الْعلَّة
الْمُنَاسبَة، لِأَن الْوَطْء سَبَب شغل الرَّحِم وَالْحَاجة
ماسة إِلَى تعرف الْبَرَاءَة والمدة المضروبة صَالِحَة للتعرف،
وَالْمعْنَى مُنَاسِب، وَالْأَصْل شَاهد، لَا فرق إِلَّا أَن
الِاسْتِبْرَاء بعد سَبَب الْحل وَهُوَ الشِّرَاء وَفِي
الْفَرْع بعد الْحل وَهُوَ النِّكَاح.
لَهُم:
الْعدة قَضَاء لحق الْفراش بِاسْتِيفَاء أَثَره بعد زَوَاله،
والفراش هَاهُنَا ثَابت بِدَلِيل ثُبُوت النّسَب من غير
استلحاق فَوَجَبَ قَضَاء حَقه بِالثلَاثِ ونقصان الْفراش إِن
سلم فَلَا يزِيد على عَدمه وَلَو ظن أَنَّهَا مَنْكُوحَة
اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء فالناقص أولى.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَضَاء حق الْوَارِث غير مَعْقُول فَلَا نَتْرُك الْمَعْنى
الْمُخْتَار من طلب
(4/332)
الْبَرَاءَة، بِمَا لَا يعقل كَيفَ
وَإِنَّمَا استقام لَهُم تِلْكَ الدَّعْوَى فِي النِّكَاح بعد
الْوَفَاة فَإِنَّهَا وَجَبت من غير مَسِيس، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ
فِي مَحل النزاع، وعَلى التَّسْلِيم نقُول: الْفراش نَاقص،
بِدَلِيل أَن الْوَلَد يَنْتَفِي مِنْهُ بِدَعْوَى
الِاسْتِبْرَاء لَا بِاللّعانِ والجبر بِالْحُرِّيَّةِ الطارية
بعد الْفراش غير مَعْقُول؛ لِأَنَّهُ لَا يلتقي الجابر
بالمجبور، كَيفَ وَالْحريَّة تنَافِي فرَاش ملك الْيَمين فَكيف
تجبر نَقصه.
(4/333)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفه.)
الْمُعْتَدَّة الْبَائِن الْحَائِل.
الْمَذْهَب: لَا تسْتَحقّ نَفَقَة الْحَامِل لَكِن تسْتَحقّ
السُّكْنَى.
عِنْدهم: تسْتَحقّ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول: لنا قَوْله تَعَالَى: {أسكنوهن من
حَيْثُ سكنتم من وجدكم وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ
وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ} فإطلاق الْمسكن (فِي
جملَة) المطلقات وَتَخْصِيص النَّفَقَة بأولات الْحمل دَلِيل
التَّخْصِيص قَالَت فَاطِمَة بنت قيس: طَلقنِي زَوجي ثَلَاثًا
فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا
(4/334)
سُكْنى لَك وَلَا نَفَقَة " وَالْخَبَر
صَحِيح.
لَهُم:
لما سمع عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ خبر فَاطِمَة بنت قيس قَالَ:
كَيفَ نَدع كتاب رَبنَا بقول امْرَأَة لَعَلَّهَا أنسيت أَو
شبه عَلَيْهَا ففهم عمر من كتاب اللَّهِ تَعَالَى إِيجَاب
السُّكْنَى وَالنَّفقَة وبمقتضى ذَلِك رد قَوْلهَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ملك وَجب بِسَبَب الزَّوْجِيَّة على وَجه نَفَقَة الزَّوْجَات
فَتسقط بِانْقِطَاع الزَّوْجِيَّة، وَقد انْقَطَعت بالبتات من
كل وَجه وَلَيْسَ للزَّوْج عَلَيْهَا ملك يَد.
لَهُم:
محبوسة عَن نِكَاحه فاستحقت النَّفَقَة كالرجعية؛ لِأَن الْعدة
للنِّكَاح بِدَلِيل عدَّة الْوَفَاة حَيْثُ لَا مَاء وَلَا يَد
وَالْيَد قَائِمَة بعد الطَّلَاق، فَوَجَبت النَّفَقَة لِأَن
الْحَبْس يُوجب ذَلِك وَصَارَ كرزق الْحَاكِم والمفتي لما
عطلوا عَن المكسب
(4/335)
وَجَبت نَفَقَتهم فِي بَيت المَال،،
وَكَذَلِكَ وَجَبت لَهَا السُّكْنَى.
مَالك: ق.
أَحْمد: لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنى.
التكملة:
قَالُوا: الْآيَة نبهت بالأعلى على الْأَدْنَى، فَإِن مُدَّة
الْحمل تزيد على مُدَّة الْأَقْرَاء، قُلْنَا: الْأَمر
بِالْعَكْسِ فَإِن الْحمل لَا يزِيد على سنتَيْن عِنْدهم
(وَالْأَمر إِنَّمَا يبلغ سِنِين) ، فَإِن زَعَمُوا أَن فِي
الْقِرَاءَة تَقْدِيمًا أَو تَأْخِيرا فالقرآن لَا يثبت
بالرواية الشاذة، ومطلع النّظر أَن الْعدة حكم الْوَطْء
الْمُحْتَرَم وَالنِّكَاح مُنْقَطع بِجَمِيعِ علائقه فَلَا
تبقى نَفَقَة وَكَلَامهم يبتني على أَن نَفَقَة النِّكَاح
بِالْحَبْسِ وَأَن حبس النِّكَاح بَاقٍ فَلَا تسلم بل هِيَ
محتبسة بِقَضَاء حق التزمته بِالْعقدِ، وزمان تَسْلِيم
الْمُسْتَحق لَا يضمن كمن اشْترى شَيْئا لَا يُمكن تَسْلِيمه
إِلَّا فِي أَيَّام فالبائع محتبس بِتَسْلِيمِهِ فِي تِلْكَ
الْأَيَّام بِغَيْر نَفَقَة من الْمُشْتَرى فالنفقة إِذا
بتعطيل مَنَافِعهَا فَإِنَّهَا تبقى مرصدة لحظ الزَّوْج فِي
زمن الْعدة يتَمَكَّن من مَنَافِعهَا وَأكْثر مَنَافِع
النِّسَاء فِي الْبيُوت لَا فِي الْأَسْوَاق ثمَّ
(4/336)
الْحَبْس هَاهُنَا للشَّرْع وَهَذَا لَا
يسْقط بِإِسْقَاط الزَّوْج وَنَفَقَة الْحَامِل بِسَبَب الْحمل
وَهِي أَحَق النَّاس بِولَايَة الْحمل.
(4/337)
(اللوحة 69 من المخطوطة أ:)
جَاءَت هِنْد زَوْجَة أبي سُفْيَان إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام وَقَالَت: يَا رَسُول اللَّهِ إِن أَبَا سُفْيَان
رجل شحيح لَا يعطيني مَا يَكْفِينِي إِلَّا مَا أخذت مِنْهُ
سرا فَهَل فِي ذَلِك شَيْء؟ فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَام:
" خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ ".
فَوَائِد الحَدِيث: أَنه يجوز للْمَرْأَة أَن تخرج من بَيتهَا
لحَاجَة، وَأَن تستفتي الْعلمَاء فِيمَا يعرض لَهَا، فَإِن
صَوتهَا لَيْسَ بِعَوْرَة، وَأَن للْإنْسَان أَن يذكر مَا فِي
غَيره من عيب عِنْد حَاجته إِلَى ذَلِك، وَأَن الْحَاكِم يحكم
بِعِلْمِهِ، وَأَنه يقْضِي على الْغَائِب، وَالْأَشْبَه أَنه
أفتاها لَا قضى لَهَا، فَإِن أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضرا،
وَأَن المراة تلِي نَفَقَة وَلَدهَا، وَأَن من لَهُ حق على
غَيره يجوز أَن
(4/338)
يَأْخُذ مِنْهُ بِغَيْر علمه، وَأَنه يجوز
أَن يكون من جنس حَقه، وَأَن نَفَقَتهَا وَنَفَقَة وَلَدهَا
وَاجِبَة بِالْمَعْرُوفِ، وَأَن النَّفَقَة على الْأَب دون
الْأُم، وَاعْلَم أَن الرَّضَاع الَّذِي تتَعَلَّق بِهِ
الْحُرْمَة خمس رَضعَات متفرقات إِذا استعط بِاللَّبنِ خمس
مَرَّات تعلق بِهِ التَّحْرِيم؛ لِأَن الرَّأْس جَوف، إِذا حقن
بِهِ قَولَانِ عِنْدهم تثبت الْحُرْمَة برضعة وَاحِدَة،
ومعتمدنا قَول عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا: أنزل فِي
الْقُرْآن عشر رَضعَات مَعْلُومَات نسخ مِنْهَا خمس وَبقيت خمس
رَضعَات مَعْلُومَات وَتُوفِّي رَسُول اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالْأَمر كَذَلِك، والاعتراض
عَلَيْهِ أَن اللَّهِ تَعَالَى علق الْحُرْمَة بِمُطلق
الرَّضَاع فَقَالَ: {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم}
وَالتَّقْيِيد بالخمس زِيَادَة على النَّص (وَذَلِكَ) نسخ
فَيمْتَنع بِخَبَر الْوَاحِد، وَقد أجبنا عَن هَذَا الْمَعْنى.
(4/339)
وَالدَّلِيل على إبِْطَال مَذْهَبهم قَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تحرم المصة وَلَا المصتان وَلَا
الإملاجة وَلَا الإملاجتان "، فَإِن زَعَمُوا أَنه نسخ حَتَّى
سُئِلَ ابْن عَبَّاس أَن نَاسا يَقُولُونَ: الرضعة الْوَاحِدَة
لَا تحرم فَقَالَ: كَانَ ذَلِك ثمَّ نسخ عارضناهم بقول
عَائِشَة، فَإِن استروحوا إِلَى الْقيَاس على الْوَطْء فِي
إِثْبَات حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وارتباطه بِهِ دون الْعدَد
وَقَالُوا: إِذا لم يعْتَبر كَمَال مُدَّة الرَّضَاع، فَلَا
مرد لَهُ إِلَّا مُجَرّدَة، قُلْنَا: هَذَا جمع بِالْقِيَاسِ
فِي مَحل الْفرق بِالنَّصِّ ثمَّ الْفَارِق الْمَعْنَوِيّ أَن
الْوَطْء سَبَب الْحُرْمَة من حَيْثُ إِنَّه سَبَب النّسَب
بالعلوق وَهَذَا الْمَعْنى لَا يزْدَاد بالتكرار، فَإِن المحبل
مِنْهَا وَاحِدَة والإرضاع سَبَب الْحُرْمَة بِاعْتِبَار مَا
فِيهِ من النشز وَهَذَا يخْتَلف بالقلة وَالْكَثْرَة فَقضى
الشَّرْع بِأَن الْكثير مُعْتَبر وَضبط ذَلِك بالخمس.
(4/340)
(النَّفَقَات وَالرّضَاع والتخلي)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّمَانُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: رفو.)
الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ.
الْمَذْهَب: يُوجب فسخ النِّكَاح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ تَعَالَى: {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان}
، وَقَالَ: {فأمسكوهن بِمَعْرُوف أَو فارقوهن بِمَعْرُوف} ،
وَجه الِاسْتِدْلَال: أَن
(4/341)
التسريح بِالْإِحْسَانِ مُتَعَيّن عِنْد
فَوَات الْإِمْسَاك بِالْمَعْرُوفِ.
لَهُم: ... ... ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
نقُول: يتَعَيَّن التسريح وَلَا نتعرض لبَيَان أَنه فسخ أَو
طَلَاق، بل إِذا امْتنع الزَّوْج عَنهُ تولاه الْحَاكِم
كَسَائِر الْحُقُوق، وَالنَّفقَة حق ثَبت فِي النِّكَاح
كِفَايَة لحاجتها (يتَكَرَّر مَعَ الْأَيَّام) ، ويتأيد
بِفَسْخ نِكَاح الْمَجْبُوب والعنين،
(4/342)
بل أولى، فمدافعة الْبَاءَة، أيسر من
مدافعة الْجُوع.
لَهُم:
النَّفَقَة تَابِعَة للنِّكَاح، فَإِنَّهُ لَيْسَ من عُقُود
الْمُعَاوَضَات واكتساب المَال فَلَا يَنْفَسِخ بهَا،
وَإِنَّمَا يَنْفَسِخ بِمَا هُوَ أصل فِيهِ وَهُوَ الْوَطْء،
ثمَّ إِن اللَّهِ أنظر الْمُعسر (فَمَا) مضى مُنْقَطع
الْمُطَالبَة، وَلَا تجب نَفَقَته مَا لم يَأْتِ فَكيف يفْسخ،
ثمَّ المَال يُمكن تَحْصِيله من جِهَات فَلَا يَنْفَسِخ بفواته
بِخِلَاف الْوَطْء وَالِاعْتِبَار بِنَفَقَة الْمُسْتَوْلدَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نمْنَع كَون المَال تبعا بل شرع صِيَانة للنِّسَاء لضعفهن،
فالبعل يَكْفِي الْمَرْأَة ويحصنها وَلَيْسَ الْوَطْء كل
الْمَقْصد، فَإِن النِّكَاح ينْعَقد بِدُونِهِ فِي صُورَة
الرتقاء والعنين وَلَا يتَصَوَّر قيام العقد بالتوابع، فَلَو
كَانَ المَال تَابعا لما انْعَقَد
(4/343)
نِكَاح رتقاء بعنين وَفضل الْأَنْصَار،
وَانْقِطَاع الْمُطَالبَة مُسلم، وَذَلِكَ لَا يمْنَع ثُبُوت
الْفَسْخ، فالمجبوب لَا يُطَالب بِالْوَطْءِ، وَيفْسخ نِكَاحه،
ثمَّ الْغَالِب من حَال النِّسَاء الْعَجز عَن الْكسْب
وَعِنْدهَا نقُول: التسريح بِالْإِحْسَانِ مُعْتَبر بِنَصّ
الشَّرْع فليحاكم إِلَى الْإِنْصَاف أرفع العقد عَنْهَا لمتحصن
بِزَوْج أحسن آخر فِي مناهج الشَّرْع أم رفع الْحَبْس على مَا
يَقُولُونَ حَتَّى تتخلى عَن الْقَيْد وتتردد فِي طلب المعاش
مَعَ مَا عَلَيْهِ الْخلق من دواعي الْفساد؟ وَلَا يخفى أَن
الأول أولى.
(4/344)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفز.)
نَفَقَة الْأَقَارِب.
الْمَذْهَب: تخْتَص بالأصول وَالْفُرُوع.
عِنْدهم: تثبت لكل ذِي رحم محرم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... ...
لَهُم:
قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقوا اللَّهِ الَّذِي تساءلون بِهِ
والأرحام} أَي والأرحام أَن تقطعوها، وَقَوله: {وتقطعوا
أَرْحَامكُم} ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " قَالَ اللَّهِ
تَعَالَى: أَنا الرَّحْمَن وَهَذَا الرَّحِم شققت لَهُ اسْما
من اسْمِي فَمن
(4/345)
وَصلهَا وصلته وَمن قطعهَا قطعته ".
فَنَقُول: وَمن صلَة الرَّحِم النَّفَقَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْقَرَابَة سَبَب استلحاق النّسَب وبعموم وصفهَا لَا يعْتَبر،
والنزاع فِي تعْيين الْقَيْد الشَّرْعِيّ شرطا مَعهَا أهوَ
الْحُرِّيَّة أم الرَّحِم.؟ وَالْحريَّة كَمَال قرَابَة لَهَا
مزِيد تَأْثِير فَهِيَ رحم وَزِيَادَة وَمَعَهَا اقتران بِموضع
الْإِجْمَاع معنى لَهُ مزِيد مُنَاسبَة لم يجز حذفه عَن
دَرَجَة الِاعْتِبَار.
لَهُم:
الرَّحِم قرَابَة تحرم القطيعة فتوجب صلَة الْإِنْفَاق، ويتأيد
بِتَحْرِيم النِّكَاح لما فِيهِ من الاستفراش وَالْجمع بَين
محرمين كَيْلا تحدث الْبغضَاء، وَلَا ننكر اخْتِصَاص
الْحُرِّيَّة بمزيد تَأْكِيد أوجب لَهُ النَّفَقَة مَعَ
اخْتِلَاف الدّين وَذَلِكَ لَا يمْنَع إِلْحَاق الرَّحِم بِهِ
كَالْإِرْثِ يقدم فِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مَعَ
الِاشْتِرَاك فِي أصل الْمِيرَاث
مَالك: لَا تجب على الْجد نَفَقَة، وَلَا تجب نَفَقَة الْأُم.
(4/346)
أَحْمد: تجب على الْوَارِث كالأخ وَابْنه
وَالْعم وَابْنه.
التكملة:
يتأيد مزِيد الْحُرِّيَّة بِإِيجَاب نَفَقَة المولودين.
وَاعْلَم أَنه يتعارض فِي الْمَسْأَلَة أصلان؛ لِأَنَّهُ
يحْتَمل أَن يُقَال: الأَصْل أَلا تجب نَفَقَة أحد على أحد،
فَإِن الْملك مَعْصُوم وفقر الْقَرِيب مرصد لَهُ بَيت المَال،
فَحَيْثُ وَجَبت النَّفَقَة لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع قبلنَا
وَبَقِي مَا عداهُ على الأَصْل، وَيحْتَمل أَن يُقَال: الأَصْل
نَفَقَة كل فَقير لكَون المَال مخلوقا للْمصَالح غير أَن ذَلِك
على الْإِطْلَاق لَا يُمكن فَأثْبت ضرب من الِاخْتِصَاص وَهُوَ
الْملك، فالفاضل عَن الْحَاجة لَا يحل مَنعه عَن حَاجَة
الْغَيْر فَحَيْثُ منع الْإِجْمَاع عَن الْأَجَانِب بَقِي فِي
الْأَقَارِب على الأَصْل، وَحَاصِل كَلَامهم الِاسْتِدْلَال
بِتَحْرِيم القطيعة على إِيجَاب الصِّلَة وَذَلِكَ فَاسد،
فَإِن القطيعة إِضْرَار والصلة نفع، وَلَيْسَ فِي وجوب كف
الْأَذَى مَا يُوجب احْتِمَال المؤونة كَمَا فِي حق جَمِيع
الْمُسلمين فثم دَرَجَة وسطى وَهِي أَلا ينفع وَلَا يضر،
وَتَحْرِيم النِّكَاح لَا يعقل مَعْنَاهُ، وَلَو تركنَا
وَالْقِيَاس لما اهتدينا إِلَيْهِ، وَلَا تقاس عَلَيْهِ
النَّفَقَة.
(4/347)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفح.)
نَفَقَة الزَّوْجَة.
الْمَذْهَب: تتقرر فِي الذِّمَّة وَلَا تسْقط بمرور الزَّمَان.
عِنْدهم: ف إِلَّا أَن يقررها الْحَاكِم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ... .
(4/348)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَال وَجب فِي الذِّمَّة، فَلَا يسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان
كالمهر والديون، ذَلِك لِأَن الْوَاجِب حق الْمَرْأَة،
وَالْأَصْل أَن الْحق الْمَعْصُوم لَا يسْقط دون الِاسْتِيفَاء
ومرور الزَّمَان يُنَاسب تَأْكِيد الْحُقُوق، وَالسَّبَب
الْحَبْس أَو تَفْوِيت مَنَافِع الزَّوْجَة على اخْتِلَاف
المذهبين وَقد تقررا بكمالهما فَلم يسْقط الْعِوَض.
لَهُم:
نَفَقَة لَا تقرر فِي الذِّمَّة كَنَفَقَة الْقَرِيب، ذَلِك
لِأَن الْوَاجِب كِفَايَة الْوَقْت والماضي تستحيل كِفَايَته
لتقضيه، نعم إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء تقرر؛ لِأَن فِيهِ
مشابة الأعواض لكَونه وَاجِبا فِي عقد مُعَاوضَة، وَنَفَقَة
الْقَرِيب مَحْض صلَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: رِوَايَتَانِ.
التكملة:
رُبمَا يتخيل أَن نَفَقَة الْقَرِيب تسْقط وَلَيْسَ كَذَلِك،
لَكِن بَقَاء وَاجِب الْيَوْم يمْنَع وجوب نَفَقَة غَد، فَإِن
شَرط وُجُوبهَا الْحَاجة وَهُوَ مستغن بِوَاجِب أمس الْبَاقِي
فِي ذمَّة الْقَرِيب، فَصَارَ كَمَا لَو اسْتَوْفَاهُ وَلم
يَأْكُلهُ، وكما لَو اسْتغنى
(4/349)
بدين لَهُ على غَيره بِخِلَاف الْمُتَنَازع
فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تشْتَرط فِيهِ الْحَاجة بل لَو كَانَت
غنية وَجَبت نَفَقَتهَا، وَالْفرق بَين النفقتين تقرر نَفَقَة
بِقَضَاء القَاضِي دون نَفَقَة الْقَرِيب، كَمَا قَالُوا:
كَيفَ توجبون الْقَضَاء وَهُوَ مَجْهُول الْقدر؟ ، قُلْنَا:
هُوَ متقدر عندنَا على الْمُوسر والمعسر تلقيا من الْكتاب
الْعَزِيز وَتَقْدِير طَعَام الْمَسَاكِين فِي الْكَفَّارَات.
(4/350)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَتَيْنِ: رفط:)
إِذا ارتضع الصَّبِي من ثدي ميتَة.
الْمَذْهَب: لم تثبت حُرْمَة الرَّضَاع. .
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... . .
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الرَّضَاع مَا أنبت
اللَّحْم "، وَهَذَا رضَاع.
(4/351)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة فَلَا يتَعَلَّق بلبنها
حُرْمَة الرَّضَاع كالبهيمة، ذَلِك؛ لِأَن الْأُخوة فِي
النّسَب وَالرّضَاع لسَبَب قرَابَة لاصقة بَينهمَا، وَإِنَّمَا
هِيَ فرع الأمومة، فَإِذا بطلت الأمومة بَطل مَا يتَعَلَّق
بهَا.
لَهُم:
نقيس على حَال الْحَيَاة، وَالْمُنَاسِب فِي الْجَمِيع أَن
منَاط حُرْمَة النّسَب وَالرّضَاع هِيَ الْجُزْئِيَّة،
وَذَلِكَ ثَابت بَين المرتضعين، وَمَوْت الْمَرْأَة لَا يفكها
عَن الْحُرْمَة، فَإِنَّهَا تبقى محلا لحل النّظر واللمس،
وَلَيْسَ اللَّبن للميتة، وَإِنَّمَا حصل حَال الْحَيَاة،
فَصَارَ كلبن فِي ظرف (نجس) .
(4/352)
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.
التكملة:
مُجَرّد وُصُول اللَّبن المغذي إِلَى جَوف الصَّبِي عديم
الْأَثر فِي الحكم، فَإِن جَمِيع الأغذية فِي مَعْنَاهُ وَلَا
حكم لَهَا فَلَا يتم الْكَلَام إِلَّا بِنِسْبَة اللَّبن إِلَى
صَاحب اللَّبن وتلقي الحكم مِنْهَا، وَلَا نسلم أَن اللَّبن
جُزْء لِأَن الْجُزْئِيَّة سَبَب التَّحْرِيم، وَإِن سلمنَا
فَلَيْسَتْ الْأُخوة جزئية لاصقة، أما إِذا حلب اللَّبن فِي
إِنَاء وَسقي الصَّبِي بعد موت الْمَرْأَة إِن ألزمونا هَذِه
الْمَسْأَلَة منعنَا منعا محتجا فِي الْمَذْهَب مأخذه
اسْتِحَالَة الأمومة.
(4/353)
(الْمَسْأَلَة التِّسْعُونَ بعد
الْمِائَتَيْنِ: رص.)
التخلي لنوافل الْعِبَادَة.
الْمَذْهَب: أفضل من النِّكَاح.
عِنْدهم: النِّكَاح أفضل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا} والحصور:
هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء مَعَ الْقُدْرَة، وَقَول
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أحب الْمُبَاحَات إِلَى
اللَّهِ النِّكَاح "؛ سَمَّاهُ مُبَاحا، وَقَوله: " ثوابك على
قدر نصبك "، وتعب الْعِبَادَة أَكثر.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم} ، وَقَول النَّبِي غ
= عَلَيْهِ السَّلَام:
(4/354)
" تناكحوا تكثروا " " وَيَا معشر الشَّبَاب
عَلَيْكُم بِالنِّكَاحِ، من تزوج فقد أحصن ثُلثي دينه "،
وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يواظب عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَراء:
زوجوني زوجوني لَا ألْقى اللَّهِ عزبا، فَإِن النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ ".
(4/355)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وجد سَبَب زِيَادَة الثَّوَاب فِي جَانب الْعِبَادَة فَوَجَبَ
أَن يكون ثَوَابهَا أَكثر، كل ذَلِك حث عَلَيْهَا فَفِي
النِّكَاح من دَعْوَى الطَّبْع مَا يَكْفِي فِي الْحَث
عَلَيْهِ.
لَهُم:
عقد تتَعَلَّق بِهِ مصَالح دينية ودنيوية، فَوَجَبَ أَن يكون
أولى من النَّوَافِل قِيَاسا على الْإِمَامَة وَالْقَضَاء فجهة
الْمصَالح الدِّينِيَّة مُتَابعَة الْأَمر وصون الْفرج
وَتَحْصِيل الْوَلَد من المصلحتين، والدنيوية الاعتضاد والسكن
وَغير ذَلِك.
مَالك:
أَحْمد:
(4/356)
التكملة:
الْأَوَامِر لَا تدل على الْوُجُوب مُطلقًا، بل بإزائها
أوَامِر بِالْعبَادَة، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيهَا
النَّاس اعبدوا ربكُم} ، {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس
إِلَّا ليعبدون} ثمَّ مَا ذكر من قيام الْغَرَض يحصل بالتواق،
وَكَذَلِكَ صون الْفرج يخَاف على التائق، وعَلى الْجُمْلَة
الْأَوْلَوِيَّة متعارضة وَرُبمَا كَانَت مُتَقَارِبَة لَكِن
إِذا حققنا جِهَة غير التائق كَانَت الْعِبَادَة أولى، فَإِن
النِّكَاح مَعَ مَا فِيهِ من الْمصَالح يُوقع أَيْضا فِي
مَحْظُورَات بِسَبَب اكْتِسَاب المَال والمداراة الَّتِي
رُبمَا لم يقم بهَا فَإِن حصل مصلحَة فقد فَاتَهُ مصَالح.
(4/357)
(صفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
(4/358)
|