تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (كتاب الْجِنَايَات)

(4/359)


(صفحة فارغة)

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .

(4/360)


(كتاب الْجِنَايَات)

(اللوحة رقم 70 من المخطوطة أ:)

مَسْأَلَة: الْمُسلم بالذمي مَبْنِيَّة على أَنَّهُمَا متفاوتان فِي الْعِصْمَة عندنَا، وَعِنْدهم متساويان، فَنَقُول أَولا فِي بَيَان الْعِصْمَة: إِنَّهَا معنى شَرْعِي مُقَدّر فِي الْمحل يَقْتَضِي صيانته بِقدر الْإِمْكَان، وَمن آثارها تَحْرِيم إِتْلَافه وتأثيم الْمُتْلف وَإِيجَاب الضَّمَان عَلَيْهِ وَالْقصاص، والخصم يعْتَقد أَن الْقصاص شرع زجرا فَهُوَ جَزَاء الْقَتْل عَاجلا كالعقوبة الأخروية، ومعتقدنا أَن الْقصاص أحد الضمانين ثمَّ الْكَفَّارَة، ونظن أَنَّهَا بدل الْمحل، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهَا تجب فِي الظِّهَار والحنث، وَلَيْسَ ثمَّ مَحل مَضْمُون وَإِنَّمَا وَقع هَذَا فِي الخيال من جَزَاء الصَّيْد، فَإِنَّهُ ينحى بِهِ نَحْو الْإِبْدَال وَقد يُسمى كَفَّارَة على الْحَقِيقَة شرعت لتمحو أثر الْفِعْل، فَإِن قيل: الْعِصْمَة عبارَة عَن الْمَنْع الشَّرْعِيّ من الْفِعْل وَذَلِكَ يعم قتل الْمُسلم وَالذِّمِّيّ على سَوَاء وَالْمعْنَى الْمُقدر فِي الْمحل

(4/361)


غير مَعْقُول، قُلْنَا المقدرات الشَّرْعِيَّة تعرف بأسبابها وآثارها كالملك الْمُقدر فِي الْمحل يعرف بِسَبَبِهِ وَهُوَ إِطْلَاق التَّصَرُّف فَإِن الْمُقدر فِي الْمحل يعرف بِسَبَبِهِ وَهُوَ البيع وأثره وَهُوَ إِطْلَاق التَّصَرُّف، فَإِن الْمُقدر الشَّرْعِيّ لَا يحسن، وَإِنَّمَا يعرف بمقتضيه وَمُقْتَضَاهُ كَذَلِك الْعِصْمَة، فَإِن الْمحل إِذا كَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم تَغَيَّرت أَحْكَامه حَتَّى ارْتبط بقتْله مَا لم يكن قبل وَحَال الْقَاتِل تخْتَلف بِكفْر الْمَقْتُول وإسلامه فَعرف أَن تغير الْأَحْكَام لاخْتِلَاف حَال الْمحل فالحال الْحَادِثَة منَاط هَذِه الْأَحْكَام وَهِي الْمُسَمَّاة عصمَة وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: " عصموا منى دِمَاءَهُمْ "، ثمَّ الْمحل مَعْصُوم فِي حق الصَّبِي، وَلَو كَانَت الْعِصْمَة خطابا للْفَاعِل لاستحالت فِي حق الصَّبِي، وَاعْلَم أَنه يَنْبَغِي للسَّائِل أَن يكْشف مَا يسْأَل عَنهُ ليَقَع الْجَواب بِحَسبِهِ، فَإِنَّهُ لَو قَالَ: مَا تَقول فِي النَّبِيذ؟ لم يحسن؛ لِأَنَّهُ لَا يعلم سُؤَاله عَن نَجَاسَته، أَو عَن حد شربه، أَو جَوَاز الْوضُوء بِهِ فَيَنْبَغِي للسَّائِل أَن يذكر مَقْصُوده من هَذِه المطالب وَلَا يُكَلف المسؤول استفساره، وَكَذَا لَا يَقُول بقتل الْمُسلم بالكافر لَكِن يخصص بالذمي وَقيل: إِن كَانَ المسؤول شافعيا صَحَّ لِأَن الْمُسلم لَا يقتل عِنْده

(4/362)


بالكافر أصلا، وَإِن كَانَ حنفيا لم يَصح، وَاعْلَم أَن حق الْمَعْطُوف أَن يُشَارك الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي أصل الحكم لَا فِي تفاصيله قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا وَآتُوهُمْ} عطف الإيتاء الْوَاجِب على الْكِتَابَة المستحبة، وَكَذَلِكَ قَوْله: {كلوا من ثمره} إِلَى أَن قَالَ: {وَآتوا حَقه} .
وَمن هَذَا النمط عطف الْمعَاهد على الْمُسلم؛ فَكَأَنَّهُ حرم قتل الْمُسلم إِذا قتل وَحرم قتل الْمعَاهد ابْتِدَاء، ثمَّ الْمعَاهد يُسمى نَادرا بِالْإِضَافَة إِلَى طبقَة الْكفَّار والمسمى النَّادِر يجوز أَن يخرج عَن عُمُوم اللَّفْظ إِلَّا أَن يقْتَصر عَلَيْهِ.
وَاعْلَم أَنه إِذا قتل حر كَافِر عبدا مُسلما لم يقتل، وَكَذَلِكَ لَو قتل عبد مُسلم حرا كَافِرًا، وَإِن قتل من نصفه حر وَنصفه عبد عبدا لم يقتل، فَإِن قتل من هُوَ مثله قيل: لَا يقتل أَيْضا وَفِيه نظر؛ لِأَن الْقصاص يَقع بَين الجملتين وهما سَوَاء.

(4/363)


(كتاب الْجِنَايَات)

(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصا.)

أيقتل الْمُسلم بالذمي؟
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَلنْ يَجْعَل اللَّهِ للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم وهم يَد على من سواهُم، أَلا لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر "، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .

(4/364)


(وَقَول عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ) إِشَارَة إِلَى مَا فِي الصَّحِيفَة: الْعقل، وفكاك الْأَسير، وَألا يقتل مُؤمن بِكَافِر.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} ، {وَمن قتل مَظْلُوما} وَهَذَا عَام يجْرِي على عُمُومه إِلَّا مَا خصّه الدَّلِيل، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: (" الْعمد قَود " وَكَونه عَلَيْهِ السَّلَام) أقاد مُسلما بذمي وَقَالَ: " أَنا أَحَق من وفى بِذِمَّتِهِ " جعل الْقود مَعْلُول الْوَفَاء بِالذِّمةِ، وَقَالَ: " وَلَا ذُو

(4/365)


عهد فِي عَهده " وَذَلِكَ يدل على أَن المُرَاد بالكافر فِي الْخَبَر الْمَشْهُور الْحَرْبِيّ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول.
لنا:
الْكفْر مُبِيح للدم والذمة حاظرة فقيام عين الْمُبِيح مَعَ اسْتِمْرَار الحاظر يَكْفِي شُبْهَة فِي دَرْء الْعقُوبَة، الدَّلِيل عَلَيْهِ قيام الْملك فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة وَفِي الْأُخْت من الرَّضَاع والمجوسية من كَونه يدْرَأ الْعقُوبَة وَالدَّلِيل على أَن الْكفْر مُبِيح كَونه أَعلَى الجرائم وَكَون الْقَتْل أَعلَى الْعُقُوبَات.
لَهُم:
دم الذِّمِّيّ مَضْمُون بالقود فِي الْجُمْلَة فضمن فِي حق الْمُسلم، دَلِيل كَونه مَضْمُونا بقتل الذِّمِّيّ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَن الْقصاص يعْتَمد الْأَهْلِيَّة والمحلية وَالسَّبَب، فلولا تَكَامل هَذِه الْأَشْيَاء مَا قتل بِهِ الذِّمِّيّ وَلَو كَانَ الْكفْر مبيحا لمنع طارية اسْتِيفَاء الْقصاص والتعدي إِلَى المَال فَلم يقطع الْمُسلم بِسَرِقَة مَال الذِّمِّيّ.
مَالك: ق.

(4/366)


أَحْمد: ق.
التكملة:
من الْمحَال حمل خبرنَا على الْحَرْبِيّ الَّذِي أمرنَا بقتاله وَقَتله، ووزانه قَوْلك: من صَامَ لَا يصلب وَمن زكى لَا يرْجم، وخبرهم يرويهِ الْبَيْلَمَانِي مُرْسلا، ويروى أَن الْمَقْتُول عبد اللَّهِ بن أُميَّة الضمرِي وَقد عَاشَ إِلَى عهد عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ ثمَّ لَو سلم لَهُم مَا يحملون الْخَبَر عَلَيْهِ فَأَي ضَرُورَة تلجئ إِلَى ذَلِك؟ وَمَا الْمَانِع من إجرائه على الْعُمُوم؟ وَمنع الْمُسَاوَاة بَين الْمُسلم وَالْكَافِر مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي أعظم الْأَشْيَاء وَهُوَ الْإِيمَان فالكفر إِذا سَبَب الإهدار إِمَّا بِنَفسِهِ أَو بِوَاسِطَة الحراب وَالْإِسْلَام سَبَب الْعِصْمَة للْمُسلمِ وَمِنْه تنشأ عصمَة الْكَافِر، قَوْلهم: الْإِسْلَام الطَّارِئ لَا يمْنَع قُلْنَا: هَذِه

(4/367)


الصُّورَة لَا نَص للشَّافِعِيّ فِيهَا فتمنع، وَأما الْقطع فِي السّرقَة، فاليد لَا تقطع فِي مُقَابلَة المَال كَيفَ وَالْمَال مَرْدُود وَالْيَد مَقْطُوعَة بل الْحَد وَاجِب لله تَعَالَى لكَون السّرقَة فَاحِشَة فِي نَفسهَا، ثمَّ يلْزمهُم يَد الْمُسلم تقطع بِسَرِقَة مَال الذِّمِّيَّة وَلَا تقطع يَده بِيَدِهَا فَدلَّ على أَن مَنْهَج قطع السّرقَة غير مَنْهَج قطع الْقصاص.
عبارَة: مَنْقُوص بالْكفْر فَلَا يقتل بِهِ الْمُسلم كالحربي، ذَلِك لِأَن الْقصاص يعْتَمد الْمُسَاوَاة وَمِنْه اسْمه وَاسم الْمُقْتَص، وَإِنَّمَا لم تعْتَبر الْمُسَاوَاة فِي الْعدَد والذكورية؛ لِأَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على ترك ذَلِك قَالَ عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ: " لَو تمالأ أهل صنعاء أقدتهم بِهِ " وَكَانَ ذَلِك لحكمة الردع والزجر.

(4/368)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصب.)

أيقتل الْحر بِالْعَبدِ؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ} ، فَظَاهره يَقْتَضِي أَلا يقتل حر بِعَبْد لَكِن قيل للتّنْبِيه، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يقتل حر بِعَبْد " قَالَ عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ: من السّنة أَلا يقتل حر بِعَبْد، وهم عمر بقتل مُسلم بذمي فَقَالَ لَهُ زيد: أتقتل أَخَاك بعبدك، وَهَذَا عبارَة عَن اتِّفَاق الصَّحَابَة.

(4/369)


لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من حرق حرقناه إِلَى قَوْله: وَمن قتل عَبده قَتَلْنَاهُ " دلّ هَذَا اللَّفْظ بتنبيهه أَن من قتل عبد غَيره قتل بطرِيق الأولى إِلَّا أَنه قَامَ الدَّلِيل على انتساخ الْمَنْطُوق بِهِ فَبَقيَ الْمَفْهُوم.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمُتْلف مَنْقُوص بِالرّقِّ فَلَا يُؤْخَذ بِهِ الْحر. الدَّلِيل عَلَيْهِ الْأَطْرَاف، ذَلِك لانتقاص النفسية بالمالية، وَالْقصاص يعْتَمد الْمُسَاوَاة وَالْعَبْد صَار مبتذلا ممتهنا كَالْبَهَائِمِ وَالْقصاص تَعْظِيم لحظر الْمحل، والآدمي خلق ليَكُون مستسخرا لَا مستحسرا وَالسَّيِّد يعتقهُ بوحده حكما كَالْأَبِ، يدل عَلَيْهِ أَن الْحر لَا يقتل بالمكاتب فبالعبد أولى.
لَهُم:
مَضْمُون بالقود فِي الْجُمْلَة فضمن بِحَق الْحر كَالْحرِّ بَيَان أَنه

(4/370)


مَضْمُون بالقود أَنه يقتل بِهِ عبد مثله فَلَو قدر مَانِعا فِي حق الْحر كَانَ الرّقّ. وَالرّق لَا يُورث شُبْهَة؛ لِأَنَّهُ لَو أورث شُبْهَة فِي الْمحل لما قتل العَبْد كَيفَ والقيمتان قائمتان فِي حَقه الموثمة وَهِي كَونه أدميا والمقومة بِالدَّار ثمَّ قبُول إِقْرَاره فِيمَا يُوجب سفك دَمه (دَلِيل على أَن دَمه لَهُ لَا لسَيِّده) .
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
لَيْسَ إِذا قتل العَبْد بِعَبْد مثله يدل على أَنه يقتل بِهِ الْحر، أَلا ترى أَن الْمَجُوسِيّ يتَزَوَّج مَجُوسِيَّة وَلَا يتَزَوَّج بهَا الْمُسلم، ونقول: العَبْد دم وَمَال بِدَلِيل بَيْعه ويلزمهم الطّرف أما قصد الْإِقْرَار فيؤاخذ بِهِ لِأَن مبناه على الصدْق وَانْتِفَاء التُّهْمَة، وَالسَّيِّد مُتَّهم فِي إِقْرَاره على العَبْد، ثمَّ لَو كَانَت الْمَالِيَّة زِيَادَة فِي الْمحل لأفردت الذِّمِّيَّة بِضَمَان، وَالَّذِي يدل على أَن محلية الْقصاص للسَّيِّد أَنه لَا ضَمَان على من أذن لَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ: نقيس النَّفس على الطّرف. فَإِن فرقوا بَينهمَا بِأَن الْكَفَّارَة تجب فِي النَّفس دون الطّرف.

(4/371)


فَالْجَوَاب: أَن الْكَفَّارَة قضيتها بعيدَة عَن الْقصاص وَلذَلِك لَا تثبت عِنْدهم فِي الْعمد وَتثبت فِي الْخَطَأ وَالدَّم هُوَ الْفَائِت فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَتجب فِي الظِّهَار كَمَا تجب فِي الْقَتْل، وَعِنْدنَا لَا فرق بَين الطّرف وَالنَّفس، وكما نقْتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ نقطع أَطْرَافهم بطرفه، وَلَو تصور فِي النَّفس مَا يتَصَوَّر فِي الطّرف من الشلل وَزِيَادَة الإصبع لمنعنا الْقصاص مَعَ التَّفَاوُت وَحَيْثُ نتخيل زِيَادَة تمنع الْقصاص وَذَلِكَ من حق الْحَامِل.

(4/372)


(صفحة فارغة)

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .

(4/373)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصج.)

بِمَاذَا يضمن العَبْد إِذا قتل؟ .
الْمَذْهَب: بِقِيمَة مَا بلغت.
عِنْدهم: إِن زَادَت على دِيَة الْحر ردَّتْ إِلَيْهَا وَنقص عشرَة دَرَاهِم، وَفِي الْأمة خَمْسَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... . .
لَهُم: ... ... ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَاجِب هُوَ الْقيمَة فَيَنْبَغِي أَن تبلغ مَا بلغت كالبهيمة؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ دِيَة

(4/374)


لوَجَبَ الْمَعْهُود، والذمية أصل فِي القوام، والمالية أصل فِي نظر الشَّرْع، وهب أَن الْوَاجِب بدل نفس إِلَّا أَنه بدل معياره الْمَالِيَّة بِدَلِيل الْقَلِيل الْقيمَة.
لَهُم:
الْمُغَلب جَانب الذِّمِّيَّة وَلَا يُزَاد على دِيَة الْحر، لِأَن فِي العَبْد ذِمِّيَّة ومالية والمالية تَابِعَة للذمية، وَجعل الْوَاجِب فِي مُقَابلَة الأمثل أولى؛ سِيمَا وَالسَّبَب هُوَ الْقَتْل وَهُوَ فعل يحل الْحَيَاة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الدَّلِيل على أَن الْوَاجِب سلك بِهِ مَسْلَك الْبَدَل عَن المَال، وَأَن النَّفس تطلب قيمتهَا وانعمرت بالمالية أُمُور، مِنْهَا: أَن العَبْد إِذا قتل قبل الْقَبْض فِي البيع لم يَنْفَسِخ، وَلَو مَاتَ انْفَسَخ، وَلَو وَجَبت الْقيمَة بَدَلا عَن النَّفس وَالنَّفس لَيست مَالا فقد فَاتَت الْمَالِيَّة الَّتِي هِيَ مورد العقد فَوَجَبَ أَن تبطل.
وَمِنْهَا أَن العَبْد الْمَرْهُون إِذا قتل جعل بدله رهنا وَحقّ الْمُرْتَهن لَا يتَعَلَّق

(4/375)


إِلَّا بمالية.
وَمِنْهَا: أَن السَّيِّد لَو قتل العَبْد الْمَرْهُون غرم للْمُرْتَهن، والمالية فَاتَت عِنْدهم تَابِعَة لفَوَات الْأَطْرَاف كفوات الْبضْع عِنْد قتل المراة، وَمَا فَاتَ تَابعا لَا ضَمَان لَهُ، وَالْقَتْل تصرف فِي النَّفس وَلَيْسَت مَالا، وَمن الْعجب أَنهم قَالُوا: السَّيِّد يضمنهُ بأقصى قِيمَته وَلَو زَادَت على دِيَة الْحر، وَالْأَجْنَبِيّ لَا يضمنهُ للْمُرْتَهن إِلَّا بِدُونِ دِيَة الْحر.
وَمِنْهَا: أَن حول التِّجَارَة لَا يَنْقَطِع بقتل العَبْد بل يسْتَمر على قِيمَته.
وَمِنْهَا: أَن الْبَدَل مَصْرُوف إِلَى السَّيِّد.
كل هَذِه شَوَاهِد على تَغْلِيب الْمَالِيَّة.

(4/376)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصد.)

إِذا اشْترك جمَاعَة فِي قطع يَد.
الْمَذْهَب: قطعُوا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... . .
لَهُم: ... ... ... ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَا صين بِالْقصاصِ عَن الْمُنْفَرد بِالْجِنَايَةِ صين عَن المشتركين فِي الْجِنَايَة

(4/377)


كالنفس، ذَلِك لِاتِّفَاق النَّفس والطرف فِي منَاط الْقصاص، فَأَي معنى قدر فِي النَّفس يُوجب الْقصاص فَمثله فِي الطّرف.
لَهُم:
الْقصاص جَزَاء الْعدوان وَهُوَ مُقَيّد بِالْمثلِ وَإِذا قَطعنَا يدين بيد لم تحصل الْمُمَاثلَة، وَذَلِكَ لِأَن الْقطع يتَجَزَّأ، وكما لَا يقطع يَد بيدين لَا تقطع يدين بيد، وَإِنَّمَا قتلنَا الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ لِأَن الْقَتْل لَا يتَجَزَّأ، وَلَا أثر عَن عمر، ثمَّ إِذا كَانَت الصَّحِيحَة لَا تُؤْخَذ بالشلا وَهُوَ فَوَات وصف ففوات الْعدَد أولى.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
حَاصِل النّظر التَّفْرِقَة وَالْجمع بَين النَّفس والطرف فَنَقُول: أحد

(4/378)


موجبي التفويت فالطرف الْمَعْصُوم تساوى النَّفس فِيهِ كالموجب الثَّانِي، ذَلِك لِأَن التفويت فِي الْمَوْضِعَيْنِ يُوجب تَارَة الْقصاص وَتارَة الدِّيَة، وَقد اسْتَويَا فِي الدِّيَة فِي حالتي الْإِفْرَاد والاجتماع، كَذَا فِي الْقصاص فالديتان تتوزع على الْجَمَاعَة وكأنا نستدل بِإِحْدَى النتيجتين على الْأُخْرَى.
فَإِن قَالُوا: النَّفس لَا تتجزأ، قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّد فَلَا ينْسب إِلَى كل وَاحِد على الْكَمَال، ثمَّ نقُول: الْيَد مركبة من أَجزَاء لَا تتجزأ وَقد فعل الْجَمِيع فِي كل جُزْء فعلا وَاحِدًا فَهُوَ بِمَثَابَة النَّفس ونقول: النَّفس تتجزأ استحقاقا، وَإِن لم تتجزأ ذاتا ثمَّ إِن عنيتم أَن الصَّادِر من كل وَاحِد قطع بعض الْيَد فَمَمْنُوع، وَإِن عنيتم أَنه بعض قطع الْيَد فَمُسلم، وَإِن قطع الْبَعْض مَعْنَاهُ أَنه يَنْقَطِع بِفعل أَحدهمَا غير مَا يَنْقَطِع بِفعل الآخر وَبَعض الْقطع هُوَ أَن يجْتَمع الْأَفْعَال وَيكون الْجَمِيع قطعا وَاحِدًا، لِأَن الْقطع عبارَة عَمَّا يحصل بِهِ الِانْقِطَاع فالقطع مُتحد ضَرُورَة اتِّحَاد الْمحل.

(4/379)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصه.)

هَل يقتل الْوَاحِد بِالْجَمَاعَة قصاصا؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ...
لَهُم: ... ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْجَمَاعَة أَمْثَال الْوَاحِد، فَلَا يقابلهم، لِأَن الضَّمَان إِمَّا أَن يكون مُقَابلَة

(4/380)


الْفِعْل وَلم يتقاوما، لِأَن الْمَوْجُود قتل وَاحِد وَالنَّفس الْوَاحِدَة لَا تحْتَمل إِلَّا قتلا وَاحِدًا والمستغرق بآحاد الْحُقُوق لَا يتَأَدَّى بِهِ الْجَمِيع قِيَاسا للنَّفس على الطّرف.
لَهُم:
الْجَمَاعَة يقتلُون بِالْوَاحِدِ فَقتل بِالْجَمَاعَة، دَلِيل الْمُمَاثلَة قَتلهمْ بِهِ، وَذَلِكَ أَن الْوَاحِد إِذا قتل عشر قتلات فَإِذا قَتله عشرَة فقد وجد فِيهِ عشر قتلات وَحَقِيقَة الْقَتْل جرح يتعقبه زهوق الرّوح.
مَالك: ف.
أَحْمد: إِن طلبُوا الْقصاص قتل بهم وَإِلَّا بِمن طلب.
التكملة:
الاجتزاء بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمِيع لَا يَقع، وَلَو بَادر أحد الْأَوْلِيَاء وَقتل كَانَ مُسْتَوْفيا حَقه فَثَبت أَن الْقَاتِل لَا يَتَّسِع لأكْثر من قتل وَاحِد؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِيهِ زِيَادَة للَزِمَ الْوَلِيّ الْمُنْفَرد لأَجلهَا شَيْء فَنَقُول: مَا يتَأَدَّى بِهِ حق الْآحَاد لَا يتَأَدَّى بِهِ حق الْجَمِيع كالطرف، وَلَا فرق بَين النَّفس والطرف فِي منَاط الْقصاص وَيدل على أصل الْقَاعِدَة أَن شريك الخاطئ بِالْإِجْمَاع وَشريك

(4/381)


الْأَب عِنْدهم لَا قصاص عَلَيْهِمَا، وَلَو كَانَ قتلا كَامِلا مَا امْتنع عَنْهُمَا الْقصاص فَإِن ألزمونا تعدد الْكَفَّارَة على شُرَكَاء الْقَتْل منعنَا، ثمَّ من عَلَيْهِ قصاص وحد زنى يقتل قصاصا وَلَو كَانَ فِيهِ وَفَاء بالحقين قتل بهما، قَوْلهم: حد الْقَتْل جرح يتعقبه زهوق الرّوح بَاطِل بِمَا لَو جرح زيد فزهقت نفس عَمْرو وَهَذَا جرح يعقبه زهوق الرّوح، فَإِن قيل: أردنَا بِهِ روح الْمَجْرُوح لزم مَا لَو جرح وحز الرَّقَبَة، فَإِن قَالُوا: نُرِيد زهوق روح الْمَجْرُوح بِالْجرْحِ، قُلْنَا: فهاهنا لَا يتَحَقَّق فَإِنَّهُ يُمكن أَن يكون الزهوق بِالْجرْحِ الآخر.

(4/382)


(اللوحة 71 من المخطوطة أ:)

الْعمد: أَن يقْصد ضربه بِمَا يقتل غَالِبا.
الْخَطَأ: أَن لَا يَقْصِدهُ مثل الَّذِي يَرْمِي فَيُصِيب إنْسَانا.
شبه الْعمد: أَن يَقْصِدهُ لَكِن بِمَا لَا يقتل غَالِبا.
وَاعْلَم أَن الدِّيَة الْمُغَلَّظَة تجب فِي الْعمد وَشبهه، والمخففة فِي الْخَطَأ، فالمغلظة ل 30 حَقه ل 30 جَذَعَة م 40 حوامل، قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: كه 25 بنت مَخَاض كه 25 بنت لبون كه 25 حَقه كه 25 جَذَعَة، وَتجب فِي الْعمد الْمَحْض فِي (مَال الْقَاتِل) حَالَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد، قَالَ الْخصم: تجب مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين.
وَاعْلَم أَن دِيَة الْخَطَأ تتغلظ بِالْقَتْلِ فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو كَانَ ذَا رحم محرم من النّسَب خلافًا لَهُم ولمالك، وَالْمَدينَة على القَوْل الْجَدِيد

(4/383)


لَا يحرم صيدها فَلَا تغلظ فِيهَا الدِّيَة.
وَاعْلَم أَن دِيَة الخطا ك (20) بنت مَخَاض ك (20) ابْن لبون ك (20) حَقه، ك (20) جَذَعَة. إِن أعوزت الْإِبِل اخْتلف قَول الشَّافِعِي؛ قَالَ فِي الْقَدِيم: على أهل الذَّهَب غ / 1000 / دِينَار، وعَلى أهل الْوَرق 12000 دِرْهَم، وَبِه قَالَ مَالك، وَفِي الْجَدِيد: إِذا أعوزت الْإِبِل رَجَعَ إِلَى قيمتهَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز الْعُدُول إِلَى النَّقْدَيْنِ مَعَ وجود الْإِبِل. وَالدية عِنْد أبي حنيفَة يغ 10000 دِرْهَم، وَتجب دِيَة شبه الْعمد على الْعَاقِلَة مُؤَجّلَة ثَلَاث سِنِين.
إِذا قتل الزَّوْج زَوجته وَله مِنْهَا ابْن يَرِثهَا لم يجب الْقصاص.

(4/384)


أَبَوَانِ لَهما ابْنَانِ قتل أَحدهمَا الْأَب وَقتل الآخر الْأُم وَجب الْقصاص على قَاتل الْأُم لِأَن قَاتل الْأَب ورث الْقصاص عَلَيْهِ أمه وَالْأَخ فَلَمَّا قتل الْأَخ الْأُم يَرِثهَا وورثها قَاتل الْأَب، فانتقل الْقصاص إِلَيْهِ فَسقط وَيسْقط حق شريكها إِلَى سَبْعَة أَثمَان الدِّيَة لِأَن حَقّهَا الثّمن.
أَربع أخوة قتل الثَّانِي الْكَبِير، وَقتل الثَّالِث الصَّغِير، وَجب الْقصاص على قَاتل الْكَبِير.
إِذا قطعت امْرَأَة يَد رجل فَقطع يَدهَا ثمَّ مَاتَ فلوليه الْقصاص، فَإِن عَفا على مَال فعلى أحد الْوَجْهَيْنِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة، لِأَن دِيَة يَد الْمَرْأَة نصف دِيَة يَد الرجل، وَالثَّانِي: نصف الدِّيَة اعْتِبَارا بيد الرجل فَلَو قطعت يَدَيْهِ فَقطع يَديهَا ثمَّ مَاتَ فعلى أحد الْوَجْهَيْنِ: الْعَفو على نصف الدِّيَة وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الْعَفو؛ لِأَنَّهُ استوفى بدل يَده وَقيمتهَا الْكَامِلَة فَلَو قطعت يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَقطع يَديهَا ورجليها ثمَّ مَاتَ واندمل جرحها فلولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْقصاص وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو على مَال وَجها وَاحِدًا لِأَن قيمَة يَديهَا

(4/385)


ورجليها دِيَة الرجل.
وَاعْلَم أَن الدِّيَة لَا تتغلظ عِنْدهم بِالْقَتْلِ فِي الْحرم، ومعتمدنا قَضَاء عمر وَعُثْمَان رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا فِي امراة قتلت فِي المطاف بالأقدام وإيجابهم ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم: سِتَّة آلَاف للدية وألفين للحرم، وَقَول الصَّحَابِيّ إِذا خَالف الْقيَاس دلّ على نَص سَمعه من الرَّسُول فَالْآن كلما يذكرهُ الْخصم من قِيَاس فَهُوَ حجَّة لنا؛ لِأَن الصَّحَابِيّ مَا خَالفه إِلَّا اتكالا على نَص سَمعه، فَإِن ألزمونا ابْن عَبَّاس غلظ الدِّيَة مرَّتَيْنِ بسببين، قُلْنَا: ذَلِك قِيَاس فَإِنَّهُ اعْتقد أَن تعدد الْأَسْبَاب يُوجب تعدد الْأَحْكَام فَلَا نقلده فِي هَذَا الْقيَاس.

(4/386)


(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصو.)

الْقَتْل بالمثقل.
الْمَذْهَب: يُوجب الْقصاص.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عمومات الْكتاب الْعَزِيز فِي قتل الْقَاتِل بالمقتول، وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْعمد قَود " وَقَوله: " من حرق حرقناه " وَرُوِيَ أَن يَهُودِيّا رضخ رَأس جَارِيَة فَأمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن يرضح رَأس الْيَهُودِيّ بَين حجرين.

(4/387)


لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد} . قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أَلا إِن فِي قَتِيل عمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصا مائَة من الْإِبِل "، وَقَالَ: " كل شَيْء خطأ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَلَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَلَا قَود إِلَّا بحديد ".
لنا:
قتل عمد مَحْض، بَيَان الْقَتْل أَن من صلب شخصا أَو حرقه فقد قَتله،

(4/388)


وَالْقَتْل مَأْخُوذ من الْكسر يُقَال: قتلت الْخمر، والعمدية ظَاهِرَة، وَآلَة الشَّيْء مَا يصلح لَهُ وَيحصل بِهِ، والمثقل صَالح للْقَتْل وتخريب الْبَاطِن وَقد وجد.
لَهُم:
قتل تمكنت الشُّبْهَة مِنْهُ فَلَا يُوجب الْقصاص، ذَلِك لِأَن الشُّبْهَة فِي الْآلَة أَن المثقل لَيْسَ آله الْقَتْل حَيْثُ لم يخلق لَهُ وَالْقَتْل تخريب البنية ظَاهرا وَبَاطنا، فَأَما زهوق الرّوح فَلَيْسَ إِلَيْنَا.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن جَحَدُوا العمدية قُلْنَا: الشَّرْع أمرنَا برجم الزَّانِي ويستحيل أَن نتعبد بالْخَطَأ أَو بِشُبْهَة على أَنا لَا نحتاج إِلَى تَقْرِير أَن هَذَا عمد فتقرير

(4/389)


الضروريات يخفيها، فَإِن قَالُوا: الْقصاص مَنُوط بِصُورَة الْجرْح فَإِن الْعمد لَا اطلَاع عَلَيْهِ، وَلذَلِك علق على غرز الإبرة إِن لم يعقب فِي الْمحل ورما شَدِيدا لم يُوجب الْقصاص، والمرجع فِي هَذَا إِلَى الْعَادَات، وَالْعرْف فِي الْعمد أَنه كل فعل قصد بِهِ عين الشَّخْص وَعلم حُصُول الْمَوْت بِهِ قطعا، وحد شُبْهَة الْعمد مَا لم يعلم قطعا أَن الْمَوْت حَاصِل بِهِ، فَإِن قَالُوا: الْآلَة غير معدة للْقَتْل بَطل بِالْقِيَاسِ والمثبت وَفِيمَا صَارُوا إِلَيْهِ خرم قَاعِدَة الْقصاص، فَإِن النَّاس إِذا علمُوا أَنهم لَا يقتلُون بِالْقَتْلِ بالمثقل فَعَلُوهُ ذَرِيعَة إِلَى الْفساد ودرء الْعقُوبَة عَنْهُم ويلزمهم أَن يَحْنَث لَو حلف مَا قتلت وَأَن الْكَفَّارَة تجب بِهَذَا الْقَتْل، وَأما حَدِيثهمْ (فمتروك الظَّاهِر فَإِن قَتِيل) الْعَصَا لَو كَانَ مجروحا وَجب الْقصاص فَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ مَا جرت بِهِ الْعَادة

(4/390)


من التَّأْدِيب.

(4/391)


(صفحة فارغة)

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .

(4/392)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصز.)

مُوجب الْعمد فِي القَوْل الْمَنْصُور.
الْمَذْهَب: أحد أَمريْن إِمَّا الْقصاص وَإِمَّا الدِّيَة.
عِنْدهم: الْقصاص هُوَ الْوَاجِب.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " ثمَّ أَنْتُم يَا خُزَاعَة قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل وَأَنا وَالله عَاقِلَة، فَمن قتل بعده قَتِيلا فأهله بَين خيرتين إِن أَحبُّوا قتلوا وَإِن أَحبُّوا أخذُوا الْعقل "، جعل الْخيرَة إِلَى الْأَوْلِيَاء.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص ... ... . .} الْآيَة، أوجب الْقصاص نصا فَمن زَاد الدِّيَة فقد نسخ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم ... ... . .}

(4/393)


الْآيَة وَقَالَ: {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} ، وَقَالَ: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عين معصومة مَضْمُونَة فتضمن بِالْمَالِ كَسَائِر الْأَعْيَان، لِأَن الْوَاجِب حق آدَمِيّ، وَهُوَ مَبْنِيّ على التَّحْصِيل لَا التفويت والتحصيل بِالْمَالِ، أما الْقصاص فَزِيَادَة تَفْوِيت إِلَّا أَنه بدل توقيفي للتشفي فَلَا يمْنَع الْبَدَل القياسي فَثَبت التَّخْيِير بِتَعَدُّد الْمَقْصد وَسقط الْجمع لِاتِّحَاد الْمَضْمُون.
لَهُم:
عدوان مَحْض فَلَا يُوجب المَال قِيَاسا على الزِّنَى وَلَا شكّ فِي العدوانية وضمانها مُقَيّد بِالْمثلِ بِدَلِيل الْآيَة وَالْعدْل يَقْتَضِي ذَلِك، وَمن أتلف مثلهَا لزمَه مثله لَا يمْتَنع وَالنَّفس مثل النَّفس وَالْقَتْل كَالْقَتْلِ فَإِن تحمل الْأَمَانَة يشْتَرك فِيهَا الْقَاتِل والمقتول وَلها خلقا فقد قدر على اسْتِيفَاء جنس حَقه بِكَمَالِهِ فَلَا يعدل عَنهُ.
مَالك: رِوَايَتَانِ؟ .

(4/394)


أَحْمد: ق.
التكملة:
عبارَة: عوضان مُخْتَلِفَانِ اسْتَويَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّبَب فَيُخَير الْمُسْتَحق بَينهمَا كَمَا لَو كَانَ رَأس الشاج أَصْغَر من رَأس المشجوج، ونقول: الْآدَمِيّ نفس من وَجه؛ لِأَنَّهُ مستعد لاستعمال الْأَشْيَاء، مَال من وَجه؛ لِأَنَّهُ مستعد أَن يسْتَعْمل فَالدِّيَة بدله من حَيْثُ هُوَ مَال وبدله لَهُ أَو لخليفته فالأدلة أَوْلَوِيَّة نفس الْجَانِي أَو المَال، وَمعنى حُصُول الشَّيْء للْإنْسَان أَن يتَمَكَّن من التَّصَرُّف فِيهِ نَحْو مَا جرت بِهِ الْعَادة تَارَة بالتحصيل كالتجارة وَتارَة بالتفويت كوقود الْحَطب، وَالْقصاص من هَذَا الْقَبِيل، قَوْلهم: هُوَ عدوان إِن أَرَادوا بِهِ أَنه مُخَالفَة الْأَمر فَمَا وَجب الضَّمَان لذَلِك بِدَلِيل بَقَاء التَّحْرِيم بعد إِبَاحَة الْإِنْسَان نَفسه، فَإِن أَرَادوا بِهِ تَعَديا على الْغَيْر فَمُسلم، ونسلم أَنه مُقَيّد بِالْمثلِ، وَلَكِن بِالْمثلِ الْمُمكن لَا الْمُطلق، قَوْله تَعَالَى: {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم} ، ورد فِي تَحْرِيم الْقَتْل فِي الْأَشْهر الْحرم، وَقَوله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} لَا يمس مَقْصُود الْمَسْأَلَة لأَنا لَا نسلم أَن الْقصاص وَالدية جزاءان بل عوضان.

(4/395)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصح.)

الْمُكْره على الْقَتْل.
الْمَذْهَب: يلْزمه الْقصاص فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: لَا يلْزمه وَهُوَ القَوْل الآخر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا} ، وَالْمرَاد هَاهُنَا بالسلطان بالِاتِّفَاقِ سلطنة الْقَتْل.

(4/396)


لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ "، وَمَعْلُوم أَنه لم يرد صُورَة الْفِعْل وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ رفع حكمه
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْقَتْل بعد الْإِكْرَاه كَالْقَتْلِ قبل الْإِكْرَاه فِي الْمَعْنى الْمُقْتَضِي لإِيجَاب الْقصاص؛ لِأَن الْقَتْل أوجب بِكَوْنِهِ عمدا مَحْضا محرما وَقد وجد دَلِيل الجرم التأثيم، وَرُبمَا قسنا على الْمُضْطَر فِي المخمصة إِذا قتل مَعْصُوما وَأكله، وَإِن كَانَ فِيهِ منع نقلنا الْكَلَام إِلَيْهِ.
لَهُم:
قَتله دفعا لشر الْإِكْرَاه فَلَا يلْزمه الْقصاص، كَمَا لَو قتل الْمُكْره لِأَن فعل الْمُكْره انْتقل إِلَيْهِ وَصَارَ الْمُكْره آلَة لَهُ. وَدَلِيل انْتِقَال الْفِعْل: نَقله عِنْد إِتْلَاف المَال فَوَجَبَ الضَّمَان على الْمُكْره، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَو تَركه وطبعه لم يفعل

(4/397)


وَصَارَ كالسهم.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
لَا نزاع فِي أَنه قَاتل، وَالْقَتْل عبارَة عَن حَرَكَة حَادِثَة فِي مَحل الْقُدْرَة مَوْقُوفَة على إِرَادَة الْفَاعِل، يدل عَلَيْهِ أَن الزِّنَى وَالْقَتْل يحرمان على الْمُكْره، وَشرب الْخمر، وَإِتْلَاف المَال يجبان عَلَيْهِ، وَكلمَة الرِّدَّة تُبَاح لَهُ، وَالْحكم لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِفعل فَاعل مُخْتَار، وكل فعل تسبقه دَاعِيَة من النَّفس والدواعي تخْتَلف، فَإِن زادوا فِي حد الْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص الِاخْتِيَار (قُلْنَا: اعْتِبَار صفة الِاخْتِيَار) بِنَاء على أَن الْقصاص عُقُوبَة تستدعي جِنَايَة وَالْقصاص عندنَا عوض فَلَا يَسْتَدْعِي إِلَّا إِتْلَاف نفس

(4/398)


مَعْصُوم. نعم، لم يجب على الْمُخطئ (لِأَن جِهَة العوضية فِيهِ للتشفي) ، وَلَا يعقل التشفي من الخاطئ، وَلَو سلمنَا أَنه عُقُوبَة فالجناية من الْمُكْره متكاملة، وَالْمَشَقَّة إِذا لم تنف التَّكْلِيف لَا توجب تَخْفيف الْجِنَايَة كَمَا لَو فر من الصَّفّ، وَوُجُوب الْقصاص لَيْسَ بِاعْتِبَار تَحْرِيم الْفِعْل فَلَا يكون الْمُبِيح شُبْهَة، ثمَّ الْإِكْرَاه لَا يُبِيح الْقَتْل وَإِيجَاب الْقصاص على الْمُكْره؛ لِأَنَّهُ قَاتل بِجِهَة أُخْرَى.

(4/399)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: رصط.)

شُهُود الْقصاص إِذا رجعُوا وَقَالُوا: تعمدنا قتل هَذَا الْمَعْصُوم وَقد قتل.
الْمَذْهَب: وَجب عَلَيْهِم الْقصاص.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
شهد رجلَانِ عِنْد عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ على رجل بِالسَّرقَةِ ثمَّ رجعا وَقَالا: أَخْطَأنَا، السَّارِق غَيره فَقَالَ: " لَو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما " علق الْقطع على التعمد فَيَنْبَغِي إِذا وجد أَن يجب.
لَهُم: ... ... ... ... . .

(4/400)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قَتله فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقود وَذَلِكَ لوُجُوب الدِّيَة الْمُغَلَّظَة عَلَيْهِم؛ وَلِأَنَّهُم أهدروا دم الْمَشْهُود عَلَيْهِ وحركة اللِّسَان إِذا أفضت إِلَى الْقَتْل كحركة الْيَد وَالسَّبَب الْقوي ينزل منزلَة الْمُبَاشرَة، وَالْقَتْل مَوْجُود مِنْهُم إِمَّا حكما وَإِمَّا حَقِيقَة.
لَهُم:
الْقَتْل مُبَاشرَة (جُزْء الْفِعْل) مُبَاشرَة وَلم يُوجد ذَلِك؛ لِأَنَّهُ جَزَاء الْعدوان، وَالْمَوْجُود مِنْهُم إِيجَاب فَكيف يجازون عَلَيْهِ بالإيجاد؟ وقصارى مَا نقدر أَنهم مكنوا مِنْهُم كالممسك وَكَمن رفع (جنَّة المتترس) .
مَالك:
أَحْمد:

(4/401)


التكملة:
نسوى بَينهم وَبَين الْمُكْره، وَمَا قَتله بِحكم الْقَتْل بل بِحكم السَّبَب، وَلذَلِك لَو وَقع الْقَتْل خطأ، وَالسَّبَب عَامِد كَمَا لَو خيل إِلَى إِنْسَان أَن بَين يَدَيْهِ صيدا وأكرهه على الرَّمْي، فَكَانَ آدَمِيًّا، قتل الْعَامِد الْمُكْره، وَالدَّلِيل على أَن السَّبَب سَبَب: ملقي الْحَيَّة ومشلي الْأسد.
عبارَة: أحد موجبي التفويت فنيط بِشَهَادَة الزُّور قِيَاسا للْقصَاص على الدِّيَة الْمُغَلَّظَة، لِأَن الْقصاص ضَمَان الْمحل كالدية والتفويت الْحكمِي كالحسي بِدَلِيل الْأَمْوَال، أما لَو عَادوا قبل الْقَتْل فَمَا فوتوا الْعِصْمَة، وَلَو مَاتَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ، فَمَا فَاتَ بِجِهَة تفويتهم، وَيدل عَلَيْهِ انْتِفَاء الدِّيَة فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ.

(4/402)


(الْمَسْأَلَة الثلاثمائة: ش.)

إِذا ثَبت الْقصاص بَين صغَار وكبار.
الْمَذْهَب: لم يكن للكبار الِانْفِرَاد باستيفائه.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل: من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ...
لَهُم:
قصَّة ابْن ملجم، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .

(4/403)


وَقَتله الْحسن رَضِي اللَّهِ عَنهُ قصاصا وَفِي الْوَرَثَة صغَار وكبار وَلم ينكروا ذَلِك فَكَانَ إِجْمَاعًا، قَالَ الشَّافِعِي: إِن ابْن ملجم قتل عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ متأولا فأقيد بِهِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حق مُشْتَرك بَين جمَاعَة فَلَا يجوز لأَحَدهم أَن ينْفَرد باستيفائه كَسَائِر الْحُقُوق، وَإِذا انْفَرد الْكَبِير فقد استوفى حَقه وَحقّ الصَّغِير وَلَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ، وَحقّ الْقصاص يثبت للمقتول يثبت للمقتول لِأَن سَببه وجد فِي حَقه، وَالْقصاص أحد الْبَدَلَيْنِ فَالدِّيَة تثبت لَهُ ثمَّ لوَرثَته كَذَلِك الْقصاص.
لَهُم:
حق لَا يتَجَزَّأ ثَبت بِسَبَب لَا يتَجَزَّأ، فَثَبت لكل وَاحِد على الْكَمَال، بَيَان عدم التجزئ أَنه لَا يتَجَزَّأ اسْتِيفَاء، فَلَا يتَجَزَّأ ثبوتا، فَإِذا اسْتَوْفَاهُ، فقد استوفى حَقه، فَلم يبْق للْآخر حق لفَوَات مَحل الْحق وَسَببه الْقَرَابَة وَهِي كَامِلَة ثمَّ هُوَ من جنس الولايات وَهِي للكبار فَهِيَ (كولاية النِّكَاح) .

(4/404)


مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
التكملة:
طَريقَة السَّمْعَانِيّ نسلم أَن الْحق لكل وَاحِد كَامِل غير أَنه بِكُل حَال مُتحد والمتحد إِذا أضيف جمعه إِلَى زيد خلا مِنْهُ عَمْرو، فَإِذا انْفَرد باستيفائه جمع مَعَ احْتِمَال إِضَافَته إِلَى شَرِيكه ثَبت شُبْهَة عدم الِاسْتِحْقَاق فمنعت الِاسْتِيفَاء الدَّلِيل عَلَيْهِ إِذا عَفا بعض الْوَرَثَة أَو كَانَ بَين حَاضر وغائب، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْفِيه الْحَاضِر خيفة أَن يَسْتَوْفِي حَقًا سَاقِطا ليوهم عَفْو الْغَائِب، وَأما قتل ابْن ملجم؛ لِأَنَّهُ يسْعَى فِي الأَرْض فَسَادًا، وَلَعَلَّ اجْتِهَاد الْحسن رَضِي اللَّهِ عَنهُ أدّى إِلَى ذَلِك، وَالْحَاصِل أَن الْقصاص عوض قَابل للتجزي، وَالْوَرَثَة يستحقونه إِرْثا، وَالصَّبِيّ أهل لاستحقاقه، فَيلْزم بِهَذِهِ الْمُقدمَات أَنه شريك الْكَبِير، والخصم يُنَازع فِي الْجَمِيع

(4/405)


ونقسيس الْقصاص على الدِّيَة، فَإِنَّهَا تثبت لَهُم بِالْوَجْهِ الَّذِي ثَبت بِهِ الْقصاص، وَالدَّلِيل على التجزئة العَبْد الْمُشْتَرك إِذا قتل فَإِن الْقصاص لمَالِكه وَتفرد عَفْو أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي نصِيبه، ثمَّ أَهْلِيَّة الصَّبِي ظَاهِرَة بِدَلِيل أَنه يسْتَحق الدِّيَة، وَأما إِنْكَار الْإِرْث فِيهِ فمحال بِدَلِيل أَنه ثَبت للْوَارِث وتمنعه مَوَانِع الْإِرْث.

(4/406)


(اللوحة 72 من المخطوطة أ:)

" الشجاج الَّتِي قبل الْمُوَضّحَة لَيْسَ فِيهَا قصاص وَلَا تَقْدِير، والموضحة فِيهَا الْقصاص وأرشها خمس من الْإِبِل نصف عشر الدِّيَة وَمَا دونهَا لَا قصاص فِيهِ لَكِن أرش مُقَدّر، وَفِي الهاشمة عشر أبل، وَفِي المنقلة خَمْسَة عشر، والآمة ثلث الدِّيَة؛ لِأَنَّهَا جَائِفَة، وَكَذَلِكَ الدامغة "، فَإِذا كَانَت الشَّجَّة فَوق الْمُوَضّحَة كَانَ فِيهَا الْقصاص فِي الْمُوَضّحَة وَأخذ أرش مَا بَقِي، فَفِي الهاشمة مُوضحَة وَخمْس من الْإِبِل، والمنقلة مُوضحَة وَعشر إبل، وَفِي الآمة يقْتَصّ مُوضحَة وَيَأْخُذ الْبَاقِي.
وَاعْلَم أَنه إِذا استوفى قطع الْيَد بِآلَة مَسْمُومَة فسرى السم إِلَى النَّفس فقد مَاتَ من سببين: الْقطع والسم، وَالْقطع غير مَضْمُون فَيجب عَلَيْهِ نصف الدِّيَة.
وَاعْلَم أَن فِي الْمُوَضّحَة إِن كَانَت فِي غير الرَّأْس وَالْوَجْه فَفِيهَا الْقصاص، وَلَا يجب الْمُقدر بل حُكُومَة، وَإِذا رَمَاه بِسَهْم فأنفذه فهما جائفتان فيهمَا ثلثا الدِّيَة.
وَاعْلَم أَن إذهاب الْبكارَة لَيست جَائِفَة، فَإِن كَانَت أمة وَجب مَا نقصت وَإِن كَانَت حرَّة فَفِيهَا حُكُومَة، وَإِن كَانَ بِوَطْء إِكْرَاه فالمهر والحكومة، وَإِذا

(4/407)


قطع أذنية فَذهب سَمعه فديتان، لِأَن مَنْفَعَة السّمع لَيست فِي الْأذن، وَهُوَ كَمَا لَو قطع أَنفه فَذهب شمه، بِخِلَاف اللِّسَان فَإِن مَنْفَعَة الْكَلَام فِيهِ.
وَاعْلَم أَن فِي الْعقل الدِّيَة، فَإِن كَانَ يجن يَوْمًا وَيَوْما فَنصف الدِّيَة وبحسابه وَفِي الأجفان الْأَرْبَعَة الدِّيَة، إِذا استؤصلت الشّعْر فِي العوالي ثلثا الدِّيَة، وَفِي الأسفلين الثُّلُث، فِي الْأَهْدَاب الْحُكُومَة، إِن قطع الجفون مَعَ الْأَهْدَاب فَفِيهَا وَجْهَان: أَحدهمَا الدِّيَة حسب لِأَن الشّعْر إِذا كَانَ على الْعُضْو تبعه فِي الضَّمَان، وَالثَّانِي: تجب الْحُكُومَة فِي الشّعْر، وَفِي الْأنف الدِّيَة، وَهِي فِي المارن مِنْهُ، وَهُوَ مارق دون القصبة.
إِن جنى على لِسَانه فَأذْهب بعض كَلَامه وزع الدِّيَة على الْحُرُوف وَهِي 28 قَالَ الاصطخري: الِاعْتِبَار بحروف اللِّسَان، وَفِي كل سنّ خمس من الْإِبِل فَإِن زَادَت على عشْرين فَفِيهَا وَجْهَان: أَحدهمَا تجب الدِّيَة وَلَا يُزَاد عَلَيْهَا، وَالثَّانِي تجب فِيهَا حَتَّى لب (32) سنا، وحد الْيَد من الْكُوع، قَالَ قوم: من الْمرْفق، وَفِي أُصْبُعه عشر من الْإِبِل، وَفِي أُنْمُلَة ثَلَاث وَثلث وَفِي أُنْمُلَة الْإِبْهَام خمس.

(4/408)


وَاعْلَم أَن الدِّيَة فِي قدم الْأَعْرَج وَيَد الأعسم.
وَاعْلَم أَن فِي ثدي الرجل حُكُومَة، وَفِي ثدي الْمَرْأَة الدِّيَة فَإِن صَارَت جَائِفَة فَالدِّيَة وَثلثا الدِّيَة هَذَا فِي الْمَرْأَة.
وَاعْلَم أَن فِي الضلع جملا، إِذا اصطدم الفارسان فماتا فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة صَاحبه.
مَسْأَلَة: يقطع طرف العَبْد بِطرف العَبْد خلافًا لَهُم، لنا أَن كل شَخْصَيْنِ جرى الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس جرى الْقصاص بَينهمَا فِي الطّرف السَّلِيم كالحرين، وَلَا يمْنَع من ذَلِك أَن تَسَاوِي الحرين فِي الْأَطْرَاف مَقْطُوع بِهِ شرعا بِخِلَاف الْعَبْدَيْنِ؛ لأَنا فِي عبد قَلِيل الْقيمَة نقطع يَد عبد كثير الْقيمَة، وَأخذ النَّاقِص بالكامل جَائِز.

(4/409)


(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة بعد الثلاثمائة: شا.)

إِذا قطع يَمِيني رجلَيْنِ.
الْمَذْهَب: يقطع بِمن بَدَأَ بِهِ وبمن لَهُ الْقرعَة إِن قطعهمَا مَعًا، وَللْآخر الدِّيَة.
عِنْدهم: يقطع بهما، ونؤخذ الدِّيَة لَهما فِي الصُّورَتَيْنِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ...
لَهُم: ... ... ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
بعض الْيَد لَا تسْتَحقّ قصاصا ابْتِدَاء فَلَا تسْتَحقّ إِيفَاء، فَإِنَّهُ لَو قطع

(4/410)


بعض يَد لم تقطع بعض يَده، وَالْمحل مَشْغُول بِحَق الأول لَا يَتَّسِع للثَّانِي أَو لكل وَاحِد لَا بِعَيْنِه، فَيتَعَيَّن بِالْقُرْعَةِ وَالْمحل مَمْلُوك للمستقص بِدَلِيل أَنه يعْفُو ويعارض. لَهُم: اسْتَويَا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق فاستويا فِي الِاسْتِحْقَاق كالشفعاء وَالْوَرَثَة لِأَن الِاسْتِحْقَاق فرع على سَببه، وَالْقصاص إِبَاحَة فعل فِي الْمحل لَا أَنه يملكهُ بِدَلِيل أَن ضَمَان يَد الْجَانِي لَو قطعهَا أَجْنَبِي للجاني لَا للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، وَحكم هَذَا وَحكم الدِّيات كَحكم الْمُبَاحَات إِنَّمَا يملك بالحيازة.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
عبارَة: مَحل وَاحِد فَلَا يضمن بِالْقصاصِ وَالدية لشخص وَاحِد كالنفس وَالْحكم مجمع عَلَيْهِ فِي النَّفس فعندنا يقتل بأحدهم وَتُؤْخَذ الدِّيَة

(4/411)


للباقين، وَعِنْدهم يقتل بِالْجَمِيعِ، وَالْعلَّة أَن الْقصاص وَالدية عوضان مُخْتَلِفَانِ، ونسلم الاسْتوَاء فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق، وتوزع الْيَد فِي ذَاتهَا لَكِن لَا نسلم توزعها فِي الِاسْتِيفَاء فَإِن كل جُزْء لَا يتَجَزَّأ تأثر بِفعل الْجَمِيع فَلم يُمكن أَن يُضَاف الْبَعْض إِلَى أحدهم والصادر من كل وَاحِد بعض الْقطع لَا قطع الْبَعْض كَمَا تقدم.
ونقول: الْآدَمِيّ خلق مَعْصُوما أَو عصم بِسَبَب فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون سَقَطت عصمته لِمَعْنى فِيهِ، وَلَو كَانَ كَذَلِك كَانَ لكل أحد قَتله كالزاني الْمُحصن، فَبَقيَ أَنه سَقَطت عصمته، لِأَن ذمَّة الْمَمْلُوك للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، فَإِذا ملكه الأول لم يَتَّسِع للْبَاقِي، فَإِن الْمَبِيع لَا يُبَاع.

(4/412)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بعد الثلثمائة: شب.)

شريك الْأَب.
الْمَذْهَب: يجب عَلَيْهِ الْقصاص.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
ظواهر النُّصُوص الدَّالَّة على إِيجَاب الْقصاص فِي الْعَامِد، وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} دَلِيل على أَن كل وَاحِد يُؤَاخذ بِفِعْلِهِ لَا بِفعل شَرِيكه.
لَهُم: ... ... ... ...

(4/413)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تمّ السَّبَب فِي الشَّرِيك فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقصاص بِدَلِيل قيام السَّبَب مَا لَو كَانَ الشَّرِيك أَجْنَبِيّا، فَإِن الْقود يجب وَمَا وَجب بِفعل غَيره، وَسبب الْوُجُوب الْقَتْل الْعمد، وَقد وجد مِنْهُمَا، نعم، تعذر اسْتِيفَاء الْقصاص من الْأَب لأمر يعود إِلَيْهِ، فَصَارَ كَمَا لَو رميا إِلَى إِنْسَان فَقبل الْإِصَابَة مَاتَ أَحدهمَا.
لَهُم:
زهقت الرّوح بفعلين: أَحدهمَا مُوجب وَالْآخر غير مُوجب، فَلَا يجب كشريك الخاطئ، لِأَن هَذِه شُبْهَة تسْقط لإيجاد الْقَتْل والمقتول فالقتل الْمَوْجُود من أَحدهمَا هُوَ الْقَتْل الْمَوْجُود من الآخر فَيكون عين مَا يُوجب عين مَا لَا يُوجب هَذَا محَال، وَدَلِيل عدم الْوُجُوب على الْأَب حُرْمَة الْأُبُوَّة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.

(4/414)


التكملة:
يبْحَث عَن وَجه اعْتِبَار السَّبَب حَالَة الِاشْتِرَاك فَنَقُول: سَبَب الْقصاص أَو الدِّيَة هُوَ الْقَتْل إِجْمَاعًا، إِذْ هُوَ مُتحد بِدَلِيل اتِّحَاد الْأَثر وَالْمحل وَقد صدر هَذَا الْوَاحِد مِنْهُمَا على معنى أَن مَجْمُوع الْفِعْل صَار قتلا وَاحِدًا فالصادر من كل وَاحِد بعض مَا صَار قتلا، وَدَعوى كَمَال الْقَتْل من كل وَاحِد مِنْهُمَا بَاطِل وَلَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ الْقصاص على شريك المخطىء، واتحاد الْمحل بعد كَمَال الجنايتين لَا يُورث شُبْهَة كقذف شَخْصَيْنِ لشخص، أَو زنيتين بِامْرَأَة، فالسبب الْكَامِل لابد مِنْهُ فِي حق كل وَاحِد وَصَارَ كالإيجاب وَالْقَبُول لعقدين، فإضافة الْقَتْل إِلَى كل وَاحِد على تَقْدِير صُدُور الْفِعْل مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَن تكون جَمِيع الْأَفْعَال بِحَيْثُ لَو صدرت من هَذَا الَّذِي يُوجب عَلَيْهِ الْقصاص لوَجَبَ وَلَا يَسْتَدْعِي إِلَّا العمدية والعدوانية، وَإِمَّا أَن يمْنَع امْتنَاع وجوب الْقود على الْأَب، بل نقُول: وَجب وَسقط كَمَا لَو اشْترى أَبَاهُ أَو سلم اندفاعه بعد انْعِقَاد سَببه أَو اندفاعه مُطلقًا لَكِن لِمَعْنى فِي الْفَاعِل لَا

(4/415)


فِي الْفِعْل، بِخِلَاف الخاطئ فَإِن الْخلَل فِي الْفِعْل فَلهَذَا يُوصف بِهِ فَيُقَال: قتل خطأ.

(4/416)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة بعد الثلثمائة: شج.)

سرَايَة الْقصاص.
الْمَذْهَب: مهدرة.
عِنْدهم: مَضْمُونَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... . .
لَهُم: ... ... ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:

(4/417)


قطع مَشْرُوع فَلَا تكون سرايته مَضْمُونَة كَقطع السّرقَة، بَيَان ذَلِك أَن قطع الْيَد حَقه، فَلَا يجب بِاسْتِيفَاء حَقه ضَمَان عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ على الْإِطْلَاق بِغَيْر شَرط، والسراية لَيست فعله، فَلَا يُكَلف عدمهَا، والاحتراز عَنْهَا غير مُمكن فقد تلفت نَفسه فِي الْوَفَاء بِمُوجب الْجِنَايَة فَهدر كالسارق.
لَهُم:
قتل بِغَيْر حق فَيكون مَضْمُونا، دَلِيل الدَّعْوَى أَن الْقَتْل قد وجد وَلَا يخْتَلف بِكَوْن الْفِعْل مَأْذُونا فِيهِ كالمضطر فِي المخمصة، فَإِنَّهُ مَأْذُون فِي تنَاول مَال الْغَيْر وَيضمن، فالإذن يسْقط الْإِثْم لَا الضَّمَان فَإِن الْمحل مَعْصُوم وَحقه فِيهِ الْقطع لَا الْقَتْل.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْمَوْجُود مِنْهُ الْقطع حَقِيقَة، فَإِنَّهُ إبانة الْمفصل وَبِأَن صَار قتلا لَا يُخرجهُ عَن كَونه قطعا فَإِن الْقطع أَعم من الْقَتْل وَيُؤْخَذ فِي حَده فَهُوَ بالحيوانية مَعَ

(4/418)


الإنسانية، يدل عَلَيْهِ أَن من ادّعى أَن فلَانا قطع يَد عَبدِي وَشهد لَهُ أحد الشَّاهِدين بِأَنَّهُ قطع وَشهد الآخر بِأَنَّهُ قتل لم يثبت دَعْوَاهُ، وَلَو شهد الآخر بِأَنَّهُ قطع وسرى ثَبت الْقطع، وَلَو كَانَت السَّرَايَة تبطل كَونه قطعا لبطلت الشَّهَادَة كالصورة الأولى، وَمُطلق الْقَتْل لَيْسَ سَببا للضَّمَان بِدَلِيل قتل الإِمَام للسارق وَالزَّانِي وَكَذَلِكَ الصَّائِل.
وَبِالْجُمْلَةِ كل فعل كَانَ مُسْتَحقّ الْإِيقَاع فِي الْمحل إِذا سرى كَانَت النَّفس مهدرة، وَلَيْسَ الْفِعْل ذَا جِهَتَيْنِ قطع وَقتل، بل فعل وَاحِد لَهُ وصفان خَاص وعام، فَإِذا أثبتنا حكما بأخص وَصفيه فقد أثبتنا الْأَعَمّ.
ثمَّ الهاشمة: وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم.

(4/419)


ثمَّ المنقلة: وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم وتنقل مِنْهُ مَا رق.
ثمَّ الآمة: وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس، وَهِي المأمومة أَيْضا، وَأم الرَّأْس هِيَ الخريطة الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغ، وَقيل: هِيَ الدامغة، وَقيل: الدامغة الَّتِي تخسف الدِّمَاغ وَلَا حَيَاة بعْدهَا. وَقد ذكرت الدامعة بعد الدامية؛ لِأَنَّهَا تَدْمَع بَعْدَمَا دميت، والموضحة أَن تقرع الْعظم بالمرود إِن كَانَت من الْجَسَد.

(4/420)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة بعد الثلثمائة: شدّ.)

الْمُمَاثلَة فِي جِهَة اسْتِيفَاء الْقصاص.
الْمَذْهَب: مُعْتَبرَة.
عِنْدهم: لَا تعْتَبر ويقتصر على السَّيْف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رُوِيَ أَن يَهُودِيّا رضخ رَأس جَارِيَة من الْأَنْصَار فرضخ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأس الْيَهُودِيّ بَين حجرين، ونتمسك بقوله تَعَالَى: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} ، وَقَوله: {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} .
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَلَا قَود إِلَّا بحديدة ".

(4/421)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَاجِب يُسمى باسم الْقصاص وَهُوَ يُنبئ عَن الْمُمَاثلَة؛ لِأَنَّهُ من اقتصاص الْأَثر، وكما تعْتَبر الْمُمَاثلَة فِي الأَصْل تعْتَبر فِي الْوَصْف.
لَهُم:
الْقطع إِذا سرى صَار قتلا وَسقط حكم الطّرف، دَلِيله قتل الْخَطَأ، فَإِنَّهُ إِذا قطع يَده وسرت وَجب عَلَيْهِ الدِّيَة وَسقط أرش الْيَد فقد تعدى عَلَيْهِ بِجرح قَاتل، فَلَا يسْتَوْجب إِلَّا الْقَتْل، لِأَن الْقطع الساري قتل من أَوله.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
الْحَاصِل أَن كلا يَدعِي أَن الْمُمَاثلَة فِي الْقصاص متحققة فِي مذْهبه، فَنحْن ندعي أَنا نقابل الْفِعْل بِالْفِعْلِ، وهم يدعونَ أَنا لَو فعلنَا ذَلِك وَلم يمت احتجنا إِلَى حز رقبته، وَهَذِه زِيَادَة على الْفِعْل، فَنَقُول: الْقَتْل

(4/422)


حصل بِالسّرَايَةِ وَهُوَ أَشد من قتل الصَّبْر، فَلَا يحصل بِهِ تَمام التشفي، وتوقع الزِّيَادَة فِي ثَانِي الْحَال لَا يمْنَع اعْتِبَار الْمُمَاثلَة، فَإنَّا نقطع طرف الْقَاطِع مَعَ إِمْكَان السَّرَايَة، وَأما الْجَائِفَة، وأمثالها إِذا لم (تسر لم نعتمدها فَكَذَلِك) إِذا سرت، وَإِنَّمَا جَازَ للْوَلِيّ الْعُدُول إِلَى حز الرَّقَبَة لكَونه أخف.
وَبِالْجُمْلَةِ: الرَّقَبَة أحد الْأَطْرَاف وَالْمَقْصُود الْقَتْل فَمن أَي طرف (حصل كَانَ) .

(4/423)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة بعد الثلثمائة: شه.)

مُسْتَحقّ الْقصاص فِي النَّفس إِذا قطع الطّرف وَعَفا عَن النَّفس.
الْمَذْهَب: لم يلْزمه أرش الْيَد سَوَاء وقف الْقطع أَو سرى.
عِنْدهم: إِن وقف ضمن، وَإِن سرى لَا يضمن، وَالضَّمان بِالدِّيَةِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... . .
لَهُم: ... ... ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
يَد قطعت على وَجه الإهدار فطريان العاصم لَا يرد ذَلِك مَضْمُونا

(4/424)


كالمرتد، قد استوفى بعض حَقه وَأسْقط الْبَعْض، فَلَا يلْزمه الضَّمَان، كَمَا لَو اسْتحق الْقصاص فِي الطّرف فَقطع أُنْمُلَة وَعَفا ذَلِك، لِأَن النَّفس هَذِه الْجُمْلَة يدل عَلَيْهِ أَنه لَو شهد لَهُ بِالْقصاصِ فَقطع الطّرف ثمَّ عَاد الشَّاهِد ضمن وَلَوْلَا أَنه أثبت حَقًا فِي الطّرف لما ضمن.
لَهُم:
تعدى بِقطع الطّرف فضمنه كَمَا لَو قطعه ابْتِدَاء، ذَلِك لِأَن الْقطع غير الْقَتْل، وَلَو أَن من لَهُ الْقصاص طَالب من عَلَيْهِ الْقصاص بِأَن يُمكنهُ من قطع يَده لم يلْزمه ذَلِك، وَلَو أَن شَفِيع شقص ذِي شجر قطع بعض الشّجر وَنزل عَن الشُّفْعَة ضمن الشّجر، وَلَو لم ينزل لم يضمن.
مَالك: يجب على الْوَلِيّ الْقصاص فِي الْيَد.
أَحْمد: تلْزمهُ الدِّيَة عَفا أَو لم يعف.
التكملة:
مَسْأَلَة الْمُرْتَد لَازمه لَهُم، وَلَا فرق بَينهَا وَبَين مَسْأَلَتنَا إِلَّا فِي أَن الْمُرْتَد مهدر على الْعُمُوم، وَهَذَا على الْخُصُوص لمستحق الْقصاص، ثمَّ لَو كَانَ مَعْصُوما لوَجَبَ الضَّمَان، وَإِن حز الرَّقَبَة بعده، وآكد من ذَلِك إِذا اندمل وحز بعد ذَلِك، وَالْيَد عنْدكُمْ معصومة، وَإِنَّمَا لم تهدر لضَرُورَة الِاتِّصَال بِالْبدنِ عِنْد الْقَتْل، وَهَاهُنَا هِيَ غير مُتَّصِلَة فَهُوَ كَمَا لَو قطعه أَجْنَبِي لم يكن

(4/425)


لصَاحب قصاص النَّفس أَن يضمنهُ، يدل عَلَيْهِ أَنه لَو قطع طرف إِنْسَان ثمَّ اسْتحق نَفسه لم يسْقط ضَمَان الْقطع، وَقد صَارَت الْيَد إِلَى حَالَة لَو بقيت لَكَانَ يستوفيها وَلَكِن لما قطع وَبَقِي على حكم الْعِصْمَة لم يُؤثر فِيهِ مَا طرا، وَأما مَسْأَلَة الشُّفْعَة لَا نسلم بل يجب الضَّمَان بِكُل حَال، وَإِن سلم، فَهُوَ مُخَيّر فِي طَرِيق الضَّمَان؛ لِأَنَّهُ إِذا بدل الثّمن بِالثّمن بدل جَمِيع الدَّار بأجزائها، وَقد أثبت لَهُ الشَّارِع هَذِه الْخيرَة أَن يضمن بِالْقيمَةِ إِن لم يَأْخُذ وبالثمن أَن أَخذ، وَبِالْجُمْلَةِ: الْقطع وَاقع على وَجه الإهدار فَلَا يعود مَضْمُونا.

(4/426)


(اللوحة 73 من المخطوطة أ:)

مَا دون أرش الْمُوَضّحَة يضْرب على الْعَاقِلَة خلافًا لَهُ، فَنَقُول:
ضرب الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَإِن كَانَ على خلاف الْقيَاس، فقد الْمَعْنى الْمُقْتَضِي للاستيفاء وَالْخلاف فِي تَعْيِينه فَاعْتقد الْخصم أَن الْمَعْنى فِيهِ التَّخْفِيف فِي حق القاتلين؛ لأَنهم كَانُوا أحلاس السِّلَاح فَكثر وُقُوع الْقَتْل الْخَطَأ بَينهم فَلَو ضرب الْجَمِيع على الخاطئ لكفوا عَن حمل السِّلَاح وبادت الْحَوْزَة بذلك فَضرب بعض الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَهَذَا مَذْهَبهم، وَهَذَا الْمَعْنى يَقْتَضِي تحمل الدِّيَة عِنْد كَثْرَة المَال، إِمَّا إِذا قل فَلَا يثقل على الْجَانِي، وَالتَّقْدِير أخذناه من الشَّرْع فِي الْجَنِين، وَذَلِكَ خمس إبل فَهُوَ أول الْكَثْرَة، وَإِمَّا معتقدنا فَهُوَ أَن تحمل الْعَاقِلَة لشرف الْقَتْل مُبَالغَة فِي صَوته، وَلَا يخفى أَن المَال الْمَضْرُوب على الْجَمَاعَة أنص وَلم يضْرب على الْجَانِي لتتحد جِهَة الْوُجُوب وجهة الِاسْتِيفَاء وَهَذَا المعني ضرب الْكل على الْعَاقِلَة كَثِيرَة وقليلة، وَمَا تخيلوه لَا يَنْتَظِم، فَإِن الْقلَّة وَالْكَثْرَة تخْتَلف باخْتلَاف الْغنى والفقر، ثمَّ الْقَلِيل إِذا توالى صَار كثيرا، ثمَّ نسألهم عَن الضَّابِط فَإِن قَالُوا: كل قَلِيل يبْقى عَلَيْهِ وكل كثير يضْرب عَلَيْهِم، بَطل لما ذَكرْنَاهُ من اخْتِلَاف الْقلَّة وَالْكَثْرَة

(4/427)


بالأشخاص.
فَإِن قَالُوا: أقل مُقَدّر شرعا، بَطل بدية أُنْمُلَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُم لَا يرَوْنَ تحمل ذَلِك، فَإِن قَالُوا: بدل النَّفس يتَحَمَّل وَمَا دونه فَلَا يبطل بِبَعِير وَاحِد تجب قيمَة عبد، فَإِن قَالُوا: هُوَ بدل نفس نصا، قُلْنَا: بَاطِل بِأَرْش الْمُوَضّحَة، فَإِن قَالُوا: هُوَ مثل بدل النَّفس، بَطل بجراحة توجب بَعِيرًا فَإِنَّهُ مثل بدل نفس العَبْد، فَلَا يسْتَقرّ قدمهم فِي مقَام التَّقْدِير.
مَسْأَلَة: يجرى الْقصاص بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي الْأَطْرَاف خلافًا لَهُم.
لنا: أَن كل قصاص ثَبت بَين الذُّكُور ثَبت بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث كالنفس، وَلَا أثر لقصورهن عَن رُتْبَة الْعَدَالَة، فالعدل يقاص الْفَاسِق وَاخْتِلَاف الْمَنَافِع لَا عِبْرَة بِهِ وَالْمكَاتب يقاص الْحر، وَإِنَّمَا لم يقطع الْيَمين باليسار لاختلافهما نوعا، ثمَّ تبطل بيد الأعسر تعْمل عمل الْيَمين وَلَا تقطع بهَا.
مَسْأَلَة: إِذا حبس صَغِيرا فِي بَيت فلدغه حَيَوَان فَمَاتَ لَا يضمنهُ

(4/428)


خلافًا لَهُم. لنا: هُوَ أَن مَا لَا يضمنهُ إِذا مَاتَ حتف أَنفه لَا يضمنهُ إِذا مَاتَ لديغا كَالْوَدِيعَةِ وَالْحر الْكَبِير، ونفرض فِي حر حبس فِي بَيت مظلم بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الِاحْتِرَاز عَن الْحَيَوَان، وَيُفَارق حفر الْبِئْر، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِير وَالْكَبِير.
مَسْأَلَة: إِذا مَاتَ الْقَاتِل وَجَبت الدِّيَة للْوَلِيّ خلافًا لَهُم، وَالْفِقْه فِيهِ أَن الْقود حق ثَابت يسْقط بِرِضا صَاحبه فَإِذا مَاتَ رَجَعَ إِلَى الْبَدَل كَمَا لَو عَفا أحد الشَّرِيكَيْنِ.
مَسْأَلَة: إِذا قطع يَد رجل ذَات خَمْسَة أَصَابِع وَيَد الْقَاطِع ذَات أَرْبَعَة أَصَابِع فالمقطوع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ اقْتصّ وَأخذ أرش الإصبع وَإِن شَاءَ عَفا وَأخذ دِيَة الْيَد. قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن شَاءَ أَخذ الدِّيَة، وَإِن شَاءَ اقْتصّ وَلَا يَأْخُذ الْأَرْش. لنا أَن الإصبع مَقْصُودَة بِالْقصاصِ وَالْأَرْش، فَإِذا وَجب الْقصاص عِنْد وجوده وَجب الْأَرْش عِنْد عَدمه كَمَا لَو قطع أصبعين لرجل وللقاطع أَحدهمَا، وَالِاعْتِبَار باسيتفاء الْحق لَا بِوَضْع السكين حَيْثُ وَضعهَا الْجَانِي.

(4/429)


(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة بعد الثلثمائة: شو.)

إِذا قطع أَحدهمَا من الْكُوع وَالْآخر من الْمرْفق.
الْمَذْهَب: وَجب الْقصاص عَلَيْهِمَا.
عِنْدهم: يجب على الثَّانِي دون الأول.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ... .

(4/430)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
اشْتَركَا فِي سَبَب الْقصاص مُوجب الْقصاص عَلَيْهِمَا كَمَا لَو اخْتلف الْمحل، ذَلِك لِأَن السَّبَب هُوَ الْجرْح المفضي إِلَى الزهوق، وَإِنَّمَا صَار سَببا لما يحدث من الْأَلَم، ولاشك أَن الأول ضعفت بِهِ الرّوح حَتَّى لَا تحمل قفل الثَّانِي.
لَهُم:
الْقَاتِل هُوَ الثَّانِي فَلَزِمَهُ الْقصاص كَمَا لَو قطع الأول الْيَد وحز الثَّانِي الرَّقَبَة ذَلِك لِأَن الْفِعْل الأول انْعَدم بانعدام مَحَله، وَلِهَذَا يعالج اللدغ بقلع مَحل اللدغة، يدل عَلَيْهِ مَا لَو اندمل الْموضع وَقطع الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَا يقتل الأول وَإِن كَانَ أثر الْأَلَم بَاقِيا.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
حَاز الرَّقَبَة مَا قتل بتراكم الْأَلَم بل بِفعل جَدِيد مُسْتَقل، أما هَاهُنَا فَالْأول نزف من الدَّم مَا أَوْهَى بِهِ الْقُوَّة فضعفت الْأَعْضَاء لذَلِك، ثمَّ هَذَا الْجَارِح

(4/431)


الثَّانِي أضَاف ألما إِلَى ألم فزهقت النَّفس بالفعلين وَهَذَا مَعْرُوف من مجاري الْعَادَات، وَكَذَلِكَ نقُول: بعد الِانْدِمَال إِن كَانَ بِحَيْثُ يُمكن إِضَافَة الْمَوْت إِلَى الأول وكما أَن الأول غير مُسْتَقل فَالثَّانِي غير مُسْتَقل.

(4/432)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة بعد الثلثمائة: شز.)

مُبَاح الدَّم إِذا التجأ إِلَى الْحرم.
الْمَذْهَب: لَا يعصمه.
عِنْدهم: يعصمه (وَلَكِن ألجئ إِلَى الْإِخْرَاج) .
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بخربة وَلَا دم ".
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا ... ...} الْآيَة، والأمن إِنَّمَا يكون للخائف، وَقَوله تَعَالَى: {وَمن دخله كَانَ آمنا} إِشَارَة لى من

(4/433)


يعقل.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وجد سَبَب الْقَتْل وَوَجَب فاستوفى كالطرف، فَلَو منع مَانع كَانَ لحُرْمَة الْحرم وَلَا يجوز أَن يكون مَانِعا، لأَنا إِنَّمَا نستوفي بِإِذن اللَّهِ حق اللَّهِ أَو حق عَبده وَطَاعَة أَمر اللَّهِ تَعْظِيمًا لله.
لَهُم:
الْحرم بقْعَة جليلة ميزت عَن سَائِر الْبِقَاع بِالْإِضَافَة إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذا أفادت الملتجئ أَمَانًا كَانَ مناسبا، اعْتبر ذَلِك بِالشَّاهِدِ من دور الْمُلُوك وَلذَلِك يعْصم الصَّيْد فالآدمي أولى؛ لِأَن الْإِبَاحَة فِي الْآدَمِيّ عارضة، وَفِي الصَّيْد أَصْلِيَّة، وَإِنَّمَا لم يعْصم الطّرف لأَنا ننحو بِهِ نَحْو الْأَمْوَال، وَلم يعْصم من قتل فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خرق الْحُرْمَة.
مَالك: ق.
أَحْمد:

(4/434)


التكملة:
نَحن لَا نمْنَع أَن للحرم حُرْمَة غير أَن الْحق الثَّابِت يُنَاسب إِطْلَاق الِاسْتِيفَاء وَلَو قتل فِي الْحرم وَقع مُسْتَحقّا بِلَا خلاف، وَلَا يَأْثَم المستوفي للْقَتْل من حَيْثُ إِنَّه استوفى حَقه، نعم يَأْثَم بهتك الْحُرْمَة كالمصلي فِي دَار مَغْصُوبَة، وَكَذَلِكَ الْحَامِل الجانية يمْتَنع قَتلهَا لَا لأجل اسْتِيفَاء الْقصاص، بل لمَكَان الْوَلَد، فَمن اشْتغل بِإِثْبَات قيام الْحق وَجَوَاز الِاسْتِيفَاء وَنفي الْإِثْم كَانَ عادلا عَن نهج الْكَلَام، فالإنصاف أَن هَذَا يقتل اجْتمع فِيهِ مَعْنيانِ: مُطلق ومانع، فعصمه النُّفُوس مُطلقَة والبقعة مَانِعَة، لَكنا نرجح الْإِطْلَاق لِأَن حق العَبْد شرع لنفعه ومصلحته، وَالله تَعَالَى مستغن عَن الْحُقُوق، وَحقّ العَبْد مبْنى على الشُّح، وَحقّ اللَّهِ على المساهلة، فتقديم حق العَبْد لِحَاجَتِهِ لَا لشرفه، ويتأيد بِمن اجْتمع عَلَيْهِ قصاص وحد، فَإِنَّهُ يقدم الْقصاص، وَأما الصَّيْد، فَلَا حق فِيهِ لأحد قبل الْحِيَازَة ويلزمهم الطّرف.

(4/435)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة بعد الثلاثمائة: شح.)

دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ الذِّمَّة.
الْمَذْهَب: ثلث دِيَة الْمُسلم، والمجوسي 800 دِرْهَم.
عِنْدهم: مثل دِيَة الْمُسلم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل "، خص المؤمنة بِكَمَال الدِّيَة، وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ قضى فِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بأَرْبعَة آلَاف، ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله} ، كَمَا قَالَ فِي حق الْمُسلم: {ودية مسلمة إِلَى أَهله} ، وَرُوِيَ

(4/436)


أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ودى قتل عَمْرو بن أُميَّة بدية حُرَّيْنِ، وَرُوِيَ عبَادَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ مثل دِيَة الْمُسلم ".
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
نقض الْكفْر أعظم من نقص الْأُنُوثَة وَأولى بِالنُّقْصَانِ، ذَلِك لِأَن الْقيَاس يَقْتَضِي أَن لَا يضمن الْآدَمِيّ بِالْمَالِ لعدم الْمُمَاثلَة، وَإِنَّمَا ضمن بِالنَّصِّ فاقتصر عَلَيْهِ، وَعلل بالشرف، والشرف قِيَامه بِمَا خلق لَهُ من الْعِبَادَة.
لَهُم:
حر ذكر فَأشبه الْمُسلم، ذَلِك لِأَن الدِّيَة بدل النَّفس، وكماله بِكَمَال النَّفس وكمالها بِكَمَال الْمَالِكِيَّة الَّتِي اخْتصَّ بهَا من بَين سَائِر الْحَيَوَانَات وَهِي مالكية المَال وَالنِّكَاح.
مَالك: وَافق فِي الْمَجُوسِيّ، وَفِي البَاقِينَ نصف الدِّيَة.

(4/437)


أَحْمد: إِذا قتلا عمدا فَالدِّيَة، وَإِن قتلا خطأ فَنصف الدِّيَة.
التكملة:
التَّضْمِين من آثَار الْعِصْمَة وَقد افْتَرقَا فِيهَا، لِأَن العاصم فِي حق الْمُسلم إِسْلَامه، وَهِي معنى ذاتي، وَفِي حق الذِّمِّيّ الْأمان وَهُوَ معنى عرضي، فالمسلم مَعْصُوم بِعَيْنِه، وَالذِّمِّيّ مَعْصُوم لغيره، والمعصوم لغيره يقدر فِي ذَاته، ثمَّ كَمَال دِيَة الْإِنْسَان بِكَمَالِهِ وَكَمَال كل شَيْء ببلوغ مَا خلق لَهُ والآدمي خلق لِلْعِبَادَةِ المكتسبة بِكَمَال الْعقل الَّذِي بِهِ يتَحَمَّل الْأَمَانَة، وَلذَلِك نقص بدل الْأُنُوثَة لنُقْصَان عقل الْأُنْثَى، وَبدل الْجَنِين حَيْثُ لم تكمل بنيته، وَإِنَّمَا لم ينقص بدل الصَّبِي لقُرْبه من رُتْبَة الْكَمَال، وَنقص الْمَجْنُون عَارض يُرْجَى زَوَاله، وَهَذِه الرُّتْبَة نقص عَنْهَا الْكَافِر فنقصت دِيَته، وَيجوز أَن يظْهر أثر الْكفْر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِدَلِيل ضرب الْجِزْيَة والذل بِالرّقِّ، فَإِذا ثَبت أصل التَّفَاوُت، فالتقدير تلقيناه من الْأَثر الْمَرْوِيّ عَن عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي اللَّهِ عَنهُ.

(4/438)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة بعد الثلثمائة: شط.)

إِفْسَاد منابت الشُّعُور الْخَمْسَة.
الْمَذْهَب: لَا يُوجب كَمَال الدِّيَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا ... ... ... . .} الْآيَة. عدد الْمَنَافِع الْمُنعم بهَا على الْآدَمِيّ وَلم يذكر الْجمال.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} فرق بَين الْمَنْفَعَة والزينة، وَقَالَ: {وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون} .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لم يفوت إِلَّا مُجَرّد جمال فَلم تجب عَلَيْهِ الدِّيَة كحلق شعر الصَّدْر، ذَلِك لِأَن الْقيَاس يَقْتَضِي أَن لَا يجب فِي الأبعاض مَا يجب فِي الْجُمْلَة، وَلَيْسَ

(4/439)


الْجمال مثل الْمَنْفَعَة فَيلْحق بهَا والقوام بالمنافع لَا بالجمال.
لَهُم:
فَوت الْجمال على الْكَمَال فَيلْزمهُ كَمَال الدِّيَة كَمَا لَو قطع الْأذن الشاخصة ومارن الْأنف، ونفرض فِي الْأَصَم والأخشم، ذَلِك لِأَن الْجمال مَطْلُوب كالمنفعة، والرغبات متوجهة إِلَيْهِ، وَالْمَال يبْذل فِيهِ وَهَذَا يُنَاسب إِيجَاب الدِّيَة كالمنفعة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
أصل الضَّمَان مُتَّفق عَلَيْهِ، والنزاع فِي التَّقْدِير وَلَا نَص فِيهِ وَلَا يُمكن رده إِلَى الأَصْل لِأَن الْمَعْنى فِي الأَصْل لَا يُنَاسب تعْيين مِقْدَار فَامْتنعَ إثْبَاته.
أما الْحُكُومَة فِي تَقْوِيم يخْتَلف باخْتلَاف الصِّفَات فَلَا تفْتَقر إِلَى نَص (والشارع نزل) الْأَطْرَاف منزلَة النَّفس لِأَن بهَا بقاءها، ونمنع

(4/440)


وجوب الدِّيَة فِي أذن الْأَصَم ومارن الأخشم، وَإِنَّمَا نوجب فِي الصَّحِيحَيْنِ، لِأَن فيهمَا مَنْفَعَة حفظ الصَّوْت والرائحة، ثمَّ نقُول: أَي جمال فِي شَارِب بِغَيْر لحية أَو لحية بِغَيْر شَارِب؟ ثمَّ الْجمال بِمَجْمُوع صِفَات من حسن الْبشرَة وَبَقَاء اللَّوْن وتناسب الْخلقَة، وَالشعر بعد ذَلِك تَابع فَهُوَ حسن بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ، فَإِن قَالُوا: فِي الأشفار مَنْفَعَة، قُلْنَا: هِيَ نافعة للجفن، وَلِهَذَا لَو قطع الجفن بِشعرِهِ تَبعته وَوَجَبَت دِيَة وَاحِدَة.

(4/441)


(الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة بعد الثلثمائة: شي.)

جَنِين الْأمة.
الْمَذْهَب: يعْتَبر بِقِيمَة أمه فَيجب عشر قيمتهَا.
عِنْدهم: يعْتَبر بِقِيمَة نَفسه وَيجب عشرهَا إِن كَانَ أُنْثَى وَنصف عشرهَا إِن كَانَ ذكرا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... .
لَهُم: ... ... ... ...

(4/442)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْجَنِين يتَعَذَّر تقويمه بِنَفسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقف على صِفَاته فاعتبرناه بِأُمِّهِ، يدل عَلَيْهِ أَنه جُزْء مِنْهَا يتغذى بهَا كأجزائها ويتبعها بيعا وإرثا وَوَصِيَّة، وَلَو كَانَ يعْتَبر بِنَفسِهِ لضمن بدية كَامِلَة.
لَهُم:
إِذا اعتبرتم الْجَنِين بِأُمِّهِ رُبمَا أدّى إِلَى أَن تكون قِيمَته مَيتا أَكثر من قِيمَته حَيا حَيْثُ تكون قِيمَته عشْرين وَقِيمَة الْأُم ألف فَصَارَت قِيمَته بذلك مائَة، بل هُوَ شخص مُنْفَرد بِجِنَايَة فَانْفَرد بضمانه، يدل عَلَيْهِ أَنه مُنْفَرد عَنْهَا فِي الْأَحْكَام الْمَالِيَّة يُورث وَيَرِث ويوصى بِهِ وَله وَيصرف الضَّمَان إِلَى أَقَاربه لَا إِلَى أمه وَهَذَا يدل على انْفِصَاله.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.

(4/443)


التكملة:
منشأ الْخلاف أَن الْجَنِين الْحر الْمَضْمُون عِنْد إعواز الْغرَّة بِخمْس من الْإِبِل فَنحْن نعتقد أَن المرعي نسبته إِلَى الْأُم بِعشر دِيَتهَا فأوجبنا عشر دِيَة الْأمة، وَبِالْجُمْلَةِ ثمَّ شائبتان متقاومتان الِاتِّصَال والانفصال والاتصال أولى لِأَن اعْتِبَار الْجَنِين بِنَفسِهِ يتَعَذَّر؛ لِأَنَّهُ رُبمَا خرج قطعا أَو مُضْغَة وَلَو خرج صَحِيحا لم يُمكن أَن يقوم لِأَن الْمعَانِي لَا تدْرك فِيهِ، قَوْلهم: إِذا اعتبرناه بِالْأُمِّ رُبمَا زَاد بدله، قُلْنَا: وَمَا الْمَانِع من ذَلِك؟ وَيجوز أَن يزِيد بدل بَهِيمَة على بدل آدَمِيّ.

(4/444)


(اللوجة 74 من المخطوطة أ:)

لَا دَلِيل على النَّافِي عِنْد قوم، وَعَلِيهِ الدَّلِيل عِنْد آخَرين، وَقيل: عَلَيْهِ الدَّلِيل فِي العقليات دون الشرعيات، وَالْمُخْتَار أَن مَا لَيْسَ بضروري وَلَا يعرف إِلَّا بِدَلِيل فالنفي فِيهِ كالإثبات، وَيُقَال للنافي: مَا ادعيت نَفْيه عرفت ذَلِك فِيهِ بِدَلِيل أظهره بِغَيْر دَلِيل إِن كَانَ ضَرُورِيًّا فلنشترك فِيهِ، وَإِن كَانَ بِغَيْر دَلِيل فَهُوَ شَاك، وَالْجَاهِل لَا يُكَلف الدَّلِيل على جَهله، وَلَو لم يجب الدَّلِيل على النَّافِي لسعدنا فِي الصَّانِع والنبوات، وَلِأَن كل مُثبت مَقْصُود فِي صُورَة النَّفْي فَقَالَ: عوض مُحدث لَيْسَ بقديم، وَأما جَاحد الدّين فَهُوَ يعلم بَرَاءَة ذمَّته وَلَا طَرِيق إِلَى مشاركته فِي ذَلِك وَإِذا وَقع مثل ذَلِك فِي العقليات اشْترك الْكل فِيهِ ثمَّ إِن يَمِينه دَلِيل.
وَاعْلَم أَنه لَا حجَّة فِي اسْتِصْحَاب الْإِجْمَاع فِي مَحل الْخلاف. مِثَاله: مَسْأَلَة: الْمُرْتَدَّة، واستصحاب الْحَال فِي عصمتها كَمَا يفعل الْخصم فالخصم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَقُول: أَنا ناف وَلَا دَلِيل على النَّافِي، وَقد تقدم أَن عَلَيْهِ الدَّلِيل، وَإِمَّا أَن يظنّ أَنه أَقَامَ دَلِيلا، وَإِن ظن ذَلِك فقد أَخطَأ فَإِن الحكم

(4/445)


إِنَّمَا يستدام إِذا دلّ دَلِيل على دَوَامه فَمَا الدَّلِيل على دوَام الْعِصْمَة إِن كَانَ نصا فأبرزه فَلَعَلَّهُ يدل على الْعِصْمَة مَعَ عدم الرِّدَّة؟ أَو ترك دَلِيلا عَاما، فلابد من دَلِيل التَّخْصِيص بِهَذِهِ الْحَال، وَإِن كَانَ إِجْمَاعًا، فالإجماع مُنْعَقد على الْعِصْمَة قبل الرِّدَّة، أما حَال الرِّدَّة فموضع الْخلاف وَلَو كَانَ إِجْمَاعًا كَانَ مخالفه خارقا للْإِجْمَاع (وكل ذَلِك يضاد) نفس الْخلاف لَا يُمكن استصحابه مَعَ الْخلاف وَالْإِجْمَاع يضاد الْخلاف، وَلَيْسَ كَذَلِك الْعُمُوم وَالظَّاهِر وأدلة الْعقل، فَإِن الْخلاف لَا يضادها، فَإِن الْمُخَالف يقر بِأَن الْعُمُوم يتَنَاوَل مَحل الْخلاف بصورته (لَكِن نخصصه) بِدَلِيل والمخالف لَا يسلم شُمُول الْإِجْمَاع لمحل الْخلاف، فَإِن قَالُوا: لم تنكرون على من يَقُول: إِن الأَصْل أَن مَا ثَبت دَامَ إِلَى حِين وجود الْقَاطِع فَلَا يفْتَقر الدَّوَام إِلَى دَلِيل؟ قُلْنَا: كلما ثَبت وَجَاز أَن يَدُوم وَأَن لَا يَدُوم فَلَا بُد لدوامه من دَلِيل سوى دَلِيل الثُّبُوت كجلوس زيد فِي السُّوق إِذا لم يعْهَد مِنْهُ دوَام ذَلِك، وَلَوْلَا التعارف أَن الْجِدَار إِذا ثَبت لم ينهدم إِلَّا بهادم لافتقر

(4/446)


ثُبُوته إِلَى دَلِيل.
(وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَ للمقتول جد وَأَخ لِأَبَوَيْنِ وَأَخ لأَب وَقُلْنَا: أَن الْأَيْمَان تقسم، فَإِنَّهُ يحلف الْجد 17 يَمِينا وَالْأَخ من أبوين: 34 يَمِينا وَلَا يحلف الْأَخ من الْأَب؛ لِأَنَّهُ غير وَارِث، وَلَو كَانَ مَوضِع أَخ لأَب أُخْت لأَب حلف الْجد ... ... ... ... ... يَمِينا وَالْأَخ.
وَلَو ترك جدا وَخُنْثَى مُشكلا من أَبِيه، فَإِن الْجد يحلف ثُلثي الْأَيْمَان وَيَأْخُذ نصف الدِّيَة وَالْخُنْثَى يحلف نصف الْأَيْمَان وَيَأْخُذ ثلث الدِّيَة فَيحلف على أَكثر مَا يسْتَحق لتَكون الْيَمين على يَقِين وَالْأَخْذ بِيَقِين) .

(4/447)


(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة بعد الثلثمائة: شيا.)

الْقسَامَة مَعَ اللوث.
الْمَذْهَب: يبْدَأ بأيمان المدعين وَتجب لَهُم الدِّيَة إِذا.
عِنْدهم: يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَحسب ويغرمون الدِّيَة بعد ذَلِك.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
محيصة وَعبد اللَّهِ خرجا إِلَى خَيْبَر فَقتل عبد اللَّهِ فجَاء محيصة

(4/448)


وحويصة عماه، وَعبد الرَّحْمَن أَخُوهُ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وقصا عَلَيْهِ قصَّته فَقَالَ: " أتحلفون خمسين يَمِينا وتستحقون دم صَاحبكُم " فَأَبَوا، فَقَالَ: " إِذن تحلف الْيَهُود "، فَلم تطب نُفُوسهم فوداه النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر، وَرُوِيَ أَن رجلا أَتَى إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: أخي قتل فِي بني فلَان فَقَالَ: " اجْمَعْ خمسين رجلا يحلفُونَ أَنهم مَا قَتَلُوهُ وَلَا عرفُوا لَهُ قَاتلا " فَقَالَ لَيْسَ لي من أخي إِلَّا ذَلِك؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " وَلَك مائَة من

(4/449)


الْإِبِل ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْيَمين حجَّة فِي حق من قويت جنبته كالمنكر وَالْمُودع والملاعن، وَفِي مَسْأَلَتنَا قويت جنبتهم لوُجُود اللوث، ثمَّ بينتهم لَا تقطع الْخُصُومَة فَإِن الدِّيَة وَاجِبَة عَلَيْهِم.
لَهُم:
الْيَمين شرعت دافعة لَا مثبتة، فَلَا نشرعها هَاهُنَا مثبتة، كَيفَ وَهِي مَشْرُوعَة لإبقاء مَا كَانَ على مَا كَانَ، وَأما سَبَب وجوب الدِّيَة، فَإِن أهل الْمحلة بِمَثَابَة عَاقِلَة الْقَاتِل، والعاقلة تدي لوُجُود الْقَتْل مِنْهَا لأخذهم بِالْحِفْظِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
لنا عدَّة نُصُوص أَنه بَدَأَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْقسَامَة بِيَمِين الْمُدَّعِي ثمَّ الْيَمين

(4/450)


لَا ترَاد إِلَّا لقطع الْخُصُومَة وَالدية هَاهُنَا وَاجِبَة بعد الْيَمين فَمَا وَقت الْيَمين المَال، وَلَا المَال الْيَمين، يدل عَلَيْهِ أَنه إِذا حلف الْمُدعى عَلَيْهِ، فَلَا يجوز أَن يجب بِيَمِينِهِ شَيْء وَتبقى مُجَرّد الدَّعْوَى وَلَا يجب بهَا شَيْء، ومنقولهم فِيهِ طعن، فَقَوْلهم: الْعَاقِلَة التزموا الْحِفْظ هَذَا بَاطِل بل هُوَ شَيْء ثَبت نصا غير مُعَلل، قَوْلهم: يتم قبله حكما كَيفَ يكون كَذَلِك؟ وَالْقَاتِل الْمُبَاشر معِين، ثمَّ لَو التزموا بِالْحِفْظِ وصرحوا بِهِ مَا لَزِمَهُم شَيْء شرعا فَكيف يلْزمهُم بطرِيق الدّلَالَة وَلَو كَانَ الْغرم يجب لأجل التناصر لوَجَبَ على سكان الْمحلة كَمَا يجب على الْملاك، فَكيف يخص بالملاك.

(4/451)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة بعد الثلثمائة: شيب.)

الْقَتْل الْعمد.
الْمَذْهَب: يُوجب الْكَفَّارَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى ابْن الْأَسْقَع قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي صَاحب لنا أوجب النَّار على نَفسه بِالْقَتْلِ فَقَالَ: " أعتقوا عَنهُ رَقَبَة يعْتق اللَّهِ بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار "، وَالَّذِي يُوجب النَّار هُوَ الْمُتَعَمد، وَكَون النَّبِي لم (يستفصل دَلِيلا على إِيجَاب) الْكَفَّارَة فِي جنس الْقَتْل.

(4/452)


لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} جعل اللَّهِ ذَلِك جزاءه فَزِيَادَة الْكَفَّارَة نسخ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} ، فَبين أَن التَّكْفِير يجْرِي فِي الصَّغَائِر، وَقَالَ تَعَالَى: {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} ، فَجعل الْكَفَّارَة حَسَنَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حق مَضْمُون فِي النَّفس بِالْكَفَّارَةِ فضمن فِي الْعمد وَالْخَطَأ كحق الْآدَمِيّ، ذَلِك لِأَن لله حَقًا هُوَ الْمَضْمُون فِي النَّفس فِي الْخَطَأ إِجْمَاعًا، والعمد لَا يسْقط ضَمَان الْمُتْلفَات وَالْكَفَّارَة مُؤَاخذَة وعقوبة تناسب العمدية.
لَهُم:
الْعدوان الْمَحْض لَا يصلح سَببا لِلْكَفَّارَةِ كالردة والزنى، ذَلِك لِأَن الْكَفَّارَة فِيهَا معنى التَّكْفِير لكَونهَا تتأدى بِالصَّوْمِ، وَاسْمهَا يُعْطي ذَلِك، والعدوان لَا يكون سَبَب الْعِبَادَة.

(4/453)


مَالك: ف.
أَحْمد:
التكملة:
النَّص ورد فِي الْخَطَأ ثمَّ ألحق بِهِ شبه الْعمد، وَإِن فَارقه فِي تَغْلِيظ الدِّيَة لاشْتِمَاله عَلَيْهِ والعمد يشْتَمل على شبه الْعمد فَكَانَ مُشْتَمِلًا على الْخَطَأ وَزِيَادَة الْجِنَايَة توجب التَّغْلِيظ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن الْكَفَّارَة جبر الْمحل أوجزاء الْفِعْل، ونقول: الْمَقْتُول اشْتَمَل على مَالِيَّة ونفسية، فالمالية تهيئة لِأَن ينْتَفع بِهِ وَلذَلِك ملك بِالسَّبْيِ، والنفسية تهيئة لِأَن تملك، وَذَلِكَ حق العَبْد وباعتباره صَار مَضْمُونا بِالْقصاصِ، وتهيئة لِلْعِبَادَةِ وَذَلِكَ لله وَبِه يضمن بِالْكَفَّارَةِ، وَمعنى قَوْلنَا: " حق اللَّهِ " أَي شَيْء يحصل السَّعَادَة عِنْد اللَّهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى مستغن عَن الْحُقُوق، وَقَوله تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} لَا يمْنَع إِيجَاب الْكَفَّارَة؛ لأَنا لَا نعدها جَزَاء لَكِن جبرا، وَالدَّلِيل على أَن فِي العَبْد حَقًا لله كَونه لَا يستباح قَتله بإباحته، وَقَوله: {جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا} يدل على أَنه قتل مستحلا ثمَّ الْآيَة لم تتعرض لأحكام الدُّنْيَا.

(4/454)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة بعد الثلثمائة: شيج.)

مَا أتْلفه الْبُغَاة على أهل الْعدْل.
الْمَذْهَب: مَضْمُون فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: لَا يضمن وَهُوَ القَوْل الْأَخير.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... . .
لَهُم:
روى الزُّهْرِيّ عَن إِجْمَاع الصَّحَابَة على أَن كل دم أريق على تَأْوِيل الْإِسْلَام، فَهُوَ هدر، وَقد أَجمعُوا بعد الْقِتَال فَلم يُطَالب بَعضهم بَعْضًا بِدَم وَلَا مَال.

(4/455)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
إِتْلَاف بِغَيْر حق فَأوجب الضَّمَان كَأَهل الْعدْل، دَلِيل الدَّعْوَى: إثمهم بإتلافهم وَالْمَال مَعْصُوم، والبغاة ملتزمو أَحْكَام الْإِسْلَام وَقد وجد السَّبَب وَهُوَ إِتْلَاف بِغَيْر حق ونمنع إِلْحَاق التاويل الْفَاسِد بِالصَّحِيحِ بطرِيق الْإِثْم.
لَهُم:
أتلفوا بِتَأْوِيل فَاسد فَينزل منزلَة التَّأْوِيل الصَّحِيح فِي سُقُوط الضَّمَان كَأَهل الْحَرْب، ذَلِك لِأَن الضَّمَان يجب بالإلزام والالتزام وَقد عدما، يدل عَلَيْهِ أَن أحكامهم نَافِذَة فِيمَا أَقَامُوا من حد وَأخذُوا من زَكَاة، وشهادتهم مَقْبُولَة عِنْد قُضَاة أهل الْعدْل.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
إِن كَانَ الضَّمَان مجتمعه الْمُتْلف ذُو ذمَّة والمتلف مَعْصُوم مُحْتَرم، والإتلاف منفك عَن اسْتِحْقَاق وَعَن شُبْهَة اسْتِحْقَاق، والعدوان لَا يصلح

(4/456)


لنفي الضَّمَان بِخِلَاف الْعَادِل، فَإِنَّهُ محق بِالْقِتَالِ يحملهُ على الظَّاهِر وَلَا يضمن مَا يتْلف لضَرُورَة قِتَاله حَتَّى لَو اتلف فِي غير الْقِتَال ضمن، وعَلى مساق الْكَلَام يضمن الْحَرْبِيّ مَا أتْلفه ونطالبه بِهِ مَعَ الظفر إِن لم يسلم لَكِن الْإِسْلَام يجب مَا قبله، ونقول: الْمُعْتَبر فِي الْخطاب إِمْكَان الْبَلَاغ، وَإِمَّا تَنْفِيذ أحكامهم فلحفظ الْحُقُوق فِي الْقطر الَّذِي استولوا عَلَيْهِ.

(4/457)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة بعد الثلثمائة: شيد.)

الْمُرْتَدَّة.
الْمَذْهَب: تقتل.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ "، وَلَفظه: " من " تَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى إِذا اجْتَمعُوا. " من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ ". " من تعلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَهُوَ آمن ". وَلَو قَالَ: من دخل دَاري فَأكْرمه لزمَه إكرام من يدْخل من النِّسَاء.

(4/458)


لَهُم:
رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن قتل النِّسَاء: " مَا بالها قتلت وَلم تقَاتل؟ أدركوا خَالِدا فَقولُوا لَهُ: لَا تقتل امْرَأَة وَلَا ذُرِّيَّة وَلَا عسيفا ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وجد الْمُقْتَضِي للْقَتْل، وَهُوَ الْكفْر وَامْتنع قتل الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة لمصْلحَة وأقيم الرّقّ مقَامه، وَهَذِه كَافِرَة معاندة، فتحتم قَتلهَا كالمرتد، لِأَن الْكفْر عناد لَا يُمكن الصّرْف عَنهُ إِلَّا بالتخويف، وَلَا تخويف أبلغ من الْقَتْل.
لَهُم:
الْقَتْل لَيْسَ عُقُوبَة على الْكفْر بل على الْمُحَاربَة وَالْمَرْأَة غير محاربة، وَالْكفْر جِنَايَة على حق اللَّهِ تَعَالَى وعقوبته فِي الْآخِرَة وَمَا عجل من عُقُوبَة فلمصالح الْعباد، ثمَّ الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة لَا تقتل، وَإِن قتل الْكَافِر الْأَصْلِيّ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.

(4/459)


التكملة:
قَوْلهم: الْكَافِر الْأَصْلِيّ يقتل؛ لِأَنَّهُ حَرْب، والكافرة الْأَصْلِيَّة لَا تقتل؛ لِأَنَّهَا لَيست حَربًا، قضيتان فيهمَا النزاع، وَلَا نَخُوض فِي ذَلِك بل نمْنَع الْمُقدمَة الثَّالِثَة، وَهِي قَوْلهم: الْمُرْتَد يقتل؛ لِأَنَّهُ حَرْب، لَيْسَ لذَلِك بل لتبديل الدّين وَالدَّلِيل الْقَاطِع أَن الْكَافِر الْأَصْلِيّ يقر مَعَ الْجِزْيَة بِخِلَاف الْمُرْتَد، وَيُوجد هَذَا فِي الْكَافِر الرئيس والراهب والعسيف.
وَبِالْجُمْلَةِ لَيست الرِّدَّة مثل الْكفْر الْأَصْلِيّ حَتَّى تقاس الْمُرْتَدَّة على الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة. بَيَان أَن الْمُرْتَد معاند أَنه أصر على بَاطِل عرف بُطْلَانه، فَإِن ألزمونا شرع قتل الْكَافِر الوثني وَهُوَ غير معاند فَهَذَا عكس الْعلَّة فَإنَّا لم نلزم إِلَّا قتل كل معاند فِي كفره، فَأَما الْقَتْل فبسبب آخر لَا يمْتَنع، فَإِن قَالُوا: يَكْفِي التخويف بالنَّار. قُلْنَا: والتخويف بِالْقَتْلِ لَا يُنَافِي التخويف بالنَّار بِدَلِيل الْمُرْتَد، ومعتمدهم أَن حُرْمَة قَتلهَا ثَابِتَة قبل الرِّدَّة وَالرِّدَّة غير صَالِحَة للْإِبَاحَة، وَالْجَوَاب أَن مَا ذَكرُوهُ اسْتِصْحَاب الْإِجْمَاع فِي مَحل الْخلاف، فَلَا يكفيهم بَيَان أَن الرِّدَّة غير مبيحة مَا لم يثبتوا أَن سَبَب التَّحْرِيم بَاقٍ فالمرحم عندنَا الْإِسْلَام.

(4/460)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة بعد الثلثمائة: شيه.)

أَمَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ.
الْمَذْهَب: صَحِيح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عُمُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " وَلَا ذُو عهد فِي عَهده "، والمستأمن من العَبْد ذُو عهد، وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " يسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم ". قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: أَدْنَاهُم عبيدهم.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {ضرب اللَّهِ مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} ، وَمَا قدر عَلَيْهِ من التَّصَرُّفَات فبدليل دلّ عَلَيْهِ.

(4/461)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْأمان دفع الشَّرّ عَن الْمُسلم فملكه بعلة الْإِسْلَام، ثمَّ العَبْد يملك الْجِهَاد بِمَا فِيهِ من نَفسه يتَحَمَّل بهَا الْأَمَانَة، ثمَّ الْأمان لإسماع كَلَام اللَّهِ، وَالْعَبْد يملك الإسماع فَملك الطَّرِيق إِلَيْهِ فَهُوَ يملك الْأمان، إِمَّا لِأَنَّهُ كفى بِهِ شرا أَو بِكَوْنِهِ طَرِيق إسماع كَلَام اللَّهِ تَعَالَى.
لَهُم:
لَا يملك الْجِهَاد، فَلَا يملك الْأمان كَالصَّبِيِّ، ذَلِك لِأَن الْجِهَاد يكون بِالنَّفسِ أَو بِالْمَالِ وَهَذَا لَا يملكهَا وَلِهَذَا يَأْثَم إِذا جَاهد بِغَيْر إِذن، والأمان جِهَاد أَو تبع الْجِهَاد؛ لِأَنَّهُ من مصَالح الْجِهَاد.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
العَبْد يملك الْقِتَال، فَإِنَّهُ مُخَاطب متحمل للأمانة كَالْحرِّ، مَعَ أَنه مَال

(4/462)


منتفع بِهِ فَفِيهِ شائبتان: يملك الْأمان بِإِحْدَاهُمَا، نعم وعديل الْقِتَال لَكِن يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى مَنَافِعه الْمَمْلُوكَة عَلَيْهِ فَهُوَ الْمقَاتل بِاعْتِبَار النفسية المعاند بِاعْتِبَار الْمَالِيَّة، فَكَانَ بِالْقِتَالِ مُطيعًا عَاصِيا كالمصلي فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، يدل عَلَيْهِ مَا إِذا أذن لَهُ السَّيِّد، فَإِنَّهُ يملك وَيُسْتَفَاد بِالْإِذْنِ مَا يَقع للْإِذْن كَبيع مَاله، أما الرَّاهِن لَا يَسْتَفِيد من إِذن الْمُرْتَهن بيع مَال نَفسه بل البيع مَمْلُوك لَهُ بِملك الْمحل غير أَن حق الْمُرْتَهن مَانع فَاعْتبر إِذْنه لسُقُوط حَقه، وَلَا نقُول: الْأمان شرع لدفع شَرّ الْكفَّار، بل ليتَمَكَّن الْكَافِر من اسْتِمَاع كَلَام اللَّهِ، وَأَن سلمنَا أَنه تبع الْجِهَاد فَيقبل الِانْفِصَال عَن الأَصْل، فَإِن الْحر الزَّمن وَالْمَرْأَة لَا يملكَانِ الْجِهَاد (لانْتِفَاء بَيِّنَة الْجِهَاد) ، ويملكان الْأمان اسْتِقْلَالا، وَهَذَا كإسلام الصَّبِي الْمُمَيز يحصل تَارَة تبعا لِأَبَوَيْهِ، وَأُخْرَى باستقلاله عِنْدهم وَأحد قولينا.

(4/463)