تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل الْحُدُود)
(اللوحة 75 من المخطوطة أ:)
مَسْأَلَة: الْمُكْره على الزِّنَى لَا يجب عَلَيْهِ الْحَد
فِي الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن
كَانَ الْمُكْره سُلْطَانا أَو حَاكما لم يجب، فَنَقُول: مَا
وَجب بِهِ الْحَد إِذا فعله (مُخْتَارًا لم يجب) بِهِ الْحَد
إِذا فعله مكْرها كشرب الْخمر، قَالُوا: الْإِكْرَاه على
الزِّنَى لَا يَتَأَتَّى من الرجل لمَكَان خَوفه وَلما يَأْتِي
من الْمَرْأَة لم يُوجب الْحَد عَلَيْهَا، قُلْنَا: الْخَوْف
إِنَّمَا يكون إِن لَو لم يفعل ويلزمهم السُّلْطَان
وَالْحَاكِم.
مَسْأَلَة: إِذا وطئ امْرَأَة فِي فرَاشه ظَنّهَا زَوجته لم
يحد خلافًا لَهُم، فَنَقُول: وَطئهَا مُعْتَقدًا حلهَا فَلم
يجب عَلَيْهِ الْحَد كَمَا لَو زفت إِلَيْهِ.
مَسْأَلَة: تقبل الشَّهَادَة على الزِّنَى وَإِن تَفَرَّقت فِي
مجَالِس خلافًا لَهُ. فَنَقُول: كل شَهَادَة يثبت بهَا الْحق
إِذا تأدت فِي مجْلِس يثبت بهَا الْحق إِذا تأدت فِي مجَالِس
كَسَائِر الشَّهَادَات، وَأما شَهَادَة النِّكَاح فالمقصود
بهَا إِظْهَار العقد، وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا عِنْد
الِاجْتِمَاع وَإِلَّا شهد أَحدهمَا على العقد وَالْآخر على
الْإِقْرَار.
(4/464)
مَسْأَلَة: الشَّهَادَة على الزِّنَى
وَالسَّرِقَة وَالشرب تقبل وَإِن تقادم عَهده خلافًا لَهُ،
فَنَقُول: كلما ثَبت بِهِ الْحق الحَدِيث ثَبت بِهِ الْحق
الْقَدِيم كَالْإِقْرَارِ بِهَذِهِ الْحُدُود أَو الشَّهَادَة
بِالْقصاصِ، وَمَا تخيلوه من تُهْمَة فتنتفي عَن الْعدْل
وَيحْتَمل أَنه أخر إِقَامَة الشَّهَادَة ليرتئي فِي هَذَا
الْمقَام المزلق، وَإِن فرقوا بَين الْقصاص والزنى بِأَن
الْقصاص والزنى فَإِن للْقصَاص من يُطَالب بِهِ، لم يفرقُوا
بَينه وَبَين السّرقَة، فَإِن للسرقة من يُطَالب بهَا وَحكمهَا
عِنْدهم حكم الزِّنَى.
مَسْأَلَة: لَا يجب على الإِمَام وَالشُّهُود حُضُور الرَّجْم،
والبداية بِهِ بل هُوَ كَسَائِر الْحُدُود، وَلَقَد أَمر
رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - برجم
مَاعِز وَلم يشهده وَلم يستنب، وَأما مَذْهَب الْخصم فَمَا
رُوِيَ أَن عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ لما رجم الهمدانية لفها
فِي عباءة وحفر لَهَا حفيرة ثمَّ قَامَ فَحَمدَ اللَّهِ
وَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الرَّجْم رجمان: رجم سر ورجم
عَلَانيَة، فرجم السِّرّ أَن تشهد عَلَيْهِ الشُّهُود
فَحِينَئِذٍ يبْدَأ الشُّهُود ثمَّ الإِمَام ثمَّ النَّاس،
ورجم الْعَلَانِيَة: أَن يشْهد على الْمَرْأَة مَا فِي بَطنهَا
فَيبْدَأ الإِمَام بِالرَّجمِ ثمَّ النَّاس.
(4/465)
مَسْأَلَة: إِذا شهد أَرْبَعَة على
الزِّنَا ثمَّ رَجَعَ وَاحِد مِنْهُم لزمَه الْحَد دون
البَاقِينَ، وَلَو انْفَرد الْوَاحِد مِنْهُم بِالشَّهَادَةِ
فَقَوْلَانِ. والخصم يُوجب الْحَد فِي الصُّورَتَيْنِ، ونظرنا
فِي غَايَة الظُّهُور فَإِن جَوَاز الشَّهَادَة لَا أقل من أَن
تثبت شُبْهَة فِيمَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ، فالسبب الْمُبِيح
للشَّهَادَة أَنه إِخْبَار على وَجه خَاص وَلَا يتَعَلَّق
بِشَهَادَة غَيره فَلَيْسَ على بَصِيرَة من أَمر غَيره،
وَغَايَة الْخصم التَّمَسُّك بأثر عمر وَأَنه حد أَبَا بكرَة
لما شهد على الْمُغيرَة، ... ... ... ... ... ... ... ... . .
(4/466)
وتخلف أَخُوهُ زِيَاد، قَالُوا: وَهَذَا
حكم مُخَالف للْقِيَاس، وَالْجَوَاب: أَولا هَذَا مِمَّا
انْفَرد بِهِ عمر وَلَقَد خَالفه أَبُو بكرَة وأصر على
شَهَادَته حَتَّى هم عمر بحده ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ عَليّ:
إِن حددته وَجب الْحَد على الْمُغيرَة، وَهَذَا أَمر يتَعَلَّق
بالإقالة، فلعمر أَن يحكم فِيهِ بِاجْتِهَاد ويسلك بِهِ جادة
الْقيَاس حَتَّى لَا يتَّخذ النَّاس الشَّهَادَة وَسِيلَة
إِلَى الْقَذْف، وَنحن لَا نرى هَذَا الْقيَاس، فَإِن الْعدْل
الَّذِي يقبل قَوْله فِي الشَّهَادَة لَا يتخذها سَببا إِلَى
الْقَذْف.
(4/467)
(مسَائِل الْحُدُود)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة بعد الثلثمائة: شيو.)
إِذا زنى الْبكر.
الْمَذْهَب: وَجب الْحَد والتغريب.
عِنْدهم: لَا يجب التَّغْرِيب.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
خرج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ذَات يَوْم فَقَالَ: " خُذُوا
عني، خُذُوا عني قد جعل اللَّهِ لَهُنَّ سَبِيلا: الْبكر
بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد
مائَة وَالرَّجم "، وَقَوله فِي قصَّة العسيف: " الشَّاة
والوليدة رد عَلَيْك وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام "،
وَنقل ذَلِك عَن الشَّيْخَيْنِ.
(4/468)
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} ، فَمن
زَاد التَّغْرِيب فقد نسخ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الزِّنَى من فرَاغ البال، وَالسّفر سَبَب الْمَشَقَّة،
وَالْإِنْسَان يبلغ فِي بَلَده من الْغَرَض مَا لَا يبلغ
غَرِيبا، فصلح التَّغْرِيب حدا، كَيفَ وَقد قرن الْإِخْرَاج من
الوطن بِالْقَتْلِ، فالتحق بأشد الْعُقُوبَات.
لَهُم:
التَّغْرِيب لَا يصلح حدا؛ لِأَن الْحَد مَا منع، والتغريب
يعرض للزنى وَيفتح بَابه لزوَال الْحيَاء فِي الغربة، وَلَو
غربت الْمَرْأَة ومحرمها كَانَ عِقَاب من لم يجن.
مَالك: يغرب الرجل لَا الْمَرْأَة.
أَحْمد: وَافق فِي التَّغْرِيب، والمحصن يجلد ويرجم.
(4/469)
التكملة:
دوران قَوْلهم فِي التَّغْرِيب أَنه يرفع الْحيَاء، فَلَا يشرع
قَول من يَقُول: الْحَد على ملإ من النَّاس يرفع الْحيَاء،
فَلَا يشرع وَلَا قَائِل بذلك، لَكِن يُقَال: الْحَد عُقُوبَة
زاجرة فَمَتَى عَاد عَادَتْ الْعقُوبَة، ثمَّ إِنَّا تلقينا
التَّغْرِيب من النَّص، فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى معنى،
وَيُمكن أَن يُعلل بمحو أثر الْفَاحِشَة ببعد جَانبهَا، ثمَّ
الحَدِيث بَيَان لقَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت
أَو يَجْعَل اللَّهِ لَهُنَّ سَبِيلا} ، فَإِن قيل: كَانَ
الْجلد كل الْحَد، فبالتغريب صَار بعضه، قُلْنَا: كُلية الْحَد
عبارَة عَن شرع الْحَد وَانْتِفَاء غَيره، أما شرع الْحَد فدلت
عَلَيْهِ الْآيَة وَلم تدل على انْتِفَاء غَيره بِعَدَمِ
دَلِيل عَلَيْهِ، فَإِذا ورد بِهِ دَلِيل شرع، وَلم ينْسَخ
لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لم يثبت شَيْئا تَضَمَّنت الْآيَة
نُسْخَة، وَلَعَلَّ الأولى فِي الجدل تَسْلِيم كَون الْجلد كل
الْحَد وَشرع التَّغْرِيب لاندراس ذكر الْفَاحِشَة فَهُوَ
وَاجِب آخر غير الْحَد.
(4/470)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة بعد
الثلثمائة: شيز.)
هَل الْإِسْلَام شَرط فِي الْإِحْصَان؟ .
الْمَذْهَب: لَا.
عِنْدهم: نعم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام رجم يهوديين زَنَيَا،
قَالَ ابْن عمر: وَكَانَا قد أحصنا، فَإِن قَالُوا: رجمهما
بِحكم التَّوْرَاة، قُلْنَا: بِهِ أُسْوَة، وَشرع من قبلنَا
شرع لنا مَا لم ينْسَخ، فَإِن قَالُوا: رجمهما سياسة، فَكَذَا
نقُول: وَهل الْحَد إِلَّا سياسة.
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من أشرك بِاللَّه
فَلَيْسَ بمحصن ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الجنايتان وَاحِد، وَالْكفْر بالتغليظ أولى، وَبَيَان
استوائهما أَنَّهُمَا ارْتِكَاب
(4/471)
مَحْظُور الشَّرْع وَالْكفْر لَا يسْقط
الْخطاب.
لَهُم:
الدّين يعْتَبر إِجْمَاعًا فَاعْتبر كَمَاله، ذَلِك لِأَن
الزِّنَى لَا يكون بِجِنَايَة إِلَّا بعد اعْتِقَاد الْحُرْمَة
وَذَلِكَ بِالدّينِ، وَيَنْبَغِي أَن يعْتَقد دينا هُوَ
نعْمَة، وَكَمَال النِّعْمَة لَا بُد مِنْهُ لكَمَال
الْعقُوبَة، وَالنعْمَة الْكَامِلَة هُوَ الْإِسْلَام وَهُوَ
حد يعْتَبر فِي وُجُوبه الْإِحْصَان فَاعْتبر الْإِسْلَام
كَحَد الْقَذْف.
مَالك: ف.
أَحْمد:
التكملة:
الْكفَّار يكمل جلد أبكارهم ورجم ثيبهم كالمسلمين لِأَن
الْفِعْل يعْتَبر للحد بِصفة كَونه جِنَايَة وَتثبت هَذِه
الصّفة بِقِيَام خطاب التَّحْرِيم واعتقاد الْفَاعِل قيام
الْخطاب واستواء الْكَافِر وَالْمُسلم الثيبين فِي الْمَعْنى
يُوجب التَّسْوِيَة فِي الْحَد لَا فَارق إِلَّا الْكفْر،
وَهُوَ جِنَايَة تناسب التَّغْلِيظ لَا
(4/472)
التَّخْفِيف وَلَو أثر الْكفْر تَخْفِيفًا
لتشطر الْجلد، فَإِن التشطير أيسر من الْإِسْقَاط، ثمَّ
الْمُعْتَبر فِي الْحَد هُوَ الْحُرِّيَّة وَالْعقل والإصابة
فِي الْحَلَال وَالدّين، وَقد اكتفينا فِي كل مِنْهَا بِمَا
وَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَيَكْفِي من الدّين هَاهُنَا اعْتِقَاد
التَّحْرِيم.
(4/473)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة بعد
الثلثمائة ك شيح.)
الْعدَد فِي الْإِقْرَار بالزنى.
الْمَذْهَب: لَا يعْتَبر.
عِنْدهم: يحْتَاج إِلَى أَرْبَعَة أقارير.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
خبر الغامدية، وَأَنَّهَا أقرَّت مرّة وَقَالَت فِي
الثَّانِيَة: أتردني كَمَا رددت ماعزا، وَلم يُنكر النَّبِي
عَلَيْهَا وَلَا قَالَ لَهَا: تحْتَاج إِلَى أَرْبَعَة أقارير،
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " واغد يَا أنيس إِلَى امْرَأَة
هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها ".
لَهُم:
قصَّة مَاعِز وَأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أعرض عَنهُ
حَتَّى أقرّ أَرْبَعَة أقارير ثمَّ قَالَ لَهُ: " الْآن
أَقرَرت أَرْبعا ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وجد سَبَب وجوب الْحَد، فَوَجَبَ ذَلِك، لِأَن الْإِقْرَار
سَبَب الْوُجُوب
(4/474)
وَقد وجد وَصَارَ حجَّة باعترافه مَعَ عدم
التُّهْمَة.
لَهُم:
نقيس على الشَّهَادَة فَنَقُول: إِحْدَى حجتي الزِّنَى فاختصت
بِزِيَادَة عدد كَالشَّهَادَةِ، كل ذَلِك سترا لهَذِهِ الْحَال
الْفَاحِشَة حَتَّى ضيق عَلَيْهَا بتكثير الشُّهُود وتكرير
الأقارير.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
قَضِيَّة مَاعِز لَا حجَّة فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَام أعرض كَيْلا يسمع الْفَاحِشَة، وَمَا كَانَ مقرا
إِنَّمَا كَانَ يَقُول: طهرني، وَكَأن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام أنكر حَاله وَلِهَذَا سَأَلَهُ وَسَأَلَ عَنهُ وَفرق
بَين الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة لِأَن فِي زِيَادَة
الشَّهَادَة معنى وتوثقة لَيست فِي تكْرَار الْإِقْرَار،
والمستند فِي هَذِه الْمَسْأَلَة النُّصُوص، والخوض فِي
الْقيَاس لَا وَجه لَهُ، فَإِن المقدرات لَا تعرف
بِالْقِيَاسِ.
(4/475)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة بعد
الثلثمائة: شيط.)
الْعَاقِلَة إِذا مكنت صَبيا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها.
الْمَذْهَب: وَجب عَلَيْهَا الْحَد.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَة وَالزَّانِي ... } الْآيَة،
سَمَّاهَا زَانِيَة وَبَدَأَ بهَا وَالِاسْم بحقيقته حَتَّى
يقوم دَلِيل الْمجَاز، ووزان الْآيَة قَوْله تَعَالَى:
{وَالسَّارِق والسارقة} ، سوى بَينهمَا حدا واسما.
لَهُم:
قَول اللَّهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} ، وَجه
الدَّلِيل: إِضَافَة الْفِعْل إِلَى الرجل وَجعل النِّسَاء
محلا كالأرض لِلْحَارِثِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الدَّلِيل على أَنَّهَا زَانِيَة الِاسْم والحقيقة وَوُجُوب حد
الزِّنَى عَلَيْهَا وَلم تكن
(4/476)
بزانية فِي مَحل الْإِجْمَاع لِمَعْنى فِي
الرجل لَكِن لِمَعْنى فِيهَا، يدل عَلَيْهِ أَن الرجل لَو زنا
بصغيرة سمي زَانيا، وَصُورَة فعل الزِّنَى مَوْجُودَة
مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ قضى شَهْوَة الْفرج على غير الْوَجْه
الشَّرْعِيّ.
لَهُم:
لَيست زَانِيَة، فَلَا تحد، لِأَن الزِّنَى حَرَكَة الرجل،
يُقَال: زنا فِي الْجَبَل إِذا صعد، وَمحل الْفِعْل لَا
يُشَارك الْفِعْل، وَالْفرق بَينهمَا: أَن الْمَرْأَة
مَوْطُوءَة وَالرجل واطئ وَيجب الْمهْر عَلَيْهِ لَهَا لَكِن
وَجب الْحَد عَلَيْهَا حَيْثُ مكنت من زنا وأفعال هَؤُلَاءِ
لَيست زنى فَلَا يجب عَلَيْهَا الْحَد وَسميت زَانِيَة
مجَازًا.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
يشْهد لكَونهَا زَانِيَة وجوب الْحَد على من قَالَ لَهَا:
زَنَيْت وَتعلق الْبر والحنث بِفِعْلِهَا إِذا عقدت الْيَمين
على الزِّنَى، وَقَول الغامدية زَنَيْت لقَوْل مَاعِز،
وَقَوْلهمْ: إِن الزِّنَى فعل، جَوَابه أَن نقُول. تمكينها فعل
أم لَيْسَ بِفعل؟ فَإِن لم يكن فعلا فَبِمَ عَصَتْ وحدت وعماذا
زجرت؟ وَبِالْجُمْلَةِ
(4/477)
تسمى زَانِيَة وَالْمَوْجُود مِنْهَا فعل
التَّمْكِين من الْإِيلَاج، والحقيقة أَن الزِّنَى من كل
وَاحِد مِنْهُمَا هُوَ فعله الْمحرم عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعَة
الْمَخْصُوصَة وَهُوَ قَضَاء وطر الْفرج بطرِيق مَقْصُود محرم
قطعا هَذَا حد الزِّنَى، فالرجل بالإيلاج، وَإِن كَانَ مَعَ
عَاقِلَة أَو مَجْنُونَة، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة بالتمكين،
وداعية الْمَرْأَة كداعية الرجل، وَحَقِيقَة الْجِمَاع التقاء
الختانين، وَإِنَّمَا سمي الرجل واطئا وَالْمَرْأَة
مَوْطُوءَة؛ لِأَن الْغَالِب سُكُون الْمَرْأَة وحركة الرجل،
وَإِلَّا البضعان متماسان أَحدهمَا مُحِيط وَالْآخر محاط بِهِ
وَالْفِعْل وَاحِد.
(4/478)
(الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ بعد الثلثمائة:
شكّ.)
إِذا عقد على ذَوَات مَحَارمه كَأُمِّهِ وَأُخْته ووطئ.
الْمَذْهَب: حد.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} ،
أضَاف التَّحْرِيم إِلَى عينهن فخرجن عَن أَن يكن محلا.
لَهُم: ... ... ... . .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَون الْمحل محلا إِنَّمَا يعرف بِالشَّرْعِ لَا حسا، وَالأُم
فِي حق الابْن لَيست
(4/479)
محلا فَصَارَ العقد عَلَيْهَا كلا عقد
فَوَجَبَ الْحَد، ثمَّ الأَصْل فِي الأبضاع التَّحْرِيم،
وَإِنَّمَا يستباح بِالْعُقُودِ الشَّرْعِيَّة، فَهُوَ إِذن
عقد أَخطَأ مَحَله قطعا فَلَا يثير شُبْهَة كَمَا لَو عقد على
غُلَام.
لَهُم:
وَطْء وجد عقيب عقد مُعْتَبر فأسقط الْحَد قِيَاسا على مَا لَو
وطئ فِي نِكَاح بِغَيْر ولي وَلَا شُهُود، ذَلِك لِأَن العقد
صَادف مَحَله لِأَن الْمَرْأَة مَحل العقد بِدَلِيل حَالهَا
مَعَ الْأَجْنَبِيّ وبكونها أُنْثَى آدمية، ثمَّ الشُّبْهَة من
مشابهة هَذَا العقد للْعقد الْحَلَال، ويتأيد بِمَا لَو أشترى
أُخْته رضَاعًا، فَإِنَّهُ لَا يحد بِوَطْئِهَا.
مَالك: ف.
أَحْمد:
التكملة:
أجمعنا على أَنه لَو اشْترى أمه وَوَطئهَا مَعَ الْعلم
بِحُصُول الْعتْق وَجب الْحَد فَإِن يجب عَلَيْهِ فِي
النِّكَاح أولى؛ لِأَن الشِّرَاء عقد العقد وَأفَاد الْملك،
ثمَّ الْقَرَابَة قطعته، وَعِنْدهم لَو طرى على النِّكَاح
رضَاع أَو مصاهرة، ووطئ
(4/480)
مَعَ الْعلم وَجب الْحَد، فَنَقُول: إِذا
كَانَ طريان ذَلِك يدْفع شُبْهَة عقد قد سبق (فَلِأَن تنفى
بِهِ) الشُّبْهَة أولى، فَإِن قَالُوا: مَا الشُّبْهَة الدارئة
للحد؟ قُلْنَا: هِيَ شُبْهَة فِي الْفَاعِل، وَهِي جَهله
بِالتَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ إِذا ظن الْمَوْطُوءَة منكوحته أَو
أمته أَو أَمْثَال ذَلِك، أَو اشْتِبَاه تَحْرِيم الْفِعْل على
الْعلمَاء كَالنِّكَاحِ بِغَيْر ولي ولاى شُهُود، فَإنَّا لَا
نعلم محرم هُوَ ام لَا؟ وعَلى هَذَا نِكَاح الْمُتْعَة يجب
فِيهِ الْحَد، لِأَن بُطْلَانه مَعْلُوم، الثَّالِث قيام
الْمُبِيح بِعَيْنِه كالملك فِي الْأُخْت من الرَّضَاع
وَالْجَارِيَة الْمَنْكُوحَة وَالْجَارِيَة الْمُشْتَركَة
وَفِيه اخْتلف قَول الشَّافِعِي، فَإِن منع انحصرت الشُّبْهَة
فِي قسمَيْنِ، وَإِن سلم، فَلِأَن عين الْبضْع للْمَالِك
وَلِهَذَا يصرف إِلَيْهِ بدله، وَإِنَّمَا منع من الْوَطْء
لمَانع فَصَارَ كَمَا لَو منع عَن وَطْء زَوجته حيض،
والاستئجار على الزِّنَى هَذَا طَرِيقه، فَإِنَّهُ بَاطِل قطعا
وَهِي مَسْأَلَة مُفْردَة.
(4/481)
(اللوحة 76 من المخطوطة أ:)
الْإِجَارَة عقد شرع بطرِيق الضَّرُورَة لدفع حَاجَة يعْتَاد
دَفعهَا بطرِيق الْإِجَارَة لَا لتمليك مُطلق للمنفعة، أَلا
ترى أَنه (لَو اسْتَأْجر الْأَشْجَار يستظل بهَا ويجفف
عَلَيْهَا) ثَوْبه لم يَصح، وَإِن كَانَت مَنْفَعَة حَقِيقَة
إِلَّا أَنه لَا يحْتَاج إِلَى استيفائها عَادَة كَذَلِك
هَاهُنَا مَنَافِع الْبضْع لَا يعْتَاد استيفاؤها بطرِيق
الْإِجَارَة، فَلَا تكون الْإِجَارَة سَببا للتَّمْلِيك
فِيهَا، وَمِمَّا يلْتَحق بِمَسْأَلَة السَّيِّد وَعَبده أَن
نقُول: اسْم الْحق مُشْتَرك يسْتَعْمل تَارَة فِي معنى مُفْرد
وَيكون نقيض الْبَاطِل، وَيسْتَعْمل مُضَافا وَهُوَ الَّذِي
يخْتَص بِهِ الْغَيْر وَيطْلب مِنْهُ رِعَايَة جَانِبه لِأَن
كل شَيْء سَبَب لِمَعْنى يطْلب مِنْهُ، فَمن كَانَ ذَلِك
الْمَعْنى مَطْلُوبا لَهُ كَانَ الْحق لَهُ وَتبين إِذا أَن
الْحَد ينْتَفع بِهِ الْمَالِك لِأَن بِهِ يصلح ملكه، فَيملكهُ
كَمَا يملك التَّعْزِير.
مَسْأَلَة: يقطع السَّارِق فِي ربع دِينَار، وَعِنْدهم فِي
عشرَة دَرَاهِم، لنا: مَا رَوَت عَائِشَة رَضِي اللَّهِ
عَنْهَا عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " لَا
يقطع السَّارِق إِلَّا فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا " لِأَنَّهُ
سرق ربع دِينَار من حرز مثله لَا
(4/482)
شُبْهَة لَهُ فِيهِ وَالسَّارِق من أهل
الْقطع، فَوَجَبَ الْقطع كَمَا لَو هتك الْحُرْمَة مَعَ آخر
وَأخذ ربع دِينَار وَأخذ شَرِيكه تَمام دينارين، وَلَا يُقَال:
إِن الْمَعْنى فِي الأَصْل أَن الْمَسْرُوق لَو قسم بَينهمَا
نِصْفَيْنِ يحصل لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يجوز أَن يكون
صَدَاقا فَجَاز أَن يجب الْقطع.
وَفِي مَسْأَلَتنَا الْمَسْرُوق قدر لَا يتَقَدَّر بِهِ
الْمهْر، فَلَا يتَقَدَّر بِهِ نِصَاب السّرقَة كَمَا دون
الرّبع، لِأَن معنى الأَصْل يبطل بِمَا إِذا وقف أَحدهمَا
خَارج الْحِرْز وَدخل الآخر وَأخذ دينارين، فَإِنَّهُ لَا يجب
الْقطع على الْخَارِج وَإِن كَانَ الْمَأْخُوذ نِصَابا فِي حق
كل وَاحِد مِنْهُمَا، وَمعنى الْفَرْع لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ إِذا لم يتَقَدَّر بِهِ عوض فِي عقد لم يتَقَدَّر بِهِ
النّصاب.
مَسْأَلَة: يجب الْقطع بِسَرِقَة الْمُصحف وَغَيره من الْكتب
خلافًا لَهُ.
لنا: أَن مَا تعلق بِهِ الْقطع قبل أَن يكْتب عَلَيْهِ تعلق
بِهِ بعد الْكِتَابَة كالثياب، وَالِاخْتِلَاف فِي بيع
الْمَصَاحِف حدث بعد زمن النَّبِي فَلَا يُغير حدا
(4/483)
ثَبت فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام،
فَإِن قَالُوا: حُقُوق النَّاس مُتَعَلقَة بالمصحف لقَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " تعلمُوا الْقُرْآن "، والتعلم لَا يكون
إِلَّا بالتمكين، قُلْنَا: الْوَاجِب تعلم فَاتِحَة الْكتاب
والتعلم لَا يُنَافِي الْيَد. وَاعْلَم أَن أَبَا حنيفَة لَا
يُوجب الْقطع بِسَرِقَة الْكتب وَإِن كَانَ عَلَيْهَا حلي
قِيمَته نِصَاب، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا الْقِرَاءَة لَا
المَال، وَإِذا سرق إِنَاء من فضَّة قِيمَته نِصَاب وَفِيه
مَاء أَو خمر وَجب الْقطع عندنَا خلافًا لَهُم، والملاهي إِن
كَانَت مفصلة قيمتهَا ربع دِينَار وَجب الْقطع.
(4/484)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكا.)
إِذا اسْتَأْجر امْرَأَة ليزني بهَا فزنى.
الْمَذْهَب: وَجب الْحَد.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... . .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وآتوهن أُجُورهنَّ} أَي مهورهن، وَالْمهْر
خَاصَّة للنِّكَاح فقد وجد بِشُبْهَة النِّكَاح فدرأ الْحَد،
وَرُوِيَ أَن أمْرَأَة استسقت رَاعيا فأبي إِلَّا أَن تمكنه
فَفعلت فَرفعت الْقِصَّة إِلَى عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ فدرأ
الْحَد عَنْهَا.
(4/485)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
زَان فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَد، دَلِيل ذَلِك مَا قبل هَذَا
العقد، فَلَو خرج عَن الزِّنَى لَكَانَ بِهِ، وَهَذَا عقد
بَاطِل وجوده عدم فقد أَخطَأ مَحَله؛ لِأَن الْبضْع لَيْسَ
مَالا وَلَا شُبْهَة إِذْ لم يُصَادف مَحَله وَلَو صَحَّ
دَعْوَى الْمجَاز انْعَقَد بِهِ النِّكَاح.
لَهُم:
عقد الْإِجَارَة يحْتَمل أَن يجوز بِهِ عَن النِّكَاح؛
لِأَنَّهُمَا يعقدان على الْمَنْفَعَة وَإِذا اتّفق مَحل
الْعقْدَيْنِ احْتمل الْمجَاز بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر،
فَكَانَ ذَلِك شُبْهَة، وَلَو قَالَ: أمهرتك لأزني بك سقط
الْحَد، وَإِن منعتم ألزمناكم أَن لَو قَالَ: نكحتك لأزني بك
وَالْمهْر من خَواص النِّكَاح.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
أما أثر عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ فقد قيل: إِن الْمَرْأَة
كَانَت قريبَة عهد بِالْإِسْلَامِ جاهلة بِتَحْرِيم الزِّنَى،
ثمَّ هُوَ مَذْهَب وَاحِد من الصَّحَابَة فِي مَحل
الِاجْتِهَاد فَلَا يُقَلّد، وَبِالْجُمْلَةِ نقُول:
الْإِجَارَة عقد مَالِي يعْتَمد ملك الْيَمين،
(4/486)
والمستمتع يدْخل بِملك النِّكَاح، فقد
أَخطَأ العقد مَحَله وَالْمهْر لَازم للنِّكَاح، وَوُجُود
لَازم الشَّيْء لَا يثبت شُبْهَة فِيهِ كَمَا لَو زنى بمشهد
عدُول وَولي، فَإِن هَذَا شَرط النِّكَاح ولازمه وَيجب الْحَد،
وَيدل عَلَيْهِ أَنه إِذا قَالَ لغيره: زَنَيْت بعوض وَجب
عَلَيْهِ الْحَد، ثمَّ الْمُسْتَوْفى بِالْعقدِ إِن كَانَ
مَنْفَعَة حَقِيقَة لَكِن حكمه حكم الأجراء لِأَن الشَّرْع
أعْطى مَنَافِع الْبضْع أَحْكَام الْأَعْيَان وَهَذَا لَا
يجْرِي فِيهَا الْبَدَل وَالْإِبَاحَة بِخِلَاف سَائِر
الْمَنَافِع، وَلِهَذَا التَّأْبِيد شَرط التَّمْلِيك فِيهَا،
وَلِهَذَا قَالُوا: وَطْء الثّيّب يمْنَع الرَّد بِالْعَيْبِ.
(4/487)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكب.)
اللواط.
الْمَذْهَب: يُوجب الْحَد.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من وجدتموه يعْمل عمل
قوم لوط فَاقْتُلُوهُ: الْفَاعِل وَالْمَفْعُول "، وروى أَبُو
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ: " إِذا
(4/488)
أَتَى الرجل الرجل فهما زانيان ".
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا
بِإِحْدَى ثَلَاث ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
االواط مثل الزِّنَى فَيُوجب مَا يُوجب فَهُوَ كَالْقَتْلِ
بالمدية بإضافته إِلَى السَّيْف والمماثلة صُورَة وَمعنى؛
لِأَنَّهُ إيلاج فرج فِي فرج محرم لقَضَاء الشَّهْوَة والفرج
مشتهى طبعا محرم شرعا ونمنع عدم جَرَيَان الْقيَاس فِي
الْأَسْمَاء.
(4/489)
لَهُم:
هَذَا لَيْسَ بزنى، لِأَن لَهُ اسْما يَخُصُّهُ والأسماء لَا
تثبت بِالْقِيَاسِ وينفى عَنهُ الزِّنَى وَلَيْسَ فِي معنى
الزِّنَى؛ لِأَن الزِّنَى يفْسد الْفرش ودواعيه آكِد؛
لِأَنَّهُ من الْجَانِبَيْنِ، فَلَا يلْحق اللواط بِهِ، فَلَا
هُوَ هُوَ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ.
مَالك: يرْجم بكرا كَانَ أَو ثَيِّبًا.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
طَرِيق الْمَعْنى تَنْقِيح المناط فِي حد الزِّنَى فَنَقُول:
الْحَد عُقُوبَة فَيعْتَبر (لَهُ مَا هُوَ جِنَايَة) ، وَفعل
الْجِنَايَة إيلاج فرج فِي فرج كَمَا ذكر وَقد وجد باللواط،
يبْقى أَن الزِّنَى فِي مَحل الْحَرْث وَهُوَ مفْسدَة للنسب،
وَهَذِه زِيَادَة غير مُعْتَبرَة إِجْمَاعًا بِدَلِيل الزِّنَى
بالصغيرة، وَالْحكم الْمُعَلل بِمَعْنى إِنَّمَا يدار على
سَبَب ظَاهر إِذا احْتمل ذَلِك السَّبَب ذَلِك الْمَعْنى
واشتمل عَلَيْهِ، أما إِذا عرف انْتِفَاء ذَلِك الْمَعْنى
قطعا، فَلَا يعْتَبر كالجرح المستعقب الزهوق هُوَ مُوجب
الْقصاص؛ لِأَنَّهُ سَبَب الزهوق غَالِبا، وَمَعَ ذَلِك لَو
تعقبه حز الرَّقَبَة
(4/490)
لم يبْق سَببا، فَإِن قيل: كَيفَ بَقِي فرق
بَين الْمُحصن وَالْبكْر فِي جَانب (الْمَفْعُول والإحصان عديم
الْأَثر فِي حَقه؟ ، قُلْنَا: لَا يشرع فِي الْمَفْعُول بِهِ)
غير الْجلد على هَذَا المساق.
(4/491)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكج.)
سَرقَة الْفَوَاكِه الرّطبَة.
الْمَذْهَب: يجب فِيهِ الْقطع.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
العمومات الدَّالَّة على قطع السَّارِق، وَرُوِيَ: " لَا قطع
فِي شَيْء من الثِّمَار حَتَّى يؤويها الجرين، وَلَا فِي شَيْء
من الْمَوَاشِي حَتَّى يؤويها المراح ".
(4/492)
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا قطع فِي ثَمَر وَلَا
كثر "، وَقَالَ: " ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ "،
وَذَلِكَ يخصص كثيرا من العمومات الْوَارِدَة فِي الْحُدُود.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
سرق نِصَابا كَامِلا من حرز مثله لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ،
وَالسَّارِق من أهل
(4/493)
الْقطع، بَيَان الْأَوْصَاف ظَاهِرَة،
والمالية كَامِلَة، والتفاوت فِي الْبَقَاء لَا أثر لَهُ
كالحيوان مَعَ الجماد، والقوارير مَعَ زير الْحَدِيد، والمالية
بِالْعرْفِ.
لَهُم:
مَال تافه لَا يُوجب الْقطع أَو نَاقص الْمَالِيَّة، ذَلِك
لِأَن المَال مَا يصلح للْحَال والمآل وَهَذَا إِنَّمَا يصلح
للْحَال وَحَال الْمَالِيَّة لقِيَام الرُّطُوبَة الْمفْسدَة
فَأعْطِي حكم التَّالِف كالمرتد لما انْعَقَد سَبَب هَلَاكه عد
هَالكا.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
الْجمع بَين الْحَدِيثين: أَن الثِّمَار كَانَت فِي حدائقهم
غير محرزة فِي غَالب الْأَمر، وَإِنَّمَا تحرز بالجرين، ثمَّ
الأدهان والخلول من الْمَائِعَات وتدخر، وَكَذَلِكَ
الْفَاكِهَة الرّطبَة كالعنب وَالرّطب يتمول زبيبا وَتَمْرًا
ويعد من أيسر الْأَمْوَال، والطبائخ والرياحين أَمْوَال
مَقْصُودَة يرغب فِيهَا
(4/494)
ويتجر بهَا، وَكَمَال الْمَالِيَّة
بِكَمَال الْمَنَافِع والقيم، ويتأيد بِأَن ولي الْيَتِيم يجوز
(لَهُ صرف) مَاله فِيهَا وَيجوز جعلهَا صَدَاقا، ثمَّ مَا
لَيْسَ بِمَال فِي الْحَال كالجحش (لتوهم ضَرُورَته) مَا لَا
يجب الْقطع بسرقته (فَمَا هُوَ) مَال فِي الْحَال أولى،
وَالْمُرْتَدّ لَا نجعله مَيتا.
(4/495)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكد.)
أيقيم السَّيِّد الْحَد على عَبده؟ .
الْمَذْهَب: نعم. عِنْدهم: لَا الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أقِيمُوا الْحُدُود على
مَا ملكت أَيْمَانكُم "، وَظَاهره الْوُجُوب، فَلَا أقل من أَن
يَقْتَضِي الْجَوَاز، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا زنت
أمة أحدكُم فليجلدها الْحَد ".
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَرْبَعَة
إِلَى الْوُلَاة: الْخراج، وَالْحَد،
(4/496)
وَالْجُمُعَة وَالصَّدقَات ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمَالِك أولى من السَّيِّد بِدَلِيل أَنه تقدم عَلَيْهِ فِي
ولَايَة النِّكَاح وَصَارَ مثل التَّصَرُّفَات الَّتِي يلقيها
السَّيِّد على عَبده، وَلَا يملك الإِمَام مثلهَا على رَعيته،
وَالْحَد مشوب بِحَق الْآدَمِيّ، وَهُوَ أَيْضا من قبيل
الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ ويتوقف على الْقُدْرَة وَالسَّيِّد
قَادر.
لَهُم:
الْحَد حق لله تَعَالَى فَلَا يملك استيفاءه غير الإِمَام،
لِأَنَّهُ النَّائِب بِدَلِيل سَائِر الْحُقُوق، ذَلِك خشيَة
التواكل لَو فوض إِلَى آحَاد الْمُسلمين.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(4/497)
التكملة:
الْمعول عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أقِيمُوا
الْحُدُود على مَا ملكت أَيْمَانكُم "، وَيُمكن الْجمع بَينه
وَبَين قَوْله: " أَرْبَعَة إِلَى الْوُلَاة "، وَأقرب مَا
يتَمَسَّك بِهِ الْقيَاس على التَّعْزِير لحق اللَّهِ
تَعَالَى، فَإِن السَّيِّد يملكهُ، وَأي بعد فِي أَن يُقَال:
استنبت السادات بِحكم الْمصلحَة فِي اسْتِيفَاء هَذَا الْحق
كَمَا فِي التَّعْزِير فالسيد أهل لإِقَامَة الْحَد قَادر
عَلَيْهِ من عَبده فَيملكهُ، وَبَيَان الْأَهْلِيَّة أَنَّهَا
بِالْعقلِ الْهَادِي إِلَى كَيْفيَّة الْإِقَامَة،
وَالْإِسْلَام الْبَاعِث على فعل الْأَصْلَح، وَبِالْجُمْلَةِ:
نسلم أَن الْحَد حق لله تَعَالَى وَأَن الإِمَام نَائِبه،
ونبين أَن السَّيِّد فِي مَعْنَاهُ، وَلَا مجَال للتُّهمَةِ،
فَإِن السَّيِّد متشوف إِلَى الْحَد ليمنعه بِهِ عَن الزِّنَى
المهلك، وَأما سَماع الْبَيِّنَة فيستدعي أَهْلِيَّة
الِاجْتِهَاد.
(4/498)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكه.)
نِصَاب مَا أَصله على الْإِبَاحَة.
الْمَذْهَب: يجب الْقطع بسرقته.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
العمومات.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " النَّاس شُرَكَاء فِي
ثَلَاث: النَّار وَالْمَاء والكلأ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ
يَقْتَضِي الشّركَة أبدا لَكِن بالحيازة اخْتصَّ بِهِ قوم
فَبَقيَ مُجَرّد اسْم الشّركَة شُبْهَة فِي إِسْقَاط الْحَد،
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا قطع على سَارِق الطير.
(4/499)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْعبارَة:
ونقول: الْإِبَاحَة لَا تصلح شُبْهَة لعدمها فِي الْحَال،
فَصَارَ كتقدم الْملك وَلَيْسَت تافهة، لِأَن الْمرجع فِي
ذَلِك إِلَى الرغبات والقيم والأسواق.
لَهُم:
تافه فَلَا يقطع بسرقته كَمَا دون النّصاب، ذَلِك لقلَّة
الرَّغْبَة، وَالنُّقْصَان من حَيْثُ الْجِنْس أولى
بِالِاعْتِبَارِ من النُّقْصَان من حَيْثُ الْقدر.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
المُرَاد بقَوْلهمْ: مَا قبل الْإِحْرَاز إِجْمَاعًا، وَإِمَّا
إِسْقَاط الْحَد عَن الْأَب بِسَرِقَة مَال ابْنه فَذَلِك لأجل
حق النَّفَقَة، وَأَن مَاله معرض لِحَاجَتِهِ وعصمة يَده من
حَاجته، وَلَيْسَ الْوَلَد ملك الْأَب، وَلذَلِك يجب عَلَيْهِ
حد الزِّنَى إِذا زنى بأمته، وَإِنَّمَا يسْقط الْقصاص
لقَوْله: " لَا يقتل وَالِده بولده "،
(4/500)
وتناقضهم بالآبنوس والساج فقد نَص أَو
حنيفَة: أَنه يجب الْقطع بسرقتهما مَعَ أَنَّهُمَا كَانَا على
الْإِبَاحَة، وَكَذَلِكَ الْخشب المنحوت، وَدَعوى تفاهة هَذِه
الْأَمْوَال وقاحة فَإِن الرغبات متوجهة نَحْوهَا، والبازي
الْمُثمن يُرْسل فِي طلب الصَّيْد لعزته، والرغبات تخْتَلف،
والمعول عَلَيْهَا فِي كل وَقت وعَلى الْقيمَة، ويتأيد
بإصداقها وشرائها للْيَتِيم، ثمَّ التفاهة لَا تسْقط الْحَد
بِدَلِيل سَرقَة قشور الرُّمَّان وأقماع الباذنجان وخليع
الْحصْر إِذا بلغ ذَلِك نِصَابا، وَخبر الطير لم يَصح، وَإِن
صَحَّ فَالْمُرَاد بِهِ الموكر على شجر الْبُسْتَان.
(4/501)
(اللوحة 77 من المخطوطة أ:)
إِذا ابتلع جَوْهَرَة فِي الْحِرْز لم تخرج الْجَوْهَرَة
مِنْهُ وَلَا قطع عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أتلفهَا بذلك، فَهُوَ
كَمَا لَو أكل الطَّعَام فِي الْحِرْز، وَأما إِن خرجت مِنْهُ
فَهَل يجب الْقطع؟ وَجْهَان: وَجه وُجُوبه: أَنَّهَا خرجت فِي
وعَاء فَهُوَ أخرجهَا فِي كمه، وَوجه عدم الْوُجُوب أَنه
ضمنهَا بالبلع فَكَانَ إتلافا؛ لِأَنَّهُ أكره على إخْرَاجهَا
حَيْثُ لَا يُمكنهُ الْخُرُوج بِدُونِهَا، وَإِذا اشْترك
جمَاعَة فِي السّرقَة، فَإِن بلغ مَا سَرقُوهُ إِذا قسم
عَلَيْهِم ربع دِينَار للْوَاحِد وَجب الْقطع، فَإِن انْفَرد
كل وَاحِد بِإِخْرَاج شَيْء اعْتبر بِنَفسِهِ إِن بلغ مَا
أخرجه نِصَابا قطع، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجمع مَا اخرجوه
وَيقسم بَينهم، فَإِن أصَاب الْوَاحِد نِصَابا قطعُوا، فَيكون
الْخلاف فِي صُورَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَن يخرج الْوَاحِد أقل
من نِصَاب فيقطعان عِنْده إِذا تمّ نصابين، وَعِنْدنَا يقطع
الَّذِي أخرج أَكثر من نِصَاب، فَإِن سرق الْوَاحِد نِصَابا
وَالْآخر أقل من نِصَاب قطع سَارِق النّصاب عندنَا وَعِنْدهم
لَا يقْطَعَانِ، وَفِي السّرقَة بَين الزَّوْجَيْنِ ثَلَاثَة
أَقْوَال: أَحدهَا أَنه لَا قطع بَينهمَا لما بَينهمَا من
الِاتِّحَاد الْعرفِيّ وَهَذَا
(4/502)
مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه اللَّهِ،
وَالثَّانِي أَن بَينهمَا الْقطع؛ لِأَنَّهُ اتِّحَاد لم
يُوجِبهُ الشَّرْع، وَالثَّالِث أَن الزَّوْجَة لَا تقطع لأجل
حق النَّفَقَة وَالزَّوْج يقطع، وخيال أبي حنيفَة فِي الزَّوْج
أقرب لأجل حق النَّفَقَة، وَغَايَة جَوَابنَا عَنهُ: أَن
النَّفَقَة لَيست حكم الزَّوْجِيَّة، وَإِنَّمَا هِيَ حكم
التَّمْكِين، وَلذَلِك أسقط بالنشوز مَعَ قيام النِّكَاح،
فَإِن قيل: النِّكَاح سَبَب التَّمْكِين فيضاف الحكم إِلَيْهِ؛
لِأَنَّهُ سَبَب النّسَب، قُلْنَا: نعم. النِّكَاح يُوجب
التَّمْكِين، وَأما فعل التَّمْكِين فمرتبط باختيارها، فَلَا
يُضَاف فعل التَّمْكِين إِلَى النِّكَاح، أَو نقُول: وَجَبت
النَّفَقَة فِي النِّكَاح وجوب الأعواض والأعواض يَقْتَضِي
اخْتِصَاص حكم الشُّبْهَة فِيهَا بِمحل الْعِوَض وَلَا يتعداه
كالغريم لَهُ حق من مَال صَاحبه بِجِهَة العوضية فَلَو سرق
مَاله قطع والاتحاد الْعرفِيّ رُبمَا يأباه ذَوُو الْمُرُوءَة
ويترفعون عَن اسْتِعْمَال مَا يخص الزَّوْجَة.
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: الِاتِّحَاد نتيجة الْمحبَّة
والعشق لَا نتيجة النِّكَاح، وَلَيْسَ التباين فِي النِّكَاح
ببدع، وَلذَلِك شرع الطَّلَاق وَكَانَ هَذَا الْإِنْكَار يصادم
النَّص، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {خلق لكم من أَنفسكُم
أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة
وَرَحْمَة} ، والأصلح أَن يُقَال: الِاتِّحَاد النَّاشِئ عَن
الزَّوْجِيَّة دون الِاتِّحَاد النَّاشِئ عَن الْقَرَابَة،
فَإِن النِّكَاح بِعرْض الزَّوَال، ثمَّ النِّكَاح يُرَاد
لِاتِّحَاد الْقَرَابَة بِالْوَلَدِ فَكيف يعْطى حكم
الْقَرَابَة؟ وَالدَّلِيل على أَنه لَاحق للزَّوْج فِي مَال
زَوجته أَنه يَزْنِي بجاريتها فَيحد.
(4/503)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكو.)
النباش.
الْمَذْهَب: يقطع.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ البني عَلَيْهِ السَّلَام: " من حرق حرقناه، وَمن نبش
قطعناه "، وَلَيْسَت لَفْظَة الْقطع مُحْتَملَة، وَإِنَّهَا
لَا ترَاد هَاهُنَا إِلَّا لقطع الْيَد، قَالَت عَائِشَة رَضِي
اللَّهِ عَنْهَا: " سَارِق مَوتَانا سَارِق أحيائنا "، واللغة
تثبت بقولِهَا وَحكم السَّارِق الْقطع.
(4/504)
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا قطع على المختفي،
قيل: هُوَ النباش بلغَة الْمَدَنِيين.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
سرق نِصَابا كَامِلا من حرز مثله لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ
فَوَجَبَ الْقطع، ذَلِك لِأَن السّرقَة من المسارقة وَقد وجد،
والمالية ظَاهِرَة، وَلِهَذَا يجب ضَمَانه والحرز ظَاهر، لِأَن
الْقَبْر مَوضِع الْكَفَن، وتكفين الْمَيِّت لَيْسَ بتضييع بل
وَاجِب وَيَكْفِي مسارقة أعين النَّاس، فَهُوَ كَمَال غَابَ
عَنهُ صَاحبه وقنع بأعين المارين.
لَهُم:
لم يُوجد سَبَب الْقطع إِذْ لم تُوجد السّرقَة، فَإِن السّرقَة
أَخذ المَال على جِهَة المسارقة لَا عين المالكين وَالْأَخْذ
هَاهُنَا من الْمَيِّت، ثمَّ لم يُوجد
(4/505)
الْحِرْز بِدَلِيل أَنه لَو كَانَ فِي
الْقَبْر ثوب خَز لم يجب الْقطع بسرقته، ثمَّ قد تمكنت
الشُّبْهَة من الْمَسْرُوق؛ لِأَنَّهُ أعد للبلى والقبر يملكهُ
لَا يحرزه، وَإِن سَارِق الْأَعْين؛ فَلِأَنَّهُ يفعل
فَاحِشَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
المآخذ ثَلَاثَة: إِيجَاب الْقطع عَلَيْهِ ابْتِدَاء
بِالنَّصِّ على قطع النباش وقطعهم يُنَاسب ذَلِك، وَالثَّانِي
أَنه سَارِق بِخَبَر عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا ولصورة
فعله فَكَانَ السّرقَة حبس النبش نَوعه، وَإِنَّمَا جَازَ أَن
ينفى عَنهُ لفظا؛ لِأَنَّهُ صَار لَهُ اسْما أشهر، الثَّالِث:
نسلم أَنه لَيْسَ بسارق ونقطعه قِيَاسا على السَّارِق لوُجُود
فعل السّرقَة مِنْهُ، فَإِنَّهُ سرق مَالا مُتَقَوّما
مَعْصُوما مَقْصُود الْحِفْظ شرعا كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة:
تجب كَفَّارَة الْجِمَاع على الْأكل وَإِن كَانَ النَّص ورد
فِي الْجِمَاع، فَإِذا فَرضنَا فِي قبر فِي بَيت كَانَ
الْكَلَام أظهر، فَإِن طرقوا الشُّبْهَة بِأَن الْكَفَن لَا
مَالك لَهُ، قُلْنَا: يبطل بِمَال الْمَيِّت
(4/506)
الَّذِي عَلَيْهِ دين فَإِن المَال لَيْسَ
لَهُ وَلَا للْوَارِث وَيجب الْقطع بسرقته وَالْمَبِيع فِي زمن
الْخِيَار لَا مَالك لَهُ عِنْدهم، وعَلى الْجُمْلَة: الْكَفَن
مَمْلُوك لمن هُوَ لَهُ مُتَقَوّم، وَلِهَذَا لَو أكل السَّبع
الْمَيِّت كَانَ الْكَفَن للْوَارِث وَعدم الْملك لَا يخرج
الْفِعْل عَن كَونه فَاحِشَة، وَلَا الْكَفَن عَن كَونه
مَقْصُود الْحِفْظ عَن السراق.
(4/507)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكر.)
هبة الْمَسْرُوق من السَّارِق.
الْمَذْهَب: لَا يسْقط الْقطع.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
سرق سَارِق خميصة صَفْوَان، فَاسْتَيْقَظَ فأمسكه وَحمله إِلَى
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأمر بِقطعِهِ فَقَالَ: يَا
رَسُول اللَّهِ. مَا أردْت هَذَا، هِيَ لَهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام: " هلا قبل أَن تَأتِينِي بِهِ "، وَهَذَا نَص،
وَلَو أَن ثمَّ مَوضِع شُبْهَة لنبه عَلَيْهِ السَّلَام
عَلَيْهَا إِلَى دَرْء الْحَد.
لَهُم: ... ... ... ... ... ... ... ... . .
(4/508)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ثبتَتْ السّرقَة فَوَجَبَ الْقطع، وَهِي خَالِيَة عَن شُبْهَة،
ذَلِك لِأَن الْملك يقْتَصر على الْحَال وَلَا يتَقَدَّم
سَببه، فَلم يُؤثر فِي السّرقَة السَّابِقَة، ووزانه مَا لَو
زنى بِجَارِيَة ثمَّ اشْتَرَاهَا قبل الْإِمْضَاء وَبعد
الْقَضَاء، فَإِنَّهُ لَا يسْقط الْحَد، وَكَذَلِكَ لَو اشْترى
الْحِرْز الْمَسْرُوق مِنْهُ.
لَهُم:
سَرقَة تمكنت مِنْهَا الشُّبْهَة فمنعت من الْقطع، وَذَلِكَ
لِأَن الْعين قد ملكهَا السَّارِق فالعين (الَّتِي سَرَقهَا
هِيَ الْعين) الَّتِي ملكهَا، واتحاد الْعين كاتحاد الْملك،
ثمَّ الْإِمْضَاء ثَمَرَة الْقَضَاء فَكلما يشرط للْقَضَاء
يشرط للإمضاء؛ لِأَنَّهُ بِثمنِهِ وَبِه يظْهر.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(4/509)
التكملة:
نستدل بِعُمُوم آيَة السّرقَة وَعَلَيْهِم التَّخْصِيص، أما
إِقْرَار الْمَالِك للسارق بِالْعينِ فَيحْتَمل أَن يكون لَهُ
قبل السّرقَة أَو مَعهَا أَو بعْدهَا وَهَذَا شُبْهَة،
وَلذَلِك إِذا رَجَعَ الشُّهُود تختل الْحجَّة إِذْ لَيْسَ
صدقهم أَولا بِأولى من صدقهم ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ لَو فسقوا
تَبينا فَسَاد حَالهم أَولا: فَإِن قَالُوا: الْخُصُومَة شَرط
الْقَضَاء وَالْقطع من الْقَضَاء، فَلَا يُمكن بِغَيْر
خُصُومَة. قُلْنَا: لَا نسلم أَن الْخُصُومَة من شَرط
الْقَضَاء بل لَو أقرّ أَو قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة حسبَة
قطع، ثمَّ نقُول: الْقطع غير الْقَضَاء لِأَن الْقَضَاء
إِظْهَار حكم السّرقَة أَو إثْبَاته على خلاف فِيهِ، وَالْقطع
لَا يكون حكم السّرقَة؛ لِأَنَّهُ فعل محسوس، بل حكم السّرقَة
وجوب الْقطع (فَإِن الْإِنْسَان بِاعْتِبَار أَنه يَمُوت
ويحيا) .
(4/510)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكح.)
الْقطع وَالْغُرْم.
الْمَذْهَب: يَجْتَمِعَانِ.
عِنْدهم: لَا يَجْتَمِعَانِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " على الْيَد مَا أخذت
حَتَّى ترد ".
لَهُم:
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا
أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا} جعل الْقطع جَزَاء الْفِعْل
فَمن زَاد الْغرم فقد زَاد فِي النَّص، وَذَلِكَ نسخ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْكَلَام فِي الضَّمَان فَنَقُول: تحقق سَببه، ذَلِك لِأَن
السَّبَب هُوَ أَخذ مَال
(4/511)
الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه؛ وَلِأَنَّهُ
بِالْيَدِ فَوت على الْمَالِك الْمَنَافِع فَصَارَ كَأَنَّهُ
أتلف الْعين لتعذر الِانْتِفَاع، غَايَته أَنه وَجب حَقًا لله
تَعَالَى الْقطع، وَيجوز أَن يجتمعا كمن قتل صيد الْحرم
الْمَمْلُوك وَمن سرق خمر ذمِّي على أصلكم يحد وَيغرم.
لَهُم:
سَرقَة وَردت على مَال غير مَعْصُوم وَلَا مُتَقَوّم لحق
آدَمِيّ فَلَا يجب الضَّمَان، بَيَان الدَّعْوَى: وجوب الْقطع
حق لله تَعَالَى بِدَلِيل أَنه لَا يسْقط بِإِسْقَاط
الْآدَمِيّ، وَالْجِنَايَة على حق اللَّهِ تَعَالَى،
وَإِنَّمَا يكون ذَلِك بِأَن تنقل الْعِصْمَة إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى، فَإِذا انْتَقَلت الْعِصْمَة إِلَى اللَّهِ ضَرُورَة
لم يبْق المَال مَعْصُوما.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
مطلع النّظر أَن الْقطع وَالْغُرْم حكمان مُخْتَلِفَانِ فلابد
لَهما من سببين،
(4/512)
فَنَقُول: تعدد السَّبَب يتلَقَّى من تعدد
الْفِعْل، وَقد يتلَقَّى من تعدد الْجِهَات لفعل وَاحِد فيتوفر
عَلَيْهِ بِاعْتِبَار كل جِهَة حكم، وَكَانَ فِي معنى فعلين
كالمصلي فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة وَاسْتِيفَاء الْقصاص من
الْحَامِل، وَكَذَلِكَ السّرقَة فعل وَاحِد فلحق الْمَالِك يجب
الضَّمَان، وَلحق الله تَعَالَى يجب الْقطع وَحقّ اللَّهِ
تَعَالَى فِي عرض السَّارِق وَكَونه جنى عَلَيْهِ (فَإِن
الْإِنْسَان بِاعْتِبَار أَنه يَمُوت ويحيا) نفس وَبِاعْتِبَار
أَنه يمدح ويذم عرض، وَفِي النَّفس حق اللَّهِ تَعَالَى بِلَا
خلاف، وَالسَّرِقَة فَاحِشَة مُحرمَة لحق اللَّهِ تَعَالَى
بِكَوْنِهَا تلطخ عرض السَّارِق، وَيجوز أَن يجب الْقطع على
جَزَاء مُخَالفَة الْأَمر، لِأَن من حق اللَّهِ تَعَالَى أَو
نَهْيه أَن يعظم بالامتثال فشرع الْقطع زجرا عَن الْإِخْلَال
بالتعظيم وَالْغُرْم بِحَق الْآدَمِيّ.
(4/513)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ
بعد الثلثمائة: شكط.)
إِذا سرق عينا فَقطع بهَا ثمَّ سَرَقهَا.
الْمَذْهَب: يقطع ثَانِيًا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
آيَة السّرقَة: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا
أَيْدِيهِمَا} .
لَهُم:: ... ... ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تحقق سَبَب الْقطع فَوَجَبَ كَمَا لَو ابْتَدَأَ، وَكَونه قطع
بهَا نوبَة لَا تكون
(4/514)
شُبْهَة؛ لِأَنَّهُ حد استوفي على جريمة
تقدّمت فَصَارَ بِمَثَابَة من زنى ثمَّ حد ثمَّ زنى، ثمَّ
السَّارِق إِذا انتزعت الْعين من يَده بَقِي كَسَائِر
الْأَجَانِب فَهُوَ كسارق آخر.
لَهُم:
سَقَطت الْعِصْمَة فِي حَقه حَتَّى قُلْنَا: لَا يضمنهَا،
فَإِذا اشْتَرَاهَا الْمَالِك بَقِي أثر سُقُوط الْعِصْمَة
شُبْهَة فِي دَرْء الْحَد ثمَّ مسْقط الْعِصْمَة الْقطع وَهُوَ
قَائِم ثمَّ هُوَ حد يعْتَبر فِيهِ الْخُصُومَة، وَيُشبه حد
الْقَذْف، وَلَو قذف إنْسَانا فحد ثمَّ عَاد وقذفه لم يحد.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
السّرقَة بقيودها مَوْجُودَة فِي الْمرة الثَّانِيَة،
وَالْحَاجة ماسة إِلَى شرع الْقطع (واتحاد الْعين وَالسَّارِق
لَا يثير شُبْهَة كَمَا فِي الزِّنَى) وَالْقطع السَّابِق فِي
مُقَابلَة الْجِنَايَة السَّابِقَة وَالثَّانِي للثَّانِيَة،
فَهُوَ كَمَا لَو سَرَقهَا من مَالك آخر أَو دَخلهَا صَنْعَة
والصنعة تغير الصّفة لَا الْعين، وعذرنا عَن حد الْقَاذِف أَن
(4/515)
الْمَقْصُود بحده بَيَان كذبه كَيْلا
يتَغَيَّر الْمَقْذُوف وَيَكْفِي مرّة، هَذَا إِذا قذفه (بِمَا
قذفه) بِهِ أَولا، فَأَما إِذا قذفه بِغَيْر مَا قذفه بِهِ
أَولا يجب الْحَد، وَبِالْجُمْلَةِ نمْنَع سُقُوط الْعِصْمَة،
وعَلى التَّسْلِيم نقُول: لَا معنى لَهُ إِلَّا أَن المَال
صَار مَعْصُوما لله تَعَالَى حَتَّى أمكن وجوب الْقطع،
وَوُجُود حَالَة تحقق وجوب الْقطع يَسْتَحِيل أَن تصير شُبْهَة
فِي قطع آخر، وعَلى هَذَا لَو سرق من يَد السَّارِق وَجب
الْقطع لِأَن السّرقَة من الْغَاصِب توجب الْقطع، وَإِن
قُلْنَا: لَا يجب؛ فَلِأَن يَده لَيست حرْزا.
(4/516)
(الْمَسْأَلَة الثَّلَاثُونَ بعد
الثلاثمائة: شل.)
هَل تقطع الْيُسْرَى فِي الْمرة الثَّالِثَة؟ .
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
آيَة السّرقَة، وَالْحجّة قَوْله تَعَالَى: {أَيْدِيهِمَا} ؛
فَظَاهر الْآيَة يدل على جمع، وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " من سرق فَاقْطَعُوا يَده الْيُمْنَى "، ثمَّ من
سرق كَذَلِك حَتَّى استوعب الْأَطْرَاف وَقَالَ فِي
الْخَامِسَة: " الْقَتْل ".
لَهُم:
رُوِيَ عَن عَليّ رضوَان اللَّهِ عَلَيْهِ أَنه أُتِي بسارق
مَقْطُوع الْيَد وَالرجل
(4/517)
فَقَالَ: إِنِّي لأستحيي من اللَّهِ
تَعَالَى أَن لَا أترك لَهُ يدا يَأْكُل بهَا ويستنجي بهَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
إِيجَاب الْقطع فِي إِحْدَى الْيَدَيْنِ إِيجَاب فِي
الْأُخْرَى لتساويهما؛ لِأَن التَّنْصِيص على شَيْء تنصيص على
مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَالْعَبْدِ وَالْأمة، ثمَّ الْيَسَار
مَحل قطع بِدَلِيل مَا لَو قطعهَا الإِمَام، فَإِنَّهُ يسْقط
الْحَد وَيجْزِي ثمَّ هِيَ آلَة الْجِنَايَة كاليمنى.
لَهُم:
قطع الْيَدَيْنِ إِتْلَاف حكما فَلَا يشرع كالحقيقي، دَلِيل
ذَلِك وجوب كل الدِّيَة والجثة صَارَت تالفة بِالْإِضَافَة
إِلَى معنى الْبدن، وَلِهَذَا لَا يقطع فِي الثَّانِيَة مَعَ
أَنَّهَا أقرب إِلَى أُخْتهَا من الرجل، وَالْحَد يَنْبَغِي
أَن يكون زاجرا لَا متلفا.
مَالك:
(4/518)
أَحْمد:
التكملة:
جَمِيع الْأَيْدِي مَحل الْقطع بِدَلِيل الْآيَة؛ لِأَنَّهُ
ذكر الْأَيْدِي بِصِيغَة الْجمع، واليسرى مَحل، فَإِنَّهَا
مَحل مَقْصُود الْقطع وَهُوَ حِكْمَة الزّجر، وَلَا نسلم أَن
قطع الْيَدَيْنِ إهلاك، فَإِن النَّفس بَاقِيَة من كل وَجه،
بِدَلِيل وجوب الْقصاص وَالدية، وهب أَنه كَذَلِك فَمَا
الْمَانِع مِنْهُ؟ أَلَيْسَ الأول قطعا؟ وَالثَّانِي فِي
مَعْنَاهُ، وَمنع إِضَافَة الحكم إِلَى الآخر ونمنع مَسْأَلَة
الزورق والأمتعة، وَلَا دَلِيل لَهُم على أَن هَذَا الْقطع غير
مَشْرُوع.
(4/519)
(الصفحة
الفارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
(4/520)
(اللوحة 78 من المخطوطة أ:)
(اسْتعْمل الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابنَا) الْقيَاس فِي
إِثْبَات اسْم الْخمر للنبيذ ثمَّ أدخلوه بعد ذَلِك فِي
الْعُمُوم الْوَارِد فِي تَحْرِيم الْخمر، قَالَ بعض
الْأَصْحَاب: ذَلِك من طَرِيق الِاسْم العادم دون الْقيَاس،
لِأَن الْخمر مَا خامر الْعقل وستره، وَهَذَا الْمَعْنى
مَوْجُود فِي النَّبِيذ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " كل
مُسكر خمر "، وَيدل على أَن مَا جَازَ ثُبُوته بِخَبَر
الْوَاحِد جَازَ ثُبُوته بِالْقِيَاسِ كأحكام الْفُرُوع، ثمَّ
قد وجدنَا أَسمَاء كَثِيرَة وضعت بعد اللُّغَة كالجنس والأسماء
المعربة كالنمارق والإستبرق، فَإِذا جَازَ نقل غير
(4/521)
الْعَرَبِيّ إِلَى الْعَرَبِيّ فَقِيَاس
بعض أَسمَاء اللُّغَة على بعض أجوز، قَالُوا: فالعربية قد فرقت
فِي الصّفة الْوَاحِدَة بَين أسمائها وَلم تسْتَعْمل الْقيَاس
فِيهَا فَقَالُوا للمشقوق الجفن: أشتر، وَالْأنف: أجدع،
والشفة، أعلم، وسمو الْفرس الْأسود أدهم، وَلم يطلقوا ذَلِك
على الْحمار، وَالْجَوَاب: أَن منع الْقيَاس فِي بعض اللُّغَة
لَا يَقْتَضِي الْمَنْع فِي الْكل، فَإِن من الْأَحْكَام
الشَّرْعِيَّة مَا لَا يجرى الْقيَاس فِيهِ مثل اللّعان
والقسامة وَلَا يدل على منع الْقيَاس من بَاقِي الْأَحْكَام،
وللخصم أَن يَقُول: تَحْرِيم الْخمر كَانَ بِالْمَدِينَةِ
وَكَانَ أَكثر شرابهم الفضيخ والبتع، وَكَانَ العنبي يجلب
إِلَيْهِم فيبعد أَن يشْتَهر تَحْرِيم مَا ندر عَلَيْهِم
وَيخْفى تَحْرِيم مَا اشْتهر الْجَواب: إِنَّمَا اشْتهر
تَحْرِيم العنبي بِالنَّصِّ ونسلم هَاهُنَا أَن الْخمر هُوَ
العنبي
(4/522)
خَاصَّة لَا مَا عداهُ، وَلَا يثبت
تَحْرِيم غير العنبي باسم الْخمر لَكِن بالاستدلال من
الِاشْتِرَاك مَعَ الْخمر فِي الْمَعْنى الْمُقْتَضِي
للتَّحْرِيم وَهُوَ الْمُحَافظَة على الْعقل بِأَن يصرف عَنهُ
مَا يُفْسِدهُ، قَالُوا: فَإِذا الْإِلْزَام بَاقٍ فَإِن شراب
الْمَدِينَة غير العنبي، فَلم لم يَقع الاعتناء بِتَحْرِيمِهِ
لَو كَانَ محرما؟ وَالْجَوَاب أَن أهل الْمَدِينَة لم
يَكُونُوا مقصودين على الْخُصُوص بل قصد التَّحْرِيم على
الْعُمُوم.
وَاعْلَم أَن الْخِتَان وَاجِب للذكور وَالْإِنَاث البلغ
عندنَا خلافًا لَهُم.
قَالَ بعض الأكابر: الْخِتَان دَاع الْإِسْلَام وَالْمَسْأَلَة
مشكلة، فَإِن مضمونها إِيجَاب جرح مخطر، وَذَلِكَ لَا يُصَار
إِلَيْهِ إِلَّا ثَبت وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: "
ألق عَنْك شعر الْكفْر واختتن " لَيْسَ (بالغافي الطّهُور
لقرينته) ، فَإِن قَالَ الْخصم: هُوَ قطع مؤلم، وَالْأَصْل نفي
الضرار، قُلْنَا:
(4/523)
هَذَا كَلَام من يَنْفِي كَونه مَشْرُوعا
وَهُوَ مَشْرُوع وَلَا يتَّجه لَهُم قِيَاس فِي نفي الْوُجُوب
إِلَّا ويصادمه نفي الِاسْتِحْبَاب، ونقول: اتِّفَاق النَّاس
على هَذَا الْقطع المؤذي من غير أَن يتَعَلَّق بمصلحة بدنية
يدل على أَنهم رَأَوْهُ مِمَّا لابد مِنْهُ، وينضم إِلَى ذَلِك
كشف الْعَوْرَة، وَيرد على ذَلِك ختان الصّبيان، فَإِنَّهُ غير
وَاجِب وَتكشف لَهُ الْعَوْرَة، والمخلص من ذَلِك أَنا نجيز
النّظر إِلَى فروج الْأَطْفَال.
(4/524)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الثلثمائة: شلا.)
النَّبِيذ قَلِيله وَكَثِيره، نيئه وطبيخه.
الْمَذْهَب: حرَام.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن من التَّمْر خمرًا،
وَإِن من الْبر خمرًا "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْخمر
من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة وَالْكَرم "، وَقَالَ: "
أنهاكم عَن قَلِيل مَا أسكر كَثِيره "، وَقَالَ: " كل مُسكر
حرَام، وَمَا أسكر الْفرق مِنْهُ فالحسوة مِنْهُ حرَام ".
(4/525)
لَهُم:
ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب
... ... ... .} الْآيَة، وَجه الدَّلِيل: أَنه من علينا بذلك،
وَهُوَ مُطلق فِي النبئ والمطبوخ، نسخ النيئ، بَقِي
الْمَطْبُوخ، وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا
اغتلمت عَلَيْكُم هَذِه الْأَشْرِبَة فاكسروها بِالْمَاءِ " "،
وَقَول ابْن مَسْعُود: شهِدت تَحْرِيم النَّبِيذ كَمَا شهدتم
ثمَّ شهِدت تحليلها فَحفِظت ونسيتم.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شراب مشتد مسكرة، فَكَانَ حَرَامًا كَالْخمرِ، وتأثيره أَن
الْخمر حرمت لما تُفْضِي إِلَيْهِ من السكر المفضي إِلَى
الْعَدَاوَة والبغضاء، والصد عَن الصَّلَاة فَحرم الْقَلِيل
صونا عَن الْكثير، وَالْمعْنَى مَوْجُود فِي النَّبِيذ،
وَيُمكن أَن
(4/526)
يُقَال: النَّبِيذ خمر؛ لِأَنَّهُ يخَامر
الْعقل.
لَهُم:
فِي الْخمر مَنَافِع كَثِيرَة وَفِي النَّبِيذ، إِلَّا أَن
الشَّرْع حرم الْخمر لعينها، فَبَقيَ النَّبِيذ مُبَاحا إِلَّا
أَن الْمُسكر حرَام لما فِيهِ من الْأَذَى فَبَقيَ على مَا
كَانَ؛ سِيمَا وَهُوَ أنموذج شراب الْآخِرَة، فَلَا بُد من
مَعْرفَته.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْمَسْأَلَة من الْجَانِبَيْنِ مَبْنِيَّة على الحَدِيث،
وَالسكر حرَام إِجْمَاعًا، وَللَّه حمى هُوَ مَحَارمه، وَمن
حام حول الْحمى أوشك أَن يَقع فِيهِ، وَالنَّفس أَمارَة
بالسوء، وَالْإِنْسَان على نَفسه بَصِيرَة.
(إِن السَّلامَة من سعدى وجارتها ... أَلا تمر على حَال
بواديها)
ثمَّ قَوَاعِد الشَّرْع متبعة، وَمَتى حرم شَيْئا لأمر حرم مَا
يُفْضِي إِلَيْهِ أَلا ترَاهُ حرم الْخلْوَة بالأجنبية،
والتأفيف للْوَالِدين، وتوابع الْمَحْظُور محظورة، يدل
عَلَيْهِ أَن الْقدح الَّذِي يتعقبه السكر حرَام، وَمَعْلُوم
أَن السكر مَا حصل
(4/527)
بِهِ، وَإِنَّمَا حصل بِهِ وَبِغَيْرِهِ،
فالجميع إِذا حرَام، وَالشَّرْع فِي مثل هَذَا يعرض عَن
الْقدر، وَينظر إِلَى الْجِنْس، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ
الرَّضَاع عِنْدهم، والمفطرات بالِاتِّفَاقِ والمذاهب تتعرف
بمساقها، فَمَا أفْضى إِلَى فَسَاد فَهُوَ فَاسد، وَالله لَا
يجب الْفساد، وَمن مَذْهَبهم أَن من شرب وَلم يسكر فَمَا شربه
لَيْسَ بِحرَام، فَإِن ضربه الْهوى فَسَكِرَ، صَار حَرَامًا
مَا شربه.
(4/528)
(الصفحة فارغة)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
(4/529)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الثلثمائة: شلب.)
إِذا صالت بَهِيمَة مَمْلُوكَة على إِنْسَان فَقَتلهَا دفعا
عَن نَفسه.
الْمَذْهَب: لَا ضَمَان.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... ... ...
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " العجماء جَبَّار "،
فَإِذا كَانَ فعلهَا هدرا كَانَ همها بِالْفِعْلِ هدرا،
بِخِلَاف الْأَب وَالسَّيِّد، فَإِن فعلهمَا مُعْتَبر،
وَكَذَلِكَ
(4/530)
العَبْد يتَعَلَّق الضَّمَان بِرَقَبَتِهِ،
وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فعلهمَا مُعْتَبر، وكل وَاحِد من
هَؤُلَاءِ لَا يلْزم الضَّمَان بِفِعْلِهِ إِذا صَار بِخِلَاف
الْبَهِيمَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قتلت شرعا فَلَا تضمن كصيد الْحرم، وَحقّ الْعِصْمَة أَلا
يتَعَرَّض للدابة ابْتِدَاء، أما احْتِمَال الشَّرّ فَلَا
نكلفه، وَقتل هَذِه الْبَهِيمَة لِمَعْنى فِيهَا هدرت كالفواسق
الْخمس، والمؤذية قطعا كالمؤذية طبعا، ثمَّ هِيَ قتلت نَفسهَا
بإلجائها إِيَّاه إِلَى قَتلهَا وَالْمَوْجُود مِنْهُ دفع لَا
قتل.
لَهُم:
معصومة بِحَق الْمَالِك فَلَا يسْقط ضَمَانهَا بالصيال، دَلِيل
الدَّعْوَى سُقُوط الْعِصْمَة بِإِبَاحَة الْمَالِك ولسقوط
عصمته بِالرّدَّةِ، والعصمة قَائِمَة قبل الصيال فَفعل
الْغَيْر لَا يهدرها، كَمَا لَو قَتله بِسَبَب المخمصة،
والمعاني الْمُوجبَة للعصمة قَائِمَة. ثمَّ إِنَّه مَال وكل
ذَلِك لَا يَزُول بالصيال.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(4/531)
التكملة:
الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فشغلها بِالْإِتْلَافِ إِنَّمَا
يُؤْخَذ من نَص فِي الْمَسْأَلَة أَو من قِيَاس على مَنْصُوص
أَو مجمع عَلَيْهِ، وَلَا نَص فِي الْمَسْأَلَة وَلَا إِجْمَاع
إِلَّا إِتْلَاف مَال لَا أذية بِهِ، وَإِذا أوجب الشَّرْع
الضَّمَان بِإِتْلَاف مَال لَا أذية فِيهِ وَلَيْسَ فِي
الْإِتْلَاف دفع لأذيته، فَلَا يكون فِي مَعْنَاهُ إِتْلَاف
هُوَ دفع الأذية، فَمن أَرَادَ أَن يلغي هَذَا الْوَصْف
الْمُؤثر فَعَلَيهِ الدَّلِيل، ويحقق هَذَا الْكَلَام
الْمُنَاسبَة وَشَهَادَة الشَّرْع، أما الْمُنَاسبَة فواضحة
إِذْ إِلْزَام الْإِنْسَان احْتِمَال الْأَذَى من مَال
الْغَيْر ظلم، وَمهما قيد الدّفع بِشَرْط الضَّمَان كَانَ
ظلما، وَشَهَادَة الشَّرْع دفع صيد الْحرم، وَكَذَلِكَ الْأَب
إِذا صال، وَالسَّيِّد أغير على الْوَلَد وَالْعَبْد،
وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَالْمَجْنُون، وَيخرج على كلامنا أكل
مَال الْغَيْر فِي المخمصة وإلقاء مَاله فِي الْبَحْر عِنْد
خوف الْغَرق، فَإِن هَذَا لَيْسَ لدفع أذية المَال، وَإِنَّمَا
هُوَ لحفظ النَّفس أَعنِي نفس الدَّافِع، وَإِن ادعينا أَنه
لَيْسَ بِمَال عِنْد الصيال توجه، ويعارضونا بالجحش الصَّغِير
وَكَونه لَيْسَ بِمَال وَيضمن، وَالْجَوَاب أَنه لَا أذية
مِنْهُ.
(4/532)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الثلثمائة: شلج.)
قسْمَة الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب.
الْمَذْهَب: يجوز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قسم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام غَنَائِم بدر ببدر،
وَغَنَائِم خَيْبَر بِخَيْبَر،
(4/533)
وَغَنَائِم أَوْطَاس بأوطاس، وَبني المصطلق
ببني المصطلق، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم
من شَيْء فَأن لله خَمْسَة وَلِلرَّسُولِ} ، وكوننا غَانِمِينَ
لَا نقف على حُصُولهَا فِي دَارنَا، فمطلق الْآيَة يُوجب
الْخمس لله وَالْبَاقِي لأوليائه.
لَهُم:
قسم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام غَنَائِم بدر بِالْمَدِينَةِ
وَغَنَائِم حنين بالجعرانة من رستاق مَكَّة، وَلَو جَازَ أَن
تقسم فِي الْحَرْب مَا كلف النَّقْل.
(4/534)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وجد سَبَب الْملك فَثَبت الْملك، هَذَا لِأَن الْقِسْمَة لَيست
إِلَّا تعْيين الْأَنْصِبَاء وإقرارها، والاستيلاء هُوَ سَبَب
الْملك، وَقد وجد بِدَلِيل الْمُبَاحَات وَالدَّار للْمُسلمين
إِن نووا الْإِقَامَة.
لَهُم:
لم يتم الِاسْتِيلَاء، فَلَا يثبت المَال كَمَا قبل انْقِضَاء
الْوَقْعَة، ذَلِك لِأَن الْيَد
ثَابِتَة عَلَيْهَا من وَجه دون وَجه لكَونهَا فِي دَارهم،
ثمَّ الْجِهَاد سَبَب الِاسْتِحْقَاق، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون
بقلع شوكتهم أَو بالأمن مِنْهَا، وَذَلِكَ بالإحراز.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
الِاسْتِيلَاء سَبَب الْملك، والمباح المنفك عَن اخْتِصَاص ذِي
حُرْمَة هُوَ مَحَله، وَالْمُسلم أهل، ثمَّ السراق يملكُونَ
أَمْوَال دَار الْحَرْب وهم بهَا
(4/535)
والأماكن لَا أثر لَهَا فِي التَّمْلِيك
بِدَلِيل أَنه لَو فر عبد من عبيدهم إِلَى معسكر الْمُسلمين
عتق، وَإِن كُنَّا فِي دَارهم وَهِي دَار تصح فِيهَا
الْقِسْمَة فجازت، ذَلِك لِأَن للْإِمَام قسمتهَا، ومعسكر
الإِمَام دَار من دور الْإِسْلَام، بِدَلِيل العَبْد إِذا هرب
إِلَيْنَا، فَإِن ألزمونا جَوَاز أَخذ العلوفة ألزمناهم
الْمَنْع من ذَلِك، وَلَعَلَّ الْعذر الْحَاجة إِلَى العلوفة.
(4/536)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الثلثمائة: شلد.)
إِذا استولى الْكفَّار على أَمْوَال الْمُسلمين وأحرزوها بدار
الْحَرْب.
الْمَذْهَب: لَا يملكونها.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رُوِيَ أَن الْمُشْركين أَغَارُوا على سرح الْمَدِينَة وفيهَا
نَاقَة النَّبِي العضباء، وأسروا جَارِيَة من الْأَنْصَار،
ثمَّ أَنَّهَا هربت على النَّاقة ونذرت إِن نجتها لتنحرنها،
فَلَمَّا عَادَتْ إِلَى الْمَدِينَة وَعرف النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام ذَلِك قَالَ: " بئس مَا جزيتهَا "، واسترجعها.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا
من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ} ، وَجه الدَّلِيل: أَنه سماهم
فُقَرَاء، وَرُوِيَ أَن الْكفَّار أخذُوا
(4/537)
بَعِيرًا من الْمُسلمين فَلَمَّا ظهر
عَلَيْهِ مَالِكه قَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنْت أَحَق بِهِ "، وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَام: " هَل ترك لنا عقيل من ربع ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَحل مَعْصُوم بِالْإِسْلَامِ، فَلَا يملك بِالِاسْتِيلَاءِ
كالرقاب، وكما لَو كَانَ المستولي مُسلما وَنَقله إِلَى دَار
الْحَرْب، ذَلِك لِأَنَّهُ مَال مَمْلُوك، والاستيلاء تملك
الْمُبَاح، وَالسَّبَب يعْمل إِذا صَادف مَحَله، وَالْكفَّار
مخاطبون
(4/538)
بالمنهيات، وَلِهَذَا يقطع سارقهم، وَيحد
زانيهم.
لَهُم:
سَبَب يملك بِهِ الْمُسلم مَال الْكَافِر فَملك بِهِ الْكَافِر
مَال الْمُسلم كَالْبيع، لِأَن الْمُسلم وَالْكَافِر سَوَاء
فِي أَحْكَام الدُّنْيَا وَنصِيب الْكَافِر أتم، وَلَو منع
مَانع كَانَ الْخطاب وَالْكفَّار لَا يخاطبون بالفروع، فَهُوَ
سَبَب صدر من أَهله فِي مَحَله، ذَلِك لِأَن المَال مَحل
الْملك وَله خلق، وعصمته خلاف الأَصْل تثبت بخطاب المخاطبين.
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.
التكملة:
نصب الِاسْتِيلَاء سَبَب للْملك لَا يعرف إِلَّا من نَص أَو
قِيَاس على مَنْصُوص وَلَا نَص فِي الْمَسْأَلَة، وَالْأَصْل
الْمجمع عَلَيْهِ الِاسْتِيلَاء على مَال مُبَاح منفك عَن
اخْتِصَاص ذِي حُرْمَة كالحشيش وَالصَّيْد وَمَال الْكفَّار،
وَلَيْسَ مَال الْمُسلم فِي معنى ذَلِك بِدَلِيل أَنه لَا
يملكهُ مُسلم آخر بِالِاسْتِيلَاءِ،
(4/539)
ويلزمهم أَن الرّقاب لَا تملك
بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالْآيَة لَا حجَّة فِيهَا فَإِنَّهُ
يُقَال: غصب فلَان مَال فلَان فأفقره، وَإِنَّمَا المُرَاد
بِهِ زَوَال الْيَد، وَلِهَذَا يكون فَقِيرا وَيسْتَحق سهم
الْفُقَرَاء إِذا انْقَطع عَن مَاله.
وَقَوله: " هَل ترك لنا عقيل من ربع " أَي أخر بِهِ، ونقول:
هَل الِاسْتِيلَاء سَبَب يثبت الْملك أم ناقل؟ فآخر
الْقسمَيْنِ مَمْنُوع، وَالْمحل لَا يقبل الأول، فَإِنَّهُ
مَمْلُوك للْمُسلمين إِجْمَاعًا، وَإِثْبَات الْملك فِي
مَمْلُوك مُمْتَنع ضَرُورَة أَن المثلين لَا يَجْتَمِعَانِ،
فَإِن ألزمونا اسْتِيلَاء الْمُسلم على مَال الْكفَّار منعنَا
ملك الْكَافِر، لِأَن الْملك اخْتِصَاص شَرْعِي وَلَا
اخْتِصَاص إِلَّا بِقطع رَحْمَة الْغَيْر وَهِي غير
مُنْقَطِعَة إِجْمَاعًا، ونمنع على هَذَا صِحَة مبايعة
الْكفَّار بل هُوَ احتيال فِي أَخذ أَمْوَالهم، وَذَلِكَ
جَائِز.
(4/540)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الثلثمائة: شله.)
من أسلم وَلم يُهَاجر إِلَيْنَا.
الْمَذْهَب: تضمن نَفسه وَمَاله قصاصا ودية وَكَفَّارَة.
عِنْدهم: خَالف إِلَّا فِي الْكَفَّارَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
العمومات الْوَارِدَة فِي وجوب الْقصاص وَالدية بقتل الْمُسلم
وَأخذ مَاله كَقَوْلِه: {النَّفس بِالنَّفسِ} ، وَقَول
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " على الْيَد مَا أخذت حَتَّى
ترد "، وَيدل على الْعِصْمَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: "
فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ ".
لَهُم:
قَالَ تَعَالَى: {وَمن قتل مُؤمنا خطئا فَتَحْرِير رَقَبَة} ،
وَقَالَ: {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة
مسلمة} أَرَادَ الذِّمِّيّ، وَقَالَ: {فَإِن كَانَ من قوم عَدو
لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة} أَرَادَ من أسلم فِي
دَار
(4/541)
الْحَرْب فَأوجب الْكَفَّارَة، فَلَو
أَوجَبْنَا الدِّيَة بَطل التَّقْسِيم وَعَاد الثَّلَاثَة
الْأَقْسَام إِلَى قسمَيْنِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْعِصْمَة كَرَامَة، وَالْإِسْلَام يُنَاسب جلب الكرامات،
وَالشَّيْء يفهم من ضِدّه، فَكَمَا فهم أَن الْكفْر مُبِيح فهم
أَن الْإِسْلَام عَاصِم، وَالْإِسْلَام شكر النِّعْمَة
وَيَقْتَضِي الزِّيَادَة مِنْهَا، وَلِهَذَا الْمُسلم
الْمُسْتَأْمن فِي دَار الْحَرْب مَضْمُون.
لَهُم:
الْعِصْمَة نعْمَة دنيوية، وَالْإِسْلَام أعظم من أَن يُؤْتى
فِي أُمُور الدُّنْيَا بل مقْصده الْآخِرَة، فكم من كَافِر
موسع عَلَيْهِ، وَالدُّنْيَا جنَّة الْكَافِر، وَإِنَّمَا
العاصم الدَّار بِدَلِيل الذِّمِّيّ، وَذَلِكَ لِأَن مَنْفَعَة
الدَّار صَالِحَة للعصمة والعصمة هِيَ التقوم، والتقوم بالعبرة
وَالْعبْرَة بالإحراز فِي الدَّار.
مَالك: ق.
(4/542)
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن حملُوا الْخَبَر على الْعِصْمَة المؤثمة، قُلْنَا: هَذِه
أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم فتقسيم الْعِصْمَة إِلَى
مؤثمة ومقومة لَا دَلِيل عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا فِي اللُّغَة
عبارَة عَن الْحِفْظ، وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن معنى مُقَدّر
فِي الْمحل يَقْتَضِي حفظه والذب عَنهُ بالتأثيم والتضمين،
والعصمة على الْحَقِيقَة بالفطرة لَكِنَّهَا بطلت بالْكفْر
وتعود بِالْإِسْلَامِ، وَالْإِسْلَام يصلح أَن يكون عَاصِمًا
لَا على معنى أَنه جرد الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة بل أَنه
سلمهَا مَعَ الْأُمُور الأخروية، فَيجب أَن يزْجر عَن إِتْلَاف
الْمُسلم ويعاقب عَلَيْهِ بِالْقصاصِ وَالدية لتبقى نَفسه
وَمَاله يَسْتَعِين بهما على الْعِبَادَة، فَإِذا جَازَ أَن
ينَال بِالْجِهَادِ الْغَنِيمَة فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب
فِي الْآخِرَة لم لَا يجوز بِالْإِسْلَامِ؟ الْجَواب من
الْآيَة أَن للشَّافِعِيّ فِي الدِّيَة قَوْلَيْنِ فَنَقُول:
تجب الدِّيَة بقتل الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر إِلَيْنَا إِذا
قتل خطأ وَتَكون الْآيَة ساكتة عَن الدِّيَة، واستفدناها من
(4/543)
مَوضِع آخر وَهُوَ قَوْله: " فِي النَّفس
المؤمنة مائَة من الْإِبِل "، وَإِن قُلْنَا: لَا تجب فسقوطها
لَا لكَونه فِي دَار الْحَرْب بل لَو وَقع الْقِتَال فِي دَار
الْإِسْلَام وَرمي إِلَى صف الْكفَّار فَأصَاب مُسلما كَانَ
كَذَلِك والعذر فِيهِ عدم التَّحَرُّز من قتل الْمُسلم إِذا
كَانَ فِي جمع الْكفَّار.
(4/544)
(اللوحة 79 من المخطوطة أ:)
الشرذمة القليلة إِذا توغلوا دَار الْحَرْب وقاتلوا فَمَا
كسبوا غنيمَة تخمس خلافًا لَهُم:، فَنَقُول: الْغَنِيمَة هِيَ
المَال الْمَأْخُوذ من الْكفَّار بِالْجِهَادِ وَهَذَا
كَذَلِك، وَلَا عِبْرَة بكمية الْمُجَاهدين إِذْ لَيْسَ لَهُ
حد، {كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن اللَّهِ}
، بذلك نطق الْكتاب الْعَزِيز، ويتأيد بِمَا لَو دخلُوا بِإِذن
الإِمَام، وَاعْلَم أَن سبي الزَّوْجَيْنِ أَو أَحدهمَا يُوجب
انْفِسَاخ النِّكَاح خلافًا لَهُم، فنفرض فِي التَّزْوِيج
ونقول: أحد نَوْعي الْملك فَيَنْقَطِع بالاسترقاق كملك
الْيَمين بل أولى، فَإِن ملك الْيَمين أقوى، وَتَقْرِيره أَن
ملك الْيَمين لم يَنْقَطِع لمنافاة بَين كَون الشَّخْص
مَالِكًا ومملوكا فَإِن الْآدَمِيّ يشْتَمل على نفسية بهَا
يستسخر ومالية بهَا يستسخر فالمالكية تعتمد جِهَة النفسية
والملوكية تعتمد، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
(4/545)
جِهَة الْمَالِيَّة، وَلَا يَسْتَحِيل أَن
يكون المسبي مَمْلُوكا مَالِكًا، لَكِن الشَّرْع كَمَا علم مَا
يلْزم ذَلِك من التَّنَاقُض فِي ثَمَرَات الْأَحْكَام، فَإِن
مُقْتَضى الرّقّ الْحجر، وَمُقْتَضى الْحُرِّيَّة الْإِطْلَاق،
وَالْجمع بَين هَاتين التمرتين مُتَعَذر، فلابد من دفع
إِحْدَاهمَا فدفعنا مالكيته، وَذَلِكَ أقل الضررين لكَونه غير
مَعْصُوم، وَكَذَلِكَ النِّكَاح، بَقِي أَن يُقَال: النِّكَاح
(مَشْرُوع) فَفِي حق العَبْد إِجْمَاعًا، (وَملك) الْيَمين غير
مَشْرُوع، وَالْجَوَاب: الْمَنْع، ونقول: العَبْد يملك المَال
بِتَمْلِيك السَّيِّد كَمَا يملك النِّكَاح وَلَا يلْتَزم
بَينهمَا فرقا، ومعتمدهم أَن النِّكَاح ينْعَقد مُطلقًا،
والسبي الطَّارِئ لَا يرد على ذَات العقد بِالْفَسْخِ،، وَلَا
على حكمه بِالْقطعِ كَالطَّلَاقِ، وَلَا على شَرطه بالتفويت
كالرضاع؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرط النِّكَاح انْتِفَاء
الرّقّ، فَكَانَ السَّبي أَجْنَبِيّا عَن النِّكَاح، فَإِن
مَحَله الذَّات بِصفة كَونهَا مَالا، وَمحل النِّكَاح الذَّات
بِصفة كَونهَا إنْسَانا. الْجَواب أَنا نبطل النِّكَاح من
الْوَجْه الَّذِي ذَكرُوهُ، وَإِنَّمَا يُبطلهُ لمنافاة
الْحكمَيْنِ كَمَا قَررنَا وَلذَلِك يَصح النِّكَاح الطَّارِئ
لِأَن الْمَالِك رَضِي بِمَا يلْزمه.
(4/546)
وَاعْلَم أَن الْخَيل والضب، والضبع
والثعلب حَلَال خلافًا لَهُم، وَالدَّلِيل على إِبَاحَة الضَّب
والضبع أَخْبَار وَردت فيهمَا، وَقد أكل خَالِد الضَّب على
مائدة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ مِمَّا تستطيبه
الْعَرَب، فَمَا ينْدَرج تَحت مُطلق قَوْله تَعَالَى: {وَيحرم
عَلَيْهِم الْخَبَائِث} ، وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب
الْعَرَب، فَإِن تتبع غَيرهم يصعب، ومأخذ الْمَذْهَب تأصيل
الْإِبَاحَة إِلَى وُرُود التَّحْرِيم، وَعِنْدهم بِأَصْل
التَّحْرِيم إِلَى قيام دَلِيل الْمُبِيح، وَحجَّتنَا قَوْله
تَعَالَى: {قل لَا أجد فِي مَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم
يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا أَو لحم
خِنْزِير} ، ثمَّ الْتحق بذلك ذُو
(4/547)
الناب والمخلب العادي، وحجتهم أَن الذّبْح
إِيذَاء وَالْأَصْل تَحْرِيمه، ونعتذر عَن تَحْرِيم الهر بِأَن
ذَلِك مِمَّا انْعَقَد بِهِ الْإِجْمَاع وَلَعَلَّ الْعلَّة
حُرْمَة الطّواف.
تمّ بِحَمْد اللَّهِ
(4/548)
|