تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل من أدب الْقَضَاء وَالْعِتْق)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلثمائة:
شمو.)
الْقَضَاء بِالنّكُولِ.
الْمَذْهَب: بَاطِل.
عِنْدهم: جوزه فِي المَال وَمنعه فِي النَّفس وَالْعِتْق
وَالنّسب، وناقض فِي الطّرف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَو أعطي النَّاس
بدعواهم لادعى نَاس دِمَاء نَاس وَأَمْوَالهمْ لَكِن
الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي، وَالْيَمِين على من أنكر ".
(5/59)
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " شَاهِدَاك أَو يَمِينه،
لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِك "، جعل الْيَمين حق
الْمُدَّعِي، وَأجْمع الصَّحَابَة رضوَان اللَّهِ عَلَيْهِم
على ذَلِك قضى بِهِ عمر وَعُثْمَان وَشُرَيْح.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
النّكُول معنى لَا ينص على عين المحق فَلَا يكون حجَّة فِي
ثُبُوت الْحق، لِأَن الْحق ثَبت بِسَبَب وَالسُّكُوت مُتَرَدّد
لَا يدل على شَيْء بِعَيْنِه، وَلَيْسَت الْيَمين حَقًا
للْمُدَّعِي وَكَيف تكون حَقه وَهِي تضره؟ بل هِيَ حق الْمُدعى
عَلَيْهِ لقطع الْخِصَام، نعم شَرطهَا مُطَالبَة الْخصم.
(5/60)
لَهُم:
الْيَمين خلف عَن حق الْمُدَّعِي فِي الْمُدعى فَهِيَ حَقه
فَإِذا فَاتَهُ هَذَا الْحق بِالنّكُولِ رد إِلَى الأَصْل،
دَلِيل أَنَّهَا حَقه توقفها على طلبه، وَبَيَان الخلفية أَن
الأَصْل هُوَ الصدْق فِي خبر الْمُدعى لدينِهِ لَكِن لم يظْهر
فِي حق خَصمه ليده فاليمين خلف فَإِذا كَانَت عَاد الْحق.
مَالك: وَافق فِي الْأَمْوَال خَاصَّة.
أَحْمد: ف.
التكملة:
مدعي النّكُول لم يقم الْمُدعى عَلَيْهِ بَينه فَلَا يقْضى
لَهُ بِهِ قِيَاسا للطرف على النَّفس، ذَلِك لِأَن الدَّعْوَى
مُحْتَملَة ويكاد يغلب فِيهَا جَانب الْكَذِب والنكول عدم
مَحْض وَاحْتِمَال الْحَال فِيهِ متعارضة، فَرُبمَا خَافَ
الْعَاقِبَة وَإِن صدق، قَالَ عُثْمَان: خشيت أَن يُوَافق قدر
بلَاء فَيُقَال بِيَمِين عُثْمَان.
وَأقرب أصل إِلَيْهَا النّكُول عَن الدَّعْوَى فَإِنَّهُ لَا
يظْهر بِهِ صدق الْمُدعى عَلَيْهِ، ثمَّ النّكُول امْتنَاع عَن
الْيَمين فَلَزِمَ مِنْهُ انْتِفَاء أثر الْيَمين، وَهُوَ قطع
(5/61)
الْخِصَام، وَهَذَا كامتناع الْمُدَّعِي من
الْبَيِّنَة فَلَزِمَ أَلا يثبت حَقه، أما أَن تبطل دَعْوَاهُ
فَلَا، وَلَا يقْضى بِبَرَاءَة الْمُدعى عَلَيْهِ.
فَإِن قَالُوا: دين الْمُدَّعِي دَلِيل الصدْق، قُلْنَا: وَحب
المَال دَلِيل الْكَذِب، وَالصَّحِيح فِي الْيَمين أَنَّهَا حق
الشَّرْع لفصل الْخِصَام، وَإِلَّا فَمَا يثبت بهَا حق
لأَحَدهمَا وَلَا يبطل حق، وَأما التَّوَقُّف على طلبه
فَلِأَنَّهَا لقطع الْخِصَام وَلَا يكون خصام دون الطّلب، ثمَّ
بدل الشَّيْء مَا يقوم مقَامه، وَالْيَمِين لَا تقوم مقَام
الْحق الْمُدعى كَيفَ وَلَو حلفه ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة
أَخذ المَال فقد جمع بَين الْبَدَل والمبدل.
(5/62)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلثمائة: شمز.)
بَيِّنَة ذِي الْيَد.
الْمَذْهَب: مسموعة مُقَدّمَة على بَيِّنَة الْخَارِج.
عِنْدهم: لَا تسمع وَتقدم إِلَّا فِي النِّتَاج وَمثله.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
(قَالَت عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا: دخل عَليّ النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام وأسارير وَجهه تبرق فَرحا فَقَالَ: " إِن
مجززا المدلجي رأى أُسَامَة وزيدا وَقد
(5/63)
غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فَقَالَ: إِن
هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض "، وَالْحجّة فِي سرُور
النَّبِي بذلك وَالْإِقْرَار عَلَيْهِ) .
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْبَيِّنَة على
الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر "، وَجه الدَّلِيل حصر
جَمِيع الْبَينَات للْمُدَّعِي وَجَمِيع الْأَيْمَان للْمُنكر
فَلَا يجوز أَن يكون للْمُنكر بَيِّنَة وَهَاهُنَا ذُو الْيَد
مُنكر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَقَامَ بَيِّنَة عِنْد دَعْوَى الْملك حَاجته إِلَيْهَا ماسة
فَوَجَبَ أَن تقبل؛ لِأَنَّهُ مسموعة دَعْوَاهُ مُتَمَكن من
إِقَامَة الْبَيِّنَة وَسَمَاع دَعْوَاهُ صَحِيح لِأَنَّهُ
ادّعى مَا يحْتَمل الصدْق.
لَهُم:
بَيِّنَة من غير صَاحبهَا فِي غير محلهَا فَلَا تقبل ذَاك
لِأَن الْحجَج لَا
(5/64)
تعرف إِلَّا من الشَّرْع لِأَنَّهُ قبُول
قَول الْغَيْر على الْغَيْر مَعَ الِاحْتِمَال، فَلَو سَمِعت
سَمِعت لكَونه مُدعيًا وَلَيْسَ كَذَلِك، وَبَيِّنَة الْخَارِج
أَكثر بَيَانا، لِأَنَّهَا تثبت ملك عين وَملك يَد وَبَيِّنَة
الدَّاخِل تثبت ملك عين.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار وَالْبَيِّنَة الْجَمِيع أَخْبَار،
وتختلف بالإضافات فَكل مُدع لشَيْء مُنكر لنقيضه، وكل وَاحِد
يُؤَاخذ بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فالمدعي يحْتَاج إِلَى
الْبَيِّنَة ليثبت الْملك وَالْمُنكر يَكْفِيهِ إِنْكَاره
أَولا، فَإِذا قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة احْتَاجَ إِلَى أَن
يُقيم بَيِّنَة وَقد لَا يخْتَار الْيَمين فيعدل إِلَى
الْبَيِّنَة وجنبته أقوى وَلَا أقل من أَن يُسَاوِي
الْمُدَّعِي فِي سَماع بَينته.
فَإِن قَالُوا: لم لم تسمع بَينته ابْتِدَاء، قُلْنَا: تسمع
وَقت الْحَاجة إِلَيْهَا، وَرُبمَا منعنَا وَقُلْنَا تسمع
ابْتِدَاء.
(5/65)
وَبِالْجُمْلَةِ: الْبَيِّنَة حجَّة مغلبة
على الظَّن صدق الْمُدَّعِي غير قَاطِعَة فَتسمع عِنْد
الْحَاجة إِلَى ظُهُور الصدْق، ويلزمهم النِّتَاج فَإِنَّهُ
تسمع فِيهِ بَينه ذِي الْيَد.
(5/66)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلثمائة: شمح.)
إِذا تداعيا ولدا.
الْمَذْهَب: عرض مَعَهُمَا على الْقَافة وَلحق بِأَحَدِهِمَا.
عِنْدهم: لحق بهما.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} دَلِيل
على بطلَان الْقَافة،
(5/67)
وَقد أنكر عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ على
الْقَائِف وَرُوِيَ عَنهُ وَعَن عَليّ أَنَّهُمَا قَالَا: يكون
الْوَلَد مِنْهُمَا وَهَذِه حَادِثَة عَجِيبَة مثلهَا يشيع
فَكَانَ إِجْمَاعًا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَا يَسْتَحِيل وجوده لَا يحكم بِوُجُودِهِ، وَإِثْبَات
النّسَب من اثْنَيْنِ مُسْتَحِيل، لِأَن بِنَاء الْوَلَد على
المَاء، وَلِهَذَا لَا يثبت حَيْثُ لَا مَاء، وَالْأَحْكَام
أَحْكَام النّسَب فَلَا يثبت إِلَّا إِذا تصور ثُبُوته.
لَهُم:
السَّبَب قد اسْتَويَا فِيهِ وَهُوَ الْوَطْء وَالسَّبَب لَا
يطْلب لعَينه بل للحقوق الْمُتَعَلّقَة بِهِ، وَيجوز تعلقهَا
برجلَيْن فَهُوَ كَمَا لَو أَقَامَا بَيِّنَة بالحقوق الَّتِي
تتَعَلَّق بِالنّسَبِ مثل النَّفَقَة وَالْإِرْث والقيافة
بَاطِلَة لِأَنَّهَا من أَحْكَام الْجَاهِلِيَّة وَهِي ظن
وَلِهَذَا لم تسمع فِي اللّعان.
مَالك: وَافق فِي ولد الْأمة الْمُشْتَركَة.
أَحْمد: ق.
(5/68)
التكملة:
الحكم بالمحال محَال، وَولد من أبوين محَال، فَإِنَّهُ خلق من
مَاء أَحدهمَا بِدَلِيل أَنه لَو استلحق أحد التوأمين
فَإِنَّهُ يلْحقهُ الآخر فَصَارَ كَمَا لَو حكم ببنوة من هُوَ
أكبر سنا من الْأَب، أَو لأَقل من سِتَّة أشهر، أَو بِنِكَاح
زَوْجَيْنِ لامْرَأَة، على أَنه مُمكن على التَّعَاقُب، أَو
نقيس على مَا لَو كَانَ أحد المتداعيين عبدا أَو ذِمِّيا
وَالْآخر حرا أَو مُسلما فَإِنَّهُم يلحقون بِالْحرِّ وبالمسلم
وَأَحْكَام النّسَب تَابِعَة للنسب كَمَا أَن أَحْكَام
النِّكَاح تَابِعَة للنِّكَاح.
وَإِذا صَحَّ مَا قَالُوهُ أدّى إِلَى تنَاقض، وأثبتنا نَحن
الْقيام بالْخبر، وسرور النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِهِ
وَالْإِقْرَار عَلَيْهِ، وَهُوَ صلى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسلم
لَا يقر على الْخَطَأ وَلَو كَانَ فِيهِ مصلحَة، وَلَو خَبره
بِنَجْم فِي عَام جَدب بِفَتْح بَاب يدل على مطر مَا سر بذلك،
وَإِنَّمَا رد عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ قَول الْقَائِف؛
لِأَنَّهُ ألحقهُ بالمتداعيين وَقَالَ: سَمِعت أَن الكلبة تلقح
من الْكلاب وَمَا علمت ذَلِك فِي النِّسَاء.
(5/69)
(صفحة فارغة)
(5/70)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلثمائة: شمط.)
إِذا أعتق أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِي العَبْد وَهُوَ
مُعسر.
الْمَذْهَب: ينفذ فِي نصِيبه ويرق بَاقِيه.
عِنْدهم: يَصح الْعتْق وَيسْعَى العَبْد فِي قيمَة بَاقِيه
فَإِذا أدّى عتق.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من أعتق شركا لَهُ فِي
عبد وَله مَال قوم عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ، وَأعْطى شركاءه حصصهم
وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق ورق مَا رق "، فَالْحَدِيث
نَص فِي تجزئة الرّقّ ومساقه دَلِيل على نفي الِاسْتِسْعَاء،
وصدره دَلِيل التَّقْوِيم.
(5/71)
لَهُم قَالَ:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من عتق شركا لَهُ فِي
عبد فَإِن كَانَ لَهُ مَال وَجب عَلَيْهِ خلاصه وَإِلَّا
استسعى العَبْد غير مشقوق عَلَيْهِ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تصرف فِي العَبْد بِإِعْتَاق بعضه فصح كَمَا لَو بَاعَ بعضه،
وَلَا مَانع من التجزي ثبوتا إِذا رَآهُ الإِمَام.
لَهُم:
الرّقّ لَا يتَجَزَّأ ثبوتا فَلَا يضْرب الإِمَام الرّقّ على
نصفه فَلَا يتَجَزَّأ زوالا كَيْلا يتناقض الْأَحْكَام (لِأَن
الْأَحْكَام) فِي الْحر غَيرهَا
(5/72)
فِي الرَّقِيق من الْولَايَة وَالشَّهَادَة
فَأَقَمْنَا السّعَايَة مقَام ضَمَان الشَّرِيك الْمُوسر،
وَلِأَن الرّقّ ضعف وَالْعِتْق قُوَّة، والضعف وَالْقُوَّة لَا
يَجْتَمِعَانِ.
مَالك: يسري بأَدَاء الْقيمَة من الْمُوسر.
أَحْمد:
التكملة:
الْمقَام الأول فِي تجزي الرّقّ وَالْحريَّة، أما تجزي الْملك
فالدليل عَلَيْهِ ظَاهر فَإِنَّهُ يقبل النَّقْل وَيكون
مُشْتَركا بَين جمَاعَة، وَأما الرّقّ وَالْحريَّة فَلَا
نشاحهم فِيهِ، فَإِن الْأَحْكَام الْمرتبَة على الْعتْق لَا
تثبت عندنَا مَا لم تكمل كالولاية وَالنِّكَاح فَإِنَّهَا
مناصب تستدعي كَمَال الْحُرِّيَّة، بَقِي أَنه يملك بِبَعْضِه
الْحر، وَعِنْدنَا لَا يملك لكَونه حرا لَكِن لكَونه
آدَمِيًّا، وَإِنَّمَا امْتنع أَن يملك إِذا كَانَ رَقِيقا
مُحَافظَة على حق السَّيِّد وَلَو أذن لَهُ لملك،
(5/73)
وَكَذَلِكَ لَو كَاتبه.
الْمقَام الثَّانِي: الِاسْتِسْعَاء وَلَا يجوز أَن يجْبر
العَبْد عَلَيْهِ ليحصل لَهُ الْعتْق فَإنَّا مَا عهدنا فِي
أصُول الشَّرِيعَة أَن يجْبر إِنْسَان على تَحْصِيل شَيْء
لنَفسِهِ (وَلَو علق السَّيِّد عتقه على فعل مَا لم يجز أَن
يجْبر على تَحْصِيله) ، يدل عَلَيْهِ أَن الْجَارِيَة
الْمُشْتَركَة لَو اسْتَوْلدهَا أحد الشَّرِيكَيْنِ ثَبت لَهَا
حكم الِاسْتِيلَاء فِي جَمِيعهَا، كل ذَلِك تشوفا إِلَى
الْعتْق فَإِنَّهُ حق لله تَعَالَى، وَلذَلِك تُقَام
الشَّهَادَة عَلَيْهِ حسبَة.
(5/74)
(الْمَسْأَلَة الْخَمْسُونَ بعد الثلثمائة:
شن)
إِذا أعتق فِي مرض مَوته أعبدا لَا مَال لَهُ سواهُم.
الْمَذْهَب: جعلناهم أَثلَاثًا بِاعْتِبَار الْقيمَة وأقرع
بَينهم وَيعتق من فَازَ ويرق الْبَاقُونَ.
عِنْدهم: يعْتق الثُّلُث فِي كل وَاحِد شَائِعا وَيسْعَى فِي
الثُّلثَيْنِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
اتّفقت هَذِه الْحَادِثَة زمن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي
سِتَّة أعبد فجزأهم ثَلَاثَة أَجزَاء وأقرع بَينهم وأرق
أَرْبَعَة، والْحَدِيث تَرْجَمَة الْمَذْهَب وَلَا
(5/75)
كَلَام فِي صِحَّته فَإِن ادعو أَنه
يُخَالف الْأُصُول، قُلْنَا: خبر الْوَاحِد أصل بِنَفسِهِ،
فَإِذا ورد فِي مَحل الِاجْتِهَاد عمل بِهِ وَقدم على
الْقيَاس.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
اتفقنا على إبِْطَال الْوَصِيَّة بِمَا زَاد على الثُّلُث غير
أَنا نبطل فِي أشخاص (وَأَنْتُم فِي أشقاص) فَمَا صرنا
إِلَيْهِ أولى (كَيْلا نضر) بالورثة بتعجيل حق العَبْد
وَتَأْخِير حَقهم فِي استسعائه وَرُبمَا لَا يرضى بِإِزَالَة
حَقه من العَبْد والتعجيل لَهُ نَظِير فِي الشَّرْع فَإِن من
أعتق شركا لَهُ فِي عبد قوم عَلَيْهِ وَرُبمَا تتخلص رَقَبَة
العَبْد وَرُبمَا قُلْتُمْ لَا تتخلص.
لَهُم:
اسْتَووا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق فاستووا فِي
الِاسْتِحْقَاق، قِيَاسا على
(5/76)
الشفعاء وَالْوَرَثَة ذَلِك لِأَن الْعتْق
فِي مرض الْمَوْت وَصِيَّة، فَكَأَنَّهُ أوصى برقابهم لَهُم
فَصَارَ كَمَا لَو أوصى بهم لأجانب بل أولى، فَإِن اسْتِحْقَاق
العَبْد لنَفسِهِ أَشد فَكَأَنَّهُ أوصى لكل وَاحِد بِنَفسِهِ
فَلَا يجوز أَن يسعف الْبَعْض وَيحرم الْبَعْض.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْعتْق إِسْقَاط حق الْمَالِك لإِثْبَات حق العَبْد، فَإِن
الزائل بِهِ ملك الْيَمين وَلم يثبت للْعَبد، وَالْحَاصِل
للْعَبد الْحُرِّيَّة وَلم تكن للسَّيِّد حَتَّى يثبتها
للْعَبد، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَا يتَوَقَّف على قبُول
العَبْد وَلَا يرْتَد برده بِخِلَاف الْوَصِيَّة، نعم تقبل
فِيهِ دَعْوَاهُ وبينته؛ لِأَن الْعتْق لَازم وَهُوَ المنتفع
بِهِ، وَهَذَا الْوَارِث الزَّوْجَة يثبت نِكَاحهَا على
الزَّوْج ليتوسل بِهِ إِلَى أَخذ مهرهَا إِرْثا عَنْهَا
فالإعتاق إِسْقَاط الْملك، لكنه أسقط الْكل وَلم يكن لَهُ
إِلَّا أسقاط الثُّلُث فرددناه إِلَيْهِ بطريقه وَلم يتَضَمَّن
هَذَا الرَّد إبِْطَال حق على مُسْتَحقّ بِخِلَاف
(5/77)
الْوَصِيَّة، فَإِنَّهُ أسقط الرّقّ عَن
ثلث هَذِه الْجُمْلَة واستبقى الْملك فِي الثُّلثَيْنِ على
الْإِبْهَام فَوَجَبَ إِقْرَار مَا تعلق بِهِ الْإِسْقَاط
ضَرُورَة ليحصل مَقْصُود الْعتْق وَلَا طَرِيق إِلَى
الْإِقْرَار بِالتَّرَاضِي، فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بشخص
يُرَاجع ويسترضى فَبَقيت الْقرعَة طَرِيقا وَصَارَ كَمَا لَو
أوصى بِثلث المَال للْفُقَرَاء وَالْمَال مَا لَا ينْتَفع بِهِ
إِلَّا بالاستهلاك كالمطعومات فَإِنَّهُ يوزع بِالْقُرْعَةِ.
(5/78)
|