تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة اللوحة 82 من المخطوطة أ:
(مسَائِل من الْعتْق وَالتَّدْبِير وَالْكِتَابَة)
يَصح عتق الْحَرْبِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح مِنْهُ
عتق العَبْد الْحَرْبِيّ، لنا: هُوَ أَن من صَحَّ مِنْهُ عتق
الْمُسلم صَحَّ مِنْهُ عتق العَبْد الْحَرْبِيّ كدار
الْإِسْلَام (وَيكون الْملك فِي الْحَرْبِيّ معرضًا للزوال)
(لَا يُؤثر فَإِن ملك الْمُسلم أَيْضا عِنْدهم متعرض للزوال
للزوال) لَا يسْقط التَّصَرُّف كَمَا أَن النِّكَاح أَيْضا
معرض للزوال ثمَّ لَا يمْنَع ذَلِك صِحَة الطَّلَاق.
مَسْأَلَة:
إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت لله وَنوى بِهِ الْحُرِّيَّة عتق
خلافًا لَهُم.
لنا أَن اللَّفْظَة تحْتَمل التَّحْرِير بِأَن تقدر أَنْت
عَتيق اللَّهِ فَإِذا نوى الْوُجُوب صَحَّ كَسَائِر
الْكِنَايَات، وَلَا يلْزم عَلَيْهِ إِذا قَالَ لزوجته: أَنْت
لله وَنوى الطَّلَاق فَإِنَّهَا لَا تطلق، وَذَلِكَ لِأَن
الطَّلَاق لَيْسَ هُوَ قربَة إِلَى الله تَعَالَى (فَإِنَّهُ
أبْغض الْمُبَاحَات إِلَيْهِ) .
(5/79)
مَسْأَلَة:
إِذْ قَالَ لعَبْدِهِ إِن كلمت فلَانا فَأَنت حر ثمَّ بَاعه
وَعَاد اشْتَرَاهُ، وكلم فلَانا لم يعْتق فِي أحد
الْقَوْلَيْنِ، وَيعتق فِي الآخر، وَهُوَ مَذْهَبهم.
لنا أَنه عقد سبق هَذَا الْملك فَلم يعْتق بِهِ كَمَا لَو
قَالَ ذَلِك لعبد لَا يملكهُ ثمَّ اشْتَرَاهُ.
مَسْأَلَة:
الإيتاء وَاجِب على السَّيِّد خلافًا لَهُم، لنا قَوْله
تَعَالَى: {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا وَآتُوهُمْ من مَال
اللَّهِ أَتَاكُم} وَلِأَن الْعتْق إِزَالَة ملك بني على
التغليب فَجَاز أَن يجب بِهِ على (المزيل لِلْمَالِ مَال
بِحَال) كَالطَّلَاقِ.
فَإِن قَالُوا: هُوَ عقد عاوضة فَلَا يجب فِيهِ الإيتاء
كَالْبيع، فَالْجَوَاب: أَن مَوْضُوع البيع على المعاينة
والمرابحة لَا يُجَاب الإيتاء فِيهِ يُخرجهُ عَن وَضعه
وَالْكِتَابَة مَوْضُوعَة على المساهلة والرفق فَجَاز فِيهَا
الإيتاء، وَالدَّلِيل على الْفرق بَين الْكِتَابَة وَالْبيع
اسْتِحْبَاب الإيتاء فِي الْكِتَابَة إِجْمَاعًا.
قَالُوا: عتق على مَال فَلَا يجب فِيهِ حط شَيْء من المَال
كَمَا لَو قَالَ لَهُ:
(5/80)
إِن أدّيت إِلَيّ ألفا فَأَنت حر.
الْجَواب: لَيْسَ إِذا لم يجب فِي نوع من الْعتْق لم يجب فِي
سَائِر الْأَنْوَاع، أَلا ترى أَن الْمُتْعَة تجب فِي بعض
أَنْوَاع الطَّلَاق وَلَا تجب فِي الْبَعْض، وَلِأَن
الْكِتَابَة تسْتَحقّ من الرِّفْق مَا لَا يسْتَحقّهُ
الْمُعَلق عتقه بِصفة، أَلا ترَاهُ ينْفَرد بِكَسْبِهِ
وَيُخَير بَين الْبَقَاء على العقد وفسخه عندنَا دَائِما
وعندكم مَعَ الِاعْتِبَار وَيسْتَحق جُزْءا من الصَّدقَات.
قَالُوا: مَال الإيتاء مَجْهُول وإيجابه يُؤَدِّي إِلَى
جَهَالَة الْعِوَض، وَبِذَلِك تبطل الْكِتَابَة، الْجَواب: إِن
الَّذِي عَلَيْهِ العقد مَعْلُوم والجهالة فِي ثَانِي الْحَال
لَا تضر كَمَا لَو وجد المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبا وَتعذر
الرَّد فَإِنَّهُ يرجع إِلَى الْأَرْش وَذَلِكَ (رُجُوع جُزْء
من الثّمن فَكَانَ الثّمن بذلك مَجْهُول الْقدر) ثمَّ الإيتاء
حق (يظْهر وُجُوبه بعد العقد وَمَا هَذَا سَبيله لَا يُؤثر)
فِي العقد كوجوب الزَّكَاة فِي الثّمن، فَإِن قَالُوا: لَو
كَانَ وَاجِبا كَانَ مُقَدرا قُلْنَا بِنَفَقَة الْأَقَارِب
وَنَفَقَة الزَّوْجَات عنْدكُمْ.
(5/81)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنا.)
إِذا قَالَ لعبد أكبر سنا مِنْهُ: أَنْت ابْني.
الْمَذْهَب: لم يعْتق نوى (مَا قَالَ) أَو لم ينْو.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: لَهُم ...
لَهُم:
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا إِن
كل من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن
عبدا} ، وَجه الدَّلِيل: أَنه نفى الْبُنُوَّة فَيَقْتَضِي
ذَلِك أَنا إِذا أثبتنا الْبُنُوَّة أَن ننفي الْعُبُودِيَّة
حَيْثُ الضدين لَا يَجْتَمِعَانِ.
(5/82)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
محيل فِي كَلَامه فلغا كَمَا لَو قَالَ: قتلت زيدا وَزيد حَيّ،
أَو قَالَ: عتقتك قبل أَن تخلق لِأَن الحكم إِنَّمَا يثبت على
سَببه الْمَوْجُود لَا الْمَعْدُوم فَحَيْثُ لَا سَبَب لَا
مسبب، وَالْمكْره على الْإِقْرَار لَا يَصح إِقْرَاره لترجح
كذبه فَمَعَ تحقق الْكَذِب أولى، يدل عَلَيْهِ أَن هَذَا
الْإِقْرَار لَا يصير أم الْمقر بِهِ أم ولد.
لَهُم:
هَذَا كَلَام مُسْتَحِيل من حَيْثُ الْحَقِيقَة مُسلم مجَازًا
فَإِنَّهُ يحصل كِنَايَة عَن حكم الْبُنُوَّة وَهِي
الْحُرِّيَّة مُعْتَبرا بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب ذَلِك
مُرَاعَاة لكَلَام الْعَاقِل فَنَقُول أقرّ بِالْحُرِّيَّةِ
فِي مَمْلُوكه فَقبل كَمَا لَو كَانَ أَصْغَر سنا وَكَذَلِكَ
لَو قَالَ لعَبْدِهِ الْمَعْرُوف النّسَب: أَنْت ابْني،
والاستحالة الشَّرْعِيَّة مثل الاستحالة الحسية.
مَالك:.
أَحْمد: وَافق.
(5/83)
التكملة:
الْإِقْرَار مُمْتَنع اعْتِبَاره فِيمَا هُوَ الْمقر بِهِ
فَكيف يعْتَبر فِي غَيره، وَفِي الْمَشْهُور نِسْبَة منع،
وعَلى التَّسْلِيم نقُول: من الْمُمكن أَن يكون صَادِقا فيؤاخذ
بِإِقْرَارِهِ وَأما طَرِيق التَّجَوُّز والاستعارة إِن
قَالُوا: التَّعْبِير بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب ثَابت على
الحتم فَهُوَ مَمْنُوع.
وَإِن قَالُوا: هُوَ جَائِز أَن يكنى بِهِ فَهَذَا مُسلم،
وَلَكِن أَيْن دَلِيل الْقَصْد والإرادة؟ وَنحن نسلم أَن الرجل
إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت ابْني وَقصد بِهِ الْعتْق كَانَ
كِنَايَة صَحِيحَة، وَإِذا فسر كَلَامه بِهِ قبل.
فَأَما إِذا صرح وَقَالَ: قصدت حَقِيقَة الْبُنُوَّة فَكيف
يحمل على الْمجَاز؟ نعم إِذا ورد اللَّفْظ فِي الْكتاب
وَالسّنة فَهُوَ وَاجِب التَّصْحِيح فَإِنَّهُ ثَابت الصدْق
قطعا فَإِذا تعذر الْحمل على الْحَقِيقَة حمل على الْمجَاز.
وَأما الصَّادِر عَن أَحَدنَا يحْتَمل التَّصْحِيح والإلغاء،
وَشرف الْآدَمِيّ لتمكن اعْتِبَار قِطْعَة، فإمَّا أَن يجب
اعْتِبَاره وَهُوَ غير مُمكن فَكَلَام، ويلزمهم إِذا قَالَ
لَهُ: أَنْت أبواي إِن قَالُوا: لَا يعْتق ناقضوا، وَإِن
قَالُوا:
(5/84)
يعْتق، قُلْنَا: فَإِن قَالَ لَهُ أَنْت
جدي، وَلَا محيد لَهُم عَن المناقضة فَإِنَّهُم قَالُوا: لَا
يعْتق.
(5/85)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنب.)
من ملك محرما غير الْأُصُول وَالْفُرُوع.
الْمَذْهَب: لم يعْتق.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لن يَجْزِي والدا وَلَده حَتَّى
يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه "، وَجه الدَّلِيل: أَنه جعل
الْعتْق جَزَاء الْولادَة، والولادة كَرَامَة، فالعتق إِذا
كَرَامَة، ثمَّ نَص على الْوَالِد وَألْحق الْإِجْمَاع بِهِ من
هُوَ فِي مَعْنَاهُ فبقينا فِي الْبَاقِي على الأَصْل.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من ملك ذَا رحم محرم فَهُوَ حر "
يرويهِ سَمُرَة،
(5/86)
وَرُوِيَ أَن رجلا دخل على النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: " إِنِّي وجدت أخي يُبَاع
فاشتريته لأعتقه، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْإِسْلَام
أعْتقهُ عَلَيْك "، وَقَوله تَعَالَى: {وَاتَّقوا اللَّهِ
الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام}
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الشِّرَاء سَبَب مملك وَلم يُوجد قَاطع فَبَقيَ، وَالْأَمر فِي
الْمجمع عَلَيْهِم على خلاف الْقيَاس أَو قِيَاس البعضية فَلَا
يلْحق بِهِ غَيره، وَفرق بَين النِّكَاح ومسألتنا فَإِن
النِّكَاح يبطل بِالرّضَاعِ، بِخِلَاف ملك الْيَمين، ثمَّ
النِّكَاح
(5/87)
إِثْبَات ملك وَهَاهُنَا نقل ملك.
لَهُم:
قرَابَة مُحرمَة للنِّكَاح فَتعين الْعتْق عِنْد الْملك كقرابة
الْوَلَاء، ذَلِك لِأَنَّهَا تُؤثر فِي إِيجَاب الصِّلَة
وَتَحْرِيم القطيعة الْمُحرمَة، وَلِهَذَا حرم النِّكَاح لما
فِيهِ من الافتراش، وَملك الْيَمين آكِد من ملك النِّكَاح،
وَلنَا حَاجَة فِي إِثْبَات ملك الْيَمين ليَصِح العقد، وَلَا
حَاجَة فِي إِثْبَات ملك النِّكَاح.
مَالك: يعْتق الْأُخوة وَالْأَخَوَات.
أَحْمد: وَافق الْخصم.
التكملة:
من لَا يُكَاتب على شخص إِذا كَانَ مكَاتبا لَا يعْتق عَلَيْهِ
إِذا كَانَ حرا قِيَاسا للعم على ابْن الْعم، وَذَلِكَ أَن
احْتِمَال التَّصَرُّفَات أيسر من زَوَال الْملك لِأَنَّهُ صدر
من أَهله فِي مَحَله مُعْتَقدًا إِجْمَاعًا فَيُفِيد حكمه
وَهُوَ مَعْصُوم فَلَا
(5/88)
يزَال إِلَّا بِرِضا الْمَالِك، فَهَذَا
رجل ملك عبدا وَلم يعتقهُ فَوَجَبَ أَلا يعْتق وَفَاء لعصمته
كَسَائِر عبيده، وَخَالف الشَّرْع هَذَا الأَصْل فِي الْأُصُول
وَالْفُرُوع للبعضية فَإِنَّهَا نِهَايَة الوصلة، وَالْعِتْق
نِهَايَة الصِّلَة، وَهَذِه مُنَاسبَة وَقد تميزت قرَابَة
الْجُزْئِيَّة عَن غَيرهَا فِي أَحْكَام الْمكَاتب ورد
الشَّهَادَة من الْبَعْض للْبَعْض وَتَحْرِيم صرف الزَّكَاة
إِلَيْهِ وَوُجُوب النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَاف الدّين
وَتَحْرِيم حَلِيلَة أَحدهمَا بعد الْفِرَاق على الآخر كل
ذَلِك يخْتَص بالأصول وَالْفُرُوع، وَبعد ظُهُور هَذِه الفوارق
لَا يتحاشى أَن يلْحق بهم غَيرهم إِلَّا بِدَلِيل.
فَإِن قَالُوا: النَّص ورد فِي الْأَقَارِب وَفِيهِمْ قُلْنَا
نَحن مَا أَخذنَا هَذَا من النَّص بل من الْإِجْمَاع.
(5/89)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنج.)
الْمُدبر.
الْمَذْهَب: يجوز بَيْعه على أحد الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: إِن كَانَ مُطلقًا لَا يجوز بَيْعه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى جَابر بن عبد اللَّهِ رَضِي اللَّهِ عَنهُ أَن النَّبِي
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَاعَ عبدا دبره رجل بثلثمائة
دِينَار.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمُدبر: " لَا يُبَاع
وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، وَتَمام الْخَبَر: " فَهُوَ حر من
الثُّلُث ".
(5/90)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(التَّدْبِير وَصِيَّة وَالْوَصِيَّة لَا تمنع من الرُّجُوع،
ذَلِك لِأَنَّهَا إِيجَاب حق بعد الْمَوْت فَدلَّ على أَن
لَفظه لَا يدل على الِانْعِقَاد فِي الْحَال لِأَنَّهُ
إِضَافَة إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ
كَسَائِر الْوَصَايَا وَصَارَ كالتدبير الْمُقَيد إِذا قَالَ:
إِن مت وَأَنت ملكي فَأَنت حر) .
لَهُم:
(التَّدْبِير وَصِيَّة بِدَلِيل اعْتِبَاره من الثُّلُث
وَالْوَصِيَّة خِلَافه لَا عقد تمْلِيك لِأَنَّهَا إِضَافَة
التَّصَرُّف إِلَى بعد الْمَوْت، والتمليكات لَا تتَعَلَّق
بِشُرُوط كَالْبيع وَالْهِبَة، وَفِي التَّدْبِير أَيْضا
شَائِبَة تَعْلِيق فَإِذا اجْتمع لَهُ الْأَمْرَانِ لم يُمكن
فَسخه، وَصَارَ كَأُمّ الْوَلَد لَا فرق إِلَّا أَنَّهَا
اسْتحقَّت الْعتْق شرعا وَهَذَا اسْتحق شرعا) .
مَالك:.
(5/91)
أَحْمد:.
التكملة:
مَمْلُوك أضيف عتقه إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَلَا يمْنَع
بَيْعه كَمَا لَو قَالَ: أَنْت حر عِنْد موتِي إِن كنت فِي
ملكي وَلَا يخفي أَن الْمُطلق (أَيْضا يتنزل) على حَال قيام
ملكه فالسكوت عَن هَذَا الشَّرْط وَذكره سَوَاء، ثمَّ
التَّدْبِير إِمَّا تَعْلِيق الْعتْق بِصفة أَو وَصِيَّة
وَالْعَبْد الْمُوصى بِهِ يجوز بَيْعه، وَكَذَلِكَ الْمُعَلق
على صفة يدل عَلَيْهِ إِذا قَالَ: إِن مت من مرضِي هَذَا
فَأَنت حر (أَو قَالَ: إِن مت فَأَنت حر بعد موتِي) . ونمنع
كَون الْملك مُتَعَلقا بِالْمَوْتِ بل الْمُتَعَلّق
بِالْمَوْتِ هُوَ الْإِعْتَاق، وَالْفرق بَين الْكَلَامَيْنِ
أَن أَحدهمَا ينجز (السَّبَب فِي الْحَال وَيُؤَخر الحكم
إِلَى) وجود شَرطه وَالْآخر يُؤَخر الحكم إِلَى حَال وجود
الشَّرْط، وَإِنَّمَا يُفَارق هَذِه التعليقات بِأَن الْمَوْت
حتم فَهَذَا كَمَا إِذا قَالَ إِذا طلعت الشَّمْس فَأَنت حر
فَإِن طُلُوع الشَّمْس كالموت، فَأَما الِاسْتِيلَاء فَهُوَ
فعل لَا قَول وَالشَّرْع أثبت بِهِ الْحُرِّيَّة (قسرا،
وَالْفرق بَينهمَا: أَن الْمُسْتَوْلدَة تعْتَبر) من رَأس
المَال وَلَا يزاحم بالديون.
(5/92)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شند)
إِذا مَاتَ الْمكَاتب.
الْمَذْهَب: انْفَسَخت الْكِتَابَة.
عِنْدهم: إِن خلف وَفَاء بالنجوم وورثة لَا تَنْفَسِخ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ...
(5/93)
لَهُم " ...
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَيفَ بَقِي العقد بَقِي لتَحْصِيل الْمُعْتق، وَالْعِتْق لَا
يتَصَوَّر تَحْصِيله بعد الْمَوْت فَبَطل لتعذر فَائِدَته،
فَإِن العقد لَا ينْعَقد إِلَّا لفائدة، وَكَذَلِكَ بَقَاؤُهُ
وَالْعِتْق زَوَال الرّقّ وَلَا رق فِي الْمَيِّت، وإبقاء
الْمَالِكِيَّة بعد موت الْمَالِك مُمكن، فَأَما إبْقَاء
المملوكية بعد موت الْمَمْلُوك لَا يُمكن.
(5/94)
لَهُم:
موت الْمكَاتب لَا يبطل فَكَذَلِك الْمكَاتب أَنه أحد عاقدي
الْكِتَابَة، وَللسَّيِّد
حق فِي الْبَدَل يَنْقَلِب حَقِيقَة عِنْد الِاسْتِيفَاء،
وَالْمكَاتب يَنْقَلِب لَهُ الْحق عتق وَيبقى العقد لحاجتها.
مَالك:.
أَحْمد:.
التكملة:.
(عقد تعذر إمضاؤه فَتعين انفساخه) كَمَا إِذا انْتقصَ المَال
عَن النُّجُوم لِأَنَّهُ انشئ لمقصود الْعتْق وَقد تعذر،
فَأَما إِن أعتقناه قبل مَوته كَانَ تَقْدِيم
(5/95)
(الْمَشْرُوط على الشَّرْط وَإِن أعتقناه
بعد الْأَدَاء) كَانَ حكما فِي مَحل لَا يقبله وَيقدر
الْمَيِّت حَيا على خلاف الْحَقِيقَة يُصَار إِلَيْهِ عِنْد
(ضَرُورَة أَو قيام دَلِيل وَلم يُوجد) ، أَو صِيَانة العقد
عَن الِانْفِسَاخ لَيْسَ من الضروريات.
أما إِذا حفر بِئْرا ثمَّ مَاتَ فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير
حَيَاته فَإِن (الْمَيِّت لَا يَنْعَدِم بل ينْقل من دَار)
إِلَى دَار، وَالْمَوْت لَا يخل بِالذِّمةِ بِدَلِيل أَن
الضَّمَان على الْمَيِّت الْمُعسر يبْقى بعد الْمَوْت، " الْآن
بردت جلدته عَن النَّار " فَإِذا (حفر فِي حَيَاته ثمَّ سَبَب
الضَّمَان) وَدَلَائِل الْفرق بَين الْمَالِك والمملوك أَنه
لَو قَالَ: إِن مت فَأَنت حر، صَحَّ وَلَو فتح التَّاء لم يَصح
بل لَو قَالَ: كاتبوا عَبدِي (بعد موتِي، صَحَّ، وَأما
تَقْدِير الإنفاد فأبعد) كثيرا فَإِنَّهُ تَقْدِيم الْمَشْرُوط
على الشَّرْط.
وَمَسْأَلَة الصَّيْد فِيهَا منع، ونقول: يكون بِمَنْزِلَة
الشبكة أَو (بقول السَّبَب قد انْعَقَد بِهَذَا) الصَّيْد فِي
حَقه، ثمَّ العَبْد عَاقد ومعقود عَلَيْهِ فينفسخ العقد من
حَيْثُ هُوَ مَعْقُود عَلَيْهِ، ونناقضهم بِمَا إِذا قذفه
قَاذف (فِي حَيَاته أَو جرحه) وَكَانَ قد وصّى بِوَصِيَّة.
(5/96)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنه)
إِذا زوج ابْنَته من مكَاتبه ثمَّ مَاتَ السَّيِّد.
الْمَذْهَب: انْفَسَخ النِّكَاح عِنْدهم ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من ترك مَالا أَو حَقًا
فلورثته "، وَقَالَ: " الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ
دِرْهَم "، فَحصل من ذَلِك أَنه مَال، وَأَنه مَتْرُوك
للْوَرَثَة فَإِذا ملكته انْفَسَخ النِّكَاح.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} أثبت
الْمِيرَاث بعد
(5/97)
الْوَصِيَّة وَهُوَ فِي الدّين أظهر، لِأَن
سَببه لُزُوم فِي الْحَيَاة فَإِذا ثَبت فِي الدّين فَهُوَ فِي
الْمكَاتب أظهر، لِأَنَّهُ اسْتحق الْعتْق وَتعين لَهُ،،
وَالْمَال لَا يتَعَيَّن للدّين، فَإِذا صحت هَذِه الْمُقدمَات
فَمَا انْتقل إِلَيْهَا فَالنِّكَاح قَائِم بِهِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ملكه فانفسخ النِّكَاح، لِأَن الْوَارِث يقوم مقَام الْمُورث
يَبْنِي حوله على حوله، وَيرد بِعَيْبِهِ، وَالْمَوْت لَا يبطل
الْأَمْلَاك بل ينْقل، فَدلَّ عَلَيْهِ الْمَنْع فِي ابْتِدَاء
النِّكَاح.
لَهُم:
عقد (الْكِتَابَة مَانع من انْتِقَال الْملك فَلَا) يَنْفَسِخ
(النِّكَاح، بَيَان الدَّعْوَى أَنه لَا يقبل) الِانْتِقَال
بِالْبيعِ (وَغَيره فقد صَار حرا أبدا) فَيمْنَع نقل الْملك
(وَكَذَلِكَ الْوَلَاء) للسَّيِّد وَلَو كَانَ انْتقل الْملك
لم يثبت الْوَلَاء لَهَا.
أما ابْتِدَاء النِّكَاح منعنَا مِنْهُ خيفة أَن يعجز عَن
النُّجُوم، وَقد يمْنَع الِابْتِدَاء مَا لَا يمْنَع
الدَّوَام، لَو نكح جَارِيَة ابْنه لم يَصح، وَلَو نكح
جَارِيَة واشتراها ابْنه صَحَّ.
(5/98)
مَالك:.
أَحْمد:.
التكملة:.
(قَالُوا فِي العَبْد ملك ومالكيه) فالملك إِن انْتقل إِلَى
الْوَارِث فالمالكية للمورث، بِدَلِيل أَن الْولَايَة تلْزم من
بَقَاء الْمَالِكِيَّة للمورث بَقَاء الْملك لَهُ.
الْجَواب: (الْإِرْث يَقُول الْملك لَا يَقُول الْمَالِكِيَّة)
، لِأَن الْملك معنى مُقَدّر فِي الْمحل مُطلق التَّصَرُّف،
وَالْمحل بذلك مَمْلُوك، وَهَذِه الصُّورَة تسمى ملكا، وصاحبها
مَالِكًا. ونضرب مِثَالا (فَيَقُول جَوْهَرَة تحاذي) إنْسَانا
بشطرها بَقِي الْإِنْسَان مَكَانَهُ وتحولت الْجَوْهَرَة وحاذت
شخصا آخر بذلك الشّطْر هَذَا مِثَال البيع، وجوهرة تحاذي شخصا
بشطرها انْتقل ذَلِك الشَّخْص عَن محاذاتها وحاذاها شخص آخر
هُوَ الْوَارِث (فمالكية الْوَارِث) هِيَ مالكية الْمُورث،
ومالكية المُشْتَرِي غير مالكية البَائِع فَيجوز أَن تَزُول
الْمَالِكِيَّة بعد الْمَوْت بِعقد بَاشرهُ الْمُورث من
كِتَابه أَو تَدْبِير أَو
(5/99)
وَصِيَّة وَلَا يمْتَنع ذَلِك بِقِيَام
الْوَارِث فِيهِ مقَامه وَثَبت الْوَلَاء للمورث، لِأَنَّهُ
المزيل لتِلْك الْمَالِكِيَّة بِالسَّبَبِ الَّذِي بَاشرهُ بعد
قيام الْوَارِث مقَامه، وَلَا يمْتَنع ذَلِك بِحَق الْوَارِث
لكَونه خَليفَة لَا أصيلا فلمستخلفه أَن يزِيل عَنهُ كَمَا
يزِيل عَن نَفسه وَيلْزم الِابْتِدَاء عذرهمْ أَنه تعرض أَن
يصير مَالِكًا لَهَا بَاطِل، لِأَن توقع الثَّانِي لَا يُوجب
الانتفاء فِي الْحَال كَمَا لَو زوج ابْنَته من عَبده فِي مرض
مَوته.
(5/100)
|