تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة اللوحة 83 من المخطوطة أ:
(مسَائِل من أدب الْقَضَاء)
إِذا طرى الْعَمى بعد تحمل الشَّهَادَة لَا يمْنَع الْأَدَاء
خلافًا لَهُ، وَالْحجّة: أَن الْمُعْتَبر فِي طرف التَّحَمُّل
صِفَات مِنْهَا الْبَصَر وَبعد التَّحَمُّل إِنَّمَا يحْتَاج
إِلَى الْحِفْظ وآلته الْعقل فحاجة الْأَدَاء تحْتَاج إِلَى
تَمْيِيز الْمَشْهُود عَلَيْهِ من غَيره، وَذَلِكَ حَاصِل
بِذكر السَّبَب وَهُوَ يَكْفِي عِنْد الْعَجز عَن الْإِشَارَة
بِدَلِيل الشَّهَادَة على الْغَائِب وَالْمَيِّت.
قَالُوا: الأَصْل فِي التَّمْيِيز هُوَ الْإِشَارَة،
وَإِنَّمَا اكتفينا بِذكر السَّبَب عِنْد الْغَيْبَة
وَالْمَوْت لضَرُورَة عَامَّة، والعمى حَالَة نادرة، وَلَو
كَانَ الْمُعْتَبر حُصُول الثِّقَة لَكَانَ إِذا شهد
الْأَعْمَى على شخص ولازمه إِلَى حِين الْأَدَاء يَصح.
وَالْجَوَاب: الْفرق بَين الْعَام والنادر غير مُسْتَقِيم
إِلَّا إِذا عز الِاحْتِرَاز الْعَام وَأمكن فِي النَّادِر
وَهَاهُنَا قد اسْتَويَا فِي عسر الِاحْتِرَاز؛ إِذْ الْغَايَة
أَن يشْهد
(5/101)
بِحقِّهِ عدلا وكمالا يُمكنهُ الِاحْتِرَاز
عَن موت الْمَشْهُود عَلَيْهِ وغيبته كَذَلِك لَا يُمكنهُ
الِاحْتِرَاز عَن عمى الشَّاهِد، وَفِي الْمَنْع من
الْإِثْبَات إبِْطَال حَقه فِي الْمَوْضِعَيْنِ فقد اشْتَركَا
فِي الْمَعْنى الْمُنَاسب فَلَا بَأْس بالافتراق فِي الْعُمُوم
والندور.
أما تحمل الضَّرِير فَلَا حَاجَة بِصَاحِب الْحق إِلَيْهِ،
وَفِي الْمَسْأَلَة منع، ونقول: إِذا لَازمه إِلَى حِين
الْأَدَاء صَحَّ، وَقد أفرط مَالك فَلم يجز التَّحَمُّل أَيْضا
إِذا عرف بالقرائن وقاس على الْوَطْء قَالَ: وَلَو كَانَ
لحَاجَة مَعَ الْمَانِع لاختص بِوَاحِدَة وَلم تجز الْوَاحِدَة
إِلَّا عِنْد الْعَنَت لنكاح الْأمة.
وَالْجَوَاب: أَن الْبَصَر هُوَ الطَّرِيق فِي دفع الالتباس
فالأصوات تشتبه على الضَّرِير، ومبنى الشَّهَادَة على
الِاحْتِيَاط، قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أَرَأَيْت
الشَّمْس؟ على مثلهَا فاشهد أَو دع ".
(5/102)
وَأما جَوَاز الْوَطْء فَلِأَن غَيره لَا
يقوم مقَامه فِيهِ وَفِي غَيره غيبَة عَن شَهَادَته، وبمثله
قنعنا بِإِشَارَة الْأَخْرَس فِي الْعُقُود دون الشَّهَادَة،
بَقِي علينا لأَصْحَاب أبي حنيفَة أَن القَاضِي إِذا عمي بعد
سَماع الشَّهَادَة وَقبل الْقَضَاء لَا يقْضِي فِي تِلْكَ
الْحَادِثَة.
وَالْجَوَاب: الْمَنْع وَمَعَ التَّسْلِيم نقُول: نفاد
الْقَضَاء يعْتَمد بَقَاء النّسَب الْمُثبت للولاية، فطريان
آفَة الْعَمى يَقْتَضِي الصّرْف، وَإِذا زَالَت ولَايَة
الْقَضَاء تعذر الْقَضَاء فِي هَذِه الْحَادِثَة وَفِي غَيرهَا
بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ، لِأَن تحمل الشَّهَادَة يعْتَمد دَرك
الْيَقِين، وَقد حصل من هَذَا الْوَجْه، وَحَيْثُ يتَصَوَّر
الْيَقِين مَعَ الْعَمى يجوز كَالشَّهَادَةِ على النّسَب.
(وَمَسْأَلَة اللّعب بالشطرنج مَكْرُوه غير محرم فَلَا ترد
بِهِ الشَّهَادَة خلافًا (لَهُم وقياسهم إِيَّاه على النَّرْد
غير صَحِيح) لِأَن الِاعْتِمَاد فِي
(5/103)
النَّرْد على النَّص، وَفِي الشطرنج على
التَّدْبِير، وَلأبي إِسْحَاق فِي النَّرْد خلاف، وَقد كَانَ
سعيد بن الْمسيب يلْعَب بالشطرنج بِالظَّاهِرِ، والتابعي إِذا
عاصر الصَّحَابَة اعْتد بِخِلَافِهِ) .
(5/104)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنو.)
شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا على الْولادَة.
الْمَذْهَب: لَا تقبل لَكِن أَربع نسْوَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
لَهُم:
نقل عَن عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ أَنه أجَاز شَهَادَة
الْقَابِلَة وَحدهَا.
(5/105)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شَهَادَة فَتعين فِيهَا الْعدَد كَسَائِر الشَّهَادَات، ذَلِك
لِأَن اعْتِبَار الْعدَد كَانَ لنَوْع احْتِيَاط،
وَالِاحْتِيَاط فِي الْولادَة الَّتِي هِيَ منَاط النّسَب
أولى، وَشَهَادَة النِّسَاء فِيهِ للْحَاجة فَكَانَ ثَابتا،
وَالِاحْتِيَاط يُنَاسب اشْتِرَاط الْعدَد، وَالظَّن
الْمُسْتَفَاد من جمَاعَة أَكثر من الْمُسْتَفَاد من وَاحِد.
لَهُم:
خبر مسْقط فِيهِ اعْتِبَار الذكورية فَسقط الْعدَد كالرواية،
ذَلِك لِأَن الْولادَة أَمر محسوس يشْتَرك فِي دركه الرجل
وَالْمَرْأَة بِخِلَاف غَيره من الوقائع فَإِن صِحَّتهَا
تفْتَقر إِلَى شُرُوط وقيود فاختصت بِالرِّجَالِ وَالْعدَد
والولادة لَيست مِمَّا تنسى، سِيمَا والطفل بَين يَديهَا مدرج
وَإِسْقَاط الذكورية لما فِيهِ من الِاطِّلَاع على الْعَوْرَة
وَهَذَا الْمَحْذُور فِي الْعدَد.
مَالك: تقبل امْرَأَتَانِ.
أَحْمد: يقبل قَول الْمُرضعَة.
(5/106)
التكملة:
الْخَبَر الَّذِي نقلوه مَعَ أَنه قَول وَاحِد من الصَّحَابَة
فِي مَحل الِاجْتِهَاد يرويهِ جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف.
ونقول: الِاسْتِدْلَال بِسُقُوط الذكورية على سُقُوط الْعدَد
بَاطِل بِحَال زَوَال الْفراش وَانْتِفَاء أثر الْحمل.
فَإِن قَالُوا: الْفراش قرينَة مصدقة، فَهَذَا بَاطِل على
أصلهم؛ لِأَن مَا يُؤَكد مَضْمُون الشَّهَادَة يمْنَع سماعهَا
كبينة ذِي الْيَد، وتعليلهم بِأَنَّهُ فعل محسوس يبطل بِسَائِر
الْأَشْيَاء المحسوسة فَإِن الْعدَد يعْتَبر فِيهَا.
أما مَا اعتقدوه من إِسْقَاط الذكورية وَأَنه خوف النّظر إِلَى
الْعَوْرَة بَاطِل فَإِنَّهُ بِنَاء على اعْتِقَادهم أَن تحمل
الشَّهَادَة غير مُمكن إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِك
فَإِن من رأى امْرَأَة حَامِلا وَدخلت بَيْتا فَارغًا وَخرجت
بِولد عرف أَنه وَلَدهَا كَيفَ ورؤية الْعَوْرَة جَائِز لتحمل
شَهَادَة الزِّنَى وَشَهَادَة الرِّجَال عندنَا مسموعة فِي
هَذَا، بل إِجْمَاعًا حَتَّى لَو أَقَامَا شَاهِدين كَانَ
مَقْبُولًا لَكِن
(5/107)
صرنا إِلَى التَّعْدِيل، لِأَن هَذِه
الْوَاقِعَة أَكثر مَا تكون مَعَ النِّسَاء، وَقُلْنَا: أَربع
نسْوَة كرجلين فَالْآن الذكورية وَالْعدَد نوعا كَمَال لَا
يَنْبَغِي أَن يهملا.
(5/108)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنز.)
الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ.
الْمَذْهَب: قبلت شَهَادَته.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذين تَابُوا (من بعد ذَلِك
وَأَصْلحُوا} فَإِن اللَّهِ غَفُور رَحِيم} والجمل إِذا أعقبت
بِالِاسْتِثْنَاءِ فَالْأَصْل أَنه يرجع إِلَى الْجَمِيع
وَلَكِن تعذر صرفه إِلَى الْجلد لوُقُوعه فصرفناه إِلَى رد
الشَّهَادَة.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} ... ...
... ... . .
(5/109)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شَهَادَة صدرت من أَهلهَا فِي محلهَا عِنْد مَسِيس الْحَاجة
إِلَيْهَا فَقبلت كَمَا إِذا تلف قبل الْحَد، دَلِيل
الْأَهْلِيَّة: حكم انْعِقَاد النِّكَاح بِحُضُور المحدودين
بعد قَوْله (عَلَيْهِ السَّلَام) : " لَا نِكَاح إِلَّا
بِشُهُود "، وصفات الْأَهْلِيَّة مَوْجُودَة فِيهِ حر عَاقل
بَالغ مُسلم، وَبَيَان الْحَاجة إِلَى الشَّهَادَة الدَّعْوَى،
وَالْحَد كَفَّارَة فَلَا يمْنَع، فحاله بعده أحسن من حَاله
قبله.
لَهُم:
اللَّهِ تَعَالَى عطف رد الشَّهَادَة على الْجلد فهما جَزَاء
الْجِنَايَة، ورد الشَّهَادَة صَالح للجزاء، من حَيْثُ إِنَّه
يؤلم قلبه، وَلَيْسَ الرَّد حكم الْفسق، فَإِنَّهُ أبده فَلَا
يتَصَوَّر سُقُوطه بِالتَّوْبَةِ فَصَارَ مثل الْحَد قبل
الْإِقَامَة يُمكن إِسْقَاطه لَا بعْدهَا وَلَيْسَ الْقَذْف
سوى الْفسق بل هُوَ نَوعه.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(5/110)
التكملة:
توافقنا على أَن الْقَاذِف إِذا تَابَ قبل إِقَامَة الْحَد
قبلت شَهَادَته وَلم يَتَجَدَّد سوى الْحَد وَهُوَ طهرة، ورد
الشَّهَادَة إِمَّا أَن يكون مُوجب الْحَد أَو مُوجب الْقَذْف
بِغَيْر وَاسِطَة، وَمُوجب الْحَد بِوَاسِطَة الْفسق لَا يصلح
أَن يكون مُوجب الْحَد، لِأَنَّهُ مَعَ الْحَد مُوجبا شَيْء
وَاحِد فَتعين إحالته على الْقَذْف بِنَفسِهِ أَو بِوَاسِطَة
الْفسق، فَإِذا كَانَ كَذَلِك زَالَ بِالتَّوْبَةِ.
وَأما إِن كَانَ بِغَيْر وَاسِطَة الْفسق بل عُقُوبَة، فالجلد
قرينَة لَهُ أَو تَتِمَّة وَهَذَا يُوجب أَلا يسْقط
بِالتَّوْبَةِ قبل الْحَد كَمَا لَا يسْقط الْحَد
بِالتَّوْبَةِ مثل رد الشَّهَادَة فَإِنَّهُمَا مُوجبا
جِنَايَة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ مُوجب الْقَذْف بِلَا وَاسِطَة
فَلم يُوقف على الْحَد، وَاعْلَم أَنهم سلمُوا أَن الْكَافِر
إِذا حد فِي قذف وَأسلم قبلت شَهَادَته فنقيس الْمُسلم
عَلَيْهِ.
عبارَة: اسْتَويَا فِي وجود الْقَذْف الْمُوجب للحد وَفِي
الْحَد وَفِي التَّوْبَة وَفِي الدُّخُول تَحت عُمُوم الْآيَة
فِي رد الشَّهَادَة، وَإِقَامَة الْحَد. فَإِن قَالُوا:
الْكَافِر استجد عَدَالَة لم تكن بَطل بالفاسق الَّذِي لَا
عَدَالَة لَهُ، وبالعبد الْفَاسِق إِذا قذف وحد فَإِنَّهُم لم
يقبلُوا شَهَادَتهمَا وَالْعَدَالَة مستجدة.
(5/111)
(صفحة فارغة)
(5/112)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنح.)
شَهَادَة أهل الذِّمَّة.
الْمَذْهَب: لَا تقبل.
عِنْدهم: تقبل بَينهم وَالْكفْر مِلَّة وَاحِدَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ...
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} أَرَادَ بِهِ
الْمُشْركين، وَرُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أجَاز
شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض، وَقَوله: إِنَّمَا
بذلوا الْجِزْيَة لتَكون دِمَاؤُهُمْ كدمائنا وَأَمْوَالهمْ
كأموالنا، وَمَتى أسقطنا شَهَادَتهم ضَاعَت أَمْوَالهم.
(5/113)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَافِر فَلَا تكون لَهُ شَهَادَة كالمرتد، لِأَن الشَّهَادَة
قَول يُوصف بِالصّدقِ وَلَا يُنَاسب حَال الْكَافِر، لِأَن
الدّين هُوَ الْبَاعِث على الصدْق، وَدين الْكَافِر مَعْدُوم،
وَلَا أَمَانَة لَهُ، وَالشَّهَادَة منصب يُنَافِيهِ الْكفْر،
وَالْولَايَة وَالشَّهَادَة مُخْتَلِفَانِ، هَذِه إِخْبَار
وَهَذِه إنْشَاء، وكما لَا تقبل رِوَايَته لَا تقبل شَهَادَته.
لَهُم:
الشَّهَادَة ولَايَة، وَالْكَافِر من أهل الْولَايَة،
وَلِهَذَا يُزَوّج ابْنَته، وَبَيَان أَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد
أَنَّهُمَا نُفُوذ القَوْل على الْغَيْر، لَا سِيمَا
وَالْحَاجة ماسة إِلَى قبُول شَهَادَتهم بَعضهم من بعض.
مَالك: ق.
أَحْمد: تقبل على الْمُسلمين فِي الْوَصِيَّة إِذا لم يكن
غَيرهم وَلَا يقبل بَعضهم لبَعض.
(5/114)
التكملة:
الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة يَشْتَرِكَانِ فِي الْحَقِيقَة فَكل
وَاحِد إِخْبَار عَن قَول الْغَيْر أَو فعله، نعم اخْتصّت
الشَّهَادَة بمزيد احْتِيَاط إِجْمَاعًا فَيجوز أَلا تقبل من
بعض، من تقبل رِوَايَته.
أما أَن تقبل مِمَّن ردَّتْ رِوَايَته فَلَا، وَذَلِكَ لِأَن
قبُول قَول الْغَيْر على الْغَيْر منصب شَرْعِي يَسْتَدْعِي
أهل الْكَمَال حَتَّى اقْتضى الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْعَدَالَة
وَالْحريَّة فالإسلام أتم، وَأَيْنَ ضرب الذل وَالصغَار
والجزية من دُخُول مجَالِس الْحُكَّام وإلزام الْقُضَاة قبُول
أَقْوَالهم؟ ويتأيد برد شَهَادَته على الْمُسلم، فَإِن عللوا
بالعداوة فَلم قبلت شَهَادَة النَّصَارَى على الْيَهُود
وَبِالْعَكْسِ، وَتقبل بِالْإِجْمَاع شَهَادَة الْمُسلم على
الْكَافِر، ويتأيد بالرقيق فَإِنَّهُ لَا تقبل شَهَادَتهم،
وَالرّق من أثر الْكفْر، ويتأيد بالمحدود فَإِنَّهُم يردون
شَهَادَته للنقص، وَنقص الْكفْر أبلغ.
(5/115)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الثلثمائة: شنط.)
الْقَضَاء بِيَمِين الْمُدَّعِي وَشَاهد.
الْمَذْهَب: جَائِز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قضى
بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد الْوَاحِد، وَهَذَا الْخَبَر يرويهِ
بعض وَعِشْرُونَ من الصَّحَابَة رضوَان اللَّهِ عَلَيْهِم،
مِنْهُم الْخُلَفَاء الراشدون.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فاستشهدوا شيهدين من رجالكم} الْآيَة، بَين
أَن رجلا
(5/116)
وَامْرَأَتَيْنِ أدنى مَرَاتِب الشَّهَادَة
فَلَا يجوز غَيره، فَإِذا شرعتم الشَّاهِد وَالْيَمِين نسختم
الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد، وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " الْيَمين على من أنكر "، كَيفَ يَجْعَل على من
يَدعِي؟
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا: ...
لَهُم: ...
مَالك: وَافق وَيحلف مَعَ امْرَأتَيْنِ.
(5/117)
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْآيَة الَّتِي احْتَجُّوا بهَا أَمر بِالْإِشْهَادِ
ابْتِدَاء احْتِيَاطًا، وَنحن نسلم أَن أدنى مَأْمُور بِهِ رجل
وَامْرَأَتَانِ، فَإِن الشَّاهِد وَالْيَمِين لَا يُمكن أَن
يُؤمر بِهِ فِي ابْتِدَاء الوقائع، نعم إِذا مست الْحَاجة
إِلَيْهِ (يقْضِي بِهِ) بِدَلِيل من السّنة وَالْآيَة ساكتة
عَنهُ، أَو تَقول ذَلِك بَيَان حجَّة هِيَ شَهَادَة وَمَا نَحن
فِيهِ حجَّة هِيَ شَهَادَة وَيَمِين وَهَذِه الْحجَّة غير
تِلْكَ، فَالْحَدِيث إِذا غير نَاسخ لِلْآيَةِ.
وَأما قَوْله: " وَالْيَمِين على من أنكر " أَرَادَ يَمِين
(النَّفْي أما يَمِين) الْإِثْبَات فَهِيَ للْمُدَّعِي، فَإِن
زَعَمُوا الْعُمُوم منعنَا، وَالْألف وَاللَّام لَا تُعْطِي
(الِاسْتِغْرَاق مُطلقًا، بل هِيَ للمعهود السَّابِق هَاهُنَا
والمعهود السَّابِق هُوَ الْيَمين الْمُعْتَادَة فِي الْعَادة)
فَإِن الْأَعَمّ الْأَغْلَب فِي الْيَمين أَنَّهَا
الْمُشْتَملَة على النَّفْي وَيدل عَلَيْهِ يَمِين الْمُدَّعِي
فِي الرَّد، فَإِن زعموها للنَّفْي قُلْنَا فَلم نُقِيم
عَلَيْهِ الْبَيِّنَة؟
(5/118)
(صفحة فارغة)
(5/119)
(الْمَسْأَلَة السِّتُّونَ بعد الثلثمائة:
شس.)
شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا بعد الْقَضَاء.
الْمَذْهَب: غرموا مهر الْمثل للزَّوْج قبل الْمَسِيس وَبعده.
عِنْدهم: إِن كَانَ بعد الْمَسِيس فَلَا شَيْء، وَإِن كَانَ
قبله فَعَلَيهِ نصف الْمهْر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ...
لنا: ...
لَهُم: الدَّلِيل من الْمَعْقُول: لنا
أتلفوا مُتَقَوّما بِشَهَادَتِهِم الْبَاطِلَة فضمنوا
كَالشَّهَادَةِ بِعِتْق العَبْد، دَلِيل التقوم: أَنه مقوم
بِالْعقدِ وشبهة العقد وَمَنَافع الْبضْع معنى يُقَابله المَال
(5/120)
شرعا، وَوَطْء الشُّبْهَة لم يتْلف بِهِ
ملك الزَّوْج، إِذا لم يحدث عَن ملكه فالمرأة فِي يَد نَفسهَا.
لَهُم:
مَنَافِع الْبضْع غير مُتَقَومَة بِالْإِتْلَافِ فَلَا تضمن
بالحيلولة، وتأثيره أَنَّهَا دونهَا، وَدَلِيل الدَّعْوَى
أَنَّهَا تتْلف عَلَيْهِ فِي وَطْء منكوحته بِشُبْهَة،
وَالْمهْر لَهَا لَا لَهُ، وترتد الْمَرْأَة بعد الدُّخُول
وَلَا ضَمَان عَلَيْهَا للزَّوْج، وَمَنَافع الْبضْع لَيست
مَالا، والتقوم لِلْمَالِ، وَلَا مثل أَيْضا للبضع من
الدَّرَاهِم.
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.
التكملة:
الْأمة الْمَنْكُوحَة مَمْلُوكَة للسَّيِّد نفسا، وَللزَّوْج
نِكَاحا، فالشهود إِذا شهدُوا على إِعْتَاق الْأمة وَطَلَاق
الزَّوْج ثمَّ رجعُوا غرمناهم مَا يقوم بِهِ ملك الْيَمين
فليغرموا مَا يقوم بِهِ ملك النِّكَاح أَعنِي الْمَمْلُوك
يَمِينا ونكاحا، وَذَلِكَ على رَأْيهمْ ألزم فَإِنَّهُم يجوزون
الْإِنْكَاح بِأَلْفَاظ التَّمْلِيك، ثمَّ
(5/121)
حَقِيقَة الْملك اخْتِصَاص شَرْعِي بِمحل
منتفع بِهِ يُطلق الِانْتِفَاع الْمَشْرُوع، وَالْمَال خلق
للإنتفاع، وَهَذَا الْمَعْنى يَشْمَل الْحَيَوَان والجماد،
فالآدمي بِأَصْل فطرته مستعد للِانْتِفَاع بالاستخدام والإخدام
فَكَانَ مَالا بِهَذَا الِاعْتِبَار.
نعم فِيهِ معنى آخر وَهُوَ الَّذِي يتَحَمَّل بِهِ الْأَمَانَة
فَهُوَ مَال من وَجه، لَا مَال من وَجه، وَالْمَرْأَة بأنوثتها
مستعدة لنَوْع آخر من الِانْتِفَاع فَكَانَت جِهَة أُخْرَى
للمالية، ثمَّ الْمَالِيَّة تَارَة للإهانة كالرق، وَتارَة
للكرامة كَالنِّكَاحِ.
أما وَطْء الشُّبْهَة فالفائت بِهِ مَنْفَعَة الْبضْع، والفائت
بِالشَّهَادَةِ ملك الْبضْع فَافْتَرقَا.
(5/122)
|