جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول

المبحث السابع
قيمة الكتاب العلمية ومحاسنه
إن القيمة العلمية لأي كتاب ترتكز على ثلاثة أركان: الكاتب، والكتاب، والفن المكتوب فيه.
أما الكاتب فقد علمتَ عند سوق ترجمته فَوْزَه بقصب السبق، وإحرازَه القِدْح المعلَّى في علوم الشريعة، ولاسيما علم أصول الفقه، فقد علا كَعْبه فيه، وتألَّق نجمه في بيان مراميه.
وأما العلم الذي كتب فيه فهو علم أصول الفقه، وقيمته لا تُنكر، ومنزلته أشهر من أن تُذكر، ومزاياه أكثر من أن تُحصر.
وأما ثالثة الأثافي فكتاب الشهاب القرافي، مادته غزيرة، ومصادره وفيرة، وعبارته متينة، وبراهينه قوية.
قال فيه الحافظ العلائي: ((وهو من أنفس كُتبه)) (1) .
وقال عنه ابن فرحون: ((وشرحه كتاب مفيد)) (2) .
وقال فيه محمد الطاهر بن عاشور: ((فإنه جمع فوائد عزَّتْ عن أن تُسام، واستوعب مسائل أصول الفقه بما ليس وراءه للمستزيد مرام)) (3) .
وتنبع قيمة الكتاب العلمية، ويمكن تسنُّمه منصباً رفيعاً بين كتب الأصول للجوانب التالية:
أولاً: كونه إفرازةً من إفرازات المدرسة الرازيَّة في الأصول.
فكتاب " المحصول " كتاب طبَّقتْ شهرته الآفاق، مجرد ذكره يغني عن جزيل الثناء عليه، وحسبك أن مؤلفه خُصَّ بلقب " الإمام " حتى إذا أطلق - بإطلاق - لم يتبادر إلى الأذهان سواه. صنَّف الرازي محصوله بعد نضج علمي تام، واستقرار قواعد هذا الفن الجليل.
_________
(1) ذكره العلائي في ترجمة القرافي المثبتة في فاتحة النسخة الخطية الأزهرية هـ. انظر ص 244 القسم الدراسي.
(2) الديباج المذهب ص 129.
(3) انظره في: حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح 1 / 3.

(1/133)


والشهاب القرافي لم تكن علاقته بالمحصول وليدة أيام، بل امتدَّت جذورها إلى سنوات طويلة، فقد اختصره في باكورة حياته العلمية في " تنقيح الفصول "، ثمَّ علَّق على " المنتخب " وشرح المحصول في موسوعته العجاب " نفائس الأصول ". وأخيراً اختصر شرحه هذا في " شرح تنقيح الفصول ". وهكذا تعامل القرافي مع المحصول، فقد عايشه أدواراً وأطواراً، حتى أكسبَتْهُ هذه المعايشة الدؤوبة مهارةً فائقة، ودُرْبةً متقنةً، وخبرةً واسعة في علم الأصول.
ثانياً: أصالة مصادر الكتاب وعراقتها التي استقى منها معلوماته، ومادته كتابه، في شتَّى الفنون ابتداءً بكتب الأصول، ومروراً بالتفاسير وكتب الحديث والفقه واللغة والنحو، وانتهاءً بالكلام والمنطق. وقد سبقت الإشارة إلى هذه المصادر في المبحث الخامس (1) .
ثالثاً: احتواء كتابه على نقولٍ كثيرةٍ لم تكن ميسورة الحصول، بل يصعب إليها الوصول، وهي نقولات يُفتقر إليها نظراً لتعذُّر الوقوف على مصادرها الأصلية، وهو بعمله هذا حفظ لنا بعضاً من هذه المفقودات النفيسة، كنقولاته عن: الملخَّص والإفادة كليهما للقاضي عبد الوهاب البغدادي، والأوسط لابن برهان، وشرح البرهان للمازري، والجدل للحصكفي، وغيرها.
ولا ننسى - ونحن في مقام التذكير بأهميَّة الكتاب وقيمته العلمية - أن نعزِّز هذه القيمة والأهمية بنقولاته عن مشايخه وفضلاء عصره التي استفادها مشافهةً منهم، وبثَّها في ثنايا كتابه كالعز بن عبد السلام، والخسروشاهي، وغيرهما.
رابعاً: إسهام الكتاب في خدمة أصول المالكية مع الاعتناء بآراء الإمام مالك وأصحابه الأصوليين، ولا سيما المتقدمين منهم، كابن قاسم، وأشهب، وسحنون. كما يُعنى بإبراز آراء فحول الأصوليين من رجال المذهب المالكي، كأبي الفرج، وأبي بكر الأبهري، وابن القصار، والقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب البغدادي، وأبي الوليد الباجي، وابن رشد (الجد) ، والمازري، والقاضي عياض، والأبياري. وبعض هؤلاء لا يُعرف له كتاب مطبوع يمكن الوقوف على آرائه فيه.
_________
(1) انظرها فيه: ص 95 وما بعدها من القسم الدراسي.

(1/134)


وبهذه العناية بآراء المالكيين الأصولية تنضاف للكتاب قيمة كبرى، وأهمية قصوى لمن شاء الاطلاع على أقوالهم وأصولهم، ولاسيما أن الجامع لها عَلَمٌ مدقِّق ومحقِّق، من المجتهدين فيه، الجامعين لقواعده، النافذين إلى لُبِّه، والمخرِّجين فيه، الساعين في إرساء دعائمه.
وبحقٍّ لقد أسهم كتاب القرافي في تبيان أصول المالكية في الجملة، وخرَّج وفق قواعدهم بعض المسائل التي لم يُعْلم لهم نقلٌ فيها، من ذلك قوله:
أ - ((والنقل في هاتين المسألتين في هذا الموضع قد نقله الأصوليون. أما بعد الشروع، وقبل الكمال فلم أَرَ فيه نقلاً، ومقتضى مذهبنا جواز النسخ في الجميع)) (1) .
ب - ((قال القاضي عبد الوهاب: والأشبه بمذهب مالكٍ أنه لا يجوز مخالتفهم فيما اتفقوا فيه من الحروب والآراء، غير أني لا أحفظ عن أصحابنا فيه شيئاً)) (2) .
جـ - ((فعلى مذهبنا زيادة التغريب ليست نسخاً)) (3) .
د - ((إذا فعل المكلَّف فِعْلاً مختلفاً في تحريمه غير مقلِّد لأحدٍ، فهل نؤثمه بناءً على القول بالتحريم، أو لا نؤثمه بناءً على القول بالتحليل، مع أنه ليس إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر،، ولم يسألنا عن مذهبنا فنجيبه؟ ولم أرَ لأحدٍ من أصحابنا فيه نقلاً)) (4) ثم نقل جواب العز بن عبد السلام في هذه المسألة.
وكان يرحمه الله يحكي الخلاف القائم بين أهل المذهب نفسه في المسائل مشيراً إلى الراجح أو المشهور وأحياناً يترك الخلاف كما هو لقوته ووجاهته (5) .
كما أن الإمام القرافي كان شديد المنافخة عن مذهب الإمام مالك رحمه الله في صدِّ التشنيع والتشغيب عليه.
من الأمثلة على ذلك قوله:
أ - ((وبهذا يظهر بطلان التشنيع على المالكية، حيث جعلوا تلك السُّنة في الصلاة سبباً لوجوب السجود)) (6) .
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 66.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 185.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 105.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 449.
(5) انظر على سبيل المثال: ص 252، 311 - 313، 397.
(6) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 175

(1/135)


ب - ((ومما شُنِّع على مالك رحمه الله مخالفته لحديث بيع الخيار مع روايته له، وهو مَهْيع متسَّع، ومسلك غير ممتنع، فلا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله، وسنة نبيّه عليه الصلاة والسلام أدلةً كثيرة لمعارضٍ راجحٍ عليها عند مخالفها. . .)) (1) .
جـ - ((ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار العوائد، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع. وليس كذلك. . .)) (2) .
لكنه رحمه الله لم يكن متعصباً للمذهب على حساب الحق وهو في معرض بيان المسائل الأصولية، فمثلاً يقول:
أ - ((فتأمَّل ذلك، فقد غلط فيه جماعة من أكابر الفقهاء المالكية وغيرهم. . .)) (3) .
ب - ((تنبيه: قال مالك والشافعي وابن حنبل: إن النهي يدل على الفساد، وقال أبو حنيفة: هو يدل على الصحَّة، فالكلُّ طردوا أصولهم إلا مالكاً)) (4) .
ولم تقتصر عناية القرافي على نقل آراء علماء مذهبه بل شملت عنايته كذلك رَصْد آراء علماءٍ أفذاذٍ من فحول الأصوليين، ممن لا تعرف لهم تآليف يُعوَّل عليها:
كأحمد بن حنبل، وأبي إسحاق الإسفراييني، وعيسى بن أبان، وأبي الحسن الكرخي، وأبي بكر الصيرفي، وابن سريج وغيرهم. ومن المعتزلة كأبي علي الجبائي، وابنه أبي هاشم، والنظَّام، والجاحظ، والقاضي عبد الجبار وغيرهم.
خامساً: بروز شخصية القرافي الفذَّة في هذا الكتاب، وفي سائر كتبه عامةً. فلقد وُهِبَ شخصيةً فريدةً مستقلة لم تكن منساقةً وراء الأقوال دون تمحيص، ولم تَنْجرَّ خلف أحدٍ بدافع التبعيّة والتقليد، ومع كونه مالكياً إلاّ أن اختياراته ومناقشاته، وترجيحاته وتنقيحاته، ونقوده وردوده، توحي بانخلاعه عن ربقة التعصّب المذهبي، فكانت نظراته عند عرضه لمسائل الخلاف موضوعيةً حياديةً.
وتلازمنا هذه الشخصية المتميزة دائماً في ثنايا الكتاب من خلال مخالفته لآراء بعض العلماء، وإصداره أحكاماً عليها، وانفراداته في بعض المسائل العلمية.
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 507.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 504.
(3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 212.
(4) المصدر السابق ص 176.

(1/136)


ولنأخذ أمثلة سريعة تبرهن صحة الادعاء باستقلالية شخصية القرافي، وبروزها بصورة واضحة في جوانب عديدة:
(1) مخالفته لبعض آراء العلماء، من ذلك:
أ - مخالفته للجمهور والأكثرين:
- قال: ((اختلف الفضلاء في مسمى لفظ " المضمر " حيث وجد، هل هو جزئي أو كلِّي؟ فرأيت الأكثرين على أن مسماه جزئي - ثم ساق حججهم وقال - والصحيح خلاف هذا المذهب، وعليه الأقلون، وهو الذي أجزم بصحته، وهو أن مسمّاه كلِّي. . .)) (1) .
وقال: ((وأما النكرة في سياق النفي، فهي من العجائب في إطلاق العلماء من النحاة والأصوليين، يقولون: النكرة في سياق النفي تعم، وأكثر هذا الإطلاق
باطل)) (2) .
ب - مخالفته لجمهور المالكية إن لم يكن جميعهم، كما في مسألة التعليل بالاسم، فالقرافي لم ينقل سوى الاتفاق على عدم جواز التعليل بالاسم، بينما أكثر المالكية على جوازه مطلقاً (3) .
جـ - مخالفته للقاضي عبد الوهاب في قوله باشتراط تقدُّم الوجوب في القضاء (4) .
د - مخالفته لأبي إسحاق الشيرازي في بيان المراد بالقياس في اللغات (5) .
هـ - مخالفته لشيخه العز بن عبد السلام في الجواب عن إشكال وهو أن القول بأن النهي لا يقتضي التكرار يلزم منه ألا يوجد عاصٍ في الدنيا ألبتة (6) .
ومخالفته لعيسى بن أبان في قوله يشترط في قبول الخبر ألاّ يخالف الكتاب (7) .
_________
(1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 34 - 35.
(2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 181.
(3) انظر: المسألة: ص 381 من القسم التحقيقي مع التعليق رقم (5) .
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 389 - 390.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 169.
(6) انظر: القسم التحقيقي، ص 260.
(7) انظر: القسم التحقيقي، ص 178.

(1/137)


ز - مخالفته لأهل الظاهر في قصرهم حجيّة الإجماع على الصحابة (1) .
ح - مخالفته للباجي في تجويزه لنسخ المتواتر (الكتاب) بالآحاد (2) .
ط - مخالفته للشافعي في قوله بعدم جواز نسخ السنة بالكتاب (3) .
ي - مخالفته للإمام الرازي، وهي كثيرة نبّهت على جملةٍ منها في المبحث التاسع من هذا الفصل (4) .
(2) تصريحه باختياراته وترجيحاته، من ذلك:
أ - قوله: ((الصحيح أن عرض الطعام وتقديمه للضيف إذنٌ له في تناوله)) (5) .
ب - قوله في مسألة التعليل بالأوصاف المقدَّرة بعد مناقشته للرازي: ((فإنكار الإمام منكر، والحق التعليل بالمقدرات)) (6) .
جـ - في مسألة: هل يكتفى بالظاهر في أمر العدالة؟ قال: ((فالحق مذهب القاضي)) (7) .
د - قال في مسألة تعبُّد النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل البعثة، قال: ((هذه المسألة المختار فيها أن نقول: متعبِّداً بكسر الباء على أنه اسم فاعل. . .)) (8) .
هـ - قال في مسألة حصول الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الثاني، قال: ((فيه قولان مبنيان على أن إجماعهم على الخلاف يقتضي أنه الحق، فيمتنع الاتفاق. أو هو مشروط بعدم الاتفاق، وهو الصحيح)) (9) .
_________
(1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 74.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 84.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 87.
(4) انظر: القسم الدراسي ص 183، 195.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 533.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 384.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 248.
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 25.
(9) انظر: القسم التحقيقي ص 138.

(1/138)


(3) إصداره أحكاماً على بعض الأقوال التي يوردها في كتابه، ويعطيها ما تستحقه من التقدير، من مدحٍ أو قدح. ومن أمثلة ذلك:
أ - لمَّا أورد كلاماً لإمام الحرمين في الإجماع عقَّب القرافي بقوله: ((فهذا تفصيلٌ حسن)) (1) .
ب - ولمّا أورد كلاماً فيه تفصيل لأبي الحسين البصري، قال: ((فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول)) (2) .
جـ - قال في مسألة التقليد في أصول الدين: ((والغزالي يميل إليه)) (3) .
د - لمّا أورد قولاً للمصوّبة، قال: ((فهذا منع حسن أيضاً على دليل المخطِّئة)) (4) .
هـ - وقال: ((والجنوح إلى مفهوم الصفة هو قول القاضي عبد الجبار، وهو مع تدقيقه قد فاته هذا الموضع)) (5) .
ووقال: ((فلهذه القاعدة قال مالك: أحدُّه للمعصية، وأردُّ شهادته لفسقه، وهو أوجه في النظر من قول الشافعي، لما تقدم من الإشكال على قول الشافعي)) (6) .
ز - وقال: ((وكثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون: مذهب الشافعي كذا؛ لأن الحديث صحَّ به، وهو غلط، فلابد من انتفاء المعارض)) (7) .
حـ - ولمّا أورد قول الأصمّ في مسألة تصويب المجتهدين قال عنه: ((إنه في غاية العسر من جهة تصوُّره - ثم قال - فهذا المذهب مشكل)) (8) .
(4) انفراداته عن سائر الأصوليين في بعض المسائل، هذه الانفرادات لا أزعم تفرّده بها عن غيره، ولا أجزم بذلك، ولكن باستقراءٍ غالب، واطلاع واسع لكتب الأصول، ظهر لي تميّز هذه الآراء وتفردها، مع ما تتَّسم به من جدَّةٍ وحداثة. فمن ذلك:
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 120.
(2) انظر: القسم التحقيقي 121.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 489.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 476.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 109.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 239.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 508.
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 475.

(1/139)


أ - تعريفه للحكم الشرعي بأنه: ((كلام الله القديم المتعلِّق بأفعال المكلفين على وجه الاقتضاء أو التخيير أو ما يوجب ثبوت الحكم أو انتفاءه)) ثم قال: ((فيجتمع في الحدِّ " أو " ثلاث مرات، وحينئذٍ يستقيم وتجمع جميع الأحكام الشرعية، وهذا هو الذي أختاره، ولم أرَ أحداً ركَّب الحدَّ هذا التركيب)) (1) .
ب - جرت عادة الأصوليين تقسيم الحكم الوضعي إلى السبب، والشرط، والمانع، والصحة، والفساد، وبعضهم يزيد الرخصة، والعزيمة. والشهاب القرافي زاد قسماً جديداً إليها، وهو: " التقادير الشرعية ": وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم، وإعطاء المعدوم حكم الموجود (2) .
جـ - قرَّر القرافي قاعدة جديدة في العموم، وهي: ((العام في الأشخاص مطلق في الأزمان والأمكنة والأحوال والمتعلَّقات)) (3) .
د - تقسيمه للخبر قسمةً ثلاثية، وهي: خبر متواتر، وخبر آحاد، وخبر لا متواتر ولا آحاد، وهو: خبر الواحد المنفرد إذا احتفَّتْ به القرائن حتى أفاد العلم. وقال القرافي عن هذا الثالث: ((وهذا القسم ما علمت له اسماً في الاصطلاح)) (4) .
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 70. لكن نبه فضيلة شيخنا الدكتور عياض السلمي إلى أن القرافي ليس أول من نصَّ على إدخال الأحكام الوضعية في تعريف الحكم، بل سبقه ابن الحاجب إلى ذلك، فقال: ((هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع)) [مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 1 / 220] ، فيصعب التوفيق ولاسيما أن ابن الحاجب شيخ القرافي ولا يُظنُّ عدم اطلاعه على كتابه. انظر كتابه: شهاب الدين القرافي حياته وآراؤه الأصولية ص 82 وما قبلها. لكن يظهر لي أن سَبْق القرافي في محلِّه، إذْ عبَّر بـ" كلام " بدلاً من " خطاب "، وزاد قيد " القديم " وقد أوضح ذلك القرافي في شرحه ص (67) من المطبوع. فهذا موطن السَّبْق والجِدَّة علاوةً على إضافة الأحكام الوضعية في التعريف لكن بصياغة وتركيبٍ يغاير ما عليه عبارة ابن الحاجب التي ربما اطّلع عليها القرافي ولم تعجبه. والله أعلم.
(2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 80. وممن نوَّه إلى أن هذه الزيادة كانت من القرافي تقي الدين الحصني (829 هـ) في كتابه: القواعد 1 / 199.
(3) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 200، وقد أشار شيخنا الدكتور عياض السلمي إلى أن القرافي أسبق المتكلمين فيها، ومن عداه من المتقدمين إنما تفهم استنتاجاً لا تصريحاً. وذكر بأن الذين أتوا بعد القرافي اختلفوا وخاضوا فيها وأطالوا وانقسموا ما بين مؤيد ومعارض. انظر: شهاب الدين القرافي حياته وآراؤه الأصولية ص127
(4) انظر التعليق عليه في: هامش (6) ص 197 من القسم التحقيقي.

(1/140)


هـ - تقسيمه لأدلة المجتهدين إلى قسمين: أدلة مشروعية الأحكام، وأدلة وقوع الأحكام (1) . وفي الحقيقة القرافي مسبوق إلى ذلك من شيخه العز بن عبد السلام،
فقد ذكر هذه القسمة في كتابه " قواعد الأحكام " (2) لكن القرافي وسَّع القول
فيها، وأجلاها، وميَّز الفروق بينها حتى كأنه المبتكر لها، ولاسيما في كتابه النفيس
" الفروق " (3) .
وسبقه في الكتابة عن مقاصد الشريعة الإسلامية، وإن كان مسبوقاً إلى ذلك من غير المالكية (4) ، لكن لعلّ انتقال فكرة المقاصد إلى المذهب المالكي وتكريسها وترسيخها كانت قد تمَّت على يديه. ولسنا ننسى أن المصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والاستحسان من الأسس المعتمدة في أصول المالكية (5) .
ز - إتيانه بفوائد جديدة، وتفصيلات حميدة في مسألة فرض العين، وفرض الكفاية مع الأمثلة، وتقريره للضوابط لكلٍّ منها، ومن الذين يتعيَّن عليهم الفرض الكفائي. وقد جمع ذلك في موطن واحدٍ قلَّما يتعرض له الأصوليون بهذا التوضيح اللطيف، والتفصيل المنيف (6) .
سادساً: احتواء الكتاب على معلوماتٍ قيِّمةٍ فريدة خارج موضوع الأصول
لقد حفل الكتاب بعديدٍ من المسائل والقضايا التي وردت في طياته، والشأن فيها أنها لا تمتُّ إلى موضوعات أصول الفقه بِصِلةٍ، بَيْد أنها في تمام الجودة وغاية النفاسة، ولو رُحْنا نفتِّش عنها في مظانَّ أخرى ربما لم نظفر عليها بمثل هذا الازديان والإتقان. فمن الأمثلة على ذلك:
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 491.
(2) انظرها فيه: ص 451.
(3) انظرها فيه في: الفرق السادس عشر 1 / 128.
(4) كإمام الحرمين في البرهان 2 / 782، والغزالي في المستصفى 1 / 416، 2 / 306، والرازي في المحصول 5 / 159، 6، 162، والآمدي في الإحكام 3 / 274، 4 / 275، والعز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام في مصالح الأنام ".
(5) انظر الأمثلة على تطرّق القرافي للمقاصد في القسم التحقيقي في: ص 324، 494، 503.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 456 - 458.

(1/141)


(1) الوضع الاجتماعي للمرأة
ما رأي القرافي في موضوع المرأة؟ وما نظرته حيالها في ظل الموروثات والتقاليد الاجتماعية؟ والجواب: نجده في الفصل السادس من باب المجمل والمبين حيث قال: ((يجب البيان لمن أُريد إفهامه، ثم المطلوب قد يكون عِلْماً فقط كالعلماء بالنسبة إلى الحيض، أو عملاً فقط كالنساء بالنسبة إلى أحكام الحيض وفقهه. . .)) (1) .
ثم عقَّب في الشرح فقال: ((وقولهم: إن النساء أُردْن للعمل فقط غير مُتَّجِهٍ؛ بسبب أن النساء أيضاً مأمورات بتحصيل العلم، فكذلك مِنْ سَلَفِ هذه الأمة عائشةُ رضي الله عنها، التي قال فيها عليه الصلاة والسلام ((خذوا شطر دينكم عن هذه الحُميراء)) (2) ، وكانت من سادات الفقهاء، وكذلك جماعة من نساء التابعين وغيرهم. غاية ما في الباب أن التقصير عن رتبة العلم ظهر في النساء أكثر، وذلك لا يبعثنا على أن نقول: المطلوب منهنَّ العمل فقط، بل الواقع اليوم ذلك، أمَّا أنه حكم الله فغير ظاهر)) (3) .
فالمرأة المسلمة مطالبة بالتعلُّم ورفع الجهل عن نفسها؛ لأنها مربية الأجيال. ولكن تعلمها وعملها يجب أن ينضبط وفق أحكام الشريعة، لا كما يهوى دعاة تحرير المرأة على طريقة التحلُّل والتفسُّخ.
(2) الرقائق والزهد مع تصحيح المفاهيم
أ - قال في فصل الحَصْر ((ومن ذلك قوله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ
وَلَهْوٌ. . .} [الحديد: 20] ، وحصرها في اللعب مع أنها مزرعة الآخرة، وفيها تُحصَّل الولاية والصدِّيقية، وتُكتسب المراتب العليَّة، والدرجات الرفيعة، وكل خيرٍ مكتسب في الآخرة فهو في هذه الدار، وهذه خيراتٌ حِسانٌ، وفضائل علميَّة للدنيا، فكيف تُحصر في اللَّعب؟! وإنما ذلك باعتبار من آثَرَها، فإنها في حقِّه لَعِبٌ صِرْف،
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 285.
(2) حديث غريب جداً بل منكر، لا يُعرف له إسناد. انظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني
1 / 374.
(3) شرح تنقيح الفصول ص 286.

(1/142)


وتلك المحاسن لا ينال هذا منها شيئاً، فهو حصر بحسب بعض الاعتبارات، وهو كثير في القرآن الكريم)) (1) .
ب - قال: ((فائدة: ما ضابط الإصرار الذي يُصيِّر الصغيرة كبيرة؟ قال بعض العلماء: حدُّ ذلك أن يتكرر منه تكراراً يخلُّ بالثقة بصدقه، كما تخلُّ به ملابسة الكبيرة، فمتى وصل إلى هذه الغاية، صارت الصغيرة كبيرة، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، واختلاف الأحوال، والنظر في ذلك لأهل الاعتبار، والنظر الصحيح من الحكَّام وعلماء الأحكام الناظرين في التجريح والتعديل - ثم قال - فائدة: ما تقدَّم من أن الكبيرة تتبع عظم المفسدة، فما لا تعظم مفسدته لا يكون كبيرة، استثنى صاحب الشرع من ذلك أشياء حقيرة المفسدة، وجعلها مسْقِطةً للعدالة، موجبة للفسوق لقبح ذلك الباب في نفسه، لا لعظم المفسدة، وذلك كشهادة الزور، فإنه فسوق مطلقاً، وإن كان لم يُتلِفْ بها على المشهود عليه إلا فَلْساً واحداً، ومقتضى القاعدة أنها
لا تكون كبيرة إلا إذا عظمت مفسدتها، وكذلك السرقة والغصْب لقبح هذه الأبواب في أنفسها)) (2) .
(3) توضيح معاني الأحاديث المشتبهة
يقع في بعض الأحاديث إشكال في التوفيق بينها، وقد وقفت على بعض المواضع المفيدة التي أجاب فيها القرافي عن هذا الاشتباه والإشكال. منها:
أ - قوله: ((فائدة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) (3) فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب (4) ،
فما الفرق وما الجواب؟ الجواب من وجهين، أحدهما: ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه، فقال: إن منصب الخطيب حقير قابل للزلل، فإذا نطق
_________
(1) المصدر السابق ص 61.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 233 - 235.
(3) هذا الحديث ملفَّق من حديثين. انظرهما في مبحث المآخذ على الكتاب ص 160 من القسم الدراسي.
(4) حديث الخطيب ذكره المصنف قبل ذلك وهو الذي قال في خطبته: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصيهما فقد غوى. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعْصِ الله ورسوله)) رواه مسلم
(
870) .

(1/143)


بهذه العبارة قد يتوهَّم فيه - لنقصه - أنه إنما جمع بينهما في الضمير؛ لأنه أهمل الفصل بينهما في الضمير والفرق، فلذلك امتنع لما فيه من إيهام التسوية. ومنصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غاية الجلالة والبعد عن الوهم والتوهم، فلا يقع بسبب جمعه عليه الصلاة والسلام إيهام التسوية. وثانيهما: ذكره بعض الفضلاء، فقال: كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة واحدة، وتقدم الظاهر من الجملة الواحدة يُبْعد استعمال الظاهر في موضع
الضمير، بل الضمير هو الحسن. وكلام الخطيب جملتان، إحداهما مدح، والأخرى ذم، فلذلك حَسُن منه استعمال الظواهر مكان المضمرات)) (1) .
ب - قال في معرض ردّه على الذين يكتفون بالظواهر عن أحوال الناس في أمر العدالة: ((وأما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة الأغبياء الضعفاء الحزم والعزم، ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية. وكلُّ من كان يغلب عليه حسن الظن بالناس لا ينبغي أن يكون مزكِّياً ولا حاكماً لبُعْده من الحزم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((الحزم سوء الظن)) ، فمن ضيَّع سوء الظن، فقد ضيع الحزم. نعم لا ينبغي أن يبني على سوء ظنه شيئاً إلا لمستندٍ شرعي، وهو معنى قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] أي: اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريقٍ شرعي)) (2) .
(4) الدراية بالواقع مع وقائع تاريخية:
يمكن تصيُّد بعض المواقف في الكتاب التي تدلُّ على معايشة القرافي لواقعه وفهمه وفقهه له، مع ما في ذلك من تسجيلها في صفحات التاريخ. من ذلك درايته الدقيقة بما حواه كتاب التوراة (العهد القديم) ، مما مكَّنه من تفنيد دعواهم الباطلة بإنكار النسخ (3) .
ومن الأمثلة أيضاً، قوله: ((قال: تقلَّد محاريب البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها ونصبها أو اجتمع أهل البلدة على بنائها. . .)) ثم قال في الشرح: ((قلت: هذا بشرط أن لا يشتهر الطعن فيها كمحاريب القرى
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 100 - 101.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 247 - 248.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 53 - 60.

(1/144)


وغيرها بالديار المصرية، فإن أكثرها ما زال العلماء قديماً وحديثاً ينبِّهون على فسادها، وللزين الدمياطي في ذلك كتابٌ ولغيره. وقد قصد الشيخ عز الدين بن عبد السلام تغيير محراب قبة الشافعي والمدرسة، ومصلَّى خولان، فعاجله ما منعه من ذلك، وهو قضيته مع بني الشيخ وإسقاطه معين الدين، وعَزَل نفسه عقيب ذلك. وكذلك محاريب المحلَّة مدينة الغربية، والفيوم، ومنية ابن خصيب، وهي لا تعدُّ ولا تُحصى، لا يجوز أن يقلِّدها عالم ولا عامي)) (1) .
(5) واقع الرافضة وشبهاتهم
نبَّه القرافي إلى بعض ألاعيبهم واحتيالهم إزاء النصوص بما يتوافق مع عقيدتهم. من ذلك:
أ - قال في اشتراط معرفة النحو للمجتهد: ((وأما النحو والتصريف واللغة، فلأن الحكم يتبع الإعراب، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ما تركنا صدقةٌ)) بالرَّفْع، فرواه الرافضة بالنَّصْب، أي: لا يورث ما تركناه وقْفاً، ومفهومه: أنهم يورثون في غيره. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) رواه الشيعة ((أبا بكر وعمر)) فانعكس المعنى، أي: يا أبا بكرٍ وعمر، فيكونان مقتدِيَيْن
لا مقتدىً بهما، وهو كثير)) (2) .
ب - قال: ((وقال القاضي: فتح هذا الباب يحصِّل غرض الشيعة من الطعن على الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم يكفرون الصحابة، فإذا قيل لهم: إن الله تعالى وعد المؤمنين بالجنة، وهم قد آمنوا، يقولون: إن الإيمان الذي هو التصديق صدر منهم، ولكن الشرع نقل هذا اللفظ إلى الطاعات، وهم صدَّقوا وما أطاعوا في أمر الخلافة، فإذا قلنا: إن الشرع لم ينقل استدّ هذا الباب الرديء)) (3) .
(6) إعلاء شأن الجهاد مع شدة الوطأة على الكفار
يمكن أن نلمح في تعبيرات القرافي في كتابه هذا اهتمامه بأمر الجهاد وبِغْضَته للكفر وأهله وضرورة إجبارهم على الإسلام، من هذه المواقف:
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 453 - 455.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 466 - 467.
(3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 43 - 44.

(1/145)


أ - قوله بأن آية السيف نسخت آيات الموادعة (1) .
ب - قال: ((حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه. . .)) (2) .
جـ - قال في معنى الإتلاف وأنه يكون لتعظيم الله تعالى: ((أو لتعظيم الله تعالى كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم، وإفساد الصُّلْبان، أو لتعظيم الكلمة كقتل
البغاة. . .)) ثم قال في الشرح ((من ذلك - أعني القتال للإتلاف - قتال الظلمة؛ لدفع ظلمهم، وحسم مادة فسادهم، وتخريب ديارهم، وقطع أشجارهم، وقتل دوابهم إذا لم يمكن دفعهم إلا بذلك - ثم قال - وكذلك إتلاف ما يُعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي)) (3) .
د - تكلم عن مدى ارتباط مراعاة المصلحة في مسألة تترُّس الكفار بجماعةٍ من المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا واستولوا علينا وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا الترس معهم (4) .
هـ - قال: ((ومرَّ بي في بعض الكتب - لست أذكره الآن - أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة، فالجهاد خاصٌ بالمؤمنين، لم يخاطب الله تعالى بوجوب الجهاد كافراً، وهو متَّجه أن يكون وجوب الجهاد مستثنىً من الفروع لعدم حصول مصلحته من الكافر. . .)) (5) .
وقال: ((إن التبليغ يقتضي المصلحة، فقد تكون في التعجيل، وقد تكون في التأخير، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لو أوحي إليه بقتل أهل مكة بعد سنة كانت المصلحة تتقاضى تأخير ذلك إلى وقته لئلا يستعدَّ العدو للقتال، ويعظم الفساد، ولذلك أنه عليه الصلاة والسلام لمَّا أراد قتالهم قطع الأخبار عنهم، وسد الطرق حتى
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 51 - 53.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 471.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 535 - 536.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 495.
(5) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 166.

(1/146)


دهمهم، وكان ذلك أيسر لأخذهم وقهرهم، فكذلك يجوز تأخير الإبلاغ في بعض الصور بل يجب)) (1) .
ز - قال: ((نقل صاحب الطراز وغيره أن اللاحق بالمجاهدين، وقد كان سقط الفرض عنه يقع فعله فرضاً بعد ما لم يكن واجباً عليه، وطرد غيره من العلماء في سائر فروض الكفاية)) (2) .
ح - قال: ((وينبِّه على اعتبار الوسائل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِح} [التوبة: 120] ، فأثابهم الله على الظمأ والنَّصَب وإن لم يكونا من فعلهم؛ لأنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين، وصون المسلمين، فالاستعداد وسيلة الوسيلة)) (3) .
(7) التربية والتأديب
وفي أمور تربية الأسرة وتأديبها قال: ((يلحق بالتأديب تأديب الآباء والأمهات للبنين والبنات، والسادات للعبيد والإماء، بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراطٍ، وكذلك تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلك، وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول لم يجز العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك، فالزيادة مفسدة بغير مصلحة فتحرم، حتى قال إمام الحرمين: إذا كانت العقوبة المناسبة لتلك الجناية لا تؤثر في استصلاحه عن تلك المفسدة، فلا يحلُّ أن يُزجر أصلاً، أما بالمرتبة المناسبة فلعدم الفائدة، وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له، فيحرم الجميع حتى يتأتَّى استصلاحه بما أن يُرتَّب على تلك الجناية)) (4) .
سابعاً: عظيم أثر هذا الكتاب على الكتب التالية له. ويمكنني أن أقول في ثقةٍ: إنه ليس يوجد أصوليٌّ نابِهٌ لم يسمع بهذا الكتاب، أو لم يُفِدْ منه، وقلَّما تجد باحثاً معاصراً لم يجعله مصدراً من جملة مصادره الأصولية.
_________
(1) المصدر السابق ص 285.
(2) المصدر السابق ص 185.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 506.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 538 - 539.

(1/147)


كما أن الكتاب وكتب القرافي الأصولية عامةً تعتبر مادة غزيرة استمدَّها كبار الأصوليين من بعده في مؤلفاتهم، من هؤلاء:
1 - نجم الدين الطوفي، في كتابه " شرح مختصر الروضة " صرَّح قائلاً: ((فاعلم أن مادَّته (أي مادة كتاب شرح مختصر الروضة) ، وهي الكتب التي جمع منها هي. . .، والتنقيح وشرحه للشيخ شهاب الدين القرافي)) (1) .
وقد أفاد منه في مواضع كثيرة منها: 1 / 214، 251، 440، 2 / 257، 318، 461، 502، 3 / 7، 93، 115، 212، 340، 412، 576، 623.
2 - ابن جزي الكلبي الغرناطي (2) ، في كتابه: تقريب الوصول إلى علم
الأصول. وهو يكاد يكون مختصراً لكتاب القرافي " شرح التنقيح ". انظر مثلاً الصفحات: 97، 103، 107، 129، 147، 167، 175، 191، 231، 250، 257، 277، 287، 404، 418، 451.
3 - تقي الدين السبكي (3) ، وابنه تاج الدين، في: الإبهاج في شرح المنهاج. انظر: 1 / 152، 205، 372، 2 / 105، 277، 314، 381، 3 / 248.
4 - صلاح الدين العلائي الكيكلدي، في ثلاثةٍ من كتبه، " تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم "، انظر الصفحات: 100، 150، 205، 250، 273، 305، 363، 400، 423، وفي: " تحقيق المراد بأن النهي يقتضي الفساد ".
_________
(1) انظره في: 3 / 751.
(2) هو أبو القاسم محمد بن أحمد بن جُزَي الكلبي الغرناطي، إمام مالكي حافظ فقيه، ألَّف في فنون عديدة، من تآليفه: القوانين الفقهية (ط) ، المختصر البارع في قراءة نافع، أصول القرَّاء الستة غير نافع، التسهيل لعلوم التنزيل ويُسمَّى: تفسير ابن جزي (ط) ، ت 741 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 388، شجرة النور الزكية 1 / 213.
(3) هو تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الشافعي كان مدققاً بارعاً في العلوم، له استنباطات لم يُسبق إليها، تولى قضاء الشام، وعدَّه السيوطي من المجتهدين. له: الإبهاج في شرح المنهاج
(ط) شرحه إلى قول البيضاوي ((الواجب إن تناول كل واحد فهو فرض عين)) ، ثم أكمله ابنه
تاج الدين. وله فتاوى السبكي (ط) ، قضاء الأرب في أسئلة حلب (ط) ، ت 756 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 10 / 139.

(1/148)


انظر الصفحات: 81، 138، 202. وفي: " تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال " انظر: ص 132، 146.
5 - تاج الدين السبكي، في كتابيه: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، انظر: 1 / 538، 2 / 45، 291، 383، 450، 3، 72، 83، 279، 376، 4 / 17. وفي: منع الموانع عن جمع الجوامع ص 147.
6 - جمال الدين الإسنوي (1) في كتابيه: نهاية السول في شرح منهاج الوصول، انظر: 1 / 98، 130، 376، 2 / 53، 93، 135، 240، 370، 496، 3 / 247، 264، 4 / 532، 626. وفي: التمهيد في تخريج الفروع على
الأصول، انظر الصفحات: 95، 127، 201، 280، 318.
7 - يحيى الرهوني (2) ، في: تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول (رسالة دكتوراه بأم القرى) القسم 2 / 333.
8 - بدر الدين الزركشي (3) ، في ثلاثة من كتبه: البحر المحيط، انظر: 1 / 32، 2 / 351، 3 / 108، 4 / 520، 5 / 285، 6 / 433، 7 / 188، 8 / 281. وفي: تشنيف المسامع بجمع الجوامع، انظر: 1 / 336، 2 / 791، 3 / 27. وفي: سلاسل الذهب، انظر: الصفحات: 92، 119، 231، 404.
_________
(1) هو جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي. مؤرخ ومفسِّر وفقيه وأصولي، عالم بالعربية، انتهت إليه رئاسة الشافعية، من مؤلفاته: نهاية السول (ط) ، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ط) ، زوائد الأصول (ط) ، طبقات الشافعية (ط) ، الكواكب الدرية في تنزيل الفروع الفقهية على القواعد النحوية (ط) . ت 772 هـ. انظر: حسن المحاضرة 1 / 429، شذرات الذهب 6 / 224.
(2) هو يحيى بن موسى الرهوني المالكي، كان فقيهاً إماماً في أصول الفقه، أديباً، انفرد بتحقيق مختصر ابن الحاجب الأصولي، وله عليه شرح حسن مفيد، وكان إماماً في المنطق والكلام. ت 774 هـ أو 775 هـ. الديباج المذهب ص 436.
(3) هو بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المعدي، فقيه شافعي، أصولي، أخذ عن الإسنوي، درَّس وأفتى، وله تصانيف كثيرة واسعة منها: البحر المحيط في أصول الفقه (ط) ، تشنيف المسامع بجمع الجوامع (ط) ، البرهان في علوم القرآن (ط) ، الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (ط) وغيرها. ت 794 هـ. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر 3 / 397، شذرات الذهب 6 / 335.

(1/149)


9 - ابن اللَّحام البعلي (1) ، في كتابيه: المختصر في أصول الفقه، انظر الصفحات: 97، 106، 167. والقواعد والفوائد الأصولية، انظر: الصفحات: 104، 120، 122، 166، 232.
10 - ابن أمير الحاج (2) في: التقرير والتحبير، انظر: 1 / 121، 2 / 412، 3 / 62.
11 - أبو بكر الجراعي (3) ، في: شرح مختصر أصول الفقه (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية) القسم: 1 / 129.
12 - علاء الدين المرداوي الحنبلي (4) ، في التحبير شرح التحرير (رسالة دكتوراه بجامعة الإمام) القسم: 2 / 194، 601، 664، 990، والقسم: 3 / 240، 264، 552، 666، 757.
13 - حلولو المالكي، في: الضياء اللامع شرح جمع الجوامع، انظر: 1 / 141، 187، 221، 283، 317، 333.
_________
(1) هو علاء الدين أبو الحسين علي بن محمد بن علي بن عباس البعلي الحنبلي، المعروف بابن اللَّحام، صار شيخ الحنابلة في الشام مع ابن مفلح، يحرر المذاهب من كتبهم، من مصنفاته: المختصر في أصول الفقه
(ط) ، القواعد والفوائد الأصولية (ط) ، الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ط) ، ت 803 هـ. انظر: الضوء اللامع 5 / 320، شذرات الذهب 7 / 31.
(2) هو محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان الحلبي الحنفي، يعرف بابن أمير الحاج، وبابن الموقت، لازم ابن الهمام في الفقه والأصلين تصدَّى للإقراء والافتاء، من تصانيفه: التقرير والتحبير في شرح التحرير لابن الهمام (ط) ، بغية المهتدي في شرح منية المصلي، ذخيرة القصر في تفسير سورة العصر.
ت 879 هـ. انظر: الضوء اللامع 9 / 210، شذرات الذهب 7 / 328.
(3) هو تقي الدين أبو بكر بن زيد بن أبي بكر الحسني الجراعي الدمشقي الحنبلي، فقيه، تصدى للتدريس والإفتاء بل ناب في القضاء، من تصانيفه: شرح مختصر أصول الفقه (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية، وأم القرى) ، حلية الطراز في حلِّ الألغاز (ط) ، غاية المطلب في معرفة المذهب، ت 883 هـ. انظر: الضوء اللامع 11 / 32، شذرات الذهب 7 / 337.
(4) هو علاء الدين علي بن سليمان بن أحمد الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف بالمرداوي، تصدَّى للإقراء والإفتاء، من كتبه: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (ط) ، تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول، ثم شرح في: التحبير في شرح التحرير (رسائل دكتوراه بجامعة الإمام) . ت 885 هـ. انظر: الضوء اللامع 5 / 225، شذرات الذهب 7 / 340.

(1/150)


14 - ابن زكري التلمساني المالكي (1) ، في: غاية المرام في شرح مقدمة الإمام
(شرح ورقات إمام الحرمين، رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية) ، انظر الصفحات: 27، 51، 62، 121، 139.
15 - خالد بن عبد الله الأزهري (2) ، في: الثمار اليوانع على أصول جمع الجوامع (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى) القسم: 1 / 327، 345، 367، 503، 557، 578.
16 - زكريا الأنصاري (3) ، في غاية الوصول شرح لب الأصول، انظر:
ص 19، 45.
17 - ابن النجار الفتوحي (4) ، في: شرح الكوكب المنير، انظر: 1 / 95، 344، 2 / 284، 389، 3 / 17، 293، 337، 4 / 91، 535.
18 - أمير باد شاه (5) ، في: تيسير التحرير، انظر: 3 / 44، 4 / 197، 255.
_________
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني، فقيه أصولي، مشارك في التفسير والمنطق والكلام، وله فتاوى كثيرة منقولة في المعيار المعرب للونشريسي. من مؤلفاته: بغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب، منظومة في علم الكلام، غاية المرام في شرح مقدمة الإمام (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية) ت 899 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 84، معجم الأصوليين 1 / 213.
(2) هو زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجي الأزهري المصري الشافعي، برع في العربية، وشارك في غيرها. من مؤلفاته: شرح التصريح على التوضيح (ط) ، المقدمة الأزهرية في علم العربية، الألغاز النحوية، الثمار اليوانع على أصول جمع الجوامع (رسالة جامعية بأم القرى) . ت 905 هـ. انظر: الضوء اللامع 3 / 171، معجم المؤلفين 1 / 668.
(3) هو زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، لقب بشيخ الإسلام، عالم مشارك في شتى العلوم، الفقه والأصول والتفسير والعربية والمنطق وغيرها. له مؤلفات كثيرة منها: أسنى المطالب في شرح روض الطالب (ط) ، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس بالقرآن (ط) ، فتح الرحمن على متن لقطة العجلان (ط) ، غاية الوصول شرح لب الأصول (ط) ، وغيرها، ت 926 هـ. انظر: شذرات الذهب 8 / 134، معجم الأصوليين 2 / 107.
(4) هو تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المصري الحنبلي، الشهير بابن النجار، انتهت إليه رئاسة المذهب. له: منتهى الإرادات، الذي شرحه البهوتي (ط) ، شرح الكوكب المنير (ط) .
ت 972 هـ. انظر: السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد 2 / 854.
(5) هو محمد أمين بن محمود البخاري، المعروف بأمير بادشاه، فقيه حنفي محقق، له تصانيف منها: تيسير التحرير في شرح التحرير لابن الهمام (ط) ، تفسير سورة الفتح، فصل الخطاب في التصوف. ت نحو
972 هـ، وقيل: حوالي 987 هـ. انظر: الأعلام 6 / 41، معجم المؤلفين في 3 / 148.

(1/151)


19 - محمد بن أبي بكر الأشخر الزبيدي (1) ، في: شرح ذريعة الوصول إلى اقتباس زبدة الأصول (رسالة ماجستير بأم القرى) . انظر: ص 241.
20 - ابن قاسم العبادي (2) ، في كتابيه: الشرح الكبير على الورقات انظر: 1 / 244، 419، 2 / 151، 187، 531، 541. وفي: الآيات البينات 3 / 178 وغيرها.
21 - محمد التمرتاشي الغزي الحنفي (3) ، في كتابه: الوصول إلى قواعد الأصول. انظر ص 110، 220.
22 - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (4) ، في: إجابة السائل شرح بغية الآمل. انظر: ص 298.
23 - سيدي عبد الله العلوي الشنقيطي (5) ، في: نشر البنود على مراقي السعود، انظر: 1 / 22، 28، 98، 128، 2 / 54، 81، 100، 140.
_________
(1) جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشْخَر الزبيدي اليمني الشافعي، فقيه أصولي نحوي نسابة ناظم، من
تآليفه: شرح شذور الذهب، شرح ذريعة الوصول (رسالة ماجستير بأم القرى) ، ت 991 هـ. انظر: البدر الطالع للشوكاني 2 / 146، 3 / 164.
(2) هو شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي القاهري الشافعي، عالم فقيه مدقق محقق، من تآليفه: الشرح الكبير على الورقات (ط) ، الآيات البينات على شرح جمع الجوامع (ط) حاشية على شرح المنهج
(ط) . ت 994 هـ. انظر: شذرات الذهب 8 / 433، معجم المؤلفين 1 / 230.
(3) هو شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد، الخطيب العمري التمرتاشي الغزي الحنفي، شيخ الحنفية في عصره، من تآليفه: تنوير الأبصار، معنى الحكام على الأحكام، الوصول إلى قواعد الأصول (ط) .
ت 1004 هـ. انظر: الأعلام 6 / 239.
(4) هو محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني، المعروف بالأمير الصنعاني، محدِّث فقيه أصولي، مجتهد من أئمة اليمن، رحل إلى الحرمين ثم عاد إلى صنعاء. له كتب كثيرة منها: سبل السلام (ط) ، تطهير الاعتقاد (ط) ، توضيح الأفكار (ط) ، إجابة السائل (ط) وغيرها. ت 1182 هـ. انظر: البدر الطالع 2 / 133، معجم المؤلفين 3 / 132.
(5) هو عبد الله بن إبراهيم بن عطاء الله العلوي الشنقيطي. عالم أديب، من مؤلفاته: نشر البنود على مراقي السعود (ط) ، روضة النسرين في الصلاة والسلام على سيد المرسلين. ت في حدود 1230 هـ. انظر: معجم المؤلفين 2 / 220.

(1/152)


24 - محمد بن علي الشوكاني (1) ، في: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، انظر: 1 / 174، 574، 2 / 57، 83، 265، 351.
25 - محمد الأمين الجكني المعروف بالمرابط (2) ، في: مراقي السعود إلى مراقي السعود. انظر الصفحات: 63، 124، 183، 328، 402.
26 - محمد بن يحيى الولاتي (3) ، في: نيل السول على مرتقى الوصول، انظر الصفحات: 35، 56، 138، 200.
27 - محمد الأمين الشنقيطي (4) ، في: نثر الورود على مراقي السعود. انظر:
1 / 37، 197، 236، 2 / 443، 500، 599. وهناك كتب كثيرة ليست في علم الأصول لكنها قد أفادت من كتاب الشهاب القرافي، والمقام يضيق عن تعدادها.
_________
(1) هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الصنعاني، المعروف بالشوكاني، من الأئمة المجتهدين المحققين، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة، منها: فتح القدير في التفسير (ط) ، نيل الأوطار (ط) ، السيل الجرار (ط) ، القول المفيد في حكم التقليد (ط) در السحابة في مناقب الصحابة (ط) ، إرشاد الفحول (ط) وغيرها ت 1250 هـ. انظر: أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي 3 / 201، الإمام الشوكاني ومنهجه في أصول الفقه لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 15 وما بعدها.
(2) هو محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني الإبراهيمي المعروف بالمرابط؛ لشدة مرابطته لتعلُّم العلم وتعليمه، من علماء الشناقطة الأفذاذ، له رسائل فقهية عديدة، ومن تآليفه: النصيحة في الفقه، مراقي السعود إلى مراقي السعود (ط) ، المنهج إلى المنهج في قواعد مذهب الإمام مالك، وغيرها ت 1325 هـ
أو 1326 هـ. انظر ترجمته في مقدمة كتابة: مراقي السعود بتحقيق د. محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي.
(3) هو محمد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله الشنقيطي الولاتي، من فقهاء المالكية، كان قاضي قضاة الحوض بصحراء الغرب الكبرى، تردد على تونس. له مؤلفات كثيرة منها: فتح الودود على مراقي السعود (ط) ، نيل السول (ط) ، إيصال السالك في أصول الإمام مالك، وغيرها. ت 1330 هـ.
انظر: الأعلام 7 / 142.
(4) هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، مفسِّر أصولي نحرير، درَّس بالحرم النبوي، وفي الرياض، وفي الجامعة الإسلامية بالمدينة، وتوفي بمكة عام 1393 هـ، له كتب مفيدة جداً على رأسها: أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (ط) ، نثر الورود على مراقي السعود (ط) ، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر (ط) ، آداب البحث والمناظرة (ط) . انظر: الأعلام 6 / 45.

(1/153)


وختاماً لهذا المبحث أسرد وجوهاً أخرى لمحاسن الكتاب ومزاياه، التي من شأنها أن ترفع مكانته، وتعلي منزلته إلى مصافِّ الكتب المتميزة، فمن ذلك:
(1) حسن التنظيم والتقسيم، وجودة الترتيب والتبويب. هذه السمة البارزة أتت على أغلب موضوعات الكتاب إلاّ ما سبق التنبيه عليه في المبحث الرابع من هذا الفصل (1) .
(2) مما يزيد من جلالة قدر الكتاب، ويفضي حسناً إلى محاسنه قوة المادة العلمية التي حواها الكتاب، مع متانة الأسلوب، ورصانة التعبير، وتأييد أقواله بالحجج القواطع، والبينات النواصع، والأدلة اللوامع، والبراهين السواطع.
(3) كشفه عن المدلولات اللغوية للمصطلحات الأصولية، وشغفه بالتدقيق وراء الألفاظ والعبارات مع إنعامه النظر فيها، كما في لفظ: الإجماع (2) ، والقياس (3) ، ولفظ " متعبّد " أهو اسم فاعل أم اسم مفعول (4) ؟
وأحياناً ينبه على أخطاء وأوهام قد يقع فيها كثير من الكاتبين. مثل تنبيهه على لفظ " المحسوسات "، وأن الصواب هو لفظ " المُحسَّات " (5) . وكذلك ما نقله عن بعض اللغويين بأن من لحن العوام قولهم: تواترت كتُبك عليَّ، مرادهم: تواصلت (6) .
(4) اهتمامه الدقيق بإيجاد الفروق بين المسائل التي قد يقع بينها اشتباه، ولا غَرْو في ذلك فهو صاحب كتاب " الفروق " الذي لم يؤلَّف له نظير يضاهيه ويضارعه (7) .
(5) حرصه على تنبيه طلبة العلم إلى ما قد يغلطون فيه تحاشياً للوقوع فيه، فمن ذلك:
أ - قال: ((وكثيراً ما يغلط طلبة العلم في إيراد العكس، فيوردونه كما يوردون النقض، وهو غلط كما بيّنتُ لك، فقد ظهر الفرق بين النقض، والعكس، وعدم التأثير، فتأمل ذلك)) (8) .
_________
(1) انظر: القسم الدراسي ص 89
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 123.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 303.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 25.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 64.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 196.
(7) سبق التمثيل على ذلك في مبحث منهج المؤلف، انظر: ص 119
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 355.

(1/154)


ب - قال: ((وكثير من الفقهاء غلط في تصويرها حتى خرَّج عليها ما ليس من فروعها)) (1) .
جـ - قال: ((فتأمل ذلك، فقد غلط فيه جماعة من أكابر الفقهاء المالكية
وغيرهم ... )) (2) .
د - قال: ((وقولي: على تقدير ورود الأمر، قصدتُ به التنبيه على أن قول النحاة " لوجود غيره " ليس هو كما يفهمه أكثر الناس. . .)) (3) .
(6) بحسِّه الأصولي الدقيق كان يتلمَّس الاستشكالات البعيدة، التي قد تنقدح في ذهن القارئ. فقد تعرّض لمباحث شائكة، ومسائل معضلة. والشهاب القرافي مولع بإيرادها، شغوف بكشف غوامضها على طريقته التعليمية الفذة بالأدلة الناطقة والنَّصَفَة الفائقة، فأحسن وأجاد، وأتقن وأفاد (4) .
(
7) توخِّيه الصدق والأمانة، في جميع ما ينقله عن غيره، وبُعْده عن
تشويه النص أو التبديل فيه، وقد علّل القرافي إهمال ذكر قائل القول بأنه مؤلمٌ في التصانيف (5) . وبيَّن لذلك فائدتين (6) :
الأول: الاعتراف بالفضل لأهله. والثانية: التمكن من تصحيح العبارات التي قد يقع فيها تحريف أو تصحيف، وذلك بعرضها على أصولها المنقولة عنها. وخيراً فعل، فقد ساعدت هذه الطريقة على تصحيح نقولاته التي وهم فيها، أو أخطأ النسّاخ في استنساخها.
بل لقد أربى على الغاية في توثيق الآراء عندما يخالجه الشك فيها، أو يبعثه باعثٌ إلى ذلك، من الأمثلة على ذلك:
أ - عندما نقل عن إمام الحرمين مذهب الحنابلة بجواز التقليد في أصول الدين، قال: ((مع أني سألت الحنابلة فقالوا: مشهور مذهبنا منع التقليد)) (7) .
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 159.
(2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 212.
(3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 109.
(4) سبق الكلام عن هذه الإشكالات في مبحث: منهج المؤلف ص 119
(5) انظر: الذخيرة 1 / 38.
(6) انظر: نفائس الأصول 1 / 96.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 489.

(1/155)


ب - وفي مسألة إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح، أيهما يقدَّم؟ نقل فيها خلاف أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم قال: ((هذه المسألة مرجعها إلى الحنفية، وقد سألتهم عنها، ورأيتها مسطورة في كتبهم على ما أصف لك، قالوا. . . إلخ)) (1) .
جـ - اعترض على الفخر الرازي في نقله مذهب الباقلاني، وقال: ((بل المنقول في كتاب القاضي أنه قال ... إلخ)) (2) .
د - ولمّا استشكل لفظاً أورده الرازي في محصوله أهو " البحث " أم " البخت "، وما مراده به؟ عاد إلى جميع مختصرات المحصول، وطالع كتباً كثيرة حتى وجد هذه اللفظة مضبوطة محررة (3) .
(
8) تصحيح القرافي لأوهام نفسه وأغلاط ذاته، هذه الأخطاء كانت قد وقع فيها عند تأليف المتن " تنقيح الفصول " أول الأمر. فأصبحنا نرى تراجعاً من المصنف في كتابه هذا. ومع ما في هذا التصرف من شجاعةٍ أدبية، وتواضعٍ جمٍّ كريم، فهو مما يزيد من قدر الكتاب وتقديره (4) .
(9) وشّى كتابه بفوائد مهمة، وحلاَّه بزوائد جمَّة، ووشَّحه بنكت جميلة، ودبَّجه بقواعد جليلة. هذه الأمور وإن جاء بعضها على سبيل الاستطراد إلاّ أنها أضفت إلى الكتاب حُسناً وبهاءً، وكسرتْ من حِدَّة هذا العلم ولأوائه، وكان يضع بعضها تحت عنوانات صغيرة. وإليك إحصاءً تقريبيّاً لكل ما عنون له القرافي في كتابه بعنوانات صغيرة، كقوله: فائدة، قاعدة، فرع، تنبيه، مسألة، سؤال. . . إلخ.

العنوان ... فائدة ... سؤال ... فرع ... تنبيه ... قاعدة ... مسألة ... تفريع ... المجموع الكلي
عدد التكرار ... 54 ... 114
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 118 - 119.
(2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 149.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 172 - 174.
(4) انظر الأمثلة على ذلك ص 180-183 من القسم الدراسي.

(1/156)