جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول

المبحث التاسع
مقارنة الكتاب بكتب الشروح الأخرى
ينبغي باديء ذي بدء عند عقد مقارنة بين شروحات " تنقيح الفصول " أن نستصحب في أذهاننا البَوْن الشاسع، والفرق الواسع بين المستوى العلمي للقرافي ومستويات بقية الشراح العلمية كحلولو، والشوشاوي، ومحمد الطاهر بن عاشور، ومحمد جعيط.
هذا الفارق الرئيس يُكْسب كتاب القرافي قوة ومتانة، فيزيد من ثقة الناس به، وكلُّ الشروح موضع ثقة إن شاء الله تعالى ولكن بنسبٍ متفاوتة. وإذا كان الماتن شارحاً لكتابه، فسيكون أدرى بخفاياه، وأعلم بمقاصده من غيره، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولهذا قال القرافي بنفسه في مقدمة شرح التنقيح: ((فلما كثر المشتغلون به
(أي المتن) ، رأيت أن أضع لهم شرحاً يكون عوناً لهم على فهمه وتحصيله، وأبيِّن فيه مقاصد لا تكاد تُعلم إلا من جهتي، لأني لم أنقلها عن غيري، وفيها غموض)) (1) .
وفي هذا المبحث سأتطرق لعقد مقارنات سريعة بين شروحات التنقيح المطبوعة. ولكن أرى من المفيد أن أمهِّد قبل ذلك بمقارنات مهمة تتعلق بالكتاب، مثل: مقارنة شرح التنقيح بالمتن نفسه، ومقارنة شرح التنقيح بشرح المحصول (نفائس الأصول) ، ومقارنة شرح التنقيح بالمحصول للرازي. لهذا انتظم هذا المبحث المقارنات التالية:
المقارنة الأولى: مقارنة شرح التنقيح بالمتن " تنقيح الفصول "
ربما كان من المناسب أن تُعْقد هذه المقارنة في المبحث الأول من هذا الفصل عند الكلام عن المتن. لكن رأيت إرجاء الحديث عنها هنا؛ لتنتظم تحت مبحث المقارنات. وأؤكِّد هنا - عند عقد المقارنة - ما سجلته في بداية المبحث الأول من هذا الفصل (2) من أن هذا الكتاب (متناً وشرحاً) يعتبر وحدة واحدة لا يمكن فصل الشرح عن المتن، لهذا لن نكون دقيقين إذا قلنا بأن شرح تنقيح الفصول كسائر شروحات متون الكتب الأخرى، فالقرافي لما رغب في شرح متنه، فإنه قرَّر المتن كما هو، وأَتْبَعه بمزيد
_________
(1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 2.
(2) انظر: القسم الدراسي ص 63

(1/178)


توضيحات لغموض أو إشكال، كما أنه دلَّل على المسائل الواردة فيه، وناقش ورجَّح أحياناً. . . وهكذا (1) .
ففي المتن " تنقيح الفصول ": ذكر المصنف المسائل الأصولية، وآراء المذاهب والعلماء فيها، والتعاريف والحدود، وعرضاً سريعاً للأدلة على وجه الاختصار.
وفي الشرح " شرح تنقيح الفصول ": تابع المصنف شرح بعض الحدود، واستكمل بقية الأدلة، ووجه الاستدلال بها، مع الاعتراضات والأجوبة، وزاد في النقولات الداعمة للآراء في المسألة الأصولية.
إن المختصرين عادةً يضطرُّون - بحكم طبيعة الاختصار - إلى إيجاز العبارة، وإلغازها في إشارة، مما قد ينتج عنه عدم الوفاء بالفكرة المراد إيضاحها، وحصول غموض وإشكال في المختصر.
لهذا قال الطوفي مشيراً إلى هذا المعنى ((قد حصل في " المختصر " في هذه المسائل تداخلٌ بموجب الاختصار، وقد فصَّلْتُه في الشرح كما رأيت. والله أعلم)) (2) .
وانطلاقاً مما سلف ذكره آنفاً، نلحظ - ونحن نقلب صفحات الكتاب - تسجيل القرافي تراجعاته عما ذكره في المتن، فبعد أن أورد في المتن بعض أمورٍ تابعاً فيها الرازي في محصوله، أو مقرِّراً لها من تلقاء نفسه ابتداءً، نجده عند تأليف الشرح لا يرتضيها، ولا يُسلِّم بها، بل يسعى لتفنيدها ونقدها.
ويجب ألا ننسى - في ظل عقد هذه المقارنة بين المتن والشرح - أن القرافي صنَّف المتن في باكورة حياته العلمية (3) ، وربما كانت العجلة تدفعه إلى سرعة تأليفه ليخوض غمار موسوعته " الذخيرة "، ويمخر عباب بحارها. هذا الاستعجال خلَّف وراءه نوعَ أخطاءٍ وهفواتٍ كشفتْ الممارسةُ بعد ذلك، وطولُ باعِ القرافي في التأليف، أنَّها لم تكن في محلِّها. فبعدما يربو على عشر سنواتٍ، وبعد ما يقارب عشر مؤلفات (4) تكشَّفتْ للمصنف هذه الملاحظات، فأراد التنبيه عليها في الشرح.
_________
(1) انظر: الصفحات التالية من القسم التحقيقي لترى نَقْلة المصنف بين المتن والشرح، ص 450، 449، 458.
(2) انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 452. والطوفي يقصد بالمختصر: البلبل، وهو مختصر روضة الناظر.
(3) انظر: القسم الدراسي ص 67.
(4) انظر: المخطط الزمني لتآليف القرافي، ص 85.

(1/179)


وإليك تمثيلاً لهذه التراجعات والتصحيحات التي جاءت في الشرح خلافاً لما ذكره في المتن:
أولاً: استدراكات القرافي على نفسه لما قرَّره في المتن من تلقاء نفسه.
(1) قال في الشرح: ((وقولي في الكتاب (المتن) : الحقيقة: استعمال اللفظ في موضوعه، صوابه: اللفظة المستعملة، أو اللفظ المستعمل. . . فالحقُّ أنها موضوعة للَّفظ المستعمل، لا لنفس استعمال اللفظ. . .)) (1) .
وهكذا أيضاً صوَّب حدّ المجاز بنفس الطريقة (2) .
(2) لمّا عرَّف التخصيص وذكر محترزاته في المتن، ثم شرحها في الشرح، قال أخيراً: ((وهذا الحد باطل، مع هذا التحرير العظيم، الذي لم أَرَ أحداً جمع ما جَمعْتُ فيه - ثم قال - فينبغي أن يؤتى بعبارة تجمع هذه النقوض، وتُخرج الاستثناء، وفيها عُسْر)) (3) .
(
3) قال في الشرح: ((وقولي: كما يترادف مفهوم المخالفة ودليل الخطاب وتنبيهه، صوابه: الاقتصار على الأوَّلَين، ونترك تنبيه الخطاب؛ لأنه لم يتقدم له ذكر في مفهوم المخالفة)) (4) .
(4) قال في المتن: ((الفصل الحادي عشر: خمس حقائق لا تتعلق إلاّ بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم)) ثم قال في الشرح: ((صوابه أن يقول: بالمعدوم وبالمستقبل. . . ولو قلت: بالمستقبل، لأجزأ، لكن التصريح بالمعدوم أحسن؛ لأنه أنَصُّ على اعتبار المعدوم في ذلك. وألحقتُ بعد وضع هذا الكتاب (المتن) لهذه الخمسة خمسةً أخرى، فصارت عشرةً. . .)) (5) .
(5) قال في المتن - حسب النسخ الخطيَّة وخلافاً للمطبوع الذي تصرَّف فيه محققه - قال ((يجوز عند المالكية والشافعي رضي الله عنه وجماعة من أصحابه استعمال
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 43.
(2) انظر: المصدر السابق ص 45.
(3) المصدر السابق ص 52.
(4) المصدر السابق ص 57.
(5) المصدر السابق ص 62.

(1/180)


اللفظ في حقائق. .)) (1) . . ثم قال في الشرح: ((وقولي أول المسألة: وجماعة من أصحابه، أريد أصحاب مالك، وسبق القلم في الأصل (المتن) إلى: المالكية،
وصوابه: ويجوز عند مالك والشافعي وجماعة من أصحاب مالك. . .)) (2) .
(6) قال في الشرح: ((ولذلك اخترتُ طريق سيف الدين (الآمدي) على طريق الإمام فخر الدين الرازي - ثم قال - غير أني بعد وضع هذا الكتاب (المتن) رأيتُ كلام أبي الحسين في كتابه " المعتمد في أصول الفقه "، وقد حكى عن
شيعة المعتزلة الخلاف مطلقاً من غير تقييد، كما حكى الإمام، فرجعتُ إلى طريقة الإمام. . .)) (3) .
(7) قال في المتن فيما يدل عليه الأمر: ((وعلى النهي عن أضداد المأمور به عند أكثر أصحابه. . .)) ثم قال في الشرح: ((أريد بالضمير في قولي: ((وأصحابه)) مالكاً رضي الله عنه)) (4) .
وقال في المتن: ((وهو عنده للتكرار. . .)) ثم قال في الشرح: ((وقولي في أصل الكتاب (المتن) : ((عنده)) أريد مالكاً)) (5) .
(8) لمَّا أورد في بحث ترجيح الأقيسة في المتن كلام الباجي بأن أحد القياسين ترجَّح على الآخر لكون علة أحدهما متعدِّية (6) . قال في الشرح: ((العلة المتعدِّية أولى من القاصرة، غير أن هذا لا يستقيم من جهة أن القاصرة لا قياس فيها، والكلام إنما هو في ترجيح الأقيسة، فإن كان في ترجيح العلل من غير قياس صحّ)) (7) .
(9) يناقش نفسه ويُنْصِفها، فهو يقول عمّا كتبه أولاً في المتن بأنه وقع منه
سهو. قال: ((والذي في الأصل (المتن) ما أرى نقله إلاّ سهواً)) (8) .
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 114.
(2) المصدر السابق ص 118.
(3) المصدر السابق ص 93.
(4) المصدر السابق ص 135، وهكذا في ص 133، 134.
(5) المصدر السابق ص 130.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 427.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 428 - 429.
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 336.

(1/181)


(10) لمّا عرّف الرخصة في المتن، قال في الشرح: ((ومع هذا الاحتراز لا يَسْلم الحدُّ عن الفساد، فإن في الشريعة رُخَصاً لم أُلْهَم لها حالةَ ذِكْري لهذا الحدِّ، وهي: الإباحة. . . - ثم ذكرها، وقال - فلا يكون حدِّي جامعاً. .)) (1) .
(11) عند تعريفه لأصول الفقه، ذكر لتعريف الأصل في المتن ثلاثة معانٍ، ثم قال في الشرح: ((فذكرت في هذا الكتاب (المتن) في الأصل ثلاثة معانٍ: منها واحد لغوي، واثنان اصطلاحيان، وبقي واحدٌ لم أذكره ها هنا، وذكرته في شرح المحصول، وهو: " ما يُقاس عليه ". . . ثم قال: فيصير للأصل أربعة معانٍ)) (2) .
ثانياً: استدراكات القرافي على ما كان تابعاً فيه محصول الرازي
(1) قال في المتن: ((وليس من شرطه (الأمر) تحقُّقُ العقاب على تركه عند القاضي أبي بكر والإمام، خلافاً للغزالي)) ثم قال في الشرح: هذه المسألة نقلتها
هاهنا، واختصرتها كما وقعت في المحصول، وليست المسألة على هذه الصورة في أصول الفقه، ولا قال القاضي هذه العبارة، ولا الغزالي أيضاً، بل المنقول في كتاب القاضي. . . إلخ)) (3) .
(2) قال في المتن: ((الثالث: الإعادة: وهي إيقاع العبادة في وقتها بعد تقدّم إيقاعها على خللٍ في الإجزاء، كمن صلّى بدون ركن، أو في الكمال: كصلاة
المنفرد)) .
ثم قال في الشرح: ((هذا هو لفظ المحصول في اشتراط الوقت، وأما مذهب
مالك، فإن الإعادة لا تختص بالوقت. . .)) (4) . ففي المتن نقل عن المحصول اشتراط الوقت، ثم استدرك في الشرح بأن مذهب مالك لا يشترط الوقت.
(3) قال في المتن: ((الحكم الشرعي: هو خطاب الله القديم. . .)) ثم قال في الشرح: ((إني اتبعتُ في هذا الحدِّ الإمام فخر الدين رحمه الله، مع أني غيَّرتُ بالزيادة في قولي: " القديم " - ثم قال - والصحيح أن يُقال: كلام الله القديم. . .)) (5) .
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 86.
(2) المصدر السابق ص 16.
(3) المصدر السابق ص 149.
(4) المصدر السابق ص 76.
(5) المصدر السابق ص 67.

(1/182)


(4) قال في المتن: ((ومذهب الراوي يخصص. . .)) . ثم قال في الشرح:
((هذه المسألة منقولة هكذا على الإطلاق (1) ، والذي أعتقده أنه مخصوص بما إذا كان الراوي صحابياً. . .)) (2) .
(5) لمَّا عرَّف الاستثناء في المتن تبعاً للرازي، قال في الشرح: ((قولي: أو ما يقوم مقامها، لا يصح - ثم قال - هذا الحدُّ ذكره الإمام - أعني هذا القيد - على هذه الصورة من الإشكال، بل ينبغي أن يُقال في حَدِّه. . .)) (3) .
(
6) مثَّل في المتن على مسألة البيان بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بطوافه طَوَافَيْن على أنه متمتع. ثم قال في الشرح: ((وتمثيلي بكونه - صلى الله عليه وسلم - طاف لهما طوافين مبنيٌّ على أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع متمتعاً، وهي مسألة ثلاثة أقوال، قيل: متمتعاً، وقيل: مفرداً، وقيل: قارناً. والإمام فخر الدين مثَّل بذلك، واتَّبعْتُه)) (4) .
(7) أورد في المتن - في مسألة حكم النسخ بالعقل - قول الإمام الرازي بأن العقل يكون ناسخاً في حق من سَقَطتْ رِجْلاه، فإن الوجوب ساقط عنه. ثم قال في الشرح مستدْرِكاً على مقالة الرازي: ((هذا ليس نسخاً - ثم قال - وإلاّ كان النسخ واقعاً طول الزمان لطريان الأسباب وعدمها)) (5) .
(8) قال في الشرح: ((وأما قولي في الفقيه: " الحافظ "، والأصولي: " المتمكن " فهو قول الإمام فخر الدين رحمه الله، وفيه إشكال ... إلخ)) (6) .
(9) قال في الشرح: ((فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول، وهو قول الإمام فخر الدين في المحصول)) (7) والتعميم الأول هو الذي جاء ذكره في المتن أولاً.
_________
(1) انظر: المحصول للرازي 3 / 126.
(2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 219.
(3) المصدر السابق ص 238.
(4) المصدر السابق ص 281.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 101.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 179.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 121 هامش (14) .

(1/183)


المقارنة الثانية: المقارنة بين " شرح تنقيح الفصول "
و" نفائس الأصول "
تنبع أهمية المقارنة بين الكتابين من كونهما كتابين أصوليين لمؤلِّفٍ واحدٍ، فبعقد مقارنة وموازنة بينهما يظهر لنا مدى نمو الفكر الأصولي عند القرافي، ومدى ثباتيَّة واستقرارية آرائه الأصولية.
وكتاب " نفائس الأصول " صَنَعه القرافي ليكون شرحاً للمحصول، وإثارة للإشكالات الواردة على مسائله مع حلِّها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فما كان له من تعقبّات في النفائس على محصول الرازي، جاءت في كتابه " شرح تنقيح الفصول " على شكل تقريراتٍ مُسلَّمة باعتباره متأخِّر التأليف عن الأول.
وأودُّ - قبل عقد المقارنة بينهما - أن أبيِّن في عجالةٍ سريعة منهج القرافي في كتابه نفائس الأصول حتى ترتكز عملية المقارنة على خَلْفيَّةٍ ذِهْنيَّةٍ ذاتِ صورةٍ واضحةِ المعالم والسِّمات.
شَرَح القرافي كتاب " المحصول " للرازي بطريقتين، الأولى: طريقة القول، بمعنى " قال فأقول ". فهو يورد قول صاحب المحصول أو طَرَفاً منه، ثم يشرحه بتقريرٍ أو إيراد أسئلةٍ أو نحو ذلك. والثانية: طريقة الشرح بالمضمون، دون التزامٍ لذكر المتن، فنجده يذكر رأس المسألة كما يذكره الإمام أو يختصره، ثم يتناول ما ذكره الإمام تحت هذا العنوان بالشرح والتقرير كلمةً كلمةً أو جملةً جملةً، فيقول مثلاً: قوله ((كذا وكذا. . .)) ، تقريره: ((كذا وكذا. . .)) ، فإن وافقه اكتفى بتقرير كلامه، وأجاب عن الأسئلة القوية الواردة عليه. وإن خالفه أورد عليه الأسئلة والاعتراضات التي يرى أنها قويّة، سواء كانت مما أورده العلماء السابقون أم مما جادتْ به قريحته، وتفتَّق عنها ذهنه. فإذا انتهى من الكلام عن عبارة المحصول ما لها وما عليها، انتقل إلى الكلام عن مختصراته، فيذكر موافقتهم للمحصول أو مخالفتهم، ويوازن بين عبارة المحصول ومختصراته، ويبيِّن أيهما أسلم وأصوب (1) .
_________
(1) انظر: القسم الدراسي لكتاب نفائس الأصول. الجزء الأول بتحقيق فضيلة شيخنا د. عياض السلمي
ص 111 - 113.

(1/184)


هَاتِهِ هي الخطوط العريضة لملامح منهج القرافي في كتابه نفائس الأصول. وفي الحقيقة بان لي أن الكتابين يتّفقان في كثير من الخصائص المنهجية للقرافي سواء في:
حَشْد الآراء والنقولات، أو إيراد الأسئلة والإشكالات، أو عرض الأدلة والمناقشات، أو الاهتمام بالحدود والتعريفات، أو التنبيه على الفروقات، أو وقوع التكرارات، أو كثرة الاستطرادات، من فوائد وتنبيهات.
والآن لأذكر نُتَفاً من وجوه المقارنة بين الكتابين بحسب ما أسْعف به الوقت:
أولاً: التوسع والتفصيل في النفائس، والإجمال والاختصار في شرح التنقيح:
تعرَّض القرافي لمسائل كثيرة في " نفائس الأصول " بينما أغفلها أو اختصرها في
" شرح التنقيح "، والسبب في هذا ظاهرٌ جداً، وهو ما تقتضيه ضرورة التعليق على كتاب المحصول هذا بالنسبة للنفائس، وما تقتضيه ضرورة الاختصار والتوسط بالنسبة للتنقيح وشرحه.
ولهذا صرَّح القرافي في كتابه " شرح التنقيح " في غير ما موضع بهذه الحقيقية، من ذلك:
(1) قال: ((والتفرقة بين الدلالة باللفظ، ودلالة اللفظ من مُهمَّات مباحث الألفاظ، وقد ذكرتُ هنا الفرق بينهما من ثلاثة أوجه، وفي شرح المحصول ذكرتُ خمسة عشر وجهاً، وهذه الثلاثة تكفي في هذا المختصر)) (1) .
(2) قال في آخر الباب الثالث: ((وفي هذه المواطن مباحث ومُثُلٌ كثيرة نقلتها في كتاب شرح المحصول، وجعلتها مسائل خلاف مستقلّة، ومعها مباحث شريفة هنالك، لا يحتمل هذا الشرح المختصر ذلك)) (2) .
(3) قال في مبحث الحسن والقبح العقليين: ((وقد نقلتُ في شرح المحصول طُرقاً عديدة عن الأصحاب، وبيَّنتُ ما عليها من الإشكال، واخترتُ هذه الطريقة)) (3) .
(4) قال في الفصل التاسع في لحن الخطاب. . . ((وفي مفهوم العدد إشكالٌ، وتفصيله مبسوط في المحصول وشرحه)) (4) .
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 26.
(2) المصدر السابق ص 125.
(3) المصدر السابق ص 91.
(4) المصدر السابق ص 56.

(1/185)


(5) قال: ((فتنبّه لهذه القاعدة الغريبة، وقد بسطْتُها في شرح المحصول)) (1) .
(6) قال في مبحث حكم الأشياء قبل ورود الشرع ((وقد قرَّرتُ ذلك نقلاً وبحثاً في شرح المحصول)) (2) .
(7) قال في فصل الحقيقة والمجاز: ((وفي هذه المواطن مباحث كثيرة مستوعبة في شرح المحصول)) (3) .
(
8) وقال في محاولة إثبات النسخ في شريعة اليهود: ((وقد ذكرتُ صوراً كثيرة غير هذه في شرح المحصول)) (4) .
ثانياً: التشابه بين عبارة شرح التنقيح وعبارة نفائس الأصول
يوجد تشابه كبير في كثير من مسائل الكتابين من جهة العبارة والنقل، ففي بعض المباحث في " شرح التنقيح " تكاد تكون منقولة بحروفها من " نفائس الأصول "، وهذا أمرٌ متوقَّعٌ ورودُه؛ لعدم طريان ما يقتضي التغيير، ولا غَضَاضة في ذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
(1) مسألة: الإجماع لا يُنسخ ولا يُنسخ به (5) .
(2) مسألة: تعريف السبر والتقسيم وسبب التعبير بذلك (6) .
ثالثاً: بعض المسائل التي ما تزال مشكلة عند القرافي رحمه الله في الكتابين:
رغم التأخر الزمني في تأليف كتاب " شرح تنقيح الفصول "، مما يعني استواء النضج الأصولي عند القرافي إلاّ أن الرجل أعلن في كتابه توقُّفَه في بعض المسائل، وعدم الجزم برأيٍ واضحٍ فيها، وهذه مَنْقبةٌ جليلة للمؤلف - عليه رحمة الله - يحدوه إليها إنصافُهُ للحقيقة واعترافُهُ بالعجز البشري، وتنمُّ عن حسن تواضعه. من ذلك:
(1) عجزه عن تحديد الرخصة بحدٍّ يضبط أفرادها، قال: ((والذي تقرَّر عليه
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 71.
(2) المصدر السابق ص 93.
(3) المصدر السابق ص 44.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 60.
(5) انظر: نفائس الأصول 6 / 2500، القسم التحقيقي ص 93.
(6) انظر: نفائس الأصول 8 / 3358، القسم التحقيقي ص 345.

(1/186)


حالي في شرح المحصول وهاهنا: أنِّي عاجزٌ عن ضبط الرخصة بحدٍّ جامعٍ مانع. أما جزئيات الرخصة من غير تحديد فلا عُسْر فيه، إنما الصعوبة في الحدِّ على ذلك
الوجه)) (1) .
(2) استشكاله لنوع دلالة العام أهي مطابقيَّة أم تضمنيَّة أم التزاميَّة؟
قال: ((قلت هذا سؤال صعب، وقد أوردته في شرح المحصول، وأجبت عنه بشيء فيه نكارة، وفي النفس منه شيء)) (2) .
(
3) استشكاله لنقل الأصوليين الخلاف في أقل الجمع دون التفريق بين جموع القِلَّة والكثرة، فكيف يصح دخول جموع الكثرة في محل النزاع في أقل الجمع؟!.
قال في تنقيح الفصول في الباب السابع في أقل الجمع ((وعندي أن محل النزاع مشكل؛ لأنه إن كان الخلاف في صيغة الجمع التي هي الجيم والميم والعين لم يمكن إثبات الحكم لغيرها من الصيغ، وقد اتفقوا على ذلك. وإن كان في غيرها من صيغ الجموع، فهي على قسمين: جمع قلة. . . وجمع كثرة. . . فإن كان الخلاف في جموع الكثرة فأقلها أحد عشر، فلا معنى للقول بالاثنين والثلاثة، وإن كان في جموع القلة فهو مستقيم)) (3) .
ثم قال في الشرح - بعد توضيح هذا الإشكال: ((بل الذي تقتضيه القواعد أن يقولوا: أقل مسمَّى الجمع المنكَّر من جموع القلة: اثنان أو ثلاثة، وأقل جموع الكثرة المنكرة: أحد عشر، هذا متجه لا خفاء فيه، أمَّا التعميم فمشكل جداً)) (4) .
والقرافي حتى بعد تأليفه لما أعْتقدُ أنه آخر كتبه في حياته ما زال هذا الإشكال قائماً عنده فها هو يقول في كتابه العقد المنظوم (2 / 161) : ((إشكال عظيم صعب لي نحو عشرين سنة أُوْرِدُه على الفضلاء والعلماء بالأصول والنحو، فلم أجد له جواباً يرضيني، وإلى الآن لم أجده، وقد ذكرته في شرح المحصول، وكتاب التنقيح، وشرح التنقيح، وغيرهما مما يسرَّه الله تعالى علي من الموضوعات في هذا الشأن. . .)) ثم
أورده.
_________
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 87.
(2) المصدر السابق ص 26.
(3) المصدر السابق ص 233.
(4) المصدر السابق ص 235.

(1/187)


رابعاً: بعض ما تميَّز به " نفائس الأصول " عن " شرح تنقيح الفصول "
كتاب " نفائس الأصول " - بحكم موسوعيته - تناول مسائل أصولية أكثر عدداً، وأوسع بحثاً من كتاب " شرح تنقيح الفصول ". ولهذا تميّز " النفائس " بكثرة النقولات من المصادر المتنوعة، وبسط الأقوال في المسألة، وتحرير محل النزاع، وحشد مئات الفوائد والنكت المنوَّعة.
ومن الأمثلة على بعض مميزات النفائس:
(
1) يقتضب الأقوال الواردة في المسألة الواحدة إذا عرضها في " شرح التنقيح " بينما في " النفائس " يوردها كاملةً، كمسألة اعتبار مخالفة الواحد في إبطال الإجماع، قال في النفائس (6 / 2735) ((فهذه خمسة مذاهب لم يَحْكِ الإمام منها إلا
مذهبين)) ، بينما في شرح التنقيح تابع فيه الإمام (1) .
(2) لم يذكر القرافي في " شرح التنقيح " في مسألة حصول الاتفاق بعد الاختلاف ما إذا كان الاتفاق بعد خلافٍ مستقر أم قبله (2) ؟، مع أنه ذكر هذا التحرير في النفائس (6 / 2675) ، وهو الأحسن.
(3) عرض مسألة إجماع أهل المدينة عرضاً سريعاً وقصيراً في " شرح التنقيح " (3) ، بينما تناولها بالبحث الدقيق في " النفائس " (6 / 2701) ، وأجاب عن اعتراضات الخصوم، وقرَّر فيها اختلاف أهل مذهبه في تعيين موطن الحجية في عمل أو إجماع أهل المدينة.
خامساً: بعض ما تميَّز به " شرح تنقيح الفصول " عن " نفائس الأصول "
قيل: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، وكتاب "شرح التنقيح " كتاب دون المتوسط مقارنةً بكتاب "النفائس "، ومع ذلك يمكن اعتبار كتاب "شرح التنقيح "امتاز بمميزات فاقت كتاب " النفائس "، ربما كان من أوَّليَّات هذا التميز الوقوف على آراء القرافي الأخيرة لكون الكتاب متأخر التأليف عن النفائس. ومن هذه المميزات أيضاً:
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 162.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 136 هامش (6) .
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 153.

(1/188)


(1) زيادة شرحٍ وإيضاح بالأمثلة في بعض المواطن مثل: قوله ((وبكونه جزاءً لسبب الوجوب كالنذر)) ، فإنه شرحها في شرح التنقيح (1) ، ولم يتعرَّض لها في النفائس (5 / 2341) .
(
2) تجنبه لأوهامٍ وقعت في النفائس، منها قوله - في النفائس (6 / 2370) - بأن الرازي قال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على شرع إبراهيم، وقيل: نوح، وقيل: موسى، وقيل: عيسى عليهم السلام أجمعين، بينما في المحصول (3 / 266) لم يذكر نوحاً. ثم نجده في شرح التنقيح لم ينسب نوحاً إلى مقالة الرازي، وهو الصواب (2) .
سادساً: اختلاف آراء القرافي بين " التنقيح وشرحه " و" نفائس الأصول "
بمطالعة الكتابين نلاحظ وقوع القرافي في تباينٍ وتعارضٍ في بعض أقواله وآرائه. وليس بمستغربٍ حصول التناقض في كلام البشر، فقد كتبه الله تعالى عليهم؛ لإظهار كمال علمه وقدرته، وعلوِّ شأنه وقداسته.
والإمام القرافي لمَّا ألَّف متن " تنقيح الفصول " في بداية مشواره العلمي لعلَّه سطَّر فيه كثيراً من المسائل تابعاً فيها غيره، ثم بشرحه للمحصول في " نفائس الأصول " غيَّر بعضاً مما قرَّره سلفاً، ثم فاته أحياناً أن ينبِّه إلى هذه التغييرات في أقواله وآرائه واستدراكاته في شرح تنقيح الفصول.
وسأحاول أن أشير - ما أمكنني الوقوف عليه - إلى هذه الاختلافات، فمن
ذلك:
(1) قال في شرح التنقيح " اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم " (3) . بينما في نفائس الأصول نقل عن الباجي وغيره الخلاف في المسألة، ثم قال ((فهذه ثلاثة أقوالٍ لم يحكها المصنف (الرازي)) ) (4) ، وكذلك لم يحكها المصنف في شرح التنقيح.
(
2) في تنقيح الفصول أثبت تعريفاً للاجتهاد تبعاً للرازي، لكنه في نفائس الأصول (9 / 3790) أورد عليه إشكالاً وناقشه، ولم يرتضه، ثم أورد تعريفاتٍ
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 15.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 38.
(3) انظر: القسم التحقيق ص 381 هامش (5) .
(4) نفائس الأصول 8 / 3535.

(1/189)


أخرى، وناقشها. وصنع تعريفاً خاصاً به، رأى أنه سالمٌ من الاعتراضات، وشرحه هناك. ثم إن المصنف فاته أن ينبِّه في شرح التنقيح على ما استشكله على الرازي، ولم يورد تعريفه المختار (1) .
(3) اعترض القرافي على الرازي في النفائس عندما عرَّف الإجماع بأنه ((اتفاق أهل الحلِّ والعقد من هذه الأمة في أمرٍ من الأمور)) فأورد عليه بأن هذه العبارة تعمُّ جميع أهل الحل والعقد إلى يوم القيامة؛ لأنه اسم جنس أضيف، وهو غير مراد، ثم اقترح لدفع هذا الإيراد زيادة ((من كل عصرٍ)) (2) .
ما سبق ذكره لم يورده في شرح تنقيح الفصول، بل تابع فيه الرازي ولم يستدرك عليه (3) .
(4) في تعريف " الخبر " قرَّر في النفائس بما يوافق الرازي في اعتراضاته على تعريفات الخبر الثلاثة (4) ، ودفع ما لا يرى وجاهته ثم اختتم بحثه هذا بتعريفه المختار للخبر، وهو: ((اللفظتان فأكثر أسند بعض مسبباتهما لبعضٍ إسناداً يحتمل التصديق والتكذيب)) (5) .
لكنه في تنقيح الفصول وشرحه عرَّف الخبر في الباب السادس عشر بأنه: ((هو المحتمل للصدق والكذب لذاته)) (6) ، وبهذا ترد عليه الاعتراضات المذكورة في النفائس. والغريب في شأن المصنف أنه في الفصل السادس من الباب الأول عرَّف الخبر بأنه ((هو الموضوع للفظين فأكثر أسند مسمى أحدهما إلى مسمى الآخر إسناداً يقبل التصديق والتكذيب لذاته، نحو: زيد قائم)) ثم شرحه هناك (7) .
(
5) قال في شرح التنقيح في مسألة النسخ بالأثقل - تابعاً المحصول (3/321) - ((وعن الثاني: أنه محمول على اليسر في الآخرة حتى لا يتطرَّق إليه تخصيصات غير
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 436 هامش (4) .
(2) انظر: نفائس الأصول 6 / 2544.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 119 هامش (3) .
(4) انظر: المحصول 4 / 217 - 221.
(5) نفائس الأصول 6 / 2793.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 189 هامش (2) .
(7) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 40.

(1/190)


محصورة؛ فإن في الشريعة مشاقَّ كثيرة)) (1) ، لكنه في نفائس الأصول (6 / 2463) لم يرتضِ تخصيص اليسر بالآخرة، واعترض على الرازي فيما قاله، وهو الأوجه.
المقارنة الثالثة: مقارنة " شرح تنقيح الفصول " بـ" المحصول " للرازي
المحصول، وما أدراك ما المحصول! المحصول هو محصول كتب المتقدمين من الأصوليين، ولقد استوعب الإمام الرازي أهم الكتب الأصولية لسابقيه، فدرس البرهان للجويني، والعمد للقاضي عبد الجبار، وحفظ المستصفى للغزالي، والمعتمد لأبي الحسين البصري، فجمع أمهات الكتب الأربعة التي تعتبر أصول هذا الفن ومسائله وتفريعاته على طريقة المتكلمين (2) .
وبعد أن حقَّق المذهبين: المعتزلي والأشعري، ووقف على الاتجاهين خرج في محصوله بما استحسنه من كلام الفريقين دون أن يسير فيهم سير المقلدين، بل ينظر ويوازن ويدقق ويمحص، وينسج لنفسه أسلوباً فريداً لم يُسبق إليه، فهو يذكر المسألة ويفتح باب تقسيمها إلى فصول وفروع، ثم يقسم الفصل والفرع إلى أجزاء
وهكذا. . .، ويستعمل غالباً طريقة السبر والتقسيم حتى لا يشذّ عن المسألة شيء له بها علاقة، فانضبطت له القواعد، وانحصرت المسائل (3) .
ثم إن الرازي كان مولعاً بالاستكثار من الأدلة والاحتجاج (4) ، وربما كان اهتمامه بعلم الكلام والفلسفة وراء ذلك الاستكثار؛ ولهذا طَغَتْ على كتاباته الفقهية والأصولية والتفسيرية وغيرها المنهجيةُ الكلامية.
ولقد لَقِيَتْ طريقة الرازي قبولاً منقطع النظير عند الشافعية وغيرهم، ورزق المحصول شهرة واسعة بين الأصوليين، وشغف من جاء بعده بمنهجه وأسلوبه، ولهذا تعاقب المتأثرون بطريقته على شرحه المحصول أو اختصاره أو التعليق عليه.
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 73 هامش (8) .
(2) انظر: مقدمة ابن خلدون 3 / 1065، القسم الدراسي للمحصول بتحقيق د. طه العلواني 1 / 51.
(3) انظر: الوافي بالوفيات 4 / 249.
(4) انظر: مقدمة ابن خلدون 3 / 1065.

(1/191)


من بين هؤلاء المتأثرين به الشهاب القرافي، فها هو يقول حامداً صنيعه:
((ورأيت كتاب المحصول للإمام الأوحد فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العلامة أبي حفص عمر الرازي قدَّس الله روحه جمع قواعد الأوائل، ومستحسنات الأواخر بأحسن العبارات، وألطف الإشارات، وقد عظم نفع الناس به، وبمختصراته، وحصل لهم بسببه من الأهلية، والاستعداد مالم يحصل لمن اشتغل بغيره، بسبب أنه ألَّفه من أحسن كتب السنة، وأفضل كتب المعتزلة، " البرهان "
و" المستصفى " للسنة، و" المعتمد " و" شرح العمد " للمعتزلة، فهذه الأربعة هي أصله مصاناً بحسن تصرفات الإمام، وجودة ترتيبه وتنقيحه، وفصاحة عبارته، وما زاده فيه من فوائد فكره وتصرفه، وحسن ترتيبه وإيراده وتهذيبه. . .)) (1) ، وشرح القرافي المحصول في كتابه النفيس " نفائس الأصول ". واختصر المحصول في " تنقيح الفصول "، وعلَّق على " المنتخب " فكانت معايشته للمحصول طويلة وعميقة.
لكن هل كان القرافي تابعاً للرازي في كلِّ ما يقرِّره؟ وما مدى التفاوت بين كتاب شرح تنقيح الفصول وكتاب المحصول؟
إن مجرد مقارنةٍ عجلى تنطلق من النظر إلى فهرس مسائل المحصول وشرح التنقيح لتعطي حكماً سريعاً بأن القرافي يكاد لم يتجاوز ما في كتاب المحصول. ولكن هذا الحكم فيه تجنٍّ على القرافي، ومحقٌ لشخصيته، حقاً لقد اقتفى القرافي نهج المحصول في التبويب والتقسيم، والترتيب والتنظيم في غالب الكتاب، كما أنه أكثر من نقولاته
عنه. غير أنه لم يَجْرِ على رَسْم الرازي دون تدخُّلٍ وتصرُّفٍ، بل صحح أخطاءً، وتمَّم نقصاً، وزاد مسائل، ووضَّح غموضاً، وحذف بعض المباحث إما لأنها توجب الإملال والكلال، أو لأنها تمثّل استطراداً لا يتلائم مع المختصر، ولا يتعلق بها كبير فائدة، أو لكونها ضعيفة لا حاجة إليها.
_________
(1) نفائس الأصول 1 / 90.

(1/192)


ولندْلُفْ الآن إلى ذكر بعض أوجه هذه المقارنة:
أولاً: ترجمة المسألة وعنونه الفصل أو الباب
اجتهد القرافي في كتابه شرح التنقيح على إثبات فهرسةٍ للمسائل وعنونةٍ للفصول والأبواب أكثر دقّة وأدلَّ على المقصود مما جاء في المحصول. فمن ذلك:
(1) ترجم الرازي لمسألة النسخ قبل التمكن بقوله: ((اختلفوا في نسخ الشيء قبل مضي وقت فعله)) (1) ، بينما غيَّر القرافي هذه الترجمة بقوله ((ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه)) (2) . هذه الترجمة أعمُّ من كونه لم يحضر وقته، أو حضر ولم يُفعل منه شيء، أو فُعل بعضه ثم جاء النسخ. والقرافي صنع ذلك ليُدْرج صور المسألة وأقسامها تحت عنوانٍ واحد.
(2) في الفصل الرابع من الباب الرابع عشر في النسخ. عَنْون له بقوله: ((فيما يتوهم أنه ناسخ)) (3) . بينما عنوان الرازي هو ((فيما ظُنَّ أنه ناسخ، وليس
كذلك)) (4) . وتعبير القرافي أدقّ؛ لأنه يعطي فيه حكمه ورأيه، فعبَّر بالوهم نظراً إلى من منعه. بينما الرازي عبَّر بالظن نظراً إلى من أثبته.
(
3) في الباب العشرين عنون له القرافي بقوله: ((في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين)) (5) وتحته فصلان، الفصل الأول: في الأدلة، ثم سرد تسعة عشر دليلاً باستقرائه. فالمصنف اجتهد في حصر كلِّ دليلٍ يمكن للمجتهد أن يستدل به، فجاء تعبيره بقوله: ((في جميع أدلة المجتهدين. . .)) ، بينما الرازي كان عنوانه هو
((الكلام فيما اختلف فيه المجتهدون من أدلة الشرع)) (6) وبحث تحته إحدى عشرة
مسألة.
_________
(1) المحصول 3 / 311. بيّن المصنف في النفائس 6 / 2456 بأن هذه الترجمة التي في المحصول مشوَّشة، ثم إنه اطلع على ترجمتها في مختصرات المحصول فوجد فيها أيضاً تشويشاً، وأن مردّه إلى أصل هذه المختصرات وهو المحصول.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 64، هامش (5) .
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 102.
(4) المحصول 3 / 363.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 491.
(6) المحصول 6 / 95.

(1/193)


ثانياً: الحدود والمصطلحات:
كان القرافي يناقش الرازي فيما لا يرتضيه من تعريفات، ويغيَّر في ألفاظها؛ وذلك لما عُهِد في القرافي من دِقَّة وشدَّة تحرٍّ في الحدود والألفاظ. من الأمثلة على ذلك (1) :
(1) قال في شرح التنقيح في حدِّ العزيمة ((وقال في المحصول: العزيمة هي جواز الإقدام مع عدم المانع (2) . فيرِدُ عليه أن أكل الطيبات، ولبس الثياب من العزائم؛ لأنه يجوز الإقدام عليها، وليس منها مانع على زعمه في المانع. . . فلذلك زِدْتُ في حدِّي: طلب الفعل مع عدم اشتهار المانع الشرعي. . .)) (3) .
(
2) قال في المتن في حدِّ الشرط ((هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر، ويلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. . .)) ثم قال في الشرح ((نقلت قول الإمام في المحصول (4) ، فإنه لم يذكر في ضابط الشرط غير قوله: هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر، ولم يزد على هذا. . . فلذلك زدتُ أنا من عندي القيود التي بعد هذا القيد فقلتُ: ويلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، فبقيتْ هذه الزيادة مضمونةً إلى كلامه، وهو غير جيد مني، بسبب أن القيد الأول الذي ذكره يلزم أن يوجد في جميع الشروط، وهو غير لازم الوجود. . . فبقي الكلام كلُّه باطلاً، بل ينبغي لي أن أبتديء حدّاً مستأنفاً، فأقول: الشرط: ما يلزم من عدمه العدم،
ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. . . فهذا هو الحدُّ المستقيم، وأما الذي لي والإمام في الأصل (المتن) فباطل)) (5) .
(3) قال عند كلامه عن حدِّ الرخصة ((وفسرَّها الإمام فخر الدين في المحصول بجواز الإقدام مع قيام المانع، وذلك مشكل)) (6) .
_________
(1) سبق مجيء أمثلة تصلح أن تسجّل هنا، مثل: المثال (2) في حدِّ الإعادة، والمثال (3) في حدِّ الحكم الشرعي، والمثال (5) في حدِّ الاستثناء، انظرها ص182-183 من القسم الدراسي.
(2) انظر: المحصول 1 / 120
(3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 87.
(4) انظره في: 3 / 57.
(5) شرح التنقيح (المطبوع) ص 261 - 262.
(6) المصدر السابق ص 85، وانظر المحصول 1 / 120.

(1/194)


(4) قال في شرح التنقيح عند مناقشة تعريفات " النظر ": ((وأما قولهم: ترتيب تصديقات، فهو قول الإمام فخر الدين، وهو باطل؛ فإن النظر إن كان في الدليل كفى فيه مقدمتان، وتصديقات جمع ظاهر في الثلاث)) (1) .
ثالثاً: الاستدراكات والتعقبات:
لم يكن القرافي - وقد أوتي شخصيةً مستقلةً - أن يكون تابعاً مقلِّداً لما يحكيه الرازي في محصوله، بل كان يقبل منه ما يرى صوابه وهو كثير، وينتقد ما يرى خطأه والأمثلة على ذلك:
(
1) في مسألة التعليل بالأوصاف المقدَّرة أشتدَّ نكير الرازي فيها، وجعلها من جنس الخرافات والتَّرهات (2) . بينما القرافي أنكر على الرازي حتى كاد يطير لبُّه ويطيش عقله من إنكار الرازي لأمرٍ بدهي عليه مدار الفقه، ثم راح يحشد له الدلائل على أن المقدرات في الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه، وقال أخيراً بأن إنكار الإمام منكر (3) .
(2) اعترض على تمثيل الرازي في مسألة منع إحداث قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين، فإن الرازي مثَّل لها بمسألة توريث الإخوة مع الجدِّ، إما المقاسمة أو المال كله للجدِّ، فإحداث قول ثالث - وهو صيرورة المال كله للإخوة - على خلاف الإجماع. فالقرافي أورد نقلاً عن ابن حزم في المحلَّى بأن هذا القول الثالث ممن قال به بعضهم، فقال القرافي ((فلا يصح على هذا ما قاله الإمام من الإجماع)) (4) .
(3) في مسألة نسخ الإجماع والنسخ به ذكر القرافي بأن الرازي بنى المسألة على قاعدة أن الإجماع لا ينعقد في زمانه - صلى الله عليه وسلم -. وعقَّب عليه بأن هذه الطريقة مشكلة بسبب أن وجود النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع وجود الإجماع. ثم سجَّل القرافي على الرازي تناقضاً في قوله؛ لأن الرازي نقض هذه القاعدة عندما قال بإمكان نسخ القياس في زمانه - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع، فصرَّح بجواز انعقاد الإجماع في زمانه - صلى الله عليه وسلم - (5) .
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 438.
(2) انظر: المحصول 5 / 318 - 320.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 382 - 384.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 129 - 131، المحصول 4 / 127.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 93 - 97، المحصول 3 / 354، 358.

(1/195)


(
4) في أول باب التعارض والترجيح نقل القرافي قول الإمام الرازي بأنه: إن وقع التعارض في فعلٍ واحدٍ باعتبار حكمين فهذا متعذّر. ثم قال القرافي - في الشرح - عن هذا القول ((ليس كما قال)) وشرحه هناك (1) .
(5) قال في شروط الاجتهاد ((حصر المتعيِّن في خمسمائة آية قاله الإمام فخر الدين وغيره، ولم يحصر غيره ذلك، وهو الصحيح)) (2) ثم علَّل وجه هذه الصحة.
(6) في مسألة عدم دخول القياس فيما لا يتعلَّق به عمل كفتح مكة عَنْوة قال القرافي في الشرح ((غير أن الإمام فخر الدين أطلق القول في ذلك، والحقُّ هذا
التفصيل)) (3) .
(7) قال في أقسام البيان ((يمكن البيان من الله تعالى بالقول. وأما بالفعل، والكتابة، والإشارة، فقد صرَّح الإمام فخر الدين على استحالة البيان بها على الله تعالى. . . وفيما قاله نظر. . .)) (4) .
(8) قال في دلالة الأمر على الإجزاء ((وما ذكرته من الدليل هو مستند الإمام في المحصول، وليس بشيء)) (5) .
رابعاً: التصرُّف في النقل عن المحصول
تنوعَّت طريقة القرافي في نقله عن المحصول، وتعددت أساليبه، ولكن تتفق جميع هذه الطرق في أنها نقل بالمعنى والفحوى دون اللفظ والحرف.
وإليك أنماطاً لنقولاته:
(1) نقل القرافي صفحات كثيرة من المحصول في مسألة ترجيح الأخبار في الإسناد (6) وفي المتن (7) فيما لا يزيد عن خمسة أسطر، وكان نقله فيها باختيار واختصار وانتخاب واقتضاب.
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 403، 405، المحصول 5 / 380 - 388.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 465، وانظر المحصول 6 / 23.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 400، وانظر: المحصول 5 / 354.
(4) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 279.
(5) المصدر السابق ص 134.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 421؛ المحصول 5 / 415 - 425.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 425، المحصول 5 / 428 - 433.

(1/196)


(
2) مسألة نسخ القياس والنسخ به يبدو أنها فاتت القرافي في أول تأليفه للمتن تنقح الفصول، فاستدركها في أثناء شرحه (1) ، ونقلها برُمَّتها من المحصول (2) ، مع تصرفٍ يسير.
(3) في باب الأخبار بحث القرافي في الأمور التي لا تقدح في الراوي نقلاً عن المحصول، وقد جمعها القرافي ودمجها في مكانٍ واحدٍ (3) ، بينما بحثها الرازي في أماكن متفرِّقة (4) .
(4) يتصرَّف في النقل حتى يكاد أن يتغيّر مذهب الرازي بل تغيَّر، مثل ما نقله فيما لايقدح في الراوي إذ قال: ((قال الإمام. . . وقد اتفقوا على أن مخالفة الحفاظ لا تمنع من القبول)) (5) بينما قول الرازي هو: ((فقد اتفقوا على أن ذلك لا يقتضي المنع من قبول ما لم يخالفوه فيه. . . وأما القدْر الذي خالفوه فيه، فالأولى ألا يُقبل. . .)) (6) .
(5) لمَّا غيَّر القرافي في عبارة الرازي استدرك على نفسه في الشرح كما في مسألة
ما تعم به البلوى إذا لم ينتشر هل يكون إجماعاً سكوتياً؟ قال القرافي في المتن ((قال الإمام: إن كان مما تعم به البلوى ولم ينتشر ذلك القول فيهم، ففيه مخالف لم
يظهر. . .)) (7) ثم قال في الشرح ((وقولي: فيه مخالف، غير هذه العبارة أجود، بل نقول: فيه قائل، أما المخالف فلا يتعيَّن لاحتمال أنه موافق)) (8) وما أغنى المصنف عن هذا الاستدراك على نفسه لو التزم عبارة المحصول ((فلابد وأن يكون لهم في تلك المسألة قولٌ، إما موافق وإما مخالف، ولكنه لم يظهر)) (9) .
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 100.
(2) انظر: المحصول 3 / 358 - 360.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 260.
(4) انظر: المحصول 4 / 425، 426، 437، 438.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 260، 261 هامش (10) .
(6) المحصول 4 / 437.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 146، وانظر: المحصول 4 / 159.
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 147.
(9) المحصول 4 / 159.

(1/197)


(
6) حكم على لفظ المحصول بأن فيه تدافعاً وتناقضاً في مسألة مستند الإجماع، أيجوز أن يكون بالتبخيت؟ فإن القرافي قال في الشرح ((وأما قولي: وجوَّزه قوم بمجرد الشبهة والبحث، فأصل هذا الكلام أنه وقع في المحصول أنه: جوَّزه قوم بمجرد التبخيت، ووقع معها من الكلام للمصنف ما يقتضي أنها شبهة ... )) (1) وفي الحقيقة بالتأمل في كلام الرازي في محصوله لا يظهر أيُّ تدافعٍ أو اضطرابٍ (2) ، والله أعلم.
(7) ينقل عن المحصول مع المبالغة في الاختصار حتى يقع الاختلال في العبارة مثل مسألة تعارض دليلين كلٌّ منهما عامٌّ من وجه وخاصٌّ من وجه (3) .
خامساً: الإضافات والزيادات
القرافي ضمَّن كتابه " شرح التنقيح " أبحاثاً لم يتناولها الرازي في محصوله، والعكس كذلك لكن المقام هنا - ونحن في مجال المقارنة - يزيد أن نبيّن ما امتاز به المتأخر عن المتقدّم. من هذه المباحث:
(1) نقل القرافي من التوراة نصوصاً تكذِّب دعوى اليهود في إنكار النسخ (4) .
(2) حكم إجماع الأمم السالفة أيكون حجة أم لا (5) ؟، وكذا مسألة إجماع أهل الكوفة (6) .
(3) تفصيل القرافي في مسألة اعتماد الراوي على خطِّ شيخه في الرواية (7) .
(4) تفنيد القرافي للمكتفين بالظاهر في تعديل الراوي (8) .
(5) التوسع في تعريف كلٍّ من: تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق المناط، والتفريق بينها (9) .
_________
(1) القسم التحقيقي ص 172، هامش (9) .
(2) انظر: المحصول 4 / 187 - 189، والقسم التحقيقي، هامش (4) ص 173.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 414 هامش (6)
(4) انظر القسم التحقيقي ص56-59.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 122.
(6) انظر القسم التحقيقي ص 155.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 251، 252.
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 247.
(9) انظر: القسم التحقيقي ص 314.

(1/198)


(6) ذكر في مسألة ترجيحات الأخبار - سواءً في الإسناد أو المتن - زياداتٍ لم ترد في المحصول (1) وكذا الحال في تراجيح الأقيسة (2) .
(7) الفصل الثالث: فيمن يتعيَّن عليه الاجتهاد (3) ـ من الباب التاسع عشر: في الاجتهاد - يُعدُّ من الموضوعات الجديدة بالنسبة للمحصول.
(8) الصور المستثناة من تحريم التقليد عند الإمام مالك رحمه الله، وهي أربع عشرة صورة (4) .
(9) بحث القرافي -ضمن أدلة المجتهدين - في أدلةٍ لم يتعرض لها الرازي في محصوله، منها: العوائد (العُرْف) (5) ، وسد الذرائع (6) ، والاستدلال (بالملازمات) (7) .
(10) وهناك إضافات كثيرة جداً لم ترد في المحصول، تتعلق هذه الإضافات بمجالاتٍ عديدة، منها:
أ - أنواع جديدة من الأدلة، مع أوجه الاستدلال؛ والمناقشات، كما في مسألة اعتبار الواحد في إبطال الإجماع (8) ، ومسألة خبر المجهول (9) ، والتعليل بالحكمة (10) .
ب - مسائل جزئية فرعية، مثل: الخلاف في تكفير المتبدع (11) ، ومسألة التخيير يقتضي التسوية وما يرد عليها من إشكال (12) .
جـ - قواعد وضوابط فقهية مفيدة، مثل: الفصل الثاني - برُمَّته - في تصرفات المكلفين من الباب العشرين (13) . ومثل: قاعدة في التعارض بين الأصلين، والبيِّنتين،
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 418، 424.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 427.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 456.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 441 - 455.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 501.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 503.
(7) انظر: القسم التحقيقي ص 509.
(8) انظر: القسم التحقيقي ص 163 وما بعدها.
(9) انظر: القسم التحقيقي ص 240 وما بعدها.
(10) انظر: القسم التحقيقي ص 369.
(11) انظر: القسم التحقيقي ص 161.
(12) انظر: القسم التحقيقي ص 12.
(13) انظر: القسم التحقيقي ص 525 - 539.

(1/199)


والأصل والظاهر وهكذا (1) ، ومثل: التوسع في الكلام عن مقاصد الشريعة مع التمثيل (2) .
د - تصوير المسألة وتحرير محلِّ نزاعها، مثل: هل يجوز انقسام الأمة إلى قسمين كلّ منهما مخطيء في جانب؟ (3)
سادساً: المميزات والحسنات
لا جَرَمَ أن كتاب " المحصول " تبوّأ منزلةً ساميةً بين كتب الأصول، وامتيازاته تفوق الحصر، وليس المقام هنا لتعدادها، وإنما المقصود تسليط الضوء على ما امتاز به
" شرح تنقيح الفصول " للقرافي عن " المحصول " الذي يعدُّ من أحد ركائزه الأساسية.
وإليك طَرْفاً منها:
(1) مما ينبغي أن يسجَّل لكتاب القرافي من محاسن في مقابلة " المحصول " إعراضه عن تلك الشَّبَه والمطاعن التي حِيْكت على عدالة الصحابة رضوان الله عليهم. ساقها الرازي في محصوله (4 / 307 - 350) حكايةً عن الخوارج، وعن النظَّام فيما نقلها عنه الجاحظ. فإنه - عفا الله عنه - جاء بها مفصَّلةً موسَّعةً بحيث لم يدع شبهةً من شبهاتهم إلا أوردها لهم دون أن يُكلِّف نفسه عناء تفنيدها ودَحْضها واحدةً تلو الأخرى. فكان حتماً عليه أن يَضْرِب صَفْحاً عن ذِكْرها، أو يجيب عنها بما يُسكِّن الفؤاد إن استحسن أو استجاز ذكرها.
(2) تحاشى القرافي في كتابه كثيراً من المباحث الكلامية اللاَّئق بحثُها في كتب العقيدة والكلام، بينما جاءت مبحوثةً في كتاب المحصول. منها:
أ - مسألة عصمة الأنبياء، كمدخلٍ للبحث في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) .
ب - مسألة بقاء الأعراض عند الكلام عن النسخ، أهو رفع أم بيان (5) ؟
_________
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 519 وما بعدها.
(2) انظر: القسم التحقيقي ص 324 وما بعدها.
(3) انظر: القسم التحقيقي ص 186.
(4) انظر: المحصول 3 / 225.
(5) انظر: المحصول 3 / 287.

(1/200)


جـ - مسألة اللُّطْف، والإمامة، وعصمة الأئمة عند الرافضة ضمن مبحث حجية الإجماع (1) .
د - مسألة خلاف الأشاعرة مع المعتزلة في تفسير العلَّة، أهي: المؤثر أم الموجب أم الداعي أم المعرِّف. . . إلخ (2) ؟
هـ - مسألة تعليل أفعال الله وأحكامه بالمصلحة والحكمة (3) .
(3) حسن عرض القرافي لبعض المسائل في كتابه بأحسن مما جاءت في المحصول وهو كثير، ومن أمثلته: مسألة إحداثٍ قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين (4) .
(4) تجنُّب القرافي للأدلة ضعيفة الاستدلال، وأقام عوضاً عنها أدلةً أقوى، كما في مسألة نسخ الكتاب والمتواتر بالآحاد (5) ، واختياره أجوبةً على اعتراضات الخصم أسدّ من أجوبة الرازي في محصوله، كما في أجوبة الأدلة الثلاثة الأولى للخصم في مسألة إجماع أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول (6) .
المقارنة الرابعة: مقارنة " شرح التنقيح " بالشروحات الأخرى
سبق في المبحث الأول من هذا الفصل سَرْدُ أسماء الشروحات والحواشي لكتاب
" تنقيح الفصول " للقرافي (7) ، وغاية ما وقفتُ عليه ثلاثة عشر شرحاً، لكن المطبوع منها أربعة، ذلك مبلغي من العلم، وهي: التوضيح في شرح التنقيح لحلولو، ورفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي (رسالة جامعية) ، منهج التحقيق والتوضيح لحلّ غوامض التنقيح لمحمد جعيط، حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح لمحمد بن الطاهر عاشور. وسأعقد مقارنةً إجمالية أبيّن فيها توصيفاً سريعاً لهذه الشروحات مبرزاً أهم السِّمات والفروقات في منهجها، وما لها من مميزات، وما عليها من ملاحظات.
_________
(1) انظر: المحصول 4 / 101 - 126.
(2) انظر: المحصول 5 / 127.
(3) انظر: المحصول 5 / 172 - 198.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 129، المحصول 4 / 127.
(5) انظر: القسم التحقيقي ص 84 وما بعدها، المحصول 3 / 333 وما بعدها.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 139 - 140، المحصول 4 / 141.
(7) انظر: القسم الدراسي ص 70 - 75.

(1/201)


أولاً: التوضيح شرح التنقيح لحلولو القيرواني
قال حلولو في مقدمة كتابه ((إن الباعث لي على شرح هذا الكتاب ما رأيت من تشاغل المريدين لقراءة علم أصول الفقه به دون غيره؛ لما اشتمل عليه من واضح
العبارة، وبيَّن الدلالة والإشارة، مع ما فيه من فائدة العزو في بعض المسائل لأهل المذهب. . .)) (1) .
ومن أبرز ملامح منهج الكتاب ومميزاته ما يلي:
(1) طريقته في الشرح أنه يورد الجملة الأولى من بداية نص " تنقيح الفصول "
- وهي التي يُفهم منها عنوان المسألة - ثم يقول: إلى آخره. ثم يشرح هذه القطعة شرحاً إجمالياً عاماً، من دون مراعاة لفظ أو عبارة القرافي.
(2) يقول في افتتاحية شرحه للمقطع المراد شرحه مثلاً: في كلامه ثلاث مسائل أو مسألتان. . . وهكذا، كما فعل عند بداية الباب الثالث عشر في فعله - صلى الله عليه وسلم -. قال:
((في كلامه مسألتان، إحداهما: دلالة فعله، الثاني: دلالة الإقرار)) (2) .
(3) أميز ما تميَّز به شرح حلولو عن شرح القرافي العناية الفائقة بنقل الأقوال والمذاهب والآراء في المسألة الأصولية باستقصاءٍ جيدٍ، وتحريرٍ بديعٍ، قلَّما تجده في
غيره. فمثلاً:
أ - في مسألة الإجماع السكوتي نقل فيها تسعة مذاهب (3) ، بينما هي عند القرافي أربعة مذاهب (4) .
ب - ذكر في مسألة القَدْح بالنقْض ثمانية مذاهب (5) ، بينما عند القرافي أربعة مذاهب (6) .
_________
(1) التوضيح شرح التنقيح ص 2.
(2) التوضيح شرح التنقيح ص 243.
(3) التوضيح شرح التنقيح ص 282 - 283.
(4) انظر: القسم التحقيقي ص 142.
(5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 350 - 351.
(6) انظر: القسم التحقيقي ص 349.

(1/202)


جـ - في مسألة الاكتفاء بإطلاق التعديل أو التجريح دون إبداء سببه نقل فيها تفصيلات وأقوالاً كثيرة (1) .
(4) يعتني بالنقل عن كثير من علماء المالكية غير الذين نقل عنهم القرافي.
(5) يبرز المذهب المالكي بشكلٍ أوضح أحياناً مما عند القرافي، مع تحريره الدقيق للخلاف الموجود بداخل المذهب، مثل:
أ - مسألة إجماع أهل المدينة (2) ، بل تعجَّب من قلَّة اهتبال المصنف لها (3) .
ب - مسألة تقديم القياس على خبر الآحاد المنقولة عن مالك، ورجَّح حلولو النقل القائل بتقديم خبر الآحاد على القياس (4) .
(6) يهتمُّ بالحدود والتعريفات، ويورد أكثر من تعريف ثم يناقشها، ويشرح الحدَّ لغةً واصطلاحاً كما في حدِّ النسخ، والإجماع، والخبر، والقياس، والمناسبة أو المناسب، والاجتهاد.
(7) في مواطن من شرحه استيفاء وتوسع أزيد مما جاء في شرح القرافي. مثل:
أ - مسألة إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) -.
ب - مسألة تعارض الفعلين أو الفعل مع القول، أورد عليها تقسيماً حاصراً، حتى بلغت ثلاثين صورةً من صور التعارض، ثم شرحها بأكثر مما عند القرافي (6) .
جـ - في مسألة مراتب رواية غير الصحابي عن شيخه، عدَّ فيها عشر مراتب، وشرحها (7) .
(8) يكثر من العنونة بـ" تنبيه "، فما تكاد تطوي بضع صفحات إلا وتجد فيها تنبيهاً أو تنبيهين أو تنبيهات (8) .
_________
(1) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 313 - 315.
(2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 284 - 285.
(3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 284 - 285.
(4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 333.
(5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 243 - 244.
(6) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 247 - 251.
(7) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 323 - 326.
(8) انظر على سبيل المثال الصفحات: 246، 262، 257، 272، 326، 330 من الكتاب.

(1/203)


(9) يذكر صورة المسألة، ويحرر النزاع في بعض المسائل، مثل:
أ - مسألة النسخ قبل التمكن، قال: ((واختلفت عبارات العلماء في ترجمة هذه المسألة. . .)) (1) ثم عدَّها.
ب - مسألة الزيادة على النص أهي نسخ أم لا (2) ؟
جـ - مسألة انعقاد الإجماع بعد الاختلاف (3) .
(10) ينقل من شرح القرافي بعض المسائل بنصِّها وحروفها، منها:
أ - مسألة اشتراط الإرادة في الخبر (4) .
ب - مسألة الاعتماد على الخط (5) .
جـ - مسألة النسخ قبل التمكن (6) .
(11) يبيّن ثمرة الخلاف أهي لفظية أم معنوية. مثل:
أ - الخلاف في تعبُّده - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل النبوة (7) .
ب - الخلاف في اعتبار النقض قادحاً (8) .
جـ - الخلاف في تفسير الإيماء (9) .
(12) تميَّز شرح حلولو بحسن العرض وتقسيماته للمسائل، من أمثلة ذلك:
أ - تقسيماته للشروط المتعلقة في باب الخبر (10) .
ب - ذكر في مسألة التعليل بالاسم صوراً، وذكر الخلاف فيها على عكس حكاية القرافي الاتفاق عليها (11) .
_________
(1) التوضيح شرح التنقيح ص 258.
(2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 269.
(3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 281.
(4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 296 السطر قبل الأخير.
(5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 315 السطر 17.
(6) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 259 السطر 2.
(7) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 252.
(8) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 351.
(9) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 338.
(10) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 308.
(11) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 361.

(1/204)


(
13) تبع حلولو في شرحه نفس ترتيب وتبويب القرافي، لكنه كان يُدمج عدداً من المسائل في موطن واحدٍ، مثل:
أ - قوله: ((فيه مسائل: إجماع أهل الكوفة، الثانية: إجماع أهل البيت، الثالثة: إجماع الخلفاء الأربعة)) (1) .
ب - قوله: ((فهاهنا مسائل، أحدها: إذا أجمع أهل العصر الأول على قولين، فهل يجوز إحداث قول ثالث. . .)) ثم ضمَّ إليها مسألة: إذا أجمعوا على عدم التفضيل بين مسألتين، ومسألة إذا تأوَّل أهل عصر تأويلاً أو استدلوا بدليل هل لمن بعدهم أن يستدلوا بغيره (2) .
لكنه كان يستدرك على المصنف بعض ترتيبه للمسائل، مثل:
أ - قال عند مسألة التعليل بالمحلِّ ((والمناسب في وَضْع التأليف ذكر القاصرة عقب المحلِّ أو قبله، لكن المصنف أخَّر الكلام على القاصرة، فلنتابعه)) (3) .
ب - قال عن الفصل السادس في مستند الراوي من باب الخبر ((الأولى في ذكر
هذا الفصل أن يذكره مع مسائل الفصل التاسع (في كيفية مراتب الرواية) لأنه الأليق به)) (4) .
(14) انفرد شرح حلولو بزيادات في مسائل لم يبحثها القرافي في شرحه، أو بشرح مسائل في المتن لم يتعرض القرافي لشرحها، من ذلك:
أ - تحدَّث عن عصمة الأنبياء، ووضَّح بأن عادة الأصوليين جارية بتقديم الكلام منها بين يدي مسألة الاحتجاج بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) .
ب - لمَّا أغفل القرافي الكلام عن أركان القياس وشروطها عقد فصلاً مطوّلاً،
وقال: ((فصل: اعلم أنه لابد للقياس من معرفة أركان القياس وشروط كل ركن،
_________
(1) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 285.
(2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 279 - 281.
(3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 358.
(4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 315.
(5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 243.

(1/205)


ولم يتكلم المصنف عنها إلا على العلة في آخر الكتاب، فإنه قد ذكر هناك بعض شروطها، فلنذكر هنا ما أجمله من الأركان وشروطها. . .)) (1) .
جـ - تكلَّم عن مسلك الإجماع، ومثَّل له، وقد نَسِيه القرافي، وقال حلولو
((والبداية به أولى لعدم تطرق النسخ إليه)) (2) .
د - قسَّم الاستصحاب إلى عدة أقسام، لم يناولها القرافي، ثم ذكر المذاهب فيها والأمثلة عليها (3) .
هـ - شرح ما لم يشرحه المصنف، مثل: الترجيح في العقليات أو القطعيات (4) .
(15) استدرك حلولو على القرافي وتعقبَّه في عددٍ من المسائل، من ذلك:
أ - قال عن جوابٍ للقرافي عن تعريف الرازي للنسخ بأنه غير صحيح (5) .
ب - لما قال القرافي في نسخ السنة بالقرآن إجماعاً، قال: ((والصحيح جوازه، ومقابلة مروي عن الشافعي)) (6) .
جـ - لمَّا عبر القرافي في تعريف الإجماع بأهل الحل والعقد ناقشه حلولو ورأى بأن الأحسن التعبير بالمجتهدين (7) .
د - قال ((قول المصنف في الشرح: إن كان مما لا تعم به البلوى فيتخرج على الإجماع السكوتي، هل حجة أم لا، غير صحيح)) (8) .
هـ - قال: ((وأما قول المصنف إن العدالة اجتناب الكبائر، فليس بصحيح. . .)) (9) .
واستدرك على القرافي في تعريفه للصحابي (10) .
_________
(1) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 334 - 337.
(2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 338.
(3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 402 - 403.
(4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 373.
(5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 357.
(6) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 264.
(7) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 274.
(8) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 283.
(9) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 310.
(10) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 311.

(1/206)


وأخيراً على جلالة قدر الكتاب وأهميته وما امتاز به من مميزات فريدة، فإن الملحظ البارز عليه خلوُّه من عرض الأدلة والمناقشات ونحو ذلك إلا نادراً، فرحم الله مصنِّفه وبارك في علمه.
ثانياً: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي الرجراجي
إن شرح الشوشاوي - نظراً لتأخره الزمني - يُعدُّ خلاصةً للشروح التي سبقته، فقد استفاد من شرح القرافي، وشرح المسطاسي، وأخرى لم يصرِّح بها، بل لقد نوَّع الشوشاوي مصادر شرحه وكثَّرها حتى قاربت الثمانين مصدراً، ولهذا زَخَر كتابه بنقولات عديدة لم يوردها القرافي في شرحه، فكان حجم كتابه ثلاثة أضعاف حجم شرح القرافي. فهو - بحقٍّ - أوسع الشروح وأكثرها بَسْطاً وإسهاباً.
وأما طريقة الشوشاوي في شرحه فإنه يشرح المتن بطريقة القول، فهو يأخذ المتن مَقْطعاً مَقْطعاً، ثم يُجزِّئه إلى جُمَلٍ صغيرة، كل جملة تتضمَّن موضوعاً محدداً، ثم يبدأ بشرح ما يتطلّبه الشرح من الناحية اللغوية والاصطلاحية، ويتطرَّق للخلاف، وذكر القوال والاستدلال إن كانت المسألة خلافية، مع تدعيم الشرح بعديدٍ من الأمثلة والتطبيقات الواقعية والفرضية، وهذا أبرز ما يتميز به، وبهذا يسهل فهم القواعد الأصولية (1) .
وليَجْرِ الحديث عن جوانب أخرى من سمات ومميزات هذا الشرح، من ذلك:
(1) تميّز الشوشاوي بوضع تمهيدٍ لكثيرٍ من أبواب الكتاب، وبعض مسائله، هذا التمهيد بمثابة إرهاصة لما اشتمل عليه الباب من فصول، وما تحويه الفصول من مطالب ومسائل وموضوعات. خُذ مثلاً على ذلك:
أ - عند قول القرافي في الباب الثالث عشر: ((تفريع: إذا وجب الاتباع، وعارض فعلُه قولَه. . .)) (2) .
قال الشوشاوي ((كلام المصنف هاهنا في حكم الدليلين إذا تعارضا بنفي أو إثبات ينبغي أن نقدّم هاهنا أربعة أمور. . .)) (3) ثم ذكرها.
_________
(1) راجع القسم الدراسي لكتاب: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للباحثين الفاضلين د. أحمد السراح،
د. عبد الرحمن الجبرين.
(2) القسم التحقيقي ص 16.
(3) رفع النقاب القسم 2 / 336.

(1/207)


ب - وفي الفصل الخامس: فيما يعرف به النسخ قال ((أي في بيان الطريق الذي يعرف به النسخ، وهو محصور في قسمين: لفظي، ومعنوي. . .)) (1) .
جـ - وفي الفصل الثالث: في ترجيح الأخبار قال ((اعلم أن الترجيح يكون في الأخبار، ويكون في الأقيسة، ويكون في طرق العلل، وقد عقد المؤلف لكل واحدٍ من هذه الثلاثة فصلاً يخصُّه. . . والترجيح في الأخبار على قسمين: إما في إسنادهما، وإما في متنها. ومعنى إسنادها: أي إسناد الحديث إلى رواته، ومعنى متنها: أي لفظ الحديث نفسه)) (2) .
(2) في التبويب والترتيب سار الشوشاوي على طريقة القرافي، وهذا يحتِّمهُ كونه شرحاً للكتاب. ومع ذلك، كان الشوشاوي ينتقد القرافي ويعترض عليه في الترتيب، ويقترح تقديماً أو تأخيراً أو دمجاً ونحو ذلك: مثل:
أ - استنكر الشوشاوي على المصنف لما لم يُلحق مسائل الفصل الرابع: فيما يتوهم أنه ناسخ لمسائل الفصل الثالث: في الناسخ والمنسوخ (3) .
ب - تعرض القرافي في الفصل الثامن من باب الخبر للشروط المختلف فيها، هل تعتبر في الرواية أم لا؟ مع أن الفصل الذي سبقه كان بعنوان ((في عدده)) ، وهو ينبغي دخوله ضمن الشروط المختلف فيها، فكان الأولى دمجها تحت فصلٍ واحد (4) .
(3) تبدو عند الشوشاوي عناية بمراعاة ما جاء في نسخ كتاب القرافي واختلافها، مثل:
أ - قوله ((وفي بعض النسخ: وبكونه جزءاً لسبب الوجوب كالنذر، من غير ألف قبل الهمزة)) (5) .
ب - قوله ((وفي بعض النسخ: والغزالي من الشافعية)) (6) .
_________
(1) رفع النقاب القسم 2 / 465.
(2) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 980. وانظر أمثلة أخرى في القسم 2 / 313، 582، 840، 1020.
(3) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 435.
(4) انظر: رفع النقاب 2 / 689.
(5) رفع النقاب القسم 2 / 334.
(6) رفع النقاب القسم 2 / 365.

(1/208)


جـ - قوله ((في بعض النسخ: لا من جهة الأدلة المنصوصة)) (1) .
(
4) اعتنى الشوشاوي عنايةً جيدة بالحدود والمصطلحات والألفاظ، وقد يشرح حدوداً لم يشرحها القرافي مثل حد العلم، والتواتر، والاجتهاد، والمندوب، ... إلخ. ويذكر أكثر من تعريف وربما اختار وفضَّل ما لم يرجحه القرافي كحدِّ النسخ، ويهتم بالشرح اللغوي للمصطلح كحدِّ المرسل، والبخت، والذريعة، والتقليد. . . إلخ.
(5) ينقل الشوشاوي عباراتٍ وجملاً من شرح القرافي في مواضع كثيرة جداً من كتابه (2) .
(6) برع الشوشاوي في شرحه بجمع الأدلة، وأوجه الاستدلال بها، والاعتراضات عليها، والأجوبة عنها، وجاء في هذا بأكثر مما جاء في شرح القرافي، مثل: مسألة شرع من قبلنا (3) ، ومسألة حجية خبر الآحاد (4) ، ومسألة الترجيح في العقليات (5) .
(7) حوى شرحه كثيراً من الاستطرادات الخارجة عن موضوع المسألة، مثل: تعيين الذبيح (6) . تعيين الصلاة الوسطى (7) ، أسماء علماء المدينة السبعة (8) ، تحديد أهل العِتْرة (9) ؟، تعذيب الميت ببكاء أهله (10) ، المواضع التي يجوز فيها حَذْف " أن " المصدرية (11) ، مصطلحات حديثية (12) ، أصل كلمة بغداد ومعناها (13) ، وغيرها.
_________
(1) رفع النقاب القسم 2 / 1229.
(2) انظر مثلاً الصفحات 348، 426، 595، 652، 742، 836، 910، 1139 من القسم الثاني.
(3) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 360 - 361.
(4) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 617 - 523.
(5) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 962 - 966.
(6) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 398.
(7) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 439.
(8) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 519.
(9) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 523.
(10) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 623.
(11) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 682.
(12) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 751.
(13) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1086.

(1/209)


(
8) في عرض الأقوال والآراء والمذاهب في المسألة كثيراً ما يقتصر على الأقوال التي يوردها القرافي، فيقول مثلاً: ((ذكر المؤلف في جواز نسخ الخبر ثلاثة أقوال)) (1) ،
((ذكر المؤلف في جواز الاجتهاد للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أقوال)) (2) وهكذا. . .
وفي حالات قليلة يزيد عليها بما يعرفه، ففي مسألة التعبد بشرع من قبلنا قبل النبوة، قال: ((ذكر فيها المؤلف قولين، وفيها قول ثالث بالوقف)) (3) . وفي مسألة الإجماع السكوتي قال: ((اختلف الأصوليون فيه على خمسة أقوال، ذكر المؤلف أربعةً، والخامس هو: إجماع وحجة مطلقاً)) (4) ، وفي مسألة العصمة (التفويض) قال: ((ذكر المؤلف فيه ثلاثة أقوال. . . فهذه الثلاثة ذكرها المؤلف، وفيه قولان آخران)) (5) .
(9) له إسهامات زائدة في تحرير مذهب الإمام مالك في بعض المسائل، من ذلك: مسألة اشتراط الفقه في الراوي (6) ، حجية إجماع أهل المدينة (7) ، الأصول التي انفرد بها الإمام مالك رحمه الله (8) .
(10) له اهتمام بتحرير محل النزاع، مثل: الخلاف في النسخ بالأثقل (9) ، الخلاف في حجية قياس الأشباه (10) .
كما أنه يبيّن منشأ وسبب الخلاف، كما في: سبب الخلاف في نسخ الخبر (11) ، سبب الخلاف في إحداث قول ثالث (12) .
_________
(1) رفع النقاب القسم 2 / 409.
(2) رفع النقاب القسم 2 / 1132.
(3) رفع النقاب القسم 2 / 349.
(4) رفع النقاب القسم 2 / 504.
(5) رفع النقاب القسم 2 / 1250.
(6) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 697.
(7) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 517.
(8) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205.
(9) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 403.
(10) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 864.
(11) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 410.
(12) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 492.

(1/210)


(
11) انفرد الشوشاوي بمباحث مستقلة لم يبحثها القرافي في كتابه، مثل: اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمان ومكان فعله (1) ، شروط الرواية بالمعنى (2) ، ما انفرد به المالكية في أصولهم كمراعاة الخلاف، والحكم بين حكمين (3) .
ولكن ذهل الشوشاوي أن يبحث مسألة نسخ القياس والنسخ به، وهي من مباحث شرح القرافي (4) .
(12) استدرك الشوشاوي على القرافي في عددٍ من المسائل، من ذلك:
أ - قال ((قوله: أو بالاستصحاب في عدم الوجوب، وبالقربة على نفي الإباحة، يعني: أن من وجوه الاستدلال: أن الاستصحاب يدل على عدم الوجوب، وكونه قربةً يدلُّ على عدم الإباحة، وهذا تكرار؛ لأنه أحد أقسام ما يدل على نفي قسمين، فجعله المؤلف قسيماً للذي قبله مع أنه أحد أقسامه، لأنه حين انتفى الوجوب والإباحة تعيَّن الندب. فصوابه أن يقول: كالاستصحاب في عدم الوجوب مع القربة في نفي الإباحة فيحصل الندب)) (5) .
ب - قال ((انظر قول المؤلف: لو امتنع ذلك لامتنع وجود المقتضى والمانع، فإن مذهب الإمام منع اجتماعهما، فهو استدلال بمحل النزاع. . .)) (6) .
جـ - لما قال القرافي: ((أو بإذن غير الشرع: كقبض المبيع بإذن البائع والمُسْتام، والمبيع الفاسد، والرهون، والهبات. . . إلخ)) (7) قال الشوشاوي ((قوله: أو بإذن غير الشرع، بل نقول: هذه الأشياء كلها فيها أيضاً إذن الشرع)) (8) .
د - لما ذكر القرافي الخلاف في المقلِّد، هل يجب عليه الاجتهاد في أعيان المجتهدين أو لا يجب (9) ؟
_________
(1) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 326.
(2) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 760.
(3) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205.
(4) انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 100.
(5) رفع النقاب القسم 2 / 332.
(6) رفع النقاب القسم 2 / 952.
(7) انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 527 - 528.
(8) رفع النقاب القسم 2 / 1278.
(9) انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 481.

(1/211)


عقَّب الشوشاوي فقال: ((وهذا مناقض للإجماع الذي ذكره في الفصل الثاني
(باب الاجتهاد) عند قول المصنف؛ قاعدة: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر. . .)) (1) .
وأخيراً، إن أبرز ما يمتاز به شرح الشوشاوي ولعه الشديد بإيراد الأمثلة والتفاريع الفقهية التي تسهِّل فهم القواعد الأصولية، وكذلك يتَّسم أسلوب الشوشاوي بالوضوحِ والسلاسة والبساطة ونبذ العمق مقارنةً بأسلوب القرافي الذي يمتاز بالعمق والرصانة ويكتنفه بعضَ الغموض والصعوبة.
ومع قيمة كتاب " رفع النقاب " العلمية، لكنه يلاحظ عليه كثرة استطراداته وإطناباته التي تخرج عن حدِّ الموضوع، والتي تستغرق عدة صفحات أحياناً، مع الاعتراف بحسن هذه المعلومات الواردة في الاستطراد. فرحمه الله تعالى وبارك في
علمه.
ثالثاً: منهج التحقيق والتوضيح لحلِّ غوامض التنقيح للشيخ محمد جعيط
قال الشيخ محمد جعيط في مقدمة حاشيته: منهج التحقيق والتوضيح:
((أما بعد: فلما كان فن الأصول هو الأساس الذي أقيم عليه الفقه في الدين، وآلة استنباط الشرائع من كتاب الله وسنة خير المرسلين. . . وكانت قواعد الوصول وقع فيها الخلاف بين العلماء الفحول، المتفرِّع عنه الخلاف في فروع تلك الأصول، بحيث إن أصول المذاهب صارت في الأكثر متقابلة، وبعض القواعد هي عند البعض حقة وعند الآخر باطلة، فلا يسوغ لمن يروم معرفة أصول مذهب مالك، أن يشتغل بكتب مذهب النعمان ليأخذ أصوله من هنالك، وقد فشا عندنا بالجامع الأعظم في الديار التونسية، تعاطي المالكية لأصول السادة الحنفية والشافعية، والسر في ذلك، عدم وجود الكتب المؤلفة في أصول مذهب مالك، ولم يَجْرِ عندنا بحرُها العباب، ولم يوجد منها سوى تنقيح العلامة الشهاب، ومع ذلك فما وردوا موارده العذبة لصعوبة
عباراته، وغموض إشاراته، ولم يوجد مَنْ كَشَف عن مخدّرات معانيه، ولا من حقَّق
_________
(1) رفع النقاب القسم 2 / 1169.

(1/212)


مسائله المودعة فيه. . . وقد كنتُ في حال اشتغالنا بالأخذ عن مشايخنا مصابيح الأمة، عاكفاً على قراءته لما فيه من الفوائد الجمَّة المهمة، وحين أهَّلنا القدير، لإقراء هذا الكتاب بالإذن من مشايخنا النحارير، طمحتْ أنفسنا في تعليقٍ عليه أنقل فيه كلام المحققين من أهل الأصول، لقصد توضيح مهامّه تنقيح المحصول. . .)) (1) .
ومن سمات منهج الحاشية ومميزاتها ما يلي:
(1) يعلِّق تعليقات قليلة جداً في أغلب المواطن، وهذا ما يقضيه العمل في
الحواشي، ولهذا نجده في الباب الثالث عشر في فعله - صلى الله عليه وسلم - لم يتحدّث سوى عن حديث بريرة إذ أورده كاملاً، وكذلك حديث الشؤم في ثلاثة، ولم يزدْ على هذا.
وكذلك قفز الفصل الثاني والثالث والسادس والسابع من باب الخبر دون أيّ
تحشية، وكذا الفصل الثالث من باب الاجتهاد.
(2) يُعطي ملخصاً لما يحويه الباب أو الفصل من مباحث، مثل: الفصل السابع: فيما يدخله القياس (2) ، الفصل الرابع: في الدال على عدم اعتبار العلَّة (3) ، الباب الثامن عشر: في التعارض والترجيح (4) ، الفصل الرابع: في ترجيح الأقيسة (5) .
(3) يلخّص ما جاء في شرح القرافي أحياناً ويضمِّنه كتابه، مثل: ما جاء في كلامه عن تعارض القولين للمجتهد الواحد (6) ، وفي الدالّ على كذب الخبر (7) .
(4) إن أبرز ما اتِّسم به كتاب محمد جعيط كثرة نقولاته من الكتب الأخرى، فالحاشية في أغلبها نقولات من كتب الأصوليين بالنص والعبارة، فهو ينقل كثيراً عن الإسنوي والرازي، والآمدي، وابن الحاجب، والبيضاوي، والغزالي، وابن السبكي، وغيرهم.
ومن أمثلة هذه النقول، ولاسيما من شرح الإسنوي:
_________
(1) منهج التحقيق والتوضيح 1 / 2 - 3.
(2) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 175.
(3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 164.
(4) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 177.
(5) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 183.
(6) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 178.
(7) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 140.

(1/213)


أ - في الفصل الثالث: في مستند الإجماع، قال ((لخّص المحقق الإسنوي في شرح المنهاج هذا المبحث، فقال. . .)) (1) .
ب - في الفصل التاسع: في كيفية الرواية، من باب الخبر قال ((قد فصَّل الإسنوي هاته المسألة في شرحه المنهاج، فقال. . .)) (2) .
جـ - في مسألة نقل الخبر بالمعنى (3) ، ومسألة أقسام المناسب (4) ، ومسألة الاستفتاء (5) .
وكذلك نقل الشيخ جعيط نقلاً مباشراً من محصول الرازي ولاسيما لزيادة تفصيلٍ تركه القرافي في كتابه، مثل: أنواع الإيماء (6) .
(5) يقارن الشيخ جعيط أحياناً الأقوال والمسائل بما جاء في مختصرات المحصول، كالمنتخب، والحاصل، والتحصيل (7) .
كما أنه يقارن فيما ينقل بكلام الحنفية، وينقل عنهم كابن الهمام، وفخر الإسلام البزدوي، ابن أمير الحاج، وصدر الشريعة (8) .
(6) يهتم بإظهار المذهب المالكي والنقل عن علمائه كابن رشد، والأبياري،
وابن الحاجب، الرهوني، وغيرهم.
ويستدل لمذهب مالك في سد الذرائع بأدلة لم يوردها القرافي في شرحه مع التمثيل (9) ، كما أنه توسَّع قليلاً في إجماع أهل المدينة وقال ((فإذا سمعت هذا القول الحقيق، فيسهل عليك استخراج زبدة مخيض هذا التحقيق)) (10) .
_________
(1) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 134.
(2) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 149.
(3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 152.
(4) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 158.
(5) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 205.
(6) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 156.
(7) انظر مثلاً: 2 / 115، 126 من منهج التحقيق والتوضيح.
(8) انظر مثلاً: 2 / 114، 117، 147، 172 من منهج التحقيق والتوضيح.
(9) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 213 - 214.
(10) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 131.

(1/214)


(7) يشرح بعض القيود في التعريفات، مثل ما جاء في حد: النسخ، والإجماع والقياس، والدوران، والاستحسان، والترجيح، والاجتهاد، كما يشرح بعض الألفاظ، مثل: الوسطى (1) ، العصمة (2) .
(8) يُعنى بتخريج الأحاديث، وإتمام ألفاظها، مثل: حديث تحويل القبلة (3) ، وحديث لا وصية لوارث (4) ، وحديث: لا كبيرة مع استغفار (5) ، وحديث قتل
النبي - صلى الله عليه وسلم - للنضر بن الحارث (6) .
(9) جاء في الحاشية استيفاء وتوسيع في بعض المواطن زيادةً على ما في شرح
القرافي، من ذلك:
أ - الإطالة في بيان الآية {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ. . .} [الأنعام: 145] هل هي منسوخة أو لا (7) .
ب ـ بيّن وجه الدلالة من قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ. . .} [النساء: 115] وناقش هذا الاستدلال على حجية الإجماع بما لم يذكره القرافي (8) .
كما أنه بيَّن وجه الدلالة من الحديث ((أصحابي كالنجوم. . .)) على عدم انعقاد إجماع العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول (9) .
جـ - أورد أمثلةً جيدة على قبول رواية صغار الصحابة رضي الله عنهم لم ترد عند القرافي (10) ، كما أنَّه مثَّل لما غفل عنه القرافي كما في: قادح النقض (11) .
_________
(1) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 112.
(2) انظر: منهج التحقق والتوضيح 2 / 114.
(3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 145.
(4) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 190.
(5) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 117.
(6) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 220.
(7) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 112 - 113.
(8) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 122.
(9) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 127.
(10) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 142.
(11) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 164.

(1/215)


د - وسَّع الكلام وفصَّله، كما في: مسألة تكفير مخالف الإجماع (1) ، شروط المجتهد (2) ، مسألة التصويب (3) .
(10) استدرك الشيخ جعيط على القرافي وتعقَّبه في بعض المسائل، من ذلك:
أ - قال عند الكلام على حجية قول الصحابي: ((واعلم أن حكاية هذه الأقوال على الوجه الذي ذكره المصنف غلط، لم يتنبّه إليه أحدٌ من الشارحين، وسببه اشتباه مسألة بمسألة. . .)) (4) .
ب - قال: ((ترجم المصنف المسألة بالأخذ بالأخف، وفسَّرها بالأخذ بأقل ما قيل وهما مسألتان)) (5) .
جـ - عقَّب على القرافي في عدد الأقوال في مسألة التعليل بالحكم، فقال: ((ظاهر كلام المصنف أن في هاته المسألة قولين. والتحقيق أن فيها ثلاثة أقوال. . .)) (6) .
د - في تمثيل القرافي على نسخ الحكم والتلاوة معاً بحديث عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل الله عشر رضعات فنُسِخن بخمس، قال: ((الاستدلال لا يتمّ لما نقله المصنف عن عائشة رضي الله عنها، وهو مطلق الإنزال، بل لابدّ أن ينضمّ إليه كونه من القرآن، لأن السنة أيضاً منزلة)) (7) .
هـ - أثبت أن حادثة انشقاق القمر متواترة على خلاف ما قرَّره القرافي (8) .
ولما استدلَّ القرافي على أن الطائفة أقل من ثلاثة، تعقَّبه جعيط بأن فيه نظراً (9)
وأخيراً فإن حاشية الشيخ محمد جعيط اختصَّت مواضع من شرح القرافي ومتنه بالتعليق يراها محتاجةً لذلك، ثم لا ينفكُّ يعالج الموضوع إما بتوضيح المراد، أو تتميم
_________
(1) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 133.
(2) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 190 - 193.
(3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 195 - 203.
(4) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 208.
(5) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 219.
(6) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 171.
(7) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 111.
(8) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 140.
(9) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 142.

(1/216)


المقصود، أو سوق الأدلة، مع حرصه على الإحاطة بأشهر ما كُتِب في الموضوع مما يحتاجه المطالع.
فالحاشية لم تقتصر على خصوص المواضع التي عُنيتْ بها، بل تُقدِّمُ مع ذلك جملةً صالحة مما أنتجتْهُ قرائح رجال هذا الفن العظيم. والمحشِّي في هذا يحشد نقولات كثيرة في حاشيته من شرح الإسنوي ومنهاج البيضاوي وغيرهما.
ولكن مما يلاحظ على الحاشية ترك مصنّفها التعليق على مواضع كثيرة من الكتاب، وقفزه لأبواب دون تحشية، ولعلَّ هذا الترك لوضوح المسألة عنده، أو لعدم الحاجة إلى ذلك، والله أعلم.
رابعاً: حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح للشيخ محمد الطاهر بن عاشور
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في مقدمة حاشيته: التوضيح والتصحيح: ((أما بعد: فدونك - أيها الخاطب - مخدَّراتِ المعاني من حجابها، والآتي فصول أصول الفقه من أبوابها، دُرراً تزين عندك جيدها، ومفاتيحَ تحلُّ عنك ما ارتجّ وصيدها (1) ، ونبراساً يضيء لك المسلك الصريح من مسالك كتاب " التنقيح "، فإنه جمع فوائد عزَّت عن أن تُسام، واستوعب مسائل أصول الفقه بما ليس وراءه للمستزيد مرام، على أنه صعب الثنايا، شديد الخبايا، محتاجٌ لرفع حجابه، وتبيان مرامي شهابه، فكثيراً ما تألَّقت منه بروق الإشكال ليلاً، وأجلبت كتائبه على الناظرين من الحيرة رَجِلاً وخيلاً، وكنتُ قد انْتُدِبتُ لتدريسه، والتقاط ما تناثر من نفيسه، فلمَّا سهَّل الله إتمامه،. . . وجدْتُ ما علّقتُه عليه يصلح أن يبرز تأليفاً مستقلاً، ويحل من نفوس الطالبين محلاً، فإن نفوسهم لم تزل تتقصَّى آثار شرائده، وتتوخّى تحصيل فوائده، فتحول دون أمانيهم قلاقةُ تركيبه، كما تحول دون الخيل شراسه حبيبه، وعسى أن يجعلوا هذا التعليق حجر الأساس، فيشيِّدوا عليه من صروح المعارف ما يَبْهتُ الناس.
وأول ما صَررَفتُ إليه الهمَّة في هاته الحاشية هو: تحقيق مراد المصنف رحمه، ثم تحقيق الحق في تلك المسائل، مع تمثيلها بالشواهد الشرعية، وتنزيلها على ما ليس
_________
(1) الوصيد: عتبة الباب. المعجم الوسيط مادة " وصد ".

(1/217)


متداولاً من الفروع الفقهية، لتكون في ذلك دربة على استخدام الأصول للفقيه. وقد أعرضْتُ عن التطويل بجلب الأقوال؛ لأن في ذلك ما يضيِّع الزمان ويؤدي إلى الملال، وعن الإكثار من المسائل والفوائد، والتطوُّح (1) إلى المستطردات الشوارد،. . . وتعرضْتُ إلى ترجمة من لم تكن ترجمته شهيرة، أو كان في ذكره عبرة للمتعلِّم
وبصيرة)) (2) .
ويمكن الحديث عن خصائص هذه الحاشية وسماتها وفق ما يلي:
(1) نظراً لكون كتاب ابن عاشور حاشيةً لذا لم تستوعب تعليقاته معظم مسائل كتاب " تنقيح الفصول " فهو يأخذ مقتطفات من المتن ثم يعلق عليها، ومع ذلك قد قفز فصولاً من الكتاب مثل: الفصل السادس والسابع من الباب السادس عشر، والفصل الثالث من الباب الثامن عشر.
(2) يمهّد للمسائل المراد بحثها ببيان المراد بالترجمة، وبتصوير المسألة فمثلاً:
أ - قال - في الفصل الثاني: في اتباعه - صلى الله عليه وسلم -: ((لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل الشيء وقصده التشريع، ويفعل الآخر لضرورة دنيوية مثل النوم والطعام واللباس وغيرها، ويفعل غيرهما على أنه خاصٌ به مثل الوصال في الصوم والزيادة على الأربع، بحثوا هنا عن الطرق التي يتعرف بها حال فعله وحكمه. . .)) (3) .
ب - قال في بداية باب الإجماع: ((. . . رأى أنهم يطلقون كلمة الإجماع على ثلاثة أمور، الأولى: اتفاق المسلمين جيلاً بعد جيل على إسناد قول أو فعل أو هيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنها بيان مجمل أو تشريع موصل. . . وهو المعبَّر عنه بالمعلوم ضرورةً وبالمتواتر من الدين. . . الثاني: اتفاق مجتهدي عصر من عصور الإسلام على حكمٍ لدليل. . . الثالث: سكوت العلماء في عصر على قولٍ أو فعلٍ. . . وهو المعبر عنه بالإجماع السكوتي. . .)) (4) .
جـ - قال بين يدي الفصل الرابع: في الدال على عدم اعتبار العلية: ((يعبر عن هذا الباب في بعض كتب الأصول بالقوادح؛ لأنه يبحث عنها من حيث إنها تُورد في
_________
(1) التطوُّح: الإلقاء والرمي والذهاب. انظر: المعجم الوسيط مادة " طوح ".
(2) حاشية التوضيح 2 / 3 - 4.
(3) حاشية التوضيح 2 / 62.
(4) حاشية التوضيح 2 / 92 - 93.

(1/218)


المناظرات، فتسمَّى بالقوادح، أو من حيث يوردها المجتهد في خاصة نفسه لاختبار استنباطه، فتُسمى دليلاً على عدم العلية، وكلها راجعة للمنع، لأنه الأعم. . .)) (1) .
د - قال في مقدمة الباب العشرين في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين:
((
عَقَد المصنف هذا الباب في فصلين، الفصل الأول: لتحديد الأدلة المختلف فيها بين من يعتدُّ بخلافه من العلماء، وهو الذي ترجمه الغزالي في المستصفى بالأصول الموهومة، ولذا تكلم فيه على أشياء تقدَّم الكلام عليها؛ لأن هذا أجدر موضع بأن تذكر فيه كمسألة إجماع أهل الكوفة، والفصل الثاني فصل جليل في تصرفات المكلفين، وهو قواعد يعبر عنها بالأصول القريبة ذكرها هنا لأنها واسطة بين الأصول والفقه)) (2) .
(3) ترجم في حاشيته بما يربو على خمسين عَلَماً، وعرَّف ببعض المصطلحات كالبخت (3) والتواتر (4) وغيرهما. ومثَّل لمسائل أصولية لم يتعرَّض لها القرافي في
شرحه، كمسائل النسخ (5) وما يعرف به النسخ (6) .
(4) له تحريرات بديعة ومفيدة في بعض المسائل، منها:
أ - نبَّه إلى أن الفعل الجبلِّي منه - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يكون مجالاً للاقتداء به، ووضع له ضابطاً (7) .
ب - حرَّر في الإجماع أقسامه التي يحتج بها ويمكن انعقادها تحريراً جيداً (8) .
جـ - حرَّر في مسألة وسيلة المحرَّم قد تكون غير محرَّمة وقال ((تنقيح هاته المسألة أن نقول: قد يكون الشيء الواحد وسيلة لمتعددٍ مختلف الحكم، فينشأ في اعتبار بعض
_________
(1) حاشية التوضيح 2 / 174.
(2) حاشية التوضيح 2 / 217.
(3) انظر: حاشية التوضيح 2 / 121.
(4) انظر: حاشية التوضيح 2 / 128.
(5) انظر: حاشية التوضيح 2 / 88.
(6) انظر: حاشية التوضيح 2 / 91.
(7) انظر: حاشية التوضيح 2 / 60.
(8) انظر: حاشية التوضيح 2 / 92.

(1/219)


المقاصد منه دون بعض تعارض فإما أن يُرجَّح بشيءٍ من المرجِّحات، وإما أن يتوقف فيه)) (1) .
د - قال: ((وفي عدِّ السبر والتقسيم دليلاً على العلية تسامح؛ لأنه طريق لمعرفة حال الوصف المراد التعليل به، فليس هو مثال المناسب والشبه والدوران؛ لأن تلك أدلة على العلية، أي تدل على علية الوصف المشتمل عليها. وأما السبر وتنقيح المناط فطريق يتوصل به إلى معرفة ما هو علَّة ثم لابدّ معهما من استخدام المناسب أو
الشبه أو الدوران ليتعيَّن ما هو علة من غيره، فلو ذكروهما في طرق الاستدلال كان أرشق)) (2) .
هـ - قال: ((قوله (أي القرافي) : ويشترط في المُخْبر العقل. . . إلخ، ليس المراد بالعقل عقل التكليف؛ لأنه داخل في مسمَّى التكليف، بل المراد عقل الفطنة، وهو الذي يعبِّر عنه المحدثون بالضبط، ويعبّر عنه الفقهاء في صفات الشاهد بالتيقُّض. . .)) (3) .
(5) بالرغم من كون الحاشية نُتفاً من التعليقات إلا أن ابن عاشور وسَّع الكلام واستوفاه في بعض المسائل بشكلٍ جيد، من ذلك: توسعه في الكلام عن تقسيمات المناسب باعتبار الجنس والنوع، ومثَّل لها، وردَّها إلى معنى الجنسية والنوعية، وقال أخيراً ((هذا ما ظهر لي في فائدة هذا التقسيم وأثره، والمراد من ألقابه التي ما رأيت من أفصح عنها إفصاحاً يبيّن المراد)) (4) .
وكذلك توسّع كثيراً في الكلام عن قادح الكسر (5) .
(6) له عناية ظاهرة بما جاء في نسخ كتاب القرافي، فقد نبّه على ما جاء فيها من تحريفات، وأشار إلى ما ينبغي اعتماده منها (6) .
_________
(1) حاشية التوضيح 2 / 226.
(2) حاشية التوضيح 2 / 173 - 174.
(3) حاشية التوضيح 2 / 134.
(4) حاشية التوضيح 2 / 166 وانظر ما قبلها.
(5) انظر: حاشية التوضيح 2 / 176 - 178.
(6) انظر على سبيل المثال الصفحات: 2 / 63، 150، 176، 222 من حاشية التوضيح.

(1/220)


كما أنه يصوِّب عبارة القرافي بما يراه الصواب، ولو لم يستند هذا التصويب على نسخ الكتاب (1) .
(
7) يسعى إلى تحرير مذهب المالكية - في بعض المسائل - أكثر مما فعل القرافي، مثل: مسألة إجماع المدينة (2) ، وحجية قول الصحابي (3) ، والرواية عن الشيخ بمجرد الإجازة المطلقة (4) ، والقياس في المقدرات والكفارات والحدود (5) .
(8) انفرد بزيادات لطيفة لم يرد بحثها عند القرافي، منها: جواز القياس على أفعال الله تعالى في الدنيا بأهل الجرائم في مذهب مالك (6) ، وبيان شروط المجتهد (7) ، وغيرها.
(9) استطرد الشيخ ابن عاشور في مواضع من حاشيته، منها: التعريف بأهل البيت (8) ، وحكم الصلاة على أهل الأهواء (9) ، والأكل مما أكل منه الكلب المُعلَّم (10) ، شرح بيت حسان بن ثابت (11) .
(10) له استدراكات وتعقبات على بعض ما جاء في كتاب القرافي، منها:
أ - قال عن سؤال: كيف تكفِّرون مخالف الإجماع، وأنتم لا تكفرون جاحد أصل الإجماع كالنظَّام؟ قال ((لا مخلص من هذا الإيراد، وهو أدلُّ دليلٍ على فساد القول بتكفير جاحد حجية الإجماع عن اجتهاد، والجواب عنه غير صحيح. . . إلخ)) (12) .
_________
(1) انظر مثلاً: 2 / 149، 154، 169، 172، 207، 217.
(2) انظر: حاشية التوضيح 2 / 108.
(3) انظر: حاشية التوضيح 2 / 218.
(4) انظر: حاشية التوضيح 2 / 148.
(5) انظر: حاشية التوضيح 2 / 189.
(6) انظر: حاشية التوضيح 2 / 190.
(7) انظر: حاشية التوضيح 2 / 210.
(8) انظر: حاشية التوضيح 2 / 111.
(9) انظر: حاشية التوضيح 2 / 136.
(10) انظر: حاشية التوضيح 2 / 152.
(11) انظر: حاشية التوضيح 2 / 157.
(12) حاشية التوضيح 2 / 119 - 220.

(1/221)


ب - خالف القرافي في لفظ حديث: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) وقال بأن المعروف هو لفظ " ضلالة "، ثم خالفه بالاستدلال به على حجية الإجماع (1) .
جـ - ناقش القرافي في اختياره لتعريف الرازي للنسخ، وقال عنه ((فيه تطويل وتعقيد)) (2) .
د - خالف القرافي في تجويزه النسخ لا إلى بدل، وقال: ((التحقيق أنه لم يقع، وأن حكم صدقة المناجاة الصواب أنه نسخ إلى بدل، وهو الزكاة. . .)) (3) .
هـ - في مواضع مختلفة يقول عما يورده من كلام القرافي: ((كلام المصنف غير واضح الدلالة على المراد منه)) (4) ، وفي موضع آخر يقول: ((وتمثيل المصنف سهو واضح)) (5) ، ويقول عن دليل أورده المصنف ((دليل غريب جداً)) (6) ، وهكذا. . وبالجملة حاشية ابن عاشور حاشية نفيسة للغاية حوت تحريرات بديعة، واستدراكات حسنة، وتعليقات رائعة، كل ذلك بأسلوب بلاغي أنيق، وبعبارة أدبية راقية. نعم لقد خَلَتْ الحاشية في كثير من مواضعها من الاستدلالات وعرض الأقوال، ولكن هذا مما صرَّح به ابن عاشور في منهجه بدايةً. فرحمه الله تعالى، ونفع بعلمه.
_________
(1) انظر: حاشية التوضيح 2 / 98.
(2) حاشية التوضيح 2 / 71.
(3) حاشية التوضيح 2 / 76.
(4) حاشية التوضيح 2 / 122.
(5) حاشية التوضيح 2 / 138.
(6) حاشية التوضيح 2 / 172.

(1/222)