جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول الباب السابع عشر
في القياس
وفيه سبعة فصول
(2/299)
الفصل الأول
في حقيقته (1)
ص: وهو إثباتُ مِثْلِ حُكْمِ معلومٍ لمعلومٍ آخرَ لأجْل
اشتباههما في علةِ الحكم
عند المُثبت (2) .
فالإثبات المراد به: المشتركُ بين العلم والظنِّ والاعتقاد (3)
، ونعني (4) بالمعلوم (5) : المشتركَ بين [المعلوم والمظنون]
(6) ، وقولنا: عند المُثبت، ليدخل فيه القياس الفاسد.
الشرح
_________
(1) سيذكر المصنف حقيقة القياس اللغوية في آخر شرح هذا المتن.
انظر: ص 303.
(2) هذا تعريف الرازي في: محصوله (5 / 11) ، وقال: ((بأنه
أسدُّها)) وارتضاه تاج الدين الأرموي
في: الحاصل من المحصول (2 / 826) ، وسراج الدين الأرموي في:
التحصيل من المحصول
(2 / 156) ، والبيضاوي في: منهاج الأصول انظر: نهاية السول
للإسنوي 4 / 2.
وللوقوف على تفاصيل تعريفات القياس. انظر: المعتمد 2 / 195،
البرهان 2 / 489، المحصول لابن العربي ص 521، الإحكام للآمدي 3
/ 184، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 6 / 134، نهاية الوصول
للهندي 7 / 3024، شرح مختصر الروضة 3 / 219، كشف الأسرار
للبخاري 3 / 491، البحر المحيط للزركشي 7 / 7، التوضيح لحلولو
ص 331، فواتح الرحموت 2 / 451، دراسات أصولية في حجية القياس
وأقسامه د. رمضان عبد الودود ص 26.
(3) سواء تعلّقت هذه الثلاثة بثبوت الحكم أو عدمه، والقدر
المشترك بينها هو: حكم الذهن بأمرٍ على أمْرٍ. انظر: المحصول
للرازي 5 / 11، نهاية السول 4 / 2، نبراس العقول للشيخ عيسى
منون ص 15.
(4) في ق: ((يعني)) وهو تصحيف، يدلُّ عليه قوله فيما بعد
((وقولنا)) .
(5) المراد بالمعلوم: هو المتصوَّر، أي: الذي تحصل صورته في
العقل. انظر: نهاية السول 4 / 3، شرح البدخشي 3 / 5، نبراس
العقول ص 19، الصالح في مباحث القياس عند الأصوليين لشيخنا
الدكتور / السيد صالح ص 23.
(6) في متن هـ: ((العلوم والظنون)) وهو تحريف.
(2/300)
لأنَّا إذا أثبتنا (1) فقد نعلم ثبوت (2)
الحكم في الفروع، وقد نعتقده اعتقاداً جازماً لا (3) يحتمل عدم
المطابقة، وقد نظنُّه (4) ، فاشتركت الثلاثة في الإثبات فهو
مرادنا.
وقولي (5) : ((معلوم)) أولى من قول مَنْ قال: إثباتُ حكمِ
[أصلٍ لفرعٍ] (6) ، أو
إثباتُ حكمِ الأصلِ في الفرع (7) ؛ لأن الأصل والفرع إنما
يُعْقلان (8) بعد معرفة
القياس، فتعريف القياس بهما (9) دَوْر (10) ، فإذا قلنا:
((معلوم)) اندفعتْ هذه الشبهة الموجبة للدَّوْر.
وقولي: ((لأجل اشتباههما في علة الحكم)) احتراز (11) من إثبات
الحكم بالنص، فإن ذلك لا يكون قياساً، كما لو ورد نصٌّ يخصُّ
الأُرْزَ (12) بتحريم الربا
_________
(1) هذا التعليل لما ذكره في المتن من اشتراك " الإثبات " بين
العلم والظن والاعتقاد.
(2) في ن: ((بثبوت)) .
(3) ساقطة من س، ن، ق، ش. وهي مثبتة في ص، م، ز، و، وهو
الصواب؛ لأن الجملة الفعلية ((لا يحتمل ... )) صفة كاشفة
لقوله: ((جازماً)) . وبدون " لا " النافية يبطل المعنى، والله
أعلم.
(4) في ن: ((يظنه)) وهو تصحيف.
(5) في ق: ((وقلنا)) .
(6) هكذا في ق، وهو واضح المعنى. وفي سائر النسخ ((فرعٍ
لأصلٍ)) وهو خطأ إذا كان متعلَّق الجار والمجرور كلمة
((إثبات)) ، ويمكن أن يتَّجه إذا علَّقنا الجار والمجرور بـ
((فرعٍ)) وفيه بُعْد.
(7) ممن ذكر هذا في تعريفه: أبو الحسين البصري في المعتمد 2 /
195، 443، والقاضي أبو يعلى في العدة
1 / 174، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 447،
والشيرازي في شرح اللمع 2 / 755، والأسمندي في بذل النظر ص
581، وابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص 166، والنسفي في كشف
الأسرار 2 / 196.
(8) في ق: ((يعقل)) وهو خطأ نحوي؛ لأن اسم " إن " المذكور
اثنان، وهما: الأصل والفرع فلابد من مطابقة خبره له فيكون
((يعقلان)) . كما في قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ
يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] .
(9) في س: ((بها)) وهو تحريف؛ لأن مرجع الضمير مثنى.
(10) هناك من دفع إيراد هذا الدَّوْر. انظر: حاشية السعد على
شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 204، تشنيف المسامع 3 / 151،
التوضيح لحلولو ص 331، شرح البدخشي 3 / 5.
(11) في ن: ((احترازاً)) وقد سبق توجيه ذلك.
(12) في س: ((الأرد)) وهو تحريف، وفي ق: ((الرُّزّ)) وهي مما
يستعمله بعض العامة الآن، وهو استعمال صحيح فصيح؛ لأنه لُغة في
((الأُرْز)) . وهناك لغات أخرى. انظر: الصحاح للجوهري، لسان
العرب كلاهما مادة ((أرز)) ، معجم فصيح العامَّة لأحمد أبو سعد
ص 186.
(2/301)
كما ورد في البُرِّ (1) .
وقولي: ((مثل حكم)) ، لأن الحكم (2) الثابت في الفرع ليس هو
عينَ الثابت في الأصل بل مثلُه، وهما مختلفان بالعوارض، فالأول
امتاز ثبوته (3) بالإجماع (4) ، والثاني ثابت (5) بالقياس،
والأول لا خلاف (6) فيه، والثاني فيه الخلاف، غير أنه مثله من
جهة أنه تحريم أو تحليل، والعوارض من جهة المَحَالِّ والأدلة
مُعَيِّنات ومُمَيِّزات (7) لأحد المِثْلين عن الآخر، ولابد
لأحد المِثْلين من (8) مميِّزٍ وإلا كانا واحداً، والواحد ليس
بمِثْلين (9) .
ومعنى قولنا (10) : ليندرج (11) القياس الفاسد: أنَّا لو قلنا
لاشتراكهما في علة* الحكم (12) لم (13) يتناول ذلك إلا (14)
العلة المرادة لصاحب الشرع، فالقياس بغيرها يلزم أن لا يكون
قياساً، لكن الخلاف لما وقع في الربا هل عِلَّته الطعم أو
الكيل أو القوت أو
_________
(1) ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((البُرُّ بالبُرِّ رباً إلا هاءَ وهاءَ،
والشعير بالشعير رباً إلا هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر رباً إلا
هاءَ وهاءَ)) رواه البخاري (2170) .
ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة
والسلام: ((الذهب بالذهب، والفضة
بالفضة، والبُرِّ بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح
بالملح مثلاً بمثلٍ، يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أرْبى،
الآخذ والمُعطي فيه سواء)) رواه مسلم (1584) .
(2) ساقطة من ن.
(3) في ق: ((بثبوته)) ، وفي ن: ((لثبوته)) والمثبت أولى لزيادة
وضوحه.
(4) أو بالنص من كتابٍ أو سنة.
(5) ساقطة من س.
(6) في س: ((اختلاف)) .
(7) في س: ((تمييزات)) .
(8) ساقطة من س.
(9) لمزيدٍ من إيضاح هذا المعنى انظر: السراج الوهاج للجاربردي
2 / 846، الإبهاج 3 / 3، شرح البدخشي 3 / 4، الصالح في مباحث
القياس للدكتور / السيد صالح ص 15.
(10) ساقطة من جميع النسخ سوى نسخة س.
(11) في ق، س: ((اندراج)) .
(12) أي: ولم نقل: ((عند المُثْبِت)) .
(13) في س: ((لا)) ، وهي ساقطة من ن.
(14) ساقطة من س.
(2/302)
غير ذلك من المذاهب في العلل (1) ،
وقاس (2) كل إمام بعلته التي اعتقدها، فأجمعنا على
أن* الجميع أقيسةٌ شرعيةٌ؛ لأنا إنْ (3) قلنا: ((كلُّ مجتهدٍ
مصيبٌ)) (4) فظاهر، وإن قلنا:
((المصيب واحد)) فلم يتعيَّن (5) ، فتعين أن يكون الجميع أقيسة
شرعية، مع أنَّ جميع تلك العلل ليست مرادة لصاحب الشرع،
فالقياس بغير علة صاحب الشرع قياس (6) فاسد، وهو قياس، فلذلك
قلنا: ((عند المثبت)) ليتناول جميع العلل كانت علة صاحب الشرع
أم (7) لا (8) .
حقيقة القياس اللغوية
فائدة: القياس معناه فى اللغة (9) : التَّسْوية، يقال (10) :
قاس الشيءَ بالشيء، إذا
ساواه (11) به، والقياس فى الشريعة مُسَوٍّ (12) للفرع بالأصل
فى ذلك الحكم [فسُمِّي
_________
(1) اتفق العلماء على جريان الربا في الأصناف الستة المذكورة
في حديث مسلم (11584) كما في هامش
(
1) ، ص (302) ، وهي: الذهب، والفضة، والبُرُّ، والشعير،
والتمر، والملح. ثم اختلفوا في تعليل حرمة الربا بعد أن قسموا
الأصناف إلى قسمين: قسم الذهب والفضة، وقسم الأصناف الأربعة.
فمن العلماء من علَّل الربا في الذهب والفضة بالوزن، ومنهم من
علَّل بالثمنية. وأما علة الربا في الأصناف الأربعة فقيل: إنها
الكيل، وقيل: الوزن، وقيل: الاقتيات، وقيل: الادخار، وقيل:
الطعم، وقيل: كل جنس تجب فيه الزكاة، وقيل: غير ذلك. انظر:
الحاوي للماوردي 5 / 83، المغني لابن قدامة 6 / 53، بداية
المجتهد 4 / 499، شرح فتح القدير 7 / 3، مواهب الجليل للحطاب 6
/ 197، مغني المحتاج للشربيني 2 / 364، المبدع لابن مفلح 4 /
126.
(2) في س، ق: ((قياس)) وهو تحريف.
(3) في س: ((إذا)) ، وهو جائز. انظر: هامش (7) ص 16.
(4) سيأتي بحث هذه المسألة في: الفصل السادس من باب الاجتهاد ص
(468) .
(5) أي: لم يتعيّن لدينا أيُّهم المطابق للقياس الصحيح في نفس
الأمر.
(6) ساقطة من ق، وفي ن: ((قياسه)) وهي غير متسقة مع السياق.
(7) في ق: ((أو)) .
(8) انظر مزيداً في ذلك: سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية
السول للإسنوي 4 / 4.
(9) القياس يطلق في اللغة على معنيين، ذكر المصنف أحدهما، وهو
التسوية. وأما الآخر فهو: التقدير، يقال: قاس الشيءَ يقيسه
قَيْساً وقياساً إذا قدَّره على مثاله، والمقياس: المقدار،
والقياس: تقدير الشيء بالشيء. انظر: مادة ((قوس)) في معجم
المقاييس في اللغة، مختار الصحاح، لسان العرب. نقل بعض
الأصوليين معاني لغوية أخرى للقياس كالتمثيل والتشبيه
والاعتبار والمماثلة والإصابة. انظر: البحر المحيط للزركشي 7 /
6، نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص 10 - 12.
(10) ساقطة من ق.
(11) في س: ((سوَّاه)) .
(12) في ق: ((مساو ٍ)) والمثبت أقرب اشتقاقاً؛ لأن مُسَوٍّ
مشتقة من التسوية.
(2/303)
قياساً] (1) ، فهو من باب تخصيص اللفظ ببعض
مسمَّياته، كتخصيص الدابَّة ببعض مسمَّياتها وهو: الفَرَس عند
العراقيين والحِمَار عند المصريين (2) ، فالقياس على هذا
حقيقةٌ عُرْفيَّة مجازٌ راجحٌ لغويٌّ (3) .
_________
(1) ساقط من ق.
(2) جاء في المصباح المنير مادة ((دَبَّ)) قوله: ((وأما تخصيص
الفرس والبغل بالدابَّة عند الإطلاق فعُرْفٌ طارئٌ)) .
(3) أي: لمَّا استعمل القياس استعمالاً خاصاً في عُرْف الفقهاء
والأصوليين بمعنى: ((مساواة فرعٍ لأصل)) صار لفظه حقيقةً
عرفيةً، وكذلك صار مجازاً لغوياً؛ لأنه استُعْمل في غير ما
وُضِع له باعتبار وضعه اللغوي، ولمَّا كان يتبادر إلى الأفهام
معنى ((القياس)) العرفي عند سماعه لأول وَهْلةٍ سُمِّي مجازاً
راجحاً لرجحانه على
الحقيقة. انظر توضيحات المصنف لهذه المصطلحات في: أول الكتاب
(المطبوع) ص 44، 46.
(2/304)
الفصل الثاني
فى حكمه (1)
ص: وهو حجة عند مالك (2) رحمه الله [وجماهير (3) العلماء] (4)
رحمة الله عليهم (5) خلافاً لأهل الظاهر (6) لقوله تعالى:
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (7) . ولقول مُعاذٍ*
رضي الله عنه: ((أجْتَهِدُ (8) رأيي)) (9) ، بعد ذكره الكتاب
والسنة.
_________
(1) الكلام عن حكم القياس يتشعَّب إلى حكمه في الدنيويات
والشرعيات واللغويات والعقليات والمقدَّرات والأسباب والحدود
والرخص والكفَّارات. والمصنف هنا عقد هذا الفصل في حكم القياس
في الشرعيات، وأشار في المتن التالي ص (312) إلى حكمه في
الدنيويات. أما حكمه في البواقي فقد عقد لبيانه الفصل السابع ص
(386) .
(2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 51، إحكام الفصول ص
531، 552، منتهى السول والأمل ص 186، وفصل " وجوب الحكم
بالقياس " من كتاب: المقدِّمات الممهِّدات لابن رشد 1 / 33،
الضياء اللامع 3 / 120.
(3) في ق: ((جمهور)) وهي مفرد جماهير. قال ابن الأثير: ((في
حديث ابن الزبير قال لمعاوية: إنا لا ندع مروان يرمي جماهير
قريش بمشاقصه. أي: جماعاتها. واحدها جمهور)) النهاية في غريب
الحديث والأثر مادة " جمهور ".
(4) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(5) انظر: شرح العمد 1 / 290، شرح اللمع للشيرازي 2 / 760،
البرهان 2 / 492، أصول السرخسي2 / 124، قواطع الأدلة 4 / 9،
التمهيد لأبي الخطاب 3 / 369، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 799،
المحصول للرازي 5 / 21، 26، شرح الكوكب المنير 4 / 215، القياس
بين مؤيديه ومعارضيه للشيخ الدكتور عمر الأشقر، حجية القياس
للدكتور عمر مولود.
(6) انظر: الإحكام 2 / 384، 515، النبذ في أصول الفقه ص 120،
المحلَّى 1 / 56 جميعها لابن حزم. وممن ذهب إلى إبطال القياس
أيضاً طوائف من الروافض، والنَّظَّام وشرذمة من المعتزلة،
ومعظم الخوارج. انظر: الفصول للجصاص 4 / 23، شرح العمد 1 /
281، البرهان 2 / 490، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5 /
282، المسودة ص 365، البحر المحيط للزركشي 7/ 21.
(7) سورة الحشر، من الآية: 2.
(8) في س، متن هـ: ((اجتهدوا)) وهو تحريف.
(9) سبق تخريجه.
(2/305)
الشرح
أدلة المثبتين لحجية القياس
وجه الاستدلال من الآية (1) : أن قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا}
(2) مُشْتقٌّ من العبور وهو المجاوزة، ومنه سُمِّي المُعْبرَ
للمكان الذي يُعْبر منه من شطِّ (3) الوادي ويُعْبر فيه وهو
السفينة (4) ، وسُمِّيت العَبْرة عَبْرةً (5) ؛ لأنها تعبر من
الشؤون (6) إلى العين، وعَابِرُ المنام هو المتجاوز من تلك
المُثْل المرئِيَّة إلى المراد بالمنام من الأمور الحقيقية (7)
، والقائس (8) عَابِرٌ من حكم الأصل إلى حكم الفرع، فتناوله
لفظ الآية بطريق الاشتقاق (9) .
سؤال: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية، وهي غير مفيدةٍ
للمقصود؛ بسبب (10) أن الفعل في سياق الإثبات مطْلقٌ لا عموم
فيه، والآية فِعلٌ في سياق الإثبات، فتتناول (11) مطلق العبور،
فلا عموم فيها حتى تتناول (12) كل عبور فتندرج (13)
فيها (14) صورة النزاع، وإذا كانت مطلقة كانت دالة على ما هو
أعم من القياس،
_________
(1) هنا زيادة ((الأُوْلى)) في س، ن، والأَوْلى تركها لعدم
وجود آيةٍ أخرى، إلا إذا عُني بالأولى الدليلُ الأولُ بالنسبة
للدليل الثاني وهو الحديث.
(2) سورة الحشر، من الآية: 2.
(3) في س: ((شاطيء)) وهو معنى الشَّطِّ وكلاهما بمعنى: الجانب.
انظر: لسان العرب مادة ((شطط)) . وفي ن: ((شاط)) وهو تحريف.
(4) المِعْبَر بالكسر: اسم آلة وهو ما عُبر به النهر من فُلْكٍ
أو قنطرة أو غيره. والمَعْبَر بالفتح: اسم مكان وهو الشَّطُّ
المهيأ للعبور. وقال الأزهري: المِعْبرة: سفينة يُعْبر عليها
النهر. انظر: مادة ((عبر)) في: تهذيب اللغة، لسان العرب. وكان
من الأحسن أن تكون عبارة المصنف فيها تفريق بين اسم المكان
واسم الآلة.
(5) العَبْرة: هي الدمَّعة، والجمع: عَبَرات وعِبَر. وهناك
معانٍ أخرى. انظر: لسان العرب مادة ((عبر)) .
(6) الشَّأْن: مجرى الدمع إلى العين، والجمع أشْؤُن، وشُئُون.
وقيل: هي مواصل قبائل الرأس إلى العين، أو هي عروق الدَّمْع.
انظر: مادة ((شأن)) في لسان العرب.
(7) جاء في لسان العرب مادة ((عبر)) بأن المُعْتَبِر: هو
المستدل بالشيء على الشيء.
(8) في س، ن: ((والقياس)) وهو تحريف.
(9) انظر: معجم المقاييس في اللغة مادة ((عبر)) .
(10) في س: ((سبب)) وهو تحريف.
(11) في ن: ((يتناول)) ، وفي س: ((فيتناول)) وكلاهما صحيح.
(12) في س، ن: ((يتناول)) .
(13) في ق: ((فيندرج)) .
(14) في س، ن: ((فيه)) وهو متَّجه باعتبار عود الضمير على:
الفعل.
(2/306)
والدال على الأعمِّ غير دال على الأخصِّ،
كما أن لفظ الحيوان لا يدل على الإنسان، ولفظ العدد لا يدل على
الزَّوْج (1) .
ومما يدل على القياس إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على العمل
بالقياس (2) ، وذلك يُعْلم [من استقراء] (3) أحوالهم
ومناظراتهم (4) ، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي
موسى الأشعري ((اعْرِف (5) الأشباه والنظائر وما اختلج في صدرك
فألْحِقهُ بما هو أشبه بالحق)) (6)
وهذا هو عين القياس.
ولأنه عليه الصلاة والسلام نبَّه على القياس في مواطن، منها:
أن عمر رضي الله عنه سأل (7) عن قبلة الصائم فقال له (8) عليه
الصلاة والسلام ((أرأيت لو تمضمضْتَ بماءٍ ثم
_________
(1) انظر الأجوبة عن هذا السؤال في: قواطع الأدلة 4 / 54،
الإحكام للآمدي 4 / 31، نهاية السول ومعه سلم الوصول للمطيعي
بحاشيته 4 / 12 - 14.
(2) في ق: ((به)) بدلاً من: ((بالقياس)) .
(3) في س: ((باستقراء)) .
(4) حكى إجماع الصحابة عدد من الأصوليين، منهم: السمعاني في
قواطع الأدلة (4 / 42) وعدَّ جملةً وافرة من مناظراتهم، وكذا
ابن القيم في إعلام الموقعين 1 / 196 - 207. وانظر: الضروري في
أصول الفقه لابن رشد ص 132، الإحكام للآمدي 4 / 40، نهاية
الوصول للهندي 7 / 3108، شرح مختصر الروضة 3 / 262، كشف
الأسرار للبخاري 3 / 511.
(5) في س: ((عرف)) وهو تحريف.
(6) أخرجه الدارقطني مطولاً في سننه (4 / 206) ولفظ موضع
الشاهد منه ((الفَهْم الفَهْم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك
في الكتاب والسنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قِس الأمور عند
ذلك، فاعمِدْ إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى)) .
قال العظيم أبادي: ((في إسناده عبيد الله بن أبي حميد وهو
ضعيف)) التعليق المغني بذيل سنن الدارقطني 4 / 206، ورواه
البيهقي في سننه الكبرى 10 / 150، والخطيب البغدادي في الفقيه
والمتفقه 1 / 492. قال ابن حجر: ((وساقه ابن حزم من طريقين،
وأعلَّهما بالانقطاع، لكن اختلاف المَخْرج فيهما مما يقوِّي
أصل الرسالة، لاسيما وفي بعض طرقه أنَّ راويه أخرج الرسالة
مكتوبة)) تلخيص الحبير (4 / 196) . وانظر: المحلَّى 1 / 59،
والإحكام 2 / 468، والنبذ ص 133 جميعها لابن حزم. والأثر صححه:
أحمد شاكر في تحقيقه على المحلى 1 / 59، والألباني في إرواء
الغليل 8 / 241. وقال ابن القيم: ((وهذا كتاب جليل تلقاه
العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة..والحاكم
والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه)) . إعلام
الموقعين 1 / 92.
(7) في س، ن: ((سأله)) .
(8) ساقطة من س.
(2/307)
مَجَجْتَه (1) أكنْتَ شاربه؟!)) (2) ، وجه
الدليل [من ذلك] (3) : أنه عليه الصلاة والسلام شبَّه
بالمضْمَضة (4) إذا لم يَعْقُبْها شَرْبٌ القُبْلةَ (5) إذا لم
يعقُبْها إنزالٌ بجامع انتفاء الثمرة المقصودة من (6)
الموضعين؛ وهذا هو عين القياس. ومنها (7)
قوله عليه السلام للخَثْعَمِيَّة (8) ((أرأيتِ لو (9) كان على
أبيك دَيْنٌ أكنتِ قاضيته؟! قالت: نعم. قال: ((فدَيْنُ الله
أحقُّ بالقضاء (10)) ) (11) وهذا هو عين القياس.
_________
(1) مججته: قذفته وألقيته. انظر: النهاية في غريب الحديث
والأثر مادة ((مجج)) .
(2) لم أجده بهذا اللفظ فيما وقفت عليه. والذي وجدته هو حديث
عمر رضي الله عنه قال: ((هَشِشْتُ يوماً فقبَّلتُ وأنا صائم،
فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلْتُ: صنعْتُ اليوم
أمراً عظيماً وأنا صائم فقال: ((أرأيت لو تمضْمضْت بماءٍ وأنت
صائم؟)) . قلت: لا بأس بذلك. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((ففيم؟)) رواه النسائي في السنن الكبرى (2 / 198) وقال:
هذا حديث منكر. ورواه أبو داود (2385) وفي آخره ((فمه؟)) ورواه
أيضاً أحمد في مسنده 1 / 21، 52. وصححه الحاكم في مستدركه (1 /
431) ، وابن خزيمة في صحيحه (1999) ، وابن حبان في صحيحه
(3544) بترتيب ابن بلبان، الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة
(1 / 195) ، وحسنه ابن حجر في موافقة الخُبْر الخَبَر (2 /
359) .
(3) ساقط من ق.
(4) في ق: ((المضمضة)) بدون الباء، وهو خطأ؛ لأنه قَلْبٌ
للمشبه والمشبه به، كما لو جُعل الفرع أصلاً والأصلُ فرعاً.
(5) في س، ق: ((بالقُبْلة)) والصواب بدون الباء؛ لنفس العلة
المذكورة في الهامش السابق.
(6) في ن: ((في)) .
(7) في س، ن: ((ومنه)) ، والمثبت هو الصواب؛ لأن مرجع الضمير
مؤنث وهو ((مواطن)) ..
(8) هي امرأة مجهولة من قبيلة خَثْعم بن أنمار، ورد وصفها في
بعض الروايات أنها امرأة وضيئة كان الفضل بن عباس رضي الله عنه
ينظر إليها وهو رديف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
انظر الحديث في صحيح البخاري (6228) ، فتح الباري لابن حجر 4 /
84.
(9) في ن: ((إنْ)) .
(10) في س: ((أن يُقْضى)) .
(11) هكذا يورده كثير من الأصوليين والفقهاء. قال ابن كثير:
((حديث الخَثْعمية رواه أهل الكتب الستة، ولم أره في شيءٍ منها
بهذا السياق)) تحفة الطالب ص (420) ، وانظر: المعتبر للزركشي ص
(214) . وانظر: الحديث في الكتب الستة؛ في البخاري (1854) ،
مسلم (1334) ، أبي داود (1792) ، الترمذي (928) ، النسائي
(5406) ، ابن ماجه (2909) . وأقرب سياقٍ وقفْتُ عليه مقارِباً
لسياق المصنف ما رواه النسائي (5404) ، وابن ماجه (2909) -
واللفظ له - من حديث الفَضْل
(2/308)
أدلة النافين لحجية
القياس
احتجوا بوجوهٍ، أحدها: قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا
أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1)
والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله. وثانيها: قوله عليه
الصلاة والسلام: ((تعمل هذه الأمة بُرْهةً بالكتاب وبُرْهةً
بالسنة وبُرْهةً بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضَلُّوا)) (2) .
وثالثها: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يذمُّون القياس،
قال الصدِّيق رضي الله عنه: ((أيُّ سماءٍ تُظِلُّنِي وأيُّ
أرضٍ تُقِلُّني إذا قلتُ في كتاب الله برأيي)) (3) ، وقال عمر
رضي الله عنه: ((إيَّاكم وأصحابَ الرأي فإنهم أعداءُ السُّنَن
(4)
أعْيَتْهم الأحاديثُ أن يُحْصُوها (5) ،
فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأضلُّوا)) (6) . وقال
_________
(1) ابن عباس رضي الله عنهما لما قالت المرأة الخثعمية:
أفأحجُّ عنه؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم،
فإنه لو كان على أبيك دَيْن قضيتِهِ)) . ومما يشابه حديثَ
المصنف حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما في رجلٍ سأل النبي صلى
الله عليه وسلم عن حج أبيه، وهو شيخ كبير لا يثبت على الراحلة،
فقال له: ((أفرأيتَ لو كان عليه دَيْنٌ فقضيْتَه أكان
مُجْزِئاً؟)) قال: نعم. قال: ((فحجَّ عن أبيك)) رواه النسائي
في سننه الصغرى (5408) ، والبيهقي في سننه الكبرى (4 / 429) .
وكذلك حديث ابن عباس عن امرأةٍ من جهينة جاءت إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى
ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: ((نعم حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان
على أمِّكِ دَيْنٌ أكنْتِ قاضيتَه؟ ، اقضوا الله، فالله أحقُّ
بالوفاء)) رواه البخاري (1852) .
(
) سورة المائدة، من الآية: 47.
(2) رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه أبو يعلى في
مسنده (10 / 240) ، والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (1 /
449) ، وابن حنبل في: العلل ومعرفة الرجال (1 / 470) ،
والعُقيلي في: الضعفاء (1 / 207) ، وابن حزم في الإحكام (2 /
225) وغيرهم، وجميعها ليس فيها لفظ ((القياس)) بل مكانها
((الرأي)) والحديث ضعَّفه الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 179) ،
والألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم (2457) . وقال الزركشي:
((هذا حديث لا تقوم به حجة)) المعتبر ص 226.
(3) رواه البيهقي في شعب الإيمان (2 / 424) ، وابن عبد البر في
جامع بيان العلم وفضله (2/ 834) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (6 /
136) . وقال ابن كثير في تفسيره (1 / 16) بأنه منقطع. وأورد
ابن حجر الحديث من طريقين كلاهما فيه انقطاع، ثم قال: ((لكن
أحدهما يقوي الآخر)) فتح الباري
13 / 336.
(4) في ق: ((الدِّين)) ولم أجدها في روايات الأثر، ولعلَّها
تحريف.
(5) في ن: ((يُحصِّلوها)) ولم أجدها فيما وقفت عليه من روايات
الأثر، وفي س: ((يحصرها)) وهو خطأ
نحوي، لأن الواجب اتصال واو الجماعة بها ليكون من الأفعال
الخمسة. والصواب: ((يحصروها)) ، والذي وجدته في الأثر لفظ
((يحفظوها)) .
(6) أخرجه الدارقطني في سننه (4 / 146) ، والخطيب البغدادي في:
الفقيه والمتفقه (1 / 453) ، وابن حزم في: الإحكام (2 / 780) ،
وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 1042، 1043) .
قال ابن القيم - بعد سوقه جملةً من الآثار عن عمر رضي الله عنه
هذا أحدُها - قال: ((وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية
الصحة)) إعلام الموقعين (1 / 63) .
(2/309)
علي رضي الله عنه: ((لو كان الدِّيْن يؤخذ
قياساً لكان باطنُ الخُفِّ أولى بالمسح من ظاهره)) (1) ، وهذا
يدل على اتفاقهم على منع القياس.
والجواب عن الأول: أن الحكم (2) بالقياس حكمٌ (3) بما أنزل
الله في عمومات القرآن [من جهة] (4) قوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا
يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (5) [ومن جهة قوله تعالى] (6) {وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (7) وقد جاءنا بالقياس (8) .
وعن الثاني: أنه محمول على القياس الفاسد الوضع؛ لمخالفته
النصوص، ومن شرط القياس ألاَّ يخالف النص الصريح.
وعن الثالث: أنَّ ذمَّ (9) الصحابة رضوان الله عليهم محمول على
الأقيسة الفاسدة والآراء الفاسدة المخالفة لأوضاع الشريعة،
جمعاً بين ما نقله الخصم وما نقلناه (10) .
القياس القطعي والظني والقياس في
الدنيويات
فرع: قال الإمام فخر الدين: إذا كان تعليل* الأصل قطعياً،
ووجود العلة في الفرع (11) قطعياً (12) كان القياس متفقاً
عليه.
_________
(1) أثر علي رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 / 95،
114، 148، وأبو داود في سننه
(162) ، وابن أبي شيبة في مصنفه 1 / 181، والبغوي في شرح السنة
1 / 464، وغيرهم ولفظه:
((لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسح من
أعلاه ... )) صححه ابن حجر في تلخيص الحبير (1 / 160) وحسنه في
" بلوغ المرام " ص 53، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1 /
163.
(2) في ص، ن: ((الحاكم)) .
(3) في س، ن: ((حاكم)) .
(4) في ق: ((نحو)) .
(5) سورة الحشر، من الآية: 2.
(6) ساقط من ق.
(7) سورة الحشر، من الآية: 7.
(8) انظر جواباً آخر في: نفائس الأصول 7 / 3157.
(9) ساقطة من ن، وهو سَقْطٌ مخِلٌّ بالمعنى.
(10) جاء في هامش نسخة " ص " الورقة 179 ب قوله: ((وعن
احتجاجهم بقول عليٍ رضي الله عنه: أن الدِّين في قوله: ((لو
كان الدِّين يؤخذ بالقياس)) فيه الألف واللاَّم، وهي للعموم،
فيكون المعنى: لو كان كل الدِّين قياساً، ونحن لم ندَّعِ ذلك،
بل يكون مفهومُ قوله دالاًّ على أنَّ بعضه قياس، وهو المطلوب))
.
(11) في ق: ((الأصل)) وهو خطأ ظاهر، فقد ذُكِر تعليلُ الأصل
وأنه قطعي، وبقي أن تكون العلة قطعية في
الفرع، بعداً عن التكرار.
(12) في س: ((قطعاً)) .
(2/310)
وأما القياس الظني فهو حجة في الأمور
الدنيوية اتفاقاً (1) كمداواة الأمراض (2) ، والأسفار والمتاجر
وغير ذلك، وإنما (3) النزاع في كونه حجةً في الشرعيات ومستندات
المجتهدين (4) .
تعارض القياس مع خبر الواحد
ص: وهو مقدَّمٌ على خبر الواحد (5) عند مالك (6)
رحمه الله؛ لأن الخبر إنما ورد (7)
_________
(1) حُكِي الاتفاق في: المحصول 5 / 20، جمع الجوامع بشرح
المحلي وحاشية البناني 2 / 42، التوضيح لحلولو ص 332، رفع
النقاب القسم 2 / 796، شرح الكوكب المنير 4 / 218.
(2) انظر مثالاً لطيفاً عليه في: حاشية العطار على شرح المحلي
لجمع الجوامع 2 / 241، وانظر تعليقاً نفيساً على هذا المثال
في: نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص 47.
(3) في س: ((وأمَّا)) وهو تحريف، لا يستقيم بها المعنى.
(4) هذا النقل عن الرازي من محصوله (5 / 19 - 20) فيه اختصار
وتصرُّف كبير.
(5) ينبغي تحرير محل النزاع في هذه المسألة، فيقال - كما في
المحصول (4 / 431) بتصرف -: خبر الواحد إذا عارضه القياس له
أحوال: إمَّا أن يخصِّص الخبرُ القياس، أو عكسه، أو يتنافيا
بالكلية. فإن كان الأول جُمِع بينهما بتخصيص الخبر للقياس عند
من يُجوِّز تخصيص العلَّة، وإلا أُلْحِق بما إذا تنافيا
بالكلية. وإنْ كان الثاني خُصِّص خبر الواحد بالقياس. وإنْ كان
الثالث، فإنْ ثبت أصل القياس به ترجَّح عليه بلا خلاف، وإنْ لم
يثبت به فإن عُلِم حكم أصل القياس وكونُه معللاً بوصفٍ ووجوده
في الفرع قطعاً ترجَّح القياس. وإن ظُنَّ الكلُّ ترجَّح الخبر؛
إذ الظن فيه أقل، وإنْ عُلِم البعض - كما إذا عُلم الحكم
وظُنَّ الباقيان - فهو محل النزاع. فمن العلماء مَنْ قدَّم
القياس على خبر الواحد، ومنهم من عكس، ومنهم من توقَّف. انظر
المسألة بأقوالها وأدلتها في: المعتمد 2 / 162، شرح اللمع
للشيرازي 2 / 609، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 94، بذل النظر ص
468، الإحكام للآمدي 2 / 118، منتهى السول والأمل ص 86، شرح
العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 73، التوضيح لصدر الشريعة مع
التلويح 2 / 10، البحر المحيط للزركشي 6 / 251، شرح الكوكب
المنير 2 / 563، تيسير التحرير 3 / 116.
(6) انظر النسبة إليه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص
110، البيان والتحصيل لابن رشد (الجدّ)
17 / 604، 18 / 482، نفائس الأصول 7 / 2989. لكن ذكر حلولو
اختلاف النقل عن الإمام مالك في هذه المسألة، فالمدَنِيُّون
يروون عنه تقديم الخبر، والعراقيون يرون مذهبه تقديم القياس.
انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 333، الضياء اللامع 2 / 165.
وقال السمعاني: ((وقد حُكِي عن مالك أن خبر الواحد إذا خالف
القياس لا يُقبل، وهذا القول بإطلاقه سمج مستقبح عظيم، وأنا
أجِلُّ منزلة مالك عن مثل هذا القول، وليس يُدْرَى ثبوت هذا
منه)) قواطع الأدلة 2 / 366. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي:
((التحقيق خلاف ما ذهب إليه المؤلف (صاحب مراقي السعود)
والقرافي. والرواية الصحيحة عن مالك رواية المدنيين أن خبر
الواحد مقدَّم على القياس
- ثم قال - ومسائل مذهبه تدلُّ على ذلك)) . نثر الورود 2 /
443.
(7) في س، متن هـ: ((يرد)) .
(2/311)
لتحصيل الحكم، والقياس متضمِّنٌ للحكمة (1)
، فيُقدَّم على الخبر. وهو حجة في الدنيويات اتفاقاً (2) .
الشرح
حكى القاضي عِيَاض (3) في: " التنبيهات " (4) ،
وابن رشد (5) في: " المقدِّمات " (6)
_________
(1) في ق: ((للحِكَم)) .
(2) سبق بحث هذه المسألة قريباً.
(3) هو: أبو الفضل عِيَاض بن موسى بن عِيَاض اليَحْصُبي - نسبة
إلى يَحْصُب بتثليث الصاد، قبيلة من حِميْر - السَّبْتي -
نسبةً إلى مدينة سَبْتة بالمغرب، المالكي. كان إمام أهل الحديث
في وقته، عالماً بالنحو وكلام العرب والتفسير والأصول والفقه.
أخذ عن المازري، وابن رشد (الجدّ) ، وابن العربي. ولي قضاء
سبتة ثم غرناطة. له تصانيف بديعة منها: إكمال المُعْلم بفوائد
مسلم (ط) ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (ط)
، ترتيب المدارك (ط) وغيرها. توفي عام 544 هـ. انظر: الديباج
المذهب ص 270، سير أعلام النبلاء 20/ 212.
(4) انظره في: الجزء الأول ورقة رقم (5) مصورة ميكروفيلم رقم
(2) بجامعة أم القرى عن مخطوطة الخزانة العامة بالرباط برقم
333 ح ل.
وكتاب القاضي عياض اسمه: " التنبيهات المستنبطة على الكتب
المدونة والمختلطة "، والمعروف عنه
كما في خزانات المخطوطات أنه في مجلدين كبيرين، جمع فيه غرائب
وفوائد من ضبط الألفاظ، وتحرير المسائل ... إلخ. وقد أشار فؤاد
سِزْكين إلى أماكن وجود مخطوطاته في كتابه: تاريخ التراث
العربي، مجلد 1 / جزء 3 / 151. انظر: بحث بعنوان: اصطلاح
المذهب عند المالكية (دور التطور) د/ محمد إبراهيم أحمد علي،
بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (22) - 1415 هـ، ص 128.
(5) هو: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي، يعرف
بابن رشد الجَدّ تمييزاً له عن ابن رشد الحفيد (الفيلسوف
المتوفى 595 هـ) كان إمام فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب،
إليه المفزع في المشكلات، من تلاميذه: القاضي عياض وغيره، له
تصانيف جيدة دقيقة، منها: البيان والتحصيل ...
(ط) ، فتاوى ابن رشد (ط) ، المقدمات الممهدات ... (ط) وغيرها.
ت 520 هـ. انظر: الصلة لابن بشكوال 2 / 546، الديباج المذهب ص
373، سير أعلام النبلاء 19 / 501.
(6) انظره في: 3 / 483، وانظر: البيان والتحصيل له أيضاً 18 /
482، 17 / 604.
وكتاب " المقدِّمات " اسمه: المُقدِّمات المُمَهِّدات لبيان ما
اقتضته رسوم المدوَّنة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات
المُحْكمات لأمهات مسائلها المشكلات. وهو بِدْع من التأليف،
يحتوي على دراسات وتأملات فقيهٍ مالكي ضليع بلغ رتبة الاجتهاد،
وهو عبارة عن مقدمات كان يوردها المصنف عند استفتاح كتب
المدونة، وتكون مدخلاً إليها. والكتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات
بتحقيق سعيد أحمد أعراب بدار الغرب الإسلامي - بيروت.
(2/312)
في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر
الواحد قولين (1) ،
وعند الحنفية
قولان (2) أيضاً (3) .
حجة تقديم القياس: أنه موافق للقواعد من جهة تضمُّنه تحصيل (4)
المصالح أو دَرْء المفاسد، والخبر المخالف له يمنع من ذلك
فيُقدَّم الموافِق للقواعد على المخالِف لها (5) .
حجة المنع: أن القياس فرع النصوص والفرع لا يُقدَّم على أصله.
_________
(1) نصَّ الباجي في إحكام الفصول ص (666) على أن تقديم القياس
هو قول أكثر المالكية، لكنّه قال في
ص (667) : ((والذي عندي أن الخبر مُقدَّم على القياس)) .
ونقل حلولو عن القاضي عبد الوهاب في " الملخص " أن تقديم الخبر
هو قول المتقدمين من المالكية، كما
نقل عن القاضي عياض أن تقديم الخبر هو مشهور مذهب مالك. انظر:
التوضيح شرح التنقيح
ص 333. ولعل مرد الخلاف في تحرير مذهب مالك في المسألة أن
القياس يأتي بمعناه المعهود، كما يأتي بمعنى القاعدة من قواعد
الشرع، ولهذا قال ابن العربي: ((وهذا ينبني على مسألة من أصول
الفقه، اختلف قوله - أي الإمام مالك - وهي إذا جاء خبر الواحد
معارضاً لقاعدة من قواعد الشرع، هل يجوز العمل به أم لا؟ ...
وتردد مالك في المسألة، ومشهور قوله والذي عليه المعول أن
الحديث إنْ عضدته قاعدة أخرى قال به، وإن كان وحده تركه))
القبس في شرح موطأ مالك بن أنس 2 / 812.
(2) في س: ((قولين)) وهو متَّجه باعتبار الواو عاطفة في قوله:
((وعند الحنفية ... )) . لكن الصحيح أنها استئنافية ابتدائية،
فالصحيح اختيار لفظة ((قولان)) لأن الكتابين السالفين الذكر لم
يحكيا مذهب الحنفية.
(3) الأحناف لهم تفصيل في المسألة على النحو التالي، منهم من
قال: إن خالف القياسُ الخبرَ قُدِّمَ القياس عليه. ومنهم من
قال: إن كان الراوي للخبر معروفاً بالفقه قُبِل خبره سواء وافق
القياس أو خالفه، وإن عُرِف بالرواية فقط - كأبي هريرة وأنسٍ
رضي الله عنهما - فإن وافق القياسَ قُبِل، وكذا إن وافق قياساً
وخالف آخر، لكن إن خالف جميع الأقيسة لم يُقبل ... إلى آخر
التفصيلات. لكن قال الكاكي: ((واعلم أن اشتراط فقه الراوي
لتقديم الخبر على القياس مذهبُ عيسى بن أبان، واختاره أبو زيد،
وخرَّج عليه حديث المُصرَّاة، وتابعه أكثر المتأخرين. فأمَّا
الكرخي ومن تابعه من أصحابنا فليس فقه الراوي بشرط التقديم، بل
يُقبل خَبَر كلِّ عَدْل ضابطٍ إذا لم يكن مخالفاً للكتاب
والسنة المشهورة، ويُقدَّم على القياس، قال أبو اليسر: ((وإليه
مال أكثر العلماء)) جامع الأسرار 3 / 673، وكذا: فتح الغفار 2
/ 82،
وانظر: أصول السرخسي 1 / 338، الغنية في الأصول للسجستاني ص
119، المغني في أصول الفقه للخبازي ص 207، كشف الأسرار للنسفي
2 / 21، كشف الأسرار للبخاري 2 / 698، التقرير والتحبير 2 /
398، فواتح الرحموت 2 / 227.
(4) في س، ق: ((لتحصيل)) .
(5) انظر: نفائس الأصول 7 / 2989.
(2/313)
بيان الأول: أن القياس لم يكن حجةً إلا
بالنصوص، فهو فرعها، ولأن المقيس عليه لابد وأن يكون منصوصاً
عليه، فصار القياس فرع النصوص من هذين الوجهين، وأما أن الفرع
لا يُقدَّم على أصله؛ فلأنه لو قُدِّم (1) على أصله لأبْطَل
أصله، ولو أبطل أصله لبطل (2) ، [فلا يَبْطُل أصله] (3) .
والجواب عن هذه النُّكْتة: أن النصوص التي هي أصل القياس غيرُ
النص الذي قُدِّم عليه القياس فلا تناقض، ولم يُقدَّم الفرع
على أصله بل على غير أصله.
تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه
ص: وهو إن كان (4) بإلغاء الفارق (5) فهو تنقيح المناط* عند
الغزالي، أو باستخراج الجامع من الأصل، ثم تحقيقه في الفرع،
فالأول: تخريج المناط، والثاني: تحقيقه (6) .
الشرح
المناط اسم مكان الإناطة، والإناطة التعليق والإلصاق (7) ، قال
حسَّان بن ثابت
_________
(1) في ق: ((تَقَدَّم)) .
(2) ساقطة من ن.
(3) ساقط من ن، س.
(4) هنا زيادة ((الحكم)) في ن، وهي زيادة لا معنى لها.
(5) القياس بإلغاء الفارق: هو بيان أنّ الفرع لم يفارق الأصل
إلا فيما لا يُؤَثِّر، فيلزم اشتراكهما في المؤثر. انظر: تشنيف
المسامع 3 / 321، مفتاح الوصول ص 717.
(6) محل الكلام عن هذه المسائل حسب الترتيب المألوف أن يكون في
مباحث مسالك العِلَّة، ولهذا نجد المصنف كرَّر مبحث " تنقيح
المناط " في الفصل التالي لهذا، في المسلك الثامن ص (348) .
ولكن ربما كانت مناسبة البحث فيها هنا الوقوف على أيّ ضَرْبٍ
من أضرب الاجتهاد في العلة يُسمَّى قياساً، ثم أيّ ضربٍ منها
وقع الاتفاق على الاحتجاج به؟ والله أعلم. انظر تعريفات هذه
المصطلحات في: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 80، أساس القياس
للغزالي ص 37، الإحكام للآمدي 3 / 302، شرح مختصر الروضة
للطوفي 3 / 233، الإبهاج 3 / 80، تيسير التحرير 3 / 42، نشر
البنود 2 / 164.
(7) جاء في مصباح المنير ص (324) قوله: ((ناطه من باب قال:
علَّقه. واسم موضع التعليق مَنَاط بفتح الميم)) . وفي المعجم
الوسيط ص (963) ((أناط الشيءَ به، وعليه: ناطه)) . فعلى هذا
يكون اسم المكان من الثلاثي ناط: مَنَاط، ومن الرباعي أناط:
مُنَاط، وبهذا يكون: المَنَاط اسم مكانٍ من النَّوْط لا من
الإناطة كما ذكره المصنف. انظر: حاشية العطار على شرح المحلي
لجمع الجوامع 2 / 337، وانظر: مادة ((نوط)) في: معجم المقاييس
في اللغة، لسان العرب.
(2/314)
فيمن هجاه (1) :
وأنْتَ زَنِيْمٌ نِيْطَ في آلِ هَاشِمٍ كما نِيْطَ خَلْفَ
الراكبِ القَدَحُ الفَرْدُ (2)
أي: عُلِّق، وقال حبيب (3) الطائي (4) :
بِلادٌ بها نِيْطَتْ عَليَّ تمائمي وأولُ أرضٍ مَسَّ جِلْدِي
تُرَابُها (5)
أي: عُلِّقتْ عليَّ الحُروز (6) فيها، والعلة رُبِط بها الحكم
وعُلِّق عليها، فسُمِّيتْ
_________
(1) هنا زيادة في نسخة " ق " - جاءت في أصل الكتاب - وهي:
((وهو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف
فليس له ببني هاشم تعلُّقٌ ألبتة، وإنما يجتمع مع النبي صلى
الله عليه وسلم في عبد مناف وهذا معلوم)) .
والصحيح أن المَهْجُوَّ هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
بن هاشم، ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من
الرضاعة، كان يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشرين
سنة، ثم أسلم عام الفتح، وصمد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم حنين. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 4 / 49، الإصابة في
تمييز الصحابة 7 / 151.
ومطلع القصيدة:
لقد عَلِم الأقوامُ أنَّ ابنَ هاشمٍ هو الغُصْنُ ذو
الأَفْنَانِ لا الواحدُ الوَغْدُ
انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 212.
(2) البيت بحره من: الطويل. وهو مسطَّر في ديوانه بشرح
البرقوقي ص (213) ، وورد في لسان العرب
(
7 / 420) ، ولفظه: وأنت دَعِيٌ نيط ... ، وفي الاستيعاب لابن
عبد البر (1 / 336) لفظه: وأنت هَجِيْنٌ نيط ... ، والزَّنيم:
هو المُسْتَلْحق بالقوم وليس منهم، لا يُحتاج إليه، تشبيهاً له
بزنمتيِّ شاة المَعْز اللتين في عُنُقها. انظر: عمدة الحفاظ 2
/ 149، مختار الصحاح مادة ((زنم)) . والمراد بقوله: كما نيط
خلف الراكب القدح الفرد، أي تأخيره في الذِّكْر، كما يعلّق
الراكب قدحه في آخر رَحْله عند فراغه من ترحاله. انظر: شرح
ديوان حسان بن ثابت ص 214.
(3) في س: ((خلف)) وهو تحريف.
(4) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، المعروف بأبي تمام،
الشاعر الشهير، ولد عام 188 هـ، استقدمه المعتصم إلى بغداد،
وقدَّمه على من حوله من الشعراء، توفي عام 231 هـ في الموصل.
له ديوان الحماسة (ط) ، فحول الشعراء. أُفْرِدتْ سيرته
بالتأليف من ذلك: أخبار أبي تمام للصولي، أبو تمام الطائي
حياته وشعره لنجيب الهبيتي. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8 /
248، خزانة الأدب 1 / 356.
(5) البيت بحره من: الطويل، والمصنف نسب هذا البيت لحبيب (أبي
تمام) ، وكذا في: نفائس الأصول 7 / 3087، وفي نهاية السول
للإسنوي 4 / 138. ولم أعثر عليه في ديوانه. لكنه في لسان
العرب، وتاج العروس كلاهما في مادتيْ: ((نوط)) ، و ((تمم))
منسوب إلى رِقَاع بن قيس الأسدي. والبيت جاء في مقدمة كتاب "
أخبار أبي تمام " للصولي ص (22) غير منسوبٍ لأحدٍ، وربما جاء
اللَّبْس من هذا.
(6) حروز: جمع حِرْز؛ لأن الاسم الذي جاء على وزن " فِعْل "
فإنه يجمع على " فُعُول " و " أفْعَال ".
انظر: شرح شافية ابن الحاجب (2 / 92) ، والحِرْز: الموضع
الحصين، يقال: هذا حِرْزٌ حَرِيْزٌ، ويُسمى التعويذُ حِرْزاً.
والحِرْز: العُوذة. انظر: مادة ((حرز)) في: القاموس المحيط،
مختار الصحاح.
(2/315)
مناطاً على وجه التشبيه (1) والاستعارة.
واختلف الناس في تنقيح المناط، فقال الغزالي: هو إلغاء*
الفارق، كما تقول لا فارق بين بيع (2) الصفة (3)
و (4) بيع الرؤية إلا الرؤية، وهي لا تصلح أن تكون فارقاً
في متعلَّقات (5) أغراض المبيع، فوجب استواؤهما في الجواز، ولا
فارق بين الذكور والإناث في مفهوم الرِّقِّ (6) وتشطير (7)
الحَدِّ، فوجب استواؤهما فيه، وقد ورد النص بذلك في أحدهما في
قوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ
مِنَ الْعَذَابِ (8) } (9) [ولا فارق بين الأَمَة والعبد في
التقويم (10) على مُعْتِق الشِّقْص (11) ، فوجب استواؤهما في
ذلك (12) ، فإن النص إنما ورد في العبد الذَّكَر خاصة] (13) في
قوله
_________
(1) انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 322.
(2) ساقطة من س.
(3) بيع الصفة نوعان، أحدهما: بيع عَيْنٍ معينة، مثل أن يقول:
بِعْتُك عبدي التُرْكِي، ويذكر سائر
صفاته ... ، والثاني: بيع موصوفٍ غير معين، مثل أن يقول:
بِعْتك عَبْداً تُرْكياً، ثم يستقْصي صفات السَّلَم، فهذا في
معنى السلم. المغني لابن قدامة 6 / 34. وانظر آراء العلماء في
حكمه في: الحاوي
5 / 14، بدائع الصنائع 6 / 607، المغني 6 / 31، مواهب الجليل 6
/ 118.
(4) هنا زيادة ((بين)) وهناك من يخطِّيء تكرير " بين " بين
اسمين ظاهرين، لكن قال أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم
((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم (134) .
انظر: درة الغواص للحريري ص 72، معجم الخطأ والصواب د. أميل
يعقوب ص 95.
(5) في ن: ((معلَّقات)) والمثبت أنسب لكثرة استعماله فيما
ذُكر.
(6) أي في سراية العتق.
(7) التّشْطير: التنصيف، وشَطْر كل شيء: نِصْفه. المصباح
المنير مادة ((شطر)) .
(8) سورة النساء، من الآية: 25.
(9) مسألة تشطير الحَدِّ انظرها في: المغني 12 / 331، مغني
المحتاج 5 / 450، مواهب الجليل 8 / 397، رد المحتار (حاشية ابن
عابدين) 6 / 17.
(10) في ن: ((التقديم)) وهو تحريف.
(11) الشِّقْص والشَّقِيْص: هو الطائفة من الشيء والقطعة من
الأرض، وهو النصيب من العين المشتركة في كل شيء. انظر: النهاية
لابن الأثير، لسان العرب كلاهما مادة ((شقص)) .
(12) انظر المسألة في: الحاوي 18 / 5، بداية المجتهد 5 / 458،
بدائع الصنائع 5 / 313، المغني 14 / 369، الذخيرة 11 / 149.
(13) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(2/316)
عليه الصلاة والسلام: ((من أعتق شِرْكاً له
في عبد)) (1) ونحو ذلك، فهذا القياس يُسمى (2) : تنقيح المناط
على اصطلاح (3) هؤلاء.
وقال الحَسْكَفِي (4) في " جَدَلِهِ " (5) وغيره (6) : تنقيح
المناط: هو تعيين علة من أوصاف مذكورة، وتخريج المناط: هو
استخراجها من أوصاف غير مذكورة (7) (8) . مثال الأول: [حديث
الأعرابي] (9) ((جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يَضْرِب صَدْره ويَنْتِفُ شَعْرَه فقال: هلكْتُ وأهلكْتُ؛
واقعتُ أهلي في شهر رمضان. فأوجب عليه الصلاة والسلام عليه
(10) الكفارة)) الحديث المشهور (11)
فذُكِر في الحديث كونه أعرابياً،
_________
(1) تتمة الحديث: ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم العبد
عليه قيمة عَدْلٍ فأَعْطى شركاءهم حصصهم، وعَتَق عليه العبد،
وإلاَّ فقد عَتَق منه ما عَتَق)) رواه البخاري (2522) ، ومسلم
(1501) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) ساقطة من ن.
(3) في ن: ((استواء)) وهي خطأ؛ لعدم إفادتها المعنى المطلوب.
(4) هكذا في س، ن، ق، ش، وفي و، ص: ((المسكفي)) ، وفي م، ز:
((الخِلفي)) . والصواب
أنه: ((الحَصْكَفِي)) هكذا ضبطه ابن عاشور في حاشية التوضيح 2
/ 158. ولعلَّه: أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين الخطيب
الحَصْكَفِي - نسبة إلى حِصْن كَيْفَا في ديار بكر - ولد عام
459 هـ وتأدب على الخطيب التبريزي، وتفقه على مذهب الشافعي،
كان أديباً شاعراً، وصار إليه أمر الفتوى. توفي عام 551 هـ.
انظر: وفيات الأعيان 6 / 205، شذرات الذهب 4 / 168.
(5) لم أقف عليه. لكن ممن عزاه إليه أيضاً المصنف في كتابه
نفائس الأصول 7 / 3088 وفيه " الحصكفي "، والطوفي في شرح مختصر
الروضة 3 / 243 وفيه " الحسكفي ".
(6) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 303، الإبهاج 3 / 89.
(7) في ن: ((المذكورة)) .
(8) قال الطوفي - عن هذا التعريف -: ((فيه نظر، إذ لا يلزم في
تخريج المناط تعداد الأوصاف، بل قد لا يكون في محل الحكم إلا
وصف واحد هو العلّة، فتُسْتَخرج بالاجتهاد. فالأولى أن يقال:
هو استخراج العلة غير المذكورة بالاجتهاد)) شرح مختصر الروضة 3
/ 244.
(9) ساقط من ق.
(10) ساقطة من ق، س.
(11) حديث الأعرابي جاء في صحيح البخاري في مواضع عِدَّة منها
(1936) ، وصحيح مسلم (1111) ، وكذلك ورد في السنن، لكن ليس في
ألفاظ تلك الروايات ((يضرب صدره، وينتف شعره)) وقد نبه إليها
الحافظ ابن حجر في شرحه فتح الباري (4 / 206) ..لكن جاء في
مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب مرسلاً ((يضرب صدره، وينتف
شعره)) . كما جاء في سنن البيهقي الكبرى (4 / 226) من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه ((وهو ينتف شعر رأسه ويَدُقُّ صدره)) .
(2/317)
وضرْبُ الصدرِ ونتْفُ الشَّعْر، وهي لا
تصلح للتعليل، وكونُه (1) مفسِداً للصوم مناسبٌ للكفارة،
فعيَّن علةً من أوصاف مذكورة.
ومثال الثاني: نهيه عليه السلام عن بيع البر بالبر إلا مثلاً
بمثل يداً بيدٍ (2) ، ولم يذكر العلة ولا أوصافاً هي مشتملة
عليها، فتعْيِيْنُ (3) الطعمِ (4) أو الكيل أو القوت أو
الماليَّة للعليَّة (5) إخراجُ علةٍ من أوصاف غير مذكورة، فهذا
هو تخريج المناط، لأنا أخرجنا العلة من غيب (6) ، والأول
تنقيحٌ؛ لأنه تصفية وإزالة لما لا يصلح عما (7) يصلح، وتنقيح
الشيء إصلاحه (8) ، فهذا اصطلاح مناسب، فيحْصُل لنا في تنقيح
المناط مذهبان (9) ، وفي تخريج المناط قولان (10) .
وأما تحقيق المناط: فهو تحقيق العلة المُتَّفق عليها في الفرع،
مثاله: أن يُتَّفق (11) على أن العلة في الربا هي (12) القوت
الغالب (13) ، ويُخْتَلف (14) في الربا في التِّيْن بناء على
_________
(1) أي: كون الجماع والوقاع.
(2) سلف تخريجه انظر هامش (1) ص (302) .
(3) في س: ((فيتعين)) وهي غير مستقيمة مع السياق.
(4) هنا زيادة ((للعلَّة)) في س، وفي ن ((القلة)) وهي محرَّفة.
(5) ساقطة من س، ن.
(6) في ن: ((عيب)) وهو تصحيف.
(7) في س: ((عملاً بما)) وهو متجهٌ أيضاً.
(8) التنقيح: مصدر " نقَّح "، يقال: نقحت الشيء بمعنى خلصته
وشذبته وهذبته. انظر: مادة ((نقح)) في القاموس المحيط، المصباح
المنير.
(9) الأول: أن تنقيح المناط هو إلغاء الفارق وهو للغزالي،
والثاني: هو تعيين علةٍ من أوصافٍ مذكورة وهو ما ذكره الحصكفي.
وانظر: نفائس الأصول 7 / 3087.
(10) الأول: هو ما ذكره المصنف في المتن وهو: استخراج الجامع
من الأصل. والثاني: هو ما ذكره في الشرح نقلاً عن الحصكفي وهو:
استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة. والقولان بمعنى واحد.
(11) في ن: ((تتفق)) ، وفي س: ((نتفق)) .
(12) ساقطة من س.
(13) في س: ((المخالف)) وهو تحريف.
(14) في س، ن: ((تختلف)) .
(2/318)
أنه يقتات غالباً في الأندلس أو لا، نظراً
إلى الحجاز وغيرها، فهذا تحقيق المناط (1) ، يُنْظر (2) هل هو
محقَّق أم لا بعد الاتفاق عليه؟. فقد ظهر الفرق بين تخريج
المناط وتنقيح المناط، وتحقيق المناط، وهي اصطلاحات لفظية.
_________
(1) وهناك نوع آخر من تحقيق المناط، وهو: أن يَثْبُت الحكمُ
بمدركه الشرعي ولكن يبقى النظر في تعيين محلِّه، مثل: استقبال
القبلة واجب ثابت بالنص والإجماع، أما تعيين جهتها فيحتاج إلى
اجتهادٍ من
المكلف. انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 82، المستصفى 2 /
238، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الموافقات للشاطبي 5 /
12.
(2) في ق: ((فانظر)) .
(2/319)
الفصل الثالث
في الدال على العلة (1)
ص: وهو ثمانية (2) :
النص، والإيماء، والمناسبة، والشَّبَه، والدوران، والسَّبْر،
والطَّرْد، وتنقيح المناط (3) .
المسلك الأول: النص
فالأول (4) : النص على العلة، وهو ظاهر.
المسلك الثاني: الإيماء
والثاني (5) : الإيماء (6) ، وهو خمسة: الفاء (7) نحو قوله
تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
_________
(1) العلة لغةً: المرض، واعتلَّ إذا تمسك بحجةٍ، وتُطلق على
سبب الشيء والداعي إليه. والعَلَل: تكرار
الشرب. انظر: مادة ((علل)) في لسان العرب، القاموس المحيط،
المصباح المنير.
وأما اصطلاحاً: فاختلفت عبارات الأصوليين تبعاً لمواقفهم من
تعليل أفعال الله تعالى. فمنهم من عرَّفها بقوله: هي الوصف
المُعرِّف للحكم، ومنهم من قال: هي الباعث على شرع الحكم،
وقيل: هي الوصف المؤثر في الحكم بجعل الشارع لا بذاته. وعرفها
الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بأنها: ((الوصف المشتمل على الحكمة
الباعثة على تشريع الحكم)) مذكرة أصول الفقه ص 474، وانظر:
المغني لعبد الجبار 17 / 285 - 330، ميزان الأصول للسمرقندي 2
/ 827، المحصول للرازي 5 / 127، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 6
/ 289، البحر المحيط للزركشي 7 / 143، الضياء اللامع لحلولو 2
/ 308، شرح الكوكب المنير 4 / 39، الحدود للباجي ص 72.
(2) أوصلها الإمام الرازي إلى عشرة مسالك، ونبه أخيراً على
طرقٍ أخرى لكنها فاسدة. انظر المحصول 5 / 137 - 234.
(3) أغفل المصنف مسلكاً مهماً وهو: الإجماع، مع أن الرازي ذكره
في المحصول (5 / 137) ولم يشرحه. انظر: الإحكام للآمدي 3 /
251، البحر المحيط للزركشي 7 / 234، تشنيف المسامع 3 / 257،
التوضيح لحلولو ص 338، شرح الكوكب المنير 4 / 114، فواتح
الرحموت 2 / 356، دراسات حول الإجماع والقياس لشيخنا د. شعبان
محمد إسماعيل ص 285.
(4) مثبتة من نسخة ز، وقد خلتْ جميع النسخ منها.
(5) مثبتة من ز، م، وعَرَتْ عنها جميع النسخ.
(6) الإيماء لغة: الإشارة، مصدر أومأ. انظر: لسان العرب مادة
((ومأ)) واصطلاحاً: هو اقتران الحكم بوصفٍ على وجهٍ لو لم يكن
هو أو نظيره صالحاً للعلية لكان الكلام معيباً عند العقلاء. من
العلماء من جعله قسماً من النص، ومنهم من جعله قسيماً له.
انظر: نهاية السول 4 / 64، بيان المختصر للأصفهاني 3 /92،
التوضيح لحلولو 338، شرح الكوكب المنير 4 / 125، مذكرة أصول
الفقه للشنقيطي 443.
(7) هذا الأول من أنواع الإيماء، ومراده: ترتيب الحكم على
الوصف بالفاء في أحدهما. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4 / 11،
المحصول للرازي 5 / 143، التلويح للتفتازاني 2 / 157، نشر
البنود 2 / 150.
(2/320)
فَاجْلِدُوا} (1) . وترتيب (2) الحكم على
الوصف (3) ، نحو: ترتيب الكفارة
على قوله: ((واقعتُ أهلي في شهر (4) رمضان)) (5) . قال الإمام:
سواء كان مناسباً أو لا (6) . وسؤاله عليه الصلاة والسلام عن
وصف المحكوم عليه (7)
نحو قوله صلى الله عليه وسلم ((أينْقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ))
(8) . أو تفريق الشارع بين شيئين في الحكم (9) ، نحو قوله صلى
الله عليه وسلم ((القاتل لا يرث)) (10) . أو ورود (11) النهي
عن فعلٍ
_________
(1) سورة النور، من الآية: 2.
(2) في س: ((ترتب)) . وهذا هو النوع الثاني من أنواع الإيماء.
(3) أي: أن يُثْبِتَ الشارع حُكْماً عقيب علمه بصفة المحكوم
عليه. انظر: بذل النظر ص 618، نهاية الوصول للهندي 8 / 3271،
شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 368، مفتاح الوصول ص 695.
(4) ساقطة من ق.
(5) سبق تخريجه.
(6) انظر: المحصول 5 / 145.
(7) هذا النوع الثالث عند المصنف من الأنواع الخمسة للإيماء.
أما في المحصول (5 / 149) فالنوع الثالث هو: ((أن يذكر الشارع
في الحكم وَصْفاً لو لم يكن مُوجِباً لذلك الحكم لم يكن لذكره
فائدة)) ، وجعل تحته أربعة أقسام. القسم الثالث منها هو ما
ذكره المصنف هنا على أنه نوع ثالث. انظر: منهج التحقيق
والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 156، وانظر: المستصفى 2 / 300،
التمهيد لأبي الخطاب
4 / 13، المحصول لابن العربي ص 537، الإبهاج 3 / 50.
(8) رواه الأربعة، أبو داود (3359) ، النسائي (4559) ، الترمذي
(1225) ، ابن ماجه (2264) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه بلفظ ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) . ولفظ المصنف عند الطحاوي
في شرح معاني الآثار 4 / 6، والحديث صحيح. انظر: إرواء الغليل
للألباني 5 / 199.
(9) هذا النوع الرابع من أنواع الإيماء. وقد ذكر المحصول (5 /
152) له ضَرْبين، الأول: أن لا يكون حكم أحدهما (أي أحد
الشيئين) مذكوراً في الخطاب، ومثَّل له بحديث ((القاتل لا
يرث)) وهذا ذكره المصنف. والثاني: أن يكون حكمهما مذكوراً في
الخطاب، وهو على خمسة أوجهٍ، وعدَّها. وانظر: المعتمد 2 / 253،
الإحكام للآمدي 3 / 259، التوضيح لحلولو 339، شرح الكوكب
المنير 4 / 135، فواتح الرحموت 2 / 358.
(10) رواه الترمذي (2109) ، وابن ماجه (2645، 2735) عن أبي
هريرة مرفوعاً. ورواه البيهقي في سننه الكبرى (6 / 220) وقال:
((فيه إسحاق، وله شواهد تقويه)) . وأخرجه مالك في الموطأ
(2 / 867) بلفظ ((ليس لقاتلٍ شيء)) . وصححه الألباني لطرقه،
انظر: إرواء الغليل 6 / 117.
(11) في ق، ن: ((ورد)) .
(2/321)
يَمْنَع ما تقدَّم وجوبُه (1) .
الشرح
النص على العلة: نحو قوله (2) : العلة كذا (3) أو فعلْتُه (4)
لأجل كذا، فهذا نصٌّ في التعليل.
والفاء تدخل على المعلول (5) نحو ما تقدَّم (6) ، فإن الجَلْد
معلول الزنا، وتدخل (7) على العلة نحو قوله عليه الصلاة
والسلام ((لا تمِسُّوه بطيبٍ فإنه يُبعث يوم القيامة
مُحْرِماً)) (8) فالإحرام هو (9) علة المنع من الطيب. ومعنى
قول الإمام فخر الدين:
((سواء كان مناسباً أو لا)) : يشير إلى أن المناسبة مستقِلَّة
بالدلالة على العليَّة (10) ، وكذلك الترتيب (11) ، فإن القائل
لو قال: أكْرِمِ الجُهَّال وأهِنِ العلماء، أنكر السامعون هذا
القول وعابوه، ومدرك الاستقباح أنهم فهموا أنه جعل الجهل علة
الإكرام والعلم علة الإهانة، وليس لهم مستند في اعتقاد التعليل
إلا ترتيب الحكم على الوصف لا
_________
(1) عبر ابن قدامة عن هذا النوع الخامس من أنواع الإيماء
بقوله: ((أن يذكر في سياق الكلام شيئاً لو لم يُعلل به صار
الكلام غير منتظم)) روضة الناظر 3 / 845، وانظر: المعتمد 2 /
254، بذل النظر ص 619، المحصول للرازي 5 / 154، الإحكام للآمدي
3 / 260، التوضيح لحلولو ص 339.
(2) ساقطة من ق.
(3) هذا على سبيل التقدير والفَرْض، ومثله أيضاً: الموجب كذا،
والسبب كذا، والأصوليون لم يجدوا لها أمثلة في الكتاب والسنة.
والله أعلم. انظر: نشر البنود 2 / 194.
(4) ساقطة من ق.
(5) في س: ((المعلق)) وهو تحريف.
(6) كما في المتن في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا} [النور: 2] .
(7) ساقطة من ق وفي س: ((ويدخل)) وهي صحيحة، لأن التذكير على
معنى الحرف، والتأنيث على معنى الكلمة، والتأنيث أرجح. انظر:
المذكر والمؤنث للأنباري ص 449.
(8) قطعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل المحرم
الذي وقصته دابته، أخرجه البخاري
(1267) ، ومسلم (1206) ، وسياق المصنف هنا هو لفظ النسائي في
سننه الصغرى (1903) .
(9) ساقطة من ق.
(10) في س: ((العلة)) .
(11) في ن: ((الرتيب)) وهو تحريف.
(2/322)
المناسبة، فإن المناسبة مفقودة ها هنا، فدل
ذلك على أن الترتيب (1) يدل على العلية (2) وإن فُقِدتْ
المناسبة (3) .
وما سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (4) نقصان الرُّطَب
إذا جَفَّ لأنه لا يعلم ذلك بل ليعرف (5) به (6) السامعون،
فيكون ذلك (7) تنبيهاً على علة المنع، فيكون السامع مستحضراً
لعلة الحكم حالة وروده عليه، فيكون ذلك أقرب لقبوله الحكم،
بخلاف إذا غابت العلة عن السامع ربما (8) صَعُب عليه تَلقِّي
الحكم واحتاج لنفسه من المجاهدة ما لا يحتاجها إذا علم العلة
وحضرتْ له.
ومعنى التفريق بين الشيئين: أن الآية وردت [بتوريث الأبناء]
(9) مطلقاً بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (10)
فلما قال عليه السلام ((القاتل لا يرث)) (11) علم أن ذلك [لأجل
علة] (12) القتل، مع أن هذا أيضاً فيه (13) ترتيب الحكم على
الوصف.
ومثال النهي عن الفعل الذي يمنع ما تقدَّم وجوبُه: قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
_________
(1) هنا زيادة ((حكم)) في ن، ولا حاجة لها.
(2) في س: ((العلة)) .
(3) اختلف في اشتراط المناسبة في الوصف المومأ إليه على مذاهب.
انظرها في: شفاء الغليل للغزالي ص 47، منتهى السول والأمل ص
180، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 364، جمع الجوامع بحاشية
البناني 2 / 271، البحر المحيط للزركشي 7 / 258، التوضيح
لحلولو ص 339، فواتح الرحموت 2 / 359.
(4) في ق: ((على)) .
(5) في ق: ((ليعترف)) وهي غير مناسبة.
(6) ساقطة من س.
(7) ساقطة من س.
(8) في س، ن: ((وربما)) بزيادة الواو، ولا داعي لها.
(9) في س: ((بثبوت الأولاد)) أي في الإرث.
(10) سورة النساء، من الآية: 11.
(11) سبق تخريجه.
(12) في ق: ((لعلة)) .
(13) ساقطة من س.
(2/323)
آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن
يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1) فهذا
وجوبٌ للجمعة، فقوله تعالى بعد ذلك {وَذَرُوا الْبَيْعَ} (2)
نهي عن البيع؛ لأنه يمنع من فعل الجمعة بالتشاغل بالبيع، فيكون
هذا إيماءً؛ لأن العلة في تحريم البيع هي التشاغل عن فعل
الجمعة.
المسلك الثالث: المناسب
ص: والثالث (3) : المناسب (4)
ما تضمَّن (5) تحصيلَ مصلحةٍ (6) أو دَرْءَ مفسدةٍ،
فالأول كالغِنَى علة (7) لوجوب الزكاة، والثاني كالإسكار علة
لتحريم
الخمر، والمناسب ينقسم (8) إلى [ما هو في محل الضرورات (9) ،
_________
(1) سورة الجمعة، من الآية: 9.
(2) سورة الجمعة، من الآية: 9.
(3) ساقطة من جميع النسخ ما عدا ز، م.
(4) قال الزركشي: ((وهي من الطرق المعقولة، ويُعبَّر عن
المناسة " بالإخالة "، و " بالمصلحة "،
و" بالاستدلال "، و " برعاية المقاصد ". ويسمى استخراجها: "
بتخريج المناط "؛ لأنه إبداء مناط الحكم، وهي عمدة كتاب القياس
وغمرته ومحل غموضه ووضوحه ... )) . البحر المحيط 7 / 262.
والمناسب لغة: الملائم والمقَارب. انظر: لسان العرب، المعجم
الوسيط كلاهما مادة ((نسب)) . واصطلاحاً: هو وصفٌ ظاهرٌ منضبطٌ
يحصل عقلاً من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من
حصول مصلحة أو دفع مفسدة. انظر: شفاء الغليل للغزالي ص 142،
نهاية الوصول للهندي 8 / 3287، شرح مختصر الروضة 3 / 382، كشف
الأسرار للبخاري 3 / 623، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 /
239، التوضيح لحلولو ص 340، نثر الورود 2 / 493.
(5) في ن: ((يتضمن)) ، وفي س: ((ما تقدم وجوبه)) وهي خطأ بلا
شك وقع فيها الناسخ بسبب أن آخر كلمتين في المتن السابق هما:
((ما تقدم وجوبه)) فوقع الغلط من هذا.
(6) في س: ((منفعة)) .
(7) في س: ((لعلة)) وهو تحريف.
(8) للمناسب تقسيمات ثلاثة باعتبارات مختلفة. ذكر المصنف هنا
نوعاً واحداً من أحد هذه التقسيمات
الثلاثة. انظرها في: شفاء الغليل ص 144 - 177، المحصول للرازي
5 / 159 - 167، الإحكام للآمدي 3 / 271، شرح العضد لمختصر ابن
الحاجب 2 / 240، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/ 281، التقرير
والتحبير 3 / 191، التوضيح لحلولو ص 340، نبراس العقول ص 276.
(9) الضرورات: هي المصالح التي تتضمن حفظ مقصودٍ من المقاصد
الخمسة: الدين، النفس، العقل،
النسب، المال. انظر: المستصفى 1 / 417، المحصول للرازي 5 /
159، الإبهاج 3 / 55.
وعرفها الشاطبي بأنها: ((مالابد منها في قيام مصالح الدين
والدنيا بحيث إذا فُقِدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامةٍ،
بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوت حياةٍ، وفي الأخرى: فوت النجاة
والنعيم، والرجوع بالخسران المبين)) . الموافقات 2 / 17.
وانظر: رفع النقاب القسم 2 / 815.
(2/324)
وإلى] (1) ما هو في محل الحاجات (2) ، وإلى
ما هو في محل التَّتِمَّات (3) ، فيُقدَّم الأول على الثاني،
والثاني على الثالث عند التعارض، فالأول: نحو الكليَّات الخمس:
وهي حفظ النفوس والأديان والأنساب والعقول والأموال، وقيل:
والأعراض، والثاني: مثل تزويج الوليِّ الصغيرةَ، فإن النكاح
غير ضروري، لكن الحاجة تدعو إليه* في تحصيل الكفء لئلا يفوت،
والثالث: ما كان حَثّاً على مكارم الأخلاق، كتحريم تناول
القاذورات وسَلْب أهلية الشهادات عن الأرقاء* (4) ونحو
الكتابات (5) (6)
ونفقات القرابات.
وتقع أوصافٌ متردِّدة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد
الواحدة، فإن شرعيته ضرورية صوناً للأطراف (7) (8) وأمكن أن
يقال ليس منه؛ لأنه يحتاج
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(2) الحاجيات: هي ما كان مُفْتَقَراً إليها من حيث التوسعة
ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب،
فإذا لم تراع دخل على المكلفين - في الجملة - الحرج والمشقة،
ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة.
انظر: الموافقات 2 / 21. وقال الشوشاوي: ((الحاجي: هو الذي
يُحْتاج إليه في بعض الأحوال)) رفع النقاب القسم 2 / 815.
(3) التتمات أو التحسينات أو المكمِّلات، قال الغزالي هي:
((مالا يرجع إلى ضرورةٍ ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين
والتزيين والتوسعة والتيسير للمزايا والمراتب ورعاية أحسن
المناهج في العبادات والمعاملات والحمل على مكارم الأخلاق
ومحاسن العادات)) شفاء الغليل ص 169، وانظر: الموافقات
2 / 22.
(4) قال الشوشاوي: ((ترتب منع الشهادة على هذا الوصف - الذي هو
الخِسة - لمصلحةٍ هي: مكارم الأخلاق، لأن الشهادة منصب فلا
يناسبه العبد لخِسته، وليس سلبُ ذلك بضروري ولا حاجي ... ))
رفع النقاب القسم 2 / 827.
(5) في س: ((الكتاب)) .
(6) الكتابة لغةً: الضمُّ والجمع؛ لأن فيها ضَمَّ نَجْمٍ إلى
نجمٍ، والنَّجْم يطلق على الوقت الذي يحل فيه
مال الكتابة. انظر: المصباح المنير مادة ((كتب)) ، وانظر: مغني
المحتاج 6 / 483. واصطلاحاً: قال ابن عرفة: ((هي عِتْقٌ على
مالٍ مؤجَّلٍ من العبد موقوفٍ على أدائه)) شرح حدود ابن عرفة
للرصَّاع
2/676.
(7) في س، متن هـ: ((للأعضاء)) .
(8) إذ لو قلنا بعدم قطع الأيدي باليد الواحدة لأدَّى ذلك إلى
عدم صيانة الأعضاء، ولكان كل من أراد قطع عضو إنسان استعان
بغيره، فينتفي القِصاص ويختلُّ الضروري.
(2/325)
الجاني فيه إلى الاستعانة بالغير وقد
يتعذَّر (1) .
ومثال اجتماعها كلها في وصف واحد: أن نفقة النفس ضرورية،
والزوجات حاجية، والأقارب* تتمة، واشتراط العدالة في الشهادة
(2) ضروري [صوناً
للنفوس] (3) والأموالِ، وفي الإمامة - على الخلاف (4) - حاجية؛
لأنها شفاعة، والحاجة (5) داعية لإصلاح حال الشفيع (6) ، وفي
النكاح تتمة لأن الولي قريب يزعه (7) طَبْعه عن الوقوع في
العار والسعي في الإضرار، وقيل: حاجية (8) على الخلاف، ولا
تشترط (9) في الإقرار (10) ؛ لقوة الوازع الطبعي ودفع المشقة
عن النفوس مصلحة ولو أفضتْ إلى مخالفة (11) القواعد. وهي
ضرورية مؤثرة في الترخيص (12) كالبلد الذي
_________
(1) انظر: البرهان 2 / 604 - 605، الإبهاج 3 / 59.
(2) هذا مثال آخر على اجتماع المراتب الثلاثة، وهو العدالة،
فهي ضرورية في الشهادة، وحاجية في الإمامة، وتحسينية في ولي
النكاح.
(3) في ن: ((في النفوس)) وهو مستقيم أيضاً.
(4) المراد بالإمامة هنا: الإمامة الصغرى، إمامة الصلاة.
واشتراط العدالة فيها هو مذهب مالك، وأصح الروايتين عن أحمد،
خلافاً للشافعية والحنفية. انظر: الذخيرة 2 / 238، مجموع فتاوى
شيخ الإسلام ابن تيمية 23 / 353، 358، معونة أولي النُهى 2 /
150، بدائع الصنائع 1 / 666، المجموع شرح المهذب 4 / 150.
(5) في ق: ((والشفاعة)) وهي لا تفي بالمطلوب.
(6) انظر: الفروق 4 / 35، ترتيب الفروق للبقوري 2 / 309.
(7) يَزَعُه: يمنعه ويكفُّه. والوَزْع: كف النفس عن هواها.
انظر: مادة " وزع " في: لسان العرب.
(8) في س، متن هـ: ((حاجة)) .
(9) في ن، متن هـ: ((يشترط)) وهو خطأ؛ لأن الفاعل ضمير عائد
إلى " العدالة " راجع هامش (6)
ص (109) .
(10) الإقرار لغة: الاعتراف والإذعان للحق. انظر: مادة ((قرر))
في القاموس المحيط، مختار الصحاح. واصطلاحاً: عرَّفه ابن عرفة
بأنه: خبرٌ يوجب حُكْمَ صِدْقِه على قائله فقط بلفظه أو لفظ
نائبه. شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 443.
(11) في ق: ((خلاف)) .
(12) هكذا بينما في س: ((الرخص)) ، وفي ق: ((الترخُّص)) وهما
صالحتان.
(2/326)
يتعذَّر فيه العدول (1) ،
قال ابن أبي زيد (2) في " النوادر " (3) :
تقبل شهادة أمْثَلِهم* حالاً؛ لأنها ضرورة، وكذلك يلزم في
القضاة وولاة الأمور (4) ، وحاجية (5) على الخلاف في الأوصياء
في عدم اشتراط العدالة، وتماميَّة في السَّلَم (6) والمُسَاقاة
(7) وبيع الغائب، فإن في مَنْعِها مشقةً على الناس وهي من
تتمات معايشهم.
_________
(1) عقد ابن فرحون باباً واسعاً: في القضاء بشهادة غير العدول
للضرورة، فانظره في كتابه: تبصرة الحكام
2 / 21.
(2) هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني،
عالم أهل المغرب، وإمام المالكية في وقته. لُقِّب بمالكٍ
الصغير. توفي عام 386 هـ من تآليفه: الرسالة (ط) وقد كُتبت
بأسلوب سهل واضح وذاعت وشاعت وتكاثر عليها الشُّراح. وله كتاب:
الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ (ط) . انظر: ترتيب
المدارك 2 / 492، الديباج المذهب ص 222، سير أعلام النبلاء 17
/ 10.
(3) في س: ((النادر)) وهو تحريف.
واسم كتاب النوادر هو: " النوادر والزيادات على ما في المدونة
من غيرها من الأمهات " ويقع في أزيد
من مائة جزء، ويعتبر بمثابة تلخيصٍ للكتب الفقهية المهمة
للمذهب المالكي حتى ذلك الوقت.
والكتاب موسوعة يفوق المدونة حجماً ومسائل، وفيه مقارنة فقهية
داخل المذهب، وفيه أقوال مالك في العقيدة وفيه أخبارٌ وسِيَرٌ.
وله مخطوطات ذكر مواطنها صاحب كتاب: دراسات في مصادر الفقه
المالكي ص 72 - 99. وانظر: اصطلاح المذهب عند المالكية (دور
التطور) د. محمد إبراهيم أحمد علي. مجلة البحوث الفقهية
المعاصرة العدد (22) عام 1415 هـ.
(4) لم أقف على كتاب النوادر لابن أبي زيد - لكن هذا النقل
موجود في: الذخيرة 5 / 244، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 /
835. وجاء في كتاب " نهاية المحتاج " للرملي (7 / 409) : ((إذا
تعذر العدل واضطرت الأمة إلى ولاية الفاسق، قُدِّم أقلُّهم
فسقاً إذ لا سبيل إلى جعل الناس فوضى)) . وانظر: الأحكام
السلطانية لأبي يعلى ص 20، الغياثي للجويني ص 88، 98، 327،
إكليل الكرامة في بيان مقاصد الإمامة لصديق حسن خان ص 115.
(5) في ق، متن هـ: ((حاجة)) .
(6) السَّلم لغة: هو السَّلَف وزناً ومعنىً، تقول: أسْلمتُ
إليه، بمعنى أسلفْتُ إليه. انظر: المصباح المنير مادة ((سلم))
. واصطلاحاً: عرفه ابن عرفة بقوله: ((عَقْد معاوضةٍ يوجب
عِمارة ذمّةٍ بغير عين ولا منفعة غيرَ متماثل العِوَضين)) شرح
حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 395. وعُرِّف أيضاً بأنه: عقْدٌ على
موصوفٍ في الذِّمة مؤجلٍ بثمنٍ مقبوضٍ في مجلس العقد. الدر
النقي لابن المبرد الحنبلي ص 480.
(7) المساقاة لغة: مفاعلة من السقي يقال: ساقى فلان فلاناً
نخله إذا دفعه إليه ليسقيه. انظر: لسان العرب مادة ((سقى)) .
واصطلاحاً: قال ابن عرفة: ((عقدٌ على عمل مُؤْنةِ النبات
بقَدْرٍ - لا من غَلَّته - لا بلفظ بيعٍ أو إجارةٍ أو جُعْلٍ))
شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 508. وعُرِّف أيضاً بأنه: دَفْع
الرجلِ شَجَرَه لمن يقوم بسقيه بجزءٍ معلوم من ثمره. انظر:
الدر النقي لابن المبرد ص 531.
(2/327)
الشرح
الكليات الخمس: حكى الغزالي
(1) وغيره (2) إجماع الملل على اعتبارها، فإن الله تعالى ما
أباح النفوس ولا شيئاً من الخمسة المتقدمة في ملة من الملل،
وإنَّ المسكرات حرام في جميع الملل، وإنْ وقع الخلافُ في
اليسير الذي لا يُسْكر، ففي الإسلام هو حرام (3) ، وفي الشرائع
المتقدمة حلال، أما القدر المسكر فحرام إجماعاً من الملل (4) ،
واختلف العلماء في عدِّها (5) ، فبعضهم (6) يقول الأديان
عِوَضَ الأعراضِ، وبعضهم يذكر الأعراض ولا يذكر الأديان (7)
وفي التحقيق الكل متّفق على تحريمه فما أباح الله
_________
(1) انظر: المستصفى 1 / 417.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 274، الموافقات 1 / 20، 2 / 20،
شرح الكوكب المنير 4 / 159، تيسير التحرير 3 / 306، نشر البنود
2 / 173.
(3) نقل الشوشاوي عبارة المصنف هذه بألفاظ أخرى فقال: ((قال
المؤلف: لم يُبِحِ اللهُ تعالى شيئاً من هذه الكليات في ملةٍ
من الملل بالإجماع إلا في القدر الذي لا يسكر من المسكرات،
ففيه خلاف في ملَّتنا، وهو مباح في الملل المتقدمة قبل
الإسلام، وأما المقدار الذي يسكر فهو حرام بإجماع الملل)) .
وهذا التعبير أدق لأن القدر اليسير من غير عصير العنب فيه خلاف
الحنفية المشهور مع الجمهور. انظر: المبسوط 24/ 4، بدائع
الصنائع 6 / 475، شرح فتح القدير 10 / 115، الحاوي 13 / 387،
المغني 12 / 495، بداية المجتهد 4 / 174، الذخيرة 12 / 47.
(4) من العلماء من نازع في ادعاء تحريم المسكرات في الملل
السابقة. قال النووي: ((أما أصل الشرب والسكر فكان مباحاً،
لأنه قبل تحريم الخمر، وأما ما قد يقوله بعض من لا تحصيل له:
إن السكر لم يزل محرماً فباطل لا أصل له، ولا يعرف له أصلاً))
. شرح صحيح مسلم 13 / 123. وكذا في البحر المحيط للزركشي 7 /
267. وقال الشوكاني: ((وقد تأملت التوراة والإنجيل، فلم أجد
فيها إلا إباحة الخمر مطلقاً من غير تقييد بعدم السكر ... فلا
يتم دعوى اتفاق الملل على التحريم ... )) . وانظر: نبراس
العقول ص 379. وهناك مناقشة لهذه الأقاويل في: رفع النقاب
القسم 2 / 817، وحاشية الشيخ
عبد الله دراز على الموافقات 2 / 20، نشر البنود 2 / 174.
(5) في ق: ((عددها)) .
(6) في ن: ((فمنهم)) .
(7) وبعضهم يجعلها ستةً " بالأعراض "، ومنهم من يُدْرج الأعراض
في النسل. انظر: الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع للكوراني
(رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية تحقيق / سعيد المجيدي) ص
619، البحر المحيط للزركشي 7 / 267، التوضيح لحلولو ص 241، شرح
الكوكب المنير 4 / 162، الآيات البينات للعبادي 4 / 133، نشر
البنود 2 / 172، بدائع السلك لابن الأزرق 1 / 195.
قال الشاطبي: (( ... وإن ألحق بالضروريات حفظ العرض؛ فله في
الكتاب أصلٌ شرحَتْه السنة في اللعان والقذف)) الموافقات 4 /
349، وقال ابن عاشور: ((وأما عدُّ حفظ العرض في الضروري فليس
بصحيح، والصواب أنه من قبيل الحاجي ... ونحن لا نلتزم الملازمة
بين الضروري وبين ما في تفويته حد ... )) مقاصد الشريعة ص 81.
(2/328)
تعالى العرض (1) بالقذف (2) والسباب قط (3)
، وكذلك (4) لم يبح الأموالَ بالسرقة والغصب (5) ، ولا الأنساب
[بإباحة الزنا] (6) ، ولا العقولَ بإباحة المسكرات، ولا
النفوسَ والأعضاءَ بإباحة القطع والقتل، ولا الأديان بإباحة
الكفر وانتهاك حرم (7) المحرمات.
وجَعْلُهم الكتاباتِ (8) تتمة؛ لأنها عون على حصول العتق
وإزالة الرق عن البشرية المكرمة من بني آدم، فهو من مكارم
الأخلاق وتتمات المصالح، وكذلك نفقات الأقارب من تتمات مكارم
الأخلاق.
وقولي: ((إن (9) العدالة شرط في الولي على الخلاف)) إشارة إلى
ما وقع في الفقه في الولي إذا كان فاسقاً: هل تسقط ولايته
بفسقه أم لا؟. قولان في مذهب مالك (10) ، والمشهور عدم سلبها
اكتفاء بالوازع الطبعي عن (11) العدالة، وعدم اشتراط العدالة
في الإقرار، فيُقْبل إقرار البَرِّ والفاجر؛ لأنه إلزامٌ لنفسه
[ومُضِرٌّ بها] (12) ، ولا يقع
الإقرار إلا كذلك، وإلا كان دعوى أو شهادة، والوازع الطبعي
(13) يمنع من
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) في ن: ((للقذف)) .
(3) ساقطة من ن.
(4) كذلك)) ساقطة من ق.
(5) في ن: ((ولا الغصب)) .
(6) في ق: ((بالزنا)) .
(7) في ق: ((حرمة)) .
(8) في ق: ((الكتابة)) .
(9) ساقطة من ق.
(10) مشهور مذهب المالكية عدم اشتراط العدالة في ولي النكاح،
وعليه الجمهور، خلافاً للشافعية، وأحمد في رواية. انظر:
المنتقى للباجي 3 / 272، الذخيرة 4 / 245، الشرح الصغير 2 /
371، الحاوي
9 / 61، المغني 9 / 368، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 4 /
153.
(11) في س: ((من)) .
(12) ساقط من س.
(13) ساقط من س.
(2/329)
الإضرار (1) بغير موجب، فما أقرَّ إلا
والمُقَرُّ به حقٌّ، فيقبل منه، وإن كان فاجراً أو كافراً من
غير خلاف بين الأمة (2) .
وقولي في الأوصياء: ((حاجة)) (3) معناه: أن الناس قد (4)
يحتاجون إلى أن يوصوا (5) لغير العَدْل وفيه خلاف (6) ،
مذهب مالك يشترط فيه أن يكون مستور الحال (7) ، وعلى القول
بعدم اشتراط العدالة مع أنها ولاية، والولاية لابد فيها من
العدالة، فقد
خالفنا (8) القواعد في عدم اشتراط العدالة في الأوصياء، دفعاً
للمشقة الناشئة من الحيلولة بين الإنسان وبين من يريد أن يعتمد
عليه، وكذلك خولفت القواعد في السَّلَم والمُسَاقاة
_________
(1) في ن: ((الإقرار)) وهو تحريف.
(2) حُكي الإجماع في الإفصاح لابن هبيرة ص 14، 15، مراتب
الإجماع لابن حزم 86، 95، المغني
7 / 262.
(3) في س: ((خاصة)) وهو تحريف.
(4) ساقطة من ن.
(5) في ن: ((يوصون)) بإثبات النون على لغة من أهمل " أن "، قال
ابن مالك:
وبعضُهم أهمَلَ " أنْ " حَمْلاً على " ما " أُخْتِها حيث
استَحَقَّتْ عَمَلا
انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان 3 / 420، شرح المفصل لابن
يعيش 7 / 8، 15،
8 / 143.
(6) اشتراط العدالة في الوصي هو مذهب الجمهور، وعند أبي حنيفة
ورواية عن أحمد تصح ولاية الوصي
الفاسق. انظر: المغني 8 / 554، المجموع شرح المهذب 16 / 494،
497، 499، البناية في شرح الهداية للعيني 12 / 631، كشاف
القناع 4 / 478، الذخيرة 7 / 159.
(7) مستور الحال: هو من كان عدلاً في الظاهر، ولا تُعرف عدالة
باطنه. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 112، وسماه ابن حجر
بمجهول الحال. انظر: شرح شرح نخبة الفكر ص 518. والمصنف أراد
بهذه العبارة أن يبين بأن اشتراط العدالة في الوصي إنما يراد
بها أن يكون مستور الحال. قال ابن
عرفة: ((المراد هنا بالعدالة: الستر لا العدالة المشترطة في
الشهادة، يدل عليه لفظ المدونة)) . انظر: حاشية البناني على
شرح الزرقاني لمختصر خليل 8 / 200.
(8) في ق: ((خالف)) .
(2/330)
وبيع الغائب والجُعَالة (1) والمُغَارسة
(2) والصيد وغير ذلك مما فيه جهالةٌ في الأجرة
وغَرَرٌ (3) ،
وأما الصيد فلبقاء الفَضَلات وعدم تسهيل الموت على الحيوانات
(4) ،
فقد خولفت القواعد لتتمَّة المعايشِ (5) ، فإن من الناس من
يحتاج في معايشه (6) إلى
أحد هذه الأمور، فجُعلتْ شرعاً عاماً لعدم الانضباط في مقادير
الحاجات. وهذه الرُّتَب يظهر أثرها (7) عند تعارض الأقيسة،
فيُقدَّم الضروري على الحاجي، والحاجي (8) على التتمة.
تقسيم المناسب
ص: وهو أيضاً ينقسم إلى: ما اعتبره الشرع، وإلى ما ألغاه، وإلى
ما جُهِل حاله (9) .
_________
(1) الجعالة لغة: بتثليث الجيم، وهي ما جُعل للإنسان من شيءٍ
على فعلٍ ما. انظر مادة ((جعل)) في: لسان العرب، مختار الصحاح.
واصطلاحاً: عرَّفها ابن عرفة بقوله: ((عقد معاوضةٍ على عمل
آدميٍّ بعوضٍ غير ناشيء عن مَحَلِّه به، لا يجب إلا بتمامه)) .
شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2 / 529.
(2) في ن: ((الغراسة)) . والمغارسة لغةً: مفاعلة من الغرس،
وغرس الشجر يغرسه: أثبته في الأرض.
انظر: القاموس المحيط مادة ((غرس)) .
واصطلاحاً: بيع منفعةِ عاقلٍ في عِمَارةِ أرضٍ بشجرٍ بقدر
إجارةٍ أو جعالةٍ أو بجُزْءٍ من أصل. شرح حدود ابن عرفة للرصاع
2 / 515.
(3) قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((هكذا قالوا، والظاهر
أنه لا ينبغي أن يقال في شيء نزل به
القرآن وجاءت به السنة الصحيحة أنه مخالف للأصول، إذ لا أصل
أكبر من الكتاب والسنة)) . نثر الورود 2 / 500.
(4) في ن: ((الحيوان)) .
(5) في ن: ((المعاش)) .
(6) في ن: ((معاشه)) .
(7) في ن: ((تعارضها)) .
(8) ساقطة من س.
(9) هذا شروع في تقسيم المناسب بحسب اعتبار الشارع له، وقد
اختلف الأصوليون في هذا التقسيم كثيراً، فغالبهم قسمَّه إلى
أربعةٍ، الأول: مناسب مؤثر وهو: اعتبار عين (نوع) الوصف في عين
(نوع) الحكم. والثاني: مناسب ملائم وهو ثلاثة أنواع: اعتبار
نوعه في جنسه، وعكسه، واعتبار جنسه في جنسه. والثالث: مناسب
غريب، وهو: ما علم من الشارع إلغاؤه. والرابع: مناسب مُرْسل
وهو: مالم يعلم من الشارع إلغاؤه أو اعتباره. فالمصنف ارتضى
هذا التقسيم في نفائس الأصول (7 / 3273، 3277، 3322) ، إذْ
جَعَل المناسب المؤثر قسيماً للملائم. وهنا دمج بينهما - تبعاً
للرازي - فجعلهما قسماً واحداً تحته أربعة أقسام. انظر:
المستصفى 2 / 386، شفاء الغليل ص 144، المحصول 5 / 163،
الإحكام للآمدي 3 / 282، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 243،
البحر المحيط للزركشي 7 / 272، مفتاح الوصول ص 701، فتح الغفار
3 / 21، شرح الكوكب المنير 4/173، فواتح الرحموت 2 / 323، نشر
البنود 2 / 177، إجابة السائل للصنعاني ص 201. وقد سعى الشيخ
عيسى بن منون إلى التوفيق بين هذه التقاسيم، انظر: نبراس
العقول ص 298 وما بعدها.
(2/331)
فالأول ينقسم إلى: [ما اعتُبِر] (1) نوعه
في نوع الحكم كاعتبار نوع الإسكار في نوع التحريم، وإلى ما
اعتُبِر جنسه [في جنسه] (2) كالتعليل بمطلق المصلحة كإقامة
الشُّرْب مُقَام القَذْف؛ لأنه مظنته، وإلى ما اعتُبِر نوعه في
جنسه كاعتبار الأخوة [في
التقديم] (3) في الميراث (4) ، فيقدمون (5) في النكاح، وإلى ما
اعتُبِر جنسه في نوع الحكم كإسقاط الصلاة عن الحائض بالمشقة،
فإن المشقة جنس وهو (6) نوع من الرخص. فتأثير النوع في النوع
مقدَّم على تأثير النوع في الجنس. وتأثير النوع في الجنس
مقدَّم على تأثير الجنس في النوع (7) ، وهو مقدَّم على تأثير
الجنس في الجنس.
والمُلْغَى (8) نحو: المنع من زراعة العنب خشية الخمر.
والذي جُهِل أمره (9) هو المصلحة المرسلة (10) التي نحن نقول
بها، وعند التحقيق هي عامة في المذاهب.
_________
(1) في متن هـ: ((اعتبار نوعه في نوع الحكم)) .
(2) ساقط من س.
(3) ساقط من س.
(4) في متن هـ: ((الميزان)) وهو تحريف ظاهر.
(5) في متن " هـ ": ((فيُقدم)) وهو سائغ باعتبار أن فاعله ضمير
عائد إلى " اعتبار ". وفي س، ن: ((فيقدموا)) بحذف النون بغير
جازم أو ناصب. وقد سبق الكلام عن توجيه ذلك.
(6) في س: ((وهي)) وهو خطأ؛ لأن مرجع الضمير يجب أن يكون
((إسقاط)) وهو مذكر.
(7) سيأتي في شرحه ص (235) أن هذا وقع منه سهواً، وإلا فهما
متساويان عنده. وانظر هامش (5)
ص (432) .
(8) هذا القسم الثاني من أقسام المناسب وهو المناسب الغريب.
(9) هذا القسم الثالث وهو المناسب المرسل.
(10) سيأتي تعريفها ومبحثها ص (494) .
(2/332)
الشرح
الحكم أعَمُّ أجناسه كونُه حكماً، وأخصُّ منه كونه طلباً أو
تخييراً وأخصُّ منه كونه تحريماً أو إيجاباً، وأخص منه كونه
تحريم الخمر أو إيجاب الصلاة، وأعم أحوال الوصف كونه وصفاً،
وأخص منه كونه مناسباً، وأخص [من المناسب] (1) كونه معتبراً،
وأخص منه كونه مشقة أو مصلحة أو مفسدة خاصة، ثم أخص من ذلك كون
تلك المفسدة في محل الضرورات أو الحاجات أو التتمات (2) ،
فبهذا (3) الطريق تظهر (4) الأجناس العالية والمتوسطة والأنواع
السافلة (5) للأحكام والأوصاف من المناسب وغيره (6) ، فالإسكار
نوع من المفسدة، والمفسدة جنس له (7) .
_________
(1) في ق: ((منه)) .
(2) في ن: ((التتميمات)) .
(3) في ن: ((فهذا)) ، وفي س: ((فهذه)) .
(4) في ق: ((يظهر)) وهو جائز أيضًا. انظر: هامش (11) ص 67.
(5) في ق: ((الشاملة)) وهو تحريف.
(6) قال حلولو: ((اعلم أن للجنسية في الوصف والحكم مراتب،
بعضها أعم وبعضها أخص وإلى العين أقرب، فأعم أجناس الحكم كونه
حكماً، ثم كونه وجوباً، ثم وجوب الصلاة، ثم وجوب الظهر مثلاً،
وأعم أجناس الوصف كونه وصفاً تناط الأحكام بجنسه حتى تدل عليه
الأشياء، وأخص منه كونه مصلحة حتى يدخل فيه المناسب دون الشبهة
وأخص منه كونه مصلحة خاصةً كالردع والزجر. وليس كل جنسٍ على
مرتبةٍ واحدة، بل لها درجات متفاوتة في القرب والبعد لا تنحصر،
فلأجل ذلك تفاوتت درجات الظن، والأقرب مقدم على الأبعد في
الجنسية، ولكل مسألةٍ ذوق مفرد ينظر فيه المجتهد)) . التوضيح
شرح التنقيح ص (344) . وقال الغزالي: ((ومن حاول حصر هذه
الأجناس في عدد وضبطٍ فقد كلَّف نفسه شططاً لا تتسع له قوة
البشر)) . المستصفى (2 / 329) . وللشوشاوي توضيح بديع لمراتب
هذه الجنسية من حيث العموم والخصوص، فانظره في: رفع النقاب
القسم 2 / 840.
(7) والتحريم نوع من الطلب، والطلب جنس له، فاعتُبِر هاهنا
النوع في النوع.
(2/333)
ويحكى عن علي رضي الله عنه أنه قال لما
سُئِل عن حدِّ (1) شارب الخمر: ((إذا شَرِب سَكِر وإذا سَكِر
هَذَى، وإذا هَذَى افترى، فأرى عليه حَدَّ المفتري)) (2) ،
فأخذ علي رضي الله عنه مطلق المناسبة، ومطلق المظنة (3) .
والأُخُوَّة نوع من الأوصاف (4) ، والتقدُّم في الميراث نوع من
الأحكام، فهو نوعٌ في نوعٍ (5) ، وكذلك التقديم* في النكاح (6)
أو صلاة الجنازة نوع من الأحكام، فيقاس أحد النوعين على الآخر.
وجُعِلت المشقة جنساً؛ لأنها متنوعة إلى مشقة قضاء الصلاة،
ومشقة الصوم، ومشقة القيام في الصلاة، وغير ذلك من أنواع
المشاق، فمطلق المشقة جنس، وهو نوعٌ باعتبار الوصف المصلحيِّ
أو المناسب، وإسقاط الصلاة عن الحائض نوع من الأحكام
والإسقاطات والرخص.
وتأثير النوع في النوع مقدَّم على الجميع؛ لأن الخصوصِيَّيْن
قد حصلا فيه: خصوصُ الوصف وخصوصُ الحكم، والأخص بالشيء مقدَّمٌ
على الأعم، ولذلك
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) رواه الإمام مالك في الموطأ (2 / 842) . وقال ابن عبد
البر: ((هذا حديث منقطع من رواية مالك. وقد رُوي متصلاً من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما)) . ورواه البيهقي في سننه
الكبرى (8 /320) ، والدارقطني في سننه (3 / 157، 166) قال ابن
حجر: ((وهو منقطع ... لكن وصله النسائي في الكبرى، والحاكم من
وجهٍ آخر)) . تلخيص الحبير (4/75) . وانظر: سنن النسائي الكبرى
(3 / 252) ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (4 / 375) وقال:
هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن حجر في فتح الباري (12
/ 82) : ((وهذا مُعْضَل، وقد وصله النسائي والطحاوي - ثم قال -
ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى ... )) وضعَّفه الألباني في:
إرواء الغليل 8 / 45.
(3) هذا اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم، وذلك أن شرب الخمر جنس
الوصف الذي هو المصلحة، والحد جنس الحكم.
(4) لأن النسب أو القرابة جنس للأخوة.
(5) في المتن مثلَّه المصنف على اعتبار النوع في الجنس،
فالصواب أن يقول هنا: والتقديم جنس في الأحكام؛ لأنه يحتوي على
أنواع كالتقديم في الميراث والتقديم في النكاح وصلاة الجنازة،
وبهذا يستقيم المثال. والله أعلم.
(6) في ن: ((نكاح)) .
(2/334)
قُدِّمت البنوة في الميراث على الأخوة،
والأخوة على العمومة (1) ، وكذلك قُدِّم لُبْس النَّجس على
الحرير (2) ، فمُنِع (3) في الصلاة؛ لأنه أخص بالصلاة من
الحرير، ولأن تحريم (4) الحرير لا يختص بالصلاة، فكان تحريم
النجس (5) أقوى منه؛ لأنه مختص بها (6) ، وكذلك (7) إذا لم يجد
المُحْرِم إلا مَيْتةً وصيداً أكل الميتة دون الصيد، لأن تحريم
الصيد خاص بالإحرام (8) ، فالقاعدة: أن الأخص أبداً مقدَّمٌ
[على الأعم] (9) ،
فكما أن النوع في النوع أخص الجميع، فالجنس في الجنس أعم
الجميع، والمنقول: أن النوع في الجنس والجنس في النوع متساويان
(10) متعارضان (11) مقدَّمان على الرابع (12) لوجود الخصوص
فيهما من حيث الجملة، [والذي في الأصل (13) ما أرى نَقْلَه إلا
سهواً] (14) .
_________
(1) في ن: ((العمومات)) .
(2) مفاد العبارة: قُدِّم في المنع لبس النجس على لبس الحرير
في الصلاة.
(3) ساقطة من ق.
(4) في ق: ((تقديم)) وهو متَّجه أيضًا بحسب المعنى.
(5) في ن: ((التنجيس)) وهي غير مناسبة.
(6) المشهور تقديم لبس الحرير في الصلاة على النجس؛ للعلة التي
ذكرها المصنف. ومن العلماء من قدَّم النجس، ووجهه: أن النجس
يجوز لبسه في غير الصلاة، فهو أخف من هذا الوجه من الحرير؛ لأن
الحرير لا يجوز لبسه في الصلاة ولا في غيرها. انظر: الذخيرة 2
/ 110، حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع 1 /
269، رفع النقاب القسم 2 / 847.
(7) في س: ((ولذلك)) .
(8) وهناك وجهة أخرى في تقديم الميتة على الصيد للمحرم ألا
وهي: إذا اجتمع مُحَرَّمان للمضطر وجب تقديم أخفِّهما مفسدةً
وضرراً، فالصيد فيه جنايات ثلاث: صيده، وذبحه، وأكله، ثم إن
النص أباح الميتة للمضطر. وهناك من قدَّم الميتة على الصيد؛
لأن كلاً منهما جناية يباحان عند الضرورة، فيتميز الصيد بكونه
مُذكّىً. انظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 439، تقرير القواعد
لابن رجب 2 / 464، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 178، غمز عيون
البصائر شرح الأشباه والنظائر للحموي 1/289.
(9) ساقط من س، ق..
(10) في ق: ((مستويان)) .
(11) الحكم بالتعارض بينهما فيه نظر. انظر مبحثه في باب
التعارض والترجيح هامش (5) ص (432) .
(12) في ق، س: ((اللوازم)) وهو تحريف.
(13) أي: في المتن السابق. انظر: ص 332، هامش (7) .
(14) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(2/335)
وأما المصلحة المرسلة: فالمنقول أنها خاصة
بنا، وإذا افتقدْتَ (1) المذاهب وجدْتَهم إذا قاسوا أو جمعوا
وفرقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى
الذي به جمعوا أو فرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، [وهذه هي]
(2) المصلحة المرسلة، فهي حينئذٍ في جميع المذاهب (3) .
ومن المعلوم أن المصلحة المرسلة أخص من مطلق المناسب* ومطلق
المصلحة؛ لأن مطلق (4) المصلحة قد تلْغى كما تقدَّم في زراعة
العنب، فإن المناسبة تقتضي ألاَّ يُزْرع سدّاً لذريعة الخمر،
لكن أجمع المسلمون على إلغاء ذلك (5) ، وكذلك المنع من التجاور
في البيوت خشية الزنا فإنه مناسب، لكن أجمع المسلمون على جواز
المجاورة بالنساء في الدُّوْر الجامعة وإلغاء هذا المناسب (6)
، فالمناسب حينئذٍ أعم من المرسلة، لأن المرسلة مصلحة بقيد (7)
السكوت* عنها فهي أخص.
المسلك الرابع: الشبه
ص: الرابع: الشَّبَه (8) قال القاضي أبو بكر: هو الوصف الذي لا
يناسب
_________
(1) في ق: ((اعتبرت)) .
(2) في ق، ن: ((وهذا هو)) .
(3) سيأتي مزيد بحثٍ لهذه المسألة. انظر هامش (7) ص (496) .
(4) ساقطة من ق.
(5) سيأتي ذلك في مبحث سد الذرائع. انظر ص (503، 505) .
(6) انظر: نفائس الأصول 9 / 4086.
(7) في ق: ((تفيد)) وهو تحريف.
(8) الشبه لغة: المماثلة والشبيه والمثيل، وهو المشاركة بين
اثنين في أمرٍ من الأمور حسياً أو معنوياً. انظر: مادة ((شبه))
في لسان العرب، المصباح المنير.
أما حقيقته الاصطلاحية فقال حلولو: ((فقد شكا صعوبته جماعة من
المحققين ... )) التوضيح ص (344) ، وقال الجويني: ((لا يتحرّر
في ذلك عبارة خِدْبة (مُحكمة) مستمرة في صناعة الحدود ... ))
البرهان 2 / 561، وقال الغزالي: ((عبارة الشبه مستكرهة)) شفاء
الغليل ص (373) ، وقال الأبياري: ((لست أرى في مسائل الأصول
مسألةً أغمض من هذه)) البحر المحيط للزركشي (7 / 293) ، وقال
ابن
السبكي: ((وقد تكاثر التشاجر في تعريف هذه المنزلة، ولم أجد
لأحدٍ تعريفاً صحيحاً فيها)) . انظر: شرح المحلي على جمع
الجوامع بحاشية البناني 2 / 287.
قيل في حَدِّه: ما يوهم المناسبة من غير اطلاعٍ عليها بعد
البحث التام ممن هو أهل الاطلاع عليها. قال الآمدي: ((هذا
أقربها إلى قواعد الأصول، وهو الذي ذهب إليه أكثر المحققين))
الإحكام 3 / 296، وكذا قال الهندي في نهاية الوصول 8 / 3342.
وانظر: الوصول لابن بَرْهان 2 / 294، نهاية السول 4 / 106،
البحر المحيط للزركشي 7 / 293، شرح الكوكب المنير 4 / 187،
تيسير التحرير 4 / 53، فواتح الرحموت 2 / 363، نشر البنود 2 /
186، نبراس العقول ص 330.
(2/336)
لذاته (1) ويستلزم المناسب لذاته (2) ، وقد
شهد الشرع لتأثير (3) جنسه القريب (4) في جنس الحكم القريب (5)
.
والشبه يقع في الحكم (6) :
كمشابهة (7) العبد المقتول بالحُرِّ، أو شَبَهِهِ (8) بسائر
المملوكات. وعند ابن عُلَيَّة (9) يقع الشَّبَه في الصورة كرد
الجلْسة الثانية إلى
_________
(1) في متن هـ: ((بذاته)) .
(2) انظر حدّ القاضي أبي بكر في: البرهان 2 / 565 فقرة (832) ،
المحصول للرازي 5 / 201، البحر المحيط للزركشي 7 / 295. لكن
قال الآمدي عن هذا الحدِّ بأنه تفسير له بقياس الدلالة. انظر:
الإحكام 3 / 295. وقياس الدلالة: هو الجمع بين الأصل والفرع
بلازم من لوازم العلة أو بأثر من آثارها أو بحكمٍ من أحكامها.
انظر: البحر المحيط 7 / 64، الشرح الكبير للورقات للعبادي 2 /
474، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 467.
(3) في ق: ((بتأثير)) .
(4) الجنس القريب، ويسمى بالجنس السافل هو: ما كان فوقه جنس
ولا جنس تحته بل أنواع. كالحيوان، فإن فوقه الجسم النامي وهو
جنس، وتحته: إنسان وهو نوع. انظر: حاشية الصبان على شرح
السُّلَّم للملَّوي ص 71، شرح المطلع على متن إيساغوجي لأبي
زكريا الأنصاري ص 27.
(5) ساقطة من ن.
(6) هذا بيانٌ لأقسام الشبه، وهو على قسمين؛ شبهٌ في الصورة أو
الشبه الصوري (الخَلْقي) ، وشبهٌ في الحكم أو الشبه الحكمي
(المعنوي) . فإذا اجتمعا كما في العبد المقتول، فبأيهما يقع
الاعتبار؟ . ذكر المصنف فيه ثلاثة مذاهب، وفي البحر المحيط
للزركشي (7 / 301) ستة مذاهب. انظر: المعتمد
2 / 298، شرح اللمع للشيرازي 2 / 812، البرهان 2 / 562،
المحصول لابن العربي ص 530، المحصول للرازي 5 / 202، مفتاح
الوصول ص 706، التوضيح لحلولو ص 345، الآيات البينات للعبادي 4
/ 146، شرح الكوكب المنير 4 / 188.
(7) في متن هـ: ((كشبه)) .
(8) ساقطة من ق.
(9) ابن عُليَّة يطلق على الأب: إسماعيل، وعلى ابنه: إبراهيم،
فأيهما المراد هنا؟ أغلب كتب الأصول التي ذكرتْهُ أطلقتْ
التسمية هكذا، بينما في شرح الكوكب المنير (4 / 189) صرَّح
بأنه أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية، أي الأب وهكذا في:
نشر البنود (2 / 193) ، ونثر الورود (2 / 514) . وفي التمهيد
للإسنوي ص (479) أنه أبو بكر بن عُلية، وهو أحد أولاد إسماعيل
واسمه محمد (سير أعلام النبلاء 9 / 112) ثم إني وجدتُ في:
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أنه إبراهيم بن علية أي الابن،
وهو الظاهر عندي لما له من شذوذات فقهية كهذه المسألة.
ولهذا قال الأستاذ أبو منصور: ((ذهب قوم من أهل البدع إلى
اعتبار المشابهة في الصورة، وهو قول
الأصم، ولهذا زعم أن ترك الجلسة الأخيرة من الصلاة لا يضر
كالجلسة الأولى، ولا يعتد بخلافه)) نقله
(2/337)
الجلْسة (1)
الأولى في الحكم (2) . وعند الإمام التسويةُ بين الأمرين إذا
غلب* على الظن أنه مستلزم للحكم (3) ، وهو ليس بحجة عند القاضي
منا (4) .
الشرح
مثال الشبه عند القاضي:
قولنا في الخَلِّ مائعٌ لا تُبْنى (5) القنطرة على جنسه فلا
تزال به النجاسة كالدُّهْن، فقولنا: لا تبنى (6) القنطرة على
جنسه ليس مناسباً في ذاته،
_________
(1) عنه الزركشي في البحر المحيط 7 / 302. وابن عُلية الابن
تلميذٌ لابن كيسان الأصم المعتزلي. كما أن ابن علية الابن له
شذوذاتٌ في مسائل الأصول كمنع التعبد بخبر الواحد، انظر: قواطع
الأدلة
(2 / 265) . وكقوله بتأثيم المجتهد المخطيء في الفروع، انظر:
المستصفى (2 / 405) . وله شذوذاتٌ عَقَديَّة، ولهذا قال
الشافعي فيه: ((إن ابن علية ضالٌ قد جلس بباب الضوالِّ يُضِلّ
الناس)) انظر: مناقب الشافعي للبيهقي (1 / 457) وقال الذهبي:
((كان إبراهيم (ابن علية) من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخُ
المحدثين إمامٌ)) سير أعلام النبلاء (10 / 24) .
قال ابن عبد البر: ((له شذوذ كثير، ومذاهبه عند أهل السنة
مهجورة، وليس في قوله عندهم مما يُعدّ
خلاف)) انظر: لسان الميزان 1 / 130.
هذا الابن وهو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم أبو إسحاق الأسدي
المعروف بابن عُليَّة،
ت: 218 هـ وله تصانيف في الفقه والجدل. انظر: ميزان الاعتدال 1
/ 137، لسان الميزان
1 / 130، المعتبر للزركشي ص 284.
وأما الأب فهو: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم الأسدي
مولاهم البصري ينسب إلى أمه " عُلية " كان فقيهاً إماماً من
أئمة الحديث ثقة ورعاً، ولي المظالم في خلافة هارون الرشيد،
روى عنه الشافعي وابن حنبل وابن المديني وغيرهم قد بدتْ منه
هفوة ثم تاب منها توفي عام 193 هـ. انظر: تاريخ بغداد 6 / 229،
ميزان الاعتدال 1 / 373، تهذيب التهذيب 1 / 176.
() ساقطة من ق.
(2) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2 / 161، المعتمد 2 / 298،
المحصول للرازي 5 / 203، شرح الكوكب المنير 4 / 189، التمهيد
لابن عبد البر 10 / 195، 214.
(3) وهذا النقل عن الرازي فيه تصرفٌ كبير، ونصه ((والحق أنه
متى حصلت المشابهة فيما يُظن أنه علةُ الحكم، أو مستلزمٌ لما
هو عِلةٌ له صح القياس، سواءٌ كان ذلك في الصورة أو في الحكم))
. المحصول 5 / 203.
(4) انظر خلاف العلماء في حجية هذا المسلك في: قواطع الأدلة 4
/ 253، المنخول ص 378، الوصول
لابن برهان 2 / 295، ميزان الأصول 2 / 864، المسودة ص 375،
تحفة المسؤول القسم 2/672.
(5) في س: ((تنبني)) .
(6) في س: ((تنبني)) .
(2/338)
غير أنه [مستلزم للمناسب] (1) ، فإن العادة
أن القنطرة لا تبنى (2) على الأشياء القليلة بل على الكثيرة
كالأنهار، والقِلَّة مناسبة لعدم مشروعية (3) المتَّصِف بها من
المائعات للطهارة (4) العامة، فإن [الشرع العام يقتضي] (5) أن
تكون أسبابه عامة الوجود (6) . أما تكليف الكل بما لا يجده إلا
البعض فبعيدٌ عن (7)
القواعد، فصار قولنا: [لا تبنى القنطرة على جنسه] (8) ليس
بمناسب (9) ، وهو مستلزم للمناسب، وقد شهد الشرع بجنس القلة
والتعذّر في عدم مشروعية الطهارة، بدليل أن الماء إذا قلَّ
واشتدت إليه (10) الحاجة فإنه يسقط الأمر به، ويتوجه التيمم
(11) .
قال القاضي أبو بكر في هذا التقسيم: الوصف إن كان مناسباً
بذاته فهو المناسب، وإن لم يكن مناسباً في ذاته، فلا يخلو إما
(12) أن يكون مستلزماً للمناسب أو لا. الأول الشبه. والثاني
الطَّرْدِي (13) المُلْغى إجماعاً.
والعبد المقتول: فيه (14) كونُه مملوكاً، والمِلْك حكم شرعي،
وكونه آدميّاً، وهذا
_________
(1) في ق: ((يستلزم المناسبة)) .
(2) في س: ((تنبني)) .
(3) في ن: ((شرعية)) .
(4) في س: ((للطاهرات)) .
(5) في ن: ((الشريعة العامة تقتضي)) .
(6) في ن: ((الموجود)) وهو تحريف.
(7) في س: ((على)) . ولم أجد أن " بَعُد " يتعدى بـ" على " بل
يتعدى بالباء وعن. انظر: مادة ((بعد))
في: لسان العرب، المصباح المنير وغيرهما.
(8) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(9) في س: ((مناسب)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر " ليس " منصوب.
(10) في ن: ((به)) .
(11) للطوفي تعقيب على هذا المثال، إذ جعله ليس من المناسب،
ولا المستلزم للمناسب بل هو طَرْدٌ محضٌ. انظر: شرح مختصر
الروضة 3 / 427.
(12) ساقطة من ن، ق.
(13) الوصف الطردي: هو كل وصف عُلِم من الشارع إلغاؤه أو عدم
الالتفات إليه في شرع الحكم، كالطول والقصر والسواد والبياض..
إلخ. انظر: شرح مختصر للطوفي 3 / 428، 430.
(14) في ق: ((في)) وهو خطأ؛ لا يتحقق به تمام الكلام.
(2/339)
وصف حقيقي لا حكم شرعي، فقد حصل فيه
الشَّبَهان. فمن غَلَّب شَبَه الحكم الشرعي - وهو (1) مالك (2)
والشافعي (3) - أوجب فيه قيمته بالغة [ما بلغتْ] (4) ، وإن
زادتْ على دية الحُرِّ، ومن لاحظ شَبَه الحُرِّ وهو الآدميَّة
لم يوجب (5) فيه الزيادة على دِيَة الحرِّ، وهو أبو حنيفة (6)
.
وابن عُليَّة أوجب الجلْسة الأولى قياساً على الثانية في
الوجوب بجامع أنها جلسة (7) ،
وهذا شَبَهٌ صُوْري لا حكم شرعي.
قال الإمام فخر الدين: إذا غلب على الظن أن شيئاً من هذه
الشَّبَهَات علة (8) الحكم ومستلزم له شرعاً جعلناه علة (9)
كان صورة أو حكماً أو غير ذلك عملاً بموجب الظن (10) .
_________
(1) هنا زيادة ((قول)) في س.
(2) انظر: المدونة 4 / 480، بداية المجتهد 6 / 68، الشرح
الصغير للدردير 4 / 377.
(3) انظر: الأم 7 / 328، مغني المحتاج 5 / 333. وهو أيضاً
المذهب عند الحنابلة، انظر: المغني 11 / 504، كشاف القناع 6 /
24.
(4) ساقط من س.
(5) في س: ((يوجبه)) وهو تحريف، لعدم استقامتها مع السياق.
(6) قول أبي حنيفة ومحمد أنه إذا بلغت قيمة العبد دية الحر أو
زادت فإنه يُنقص منها عشرة دراهم. وأما أبو يوسف فقال بقول
الجمهور تجب القيمة بالغةً ما بلغت. انظر: رد المحتار (حاشية
ابن عابدين) 10 / 294، البناية في شرح الهداية 12 / 374.
(7) انقلب على المصنف مذهب ابن عُلية، وتابعه الطوفي في شرح
مختصر الروضة (3 / 434) . وحقيقة مذهبه ما قرره المصنف في
المتن. قال القرطبي - عندما ذكر اختلاف العلماء في حكم الجلوس
الأخير
في الصلاة - قال: ((القول الثاني: أن الجلوس والتشهد والسلام
ليس بواجب، وإنما ذلك كلّه
سنة مسنونة، هذا قول بعض البصريين، وإليه ذهب إبراهيم بن عُلية
وصرَّح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى، فخالف الجمهور وشذَّ
... )) الجامع لأحكام القرآن 1 / 173. وانظر: المراجع المذكورة
في هامش (2) ص (338) .
أما قياس الأولى على الثانية في الوجوب فهو مذهب الإمام أحمد
في إحدى الروايتين عنه. قال ابن قدامة:
((لأنه أحد التشهدين فكان واجباً كالآخر)) المغني 2 / 217،
وانظر: البرهان للجويني 2 / 562، الإبهاج 3 / 68، شرح الكوكب
المنير 4 / 190.
(8) في س: ((علته)) وهو تحريف.
(9) هنا زيادة ((الحكم)) في ن: ((حاجة لها)) .
(10) انظر: المحصول 5 / 202.
(2/340)
حجة القاضي في أن الشَّبَه ليس بحجة: أن
الدليل ينفي العمل بالظن مطلقاً، لقوله تعالى: {وَإِنَّ
الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (1) خالفناه في
قياس المناسبة، فبقينا في قياس الشبه على موجب الدليل، ولأن
الصحابة إنما أجمعت (2) على المناسبة (3) ، أما الشبه فلا
نُوجب (4) أن (5) يكون حجة.
جوابه: أنه مُعارَضٌ بقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا} (6) ، وبقوله
عليه الصلاة والسلام ((نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر))
(7) وهو يفيد الظن فوجب أن يندرج في عموم النص، ولأنه (8)
مندرج في عموم قول معاذ بن جبل اجتهد رأيي (9) ، وهذا (10) نوع
من الاجتهاد.
المسلك الخامس: الدوران
ص: الخامس: الدَّوَرَان (11) ، وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم
مع ثبوت الوصف وعدمه مع عدمه. وفيه خلافٌ، والأكثرون من
أصحابنا وغيرهم
_________
(1) سورة يونس، من الآية: 36، سورة النجم، من الآية: 28.
(2) في س: ((اجتمعت)) .
(3) في ن: ((المناسب)) .
(4) في س، ن: ((يُوجب)) .
(5) هكذا في س، م، ز، وهو الصحيح. بينما في س، ق: ((ألاَّ)) ،
وفي ن: ((إلاَّ أن)) وكلاهما خطأ ظاهر؛ لأن المعنى ينقلب بهما.
وجاءت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3 / 433) عبارة متقنة قريبة
من هذه وهي: ((ولأن الصحابة رضي الله عنهم إنما اجتمعت على
المناسبة لا على الشبه، فوجب ألاَّ يكون حجة))
(6) سورة الحشر، من الآية: 2.
(7) سبق تخريجه.
(8) في ن: ((ولا)) وهو نقص.
(9) سبق تخريجه.
(10) في ن: ((وهو)) .
(11) الدوران لغة: مصدر دار، ودار حول البيت: طاف به، ومنهم
قولهم: دارت المسألة أي كلما تعلقت بمحل توقف ثبوت الحكم على
غيره، فيُنقل إليه ثم يتوقف على الأول وهكذا. انظر: المصباح
المنير مادة
((دور)) .
(2/341)
يقولون (1) بكونه حجة (2) .
الشرح
مثاله (3) : العنب حين كونه عصيراً ليس بمسكر ولا حرام، فقد
اقترن العدم بالعدم، وإذا صار مسكراً صار حراماً، فقد اقترن
الثبوت بالثبوت، فإذا تخلَّل لم يبْقَ مسكراً ولا حراماً، فقد
اقترن العدم بالعدم، فهذا هو الدوران في صورة واحدة وهي الخمر.
وقد يقع في صورتين وهو دون الأول، مثاله: أن (4) ندَّعي (5)
وجوب الزكاة في الحُلِيّ المُتَّخَذ (6) لاستعمالٍ مباحٍ،
فنقول الموجِب لوجوب الزكاة في النقدين كونهما أحد الحَجَرين
(7) ؛ لأن وجوب الزكاة دار مع* [كونه أحد الحجرين] (8) وجوداً
وعدماً، أما وجوداً ففي المَسْكُوك (9) هو (10) أحد الحجرين
والزكاة واجبة فيه، وأما عدماً فالعقار (11) ليس أحد الحجرين
ولا تجب الزكاة فيه، وإنما رَجَحَتْ (12) الصورة
_________
(1) لضرورة مطابقة الخبر لمبتدأه في الجمع.
(2) اختلف الأصوليون في إفادة الدوران بمجرده العِلِّية على
أربعة أقوال، الأول: أنه يفيد العلية قطعاً، وهو لبعض المعتزلة
وبعض الشافعية. والثاني: يفيدها ظناً، وهو للجمهور. والثالث:
إن تكرر كثيراً أفادها قطعاً وإلا أفادها ظناً. والرابع: لا
يفيدها مطلقاً، وهو اختيار السمعاني والغزالي والآمدي وابن
الحاجب. انظر: المغني لعبد الجبار 17 / 333، المعتمد 2 / 449،
أصول السرخسي 2 / 176، قواطع الأدلة 4 / 230، المستصفى 2 /
315، شفاء الغليل ص 266، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 24، المحصول
لابن العربي ص 533، الإحكام للآمدي 3 / 299، منتهى السول
والأمل ص 185، مفتاح الوصول ص 705، البحر المحيط للزركشي 7 /
309، رفع النقاب القسم 2 / 868، فواتح الرحموت 2 / 364.
(3) في ن: ((مثال ذلك)) .
(4) ساقطة من ن، ق.
(5) في ق: ((يدعى)) .
(6) في ق: ((المُعدِّ)) .
(7) الحجران هما: الذهب والفضة. انظر: مختار الصحاح مادة
((حجر)) .
(8) ما بين المعقوفين في ق: ((ذلك)) .
(9) في س: ((المشكوك)) وهو تصحيف. والمَسْكُوك: اسم مفعول من
سك، والسِّكَّة: حديدة منقوشة تطبع بها الدنانير والدراهم،
والجمع سِكَك. انظر: المصباح المنير مادة ((سكك)) .
(10) في ق: ((وهو)) والواو هنا مخلَّة بالمعنى.
(11) العقار: هو المنزل والأرض والضِّياع، مأخوذ من عُقْر بضم
العين وفتحها، وهو: أصلها. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص
197، الدر النقي لابن المبرد ص 534.
(12) في ن: ((وجبت)) وهو متجهٌ أيضاً.
(2/342)
الأولى على هذه؛ لأن انتفاء الحكم بعد
ثبوته في الصورة المعينة يقتضي أنه لم يبق (1) معه ما يتقضيه
في تلك الصورة وإلا لثبت (2) فيها. أما إذا انتفى من (3) صورة
أخرى غير صورة الثبوت أمكن أن يقال: إن موجِبَ الحكم غيرُ
الوصف المدَّعَى علةً، وأن ما ذكرتموه من الوصف لو فرض انتفاؤه
لثبت الحكم بذلك الوصف الآخر، فما تعين عدم اعتبار غيره بخلاف
الصورة الواحدة.
[حجة أن الدوران] (4) دليل العِلِّية (5) : أن اقتران الوجود
بالوجود والعدمِ بالعدم يغلب على الظن أن المَدَار (6) علة
الدَائِر (7) ، بل قد يحصل القطع بذلك، لأن من ناديناه باسم
فغضب ثم سَكَتْنا عنه فزال غضبه ثم ناديناه به فغضب (8) كذلك
مراراً كثيرة، حصل (9) لنا (10) الظن الغالب بأن علة غضبه إنما
هو ذلك الاسم الذي ناديناه به. ولذلك جزم الأطباء بالأدوية
المُسْهِلة والقابضة وجميع ما يعطونه (11) من المبرِّدات
وغيرها بسبب وجود تلك الآثار (12) عند وجود تلك العقاقير
وعدمها عند عدمها.
فالدوران أصل كبير في أمور الدنيا والآخرة، فإذا وُجِد بين
الوصف والحكم جَزَمْنا بعليَّة الوصف للحكم، أو نقول: بعض
الدوران حجة قطعاً، كدوران قطع الرأس مع الموت في مجرى العادة،
فوجب أن تكون (13) جميع الدَّوَرَانات حجةً لقوله تعالى
_________
(1) في س: ((يمكن)) .
(2) في ن: ((لثبتت)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود على ((الحكم))
وهو مذكر. انظر: هامش (7)
ص 112.
(3) في ق: ((في)) وهو سائغ أيضاً.
(4) في ن: ((حجته أن)) .
(5) في س: ((العلة)) .
(6) المدار: هو الوصف. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى
عِلِّيتَّه)) البحر المحيط 7 / 313.
(7) الدائر: هو الحكم. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى معلوليته))
البحر المحيط 7 / 313.
(8) هنا زيادة: ((ثم)) في ق، وهي من انفراداتها.
(9) في ق: ((يحصل)) .
(10) ساقطة من ق.
(11) في ق: ((يصفونه)) .
(12) في ن: ((الأثر)) وهو غير مُستقيم بما قبله.
(13) في س: ((يكون)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (9) ص (216) .
(2/343)
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ} (1) والعدل التسوية (2) ، وعدم الاختلاف إحسان
للخلق بتوفير خواطرهم عن الفحص عن (3) الفكرة في مدارك (4)
الفروق.
حجة المنع: أن بعض
الدورانات ليس بحجة، فوجب أن يكون الجميع ليس بحجة إلا ما
أجمعنا عليه، أما أن بعض الدورانات ليس بحجة، فلأن الجوهر (5)
والعَرَض (6)
دائران كلُّ واحدٍ منهما مع (7) الآخر وليس أحدهما علة للآخر،
والحكم دائر مع السبب (8) وشرطه وجزء علته، وليس أحدهما علة
للآخر، وحركات الأفلاك دائرة مع الكواكب وليس أحدهما علة
للآخر. وأما أنه إذا كان كذلك وجب ألاَّ يكون فيها شيءٌ حجةً،
فلأنه لو كان حجة للزم النقض بذلك البعض الآخر والنقض خلاف
الدليل.
والجواب: أنا لا ندعي أن الدوران حجة إلا بوصف كونه لا يُقطع
بعدم عليَّته (9) ،
_________
(1) سورة النحل، من الآية: 90.
(2) تتمة الاستدلال: ولا تسوية إلا بجعل الدورانات كلها دليل
عِلِّيَّة المدار (الوصف) . انظر: الحاصل لتاج الدين الأرموي
(2 / 897) . لكن المصنف ضعَّف الاستدلال بالآية في موضعين من
كتابه: نفائس الأصول، في: (8 / 3343) ، وفي (8 / 3350) ، فلا
أدري لماذا أتى به هنا؟! قال في الموضع الثاني: ((وأما التمسك
بالآية ففي غاية الضعف، ولولا صدوره عن مثله - (يريد الرازي) -
وولوع أبناء الزمان بأمثاله لكان الإعراض عنه أولى من الاعتراض
عليه، إذْ يعزُّ على أهل النظر السديد صَرْفُ الزمان إلى ما
يَبْدَهُ للعاقل فساده، لكني أقول مكرهاً لا بطلاً: تفسير
العدل بالتسوية المطلقة ظلم؛ لأنه يلزم منه جهل كلِّ إنسان،
وحِمَاريّة كل حيوان ... وحلِّ كل مأكول ... وبطلان كل دِيْن
... إلى غير ذلك مما لا يُعَدُّ كثرةً، لأن بعضها كذلك عملاً
بالآية ... )) وانظر: الكاشف عن المحصول 6 / 409.
(3) في ق: ((على)) . ولم أجد فيما اطلعت عليه أن " فحص "
يتعدَّى بـ" على ".
(4) في ن: ((مدار)) وفيها نقص.
(5) الجوهر: هو ما قام بنفسه، سواء كان بسيطاً لا يتجزأ أصلاً،
وهو الجوهر الفرد. أو مركباً وهو الجسم الطبيعي. وقيل غير ذلك.
انظر: حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص 71، التعريفات
ص 112.
(6) العرض: هو ما لا يقوم بذاته، أو هو الوجود القائم بالجوهر،
وقيل: هو الكلي الخارج عن الماهية.
انظر: حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص 70، الكليات ص 625.
(7) في س: ((على)) وهي غير مناسبة هنا.
(8) ساقطة من ن، س.
(9) عبارة المصنف غير موفية بالمطلوب. وأوضح منها عبارة الحاصل
(2 / 899) ((أنا لا ندعي علية المدار مطلقاً، بل حيث لا يُعلم
عدم عليته قطعاً)) . وعبارة التحصيل (2 / 205) : ((أنا ندعي
إفادة ظن العلية في دورانٍ لم يقم عليه دليل عدم العلية، فسقط
ما ذكرتم)) .
(2/344)
والدوران الموصوف بهذه الصفة لم يوجد في
صورة النقض، فلا يتجه النقض؛ لأن من شرط النقض وجود الموجب
بجميع صفاته، ولم يوجد فلا نقض، فاندفع السؤال.
المسلك السادس: السَّبْر والتقسيم
السادس: السَّبْر والتَّقْسيم (1) . وهو أن نقول (2) : إما أن
يكون الحكم معللاً بكذا أو بكذا، والكل باطل إلا كذا، فيتعيَّن
(3) .
الشرح
السبر معناه في اللغة:
الاختبار ومنه سُمِّي (4) ما يُخْتبر (5) به طولُ الجُرْح
وعرْضُه مِسْباراً، وتقول العرب: هذه القضية يُسْبر بها غَوْر
العقل: أي يختبر (6) .
والأصل أن نقول (7) : التقسيم (8) والسبر، لأنَّا نقسِّم أولاً
ثم نقول في معرض الاختبار لتلك الأوصاف الحاصلة في التقسيم هذا
لا يصلح، وهذا لا يصلح، فيتعيَّن (9) هذا، فالاختبار واقع* بعد
التقسيم، لكن التقسيم لما كان وسيلة للاختبار، والاختبار
_________
(1) والتقسيم)) ساقطة من ن، وبعضهم يعبر عن ((السبر والتقسيم))
: بالسبر فقط، وبعضهم: بالتقسيم. والكلُّ مؤدٍّ للغرض.
والمناطقة يسمونه: بالقياس الشرطي المنفصل. انظر: تقريب الوصول
ص 126، البحر المحيط للزركشي 7 / 282، سلم الوصول للمطيعي
حاشية على نهاية السول 4 / 128.
(2) في س، متن هـ: ((يقول)) .
(3) ويمكن أن يقال في تعريفه أيضاً هو: حصر الأوصاف التي في
الأصل (المقيس عليه) وإبطال ما لا يصح منها للعلية بدليلٍ،
فيتعيّن الباقي. انظر: منتهى السول والأمل ص 180، جمع الجوامع
بحاشية البناني
2 / 271، شرح الكوكب المنير 4 / 142، فواتح الرحموت 2 / 361.
(4) هنا زيادة: ((به)) ولا داعي لها.
(5) في ق: ((نختبر)) .
(6) انظر مادة: ((سبر)) في: معجم المقاييس في اللغة، لسان
العرب، تاج العروس.
(7) في ن: ((تقول)) .
(8) التقسيم لغةً: مصدر قسَّم، وهو تجزئة الشيء، وتفريقه،
وفرزه. انظر مادة " قسم " في: المصباح
المنير، القاموس المحيط.
(9) في ن: ((فتعين)) .
(2/345)
هو المقصد، وقاعدة العرب تقديم الأهم
والأفضل، [قُدِّم السبر] (1) ؛ لأنه المقصد الأهم، وأخَّر
التقسيم؛ لأنه وسيلة أخْفضُ رتبةً من المقصد (2) .
وهذه الطريقة* مفيدة للعلة (3) ؛
لأن الحكم مهما أمكن أن يكون معللاً لا يُجْعل تعبُّداً، وإذا
أمكن إضافته للمناسب فلا يضاف لغير المناسب، ولم نجد مناسباً
إلا ما بقي بعد السَّبْر، فوجب كونه علة بهذه القاعدة (4) .
المسلك السابع: الطرد
ص: السابع: الطَّرْد (5) : وهو عبارة عن اقتران الحكم بسائر
صور الوصف،
_________
(1) ساقط من س.
(2) بل جاء في تشنيف المسامع (3 / 275) بأن الأولى أن يقال:
السبر والتقسيم؛ لأنه يُسبر المحلّ أولاً، هل فيه أوصاف أو لا؟
ثم يُقسَّم، ثم يُسبر ثانياً. وانظر: نهاية السول 4 / 129، شرح
الكوكب المنير
4 / 143.
(3) قبل بيان حجية هذا المسلك يجدر ذكر أقسامه، فهو ينقسم إلى
نوعين، الأول: التقسيم الحاصر،
ويسمى: التقسيم غير المنتشر، وهو: جمع الأوصاف التي يُظن كونها
علَّةً مع الترديد بينها بالنفي والإثبات بحيث لا يجوِّز العقل
وصفاً آخر غيرها. والثاني: التقسيم غير الحاصر، ويسمى بالتقسيم
المنتشر، وهو جمع الأوصاف التي يظن كونها علّة مع عدم الترديد
بينها بالنفي والإثبات أو دار بينهما ولكن كان الدليل على نفي
عليَّة ما عدا الوصف المعيَّن فيه ظنّاً. فعلى هذا، إذا كان
دليل الإبطال فيما عدا الوصف المستبقى قطعياً، وكان التقسيم
منحصراً كان التقسيم قطعياً، فيكون حكمه: حجةً بلا خلاف. ويكون
ظنياً إذا كان التقسيم منتشراً، أو كان منحصراً لكن دليل إبطال
الأوصاف غير المعتبرة ظني، وهو حجة في العقليات، أما الشرعيات
فهو الذي جرى فيه خلاف العلماء على مذاهب أربعة، الأول: هو حجة
مطلقاً، لأكثر الشافعية والمالكية ومن وافقهم. الثاني: ليس
حجةً مطلقاً، لأكثر الحنفية. الثالث: حجة على المستدل (الناظر)
دون المعترض (المناظر) ، اختاره الآمدي. الرابع: يكون حجة إذا
كان تعليل الحكم في الأصل مجمعاً عليه، ارتضاه الجويني. انظر
المسألة في: البرهان 2 / 534، المحصول للرازي 5 / 217، الإحكام
للآمدي 3 / 264، نهاية الوصول للهندي 8 / 3361، شرح مختصر
الروضة 3 / 404، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 236، نهاية
السول 4 / 128، البحر المحيط للزركشي 7 / 283، التوضيح لحلولو
ص 246، شرح الكوكب المنير 4 / 142، نشر البنود
2 / 158.
(4) في ن: ((القواعد)) وما هاهنا إلا قاعدة واحدة.
(5) الطَّردْ لغة: الإبعاد، مصدر طَرَد، وطَرَدْتُ الخلاف في
المسألة: أجريته، مأخوذ من المطاردة، وهي الإجراء للسياق. انظر
مادة " طرد " في: مختار الصحاح، المصباح المنير.
(2/346)
وليس مناسباً ولا مستلزماً للمناسب (1) ،
وفيه خلاف (2) .
الشرح
لأنه متى كان مناسباً كان ذلك طريقاً آخر غير الطرد (3) ، ونحن
نقصد أن (4) نثبت طريقاً غير المناسبة (5) ، وكذلك لا يكون
مستلزماً للمناسب، إذ لو [كان مستلزماً للمناسب] (6) لكان هو:
الشَّبَه، ونحن نقصد طريقاً غير الشبه، فمجرد (7) الاقتران هو
(8) طريق مستقل على الخلاف.
حجة الجواز: أن (9) الحكم لابد له من علة - وليس غير هذا الوصف
علةً (10) - عملاً بالأصل (11) ، فتعيَّن (12) هذا الوصف؛
نفياً للتعبُّد بحسب الإمكان، ولأن الاقتران بجميع الصور مع
انتفاء ما يصلح للتعليل بغير (13) المقْترِن يغلب على الظن
عِليَّة (14) ذلك
المُقْترِن، والعمل بالراجح متعيِّن.
_________
(1) ويُعرَّف بعبارة أخرى بأنه: مقارنة الحكم للوصف بلا مناسبة
لا بالذات ولا بالتبع. انظر: شرح الكوكب المنير (4 / 195) .
وعبارة الرازي هي: هو الوصف الذي لم يعلم كونه مناسباً ولا
مستلزماً للمناسب إذا كان الحكم حاصلاً مع الوصف في جميع الصور
المغايرة لمحلّ النزاع - ثم قال - ومنهم من بالغ فقال: مهما
رأينا الحكمَ حاصلاً مع الوصف في صورةٍ واحدة حصل ظن
العلِّيَّة. المحصول 5/21.
(2) انظر مسلك الطرد وخلاف العلماء في حجيته في: إحكام الفصول
ص 649، التبصرة ص 360، البرهان 2 / 517، التمهيد لأبي الخطاب 4
/ 30، الوصول لابن برهان 2 / 303، ميزان الأصول
2 / 860، التوضيح لحلولو ص 347.
(3) وهو المناسبة.
(4) ساقطة من ن.
(5) في ن: ((المناسب)) .
(6) ما بين المعقوفين في ق: ((استلزمه)) .
(7) في س: ((لمجرد)) والمثبت هو الصواب؛ لاستقامة الأسلوب
والمعنى.
(8) ساقطة من ق.
(9) ساقطة من س.
(10) ساقطة من س، ن.
(11) ساقطة من س.
(12) في ق: ((فيتعين)) .
(13) في س، ن: ((غير)) .
(14) في س: ((غلبة)) وهو تصحيف.
(2/347)
حجة المنع: أن الأصل ألا (1) يعتبر في
الشرائع إلا المصالح أو درء المفاسد، فما لم يعلم فيه تحصيل
مصلحة ولا درء مفسدة وجب ألاَّ يعتبر، ولأن الصحابة رضوان الله
عليهم إنما نُقِل عنهم العمل بالمناسب، أما غير المناسب فلا،
فوجب بقاؤه على الأصل في عدم الاعتبار (2) .
المسلك الثامن: تنقيح المناط
ص: الثامن: تنقيح المناط، وهو إلغاء الفارق فيشتركان في الحكم
(3) .
الشرح
قد تقدَّم الخلاف (4) في موضوع تنقيح المناط (5) هل هو إلغاء
الفارق أو تعيين العلة من أوصاف مذكورة؟.
والدليل على أنه حجة بهذا التفسير: أن الأصل في كل مِثْلين أن
يكون حكمهما واحداً، فإذا استوت (6) صورتان، ولم (7) يوجد
بينهما فارق، فالظن القوي القريب من القطع أنهما مستويان في
الحكم، ونجد في أنفسنا من اعتقاد الاستواء في الحكم ها هنا
أكثر مما نجده في الطرد والشبه، والعلم بهذا التفاوت ضروري عند
من سلك مسالك الاعتبار والنظر، فوجب كونه دليلاً على عليَّة
(8) المشترك على سبيل الإجمال، وإن كُنَّا لا نعيِّنه، بل نجزم
بأن ما اشتركا فيه هو موجب العلة (9) .
_________
(1) في ن: ((لا)) .
(2) وقد ذكر المانعون للطَّرد صوراً سخيفة فجَّة، انظرها في:
البحر المحيط للزركشي 7 / 314 - 316، شرح الكوكب المنير 4 /
196.
(3) أي: يشترك الأصل والفرع في الحكم لعدم الفارق بينهما. وقد
تقدم الكلام عنه ص (314) .
(4) انظر: ص (316) .
(5) هنا زيادة: ((ماذا هو)) في س، وفي ن زيادة: ((ماذا)) .
(6) في س، ن: ((استوى)) وهو جائز، لأن المؤنث مجازي. انظر:
هامش (11) ص 27.
(7) في ن: ((لم)) بدون الواو.
(8) في س: ((علة)) .
(9) في ق: ((العلية)) .
(2/348)
الفصل الرابع
في الدال على عدم اعتبار العلة (1)
وهو خمسة (2) :
القادح الأول: النّقض
ص: الأول: النَّقْضُ (3) : وهو وجود الوصف بدون الحكم (4) ،
وفيه أربعة مذاهب (5) :
_________
(1) أورد المصنف تحت هذا الفصل القوادح التي تقدح في علِّية
الوصف، وهناك من يسميها: الوجوه المُفْسِدة للعلية، وبعضهم
يقول: الأسئلة الواردة على القياس، وآخرون يقولون: الاعتراضات
على القياس، والمؤدَّى واحد. ومن العلماء من اعتبر البحث في
هذه القوادح يختص بعلم الجدل. انظر: المستصفى
2 / 377، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 458 لكن قال الزركشي:
((. . . وذكرها جمهور الأصوليين؛ لأنها من مكمِّلات القياس
الذي هو من أصول الفقه، ومكمِّل الشيء من ذلك الشيء، لهذه
الشبهة أكثَرَ قومٌ من ذكر المنطق، والعربية، والأحكام
الكلامية؛ لأنها من موادّه ومكملاته)) . البحر المحيط 7 / 328.
(2) وهي: النقض، عدم التأثير، والقَلْب، والقول بالموجَب،
والفَرْق. والأصوليون يتفاوتون في تعدادها، أوصلها الآمدي في
الإحكام (4 / 69) ، وابن الحاجب في منتهى السول ص (192) إلى
خمسةٍ وعشرين قادحاً. وقال الزركشي: ((وقد أطنب الجدليون فيها
لاعتمادهم إياها، ومنهم من أنهاها إلى الثلاثين، وغالبها
يتداخل)) . البحر المحيط (7 / 328) . وانظر: شرح مختصر الروضة
3 / 566، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 257.
(3) النقض: لغةً: الإبطال، نقضتُ كلامه: أبطلته. انظر: المصباح
المنير مادة " نقض ".
(4) أي أن الوصف الذي أبداه المستدل وادَّعى عليّته قد تَخلَّف
الحكم عنه في بعض الصور. مثاله: كقول المستدلِّ في حقّ من لم
يبيّت النية: تعرَّى أول صومه عنها فلا يصح، فيجعل عراء أول
الصوم عن النية علةً لبطلانه. فيقول المعترض: هذا منقوض بصوم
التطوع؛ فإنه يصح بدون التبييت، فقد وجدت العلة - وهي العراء -
بدون الحكم، وهو: الصحة. انظر: المنهاج في ترتيب الحِجَاج
للباجي ص 185، المعونة في الجدل للشيرازي ص 242، الكافية في
الجدل للجويني ص 172، كتاب الجدل لابن عقيل
ص 430، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 218، نهاية السول 4 /
146، فتح الغفار 3/ 38، شرح الكوكب المنير 4 / 56.
(5) قال الزركشي: ((وقد اختلفوا فيه على بضعة عشر مذهباً،
طرفان، والباقي أوساط)) ثم عدَّها. انظر: البحر المحيط 7 /
330، وانظر: المحصول للرازي 5 / 258، منهج التحقيق والتوضيح
لمحمد جعيط
2 / 164.
(2/349)
ثالثها (1) : إنْ وجد المانع في صورة النقض
فلا (2) يقدح، وإلا قدح (3) ، [ورابعها: إنْ نَصَّ عليها لم
يقدح وإلا قدح] (4) (5) .
الشرح
النقض قد يكون على العلة وعلى الحدِّ وعلى الدليل، فوجود
الحدِّ بدون المحدود نقض عليه، ووجود الدليل بدون المدلول نقض
عليه*، والألفاظ اللغوية كلها أدلة، فمتى وُجد لفظٌ بدون مسماه
لغة فهو نقض عليه، ويجمع الثلاثة: وجود المستلْزِم بدون
المستلْزَم.
حجة المنع مطلقاً (6) : أن الوصف لو كان علة لثبت الحكم معه في
جميع صوره عملاً به، ولم يثبت معه في جميع صوره، فلا يكون علة.
ولأن الوصف من حيث هو هو إما أن يكون مستلزماً للعلة [أو لا
يكون، فإن كان لزم (7) وجود (8) الحكم معه في
_________
(1) المذهب الأول والثاني طرفان، فالأول: اعتبار النقض قادحاً
يمنع من التعليل بالوصف المدَّعى مطلقاً سواء كانت العلة
منصوصة أو مستنبطة، وسواء كان تخلُّف الحكم عن الوصف لمانعٍ أو
لا. وهذا مذهب من لا يجوِّز تخصيص العلة الشرعية، وهم بعض
الحنفية، وجميع مشايخ المالكية كما قاله الباجي، وأكثر
الشافعية، ورواية عن أحمد. انظر: المعتمد 2 / 284، إحكام
الفصول ص 654، شرح اللمع للشيرازي 2 / 882، أصول السرخسي 2 /
208، المسودة ص 412، كشف الأسرار للبخاري 4 / 77، البحر المحيط
للزركشي 7 / 330. والمذهب الثاني: عكسه مطلقاً، وهو قول بعض
الحنفية، وعليه أكثر أصحاب الإمام أحمد، ونسبه العلوي في نشر
البنود (2 / 205) والولاتي في نيل السول
ص (186) لأكثر المالكية. انظر: المراجع السابقة، وانظر: جامع
الأسرار للكاكي 4 / 1080، شرح الكوكب المنير 4 / 58، تيسير
التحرير 4 / 9، نثر الورود 2 / 527.
(2) في ق: ((لم)) .
(3) وهو مختار البيضاوي في المنهاج. انظر: الإبهاج (3 / 85) ،
وعليه الشريف التلمساني من المالكية. انظر: مفتاح الوصول له ص
682.
(4) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(5) المذهب الرابع حكاه الجويني عن معظم الأصوليين. انظر:
البرهان 2 / 634. وفيه نظر، كما عُلم من المذاهب السابقة.
(6) أي: المنع من التعليل بالوصف المدَّعى، فهؤلاء يعتبرون
النقض قادحاً مطلقاً.
(7) في ن: ((يلزم)) والمثبت أوفق للسياق.
(8) ساقطة من ن.
(2/350)
جميع صوره، وإنْ لم يكن كان] (1) الوصف
وحده ليس بعلة حتى ينضاف (2) إليه
غيره، والمقدَّر أنه علة، وهذا خُلْفٌ.
حجة الجواز مطلقاً (3) : أن الموجِب للعلية هو المناسبة،
فالمناسبة (4) تقتضي أنها حيث وجدت ترتَّب الحكم معها وقد وجدت
فيما عدا صورة النقض، فوجب (5) ثبوت الحكم معها، وإن لم يوجد
(6) معها في صورة النقض - وتكون العلة كالعام المخصوص إذا خرجت
عنه بعض الصور - بقي حجةً فيما عدا صورة التخصيص، سواء علم
موجب التخصيص أم (7) لا، كذلك ها هنا. فإن (8) تناول المناسبة
لجميع الصور [كتناول الدلالة اللغوية لجميع الصور] (9) ، فهو
في الحقيقة تخصيص، ولذلك يقول كثير من الأصوليين والجدليين في
النقض: إنه تخصيص للعلة (10) ، وهذا هو المذهب المشهور (11) .
_________
(1) ما بين المعقوفين كتب في ق هكذا: ((فيلزم وجود الحكم معه
في جميع صوره، أو لا يستلزم العلة فيكون)) .
(2) في س: ((يضاف)) .
(3) أي: جواز التعليل بالوصف المدّعى، فهؤلاء لا يعتبرون النقض
قادحاً.
(4) في ق: ((وهي)) .
(5) في ق: ((فيجب)) .
(6) في ق: ((يكن)) .
(7) في س، ق: ((أو)) قال ابن هشام ((وقد أوِلع الفقهاء وغيرهم
بأن يقولوا: سواء كان كذا أو كذا ... والصواب العطف بـ" أمْ
")) مغني اللبيب (1 / 95) وخالفه الهروي فقال: ((فإن قلتَ:
سواء عليَّ قمتُ أو قعدتُ، بغير استفهام، لم تعطف إلا بـ" أو
")) الأزهيّة في علم الحروف ص 138. والصواب - والله أعلم - أن
الكلّ صواب. انظر: موسوعة الحروف في اللغة العربية د. إميل
بديع يعقوب ص 125 - 126.
(8) في ق: ((لأن)) .
(9) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(10) مسألة تخصيص العلة انظرها في: شرح العمد 2 / 132، العدة
لأبي يعلى 4 / 1386، شرح اللمع
2 / 883، أصول السرخسي 2 / 408، المحصول للرازي 5 / 323، مفتاح
الوصول ص 680، كتاب الجدل لابن عقيل ص 301.
(11) انظره في: هامش (1) ص 350.
(2/351)
حجة الثالث: أن الفرق (1) إذا وجد في صورة
النقض كان ذلك الفارق مانعاً من ثبوت الحكم مع العلة في صورة
النقض، فكان العذر منتهضاً (2) في عدم ثبوته في صورة النقض،
أما إذا لم يوجد فارق كان عدم الحكم في صورة النقض مضافاً لعدم
عليَّة الوصف لا لقيام المانع، فلا يكون الوصف علة (3) .
حجة الرابع: أن الوصف إذا نُصَّ على كونه علة تعين الانقياد
لنص صاحب الشرع وهو أعلم بالمصالح، فلا عبرة بالنقض مع نص صاحب
الشريعة (4) ، بل النص مقدم، أما إذا لم يوجد (5) نص تعيَّن أن
الوصف ليس بعلة؛ لأنه لو كان علة لثبت الحكم معه في جميع صوره،
وليس فليس.
وجواب النقض (6) : إما بمنع وجود الوصف في صورة النقض، أو
بالتزام الحكم فيها.
لما كان النقض لا يتم إلا بأمرين، أحدهما: وجود الوصف في صورة
النقض، والثاني: عدم الحكم فيها (7) ، [كان انتفاء] (8) أحد
هذين يمنع تحقُّق النقض، فإنه إن لم يوجد الوصف لا يقال وجد
الوصف بدون الحكم، وكذلك إذا وجد الحكم فلَكَ منع وجود الوصف
في صورة النقض، بأن تعتبر (9) بعض قيود العلة، فلا تجده في
صورة
_________
(1) أي: الفرق بين وجود المانع من الحكم في صورة النقض وعدم
المانع.
(2) في ن: ((منتظماً)) .
(3) ساقطة من س.
(4) في ن: ((الشرع)) .
(5) في ق: ((نجد)) .
(6) قال ابن قدامة: ((واختلف في وجوب الاحتراز في الدليل عن
صورة النقض، والأليق وجوب الاحتراز، فإنه أقرب إلى الضبط،
وأجمع لنشر الكلام، وهو هيّن)) . روضة الناظر (3 / 938) ، ثم
ذكر طرقاً أربعة لدفع النقض. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص
186، المعونة في الجدل ص 42، الكافية في الجدل ص 191، الايضاح
لقوانين الاصطلاح لابن الجوزي ص 327، البحر المحيط للزركشي
7/341، التوضيح لحلولو ص 352 - 353.
(7) ساقطة من ق.
(8) في ق: ((فمتى انتفى)) .
(9) في س: ((يعتبر)) .
(2/352)
النقض، والمُوْرِد للنقض تخيّل (1) أنه
موجود، فتمنعه (2) حينئذٍ، مثاله قولك (3) في (4) الوقف: عقد
نَقْلٍ (5) ، فوجب أن يفتقر للقبول قياساً على البيع، فيقول
السائل: يُشْكل بالعتق (6) ، فنقول له: لا نسلم أن العتق
نَقْلٌ بل هو إسقاط كالطلاق، والإسقاط لا يفتقر للقبول بخلاف
النقل والتمليك (7) . ولك منع عدم الحكم في صورة النقض بناءً
على أحد القولين عندك في مذهبك بناءً على الخلاف من حيث الجملة
(8) .
القادح الثاني: عدم التأثير
ص: الثاني: عدم التأثير، وهو: أن يكون الحكم موجوداً مع وصف،
[ثم
يُعْدم] (9) ذلك الوصف ويبقى الحكم (10) ، فيقدح، بخلاف "
العكس ": وهو وجود
الحكم بدون الوصف في صورة أخرى (11) فلا يقدح؛ لأن العلل
الشرعية يخلف
_________
(1) في ق: ((يحتمل)) ، وفي س: ((يُخيَّل)) وكلاهما محتملان.
(2) في ق، س: ((فيمنعه)) وهو تصحيف.
(3) في ق: ((قولنا)) .
(4) ساقطة من س.
(5) المراد بالنَّقْل: نقل للمِلْك أو الملكية، وسيورد المصنف
فصلاً بديعاً في آخر الكتاب ص (525 - 527) يفرِّق فيه بين:
النقل، والإسقاط، والقبض والإقباض ... إلخ.
(6) أي يقول المعترض: هذا منقوض بالعتق، فهو عقد نَقْلٍ مع أنه
لا يفتقر إلى القبول اتفاقاً.
(7) مسألة الوقف هل يفتقر إلى القبول؟ فيها تفصيل. انظره في:
المغني 8 / 187، الذخيرة 6 / 316، مغني المحتاج 3 / 534، مواهب
الجليل 7 / 648.
(8) ذكر الشوشاوي له مثالاً في: رفع النقاب القسم (2 / 883) ،
فانظره ثمَّة
(9) في متن هـ: ((يُقدَّم)) وهو تحريف.
(10) بعبارة أخرى: هو بقاء الحكم بعد زوال الوصف الذي فُرِض
علّةً. انظر هذا القادح في: المعتمد
2 / 261، المنخول ص 411، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 265،
التمهيد لأبي الخطاب
4 / 125، الإحكام للآمدي 4 / 85، التوضيح لحلولو ص 353، تيسير
التحرير 4/134، 151، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 195، المعونة
في الجدل ص 237، الكافية في الجدل ص 290، كتاب الجدل لابن عقيل
ص 423.
(11) المصنف اتبع الرازي في تسمية هذا الطريق " بالعكس " وهكذا
سار الشارحون والمختصرون للمحصول، بَيْد أن البيضاوي لم يرتضِ
هذه التسمية، فسماه: " عدم العكس " وصوّبه الإسنوي معللاً بأن
العكس: هو انتفاء الحكم لانتفاء العلة، أما عدم العكس: فهو
ثبوت الحكم في صورةٍ بعلّةٍ أخرى غير العلة الأولى. لكن
تعقَّبه المطيعي بأن العكس تارة يطلق ويراد به تخلفه، أي: عدم
العكس، وذلك في مقام عَدِّه من=
(2/353)
بعضها بعضاً (1) .
الشرح
مثال عدم التأثير: أن تحريم الخمر ثابت مع اللون الخاص للخمر،
فإذا (2) تغيَّرتْ إلى لون آخر والتحريم باقٍ، فيُعلم أن علة
التحريم ليس هو ذلك اللون. والعكس: هو عكس النقض، فإن النقض
وجود العلة بدون الحكم، والعكس وجود الحكم بدون العلة. مثال
النقض: تعليل الزكاة بالغنى، فيُنْقض (3) بالعَقَار الذي فيه
الأجرة العظيمة والمنافع الجزيلة مع عدم وجوب الزكاة، فهذا
نقض؛ لأنه وجود العلة التي هي الغنى بدون الحكم الذي هو وجوب*
الزكاة.
ومثال العكس: تعليل الحد بجناية القذف، فينقض بشرب الخمر أو
بغيره، فلا يرد؛ لأن [علل الشريعة] (4) يَخْلُف بعضها بعضاً،
وكما لو قال قائل: الإنزال سبب وجوب (5) الغسل، فيُنقض بانقطاع
دم الحيض، فإن الغسل واجب ولا إنزال، فلا يرد هذا السؤال؛ لأن
الأسباب يخلف بعضها بعضاً، وكذلك الأسباب والأدلة.
قال الشيخ سيف الدين الآمدي رحمه الله: يرد سؤال النقض ولا يرد
سؤال العكس، إلا أن يتفق (6) المناظران على اتحاد العلة، فيرد
النقض والعكس (7) .
_________
(1) = القوادح على القول بذلك، وتارة يُراد نفسُه في مقام
عَدِّه شرطاً - أي من شروط العلة (الطرد
والعكس) - على القول به ... إلخ انظر: سلم الوصول حاشية على
نهاية السول 4 / 184. وانظر هذا القادح في: المحصول للرازي 5 /
261، تشنيف المسامع 3 / 341، التوضيح لحلولو ص 354، المنهاج في
ترتيب الحجاج ص 212، المعونة في الجدل ص 237، الايضاح لقوانين
الاصطلاح ص 345.
() لم يعُدّ المصنف عدم العكس قادحاً، وهو تفريع على القول
بتعدد العلل لمعلول واحد. وسيأتي مبحث تعدد العلل ص (363) .
(2) في ن: ((فإن)) وهو سائغ كما سبق الكلام عنه.
(3) في ق: ((فينتقص)) .
(4) في ن: ((العلل الشرعية)) .
(5) في ق: ((وجود)) .
(6) في س: ((تتفق)) وهي مستقيمة بما بعدها، إذْ جاء فيها "
المناظرات ".
(7) لم أجده في كتابيه: " الإحكام " و" منتهى السول في علم
الأصول " لا بلفظه ولا بمعناه. لكن أشار الآمدي في منتهى السول
(3 / 43) بأن له كتاباً في " الجدليات " اسمه: غاية الأمل في
علم الجدل، فلعل النقل كان منه، أو من كتابه " الترجيحات "
فإنه من موارد المصنف، كما جاء في كتابه نفائس الأصول (1 / 92)
.
(2/354)
وكثيراً (1) ما يغلط (2) طلبة العلم في
إيراد العكس، فيوردونه (3) كما يوردون (4)
النقض، وهو غلط كما بيَّنْتُ لك، فقد ظهر الفرق بين النقض
والعكس وعدم التأثير، فتأمَّلْ ذلك (5) .
القادح الثالث: القَلْب
ص: الثالث: القَلْب (6) :
وهو إثبات نقيض الحكم بعين العلة، كقولنا (7) في الاعتكاف:
لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلا يستقلُّ بنفسه (8) قياساً على
الوقوف بعرفة (9) ، فيكون الصوم شرطاً فيه، فيقول السائل:
لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلا يكون الصوم شرطاً فيه كالوقوف بعرفة
(10) ، وهو إما أن يُقْصد به (11) إثبات مذهب
_________
(1) في س، ن: ((وكثير)) . ولست أعلم لها وجهاً نحوياً. أما
المثبت فهو واضح؛ لأنه مفعول مطلق أو صفة نابت مناب مصدر محذوف
تقديره " غلطاً كثيراً ". انظر: شرح ملحة الإعراب للحريري ص
167.
(2) في س: ((تغلط)) وهو جائز. انظر: هامش (11) ص 67.
(3) في ن: ((فيردونه)) وهو تحريف؛ لأن الكلام في الإيراد.
(4) في ن: ((يردون)) وهو تحريف؛ لأن الكلام في الإيراد.
(5) انظر: نفائس الأصول 8 / 3398.
(6) القلب لغة: تحويل الشيء عن وجهه، وقلبْتُ الرداء:
حوَّلتُه، وجعلت أعلاه أسفله. انظر مادة
" قلب " في: لسان العرب، المصباح المنير. والمناسبة بين المعنى
اللغوي والاصطلاحي ظاهرة، انظرها
في: التلويح للتفتازاني 2 / 203. وانظر هذا القادح في: إحكام
الفصول ص 663، أصول السرخسي 2 / 238، التمهيد لأبي الخطاب 4 /
202، المحصول للرازي 5 / 263، نهاية الوصول للهندي 8 / 3449،
شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 519، التوضيح لحلولو ص 354، فواتح
الرحموت 2 / 408، نشر البنود 2 / 214، المنهاج في ترتيب الحجاج
ص 174، المعونة في الجدل ص 259، الكافية في الجدل ص 217، كتاب
الجدل لابن عقيل ص 449.
(7) في متن هـ: ((لقولنا)) وهو تحريف.
(8) هنا زيادة ((قربة)) في ن.
(9) هذه العبارة جاءت في ق هكذا ((فلا يستقل بنفسه كالوقوف
بعرفة)) .
(10) وقع خلاف قديم في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف، انظره في:
الحاوي 3 / 486، بدائع الصنائع
3 / 6، بداية المجتهد 3 / 241، المغني 4 / 459، الذخيرة 2 /
536.
(11) في ن: ((فيه)) وهو غير مناسب هنا، لأن القصد في الشيء
خلاف الإفراط، وهذا المعنى غير مقصود
هنا. انظر: مادة " قصد " في لسان العرب.
(2/355)
السائل، أو إبطال مذهب المستدل (1) .
فالأول كما سبق، والثاني كما يقول الحنفي: المسح (2) ركنٌ من
أركان الوضوء، فلا يكفي (3)
فيه أقلُّ ما يمكن، أصله الوجه، فيقول الشافعي: ركن من أركان
الوضوء، فلا يُقدَّر بالرُّبْع، أصله الوجه (4) .
الشرح
القلب: يُبْطل العلة من جهة أنه مُعارَضة في أنها موجبة لذلك
الحكم، فإذا أثْبتَ (5) بها القالب نقيض ذلك الحكم في صورة
النزاع استحال [إيجابها لذلك الحكم] (6) في صورة النزاع، وإلا
لاجتمع النقيضان في صورة النزاع* وهو
محال.
ومعنى قوله (7) ((فيكون الصوم شرطاً فيه)) : معناه أنه إذا لم
يستقل بنفسه، وكل من قال: إن الاعتكاف لا يستقل بنفسه قال الذي
يضاف إليه هو الصوم، فالمقدمة
_________
(1) وهناك أقسام أخرى للقلب انظرها في: شرح اللمع للشيرازي 2 /
944، البحر المحيط للزركشي
7 / 369، شرح الكوكب المنير 4 / 332.
(2) ساقطة من س، ق، ن. وهو سقط مُخلٌّ لافتقار الجملة إلى
المسند إليه (المبتدأ) . وفي متن هـ:
((وللنسخ)) وهو تحريف. وهي مثبتةٌ في م، ز، ومقدمة الذخيرة (1
/ 130) . أمّا المتن ر، والمتن د ففيهما: ((مسح الرأس)) .
(3) في س: ((يُكتفى)) وهو فعل لازم يتعدّىبالباء، فكان لابد أن
يقول بعد ذلك " بأقل "، ولهذا لا
تُرجَّح هنا. انظر: مادة " كفى " في: مختار الصحاح، المصباح
المنير.
(4) مذهب أبي حنيفة في مسح الرأس الاكتفاء بربع الرأس، ومن
الأحناف من قدَّره بالناصية، وبعضهم بمقدار ثلاثة أصابع.
والمشهور عند الشافعية الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه اسم المسح،
وهو ثلاث شعرات
فصاعداً. ومذهب مالك وظاهر مذهب أحمد وجوب تعميم الرأس بالمسح،
وخصّ أحمد الرجل بذلك دون المرأة. انظر: الحاوي 1 / 114، بدائع
الصنائع 1 / 102، بداية المجتهد 1 / 368، المغني
1 / 175، الذخيرة 1 / 259، مغني المحتاج 1 / 176، كشاف القناع
1 / 114، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 1 / 213.
(5) في ن: ((ثبت)) وهو تحريف.
(6) في ن: ((إلحاقها كذلك للحكم)) .
(7) في ن: ((قولهم)) .
(2/356)
الأولى: ثابتة بقياس القلب (1) ، والثانية:
ثابتة بالإجماع، من باب لا قائل بغير ذلك، فلو ثبت أن المضاف
غير الصوم لزم خلاف الإجماع*.
وأما قول الحنفي: ركن من أركان الوضوء فلا يكفي فيه أقل ما
يمكن [أصله الوجه] (2) ، هو استدلال على الشافعي، لأنه هو (3)
القائل (4) : يكفي في الرأس أقلُّ ما يسمى مسحاً، فيُبْطِل
بهذا القلب مذهب الشافعي، ولا يُثبت مذهب الحنفي في إيجاب مسح
الربع [من الرأس] (5) ، بل جاز أن يكون الواقع [مذهب مالك، وهو
إيجاب الجميع، ولا يكفي أقل ما يمكن من المسح (6) . وكذلك قول
الشافعي لما قلب فلا يُقدَّر بالربع أصله الوجه، لا يلزم من
عدم تمثيله بالربع الاكتفاء بأقل ما يمكن، بل جاز أن يكون
الواجب] (7) مسح الجميع، فليس في هذا القلب إثبات مذهب القالب،
بل إبطال مذهب المستدل فقط.
القادح الرابع: القول بالمُوجب
ص: الرابع: القول بالموجَب (8) : وهو تسليم ما ادَّعاه المستدل
موجَب علته
_________
(1) المقدمة الأولى هي: أن الاعتكاف لا يستقل بنفسه. كان طريق
ثبوتها قياس القلب أي قياس العكس، وحَدُّه: إثبات نقيض حكم
معلومٍ في معلومٍ آخر لتنافيهما في العلة. فالحنفي استدلّ
بقياس العكس على أن الاعتكاف لا يستقل بنفسه، بل لابد من ضميمة
الصوم، فقال: لو لم يشترط الصوم في صحة الاعتكاف عند الاطلاق،
لم يَصِرْ شرطاً له بالنذر، كالصلاة لمَّا لم تكن شرطاً له عند
الإطلاق، لم تصر شرطاً له بالنذر. ومن الأصوليين من خرم قياس
العكس. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 3 / 358، الإحكام للآمدي 3 /
183، السراج الوهاج 2 / 848، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 /
205، مفتاح الوصول ص 731، فصول البدائع للفناري 2 / 275،
التقرير والتحبير 3 / 162.
(2) في ق: ((كالوجه)) .
(3) ساقطة من ق، ن.
(4) في ق: ((يقول)) .
(5) في ق: ((منه)) .
(6) انظر: هامش (4) ص 356.
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) بفتح الجيم، اسم مفعول بمعنى ما توجبه العلة أو الدليل،
أي: الحكم الذي أوجبته العلة أو الدليل. والمُوجِب بكسر الجيم:
هو نفس العلة أو الدليل. انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 372،
رفع النقاب القسم 2 / 889. وفي المصباح المنير مادة " وجب ":
الموجِب بالكسر: السبب، وبالفتح: المُسبَّب. انظر هذا القادح
في: العدة لأبي يعلى 5 / 1462، المنخول ص 402، المحصول للرازي
5 / 269، تقريب الوصول ص 384، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 /
279، التلويح للتفتازاني 2 / 210، البحر المحيط للزركشي 7 /
372، التقرير والتحبير 3 / 340، التوضيح لحلولو ص 355، نثر
الورود
2 / 541، المنهاج للباجي ص 173، المعونة للشيرازي 246، الكافية
للجويني ص 161، كتاب الجدل لابن عقيل ص 443.
(2/357)
مع بقاء الخلاف في صورة النزاع.
الشرح
القول بالموجَب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به،
ومعناه الذي يقتضيه ذلك الدليل ليس هو المتنازع فيه، وإذا لم
يكن المتنازع فيه أمكن تسليمه واستبقاء الخلاف على حاله في
صورة النزاع.
مثاله في العلل: قول القائل الخيل (1) حيوان يُسابق عليه فتجب
(2) فيه الزكاة كالإبل؛ فإن الخيل يُسابق عليها كالإبل، فيقول
السائل: أقول بموجَب هذه العلة، فإن الزكاة عندي واجبة (3) في
الخيل إذا كانت للتجارة، فإيجاب الزكاة (4) من حيث الجملة أقول
به، إنما النزاع إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل (5) ،
فسلَّم ما اقتضته العلة، ولم يضره (6) ذلك في صورة النزاع.
ومثاله في النصوص: قول المستدل: إن المُحْرم لا يُغَسَّل ولا
يُمَسُّ بطيبٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم في محرم وَقَصَتْ به
ناقته: ((لا تُمِسُّوه بطيبٍ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً))
(7) يقول السائل: النزاع ليس في ذلك المحرم الذي ورد فيه النص،
وإنما النزاع في المحرمين في زماننا، والنص ليس فيه عموم
يتناولهم، إنما هو في شخص مخصوص (8) ، فلا يضرنا
_________
(1) ساقطة من س، ق، ن، ش. وهي مثبتة في م، ز، وفي ص، و: ((جواد
يسابق عليه ... )) .
(2) في س: ((فيجب)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص 27.
(3) ساقطة من س.
(4) وضع مصحح نسخة ق علامة هنا وأشار في الهامش بزيادة: ((في
رقابها)) وهو سهو بيّن. والصواب بدونها كما في الأصل، ولعلّ
مردَّ السهو قَفْزُ نظر الناسخ إلى السطر التالي لهذا.
(5) قول أكثر أهل العلم لا زكاة في غير بهيمة الأنعام، إلا أن
تكون عروض تجارة. وقال أبو حنيفة بالزكاة في الخيل إذا كانت
سائمة غير معدَّة للجهاد أو حمل الأثقال، أو الركوب، بل اقتنيت
لمجرد الاستيلاد والنتاج. انظر المسألة في: الحاوي 3 / 191،
بدائع الصنائع 2 / 445، بداية المجتهد 3 / 73، المغني 4 / 66،
الذخيرة 3 / 94، شرح فتح القدير 2 / 192، فقه الزكاة للقرضاوي
1 / 222.
(6) في س: ((يضر)) .
(7) سبق تخريجه.
(8) في ق: ((مخصص)) .
(2/358)
التزام موجَبه (1) ، وكذلك لو استدل بعضهم
على وجوب الزكاة بسورة الإخلاص، فإنا نقول بموجَبها الذي هو
التوحيد، ولا يلزم من ذلك وجوب الزكاة في صورة النزاع.
القادح الخامس: الفرق
ص: الخامس: الفَرْق (2) : وهو إبداء معنىً مناسبٍ للحكم في
إحدى الصورتين مفقود في الأخرى (3) .
وقَدْحه مبنيٌ (4) على أن الحكم لا يُعلَّل بعلتين، لاحتمال أن
يكون الفارق إحداهما، فلا يلزم من عدمه عدم الحكم، لاستقلال
الحكم بإحدى
العلتين.
الشرح
قولنا: ((مناسب)) احتراز من غير المناسب، وقد يكون الشيء
مناسباً لحكم غير الحكم المتنازع فيه.
مثال غير المناسب: أن نقيس (5) الأرز على البر في حكم الربا،
فيقول السائل: الفرق بينهما أن الأرز أشد بياضاً أو أيسر
تقشيراً من سنبله (6) .
_________
(1) يرى الأحناف والمالكية جواز تطييب المحرم وتغطية رأسه
كالحلال، لانقطاع إحرامه بالموت، ويجيبون عن الحديث بأنه واقعة
عين، والشافعية والحنابلة يرون عدم تطييبه وتغطية رأسه. انظر:
الحاوي 3 / 13، بدائع الصنائع 2 / 329، المغني 3 / 478،
الذخيرة 2 / 455، نيل الأوطار 4 / 40.
(2) يسمى أيضاً بسؤال المعارضة، وبسؤال المزاحمة. انظر: البحر
المحيط للزركشي (7 / 378) . والفَرْق لغةً: الفَصْل مصدر
فَرَق. انظر: المصباح المنير مادة " فرق ". وانظر هذا القادح
في: قواطع الأدلة
2 / 229، المنخول ص 417، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 217، المحصول
للرازي 5 / 271، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 276، نشر
البنود 2 / 223، المنهاج للباجي ص 201، المعونة للشيرازي ص
262، الكافية للجويني ص 298، الإيضاح لابن الجوزي ص 321.
(3) ومن تعريفاته الأوضح: بيان مانعٍ من الحكم في الفرع مع
انتفاء ذلك المانع في الأصل. تيسير التحرير
(
4 / 148) ، ومنها: إبداء المعترض معنىً يحصل به الفرق بين
الأصل والفرع حتى لا يلحق به في حكمه. شرح الكوكب المنير (4 /
320) .
(4) في ق: ((بني)) .
(5) في ق: ((يقيس)) .
(6) هذا الفارق غير قادح، لأنه فارق بوصف طردي، وقد عُهِد من
الشارع عدم التفاته إليه، وما من جامعٍ بين أصلٍ وفرعٍ إلا
ويمكن قطعه بالأوصاف الطردية، لكنه باطل.
(2/359)
مثال المناسب (1) لغير الحكم المذكور: أن
نقيس (2) المساقاة على القِرَاض (3) في جواز المعاملة على جزء
مجهول، فيقول السائل: الفرق أن الشجر إذا تُرِك العمل فيها
هلكتْ بخلاف النَّقْدين، وهذا [مناسب لأَنْ يكون] (4) عقد
المساقاة [لازماً لا جائزاً
بخلاف] (5) القراض، فإن القول بجوازه يؤدي إلى جواز رده بعد
مدة، فيَتْلَف الشجر، أما باعتبار الغرر فلا مدخل لمناسبة هذا
الفرق فيه.
مثال المناسب للحكم المذكور: أن نقيس الهبة (6)
على البيع في منع الغرر فيها، فيقول المالكي: الفرق أن البيع
عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة (7) يُخلُّ بها الغرر، والهبة
إحسانٌ صِرْفٌ لا يُخلُّ به الغرر، فإن لم يحصل شيء لا يتضرر
الموهوب له، بخلاف المشتري (8) .
قال الإمام فخر الدين: وقَدْحُه في القياس مبني على أن الحكم
لا يعلل بعلتين (9)
_________
(1) في ق: ((التناسب)) وهو تحريف.
(2) في ق: ((يقيس)) .
(3) القِراض هي تسمية أهل الحجاز، وهي المضاربة بتسمية أهل
العراق. والقِراض مشتق من القَرْض بمعنى القطع انظر مادة " قرض
" في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: قال ابن عرفة:
تمكين مالٍ لمن يتّجر به بجزءٍ من ربحه لا بلفظ الإجارة. شرح
حدود ابن عرفة للرصّاع 2 / 500.
(4) ساقط من ق.
(5) ساقط من ق.
(6) الهبة لغة: العطية الخالية من الأغراض والأعواض، من وهَب
يَهَب وَهْباً وهبةً. انظر: لسان العرب مادة " وهب ".
واصطلاحاً: تمليكُ ذي منفعةٍ لوجهِ المُعْطَى بغير عوض. شرح
حدود ابن عرفة للرصّاع
2 / 552.
(7) المكايسة: مفاعلة من كايس، يقال: كايَسْتُ فلاناً فكِسْتُه
أَكِيْسُهُ كَيْساً أي: غلبْتُه بالكَيْس، أي:
العقل. والمماكسة: المساومة لانتقاص الثمن. فالبيع فيه مكايسة
ومماكسة. انظر: مادة " مكس " في لسان العرب، النهاية في غريب
الحديث والأثر.
(8) انظر الخلاف في هبة الغرر في: الحاوي 7 / 535، بدائع
الصنائع 8 / 95، المغني 8 / 249، الذخيرة
6 / 243 - 244.
(9) عبارة الرازي في محصوله (5 / 571) : ((والكلام فيه (أي
الفرق) مبني على أن تعليل الحكم الواحد بعلتين، هل يجوز أم لا؟
وفيه مسألتان)) . ثم شرحهما وقال أخيراً في (5 / 279) : ((وهو
(أي الفرق) يقدح في جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين
مستنبطتين)) فالمصنف يبدو أنه دمج بين العبارتين، واستخلص مذهب
الرازي في أن القدح بالفرق يكون في الحكم المعلَّل بعلَّة
واحدة أو معلل بعللٍ متعددة مستنبطة، أما الحكم المعلل بعلل
منصوصة فلا يقدح. وربما كان النقل من غير المحصول والمنتخب
والمعالم والله أعلم.
(2/360)
[فإن شأن تعليل الحكم بعلتين] (1) أن
انفراد (2) إحداهما (3) يوجب (4) ثبوت الحكم، وعدم الأخرى لا
يضر، كما نقول في تعليل إجبار الأب: إنه معلل بالصِّغَر
والبكارة، فإذا انفردت إحدى العلتين وهي البكارة ثبت الجبر
[كالمُعَنَّسة (5) على الخلاف (6) ،
أو الصغر ثبت الجبر] (7) كالثيب الصغيرة، أو اجتمعتا معاً ثبت
الجبر كالبِكْر الصغيرة، فإذا أورد السائل الفرق، يقول القائس:
فَرْقُه معنى (8) مناسب هو علة أخرى في الأصل مع المشترك بين
صورة الأصل وصورة النزاع، [وقد اجتمعتا (9) معاً في الأصل،
فترتَّب الحكم، وانفرد المشترك في صورة النزاع] (10) ، وهو
إحدى (11) العلتين، فترتب الحكم عليه، ولا يضر عدم الفارق في
(12) صورة (13) النزاع، لأن عدم إحدى العلتين لا يمنع ترتب
الحكم، فلذلك قال (14) : إن سماع الفرق مبني على أن الحكم لا
يعلل بعلتين.
[غير أن ها هنا إشكالاً وهو: أن الجمهور على جواز تعليل الحكم
بعلتين] (15) ،
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(2) في ق: ((انفرد)) وهي تحريف.
(3) في ق: ((أحدهما)) وهو خطأ نحوي. انظر: هامش (3) ص 58.
(4) في ن: ((توجب)) وهو خطأ؛ انظر: هامش (7) ص 112.
(5) المُعَنَّسة: اسم مفعول من عَنَّس، وعَنَست المرأة
تَعْنِسُ وتَعْنُسُ عنوساً، وهي عانس. وعَنَّسها أهلُها:
أمسكوها عن التزويج، فالمعنَّسة هي المرأة التي طال مكثها في
منزل أهلها بعد إدراكها، ولم تتزوج حتى خرجت من عداد الأبكار.
انظر مادة " عنس " في: لسان العرب، المصباح المنير.
(6) انظر خلاف أهل العلم في تعليل إجبار الأب موليّته على
النكاح في: الحاوي 9 / 52، بدائع الصنائع
3 / 357، بداية المجتهد 4 / 209، المغني 9 / 398. وفي خصوص
البكر المعنَّسة قال الصنف في الذخيرة (4 / 217) ((لا تجبر
الثيّب البالغ عندنا لعدم العلتين، وفي البكر المعنَّسة
روايتان)) .
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) في ق: ((منعى)) وهو تحريف.
(9) هكذا في س وهو الصواب؛ لعود الضمير على مثنى مؤنث
(العلتان) ، وفي س، ن: ((اجتمعا)) .
(10) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(11) في س، ن: ((أحد)) والمثبت من ق هو الصواب. انظر: هامش (3)
ص 58.
(12) هكذا في س، ز، وفي سائر النسخ ((من)) وهي لا تعطي معنى
مناسباً.
(13) هنا زيادة ((عدم)) في ق وهي مقحمة بطريق السهو.
(14) أي: الفخر الرازي. انظر المحصول 5 / 271، 279.
(15) ساقط من ق.
(2/361)
والجمهور على سماع الفرق (1) ،
فيبطل قوله: إن سماع الفرق ينافي تعليل الحكم بعلتين (2) ؟.
والجواب: أن الفرق قد (3) يصلح للاستقلال (4) بالعليَّة، كما
نقول (5) في الصغر مع* البكارة، وقد لا يصلح للاستقلال (6) كما
يفرق بزيادة المشقة ومزيد الغرر من باب صفة الصفة التي لا تصلح
للتعليل المستقل، فما (7) لا يصلح للاستقلال (8) يمكن أن يسمع
مع جواز التعليل بعلتين؛ لأن السؤال السابق حينئذٍ لا يتجه،
وهو الذي قال به الجمهور، وما (9) يصلح للاستقلال (10) لا يمكن
إيراده إذا جوَّزنا التعليل بعلتين، فهذا تلخيص هذا الموضع
(11) .
_________
(1) اختلفت مذاهب الأصوليين في القدح بالفرق على ثلاثة مذاهب،
الأول: أنه ليس قادحاً، نقله الجويني عن طوائف من الجدليين
والأصوليين. والثاني: يرى أن الفرق ليس سؤالاً إنما هو معارضة
الأصل بمعنى، ومعارضة العلة التي نصبها المستدل بعلةٍ أخرى
مستقلة، والمعارضة مقبولة، وهو معزوٌّ إلى ابن سريج والأستاذ
أبي إسحاق. الثالث: مذهب الجمهور أن الفرق يقدح في العلة
ويبطلها، وهو سؤال صحيح، نص الجويني على أنه مذهب جماهير
الفقهاء والمحققين. انظر: البرهان 2 / 686 وما بعدها، المنخول
ص 417، البحر المحيط للزركشي 7 / 80.
(2) في س: ((بمثلين)) ولا مناسبة لها هنا.
(3) ساقطة من ن.
(4) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(5) في س: ((تقول)) .
(6) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(7) في ق: ((فيما)) ، وفي س: ((لما)) وكلاهما تحريف.
(8) في ن: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(9) هنا زيادة ((لا)) في س وهي خاطئة؛ لأنها تقلب المعنى
المراد.
(10) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(11) انظر توضيحاً لما سبق في: نفائس الأصول 8 / 3459.
(2/362)
الفصل الخامس
في تعدد العلل (1)
ص: يجوز تعليل الحكم الواحد (2) بعلتين منصوصتين (3) خلافاً
لبعضهم، نحو وجوب الوضوء على مَنْ بَالَ ولاَمَسَ (4) ، ولا
(5) يجوز بمستنبطتين؛ لأن الأصل عدم الاستقلال (6) فيُجْعلان
علةً واحدة (7) .
الشرح
حجة الجواز في المنصوصتين (8) : أن لصاحب الشرع أن يربط الحكم
بعلة،
_________
(1) لشيخ الإسلام كلام نفيس جداً في هذه المسألة يجدر الرجوع
إليه، ومفاده أن النزاع في هذه المسألة تنوعي لفظي. انظر:
مجموع الفتاوى 20 / 167 - 175، المسودة ص 416 - 418. وانظر:
سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 196 - 202.
(2) ساقطة من س.
(3) في س: ((منصوصين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن الصفة تتبع الموصوف "
علتين " في التأنيث والتذكير.
(4) هذا استدلال بالوقوع الشرعي، وهو أقوى دليل على الجواز.
أما مسألة وجوب الوضوء من الملامسة فممَّا وقع فيها خلاف
الفقهاء. انظر: الحاوي 1 / 189، بدائع الصنائع 1 / 244، المغني
1 / 256، الذخيرة 1 / 225.
(5) ساقطة من س، وهو سقط قبيح؛ لأنه يقلب المعنى.
(6) في ق: ((الاستقبال)) وهو تحريف.
(7) الخلاف في تعدد العلل لمعلولٍ واحد تشعَّب إلى أربعة
مذاهب، الأول: يجوز مطلقاً، وهو للجمهور. الثاني: لا يجوز
مطلقاً، اختاره الآمدي في الإحكام (3 / 341) ، وابن السبكي في
جمع الجوامع بحاشية البناني (2 / 245) . الثالث: يجوز في
المنصوصة دون المستنبطة، وهو مذهب الرازي في المحصول
(5 / 271) ، وتبعه المصنف هنا، الرابع: عكسه، يجوز في
المستنبطة دون المنصوصة. انظر: البرهان 2 / 537، المستصفى 2 /
364، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 339، كشف الأسرار للبخاري
4 / 78، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 223، التمهيد للإسنوي
467، البحر المحيط للزركشي 7 / 221، التوضيح لحلولو ص 357، شرح
الكوكب المنير 4 / 71، فواتح الرحموت
2 / 342، نشر البنود 2 / 139.
(8) في س: ((المنصوصين)) وهو خطأ نحوي لما ذكر في هامش (3) ص
(363) .
(2/363)
وبعلتين فأكثر، [وبغير علة] (1) وبعلتين
فأكثر، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ثم إن المصالح قد تتقاضى
ذلك في وصفين، كما قلنا في الصغر والبكارة، فينص الشرع (2)
عليهما، وعلى استقلال كل واحد (3) منهما تحصيلاً لتلك المصلحة
وتكثيراً لها.
حجة المنع: أنه (4) لو عُلِّل الحكم بعلتين لاجتمع على الأثر
الواحد مؤثران مستقلان وهو محال، وإلا لاسْتُغْني بكل واحد
منهما عن كل واحد (5) منهما، فيلزم أن يقع بهما حالة عدم وقوعه
بهما، [وأن لا يقع بهما حالة وقوعه بهما] (6) ، وهو جمع بين
النقيضين؛ لأن [الوقوع بكل] (7) واحد منهما سَبَّبَ (8) عدم
الوقوع من الآخر، فلو حصل العلتان وهو الوقوع بهما لحصل
المعلولان وهو عدم الوقوع بهما.
ولأن تعليل الحكم بعلتين يفضي إلى نقض العلة وهو خلاف الأصل
(9) .
_________
(1) ساقطة من س، ن. ومسألة جواز خلو الحكم عن علّة يقول بها من
يجوّز خلو أفعال الله تعالى وأحكامه عن الحِكَم والمصالح، وهم
الأشاعرة والظاهرية. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 470،
الإرشاد للجويني ص 247، الفصل في الملل والنِحَل لابن حزم 3 /
210. وهذا القول منهم أوقعهم في التناقض إذ مبنى القياس على
العلّة، أشار إليه الشاطبي في الموافقات (2 / 11) . بل إن ابن
الحاجب
- وهو أشعري - حكى الإجماع على أن حكم الأصل لابد له من علّة،
انظر: منتهى السول والأمل
ص (181) . والحق أن أفعال الله تعالى وأحكامه جميعها معللة،
خَلَق وأمر لغاياتٍ مقصودة وحِكَمٍ محمودة ولو خفيت علينا، لكن
لا يخلو حُكْم عن علة أو حكمة، وهذا قول السلف وأكثر أهل
الحديث، ونسبه ابن تيمية إلى أكثر الناس من أتباع المذاهب
الأربعة، ونسبه ابن القيم إلى أهل التحقيق من الأصوليين
والفقهاء والمتكلمين، وبه قالت المعتزلة، لكن ليس على طريقة
أهل السنة. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 509،
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8 / 89، مفتاح دار السعادة
لابن القيم 2 / 410، المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول
الدين للشيخ د. محمد العروسي ص 71.
(2) في ق: ((الشارع)) .
(3) في ق: ((الواحدة)) والمثبت أولى؛ لأنه صفة " للوصف " وهو
مذكر.
(4) هذا الدليل الأول
(5) في ق: ((واحدة)) وهو خطأ؛ لأنها لم تأتِ على نسقٍ واحد مع
ما قبلها وما بعدها، والأولى التذكير وصفاً للأثر.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(7) في ق: ((وقوع كلّ)) .
(8) في ق: ((يُسبِّب)) ، وفي ن: ((سَلَب)) وكلاهما متَّجه.
(9) هذا الدليل الثاني.
(2/364)
بيانه: أنه إذا وجدت إحدى العلتين ترتَّب
عليها (1) الحكم، فإذا وُجِدت
الأخرى بعدها لا يترتب عليها شيء، فقد وجدت العلة الثانية بدون
الترتُّب (2) لتقدُّم الترتّب (3) عليها بناء على العلة
الأخرى، فيلزم وجود العلة بدون مقتضاها، وهو نقض
عليها (4) .
والجواب عن الأول: أن علل الشرع معرِّفات لا مؤثرات (5) ،
والمحال المذكور إنما يلزم من المؤثرات، ويجوز اجتماع معرِّفين
(6) فأكثر على مدلول واحد، كما يُعرَف (7) الله تعالى وصفاته
العُلا بكل جزء من أجزاء العالم (8) .
_________
(1) ساقطة من س.
(2) في س، ن: ((الترتيب)) وهو صحيح أيضاً، لكن مصدر ترتَّبَ هو
الترتُّب، والترتيب هو اسم المصدر منه. انظر قاعدة اشتقاق
المصدر واسم المصدر في: شرح التسهيل لابن مالك 3 / 122.
(3) في ن: ((الترتيب)) .
(4) في ق: ((عِلِّيَّتها)) وهو صواب أيضاً.
(5) سبقت الإشارة في تعريف العلة أن الاختلاف في تعريفها مبني
على مسألة تعليل أفعال الله وأحكامه. انظر: هامش (1) ص (320) ،
وهامش (1) ص (364) . فالتعبير عن العلة الشرعية بأنها مؤثرة
وموجبة للحكم بجعل الله لها ذلك، أو باعثة على الحكم، أو
معرِّفة له كل هذه المعاني صحيحة ومقبولة، ومن قال بأنها مؤثرة
بذاتها - وهو منسوب إلى المعتزلة - فقوله باطل؛ لأن فيه سلباً
لقدرة الله تعالى، وربما كان هذا مبالغةً منهم في مقابل خصومهم
الأشاعرة الذين نفوا تعليل أحكام الله وأفعاله، وتأثير الأسباب
في مسببَّاتها. ولهذا لا يرتضي أهل السنة أن تكون علل الأحكام
مجردَ علاماتٍ معرِّفةٍ وأماراتٍ سَاذَجةٍ عاطلةٍ عن الإيجاب،
مسلوبةِ التأثير، بل هي موجِبةٌ للمصالح ودافعةٌ للمفاسد. أما
وجه كون هذه الإطلاقات للعلة مقبولة فبالنظر إلى اعتبارات
مختلفة، فمن حيث إن المكلف يتعرف بواسطتها على الحكم فهي
معرِّفة وعلامة وأمارة، ومن حيث إن الحكم المبني عليها يحقق
مصلحة للعباد فهي موجبة ومؤثرة وباعثة على الحكم لكن بجعل الله
لا بذاتها. والله أعلم. انظر: المسودة ص 385، بحث:
" حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة وأثره في الفقه الإسلامي "
لفضيلة شيخنا الدكتور علي الحكمي، بمجلة جامعة أم القرى، السنة
السابعة، العدد التاسع 1414 هـ، المسائل المشتركة للشيخ
الدكتور / محمد عبد القادر.
(6) في س: ((معرفتين)) .
(7) في ن: ((نَعْرِف)) .
(8) في س: ((العلة)) وهو تحريف.
(2/365)
وعن الثاني: أن النقض لقيام المانع لا يقدح
في العلة (1) كما تقدَّم (2) في النقض (3) ، فنقول به.
هذا في المنصوصتين، أما المستنبطتان فلا سبيل إلى التعليل
بهما؛ لأن الشرع إذا ورد بحكم مع أوصاف مناسبة وجب جعل كل واحد
منهما (4) جزءَ علةٍ لا علةً
مستقلةً؛ لأن الأصل عدم الاستقلال حتى ينص صاحب الشرع على
استقلالهما، أو
[أحدهما فيستقل] (5) .
_________
(1) في ق: ((العلية)) .
(2) في س: ((يقدم)) وهو تصحيف.
(3) انظره في ص 352.
(4) ساقط من ن.
(5) في ق: ((إحداهما فتستقل)) .
(2/366)
الفصل السادس
في أنواعها
وهي أحَدَ عَشَرَ نوعاً:
حكم التعليل بالمحل
ص: الأول: التعليل بالمحلِّ، فيه خلاف (1) ، قال الإمام: إنْ
جوَّزنا أن تكون العلةُ قاصرةً جوَّزناه، كتعليل الخمر بكونه
خمراً، أو البُرِّ يحرم الربا فيه لكونه بُرّاً (2) .
الشرح
العلة* القاصرة: هي العلة (3) التي لا توجد في غير محلِّ النص،
كوصف البرِّ والخمر إذا قلنا إن الخمر خاص بما عُصِر من العنب
(4) على صورة خاصة. والخلاف في العلة القاصرة هو مع الحنفية،
منعوها وأجازها الجمهور (5) . غير أن الفرق بين المحلِّ والعلة
القاصرة - من حيث الصورةُ والمعنى لا من حيث جوازُ التعليل -
أن (6) العلة القاصرة قد تكون وصفاً اشتمل عليه (7) محل النص
لم يوضع اللفظ له، والمحل ما وضع اللفظ له، كوصف البُرِّيَّة
مثلاً (8) إذا قيل: إنَّ البر اشتمل على نوع من الحرارة
والرطوبة لاءم به
_________
(1) الخلاف يؤول إلى ثلاثة مذاهب، وهي: منع التعليل بالمحل
مطلقاً، جوازه مطلقاً، جوازه في العلة القاصرة المنصوصة دون
المستنبطة أو المتعدية. انظر: المحصول للرازي 5 / 285، الإحكام
للآمدي 3 / 201، السراج الوهاج 2 / 954، شرح العضد لمختصر ابن
الحاجب 2 / 217، نهاية السول ومعه سلم الوصول 4 / 245، سلاسل
الذهب ص 411، شرح الكوكب المنير 4 / 51، التوضيح لحلولو
ص 358، رفع النقاب القسم 2 / 901، الصالح من مباحث القياس
لشيخنا الدكتور السيد صالح عوض ص 242.
(2) انظر: المحصول 5 / 285.
(3) ساقطة من ن.
(4) هنا زيادة ((أو)) في س.
(5) سيأتي مبحثها في النوع الثامن ص (378) .
(6) في ن: ((لأن)) وهو تحريف، يفضي إلى إعطاء معنىً غير مراد.
(7) في س: ((عليها)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يرجع إلى مذكر وهو "
وصف ".
(8) هنا زيادة: ((أما)) لا داعي لها.
(2/367)
مزاج الإنسان ملاءمةً لا تحصل بين الإنسان
والأرز، فإنَّ الأرز حارٌّ يابِسٌ [يُبْساً شديداً ينافي مزاج
الإنسان] (1) ، فحَرُم الربا في البرِّ، ومُنِع بَدَلُ واحدٍ
منه باثنين؛ لأجل هذه الملاءمة الخاصة التي لا توجد في غير
البرِّ (2) ، فهذه (3) علة قاصرة لا محلٌّ، وأما وصف
البُرِّيَّة بما هي بُرِّيَّة فهو المحل (4) ، فلذلك حسن من
الإمام تخريج التعليل بالمحل على التعليل بالعلة القاصرة، ولو
كانا شيئاً واحداً لم يحسن التخريج ولا التفريع، إذا ظهر لك
الفرق بينهما فكل ما يذكر في العلة القاصرة من الحِجَاج بين
الفريقين نفياً وإثباتاً هو بعينه ها هنا، فيكتفى بذلك عن ذكره
ها هنا.
حكم التعليل بالحكمة
ص: الثاني: الوصف إن لم يكن منضبطاً جاز التعليل بالحكمة (5) ،
وفيه خلافٌ (6) ،
_________
(1) ساقطة من ق.
(2) انظر: المحصول للرازي 5 / 285، نفائس الأصول 8 / 3489.
(3) في ق: ((فهذا)) والمثبت هو الصواب مراعاةً للتأنيث.
(4) في س: ((المحال)) وهو تحريف.
(5) الحكمة لغةً: عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.
والحكمة: العدل، والحكمة: تمنع الرجل من أخلاق الأرْذال،
وأحكمتُ الشيء: اتقنْتُه. انظر: مادة " حكم " في: لسان العرب،
المصباح المنير. وفي اصطلاح الأصوليين لها معنيان: الأول:
المعنى الذي لأجله جُعل الوصف الظاهر علةً، كالمشقة بالنسبة
للسفر، فإنها أمرٌ مناسب لشرع قصر الصلاة. والثاني: هي الثمرة
المترتبة على تشريع الحكم لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة، كدفع
المشقة المترتبة على إباحة الفطر في السفر. انظر: نهاية السول
للإسنوي 4 / 260، تشنيف المسامع 3 / 215، بحث لفضيلة شيخنا
الدكتور / علي الحكمي:
" حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة " بمجلة جامعة أم القرى،
السنة السابعة، العدد التاسع عام 1414هـ.
(6) ينحصر الخلاف في حكم التعليل بالحكمة في ثلاثة أقوال،
الأول: الجواز مطلقاً، سواء كانت الحكمة منضبطةً أم مضطربةً،
ظاهرةً أم خفيةً. الثاني: المنع مطلقاً. الثالث: التفصيل،
فيجوز التعليل بها إذا كانت ظاهرة منضبطة وإلا فلا. انظر:
المحصول للرازي 5 / 287، الإحكام للآمدي 3 / 202، المسودة ص
423، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 213، التوضيح لحلولو ص
359، شرح الكوكب المنير 4 / 47، فواتح الرحموت 2 / 333، دراسات
حول الإجماع والقياس لفضيلة شيخنا الدكتور / شعبان محمد
إسماعيل ص 202.
ولقد أطنب الدكتور / محمد مصطفى شلبي في هذه المسألة، فجاء
فيها بالبدائع والروائع، ودلَّل بالوقائع على أن الأئمة
الأربعة ومن سبقهم كانوا يسلكون مسلك التعليل بالحكمة، انظر
كتابه: " تعليل الأحكام " ص 135 - 153. وانظر بحث الدكتور /
علي الحكمي، المشار إليه في الهامش قبل السابق.
(2/368)
والحكمة هي التي لأجلها صار الوصف علةً،
كذهاب (1) العقل الموجِب لجعل الإسكار علةً.
الشرح
ومن الحكمة اختلاط الأنساب، فإنه سبب جَعَل وصف الزنا سببَ
وجوب (2) الحدِّ، وكضياع المال الموجب لجعل وصف السرقة سبب
القطع.
حجة الجواز: أن الوصف إذا جاز التعليل به فأولى بالحكمة؛ لأنها
أصله، وأصل الشيء لا يَقْصُر عنه، ولأنها نفس المصلحة والمفسدة
وحاجات الخَلْق، وهذا هو سبب ورود الشرائع، فالاعتماد عليها
أولى من الاعتماد على فرعها.
حجة المنع: أنه لو جاز التعليل بالحكمة لما جاز التعليل
بالوصف، لأن الأصل لا يُعْدل عنه إلى فرعه إلا عند تعذُّره،
والحكمة ليست متعذِّرة، فلا يجوز العدول عنها فيُعلَّل بها،
[ومتى عُلِّل بها] (3) سقط التعليل بالوصف، فظهر أنه لو صحَّ
التعليل بالحكمة لامتنع التعليل بالوصف، لكن (4) المنع من
الوصف خلاف إجماع (5) القائسين (6) ، ولأنه لو جاز التعليل
بالحكمة (7) للزم تخلُّف الحكم عن علته وهو خلاف الأصل.
بيانه: أن وصف الرضاع سبب حرمة النكاح (8) ، وحكمتُه (9) : أن
جُزْء المرأة صار جزءاً (10) للرضيع؛ لأن لبنها جزؤها، وقد صار
لَحْماً للجنين، فأشْبَه مَنِيَّها الذي
_________
(1) في متن هـ: ((كإذهاب)) .
(2) في س: ((وجود)) والمثبت أدلّ على الحكم.
(3) ساقط من س.
(4) في س: ((لأن)) وهو تحريف.
(5) في س: ((اجتماع)) .
(6) في س: ((القياسِيِّيْن)) ، وفي ق: ((القَيَّاسِيْن))
وكلاهما صالح، فالأُوْلى مفردها " قِياسيّ "، والثانية
" قيَّاس " وكلاهما نسبة إلى " قياس ". انظر قاعدة المنسوب في:
شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاستراباذي 2 / 4، 84.
والمثبت من نسخة ن مفرده: ((قائس)) وهو الأشهر على لسان
الأصوليين.
(7) في س: ((الحِكَم)) وهو صحيح، جمع " حِكْمة "، وفي ن:
((الوصف)) وهو خطأ جليّ؛ لأن الدليل مسوقٌ لإبطال التعليل
بالحكمة لا بالوصف.
(8) في ن، ق: ((الرضاع)) وهو خطأ؛ لأن الرضاع يكون سبباً في
حرمة النكاح.
(9) ساقطة من س، وهو سَقْط مخلّ.
(10) هنا زيادة ((لمن)) وهي مقحمة خطأ.
(2/369)
صار جزءاً للجنين، فكما أن ولد الصُّلْب
حرام فكذلك ولد الرضاع، وهو سر قوله عليه الصلاة والسلام
((الرضاع لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب)) (1)
إشارة إلى الجزئية، فإذا كانت هذه هي الحكمة، فلو أكل جَنينٌ
(2) قطعةً من لحم امرأة فقد صار جزؤها جزأه، فكان يلزم التحريم
وهو لم يقل به أحد، وكذلك إذا كانت الحكمة في وصف الزنا هي (3)
اختلاط الأنساب، فإذا أخذ رجل صِبْياناً (4) ، وفرَّقهم [إلى
حيث لم يرهم] (5) آباؤهم، حتى صاروا رجالاً ولم يعرفْهم (6)
آباؤهم، فاختلطت أنسابهم حينئذٍ، فينبغي أن يجب (7) عليه حدُّ
الزنا لوجود حكمة وصف الزنا، لكنه خلاف الإجماع، فعلمنا أنه لو
جاز التعليل بالحكمة [للزم النقض وهو خلاف الأصل، فلا يجوز
التعليل بالحكمة] (8) ، وهو (9) المطلوب.
_________
(1) لم أجد هذا الحديث فيما اطلعت عليه في دواوين السُّنة. لكن
ورد حديث في الوَلاَء، ربما وقع اللّبس بسببه، وهو حديث ابن
عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ((الولاء لُحمةٌ كلحمة النسب لا
يُباع ولا يُوهب)) أخرجه ابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان
11 / 326، والحاكم في مستدركه وصححه 4 / 341، والبيهقي في سننه
الكبرى (10 / 292) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6 / 109)
. ومعنى
" اللُّحمة ": القرابة، والمراد المخالطة والمداخلة الشديدة،
كأنهم شيء واحد. انظر مادة " لحم " في: لسان العرب، النهاية في
غريب الحديث والأثر. ويمكن أن يُستدلَّ للمصنف على معنى
الجزئية بحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ((لا يحرم من الرضاع إلا ما فَتَق الأمعاء وكان
قبل الفطام)) رواه الترمذي (1151) وقال: حسن صحيح، وصححه
الألباني في الإرواء (7 / 221) ، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه
مرفوعاً ((لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم)) رواه أبو
داود
(
2059) وضعفه الألباني في الإرواء (7 / 223) .
(2) قال ابن عاشور: ((صوابه: طفل؛ لأن الجنين الولدُ في
الرَّحِم خاصةً)) حاشية التوضيح 2 / 182.
(3) في ن، ق: ((هو)) وهي مقبولة باعتبار التذكير الذي بعدها.
انظر: النحو الوافي لعباس حسن
1 / 265.
(4) هنا زيادة: ((صغاراً)) في ق.
(5) ما بين المعقوفين في ق: ((من)) .
(6) في ق: ((تعرفهم)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (67) .
(7) في ن: ((يحد)) .
(8) ما بين المعقوفين كتب في ق هكذا: ((لما جاز بالوصف)) .
(9) هنا زيادة: ((خلاف)) في ن وهي شاذة عن جميع النسخ، وربما
كان وجهها أن يقال: والتعليل بالحكمة خلاف المطلوب.
(2/370)
حكم التعليل بالعدم
ص: والثالث: يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء، فإنَّ
عدم العلة علةٌ لعدم المعلول (1) .
الشرح
حجة المنع: أن (2) العدم نفي (3) محض لا تمييز فيه، [وما لا
تمييز فيه] (4) لا يمكن (5) جعله علة، فإن العلة فرع التمييز.
_________
(1) التعليل بالنظر إلى ما يُعلَّل به - باعتبار الوجودي
والعدمي - لا يخرج عن أربع صور، الأولى: تعليل الحكم الوجودي
(الثبوتي) بالوصف الوجودي، مثل تعليل تحريم الخمر بعلة
الإسكار، أو ثبوت الربا بعلة الطعم. الثانية: تعليل الحكم
العدمي بالوصف العدمي، مثل: تعليل عدم نفاذ تصرف المجنون بعلة
عدم العقل، أو عدم صحة البيع لعدم الرضا. فهاتان الصورتان
حُكِي الإجماع على جوازهما، أما الأولى
فنعم، وأما الثانية فنُقل عن الحنفية مَنْعُهم من التعليل
بالعدم مطلقاً. انظر: أصول السرخسي 2 / 230، المحصول للرازي 5
/ 283، نهاية الوصول للهندي 8 / 3491، شرح العضد لمختصر ابن
الحاجب
2 / 214، التقرير والتحبير 3 / 222، فتح الغفار 3 / 23.
الصورة الثالثة: تعليل الحكم العدمي بالوصف الثبوتي، وهو ما
يسمّيه الفقهاء: بالتعليل بالمانع كتعليل عدم وجوب الزكاة
بثبوت الدين، وتعليل عدم نفاذ التصرف بالإسراف أو السفه.
اختلفوا فيه، هل من شرطه وجود المقتضي أم لا؟ وادَّعى الزركشي
في البحر المحيط (7 / 189) الاتفاق على جوازه. وستأتي هذه
الصورة عند المصنف في النوع الحادي عشر ص (384) .
الصورة الرابعة: تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي، كما سماها
المصنف هنا " التعليل
بالعدم "، كتعليل استقرار الملك لعدم الفسخ في زمن الخيار،
وكتحريم الذبيحة لعدم التسمية، وتعليل إجبار البكر على الزواج
لعدم الثيوبة. هذه الصورة وقع فيها النزاع على قولين: جواز
التعليل وهو للجمهور، وعدم الجواز وهو للأحناف ومختار الآمدي
وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم. انظر المسألة في: شرح اللمع
للشيرازي 2 / 840، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 48، المعالم للرازي
ص 170، الإحكام للآمدي 3 / 206، منتهى السول والأمل ص 169،
المسودة ص 418، مفتاح الوصول
ص 673، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 240، التوضيح لحلولو ص
359، تيسير التحرير 4 / 3، فواتح الرحموت 2 / 334، نشر البنود
2 / 129.
(2) هذا الدليل الأول.
(3) في ق: ((بقي)) وهو تحريف.
(4) ساقطة من ق.
(5) في ن: ((يمكنه)) وهو تحريف.
(2/371)
ولأن (1) العلة وصف وجودي؛ لأنها نقيض [أن
لا عليَّة] (2) المحمولةِ على العدم و (3) ((لا عليَّة))
عَدَمٌ، فتكون العلة (4) وجودية (5) ، والصفة الوجودية لا تقوم
بالعدم ولا المعدوم، وإلا لزمنا الشكُّ في وجود الأجسام؛ لأنا
لا نرى من العالم إلا أعراضه، فإذا جوَّزنا قيام الصفات
الوجودية بالمعدوم، جوَّزنا أن تكون هذه الألوان قائمة
بالمعدوم فلا يوجد شيءٌ من أجزاء العالم، وهو خلاف الضرورة.
والجواب عن الأول: أن العدم* الذي يقع (6) التعليل** به لابد
أن يكون عدم شيءٍ بعينه، فهو عَدَمٌ متميِّزٌ فيصح التعليل به،
كما تقول عدم علة التحريم علة الإباحة في جميع موارد الشريعة؛
لأن الإسكار علة التحريم والتنجيس، فإذا عُدِم ثَبَت التطهيرُ
والإباحة. وعن الثاني: قولنا " لا عليّة "، حَرْف سَلْبٍ دخل
على اسم سَلْبٍ؛ لأن العليَّة عندنا نِسْبة وإضافة (7) ،
والنسب والإضافات عدمية عندنا، والسلب
_________
(1) هذا الدليل الثاني.
(2) في ن: ((لا علة)) .
(3) هنا زيادة: ((أن)) في ق، ولا داعي لها.
(4) في س: ((العلية)) .
(5) في ن: ((وجود)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر كان ولنقص الحروف.
(6) في ن: ((يقوم)) .
(7) النِّسَب والإضافات سيشير إليها المصنف في شرحه للمتن
التالي، وهي أمور اعتبارية عدمية لا وجودية، والنسبة والإضافة
من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الإضافة من أقسام النسبة.
والمراد بالنسبة هنا: أن يكون الشيء لا يُعْقل إلا بالقياس إلى
غيره. وهي سبع في المشهور: الإضافة، والأين، والمتى، والوَضْع،
والمِلْكِ، والفعل، والانفعال. وقد جاءت في المقولات العشر:
الجوهر، والكم، والكيف، والسبع المذكورة سلفاً، جاءت على
الترتيب في هذين البيتين:
زيدُ الطويلُ الأزرقُ ابنُ مالكِ *في بيتِهِ بالأمسِ كان
مُتَّكِي
بيدهِ غُصْنٌ لواه فالْتَوَى* فهذه عَشْرُ مقولاتٍ سَوَا
والإضافة: هي النسبة العارضة للشيء بالقياس إلى نسبةٍ أخرى لا
تُعْقل إحداهما إلا مع الأخرى، كالأبوة والبنوة وتسمى
بالمتضايفين. انظر: المُبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء
والمتكلمين للآمدي
ص 112، طوالع الأنوار من مطالع الأنظار للبيضاوي ص 187، تسهيل
المنطق ص 26، شرح المحلِّي لجمع الجوامع بحاشية البناني 2 /
427، تشنيف المسامع 4 / 887.
أما وجه كون " العلية " نسبة إضافية عدمية، فلأنها معنىً
وعَرَضٌ لا تكون إلا بمعلولٍ، ولا تعقل بدونه. والله أعلم.
(2/372)
إذا دخل على السلب صار ثبوتاً، فـ" لا
عليَّة " ثبوتٌ لا سلبٌ، فلا يتمُّ مقصودكم، فتكون العلية
عدمية، لأن نقيضها ثبوت.
حكم التعليل بالإضافات
ص: الرابع: المانعون من التعليل بالعدم امتنعوا من التعليل
بالإضافات (1) ؛ لأنها عدم (2) .
الشرح
النسب والإضافات كالأبوة والبنوة، و [التقدُّم والتأخُّر] (3)
، والمعية والقبلية والبعدية، وجوديةٌ عند الفلاسفة عدميةٌ
عندنا، غير أن (4) وجودها ذهني فقط (5) ، فهي موجودة في
الأذهان لا (6) في الأعيان، والأوصاف العدمية عَدَمٌ مطلقٌ (7)
في الذهن والخارج، فهذا هو الفرق بينهما، واستوى القسمان في
العدم في الخارج، فلذلك من منع هناك (8) منع هنا (9) .
_________
(1) في ن: ((بالإضافة)) .
(2) انظر: المحصول للرازي 5 / 299، الإحكام للآمدي 3 / 209،
تشنيف المسامع 3 / 218، البحر المحيط للزركشي 7 / 191.
(3) في ن: ((التقديم والتأخير)) .
(4) في ن، ق: ((أنها)) وهو جائز؛ لأن الهاء حينئذٍ ستكون اسم "
إن "، وهي مبدل منه في نية الطَّرح،
و" وجودها " بدل اشتمال. انظر: الكواكب الدرِّية على متممة
الآجرومية لمحمد الأهدل ص 573، 575.
(5) اختُلِف في النسب والإضافات، أهي وجودية أم عدمية؟
فالفلاسفة يرون أنها وجودية في الأعيان والأذهان، وعامة
المتكلمين يرون أنها عدمية خارجاً لا ذهناً. انظر أقوال
الفريقين مع أدلتهم في: مقاصد الفلاسفة للغزالي ص 164، 174،
جمع الجوامع بحاشية العطار 2 / 498، شرح المقاصد لسعد الدين
التفتازاني 2 / 465، المعجم الفلسفي د: جميل صليبا 1 / 101،
مجموع الفتاوي لابن تيمية
16 / 104 - 106.
(6) في ن: ((مقدرة)) .
(7) في جميع النسخ ما خلا نسخة ص: ((مطلقاً)) ولستُ أعلم لها
وجهاً. أما المثبت فهو نعت " عدم ".
(8) في ق: ((هذاك)) وهو اسم إشارة للبعيد، والجمع بين هاء
التنبيه والكاف قليل. انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان 1 /
208، وفي ن: ((هذا)) .
(9) في س، ن، ق: ((هذا)) وهو صحيح. والمثبت من النسخة م أنسب
للسياق.
(2/373)
حكم التعليل بالحكم
الشرعي
ص: الخامس: يجوز التعليل بالحكم الشرعي [للحكم الشرعي] (1)
خلافاً
لقوم، كقولنا (2) نَجِسٌ فيحرم (3) .
الشرح
حجة الجواز: أن (4) علل الشرع معرِّفات، فللشارع أن يَنْصِب
حكماً عَلَمًا على حكم آخر (5) كما يَنْصِب النجاسة (6) التي
هي حكم شرعي على تحريم البيع أو الأكل الذي هو حكم شرعي.
حجة المنع: أن (7) الحكم شأنه أن يكون معلولاً، فلو صار علة
لانقلبت الحقائق.
ولأن (8) الحكمين متساويان (9) في أن كل واحد منهما حكم (10) ،
فليس جعل أحدهما علة للآخر (11) أولى من العكس.
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. والعبارة السابقة جاءت في متن
هـ هكذا: ((الخامس: يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي ...
)) .
(2) في س: ((كقوله)) .
(3) في مسألة التعليل بالحكم الشرعي مذهبان، الأول: الجواز،
وهو للجمهور، وللآمدي وابن الحاجب تفصيل وقيود في المسألة؛
جعله الشيخ محمد جعيط في منهج التحقيق والتوضيح (2/171) مذهباً
ثالثاً. الثاني: عدم الجواز، وهو مذهب الأقلين كما في الإبهاج
(3 / 143) ، وفي شرح الكوكب المنير
(4 / 92) : ((ويُعْزى إلى بعض المتكلمين ... )) . انظر المسألة
بأدلتها في: المعتمد 2 / 261، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 44
الواضح لابن عقيل 2 / 63، المحصول للرازي 5 / 301، الإحكام
للآمدي
3 / 210، كشف الأسرار للبخاري 3 / 615، شرح العضد لمختصر ابن
الحاجب 2 / 230، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 620، البحر
المحيط للزركشي 7 / 209، التوضيح لحلولو ص 360، تيسير التحرير
4 / 34.
(4) ساقطة من س.
(5) ساقطة من ن.
(6) في ن: ((النجاسات)) .
(7) هذا الدليل الأول.
(8) هذا الدليل الثاني.
(9) في ق: ((متساويين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر " إن " مرفوع.
(10) هنا زيادة: ((شرعي)) في ق، ولا حاجة لها.
(11) في ق: ((الأخرى)) وهو خطأ نحوي؛ لأن " الحكم " مذكر.
(2/374)
والجواب عن الأول: ليس في ذلك قلْبٌ
للحقائق، بل يكون ذلك الحكم معلولاً لعلَّته (1) ، وعلَّته (2)
معرِّفةٌ لحكمٍ آخر غير علته وغيره. فإن ادعيتم أن شأن الحكم
أن (3) لا يكون علةً ألبتة، فهذا محل النزاع.
وعن الثاني: أن المناسبة تعيِّن (4) أحدهما للعلية والآخر
للمعلولية، كما تقول: نجس فيحرم، وطاهر فتجوز به الصلاة، فإن
النجاسة مناسبة للتحريم، والطهارة مناسبة لإباحة الصلاة، فما
وقع الترجيح [إلا بمرجّح] (5) ، ولو عُكِس هذا وقيل: لا يجوز
بيعه [فيحرم لم ينتظم (6) ؛ لإنه قد يحرم بيعه لغصبه أو لعجزه
عن تسليمه أو غير ذلك] (7) .
حكم التعليل بالأوصاف العُرْفيَّة
ص: السادس: يجوز التعليل بالأوصاف العُرْفية كالشَّرف،
والخِسَّة (8) ،
بشرط
[اطِّرادها وتميُّزِها عن غيرها] (9) .
_________
(1) في ق: ((بعلته)) .
(2) في س: ((علة)) وهو تحريف.
(3) ساقطة من ن.
(4) في ق: ((بغير)) وهو تحريف.
(5) ساقطة من ن.
(6) لو قال المصنف في العكس: ((يحرم فينجس، أو لا يجوز بيعه
فيكون نجساً لم ينتظم)) - لو قال هكذا - لكان دالاًّ على
المراد؛ لأن المراد دفع حجة المانعين في قولهم: ((فليس جعل
أحدهما علةً للآخر أولى من
العكس)) . وعبارة المصنف: ((لا يجوز بيعه فيحرم)) لا تدل على
المطلوب، إذ " لا يجوز " بمعنى " يحرم".
(7) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(8) الشرف: العلو، والخِسَّة: الحقارة والدناءة. انظر: المصباح
المنير مادتي " شرف، خسس ". وقال الشوشاوي: المراد بالشرف: ما
لا تتقزَّزه النفوس. ومثَّل له باللّبن والعسل؛ فإنهما طاهران
لشرفهما، لكن اعترض عليه بالخمر، فإنها لا تقزَّزها النفوس ومع
ذلك فهي نجس (عنده) . وقال: المراد بالخِسَّة: ما تقزَّزه
النفوس، كالخمر والبول نجسان لخستهما، واعترض عليه بالمُخَاط
فالنفوس تتقززه، ومع هذا فهو طاهر. انظر: رفع النقاب القسم 2 /
913. وانظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي
8 / 3512، نهاية السول 4 / 255، التوضيح لحلولو ص 361، شرح
الكوكب المنير 4 / 46، نشر البنود 2 / 127.
(9) ما بين المعقوفين كتب في ن ((اطراده وتميزه عن غيره))
وربما كان وجهه عود الضمير على مفرد
" الأوصاف ". وفي س، ومتن هـ ((اطرادها وتمييزها عن غيرها)) .
(2/375)
الشرح
أما الجواز: فإن الشرف يناسب التكريم والتعظيم وتحريم الإهانة
ووجوب الحفظ، والخسة تناسب ضِدَّ هذه الأحكام من تحريم التعظيم
وإباحة الإهانة، فهذا وجه (1) جواز (2) التعليل بها.
وأما اشتراط اطِّرادها: فلأن (3) ذلك الحكم إذا لم يوجد في
جميع صور ذلك الوصف، ووجد (4) الحكم بدونه ومعه، فهو عدم
التأثير (5) ، وهو يدل على [عدم اعتبار] (6) ذلك الوصف.
وأما التمييز: فلأن التعليل بالشيء فرع تمييزه (7) عن غيره،
لأن الحكم يعتمد التصور (8) (9) .
حكم التعليل بالعلة المركبة
ص: السابع: يجوز التعليل بالعلة المركبة (10) عند الأكثرين،
كالقتل العمد
_________
(1) في ق: ((وجوه)) .
(2) في ن: ((إجازة)) .
(3) في س، ن: ((فإن)) .
(4) في ق، س: ((ويوجد)) .
(5) فسَّر الرازي الاطراد بألاَّ يختلف باختلاف الأوقات، فلو
لم يكن ذلك العُرْف حاصلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يجز التعليل به. انظر: المحصول (5 / 305) . لكن المصنف لم يرتض
ذلك كما في نفائس الأصول (8 / 3521) . وقال حلولو: ((الأقرب
أنه لا يشترط ثبوت ذلك العُرْف في زمانه صلى الله عليه وسلم بل
الشرط معرفة كون الشرع رتَّب الحكم على ذلك الوصف المُدْرك
بالعرف ... )) التوضيح ص 361.
(6) في س: ((اعتماد)) وهو خطأ؛ لأنه يقلب المعنى.
(7) في ق: ((تميُّزه)) ، وفي ن: ((يميزه)) وكلاهما متجه.
(8) في ق: ((النصوص)) ولعلَّها تحرَّفت بسبب أن بعد هذا الكلام
يأتي المتن مسبوقاً بحرف " ص " وأسقط الراء.
(9) هذان الشرطان وهما: اطراد العلة، وتمييزها عن غيرها ليسا
مخصوصين بهذه الصورة، بل هما شرطان في جميع صور التعليل. انظر:
رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 914.
(10) تنقسم العلة باعتبار كميتها إلى قسمين، الأول: العلة
البسيطة؛ وهي التي لم تتركب من أجزاء مثل: علة الإسكار في
تحريم الخمر. الثاني: العلة المركبة: وهي ما تركّبت من جزأين
فأكثر بحيث لا يستقلُّ كلُّ واحدٍ منها بالعلية، مثل: القتل
العمد العدوان في وجوب القصاص. انظر السراج الوهاج 2 / 953،
تشنيف المسامع 3 / 212، الصالح في مباحث القياس ص 239.
(2/376)
العدوان (1) .
الشرح
حجة (2) الجواز: أن المصلحة قد لا تحصل إلا بالتركيب، فإن
الوصف الواحد (3) قد يقصر، كما تقول: إن وصف الزنا لا يستقل
بمناسبة وجوب (4) الحدِّ إلا بشرط أن يكون الواطيء عالماً
بأنها أجنبية، فلو (5) جهل ذلك لم يناسب وجوب الحد، وكذلك
القتل وحده لا يناسب وجوب القصاص حتى ينضاف إليه العمد
العدوان.
حجة المنع: أن القول بتركيب العلة الشرعية يفضي إلى نقض العلة
العقلية (6) .
[بيانه: أن القاعدة* العقلية] (7) أن عدم جزء المركَّب علةٌ
(8) لعدم ذلك المركب، فإذا فرضنا علةً شرعية مركبة أو عقلية
فعُدِم جزء منها فلا شك أن ذلك المركب يُعْدم وتعدم تلك العلية
(9) تبعاً (10) له، فإذا عُدِم جزء آخر بعد ذلك لم يترتب عليه
عَدَم ذلك
_________
(1) مسألة التعليل بالوصف المركب فيها ثلاثة أقوال، الأول:
يجوز وهو للأكثرين. الثاني: لا يجوز. الثالث: يجوز بشرط ألا
تزيد الأجزاء عن خمسة أو سبعة، وهو قول غريب ولا حجة على
الحصر. انظر: شرح اللمع للشيرازي 2 / 837، المحصول للرازي 5 /
305، الإحكام للآمدي 3 / 212، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 /
230، التوضيح لحلولو ص 361، شرح الكوكب المنير 4 / 94، تيسير
التحرير 4 / 35، فواتح الرحموت 2 / 352، نثر الورود 2 / 464.
وقيل: الخلاف لفظي؛ لأن من أجاز التعليل بالمركب جعل جميع
الأوصاف علة، ومَنْ مَنَع تعلَّق بوصفٍ واحد، وجعل الباقي
شروطاً لذلك الوصف. وقيل: الخلاف معنويٌ. انظر: جمع الجوامع
بحاشية البناني 2 / 235، سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية
السول 4 / 93، الخلاف اللفظي د. عبد الكريم النملة 2 / 156.
(2) ساقطة من س.
(3) هنا زيادة: ((حجة)) في ن، وهي مقحمة لا حاجة لها.
(4) في س، ن: ((وجود)) .
(5) في س: ((فإن)) .
(6) العلة العقلية هي: العلة التي توجب الحكم بذاتها، كالحركة
علةٌ في كون المتحرِّك متحرِّكاً. انظر: التلخيص للجويني 3 /
289، البحر المحيط للزركشي 7 / 145.
(7) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(8) ساقطة من ن.
(9) في س: ((العلة)) .
(10) في س، ن: ((تبع)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها منصوبة على أنها
مفعول لأجله.
(2/377)
المركب، ولا تلك العلية (1) ؛ لتقدُّم ذلك
على عدمه، وإلا لزم تحصيل الحاصل (2) ، فقد وُجِدت العلة
العقلية بدون أثرها وهو نقض (3) العلة العقلية، وهو محال.
فإن قلت: هذا يقتضي ألاّ يوجد مركب في العالم، وهو خلاف
الضرورة.
قلتُ: لا معنى للمركّب في (4) الخارج إلا تلك الأجزاء،
والمجموع إنما هو صورة (5) ذهنية، أما العليَّة (6) فهي حكم
شرعي خارجيٌّ عَرَضيٌّ (7) لذلك المركب فافترقا.
والجواب: أن نقض العلة العقلية غير لازم؛ لأنه إذا عُدِم جزءٌ
من الثلاثة عُدِمت الثلاثة، والباقي بعد ذلك هو جزء الاثنين لا
جزء الثلاثة (8) ، فإذا عُدِم أحد (9) الاثنين الباقيين الآن
يُعدم مجموع الاثنين، فعَدَمه علةٌ لعدم الاثنين لا لعدم
الثلاثة (10) ؛ لأن عدم الباقي ليس جزء الثلاثة؛ فإن جزئية
الثلاثة أمر نسبي يذهب عند ذهاب أحد الطرفين وهو الثلاثة (11)
.
حكم التعليل بالعلَّة القاصرة
ص: الثامن: يجوز التعليل بالعلة القاصرة (12) عند
_________
(1) في س: ((العلة)) .
(2) لأنا إذا جعلنا عدم الجزء الثاني علةً في عدم العلية، كان
ذلك تحصيلاً للحاصل ضرورةَ أن عدم العلية قد تحقق بعدم الجزء
الأول.
(3) وجه النقض: أننا جعلنا عدم الجزء الثاني غير مؤثر في عدم
العلية، والمؤثر هو عدم الجزء الأول.
(4) ساقطة من س.
(5) في ق: ((ضرورة)) .
(6) في س: ((العلة)) ، وفي ق: ((العقلية)) .
(7) ق: ((عَرَض)) .
(8) أي أن الاثنين الباقيين من الثلاثة هو ماهية أخرى غير
ماهية الثلاثة.
(9) ساقطة من س.
(10) فلم توجد العلة بدون أثرها فلا نقض.
(11) انظر: نفائس الأصول 8 / 3526.
(12) سبق تعريفها عند المصنف بأنها العلة التي لا توجد في غير
محل النص، وشَرَحها هناك فانظره
ص (367) . ويسميها بعضهم: ((بالعلة اللازمة)) لأنها تلزم المحل
ولا تتعدَّاه، وتسمَّى: ((بالعلَّة الواقفة)) لأنها واقفة في
مكانها دون أن تبرحه إلى غيره. انظر: إحكام الفصول ص 633، شرح
اللمع للشيرازي (2 / 841) . ويقابلها العلة المتعدِّية. انظر:
نهاية السول للإسنوي 4 / 256.
(2/378)
الشافعي (1) وأكثر المتكلمين (2)
خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه (3) ، إلا أن تكون منصوصة (4) ؛ لأن
فائدة التعليل عند الحنفية التعدية للفرع وقد انتفتْ (5) .
وجوابهم: بقاء (6) سكون النفس للحكم والاطلاع على مقصود الشرع
فيه.
الشرح
قال القاضي عبد الوهاب: القاصرة (7) قال [بها بعض] (8) أصحابنا
وأصحاب الشافعي، وانبنى على ذلك تعليل الذهب والفضة بأنهما
أصول الأثمان* والمتمولات،
_________
(1) انظر النسبة إليه في: التلخيص (3 / 284) وقال إمام الحرمين
بأنه مذهب معظم المحققين من الأصوليين، البرهان 2 / 699، شفاء
الغليل ص 537، المحصول للرازي 5 / 312، الإحكام للآمدي 3 /
216، سلاسل الذهب ص 276.
(2) انظر النسبة إليهم في: المعتمد 2 / 269، المحصول للرازي 5
/ 312، نهاية الوصول للهندي 8 / 3519. وممن ذهب إلى جواز
التعليل بالقاصرة المالكية، وأكثر الشافعية، ومشايخ سمرقند من
الحنفية، وإحدى الروايتين عند أحمد. انظر: المقدمة في الأصول
لابن القصار، إحكام الفصول ص 633، المستصفى
2 / 368، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 62، ميزان الأصول للسمرقندي
2 / 904، المسودة 411، كشف الأسرار للنسفي 2 / 186، تخريج
الفروع على الأصول للزنجاني ص 47.
(3) انظر: أصول السرخسي 2 / 158، بذل النظر ص 613، كشف الأسرار
للبخاري 3 / 567، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 152،
جامع الأسرار للكاكي 4 / 1047. وممن منع التعليل بالقاصرة بعض
الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد عليها أكثر الحنابلة. انظر:
العدة لأبي يعلى
4 / 1379، قواطع الأدلة 2 / 116، شرح الكوكب المنير 4 / 53.
(4) محل النزاع في التعليل بالعلة القاصرة فيما إذا كانت
مستنبطة، أما المنصوصة أو المجمع عليها فلا خلاف في جواز
التعليل بها إلا ما حكاه القاضي عبد الوهاب في " الملخص " عن
أكثر فقهاء العراق بالمنع مطلقاً، واستغربه ابن السبكي في
الإبهاج (3 / 144) وقال بأنه لم يره فيما وقف عليه من كتب
الأصول. وهل الخلاف فيها لفظي أو معنوي؟ انظر: تعليل الأحكام
د. محمد شلبي ص 164 - 174، وكتاب: الخلاف اللفظي د. عبد الكريم
النملة 2 / 160.
(5) في ن: ((امتنعت)) .
(6) في ن، متن هـ: ((بقي)) .
(7) في س، ق: ((بالقاصرة)) .
(8) ساقط من س، ق.
(2/379)
ومنعها أكثر العراقيين (1) ، وفصَّل بعضهم
بين المنصوصة والمستنبطة، فمنع المستنبطة، إلا أن ينعقد (2)
فيها إجماع (3) .
حجة المنع مطلقاً: أن القاصرة غير معلومة من طريق (4) الصحابة
رضوان الله عليهم فلا تثبت؛ لأن القياس وتفاريعه إنما تُلُقِّي
(5) من الصحابة، ويلزم من عدم المدرك (6) عدم الحكم.
حجة من فصَّل بين المنصوصة وغيرها: أن النص تعبُّد من الشارع
يجب تلقيه بالقبول، أما استنباطنا نحن فلا يجوز (7) أن يكون
إلا للتعدية (8) .
والجواب عن الأول (9) : أن المنقول عن الصحابة رضوان الله
عليهم الفحص عن حِكَم (10) الشريعة وأسرارها بحسب الإمكان، ومن
حِكَم (11) الشريعة الاطلاع على حكمة الشرع في الأصل، فيكون
ذلك أدعى لطواعية العبد وسكون نفسه للحكم (12) .
وعن الثاني (13) : أنا نستنبط لما تقدَّم من الفوائد (14) ،
ولأنه قد يجتمع (15) في الأصل مع القاصرة وصْفٌ متعدٍّ، والحكم
منفيٌّ عنه (16) بالإجماع، فيكون ذلك الوصف
_________
(1) انظر تعليقاً على هذا المنع في: هامش (4) ص 379.
(2) في س: ((يعتقد)) ، وفي ن: ((يعقد)) .
(3) انظر النسبة إليه في: البحر المحيط للزركشي 7 / 200،
التوضيح لحلولو ص 361، رفع النقاب القسم
2 / 917، نشر البنود 2 / 132.
(4) في س: ((طريقة)) .
(5) في ق: ((يُلقَّى)) .
(6) في ن: ((المدلول)) وهي غير موفية بالغرض.
(7) هنا زيادة: ((إلا)) في س تغني عنها التالية بعد ذلك.
(8) في ن: ((لتعدية)) .
(9) أي: عن حجة المنع مطلقاً.
(10) في ن، ق: ((حكمة)) .
(11) في س: ((حكمة)) .
(12) في ق: ((في الحكم)) .
(13) أي: عن حجة من فصَّل.
(14) عدَّ الزركشي في البحر المحيط (7 / 201) تسع فوائد
للتعليل بالعلة القاصرة، فانظرها ثمَّة.
(15) في ن: ((تجتمع)) وهو تصحيف؛ لأن فاعله مذكَّر.
(16) في س: ((منه)) .
(2/380)
المتعدي (1) إنما تُرِك لأجل عدم (2)
القاصرة، فإنَّ عدم العلة علةٌ لعدم المعلول، فإذا لم يُعتبر
القاصر يكون المتعدي قد تُرِك [بلا معارض] (3) . فهذه فائدة
أخرى في اعتبار القاصرة (4) .
حكم التعليل بالاسم وبالأوصاف المقدَّرة
ص: التاسع: اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم (5) .
_________
(1) ساقطة من س.
(2) ساقطة من ن، وهي مثبتة في جميع النسخ.
(3) في س: ((لا لمعارض)) ، وفي ن: ((لا لعارض)) .
(4) عبارة المصنف هنا فيها عُسْر، حاول الشيخ محمد جعيط
تيسيرها في كتابه: منهج التحقيق والتوضيح
(
2 / 174) ، وعبارة المحصول (5 / 316) ، أوضح مما هاهنا إذ
يقول: ((يجوز أن يوجد في الأصل وصف متعدٍّ مناسب لذلك الحكم،
فلو لم يجز التعليل بالعلة القاصرة لبقي ذلك الوصف المتعدِّي
خالياً من المعارض، فكان يجب التعليل به، وحينئذٍ كان يلزم
ثبوت الحكم في الفرع. أما لو جاز التعليل بالوصف القاصر صار
معارضاً لذلك الوصف المتعدِّي، وحينئذٍ لا يثبت القياس، ويمتنع
الحكم)) . وانظر: الإحكام للآمدي 3 / 217.
(5) التعليل بالاسم كما لو قيل: علة الربا في البُرِّ تسميته
بُراًّ، وعلة التحريم في الخمر لأن اسمها خمر، ومسألة التعليل
بالاسم تُغَاير مسألة القياس في اللغات. فالأولى: لبيان هل
يناط حكم شرعي باسمٍ؟ والثانية: لبيان هل يُسمَّى شيءٌ باسم
شيءٍ آخر لغةً لجامعٍ؟. انظر: البحر المحيط للزركشي (7 / 83) .
أما حكاية الاتفاق هنا فقد تبع المصنف فيها المحصول (5 / 311)
، وحكاها الهندي في نهاية الوصول (8 / 3527) ، لكنها منقوضة
بما نُقِل فيها من خلافٍ، وهو على ثلاثة مذاهب، الأول: الجواز
مطلقاً سواء كان الاسم مشتقاً كسارق ومملوك، أو كان الاسم
جامداً لقباً أو علماً كحمار وفرس ودينار وتراب، وهو مذهب أكثر
المالكية، وبعض الشافعية، وهو للحنابلة. انظر: المقدمة في
الأصول لابن القصار ص 192، إحكام الفصول ص 646، التمهيد لأبي
الخطاب 4 / 41، الوصول لابن برهان 2 / 283، المسودة ص 393، جمع
الجوامع بحاشية البناني 2 / 244. الثاني: المنع مطلقاً وهو
مذهب الحنفية وقول الرازي والمصنف والهندي. انظر: ميزان الأصول
للسمرقندي 2 / 910، المحصول 5 / 311، نهاية الوصول 8 / 3527،
كشف الأسرار للبخاري 3 / 564. الثالث: التفصيل بين المشتق
فيجوز، واللقب فلا يجوز، وهو قول بعض الشافعية، انظر: إحكام
الفصول ص 646، شرح اللمع للشيرازي 2 / 838، الكاشف عن المحصول
6 / 554، غاية الوصول للأنصاري ص 115، نثر الورود 2 / 471.
الغريب في شأن المصنف أنه نقل الخلاف في كتابه: نفائس الأصول
(8 / 3535) في هذه المسألة عن الباجي وغيره ثم قال: ((فهذه
ثلاثة أقوال لم يَحْكِها المصنف)) يعني الرازي. وهاهو هنا يحكي
الاتفاق ولم يحْكِ خلافاً.
(2/381)
العاشر: اختار الإمام (1) أنه لا يجوز
التعليل بالأوصاف المقدرة (2) خلافاً لبعض الفقهاء (3) ،
كتعليل العتق عن الغير بتقدير المِلْك (4) .
الشرح
أما الاسم بمجرده؛ فلأنه طَرْديٌ، مَحْضٌ والشرائع شأنها رعاية
المصالح ومظانها. أمَّا ما لا يكون مصلحة ولا مظنة للمصلحة
فليس دَأْب الشرائع (5) اعتباره.
وأما المقدرات فقد اشتد نكير الإمام فخر الدين عليها، وأنها من
الأمور التي لا يجوز أن تُعْتقد في الشرائع، وأنكر كون الولاء
(6) للمُعْتِق عن* الغير معلَّلاً بتقدير الملك له، وأنكر
تقدير الأعيان في الذمَّة، وأنها لا تُصوَّر (7) .
واعلم أن [المقدَّرات في] (8) الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب
من أبواب الفقه،
_________
(1) انظر: المحصول 5 / 318.
(2) في متن هـ: ((المتقدرة)) ، والأوصاف المقدَّرة هي:
المعبَّر عنها بالتقادير الشرعية، مثل: إعطاء الموجود حكم
المعدوم، وعكسه، وإعطاء المتأخر حكم المتقدم، وعكسه. مثال
الأول: وجود الماء في حق من لا يقدر على استعماله، والغرر
اليسير في البيع، وقاتل مورِّثه، فوجود ذلك كله كعدمه، أي:
نقدِّر عدميته. ومثال إعطاء المعدوم حكم الموجود: الحمل في
الميراث يوقف ميراثه حتى يولد، ومن ذلك الذمم إنما هي تقديرات
شرعية في الإنسان تقبل الإلزام والالتزام، والحقوق في الذمم
مقدرات ... إلخ. انظر: الأمنية في إدراك النية للمصنف ص 100 -
107، نفائس الأصول 8 / 3545، رفع النقاب القسم 2 / 920، وذكر
العز بن عبد السلام صوراً أخرى على المقدرات كإعطاء الآثار
والصفات حكم الأعيان والموجودات، فانظره في: قواعد الأحكام في
مصالح الأنام ص 552.
(3) لم أقف على تسميتهم. انظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي
8 / 3530، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 251، البحر المحيط
للزركشي 7 / 187، 192، التوضيح لحلولو ص 363، شرح الكوكب
المنير 4 / 90، نشر البنود 2 / 145.
(4) إذا قال من أراد التكفير بالعتق لمن عنده رقبة: ((أعتق
عبدك عني)) فأعْتَقه عنه، أجزأ عن كفارته، وثبت الولاء
للمُعْتَق عنه، وكل ذلك على تقدير التمليك، إذ لا يصح العتق
إلا بعد التملك، كأنه قال له: ملّكْني عبدك بكذا، ثم وكَّلتُك
في إعتاقه عني. انظر: الأمنية في إدراك النية للمصنف ص 89.
(5) في س: ((الشرع)) .
(6) هنا زيادة: ((يكون)) في ق.
(7) انظر: المحصول 5 / 319.
(8) ساقط من ق.
(2/382)
وقد بسطتُ ذلك في كتاب " الأمنية " (1) .
وكيف يتخيَّل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحدٍ بغير أمر (2)
مطالَب به، وكيف يكون الطلب بلا مطلوب؟! وكذا المطلوب يُمنع أن
يكون معيَّناً في السَّلَم وإلا لما كان سَلَماً، فيتعين أن
يكون في الذمة، ولا نعني بالتقدير إلا هذا، وكيف يصح (3)
العَقْد على إرْدَبٍّ (4) من الحِنْطة وهو غير معيَّن ولا
مقدَّر في الذمة، [فحينئذٍ هذا عقدٌ] (5) بلا معقودٍ عليه، بل
لفظ بلا معنى؟. وكذلك إذا باعه بثمنٍ إلى أجَلٍ هذا الثمنُ غير
معيَّن، فإذا لم يكن مقدَّراً في
الذمة كيف يبقى بعد ذلك ثمنٌ (6) يُتصوَّر؟. وكذلك الإجارة
لابد من تقدير
منافع في الأعيان حتى يصح أن تكون (7) موردَ العقد، إذ لولا
(8) تُخيِّل ذلك فيها امتنعت إجارتها ووقْفُها وعاريتها وغير
لك من عقود المنافع، وكذلك الصُّلْح على (9) الدَّيْن (10)
وغيره لابد من تَخيُّل المصالح عليه حتى يقابل بالطرف الآخر
ويكون متعلَّقَ عقدِ الصلح، وإذا لم يُقدَّر الملِكُ للمعتَق
عنه كيف يصحُّ القول ببراءة ذمته (11) من الكفارة (12) التي
أعْتق عنها؟ وكيف يكون له الولاء في غير عبد يملكه وهو لم
يملكه
_________
(1) ص 85 -120، وانظر: كتابه الفروق 1/70، 2/27، وانظر التعريف
به في القسم الدراسي ص 53.
(2) ساقطة من س.
(3) في ن، ق: ((صح)) .
(4) الإرْدب: مِكْيال ضخم يَسَع أربعة وعشرين صاعاً بصاع النبي
صلى الله عليه وسلم. انظر: مادة " ردب " في المصباح المنير،
القاموس المحيط. وهو ما يعادل 48.864 كيلوغراماً. انظر:
المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلّقة بها لمحمد نجم
الدين الكردي ص 176، 230.
(5) في ق: ((فيكون عقداً)) .
(6) في س: ((ثم)) وهو نقص في الحروف.
(7) في ن: ((يكون)) وهو تصحيف.
(8) في ن: ((لو)) بدون " لا " وهو خطأ؛ لأن المراد هنا التعبير
بحرف الامتناع لوجود وهو " لولا ".
(9) في س: ((عن)) .
(10) الصُّلح لغة: هو السِّلم. واصطلاحاً: هو انتقالٌ عن حقٍّ
أو دعوى بعوضٍ لرفْع نزاعٍ أو خوفِ وقوعه. شرح حدود ابن عرفة
للرصَّاع 2 / 421.
(11) في ن: ((الذمة)) .
(12) في ن: ((الكفارات)) .
(2/383)
محققا؟! فتعيَّن (1) أن يكون مقدراً، وكذلك
لا يكاد (2) يعرى باب من أبواب الفقه عن التقدير، فإنكار
الإمام مُنْكر، والحق التعليل بالمقدرات.
حكم التعليل بالمانع
ص: الحادي عشر: يجوز تعليل الحكم (3) العدمي بالوصف الوجودي
(4) ، ولا يتوقف على وجود المُقْتضِي عند الإمام (5) خلافاً
للأكثرين في التوقف (6) . وهذا هو تعليل انتفاء (7)
الحكم بالمانع، فهو يقول: المانع (8) هو (9) ضد علة الثبوت
والشيء لا يتوقف على ضده.
_________
(1) في ن: ((فيتعين)) .
(2) ساقطة من س.
(3) ساقطة من س.
(4) مرَّت هذه الصورة في الكلام عن الصور الأربع لتعليل
الوجودي والعدمي، انظر هامش (1) ص (371) . وتسمّى هذه الصورة "
بالتعليل بالمانع أو عدم شرط ". مثالها في العاديات: الطَّيْر
لا يطير لكونه في القفص. وفي الشرعيات: كتعليل عدم الميراث
بالرِّق والقتل، وتعليل عدم وجوب الزكاة بالدين، ومثال انتفاء
الحكم لعدم شرط: تعليل عدم الرجم بعدم الإحصان. انظر التوضيح
لحلولو 364.
(5) انظر: المحصول 5 / 323.
(6) اختلف الأصوليون في التعليل بالمانع، هل من شرطه وجود
المقتضي أم لا؟ على فريقين، الأول: لا يشترط، بمعنى لا يتوقف
التعليل بالمانع على وجود السبب المقتضي لثبوت الحكم، وهو
اختيار الرازي والبيضاوي وابن الحاجب وابن السبكي وابن الهمام.
انظر: المحصول 5 / 323، منتهى السول والأمل ص 177، الإبهاج 3 /
150، تيسير التحرير 4 / 37. الثاني: يشترط وجود المقتضي، نسبه
ابن السبكي والزركشي للجمهور، وقال التلمساني وابن النجار بأنه
قول الأكثر، وهو اختيار الآمدي والمصنف. انظر: الإحكام للآمدي
3 / 242، مفتاح الوصول ص 675، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 /
262، البحر المحيط 7 / 192، شرح الكوكب المنير 4 / 101. فعلى
المذهب الأول: لا يتوقف تعليل عدم طيران الطير بعلَّة
القَفَصِيّة على وجود المقتضي للطيران وهو الحياة. وعلى المذهب
الثاني: لا يصح هذا التعليل إلا مع وجود المقتضي وهو الحياة،
إذ لا يقال للطائر الميت أو مقصوص الجناح المحبوس في قفصه أنه
لا يطير لعلة كونه في القفص. من العلماء من نبَّه إلى أن
الخلاف في المسألة لفظي. انظر: سلم الوصول للمطيعي بحاشية
نهاية السول 4 / 295.
(7) ساقطة من س، ن، ق..ولا يضيرها هذا السقط إذا عُلم أن مراد
المصنف هو: ((وهذا هو تعليل الحكم العدمي بالمانع)) .
(8) ساقطة من متن هـ.
(9) ساقطة من ن، ق.
(2/384)
وجوابه: أنه لا يَحْسُن في العادة أن يقال
للأعمى: إنه لا يبصر زيداً للجدار الذي بينهما، وإنما يَحْسُن
ذلك في البصير.
الشرح
مدرك الجماعة (1) : العوائد والشرائع، أما العوائد فكما تقدم
في الضرير (2)
ونحوه، أما الشرائع فلا نقول في الفقير: إنه (3) لا يجب عليه
الزكاة؛ لأن عليه ديناً، وإنما نقول: لأنه (4) فقير، ولا نقول
في (5) الأجنبي: إنه لا يرث؛ لأنه عبد بل لأنه أجنبي.
وأما حجة الإمام: فلأن (6) المانع ضد المقتضي، وأحد الضدين لا
يكون [شرطاً في الآخر] (7) ؛ لأن من شَرْط الشرط إمكانَ
اجتماعه مع المشروط، والضدّ لا يمكن اجتماعه مع ضده (8) .
فالجواب عنه: أن المانع ليس ضد المقتضى، بل أثره ضد أثره،
فالتضادُّ بين الأثرين لا بين المؤثِّرين، فالدَّيْن والنِّصاب
لا تضاد بينهما، فيكون مديوناً وله نصاب من غير منافاة، لكن
أثر الدين عدم وجوب الزكاة، وأثر النصاب وجوب الزكاة، والزكاة
وعدمها متناقضان، ونحن لم نقل بأن أحد الأثرين شرطٌ في الآخر
[بل نَفَيْنا أحدَ الأثرين جَزْماً، وإنما قلنا أحدُ
المؤثِّرين شرطٌ في الآخر] (9) ، فأين أحد البابين من الآخر؟!
_________
(1) هنا زيادة: ((في)) في ن.
(2) في س، ن: ((الضرر)) وهو تحريف.
(3) ساقطة من ن.
(4) في ن: ((إنه)) .
(5) ساقطة من ق.
(6) في ق: ((بأن)) .
(7) في ق: ((شرط الآخر)) ثم أقحم المصحح لها حرف " في " بين
شرط والآخر، ولم يُصْلِح " شرط " لتكون " شرطاً " لأنها خبر:
يكون، ولكن وجه بقائها كما هي جائز بأن تقرأ على أنها فعل مبني
للمجهول " شُرِط ".
(8) لأن المانع يمنع من ثبوت الحكم، والمقتضى يوجب ثبوت الحكم،
فهما ضدان، فكيف يكون أحدهما شرطاً للآخر؟
(9) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(2/385)
الفصل السابع
فيما يدخله القياس
وهو ثمانية أنواع:
القياس في العقليات
ص: الأول: اتفق* أكثر (1) المتكلمين على جوازه في العقليات
ويسمونه (2) :
((إلحاق الغائب بالشاهد)) (3) .
الشرح
جعلوا الجامع في إلحاق الغائب بالشاهد (4) أربعة (5) :
الجمع بالحقيقة (6) : كقولنا ((حقيقة العالِم مَنْ قام به
العلم)) ، والله تعالى عالم فيقوم به العلم.
والجمع (7) بالدليل: كقولنا ((الاتقان في الشاهد دليل العلم))
، والله تعالى مُتْقِنٌ
_________
(1) ساقطة من س.
(2) في ق: ((وسموه)) .
(3) العلماء في إثبات الأحكام العقلية بالقياس على ثلاث طوائف،
طائفة منعت ذلك مطلقاً؛ لأن الأحكام العقلية قطعية والقياس
ظني، وطَرَدت المنع في الصفات الإلهية. وطائفة أجازت ذلك
مطلقاً. وطائفة توسَّطتْ فأجازت أن يدلّ القياس على الأحكام
العقلية والصفات الإلهية، لكنه لا يستقلُّ بإثباتها، وأجازوا
ذلك في قياس الأولى مستدلّين بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ
الأَعْلَىَ} [النحل: 60] . انظر: التبصرة ص 116، البرهان
للجويني 1 / 104، أساس القياس للغزالي ص 13، جمع الجوامع
بحاشية البناني 2 / 207، نهاية السول 4 / 42، مجموع الفتاوى
لابن تيمية 12 / 345، الرسالة التدمرية له أيضاً ص 93 وما
بعدها.
(4) ساقطة من ن.
(5) في ق: ((أربع)) وهو مما انفردت به عن جميع النسخ، وصوابه:
((أربعاً)) مفعول ثانٍ لجعلوا، فهي تنصب فعلين. انظر: أوضح
المسالك لابن هشام 2 / 32، 45. وانظر هذه الجوامع الأربعة في:
البرهان للجويني 1 / 104، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
14 / 51.
(6) يعبّر بعضهم عنها بالحد، كما في نهاية السول للإسنوي 4 /
43.
(7) ساقطة من ن.
(2/386)
لأفعاله (1) فيكون عالماً.
والجمع بالشرط: كقولنا العلم في الشاهد مشروط بالحياة، والله
تعالى عالم، فيكون حياً.
والجمع بالعلة: كقولنا العلم في الشاهد علة للعالِمِيَّة،
والله تعالى له علم، فيكون عالماً (2) . وكثير من مباحث أصول
الدين مبني (3) على قياس الشاهد على الغائب (4) .
حجة المنع: أن* صورة المقيس (5) إنْ كانت بعينها (6) صورة
المقيس عليه فهما واحدةٌ فلا قياس حينئذٍ، وإن تغايرا (7) فلكل
واحدٍ منهما تعيُّنٌ، فلعل تعينَ الأصل شرطٌ، فلأجل ذلك صح
ثبوت الحكم، [وتعيُّن الفرع مانعٌ (8) فلا يثبت الحكم (9) ]
(10) ومع الاحتمال لا يقين (11) ، والمطلوب بهذا القياس
اليقين.
والجواب: أن العقل قد يقطع بسقوط (12) الخصوصيات عن الاعتبار،
كما نقول (13) : إن اللون الذي قام بزيْدٍ مُفْتقرٌ للجوهر،
وكذلك الجماد والنبات، وإن خصوصية الحيوان والجماد والنبات لا
مدخل لها (14) في افتقار اللون للمحل لا شرطاً
_________
(1) في ن: ((علمه)) وهو لا يدلُّ على المراد.
(2) ذكر شيخ الإسلام أنه يمكن إثبات كثير من الصفات بالعقل،
سواء في ذلك الصفات السبع أو غيرها من الحب والرضا والغضب:
ونحوها. انظر: التدمرية 149 - 151.
(3) في ق: ((ينبني)) .
(4) الصواب أن يقال: وكثير من مباحث أصول الدين يجوز فيه قياس
الغائب على الشاهد، لأن أصول الدين مبنية على التوقيف والسماع،
والعقل الصحيح يوافق النقل الصريح.
(5) في ن: ((القياس)) وهو تحريف.
(6) في ق: ((نفسها)) .
(7) في ن: ((تغاير)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((مانعاً)) وهو خطأ نحوي؛ لأن الواو في قوله:
((وتعين الفرع..)) إن كانت عاطفة فتكون
" مانع " معطوفة على خبر " لعل ". وإن كانت مستأنفة صارت خبر
للمبتدأ " تعيّن ".
(9) في ن: ((الحمل)) .
(10) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(11) في ن: ((يتعيَّن)) .
(12) في ن: ((سقوط)) .
(13) في س: ((تقول)) .
(14) في ن: ((له)) وهو تحريف.
(2/387)
ولا مانعاً ولا* موجباً، بل ذلك لذات اللون
من حيث هو لون، وكذلك عِلْم زَيْدٍ إنما هو مشروط بالحياة؛
لأنه علم لا بخصوص محل، ونحن إنما نقيس فيما هذا شأنه، فاندفع
الاحتمال، وحصل القطع [باستواء الموضعين] (1) في الحكم.
القياس في اللغات
ص: الثاني: اختار (2) الإمام (3) وجماعة (4) جواز (5) القياس
في اللغات (6) ، وقال ابن جِنِّي (7) : هو قول أكثر الأدباء
(8) ،
خلافاً للحنفية (9) وجماعة من الفقهاء (10) .
_________
(1) في ن: ((فاستوى الموضعان)) .
(2) في متن هـ: ((أجاز)) .
(3) انظر: المحصول 5 / 339.
(4) منهم جماعة من المالكية، قال ابن القصار: ((عند مالك يجوز
أن تؤخذ الأسماء من جهة القياس)) . المقدمة في الأصول ص 194،
وكذلك جماعة من الشافعية وأكثر الحنابلة. انظر: إحكام الفصول ص
298، التبصرة ص 444، قواطع الأدلة 1 / 112، المسودة ص 173،
الإبهاج 3 / 33، شرح الكوكب المنير 1 / 223.
(5) ساقطة من متن هـ.
(6) المراد بالقياس في اللغات: إثبات وضع لفظٍ مسكوتٍ عنه
بالقياس على معلوم الوضع لمناسبةٍ، كالخمر للنبيذ للتخمير،
والسارق للنباش قياساً عليه للأخذ خُفيةً. انظر: فواتح الرحموت
1 / 154.
(7) هو أبو الفتح عثمان بن جِنِّي الأزْدي مولاهم، وجِنِّي -
اسم أبيه - بكسر الجيم، والنون المشدَّدة، والياء ساكنة ليست
كياء النسب، ولد بالموصل، وصحب أبا علي الفارسي طويلاً، وأفاد
منه حتى صار من أعلام العربية نحواً وصرفاً وغيرهما. من
تآليفه: الخصائص (ط) ، التصريف (ط) ، سر صناعة الإعراب (ط)
وغيرها كثير. توفي عام 392 هـ. انظر: معجم الأدباء 12 / 81،
إنباه الرواة على أنباه النحاة 2 / 335، وفيات الأعيان 3 /
246.
(8) منهم أبو علي الفارسي، وأبو عثمان المازني. انظر: الخصائص
لابن جني 1 / 114، 2 / 43، الاقتراح في أصول النحو وجدله
للسيوطي ص 236..
(9) انظر: الفصول للجصاص 4 / 109، أصول السرخسي 2 / 157،
التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 132، التقرير والتحبير 1
/ 102، فواتح الرحموت 1 / 154.
(10) منهم: الجويني والغزالي وأبو الخطاب والآمدي وابن الحاجب
ومحققو المالكية وغيرهم. انظر: إحكام الفصول ص 298، البرهان 1
/ 132، المستصفى 2 / 346، شفاء الغليل ص 600، التمهيد لأبي
الخطاب 3 / 455، الإحكام للآمدي 1 / 57، شرح العضد لمختصر ابن
الحاجب 1 / 183، التوضيح لحلولو ص 365.
(2/388)
الشرح
قال سيف الدين الآمدي (1) :
لا يجوز القياس في اللغات، وقال بعضهم (2) : جميع اللغات اليوم
ثابتة بالقياس؛ لأن العرب إنما وَضعتْ أسماء الأجناس للأعيان
التي شاهدوها، فإذا هلكتْ تلك الأعيان وجاءت أعيان أُخْر (3)
فإنما يطلق عليها الاسم بالقياس، فلفظ (4) الفرس وغيره من
الحيوانات اليوم إنما يطلق بالقياس.
وهذا غلط، فإن (5) العرب إنما وضعتْ لما تصورتهُ بعقولها، لا
لما شاهدته بأبصارها، والمتصوَّر بالعقل موجود في الأشخاص
الماضية والحاضرة على حدٍّ واحدٍ، فمفهوم الفرسِ المعقولُ هو
الموضوع له، ويصير معنى ذلك: أن الواضع قال: كلُّ ما تنطبق
عليه هذه الصورة الذهنية هو المسمَّى بالفرس عندي، وكذلك بقية
أسماء الأجناس. ولم توضع لما في الخارج من المُشَاهد بالبصر
إلا أعلامُ الأشخاص (6) دون أعلام الأجناس (7) ، فهذا ذكره
الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " (8) ، وعَليه ما ترى.
_________
(1) تحرير محل النزاع: محل النزاع إنما هو في الأسماء الموضوعة
للمعاني المخصوصة الدائرة مع الأوصاف وجوداً وعدماً، وهي التي
تسمَّى بأسماء الأجناس كالخمر مثلاً. أما أسماء الأعلام
المشخصة بالذات، وأسماء الصفات، والأحكام النحوية فلا خلاف في
عدم القياس عليها؛ لأن الأُولى: لا يمكن القياس فيها،
والثانية: مطَّردة بوضع اللغة كالعالِم والكريم ونحوهما،
والثالثة: مبنيَّة على الاستقراء والتتبّع. انظر: المنخول ص
71، الإحكام للآمدي 1 / 57، البحر المحيط للزركشي 2 / 258،
تشنيف المسامع
1 / 397، التوضيح لحلولو ص 366، نبراس العقول ص 197 وبحثه في
هذه المسألة قيّم وبديع. أما ثمرة الخلاف فقد أشار إليها حلولو
في التوضيح ص 366، والشيخ الشنقيطي في نثر الورود 1 / 123.
(
) انظر: الإحكام 1 / 57.
(2) يريد به أبا إسحاق الشيرازي في اللُّمع ص (44) كما سيصرِّح
به بعد قليل.
(3) في ق: ((أخرى)) .
(4) في س: ((كلفظ)) .
(5) في ق: ((لأن)) .
(6) عَلَم الشخص: هو ما وضع لشيءٍ بعينه بقيد التشخيص الخارجي،
كزيدٍ وعمرو. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 33، البحر
المحيط للزركشي 2 / 296، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 112.
(7) عَلَم الجنس: هو ما وضع لشيءٍ بعينه ذهناً. أو هو لفظ
موضوع لكلِّيٍّ بقيد تشخصه في الذهن، كأسامة علم جنس يصدق على
كل أسدٍ في العالم، وله صورة مشخصة في الذهن. انظر: شرح تنقيح
الفصول (المطبوع) ص 33، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 117،
التعريفات ص 202.
(8) انظره فيه ص 44، وانظر كتابه: شرح اللمع 1 / 186.
(2/389)
إنما (1) القياس في اللغة مثل: كون العرب
وضعتْ السرقة لأخذ المال على صورة مخصوصة، حتى فرَّقتْ بين
الغاصب والمُحارب والجاحد والخائن والمخْتلِس والسارق (2) ،
فحينئذٍ السرقة (3) موضوعة (4) لشيء مخصوص، فهل يُسمَّى
النَّبَّاش (5) للقبور
سارقاً لأجل مشابهته للسارق أو يسمى اللائط (6) زانياً
لمشابهته للزاني؟ هذا موضع الخلاف.
حجة المنع: أنه (7) لو صح القياس لبطل المجاز خصوصاً المستعار،
فإن المشابهة هي علاقته، [فحينئذٍ إن] (8) أرادوا بالقياس أنه
يصير حقيقةً بطل هذا المجاز كله، وقد أجمعنا على ثوبته (9) ،
وإن أرادوا جواز الإطلاق على سبيل المجاز فهو متفق عليه، فعلم
(10) بأن القول بالقياس لا سبيل إليه، ولأن الأَبْلَق (11)
يقال للفرس لاجتماع السواد
_________
(1) في س: ((إن)) .
(2) الغَصْب: استيلاءٌ على مال الغير قهراً ظلماً، فإن كان من
حرز مثله خُفْيةً سُمي: سرقةً، أو مكابرة
في صحراء سمي: حرابةً، أو مجاهرةً واعتمد الهرب سُمي:
اختلاساً، فإن جحد ما ائتمن عليه سُمي: خيانةً. انظر: حاشية
الجمل على شرح المنهج 5 / 398، الموسوعة الفقهية (الكويتية) 2
/ 288.
(3) في ق: ((السارق)) وهو مقبول، وإن كان الأصل في الوضع يكون
للمصدر.
(4) في ق: ((موضوع)) انظر الهامش السابق.
(5) نبش الشيء يَنْبُشه نَبْشاً: استخرجه بعد الدَّفن، ونَبْشُ
الموتى: استخراجهم وأخذ أكفانهم، والنَّبَّاش الفاعل لذلك،
وحِرْفتُه النِّبَاشة. انظر مادة " نبش " في: لسان العرب،
المصباح المنير، الدر النقي
ص 755.
(6) لاط الشيءُ بقلبي، يلوط ويليط إذا لصق، ولاَطَ الرجلُ
لِوَاطاً ولاَوَطَ، أي: عَمِل عَمَل قوم لوط. انظر: لسان العرب
مادة " لوط ". وللشيخ الدكتور / بكر أبو زيد تنبيهٌ نفيس على
رفع التحرُّج عمَّنْ يطلق لفظة: اللِّواط أو اللوطي أو
اللوطيَّة، وأنها جاءت في السُّنة وأقوال العلماء وكتبهم.
راجع: معجم المناهي اللفظية ص 476.
(7) في ن: ((إذ)) .
(8) في ق: ((فإن)) .
(9) القول بالإجماع على ثبوت المجاز دعوى ينقضها الخلاف العريض
قديماً وحديثاً، وقد ألِّفتْ فيها أسفارٌ كثيرة، منها: منع
جواز المجاز في المنزَّل للتعبُّد والإعجاز للشيخ محمد الأمين
الشنقيطي، بطلان المجاز لمصطفى الصياصنة، المجاز في اللغة
والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع للشيخ عبد العظيم المطعني.
(10) في ق، ن: ((فيعلم)) .
(11) الأَبْلق مشتق من البَلَق، وهو السواد والبياض، يقال
للدابة: أبلق وبلقاء. انظر: المخصص لابن سيده
6 / 150، 7 / 55، لسان العرب مادة " بلق ".
(2/390)
والبياض فيه، ولا يقال ذلك لغيره من
الحيوانات (1) ، فلو كان القياس سائغاً لساغ ذلك، لكن أهل
اللغة منعوه، وكذلك " القارورة " تقال (2) للزُّجاجة لأجل ما
يستقر فيها (3) ، ولا يقال ذلك للنهر ولا لغيره وإن استقرت فيه
(4) المائعات.
حجة الجواز: أن الفاعل يُرفع في زماننا، والمفعول يُنْصب، وغير
ذلك من المعمولات، وذلك في* أسماء لم تسمعْها العرب من الأعلام
وغيرها، فلا يمكن أن يقال ذلك بالوضع؛ لأن العرب لم تسمع هذه
الأسماء. والوضع فرع التصوُّر، فيتعيَّن أن يكون بالقياس.
والجواب: أن ذلك بالوضع، والعرب لما وَضَعت الفاعل ورفعتْهُ لم
تضعْه لشيء بعينه بل للحقيقة الكلية، وتلك الحقيقة الكلية -
وهو (5) كونه مُسنداً (6) إليه الفعلُ وما في معنى الفعل من
اسم الفاعل ونحوه - موجود في جميع هذه الصور (7) ، فلا جَرَم
صحَّ الإطلاق، وكان عربياً حقيقة لا مجازاً ولا قياساً.
القياس في الأسباب
ص: الثالث: الشهير (8) أنه لا يجوز إجراء القياس في الأسباب
(9) ، كقياس
_________
(1) يدلُّ على ذلك ما جاء في: " فقه اللغة وسر العربية "
للثعالبي ص 127 قال: ((فصل: في تقسيم السواد والبياض على ما
يجتمعان فيه: فرس أَبْلق، تَيْس أَخْرَج، كَبْش أَمْلح، ثوْر
أَشْيَه، غُراب أَبْقَع، جبل
أَبْرق، دجاجة رَقْطَاء ... )) .
(2) في س، ن: ((يقال)) وهو على تقدير كلمة " لفظ ".
(3) انظر: القاموس المحيط مادة " قرر ".
(4) ساقطة من س.
(5) في س، ق: ((هو)) ، ويُسمى ضمير الشأن، والتعبير هنا بـ
((هو)) ، و ((هي)) جائز بحسب النظر للمتقدم عليها أو المتأخر
عنها. انظر: النحو الوافي 1 / 265.
(6) في س: ((مستنداً)) ، وفي ق: ((مسند)) وهو خطأ نحوي، لأن
خبر " كان " منصوب.
(7) يوضح هذا المعنى ما ذكره المصنف في نفائس الأصول (8 /
3591) : ((وتارة تضع (أي العرب) الكلية كقولهم: كل فاعل مرفوع،
كما قالوا: كل جسمٍ حسَّاسٍ اسمه حيوان، فليس هاهنا قياس
ألبتة، بل كل فاعل يُرفع بالوضع الأول لا بالقياس ... كما إذا
قال الشارع: اقتلوا كل مُشْرك، فإنَّا نقتل ما نجده منهم بنص
الشارع لا بالقياس، فالكليات اللغوية أو الشرعية لا يدخلها
القياس ... )) .
(8) في متن هـ: ((المشهور)) .
(9) هذه المسألة عنوانها: القياس في الأسباب، ويمكن أن يُضمّ
إليها الشروط والموانع. والمراد منها: ما إذا أضيف حكمٌ إلى
سببٍ عُلمتْ فيه علة السبب، فإذا وجدت هذه العلة في محلٍّ آخر،
فهل يقاس على المحل الأول في سببيته؟
(2/391)
اللِّواط على الزنا (1) في وجوب الحدِّ (2)
لأنه لا يَحْسُن أن يقال في (3) طلوع الشمس: إنه مُوجِبُ
للعبادة كغروبها (4) .
الشرح
حجة الجواز: أن السببية حكم شرعي، فجاز القياس فيها كسائر
الأحكام، ولأن السبب إنما يكون سبباً لأجل الحكمة التي اشتمل
عليها، فإذا وجدت في غيره وجب أن يكون سبباً تكثيراً لتلك
الحكمة.
[حجة المنع: أن الحِكَم] (5) غير منضبطة (6) ؛ لأنها مقادير من
الحاجات، وإنما المنضبط الأوصاف، ولذلك إنما (7) ترتب الحُكْم
على سببه وُجدتْ حكمته أم لا، بدليل أنا نقطع بالسرقة وإن لم
يتلف المال بأن وجد مع السارق، ونحدُّ الزاني (8) وإن لم يختلط
نسب (9) بل (10) تحيض ولا يظهر حَبَل (11) ، فعلمنا أن الحِكَم
إنما هي مَرْعِيَّة في
_________
(1) توضيح هذا المثال بما يتفق مع ترجمة المسألة هو: أن سبب
وجوب الحدّ في الزنا كونه إيلاجاً في فرج محرّم مشتهىً طبعاً،
واللّواط موجود فيه هذا الوصف، فهل يقاس على الزنا، فيكون
اللواط سبباً في وجوب الحد؟ اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
الأول: عدم الجواز، وهو مذهب أكثر الأحناف وكثير من المالكية،
واختاره بعض الشافعية كالرازي والآمدي والبيضاوي. انظر:
المحصول للرازي 5 / 345، الإحكام للآمدي 4 / 65، فواتح الرحموت
2 / 382، تقريب الوصول ص 349، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 /
255، الإبهاج 3 / 34، التوضيح لحلولو ص 367، تيسير التحرير
4/99، نثر الورود 2 / 445. الثاني: الجواز، وهو مذهب كثير من
الشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية. انظر: الوصول لابن برهان 2
/ 256، روضة الناظر 3 / 920، المسودة ص 399، البحر المحيط
للزركشي 7 / 85، فواتح الرحموت 2 / 382. بيَّن الدكتور عبد
الكريم النملة أن الخلاف لفظي، راجع كتابه: الخلاف اللفظي عند
الأصوليين 2 / 188.
(2) ساقطة من ق، وهنا زيادة ((به)) في متن هـ.
(3) ساقطة من ن.
(4) قال الشوشاوي: ((فيه نظر؛ لأنه قياس بغير جامع، وهو ممنوع
باتفاق، وليس محل النزاع)) رفع النقاب القسم 2 / 936.
(5) ساقط من س.
(6) في س: ((متضمنة)) وهو تحريف.
(7) في س: ((إذا)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((الزانيين)) .
(9) في س: ((نسبه)) .
(10) في س: ((بأن)) .
(11) في س: ((حِكَمٌ)) وهو متّجهٌ.
(2/392)
الجملة، والمعتبر إنما هو الأوصاف، فإذا
قسنا إنما نجمع بالحكمة وهي غير منضبطة، والجمع بغير (1)
المنضبط لا يجوز.
حكم القياس في العدم الأصلي
ص: الرابع: اختلفوا في جواز (2) دخول القياس في العدم الأصلي.
قال الإمام (3) : والحق أنه يدخله قياس الاستدلال (4)
بعدم (5) خواص (6) الشيء على عدمه دون قياس العلة (7) ، [وهذا]
(8) بخلاف الإعدام فإنه حكم شرعي (9) .
_________
(1) في ن: ((بين)) .
(2) ساقطة من متن هـ.
(3) عبارة الإمام في المحصول (5 / 346 - 347) أوضح مما هنا،
وهي: ((والحق أنه يستعمل فيه " قياس الدلالة " لا " قياس العلة
". أما قياس الدلالة فهو: أن يستدلَّ بعدم آثار الشيء وعدم
خواصه على
عدمه. وأما تعذُّر قياس العلّة؛ فلأن الانتفاء الأصلي حاصل قبل
الشرع، فلا يجوز تعليله بوصفٍ يوجد بعد ذلك - ثم قال - واعْلم
أن هذا الكلام يختص بالعدم، فأما الإعدام فإنه حكم شرعي يجري
فيه القياس)) .
(4) قياس الاستدلال أو الدلالة هنا له اصطلاح خاص، غير المشتهر
المعروف، فالمشتهر هو: الجمع بين الأصل والفرع بلازم من لوازم
العلة أو بأثر من آثارها أو بحكم من أحكامها. انظر: هامش (2)
ص (337) .
ومثال قياس الاستدلال على اصطلاح الرازي والمصنف أن يقال:
تَرتُّب الوعيد من خواص الوجوب، وهو منتفٍ في صلاة الضحى، وصوم
أيام البيض، فلا تكون واجبة. انظر: شرح مختصر الروضة
3 / 454.
(5) في س: ((بعد)) وهو نقص في الحروف.
(6) في ن: ((خاص)) وهو تحريف.
(7) قياس العلة هو: القياس الذي يُصرَّح فيه بالعلة الجامعة
بين الأصل والفرع، كقياس النبيذ على الخمر في التحريم للإسكار.
انظر: الإحكام للآمدي 4 / 4، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 223،
زوائد الأصول للإسنوي ص 375.
(8) في ق: ((وهو)) ، وفي س: ((من هذا)) وهو تحريف.
(9) ينحصر الخلاف في مسألة دخول القياس في العدم الأصلي - بعد
اتفاقهم على أن استصحاب حكم العقل كافٍ فيه - إلى ثلاثة أقوال،
قولٌ بالجواز، وهو اختيار المحققين. والثاني: المنع. الثالث:
التفصيل، فيجوز دخول قياس الدلالة دون قياس العلة. أما العدم
أو النفي الطاريء فيجري فيه القياسان وفاقاً؛ لأنه حكم شرعي
حادث كسائر الأحكام الوجودية، انظر مثاله في: شرح مختصر الروضة
للطوفي 3 / 454. وانظر المسألة في: المستصفى 2 / 452، نهاية
الوصول 8 / 3211، تشنيف المسامع 3 / 167، التوضيح لحلولو ص
368، شرح الكوكب المنير 4 / 227، تيسير التحرير 3 / 286.
(2/393)
الشرح
العدم الأصلي كعدم صلاةٍ سادسةٍ، وعدم وجوب صوم شهرٍ غير (1)
رمضان، ونحوه.
حجة الجواز: أنه يمكن أن يقال: إنما لم يجب الفعل الفلاني؛ لأن
فيه مفسدة خالصة أو راجحة، وهذا الفعل مشتمل (2) على مفسدة
خالصة أو راجحة، فوجب أن لا يجب.
حجة المنع: أن العدم الأصلي ثابت مستمر بذاته، وما هو مستمر
بذاته يستحيل إثباته (3) بالغير، فلا يمكن إثباته بالقياس (4)
.
حجة الإمام (5) أن العلة إنما تكون في المعاني الوجودية،
والعدم نفي محض، فلا نتصوّر فيه العلل.
وجوابه (6) : ما تقدّم أن العدم قد يُعلل* بدرء المفسدة، كما
تقول: إنما لم يبح الله تعالى الزنا ونحوه لما فيه من المفاسد.
وأمَّا الإعدام فهو رفع الحكم بعد ثبوته، ولا شك أن رفع الحكم
(7) الثابت يحتاج إلى رافعٍ، بخلاف تحقيق ما هو متحقق، فإنه
يلزم منه تحصيل الحاصل، فظهر الفرق بين العدم والإعدام (8) .
_________
(1) ساقطة من س.
(2) في ن: ((مجتمع)) .
(3) في ن: ((بذاته)) وهو سهو واضح.
(4) لأن فيه إثبات الثابت، وهو تحصيل الحاصل. والجواب عنه:
دخول القياس في العدم الأصلي إنما هو مؤكِّد له لا مُثْبتٌ له.
انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 457.
(5) هذه حجة القول بالتفصيل، وهو جواز دخول قياس الاستدلال في
العدم الأصلي دون قياس العلة. وهذا السياق لحجة الإمام الرازي
إنما هو من صنيع المصنف. أما عبارة الرازي فهي: ((وأما تعذر
قياس العلة؛ فلأن الانتفاء الأصلي حاصلٌ قبل الشرع، فلا يجوز
تعليله بوصفٍ يوجدُ بعد ذلك)) . المحصول 5/347.
(6) في ن: ((وجواب)) وهو مستقيم بالإضافة لما بعده.
(7) ساقطة من س، ق.
(8) انظر: نفائس الأصول 8 / 3604، رفع النقاب القسم 2 / 938.
(2/394)
حكم إثبات أصول
العبادات بالقياس
ص: الخامس: قال الجُبَّائي (1) والكرخي (2) لا يجوز إثبات أصول
العبادات (3)
بالقياس (4) .
الشرح
حجة المنع: أن الدليل ينفي العمل بالظن (5) ، خالفناه في إثبات
فروع العبادات بالقياس (6) ، فيبقى على مقتضى الدليل في أصولها
(7) . والفرق أن أصل العبادة أمر مهمٌّ في الدين، فيكون
بالتنصيص من جهة صاحب الشرع لاهتمامه به. والفرع بعد ذلك ينبه
عليه أصله، فيكفي فيه القياس.
حجة الجواز: أن الشريعة إذا وجد فيها أصل عبادة لنوع من
المصالح، ووجد ذلك النوع من المصالح في فعل آخر، وجب أن يكون
مأموراً به عبادة قياساً على ذلك النوع الثابت بالنص تكثيراً
للمصلحة. والأدلة الدالة على القياس لم تُفرِّق بين مصلحة
ومصلحة، وما ذكرتموه من الفرق معارَضٌ بأن مصلحة أصل العبادة
إمَّا أعظم من مصلحة الفرع أو مثلُها (8) ؛ لأن الأصل لا يكون
أضعف من فرعه، وعلى كل تقدير
_________
(1) المراد به الأب: أبو علي الجبائي. انظر النسبة إليه في:
المعتمد 2 / 264، المحصول للرازي 5 / 348، الإبهاج 3 / 30.
(2) انظر النسبة إليه في المراجع السابقة، وانظر أيضاً: بذل
النظر ص 623، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي ص 111.
(3) قال ابن قاسم العبادي: ((المراد بها أعظم العبادات
وأدْخلها في التعبد كالصلوات بخلاف نحو الكفارات)) الآيات
البينات (4 / 8) . ومُثِّل له بإيجاب الصلاة إيماءً في حقِّ
العاجز عن الإتيان بها قياساً على إيجابها قعوداً في حق العاجز
عن القيام بجامع العجز عن الإتيان بها على الوجه الأكمل. أو
قياس إثبات الصلاة إيماءً بالحاجبين على الإيماء بالرأس عند
العجز. انظر: شرح العمد 2 / 206، نهاية السول للإسنوي
4 / 37، تشنيف المسامع 3 / 164. وقد بيّن الدكتور / عبد الكريم
النملة أن الخلاف في هذه المسألة لفظيّ 2 / 183.
(4) القول الآخر في المسألة هو: جواز إثبات أصول العبادات
بالقياس. وهو لجمهور الأصوليين. انظر: إحكام الفصول ص 625، شرح
اللمع للشيرازي 2 / 791، التبصرة ص 443، التمهيد لأبي الخطاب 3
/ 440، التوضيح لحلولو ص 368.
(5) في ق: ((بالقياس)) وهو من مفرداتها، ولعلّه سهو من الناسخ.
(6) في ن: ((بالقرائن)) وهي غير مناسبة هنا في الاستدلال.
(7) في س: ((أصولنا)) وهو تحريف.
(8) هكذا في ص، م، ز، وفي باقي النسخ: ((مثله)) ويكون مرجع
الضمير حينئذٍ إلى الفرع. والأول أنسب لعود الضمير إلى
المصلحة.
(2/395)
وجب القول بالقياس تحصيلاً لتلك المصلحة
التي هي أعظم بطريق الأولى، أو (1) المصلحة المساوية، لأن حكم
أحد المثلين حكم للآخر.
القياس في المقدرات والحدود
والكفارات
ص: السادس: يجوز عند ابن القصار (2) والباجي (3) والشافعي (4)
جريان القياس في المقدَّرات [والحدود والكفارات] (5) خلافاً
لأبي حنيفة رحمه الله وأصحابه (6) لأنها أحكام شرعية.
الشرح
[حجة المنع: أن المقدَّرات كنُصُب الزكوات، والحدود كجلد (7)
الزاني مائةً، والكفارات] (8) كصيام ثلاثة أيامٍ، لا يعقل
معناها (9) دون (10) ما هو أقل منها كتسعة عشر ديناراً في
الزكاة، أو تسعة وتسعين سوطاً، أو يومين، أو [واحدٍ وستين]
(11) في كفارة الظهار مثلاً، وما لا يُعقل معناه يتعذر القياس
فيه (12) .
_________
(1) في ن، ق: ((و)) . والمثبت أولى لاستقامة السياق به.
(2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 199.
(3) انظر: إحكام الفصول ص 622، ونسبه إلى عامة المالكية،
وانظر: الإشارة للباجي ص 309، المنهاج في ترتيب الحجاج له
أيضاً ص 153.
(4) وممن نسبه إليه الرازي في المحصول 5 / 349، والآمدي في
الأحكام 4 / 62، والزركشي في البحر المحيط 7 / 68. وهذا هو
مذهب الجمهور، انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1409، شرح اللمع
للشيرازي 2 / 793، التلخيص 3 / 391، الوصول لابن برهان 2 /
249، روضة الناظر 3 / 926، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 /
254، نشر البنود 2 / 104.
(5) ساقط من س.
(6) انظر: الفصول في الأصول للجصاص 4 / 105 وما بعدها، أصول
السرخسي 2 / 163، كشف الأسرار للبخاري 2 / 414، التقرير
والتحبير 3 / 320، فواتح الرحموت 2 / 381. وقد تتبع الشافعي
مذهب الحنفية، وأبان أنهم لم يفوا بشيءٍ مما منعوه. انظر:
البرهان للجويني 2 / 584 وما بعدها.
(7) في ق: ((كحدّ)) .
(8) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(9) في س، ن: ((معنى هذه الحدود)) ، ويكون المراد بالحدود هنا
أي التحديد بهذه الأعداد.
(10) ساقطة من ن.
(11) في ن: ((واحدٍ أو خمسين)) وهو محتمل، تقديره: أو يومٍ
واحدٍ أو خمسين مسكيناً، وفي س: ((أحد وستون)) وهو خطأ نحوي؛
لأنها معطوفة على مجرور.
(12) ساقطة من ن.
(2/396)
والجواب: أنا إنما نقول بالقياس حيث ظفرنا
بالمعنى الذي لأجله ثبت الحكم فحيث تعذر ذلك وكان تعبداً فإنا
لا نقيس، فلا ترد علينا مواطن التعبد (1) .
القياس في الرخص
ص: السابع: يجوز القياس عند الشافعي على الرخص (2) ،
خلافاً لأبي حنيفة
وأصحابه (3) .
الشرح
حكى المالكية عن مذهب (4) مالك قولين في جواز القياس على الرخص
(5) ،
_________
(1) لمعرفة ما يتخرج على هذه المسألة من تفاريع فقهية، انظر:
التمهيد للإسنوي ص 463، التوضيح لحلولو ص 368، كتاب: إثبات
العقوبات بالقياس للدكتور عبد الكريم النملة.
(2) لم يُصب المصنف في نسبة جواز القياس في الرخص للشافعي،
وهكذا جَمْع من الأصوليين ينسبون هذا الرأي للشافعي مع أنه
صرَّح في الرسالة (545 - 560) بقوله: ((ما كان لله فيه حكم
منصوص ثم كانت لرسول الله سنة بتخفيفٍ في بعض الفرض دون بعض
عُمِل بالرخصة فيما رخَّص فيه رسول الله دون ما سواها، ولم
يُقسْ ما سواها عليها ... )) ثم بنى على ذلك عدم جواز المسح
على العمامة والبرقع والقفازين قياساً على الخفين ... إلخ.
انظر: التمهيد للإسنوي ص 463، البحر المحيط للزركشي 7 / 74.
ومع هذا فمذهب الجمهور - خلافاً للأحناف - جواز القياس في
الرخص. انظر: البرهان 2 / 588، البحر المحيط 7 / 74، شرح
الكوكب المنير 4 / 220، كتاب الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس
للدكتور عبد الكريم النملة.
(3) جاء في حاشية يحيى الرهاوي على شرح المنار لابن ملك ص
(766) ((فإنّا نعلم أن المسح على
الخفين إنما جوّز لعسر النزع ومسيس الحاجة إلى استصحابه، ولكن
لا نقيس عليه العمامة والقفازين وما يستر القدم؛ لأنها لا
تساوي الخف في الحاجة وعسر النزع وعموم الوقوع، فهذه الأقسام
لا يجري فيها القياس بالاتفاق)) . وانظر: الفصول للجصاص 4 /
116، المغني للخبازي ص 289، كشف الأسرار للبخاري 3 / 562.
وانظر: الوصول لابن برهان 2 / 249، نهاية السول 4 / 35، رفع
الحاجب
4 / 402.
(4) ساقطة من ق.
(5) مشهور مذهب مالك امتناع القياس في الرخص. انظر: تقريب
الوصول ص 351، نيل السول 2/11، نثر الورود 2 / 445. وقال
حلولو: ((الذي تقتضيه مسائل مذهبنا جريان القياس في ذلك - أي
الحدود والكفارات والرخص والتقديرات - على خلافٍ في الرخص)) .
التوضيح ص 368. وانظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 944، لكن
قال ابن عاشور: ((القياس على الرخص هو صريح مذهب مالك رحمه
الله)) حاشية التوضيح 2 / 190.
(2/397)
وخرَّجوا على القولين فروعاً كثيرة في
المذاهب، منها لُبْس خُفٍّ على خُفٍّ (1) وغير ذلك (2) .
حجة المنع: أن الرخص مخالِفَة للدليل، فالقول بالقياس عليها
يؤدي إلى كثرة مخالفة الدليل، فوجب ألاَّ يجوز.
حجة الجواز: أن الدليل إنما يخالفه (3) صاحبُ الشرع لمصلحةٍ
تزيد على مصلحة ذلك الدليل عملاً بالاستقراء، وتقديمُ الأرجح
هو شأن صاحب الشرع، وهو مقتضى الدليل، فإذا وجدنا تلك المصلحة
التي لأجلها [خولف الدليل] (4) في صورةٍ وجب أن يُخَالَف
[الدليلُ بها] (5) عملاً برجحانها، فنحن حينئذٍ كَثَّرْنا
موافقة الدليل لا مخالفته (6) .
القياس في العاديات ونحوها
ص: الثامن: لا يدخل القياس فيما طريقه الخِلْقَة (7) والعادة
(8) كالحيض، [وفيما لا] (9)
_________
(1) في مسح الخف على الخف قولان للمالكية، والمذهب على جوازه.
انظر: المنتقى للباجي 1 / 82، مواهب الجليل 1 / 466، نثر
الورود 2 / 445.
(2) مثل: قياس عادم الماء في الحضر على عادمه في السفر في جواز
التيمم للنافلة، وقياس غير التمر كالزبيب على التمر في بيع
العَرِيَّة. انظر: نشر البنود 2 / 106، نثر الورود 2 / 445.
(3) في ن: ((يخالف)) وهو تحريف.
(4) ساقط من ن.
(5) في ق: ((في غيرها)) وهو متّجه.
(6) قال المصنف في نفائس الأصول (8 / 3614) : ((إذا فهمنا أن
الله تعالى منح عباده منحةً لأجل معنىً مشترك بينها وبين صورة
أخرى؛ جعلنا تلك الصورة الأخرى منحة من الله تعالى بالقياس
تكثيراً لمنح الله تعالى، وحفظاً لحكمة الوصف عن الضياع)) .
(7) الخِلْقة: الفطرة. والخليقة: الطبيعة التي يخلق بها
الإنسان. انظر: لسان العرب مادة " خلق ".
(8) في متن هـ: ((والعبادة)) وهو غلط فاحش من الناسخ.
(9) هكذا في النسخ ن، و، ش، ز، م. وبينما في ص، ومتن ر، ومتن
هـ، ومتن ف: ((ولا فيما لا)) وهو صحيح. وفي س، ق، ومتن أ:
((ولا فيما)) وهو خطأ لسقوط " لا " الثانية المُخِلِّ بالمعنى.
(2/398)
يتعلق به عمل كفتح مكة عَنْوةً (1) ،
ونحوه (2) .
الشرح
لا يمكن أن نقول فُلاَنة* تحيض عشرة أيام وينقطع دمُها فوجب أن
تكون الأخرى كذلك قياساً عليها (3) ، فإن هذه الأمور تتبع
الطِّباع والأمزجة والعوائد في الأقاليم، فرُبَّ إقليم يَغْلِب
عليه معنىً لا يَغْلِب على غيره من الأقاليم.
وأما فتح مكة عَنْوة فإن أريد به [أنَّه وجب أن يكون الواقع]
(4) العَنْوةَ في دمشق كما وقعتْ في بلدٍ عُلم أنه (5) عنوةٌ
فهذا صحيح (6) ، فإنَّ العَنْوة تَتْبع أسبابها، ولا يمكن
_________
(1) العَنْوة: اسم مرَّة مِنْ عَنَا يعنو إذا ذلَّ وخضع.
وفُتحت البلاد عَنْوةً، أي: بالإذلال والقهر والغلبة
بالقتال. وفتحت صُلْحاً أي: لم يُغلبوا، ولكن صُولحوا على
خَرْجٍ يؤدونه. انظر مادة " عنا " في: لسان العرب، النهاية في
غريب الحديث والأثر.
أما فتح مكة، فكان في السنة الثامنة للهجرة، وقد اختلف العلماء
في فتحها أكان عَنْوة أم صُلْحاً؟ فمذهب جماهير العلماء وأهل
السير أنها فُتحت عنوةً، ومذهب الشافعي ومن معه أنها فُتحت
صُلْحاً. انظر: الحاوي 14 / 70، شرح صحيح مسلم للنووي 12 /
111، الاستذكار لابن عبد البر 14 / 332، زاد المعاد لابن القيم
3 / 429، جوامع السيرة لابن حزم ص 229، الفصول في سيرة الرسول
صلى الله عليه وسلم لابن كثير ص 178.
(2) الذي ذكره المصنف هنا من إطلاق المنع من دخول القياس فيما
طريقه العادة، ينبغي أن يُقيَّد بما إذا لم توجد عليه أمارة
ولا دلالة؛ فإنه وقع الخلاف في جريان قياس الشَّعْر والعظم في
النماء وحلول الروح على سائر الأعضاء، والخصم يقيسهما على
أغصان الشجر من حيث عدم الإحساس والتألم. وكذلك الحامل هل
تحيض؟ فلو مَنَع الحملُ دمَ الحيض لمنَعَ دمَ الاستحاضة، ألا
ترى أن الصِّغَر لمَّا مَنَع أحدهما منع الآخر، وكذا الآيسَة،
والخصم يقول: لو كان دم حيض لانقضتْ به العِدَّة وحرم الطلاق.
انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 152، شرح اللمع للشيرازي 2 /
797، الإبهاج 3 / 36، التوضيح لحلولو
ص 369.
(3) اعتُرِض على المصنف بحيض المبْتَدأة، فإنه رُوي عن مالك في
المبتدأة - التي ترى الدم أول بلوغها - أنَّ الدم إنْ تمادى
بها أنها تقعد قدر أيام لِدَاتها (جمع لِدَة وهي التي وُلدتْ
معها في عام واحد) ، ثم تغتسل وتكون مستحاضة. والرواية الثانية
أنها تقعد أيام لِدَاتها ثم تستظهر بثلاثة أيام، ثم تكون
مستحاضة، والرواية الثالثة: تقعد خمسة عشر يوماً ثم تكون
مستحاضة. انظر: المدونة 1 / 54، المنتقى 1/ 124، الذخيرة 1 /
382.
(4) ما بين المعقوفين في ق: ((أن)) .
(5) في س، ن: ((أنها)) وهي صحيحة أيضاً؛ لأن البلد يذكَّر
ويؤنث. انظر: مادة " بلد " في المصباح المنير.
(6) أي صحيح أنه لا يجري القياس فيما لا يتعلَّق به عَمَلٌ
كفتح بلدٍ عَنْوةً أو صلحاً.
(2/399)
إثبات عَنوةٍ ولا صلحٍ بالقياس، وإن أُريد
أن العنوة ليس فيها حكم شرعي، فليس كذلك، بل لنا أن نثبت
للعَنْوة أحكاماً شرعيةً بالقياس (1) كالحُبُس (2) في الأراضي
(3) وغيرها من الإجارات والشُّفْعات (4) وصحة القِسْمة (5)
والإرث (6) وغير ذلك، فقد قال مالك: إن أرض العنوة يمتنع فيها
جميع (7) ذلك (8) ، وقال الشافعي: يجوز فيها جميع ذلك (9) ،
[فهذا تعلَّق به] (10) أحكامٌ شرعية، أمكن التمسك في بعضها
بالقياس إذا وُجد جامعٌ يقتضيه، غير أن الإمام فخر الدين أطلق
القول في ذلك (11) ، والحق (12) هذا (13) التفصيل.
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) الحُبُس لغة جمع حَبْس وهو المَنْع، وهو مرادف للوَقْف
أيضاً. انظر: المصباح المنير مادة " حبس ". واصطلاحاً: هو
إعطاء منفعةِ شيءٍ مدةَ وجودِه لازماً بقاؤه في مِلْك
مُعْطِيهِ ولو تقديراً. شرح حدود ابن عرفة للرصاع ص 539.
(3) في ن: ((الأَرَضين)) وهو صحيح؛ لأن " أرْض " تجمع على:
آراض، وأُروُض، وأَرَضون، وأراضي.
انظر: لسان العرب مادة " أرض ".
(4) جمع شُفْعة هي لغة: الضم والزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع
إلى ملكه، فيشْفَعُه به كأنه كان واحداً وتراً فصار زَوْجاً
شَفْعاً. انظر: مادة " شفع " في: لسان العرب، النهاية في غريب
الحديث والأثر. واصطلاحاً: هي استحقاق شريكٍ أَخْذَ مبيعِ
شريكِهِ بثمنه. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع ص 474.
(5) القِسْمة لغة: اسم مصدر لـ" قَسَم " ومصدره: قَسْماً وهو
الفرز أجزاءً. انظر: المصباح المنير مادة
" قسم ". واصطلاحاً: تَصْييْر مُشاعٍ من مملوكِ مالكين معيناً
ولو باختصاصِ تصرُّفٍ فيه بقُرْعةٍ أو تراضٍ. شرح حدود ابن
عرفة للرصَّاع ص 492.
(6) في ن: ((الشفعة)) وهو تكرار لا داعي له.
(7) ساقطة من ن.
(8) انظر: المدونة 3 / 280، المقدمات الممهدات لابن رشد 2 /
218.
(9) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص 217، الشرح الكبير
للرافعي 11 / 247.
(10) في ق: ((فقد تعلقت به)) .
(11) انظر: المحصول 5 / 354.
(12) هنا زيادة: ((في)) في ن.
(13) في ق: ((هو)) .
(2/400)
|