رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

(دلَالَة الْمُشْتَقّ إِذا أطلق)

(مَسْأَلَة:)

الْأسود وَنَحْوه من الْمُشْتَقّ يدل على ذَات متصفة بسواد، لَا على ... ... ... ...
هَامِش
" وَثَانِيا: أَنه "، أَي: الْخلق - إِنَّمَا يُقَال " للتعلق الْحَاصِل "، أَي الْوَاقِع " بَين الْمَخْلُوق وَالْقُدْرَة؛ حَال الإيجاد، فَلَمَّا نسب " هَذَا التَّعَلُّق " إِلَى الْبَارِي " تَعَالَى " صَحَّ الِاشْتِقَاق ".
وَالْحَاصِل: أَن للقدرة تعلقا حَادِثا بِهِ الْحُدُوث ضَرُورَة، وَهَذَا التَّعَلُّق، إِذا نسب إِلَى الْعَالم، فَهُوَ صدوره عَن الْخَالِق، أَو الْقُدْرَة، فَهُوَ إيجادها لَهُ، أَو ذِي الْقُدْرَة، فَهُوَ خلقه؛ فالخلق تعلق قدرَة الذَّات، وَهَذِه النِّسْبَة قَائِمَة بالخالق: وباعتبارها اشتق لَهُ؛ فَيصح مَا ذكرنَا من الدَّلِيل على وجوب الْقيام؛ لأَنا لَا نعني بهَا كَونهَا صفة حَقِيقِيَّة، بل سَائِر الإضافات قَائِمَة بمحالها، وَالْحمل على هَذَا وَاجِب؛ " جمعا بَين الْأَدِلَّة "، وَهِي الاستقراء من جهتنا، وَأَن الْخلق لَيْسَ الصّفة الْمَوْجُودَة من جهتكم.
(" فرع ")

لَو حلف؛ لَا يَبِيع، أَو لَا يحلق رَأسه، فَأمر غَيره، فَالْأَصَحّ أَنه لَا يَحْنَث؛ إِذْ لَيْسَ ببائع، وَلَا حالق.
وَقيل: يَحْنَث.
وَقيل: فِي الحلاق فَقَط، للْعَادَة.
(" مَسْأَلَة ")

الشَّرْح: إِذا أطلق " الْأسود وَنَحْوه من الْمُشْتَقّ "، فَإِنَّمَا " يدل " بِالْحَقِيقَةِ " على ذَات متصفة " بذلك الشَّيْء، فَفِي الْأسود مثلا: على ذَات متصفة " بسواد "، و " لَا " يدل " على خُصُوص " لتِلْك

(1/424)


خُصُوص من جسم وَغَيره؛ بِدَلِيل صِحَة: (الْأسود جسم) .
(ثُبُوت اللُّغَة)

(مَسْأَلَة:)

لَا تثبت اللُّغَة قِيَاسا؛ ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش الذَّات؛ " من جسم أَو غَيره؛ بِدَلِيل صِحَة: الْأسود جسم "، فَلَو دلّ على خصوصه، [كَانَ] بِمَثَابَة قَوْلنَا: الْجِسْم الْأسود جسم، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ إِذْ فِي الأول فَائِدَة دون الثَّانِي.
(" مَسْأَلَة ")

الشَّرْح: " لَا تثبت اللُّغَة قِيَاسا "؛ عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزالِيّ، وَابْن الْقشيرِي، والآمدي، وَطَائِفَة من أَصْحَابنَا، وَمن الْحَنَفِيَّة، وَابْن خويز منداد من الْمَالِكِيَّة.

(1/425)


خلافًا للْقَاضِي، وَابْن سُرَيج، وَلَيْسَ الْخلاف فِي نَحْو: (رجل) ، وَرفع الْفَاعِل، أَي: لَا لَا يُسمى مسكوت عَنهُ إِلْحَاقًا بِتَسْمِيَة لمُعين، لِمَعْنى يستلزمه وجودا وعدما؛ كَالْخمرِ
هَامِش
" خلافًا للْقَاضِي، وَابْن سُرَيج "، وَابْن أبي هُرَيْرَة، وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَالْإِمَام، وَكثير من أَصْحَابنَا، وَابْن الْقصار، وَابْن التمار من الْمَالِكِيَّة، وَأهل الْعَرَبيَّة؛ كالفارسي، وَابْن جني، والمازري.
وَفِي النَّقْل عَن القَاضِي نظر؛ نقل عَنهُ الْمَازرِيّ وَغَيره: الْمَنْع، وَهُوَ الصَّحِيح عَنهُ، وَبِه صرح فِي كتاب (التَّقْرِيب) .
" وَلَيْسَ الْخلاف فِي " مَا ثَبت تعميمه بِالنَّقْلِ؛ " نَحْو: رجل "، أَو بالاستقراء؛ كنصب الْمَفْعُول، " وَرفع الْفَاعِل "؛ إِنَّمَا الْخلاف فِي أَن اسْم الْجِنْس، إِذا كَانَ مَعْنَاهُ مُقَارنًا لِمَعْنى يستلزمه، صَالحا للغلبة؛ كاسم الْخمر.
وَالْمُصَنّف من الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يثبت، " أَي: لَا يُسمى مسكوت عَنهُ [إِلْحَاقًا] بِتَسْمِيَة لمُعين؛ لِمَعْنى يستلزمه "، أَي: يسْتَلْزم ذَلِك الْمَعْنى " وجودا وعدما؛ كَالْخمرِ للنبيذ؛ للتخمير،

(1/426)


للنبيذ؛ للتخمير، وَالسَّارِق للنباش؛ للأخذ خُفْيَة، وَالزَّانِي للائط؛ للإيلاج الْمحرم؛ إِلَّا بِنَقْل، أَو استقراء التَّعْمِيم.
لنا: إِثْبَات اللُّغَة بالمحتمل.
قَالُوا: دَار الِاسْم مَعَه وجودا وعدما؛ قُلْنَا: وَدَار مَعَ كَونه من الْعِنَب، وَكَونه مَال الْحَيّ، وقبلا.
هَامِش وَالسَّارِق للنباش؛ للأخذ خُفْيَة، وَالزَّانِي للائط؛ للإيلاج الْمحرم "؛ " إِلَّا " أَن يثبت شَيْء من هَذِه الصُّور " بِنَقْل، أَو استقراء لتعميم "؛ فَيخرج عَن مَحل النزاع، وَلَا يكون من أَمْثِلَة مَا نَحن فِيهِ، وَفَائِدَة الْقيَاس فِي اللُّغَة؛ أَنه يدعى دُخُول النَّبِيذ، والنباش، واللائط تَحت عُمُوم لفظ: الْخمر، وَالسَّارِق، وَالزَّانِي؛ لانسحاب الِاسْم عَلَيْهِ قِيَاسا، فافهمه.
الشَّرْح: " لنا ": أَن الْقيَاس فِي اللُّغَة: " إِثْبَات اللُّغَة بالمحتمل "؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل التَّصْرِيح بِمَنْعه؛ كَمَا يحْتَمل بِاعْتِبَارِهِ؛ بِدَلِيل مَنعهم طرد الأدهم، والقارورة، وَمَا لَا ينْحَصر؛ فَيبقى عِنْد السُّكُوت على الِاحْتِمَال، وَمُجَرَّد احْتِمَال وضع اللَّفْظ للمعنى لَا يصحح الحكم بِالْوَضْعِ؛ للتحكم؛ وَلِئَلَّا يلْزم الحكم بِالْوَضْعِ من غير قِيَاس؛ [كقيام الِاحْتِمَال.
وَلَك أَن تَقول: بل هُوَ إِثْبَات بِالظَّاهِرِ؛ فَلَا تحكم، وَلَا يلْزم الْوَضع من غير قِيَاس] .
الشَّرْح: " قَالُوا: دَار الِاسْم " - كَالْخمرِ مثلا - " مَعَه "، أَي: مَعَ الْمَعْنى؛ كالتخمير؛ " وجودا " فِي مَاء الْعِنَب الْمُسكر، " وعدما " فِي غَيره؛ والدوران دَلِيل أَنه مَتى تحقق الْمَعْنى، تحقق الِاسْم.
" قُلْنَا: [و] دَار " مَعَ مَا ذكرْتُمْ، وَدَار أَيْضا " مَعَ كَونه من الْعِنَب " فِي الْخمر، " وَكَونه مَال الْحَيّ " فِي السّرقَة، " وقبلا " فِي الزِّنَا، فَإِذا كَانَ الدوران عِلّة، وَقد دَار فِيمَا ذكرتموه، وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ - كَانَ الْمَعْنى الَّذِي ذكرتموه جُزْء الْعلَّة؛ فَلَا يسْتَلْزم.
وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا تعلقنا بدوران الْوَصْف الْمُنَاسب، وَمَا ذكرتموه غير مُنَاسِب؛ فَكَانَ مَا ذَكرْنَاهُ عِلّة تَامَّة؛ لِأَن التَّحْقِيق أَن الدوران، إِذا كَانَ مَعَ أُمُور بَعْضهَا مخيل، دون بعض، فالعلية للمخيل فَقَط.

(1/427)


قَالُوا: ثَبت شرعا، وَالْمعْنَى وَاحِد؛ قُلْنَا: لَوْلَا الْإِجْمَاع، لما ثَبت وَقطع النباش وحد النَّبِيذ؛ إِمَّا لثُبُوت التَّعْمِيم، أَو بِالْقِيَاسِ؛ لَا لِأَنَّهُ سَارِق أَو خمر؛ بِالْقِيَاسِ.
هَامِش
الشَّرْح: " قَالُوا: ثَبت " الْقيَاس " شرعا "، أَي: الشَّرْعِيّ، " وَالْمعْنَى وَاحِد "، وَهُوَ حمل فرع على أصل بِجَامِع.
" قُلْنَا: لَوْلَا الْإِجْمَاع " فِي الشَّرْعِيّ، " لما ثَبت، وَقطع النباش "؛ كَمَا هُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا، " وحد " شَارِب " النَّبِيذ " لَيْسَ لثُبُوت اللُّغَة قِيَاسا.
" إِمَّا لثُبُوت التَّعْمِيم "، أَي: تَعْمِيم اسْم السَّارِق وَالْخمر؛ للنباش والنبيذ.
قَالَ الشّعبِيّ: النباش سَارِق.
وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل مُسكر خمر "؛ فَيكون تَسْمِيَتهَا بِالنَّقْلِ لَا بِالْقِيَاسِ اللّغَوِيّ، " وَإِمَّا

(1/428)


صفحة فارغة
هَامِش بِالْقِيَاسِ " الشَّرْعِيّ على السَّارِق وَالْخمر فِي الحكم؛ بِجَامِع الْمفْسدَة، " لَا لِأَنَّهُ سَارِق أَو خمر؛ بِالْقِيَاسِ " اللّغَوِيّ، أَو لكل من الْأَمريْنِ، أَو فِي أَحدهمَا؛ وَهُوَ الْخمر؛ بِالنَّقْلِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَفِي الآخر: إِمَّا بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيّ، وَإِمَّا [ب] مَا فِي حَدِيث الْبَراء؛ من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَمن نبش، قطعناه ".
وَأَنا أخْتَار التَّمَسُّك بِهَذَا؛ فَإِن قطع النباش، لَو كَانَ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيّ، أَو بتسميته سَارِقا، لقطع سَارِق مَا عدا الْكَفَن من الْغَيْر، وَالأَصَح خِلَافه؛ فَكل هَذِه طرق للأصحاب، وَمن قَاس مِنْهُم فِي اللُّغَة، لم يستنكف من الْقيَاس، وَإِنَّمَا المُصَنّف اعتذر عَمَّن لم يقس، وَلَيْسَت هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة التَّعْلِيل بِالِاسْمِ؛ فَتلك فِي أَنه، هَل يناط حكم شَرْعِي باسم؟ وَهَذِه فِي أَنه، هَل يُسمى اسْم بآخر؛ لُغَة؛ بِجَامِع، وَالْقِيَاس الشَّرْعِيّ إِلْحَاق فرع بِأَصْل فِي حكمه.
(" فَائِدَة ")

الْخلاف فِي ثُبُوت اللُّغَة قِيَاسا، على الْحَقِيقَة وَالْمجَاز؛ هَذَا هُوَ الظَّاهِر، وَأَشَارَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي؛ إِلَى أَنه مَمْنُوع فِي الْمجَاز؛ بِلَا خلاف؛ وَذكر فرقين، وَلم يرتضهما الْمَازرِيّ.

(1/429)