رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

 (الْكَلَام على الْحُرُوف)

الْحُرُوف: معنى قَوْلهم: الْحَرْف: لَا يسْتَقلّ بالمفهومية؛ أَن نَحْو (من) و (إِلَى) مَشْرُوط فِي دلالتهما على مَعْنَاهُمَا الإفرادي - ذكر متعلقهما، وَنَحْو (الِابْتِدَاء) ، و (الِانْتِهَاء) ، و (ابْتَدَأَ) ، و (انْتهى) - غير مَشْرُوط فِيهَا ذَلِك.
هَامِش
الشَّرْح: " الْحُرُوف: معنى قَوْلهم: الْحَرْف لَا يسْتَقلّ بالمفهومية؛ أَن نَحْو (من) ، و (إِلَى) مَشْرُوط فِي دلالتهما على مَعْنَاهُمَا الإفرادي "؛ وَهُوَ الِابْتِدَاء فِي (من) ، والانتهاء فِي (إِلَى) - " ذكر متعلقهما "؛ من دَار وَنَحْوهَا؛ نَحْو: سرت من الدَّار، وَإِلَى الدَّار؛ فَإِنَّمَا يُفِيد أَن الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة بضميمة أُخْرَى.
" وَنَحْو: الِابْتِدَاء، والانتهاء " من الْأَسْمَاء، " وابتدأ، وانْتهى " من الْأَفْعَال - " غير مَشْرُوط فِيهَا

(1/430)


وَأما نَحْو (ذُو) ، و (فَوق) ، و (تَحت) ، و (إِن) لم تذكر إِلَّا بمتعلقها لأمر، فَغير مَشْرُوط فِيهَا ذَلِك؛ لما علم من أَن وضع " ذُو " بِمَعْنى صَاحب؛ ليتوصل بِهِ إِلَى الْوَصْف بأسماء الْأَجْنَاس - اقْتضى ذكر الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَأَن وضع " فَوق " بِمَعْنى مَكَان؛ ليتوصل بِهِ إِلَى علو خَاص - اقْتضى ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي.
(مَا تفيده الْوَاو)

(مَسْأَلَة:)

(الْوَاو) للْجمع الْمُطلق؛ لَا لترتيب، وَلَا معية؛ عِنْد الْمُحَقِّقين؛ ... ... ... ...
هَامِش ذَلِك "، أَي: وجود الضميمة؛ إِذْ يفهم الْمَعْنى بِدُونِهَا.
الشَّرْح: " وَأما نَحْو (ذُو) ، و (فَوق) ، و (تَحت) "، وَسَائِر الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على النِّسْبَة؛ ك (قبل) ، و (بعد) ، و (أَمَام) ، و (قُدَّام) ، و (خلف) ، و (وَرَاء) - فَإِنَّهَا " وَإِن لم تذكر إِلَّا بمتعلقها لأمر " مَا عَارض - " فَغير مَشْرُوط فِيهَا ذَلِك "، أَي: ذكر متعلقها، وَلَا تنْتَقض الْحُرُوف بهَا؛ " لما علم من " أَنَّهَا وضعت فِي الأَصْل لمعان قَائِمَة فِي نَفسهَا غير مفتقرة فِي الدّلَالَة على مَعَانِيهَا؛ إِلَى قرينَة.
وتحريره: " أَن وضع (ذُو) " فِي الأَصْل " بِمَعْنى (صَاحب) "؛ لغَرَض التَّوَصُّل، أَي: " ليتوصل بِهِ إِلَى الْوَصْف بأسماء الْأَجْنَاس "؛ فِي نَحْو: زيد ذُو مَال، وَذُو فرس - " اقْتضى " ذَلِك " ذكر الْمُضَاف إِلَيْهِ "؛ ليتم بِذكرِهِ الْغَرَض مِنْهَا، لَا أصل دلالتها، " وَأَن وضع " فَوق " " مثلا؛ لما كَانَ فِي الأَصْل " بِمَعْنى مَكَان " عَال؛ وأتى بِهِ " ليتوصل بِهِ إِلَى علو خَاص " يُسْتَفَاد من الضميمة - " اقْتضى ذَلِك "، أَي: اقْتضى ذكر مُتَعَلّقه؛ تَقول: زيد فَوق السَّطْح؛ " وَكَذَلِكَ " حكم " الْبَوَاقِي " من هَذِه الْأَلْفَاظ.
(" مَسْأَلَة ")

الشَّرْح: " الْوَاو " العاطفة " للْجمع الْمُطلق ".
وَلَو قَالَ: مُطلق الْجمع، لَكَانَ أَسد؛ لما فِي الْجمع الْمُطلق من إِيهَام؛ بتقييد الْجمع بِالْإِطْلَاقِ، وَالْغَرَض نفي التَّقْيِيد؛ وَفرق وَاضح بَين مُطلق الْحَقِيقَة، والحقيقة الْمُطلقَة، والحقيقة بِلَا قيد، والحقيقة بِقَيْد.
" لَا لترتيب وَلَا معية؛ عِنْد الْمُحَقِّقين ".
وَقيل: للتَّرْتِيب؛ وَهُوَ الَّذِي اشْتهر عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَنقل عَن الشَّافِعِي نَفسه؛ وَهُوَ من أَئِمَّة

(1/431)


صفحة فارغة
هَامِش اللُّغَة، وفصحاء الْعَرَب الَّذِي يحْتَج بكلامهم، وَعَن قطرب، والربعي، وَالْفراء، وثعلب، وَأبي عمر الزَّاهِد، وَهِشَام.

(1/432)


لنا النَّقْل عَن الْأَئِمَّة أَنَّهَا كَذَلِك.
وَاسْتدلَّ: لَو كَانَ للتَّرْتِيب، لتناقض: {وادخلوا الْبَاب سجدا، وَقُولُوا حطة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 58] ، مَعَ الْأُخْرَى، وَلم يَصح: {تقَاتل زيد وَعَمْرو} ، ولكان: (جَاءَ زيد وَعَمْرو بعده) تكريرا، و (قبله) تناقضا؛ وَأجِيب: بِأَنَّهُ مجَاز؛ لما سنذكر.
هَامِش
وَقيل: للمعية؛ وَهُوَ الْمَشْهُور عَن الْحَنَفِيَّة.
" لنا: النَّقْل عَن الْأَئِمَّة ": أَئِمَّة اللُّغَة؛ " أَنَّهَا كَذَلِك "؛ فقد نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي سَبْعَة عشر موضعا من كِتَابه.
وَقَالَ الْفَارِسِي: أجمع عَلَيْهِ نحاة (الْبَصْرَة) ، و (الْكُوفَة) .
وَلَكِن نَازع فِيهِ شَيخنَا أَبُو حَيَّان، و [قد] أصَاب؛ لما نَقَلْنَاهُ آنِفا. الشَّرْح: وَاسْتدلَّ: لَو كَانَت " للتَّرْتِيب لتناقض قَوْله تَعَالَى {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 58] مَعَ " الْآيَة " الْأُخْرَى "؛ وَهِي: {وَقُولُوا: حطة، وادخلوا الْبَاب سجدا} [سُورَة الْأَعْرَاف: الْآيَة، 161] ؛ والقصة وَاحِدَة.
" وَلم يَصح: تقَاتل زيد وَعَمْرو، ولكان " قَوْلنَا: " (جَاءَ زيد وَعَمْرو بعده) - تكريرا "؛ للْعلم بالبعدية من " الْوَاو "، و (قبله) تناقضا "؛ لدلَالَة (الْوَاو) على التَّأْخِير، وَلَكِن لَا تكْرَار، وَلَا نقض؛ فَلَا تَرْتِيب.
" وَأجِيب: بِأَنَّهُ " فِيمَا ذكرْتُمْ " مجَاز؛ لما سَيذكرُ " من الدّلَالَة على أَنَّهَا للتَّرْتِيب.

(1/433)


قَالُوا: {ارْكَعُوا واسجدوا} [سُورَة الْحَج: الْآيَة، 77] ؛ قُلْنَا: التَّرْتِيب مُسْتَفَاد من غَيره؛ قَالُوا: {إِن الصَّفَا والمروة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 158] ؛ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) ؛ قُلْنَا: لَو كَانَ لَهُ، لما احْتِيجَ إِلَى (ابدءوا) .
هَامِش
الشَّرْح: " قَالُوا ": قد أفادت (الْوَاو) التَّرْتِيب فِي قَوْله: " {ارْكَعُوا واسجدوا} [سُورَة الْحَج: الْآيَة، 77] "؛ [قُلْنَا: التَّرْتِيب بِدَلِيل امْتنَاع تَقْدِيم السُّجُود على الرُّكُوع؛ فليقدم فِي غَيره؛ دفعا للاشتراك وَالْمجَاز] .
قُلْنَا: التَّرْتِيب " هُنَا " مُسْتَفَاد من غَيره.
قَالُوا ": لما نزلت: " {إِن الصَّفَا والمروة} " [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 158] ، بَدَأَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالصفا " وَقَالَ: (ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) "؛ [كَذَا] بِخَط المُصَنّف: (ابدءوا) ؛ بضمير الْجمع للمخاطبين؛ وَهُوَ لفظ رِوَايَة النَّسَائِيّ؛ وَفِي مُسلم: (ابدأ) بضمير الْمُتَكَلّم.

(1/434)


قَالُوا: رد [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] على قَائِل: (وَمن عصاهما، فقد غوى) ؛ وَقَالَ: (قل: وَمن عصى الله وَرَسُوله) ؛ قُلْنَا: لترك إِفْرَاد اسْمه بالتعظيم؛ بِدَلِيل أَن معصيتهما لَا تَرْتِيب فِيهَا.
هَامِش
" قُلْنَا: لَو كَانَ لَهُ " - أَي: التَّرْتِيب - " لما احْتِيجَ إِلَى (ابدءوا) "؛ لمعرفتهم التَّرْتِيب من الْوَاو؛ فَإِذن الحَدِيث عَلَيْكُم، لَا لكم.
الشَّرْح: " قَالُوا: رد " النَّبِي " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على قَائِل ": (من يطع الله وَرَسُوله، فقد رشد، " وَمن عصاهما "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف.
وَلَفظ الحَدِيث: (وَمن يعصهما " فقد غوى) ، وَقَالَ ": (بئس الْخَطِيب أَنْت؛ " قل: وَمن عصى) "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف، وَاللَّفْظ: (يعْص " الله وَرَسُوله) "؛ رَوَاهُ مُسلم، فَلَو لم تكن للتَّرْتِيب، لم يكن فرق بَين مَا أمره بِهِ، وَمَا نَهَاهُ عَنهُ.
" قُلْنَا ": لَيْسَ اللوم للتَّرْتِيب؛ بل " لترك إِفْرَاد اسْمه "، أَي: اسْم الله " بالتعظيم؛ بِدَلِيل أَن معصيتهما لَا تَرْتِيب فِيهَا "، وكل مِنْهُمَا مستلزمة لِلْأُخْرَى.
فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ المُصَنّف: (معصيتهما) عقب سَماع اللوم على الْجمع بَين الله وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ضمير وَاحِد.
قلت: لوم الْخَطِيب؛ إِنَّمَا كَانَ لِأَن مقَامه - وَهِي العظة والخطابة - يَقْتَضِي التَّوَسُّع فِي الْكَلَام؛ فَكَانَ الْمُنَاسب فِيهِ الْإِفْرَاد؛ تَعْظِيمًا، وَلَا كَذَلِك أَمَاكِن الِاخْتِصَار؛ ك (مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب) ؛ وَفِي الْقُرْآن: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ} [سُورَة الْأَحْزَاب: الْآيَة، 56] .
وَفِي الحَدِيث: " ثَلَاث من كن فِيهِ، وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا ... ".

(1/435)


قَالُوا: إِذا قيل لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق، وَطَالِق، وَطَالِق - وَقعت وَاحِدَة؛ بِخِلَاف: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا؛ وَأجِيب بِالْمَنْعِ؛ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَول مَالك [رَحمَه الله] : وَالْأَظْهَر أَنَّهَا مثل (ثمَّ) ؛ إِنَّمَا قَالَه فِي ... ... ... ... ...
هَامِش
الشَّرْح: " قَالُوا: إِذا قيل لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق، وَطَالِق، وَطَالِق - وَقعت وَاحِدَة؛ بِخِلَاف أَنْت طَالِق ثَلَاثًا "؛ فَلَو اقْتَضَت (الْوَاو) الْجمع، لم تفترق الصورتان.
" وَأجِيب بِالْمَنْعِ "؛ فقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَبَعض الْمَالِكِيَّة؛ بِوُقُوع الثَّلَاث؛ وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ؛ أثْبته ابْن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ المُصَنّف: " وَهُوَ " - أَي: الْمَنْع - " الصَّحِيح ".
وَنَقله ابْن أبي هُرَيْرَة فِي (النَّوَادِر) عَن ابْن حبيب، وَقَالَهُ فضل بن أبي سَلمَة فِي (اخْتِصَار الْوَاضِحَة) .
الشَّرْح: " و " أما " قَول مَالك: وَالْأَظْهَر أَنَّهَا مثل (ثمَّ) " - فَمَحْمُول على أَنه " إِنَّمَا قَالَه فِي

(1/436)


الْمَدْخُول بهَا؛ يَعْنِي يَقع الثَّلَاث، وَلَا يَنْوِي فِي التَّأْكِيد.
هَامِش الْمَدْخُول بهَا؛ يَعْنِي: يَقع " عَلَيْهَا " الثَّلَاث، وَلَا يَنْوِي " - أَي: وَلَا تقبل مِنْهُ نِيَّته " فِي " إِرَادَة " التَّأْكِيد "؛ كَمَا لَا تقبل إِرَادَته التَّأْكِيد فِي (ثمَّ) .
وَالْمَحْفُوظ عَن مَالك؛ أَن فِي النسق بِالْوَاو إشْكَالًا.
قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَرَأَيْت الْأَغْلَب على رَأْيه أَنَّهَا مثل (ثمَّ) ، وَلَا يَنْوِي.
وَالْمُصَنّف جرى على مختاره فِي مذْهبه.
وَأما نَحن، فَالصَّحِيح من مَذْهَبنَا وُقُوع وَاحِدَة فَقَط؛ لِأَنَّهَا تبين بِالْأولَى؛ فَلَا يَقع مَا بعْدهَا؛ قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِنَّمَا سبق وُقُوعه؛ لِأَنَّهُ تكلم بِهِ على وَجه الْإِيقَاع؛ من غير أَن يربطه برابط، أَو يعلقه بِشَيْء مَا.
وَالْمَوْجُود مِنْهُ ثَلَاث إيقاعات مُتَوَالِيَة، لَا تعلق لبعضها بِبَعْض، وحظ (الْوَاو) هُنَا مُطلق الْعَطف، فَصَارَت قَضِيَّة الْكَلَام الأول الْوُقُوع من غير إبطاء وَلَا مهلة، وَإِذا وَقع لم يُصَادف الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَّا بَائِنا، لَا يلْحقهَا طَلَاق، وَيُخَالف: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا؛ لِأَن ثَلَاثًا بَيَان للْأولِ.

(1/437)


صفحة فارغة
هَامِش
وَقد لَاحَ بِهَذَا أَنه لَا حجَّة لمن زعم أَن الشَّافِعِي يَقُول: (الْوَاو) للتَّرْتِيب بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة.
فَإِن قلت: فَالْأَصَحّ وُقُوع الثَّلَاث فِيمَا إِذا علق هَذَا اللَّفْظ، وَوجدت الصّفة.
قلت: لِأَن الصّفة وُقُوع لَا إِيقَاع، فَوجدت التطليقات الثَّلَاث مَعًا، وَهُوَ فِي التَّعْلِيق بِإِزَاءِ: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا سَوَاء.
وتعلقوا أَيْضا بِإِيجَاب الشَّافِعِي التَّرْتِيب فِي الْوضُوء من آيَة الْوضُوء، وَالشَّافِعِيّ لم يَأْخُذ ذَلِك من (الْوَاو) ، بل من جِهَة أَن الْعِبَادَة كلهَا مترتبة؛ كَالصَّلَاةِ، وَالْحج، وَالْوُضُوء مِنْهَا، و (الْوَاو) لَا تَنْفِي التَّرْتِيب.
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ: معَاذ الله أَن يَصح عَن الشَّافِعِي أَنَّهَا للتَّرْتِيب، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْده لمُطلق الْجمع.
قلت: وَمِمَّا يُوضحهُ اتِّفَاق الْأَصْحَاب على أَن: وقفت على أَوْلَادِي، وَأَوْلَاد أَوْلَادِي - يَقْتَضِي التَّسْوِيَة، وَإِن أَتَى فِي بعض الْفُرُوع خلاف، فمنشؤه من اخْتِيَار لقائله أَن (الْوَاو) للتَّرْتِيب؛ كَمَا فِي: إِن دخلت الدَّار، وَكلمت زيدا، فَأَنت طَالِق.
قَالَ الْأَصْحَاب: لَا فرق بَين تقدم الْكَلَام وتأخره.
وَفِي (التَّتِمَّة) مَا يَقْتَضِي إِثْبَات خلاف فِيهِ، وَلَا يشكل علينا إِلَّا مَا قَالَ صَاحب (التَّهْذِيب) فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ: إِن مت، وَدخلت الدَّار، فَأَنت حر - أَنه لَا بُد من وُقُوع الدَّار بعد الْمَوْت، وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ، فَإِن لَاحَ لَهُ وَجه غير اقْتِضَاء (الْوَاو) التَّرْتِيب، وَإِلَّا فَلَا أرَاهُ الْمَذْهَب.

(1/438)


الثَّالِث ابْتِدَاء الْوَضع لَيْسَ بَين اللَّفْظ ومدلوله مُنَاسبَة طبيعية؛ لنا: الْقطع بِصِحَّة وضع اللَّفْظ للشَّيْء ونقيضه وضده - وبوقوعه؛ كالقرء، والجون.
هَامِش
الشَّرْح: " ابْتِدَاء الْوَضع لَيْسَ بَين اللَّفْظ ومدلوله مُنَاسبَة طبيعية "؛ خلافًا ل " عباد بن سُلَيْمَان الصَّيْمَرِيّ؛ إِذْ أثبت مُنَاسبَة، قيل: حاملة للواضع على أَن يضع.
وَقيل: بل كَافِيَة بمجردها فِي كَون الْأَلْفَاظ دَالَّة على الْمعَانِي من غير احْتِيَاج إِلَى الْوَضع، قَالَ الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ: وَهُوَ الصَّحِيح عَن عباد.
" لنا: الْقطع بِصِحَّة وضع اللَّفْظ للشَّيْء ونقيضه "، وللشيء " وضده "؛ " و " الْقطع، " بِوُقُوعِهِ " أَيْضا؛ " كالقرء "؛ الْمَوْضُوع للطهر وَالْحيض، " والجون "؛ للأسود والأبيض.
وَلَك أَن تَقول: هَذَا مِثَال الضدين، فَأَيْنَ مِثَال النقيضين؟
وَقد قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: لَا يجوز أَن يكون اللَّفْظ مُشْتَركا بَين عدم الشَّيْء وثبوته؛ وَهُوَ ضَعِيف.

(1/439)


قَالُوا: لَو تَسَاوَت، لم يخْتَص؛ قُلْنَا: يخْتَص بِإِرَادَة الْوَاضِع الْمُخْتَار.