رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

 (تَعْرِيف الحكم الشَّرْعِيّ)

الحكم، قيل: خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين، فورد ... ... ... ...
هَامِش
الشَّرْح: " الحكم: قيل " فِي تَعْرِيفه: " خطاب الله الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين ". وَالْخطاب: تَوْجِيه الْكَلَام للأفهام، وبإضافته إِلَى الله - تَعَالَى - خرج من عداهُ؛ إِذْ لَا حكم إِلَّا لله.

(1/482)


مثل: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَة الصافات: الْآيَة 96] فزيد بالاقتضاء أَو التَّخْيِير، فورد كَون الشَّيْء دَلِيلا وسببا وشرطا، فزيد: أَو الْوَضع فاستقام. وَقيل: بل هُوَ رَاجع إِلَى الِاقْتِضَاء والتخيير. وَقيل: لَيْسَ بِحكم، وَقيل: الحكم خطاب الشَّارِع بفائدة شَرْعِيَّة
هَامِش
وَقَوله: " الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين " يخرج مَا لَيْسَ كَذَلِك، وَالْمرَاد. جنس الْفِعْل، والمكلف وَاحِدًا كَانَ أَو أَكثر.
فَلَو قيل: بِفعل الْمُكَلف، كَانَ أوضح.
قَوْله: " فورد "، أَي: نقضا على هَذَا التَّعْرِيف مَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف، وَلَيْسَ بِحكم " وَمثل: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَة الصافات: الْآيَة 96] . فزيد بالاقتضاء، أَو التَّخْيِير ".
والاقتضاء: الطّلب، فيندرج فِيهِ الْأَرْبَعَة، والتخيير: الْإِبَاحَة.
وَإِنَّمَا زيد هَذَا؛ لدفع الْإِيرَاد الْمشَار إِلَيْهِ، فورد بِسَبَب زِيَادَته مَا لم يكن واردا من قبل، وَهُوَ كَون الشَّيْء دَلِيلا - ك " الدلوك " دَلِيل الصَّلَاة - وسببا - ك " البيع " سَبَب صِحَة التَّصَرُّفَات - وشرطا - ك " الطَّهَارَة " للصَّلَاة - فَإِن كل وَاحِد مِنْهَا حكم شَرْعِي، وَلَا اقْتِضَاء فِيهِ وَلَا تَخْيِير، فزيد " أَو الْوَضع " عِنْد ذكر هَذَا الْإِيرَاد، فاستقام الْحَد من جهتي الطَّرْد وَالْعَكْس.
وَهَذَا عِنْد من يرى السُّؤَال واردا كالمصنف.
وَقيل: بل هُوَ، أَي: مَا أورد لَا يرد؛ لِأَنَّهُ دَاخل فِي الْحَد؛ إِذْ هُوَ رَاجع إِلَى الِاقْتِضَاء والتخيير؛ لوُجُوب الشَّيْء عِنْده، وَمعنى سَبَبِيَّة الدلوك وجوب الصَّلَاة عِنْده، وَصِحَّة البيع إِبَاحَة التَّصَرُّف، ومانعية الْحَدث للصَّلَاة رَاجِعَة إِلَى تَحْرِيمهَا.
وَهَذِه طَريقَة الإِمَام الرَّازِيّ، وَعَلَيْهَا يعْتَمد.
" وَقيل: لَيْسَ " وَاحِد من هَذِه الْأَشْيَاء " بِحكم "، بل عَلَامَات الحكم.
" وَقيل: الحكم: خطاب الشَّارِع بفائدة شَرْعِيَّة " - قَالَه الْآمِدِيّ - وَلم يرد بالفائدة الشَّرْعِيَّة مُتَعَلق الحكم الشَّرْعِيّ، وَإِلَّا لزم الدّور، وَإِنَّمَا أَرَادَ - كَمَا ذكر فِي " الإحكام " - الِاحْتِرَاز عَمَّا

(1/483)


تخْتَص بِهِ، أَي: لَا تفهم إِلَّا مِنْهُ لِأَنَّهُ إنْشَاء فَلَا خَارج لَهُ.
(أقسامه)

فَإِن كَانَ طلبا لفعل غير كف، ينتهض تَركه فِي جَمِيع وقته سَببا ... ... ... ... ...
هَامِش [لَا] يُفِيد فَائِدَة شَرْعِيَّة؛ كالإخبار عَن المعقولات، والمحسوسات وَنَحْوهَا.
وَقد أورد عَلَيْهِ أَنه صَادِق على إِخْبَار الشَّارِع عَن المغيبات، مثل: {الم غلبت الرّوم} [سُورَة الرّوم: الْآيَة 2] ؛ إِذْ هِيَ فَائِدَة غير عقلية وَلَا حسية، وَلَيْسَت حكما.
وَعِنْدِي أَنه مندفع؛ لِأَنَّهُ نَحْو الْعَقْلِيَّة والحسية، وَهُوَ قد احْتَرز " بالشرعية " عَنْهُمَا وَعَن نَحْوهمَا، لَا عَنْهُمَا فَقَط.
وَالْمُصَنّف لما رأى هَذَا الْإِيرَاد يسْتَلْزم بطلَان الْحَد بِإِبْطَال طرده بالإخبار الشَّرْعِيّ قيل: الْخطاب يُفِيد كَونه بِكَوْن يكون مَعَه إنشائيا؛ لظَنّه وُرُود الْإِيرَاد، فَقَالَ: " تخْتَص بِهِ [أَي: لَا تفهم] أَي: لَا تعرف إِلَّا مِنْهُ "، فَخرج الْإِخْبَار الشَّرْعِيّ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ خطابا بفائدة شَرْعِيَّة، لَكِن قد تفهم تِلْكَ الْفَائِدَة من غير ذَلِك الْخطاب.
وَأما الْفَائِدَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي هِيَ فِي الحكم، فَلَا تفهم إِلَّا من الْخطاب؛ " لِأَنَّهُ " - أَي: الحكم - " إنْشَاء فَلَا خَارج لَهُ "، وَإِذا لم يكن لَهُ خَارج، لم يتأت فهمه إِلَّا من الْخطاب.
وَلَك أَن تَقول: لَا حَاجَة مَعَ هَذَا الْقَيْد الَّذِي زَاده المُصَنّف إِلَى لَفْظَة " شَرْعِيَّة "؛ إِذْ هُوَ مفصح عَن المُرَاد بهَا فَقَط كَمَا عرفت - وَهُوَ مغن عَن ذكرهَا.
الشَّرْح: إِذا عرفت هَذَا " فَإِن كَانَ " الحكم " طلبا لفعل غير كف ينتهض تَركه فِي جَمِيع وقته سَببا للعقاب، فوجوب ".
وَقَيَّدنَا " الْفِعْل " بِغَيْر الْكَفّ ليحترز عَن النَّهْي؛ إِذْ مُقْتَضَاهُ عندنَا فعل الضِّدّ، لَا الانتفاء، وَقَالَ: فِي جَمِيع وقته - ليدْخل الموسع.

(1/484)


للعقاب، فوجوب، وَإِن انتهض فعله خَاصَّة للثَّواب، فندب، وَإِن كَانَ طلبا لكف عَن فعل، ينتهض فعله سَببا للعقاب، فتحريم. وَمن يسْقط " غير كف " فِي الْوُجُوب يَقُول: طلبا لنفي
هَامِش
" وَإِن انتهض فعله خَاصَّة " سَببا " للثَّواب، فندب ".
وَإِنَّمَا قَالَ: " خَاصَّة " ليعرف أَنه لَا يَتَرَتَّب على تَركه شَيْء.
وَإِن أورد الْفَقِيه رد شَهَادَة من اعْتَادَ ترك السّنَن الرَّاتِبَة، وتسبيحات الرُّكُوع [وَالسُّجُود] ، وَنَحْو ذَلِك.
وَقيل لَهُ: لَيْسَ الْعقَاب فِي شَيْء من ذَلِك لمُجَرّد ترك السّنَن، بل للإشعار من فَاعله بقلة المبالاة بالمهمات.
" وَإِن كَانَ طلبا لكف عَن فعل ينتهض فعله سَببا للعقاب، فتحريم.
وَمن يسْقط " قَوْلنَا: " غير كف فِي " تَعْرِيف " الْوُجُوب " وَهُوَ قَائِل: إِن مَطْلُوب النَّهْي [عَن] الانتفاء - كَأبي هَاشم - " يَقُول: طلبا لنفي فعل " ينتهض فعله سَببا للعقاب " فِي التَّحْرِيم ".
وَلَا نعني بانتهاض فعله سَببا للعقاب، عِقَاب الدُّنْيَا بِخُصُوصِهِ من حد أَو تَعْزِير، وَنَحْوهمَا، بل أَعم من عِقَاب الدُّنْيَا وإثم الْآخِرَة، فَلَا يرد حرَام لَا يُعَاقب مرتكبه فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد المروروذي: فِيمَن دخل من أهل الْقُوَّة الْحمى الَّذِي حماه الإِمَام فرعى مَاشِيَته أَنه لَا غرم وَلَا تَعْزِير عَلَيْهِ، وكما قيل على وَجه آخر: إِذا وطئ السَّيِّد الْمُكَاتبَة فَلَا يُعَزّر، وَإِن

(1/485)


صفحة فارغة
هَامِش
صفحة فارغة.

(1/486)


صفحة فارغة
هَامِش كَانَ عَالما بِالتَّحْرِيمِ، وكما قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام: إِنَّه لَا يجوز تَعْزِير الْأَوْلِيَاء على الصَّغَائِر، بل تقال عثراتهم، وكما قيل - على وَجه -: فِيمَا إِذا وطئ الْأَب جَارِيَة الابْن - وَقُلْنَا: بِالصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنه لَا حد عَلَيْهِ - أَنه لَا تَعْزِير أَيْضا، وكما قَالَ ابْن دَاوُد - شَارِح " مُخْتَصر الْمُزنِيّ " -: إِن قَاتل الزَّانِي الْمُحصن إِذا وجده مَعَ أَهله فَقتله على تِلْكَ الْحَالة لَا يُعَزّر.

(1/487)


فعل فِي التَّحْرِيم، وَإِن انتهض الْكَفّ خَاصَّة للثَّواب، فكراهة، وَإِن كَانَ تخييرا، فإباحة، وَإِلَّا، فوضعي.
هَامِش
قَالَ: لِأَن الغيظ وَالْحمية حمله، وَهُوَ قد جنى على مَحل حَقه، فَجَاز أَن يُعَزّر - وَإِن كَانَ حَرَامًا - للافتيات على الإِمَام.
فَهَذِهِ معاص لَا عِقَاب فِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَهِي مُسْتَثْنَاة من الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة فِي الْفِقْه. إِن من أَتَى مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة، عَلَيْهِ التَّعْزِير، فاحفظها.
وَكَذَلِكَ نقُول فِي الْوَاجِب: مرادنا " بانتهاض تَركه سَببا للعقاب " مَا هُوَ أَعم من عِقَاب الدَّاريْنِ.
" وَإِن انتهض الْكَفّ خَاصَّة سَببا للثَّواب فكراهة ".
وَقَالَ: خَاصَّة فِي الْكَرَاهَة أَيْضا؛ ليعلم أَنه لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا عِقَاب، وَإِن أورد الْفَقِيه هُنَا مواظب لعب الشطرنج، وَنَحْوه، وكالندب.
وَإِن انتهض " الحكم تخييرا " بَين الْفِعْل وَالتّرْك، " فإباحة ".
" وَإِلَّا " - أَي: وَإِن لم يكن طلبا وَلَا تخييرا - " فوضعي " كالصحة والبطلان، وَكَون الشَّيْء سَببا ودليلا وشرطا ومانعا، وَغير ذَلِك.
وَالْمُصَنّف جَار فِي الوضعي على مختاره - وَقد سبق القَوْل فِيهِ - وتابع فِي حصر الِاقْتِضَاء والتخيير فِي الْأَحْكَام الْخَمْسَة لعلمائنا أَجْمَعِينَ.
وَأَنا أَقُول: بَقِي خلاف الأولى الَّذِي تذكره الْفُقَهَاء فِي مسَائِل عديدة، ويفرقون بَينه وَبَين الْمَكْرُوه، كَمَا فِي صَوْم يَوْم " عَرَفَة " للْحَاج الصَّحِيح خلاف الأولى.
وَقيل: مَكْرُوه.
وَالْخُرُوج من صَوْم التَّطَوُّع أَو صلَاته بعد الثُّلثَيْنِ بِغَيْر عذر مَكْرُوه.
وَقيل: خلاف الأولى.
ونفض الْيَد فِي الْوضُوء مُبَاح.

(1/488)


صفحة فارغة
هَامِش
وَقيل: مَكْرُوه.
وَقيل: خلاف الأولى.
وَالزِّيَادَة على الثَّلَاث فِي الْوضُوء مَكْرُوه.
وَقيل: حرَام.
وَقيل: خلاف الأولى.
وَقيل: مَكْرُوهَة.
وتفضيل أَعْضَاء الْعَقِيقَة. خلاف الأولى.
وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ فِي " شرح الْمُهَذّب ": أَنه غير مَكْرُوه.
قَالَ النَّوَوِيّ: لِأَنَّهُ لم يثبت فِيهِ نهي مَقْصُود.
وَعمارَة الدّور وَسَائِر الْعقار، الأولى ترك الزِّيَادَة فِيهَا.
وَرُبمَا قيل: تكره والمعتكف.
قَالَ فِي " الْبَحْر ": يكره أَن يغسل يَده من غير طست.

(1/489)


وَفِي تَسْمِيَة الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا خلاف.
هَامِش
وَقيل: [لَا] يكره، وَلَكِن الْأَحْسَن غَيره.
وَيكرهُ أَن يُقَال لغير الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم: فلَان صلوَات الله عَلَيْهِ.
وَقيل: خلاف الأولى.
وَإِذا كَانَ مَوضِع الإِمَام أَعلَى من مَوضِع الْمَأْمُومين، وَلم يكن مرِيدا تعليمهم أَفعَال الصَّلَاة، فَهُوَ خلاف الأولى.
وَأطلق ابْن الصّباغ وَالْمُتوَلِّيّ فِيهِ لفظ الْكَرَاهَة.
وَمن تَأمل وجده خَارِجا عَن الْخَمْسَة، ولعلنا نحقق ذَلِك فِي التعليقة، فلنقل: الحكم إِمَّا طلب لفعل غير كف، أَو لفعل هُوَ كف، أَو تَخْيِير.
وَالْأول: إِمَّا مَعَ الْجَزْم [فالوجوب، أَو لَا، فالندب.
وَالثَّانِي: إِمَّا مَعَ الْجَزْم] فالحرمة، أَو لَا، وَفِيه نهي مَخْصُوص، فالكراهة، أَو لَا نهي فِيهِ مَخْصُوص، فخلاف الأولى.
وَالثَّالِث: الْإِبَاحَة، وَالنَّدْب، وَالسّنة، وَالْمُسْتَحب، وَالطَّاعَة، وَالْحسن، وَالنَّفْل - مترادفة، خلافًا لبَعض فقهائنا.
الشَّرْح: " وَفِي تَسْمِيَة الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا خلاف " مُفَرع على تَفْسِير الْخطاب. فَمن قَائِل: إِنَّه الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ إفهام من هُوَ متهيئ للفهم.
وَمن قَائِل: الَّذِي يعلم مِنْهُ أَنه يقْصد بِهِ الإفهام، فعلى هَذَا هُوَ خطاب دون الأول.

(1/490)