رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (الْوُجُوب وَالْوَاجِب)
الْوُجُوب: الثُّبُوت والسقوط، وَفِي الِاصْطِلَاح مَا تقدم.
وَالْوَاجِب: الْفِعْل الْمُتَعَلّق للْوُجُوب كَمَا تقدم،
وَمَا يُعَاقب تَاركه مَرْدُود؛ بِجَوَاز الْعَفو، وَمَا أوعد
بالعقاب تَاركه مَرْدُود؛ بِصدق إيعاد الله تَعَالَى، وَمَا
يخَاف مَرْدُود؛ بِمَا يشك فِيهِ. القَاضِي: مَا يذم تَاركه
شرعا بِوَجْه مَا. وَقَالَ: " بِوَجْه مَا " ليدْخل الْوَاجِب
الموسع والكفاية؛ حَافظ على عَكسه؛ فأخل بطرده؛ إِذْ يرد
النَّاسِي والنائم وَالْمُسَافر فَإِن قَالَ: يسْقط الْوُجُوب
بذلك. قُلْنَا: وَيسْقط بِفعل الْبَعْض.
هَامِش
الشَّرْح: " الْوُجُوب " فِي اللُّغَة: " الثُّبُوت "، وَمِنْه
الحَدِيث: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مُوجبَات
(1/491)
صفحة فارغة
هَامِش رحمتك "، " والسقوط "، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
{فَإِذا وَجَبت جنوبها} [سُورَة الْحَج: الْآيَة 36] .
وَفِي حَدِيث أبي عُبَيْدَة ومعاذ " إِنَّا نحذرك يَوْمًا تجب
فِيهِ الْقُلُوب " فَكَأَنَّهُ الشَّيْء الَّذِي سقط على
الْمُخَاطب فَلَزِمَ وأثقله، كَمَا يسْقط عَلَيْهِ الشَّيْء.
فَلَا يُمكنهُ دَفعه عَن نَفسه.
(1/492)
صفحة فارغة
هَامِش
" وَفِي الِاصْطِلَاح مَا تقدم ".
" الْوَاجِب الْفِعْل الْمُتَعَلّق للْوُجُوب، كَمَا تقدم ".
وتعريفه بِأَنَّهُ " مَا يُعَاقب تَاركه ". مَرْدُود بِجَوَاز
الْعَفو من الله تَعَالَى.
وَمَا أوعد بالعقاب على تَركه.
قَالَ المُصَنّف: " مَرْدُود بِصدق إيعاد الله ".
وَلَك أَن تَقول: قد يتَجَاوَز الرب وَيَعْفُو، ثمَّ لَا
يَنْتَفِي الصدْق.
" وَمَا يخَاف " الْعقَاب على تَركه، رده إِمَام الْحَرَمَيْنِ
بِمَا يحسبه الْمَرْء وَاجِبا، فَإِنَّهُ يخَاف الْعقَاب
عَلَيْهِ، وَقد لَا يكون كَذَلِك.
وَهَذَا صَحِيح، فَإِن من اعْتقد جهلا صِيَام رَجَب، يخَاف
الْعقَاب على تَركه مَعَ انْتِفَاء الْوُجُوب.
وَقد عبر المُصَنّف تبعا للآمدي عَن هَذَا الرَّد بِعِبَارَة
غير سديدة، فَقَالَ: " مَرْدُود بِمَا يشك فِيهِ " أَنه
وَاجِب، أَو لَا؛ إِذْ الْخَوْف مَوْجُود مَعَ عدم الْوُجُوب.
وَالظَّاهِر: أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْعبارَة مَا ذكره
الإِمَام، وَلَكِن فِيهَا قُصُور. والاعتراض عَلَيْهَا لائح
ذَلِك منع وجود الْخَوْف، وَإِن سلم فالخوف من قبل الْوُجُوب.
وَإِن قدر اخْتِلَاط الْحَلَال بالحرام كَمَا فِي امْرَأَة
اخْتلطت بأجنبيات محصورات فالحرمة متحققة، إِلَّا أَنَّهَا فِي
وَاحِدَة بِالذَّاتِ، وَفِي الأخريات بمقدمة الْوَاجِب.
وَقَالَ " القَاضِي ": الْوَاجِب " مَا يذم تَاركه شرعا
بِوَجْه مَا ".
وَالْمرَاد بالذم شرعا: أَنه وَاقع من قبل الشَّارِع؛ إِذْ لَا
حكم إِلَّا من الشَّرْع.
" وَقَالَ بِوَجْه مَا " كَمَا ذكر فِي كتاب التَّقْرِيب، "
ليدْخل فِيهِ الْوَاجِب الموسع ".
قَالَ المُصَنّف: " والكفاية "؛ فَإِن التارك فِيهَا لَا يذم
مُطلقًا، بل بِوَجْه دون وَجه فَفِي الموسع إِذا ترك فِي
جَمِيع الْوَقْت، وَفِي الْكِفَايَة إِذا لم يظنّ قيام غَيره
بِهِ، وَكَذَا الْمُخَير إِذا قُلْنَا: كل وَاحِد
(1/493)
وَالْفَرْض وَالْوَاجِب مُتَرَادِفَانِ
الْحَنَفِيَّة: الْفَرْض الْمَقْطُوع بِهِ، وَالْوَاجِب
المظنون.
هَامِش وَاجِب، فَإِنَّهُ يذم تَاركه إِذا ترك مَعَه الآخر لَا
مُطلقًا. وَأما إِذا قُلْنَا: الْوَاجِب فِيهِ وَاحِد مُبْهَم
- كرأي المُصَنّف - فيذم تَاركه بِأَيّ وَجه فرض؛ فَلذَلِك لم
يذكرهُ كَغَيْرِهِ.
وَلَك أَن تَقول: كَانَ يَنْبَغِي أَيْضا أَلا يذكر فِي فرض
الْكِفَايَة إِلَّا أَن يُحَقّق أَن القَاضِي يَقُول: إِنَّه
على الْجَمِيع.
وَالْقَاضِي لم يذكرهُ فِي " التَّقْرِيب " فَلَعَلَّهُ
يَقُول: إِنَّه على الْبَعْض.
وَاعْلَم أَن القَاضِي بِهَذَا الْقَيْد " حَافظ على عَكسه "،
فَلم يخرج من الْحَد مَا هُوَ الْمَحْدُود، أَعنِي: الموسع
والكفاية " فَأخذ بطرده "، لدُخُول مَا لَيْسَ من الْمَحْدُود
فِيهِ، " إِذْ يرد النَّاسِي والنائم "؛ حَيْثُ لَا تجب
عَلَيْهِمَا الصَّلَاة، " وَالْمُسَافر "، حَيْثُ لَا يجب
عَلَيْهِ الصَّوْم، ويذمون على تَركه بِوَجْه مَا، وَذَلِكَ
عِنْد انْتِفَاء الْأَعْذَار، كَمَا يذم فرض الْكِفَايَة
بِتَقْدِير ترك الْجَمِيع.
" فَإِن قَالَ " القَاضِي: لَا نسلم أَن هَذِه غير وَاجِبَة،
بل هِيَ وَاجِبَة، وَإِنَّمَا " يسْقط الْوُجُوب بذلك " الْعذر
- عذر السّفر، وَالنَّوْم، وَالنِّسْيَان.
" قُلْنَا ": كَذَلِك فِي الْكِفَايَة " يسْقط " الذَّم "
بِفعل الْبَعْض " الآخر.
وَاعْلَم أَن القَاضِي لَا يَقُول ذَلِك؛ إِذْ صرح فِي "
التَّقْرِيب " بِأَنَّهُ لَا وجوب على النَّائِم وَالنَّاسِي،
وَنَحْوهمَا حَتَّى السَّكْرَان، وَأَن الْمُسَافِر يجب
عَلَيْهِ صَوْم أحد الشَّهْرَيْنِ كالواجب الْمُخَير سَوَاء.
وللقاضي الْجَواب بِأَن النَّائِم لَا يذم بِوَجْه مَا.
قَوْلكُم: عِنْد انْتِفَاء الْعذر.
قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ - وَالْحَالة هَذِه - نَائِما،
وَالْكَلَام فِي النَّائِم.
الشَّرْح: " وَالْفَرْض وَالْوَاجِب " لفظان " مُتَرَادِفَانِ
" وَقَالَت " الْحَنَفِيَّة: الْفَرْض: الْمَقْطُوع،
وَالْوَاجِب: المظنون ". وَالْخلاف لَفْظِي.
(1/494)
صفحة فارغة
هَامِش
وَحكي القَاضِي فِي " التَّقْرِيب " عَن بَعضهم أَن الْفَرْض
مَا ورد فِي الْقُرْآن، وَالْوَاجِب مَا ورد فِي السّنة،
وَهُوَ فَاسد، ولفظي أَيْضا.
(1/495)
(الْأَدَاء وَالْقَضَاء والإعادة)
الْأَدَاء: مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا أَولا،
وَالْقَضَاء: مَا فعل ... ... ... ...
هَامِش
واقتضت عبارَة صَاحب " التَّنْبِيه " فِي كتاب الْحَج: أَن
الْفَرْض أَعم من الْوَاجِب؛ إِذْ قَالَ فِي " بَاب فروض
الْحَج وَالْعمْرَة ": وَذكر أَرْكَان الْحَج من واجباته،
وَهِي مؤولة، فاعرف ذَلِك.
وَنقل الرَّافِعِيّ عَن زيادات الْعَبَّادِيّ أَنه لَو قَالَ:
الطَّلَاق وَاجِب عَليّ، تطلق، أَو فرض عَليّ، لم تطلق.
وَلَيْسَ افتراقا بَين حقيقتيهما، وَإِنَّمَا هُوَ ادّعى أَن
الْعرف جرى بِالْوَاجِبِ دون الْفَرْض.
الشَّرْح: وَالْعِبَادَة المؤقتة تَنْقَسِم بِاعْتِبَار فعلهَا
فِي الْوَقْت وخارجه إِلَى أَدَاء، وَقَضَاء، وإعادة.
(1/496)
بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا لما سبق لَهُ
وجوب مُطلقًا، أَخّرهُ عمدا أَو سَهوا، تمكن من فعله كالمسافر،
أَو لم يتَمَكَّن؛ لمَانع من الْوُجُوب شرعا؛ كالحائض، أَو
عقلا؛ كالنائم، وَقيل: لما سبق وُجُوبه على الْمُسْتَدْرك،
فَفعل الْحَائِض والنائم قَضَاء على الأول لَا الثَّانِي
إِلَّا على قَول ضَعِيف. والإعادة مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء
ثَانِيًا؛ لخلل. وَقيل: لعذر.
هَامِش
فَأَما " الْأَدَاء " فَهُوَ " مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ
شرعا أَولا "، فَخرج مَا لم يقدر لَهُ وَقت كالنوافل
الْمُطلقَة، أَو قدر لَا بِأَصْل الشَّرْع، كمن يضيق عَلَيْهِ
الموسع لعَارض ظَنّه الْفَوات إِن لم يُبَادر، وَمَا وَقع فِي
وقته الْمُقدر لَهُ شرعا، وَلَكِن غير الْوَقْت الَّذِي قدر
لَهُ أَولا. كالظهر وَقتهَا الأول مَا بَين زَوَال الشَّمْس
إِلَى صيرورة ظلّ كل شَيْء مثله، ووقتها الثَّانِي إِذا ذكرهَا
بعد النسْيَان، لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا "،
فَإِن ذَلِك وَقتهَا.
وَإِذا أوقعهَا فِي الثَّانِي لم يكن أَدَاء.
وَلَيْسَ قَوْله: أَولا مُتَعَلقا بقوله: فعل فَيكون
مَعْنَاهُ: فعل أَولا لتخرج الْإِعَادَة؛ لِأَن الْإِعَادَة
(1/497)
صفحة فارغة
هَامِش قسم من الْأَدَاء فِي مصطلح الْأَكْثَرين، وَعَلِيهِ
جرى الْآمِدِيّ.
" وَالْقَضَاء " اخْتلف فِيهِ، وَالْمُخْتَار أَنه " مَا فعل
بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا لما سبق لَهُ وجوب مُطلقًا " أَي:
سَوَاء كَانَ الْوُجُوب على الْمُسْتَدْرك أم غَيره، وَسَوَاء
" أَخّرهُ عمدا أم سَهوا " وَسَوَاء " تمكن " الْمُسْتَدْرك "
من فعله " فِي وقته " كالمسافر " إِذا ترك الصَّوْم، " أَو لم
يتَمَكَّن لمَانع من الْوُجُوب ".
إِمَّا " شرعا كالحائض " فِي الصَّوْم، إِذا لم نقل بِوُجُوب
الصَّوْم عَلَيْهَا فِي زمن الْحيض، وَهُوَ رَأْي
الْأُصُولِيِّينَ، " أَو عقلا كالنائم " فِي الصَّلَاة.
" وَقيل ": مَا فعل بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا " لما سبق
وُجُوبه على الْمُسْتَدْرك ".
وَهَذَا أخص من الأول، وَيظْهر الْفرق بَينهمَا فِي الْحَائِض
والنائم، " فَفعل الْحَائِض " بعد انصرام الْحيض، " والنائم "
بعد الانتباه " قَضَاء على الأول "؛ إِذْ هُوَ اسْتِدْرَاك لما
سبق لَهُ وجوب مُطلقًا، " لَا الثَّانِي إِلَّا فِي قَول
ضَعِيف "، وَهُوَ قَول من يَقُول بِوُجُوب الصَّوْم على
الْحَائِض.
وَقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: إِن الْخلاف فِي
الْوُجُوب على الْحَائِض لَفْظِي.
وَذكرنَا فِي " شرح الْمِنْهَاج ": أَن مِنْهُم من بنى
عَلَيْهِ وجوب التَّعَرُّض للْأَدَاء، وَالْقَضَاء فِي
النِّيَّة، وَيَنْبَغِي أَن تبدل لَفْظَة " الْوُجُوب " فِي
التعريفين بالمشروعية، فَيُقَال: مَا سبقت لَهُ مَشْرُوعِيَّة،
ليشْمل النَّوَافِل المؤقتة، فَإِن أصح أَقْوَال الشَّافِعِي
أَنَّهَا تقضي.
والإعادة: مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا لخلل فِي الأول
"، من فقدان ركن أَو شَرط، كَذَا صرح بِهِ القَاضِي أَبُو بكر.
" وَقيل ": فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا " لعذر "، فعلى الأول
صَلَاة من أدّى مُنْفَردا، ثمَّ أعَاد فِي جمَاعَة لَا يكون
إِعَادَة، وعَلى الثَّانِي يكون؛ إِذْ وجد أَن الْجَمَاعَة
عذر.
وَكَذَا يتَخَرَّج من صلى وَلَو فِي جمَاعَة، ثمَّ رأى من
يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاة الْفَرِيضَة وَحده، فَإِنَّهُ
يسْتَحبّ لَهُ أَن يُصليهَا مَعَه لتحصل لَهُ فَضِيلَة
الْجَمَاعَة.
وَمن صلى فِي جمَاعَة ثمَّ أدْرك جمَاعَة أُخْرَى، يسْتَحبّ
لَهُ الْإِعَادَة على الصَّحِيح، سَوَاء
(1/498)
|