رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (الْوَاجِب على الْكِفَايَة)
(مَسْأَلَة:)
الْوَاجِب على الْكِفَايَة على الْجَمِيع، وَيسْقط
بِالْبَعْضِ. لنا إِثْم ... ... ... ...
هَامِش اشْتَمَلت الْجَمَاعَة الثَّانِيَة على زِيَادَة
فَضِيلَة من كَون الإِمَام أعلم، أَو أورع، أَو الْجمع أَكثر،
أَو الْمَكَان أشرف، أَو لَا، وسماها الْفُقَهَاء إِعَادَة.
وَقد يُقَال: لَا عذر إِذا اسْتَوَت الجماعتان من كل وَجه،
وَيكون على هَذَا الْإِعَادَة مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء
ثَانِيًا مُطلقًا، وَهُوَ الْمُخْتَار، فِي تَعْرِيفهَا، وَقد
يُقَال: وجدان جمَاعَة أُخْرَى عذر.
(" فرع ")
قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن: إِذا شرع فِي الصَّلَاة ثمَّ
أفسدها، ثمَّ صلاهَا فِي وَقتهَا كَانَت قَضَاء، وَتَبعهُ
غَيره على ذَلِك، ومأخذه: أَنَّهَا تضيقت عَلَيْهِ
بِالشُّرُوعِ.
وَهُوَ ضَعِيف، لِأَن التَّضْيِيق بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا
بِأَمْر الشَّرْع، وَالنَّظَر فِي الْقَضَاء وَالْأَدَاء إِلَى
أَمر الشَّرْع، لَا إِلَى فعله كَمَا عرفت.
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " الْوَاجِب على الْكِفَايَة ".
(1/499)
الْجَمِيع بِالتّرْكِ بِاتِّفَاق. قَالُوا:
يسْقط بِالْبَعْضِ. قُلْنَا: استبعاد.
هَامِش
قَالَ الْغَزالِيّ: وَهُوَ مُهِمّ ديني يقْصد الشَّرْع
حُصُوله، وَلَا يقْصد بِهِ عين من يَتَوَلَّاهُ.
وَاجِب " على الْجَمِيع، وَيسْقط بِالْبَعْضِ " عِنْد
الْجُمْهُور، وَمِنْهُم المُصَنّف، وَأبي رَحمَه الله
تَعَالَى.
وَقيل: على الْبَعْض - وَهُوَ الْمُخْتَار.
ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُ غير وَاجِب على وَاحِد بِعَيْنِه إِلَّا
بِشَرْط أَلا يقوم بِهِ غَيره.
[قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: فَيكون على الأول فرضا إِلَّا أَن
يقوم بِهِ] الْغَيْر [فَيسْقط، وعَلى الثَّانِي لَيْسَ بِفَرْض
إِلَّا أَلا يقوم بِهِ الْغَيْر] فَيجب، ومداره على الظنون،
فَإِن ظن قيام غَيره بِهِ سقط، أَو عدم قِيَامه لم يسْقط.
" لنا: إِثْم الْجَمِيع بِالتّرْكِ بِاتِّفَاق "، وَلَو لم
يتَعَلَّق بِالْكُلِّ لما أثموا.
وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا أثموا لوُقُوع تَفْوِيت الْمَقْصد
الشَّرْعِيّ، وَلم يَأْثَم الْكل، لكَوْنهم تركُوا.
وَعند هَذَا نقُول: الدَّلِيل لنا لَا لكم؛ إِذْ نقُول: لَو
وَجب على الْجَمِيع لأثموا بتركهم إِيَّاه، وَلَيْسَ كَذَلِك،
وَإِنَّمَا يأثمون بِعَدَمِ وُقُوعه فِي الْخَارِج، لَا
بِعَدَمِ إيقاعهم إِيَّاه.
فَإِن قلت: كَيفَ يأثمون على مَا لَيْسَ من فعلهم؟
قلت: هم مكلفون بِوُقُوع هَذَا الْفِعْل فِي الْخَارِج، سَوَاء
كَانَ وُقُوعه مِنْهُم أم من غَيرهم، وَذَلِكَ مَقْدُور لَهُم
بتحصيلهم بِأَنْفسِهِم أَو بغيرهم.
(1/500)
قَالُوا: كَمَا أَمر بِوَاحِد مُبْهَم أَمر
بعض مُبْهَم. قُلْنَا: إِثْم وَاحِد مُبْهَم لَا يعقل قَالُوا:
{فلولا نفر} [سُورَة التَّوْبَة: الْآيَة 122] . قُلْنَا: يجب
تَأْوِيله على الْمسْقط؛ جمعا بَين الْأَدِلَّة.
هَامِش
والقائلون بِمَا اخترناه " قَالُوا: سقط بِالْبَعْضِ "، وَلَو
وَجب على الْكل لما كَانَ كَذَلِك؛ إِذْ يستبعد سُقُوط
الْوَاجِب على الْمُكَلف بِفعل غَيره.
" قُلْنَا: استبعاد " لَا يَقْتَضِي الِامْتِنَاع.
الشَّرْح: " قَالُوا: كَمَا أَمر بِوَاحِد مُبْهَم " فِي
خِصَال الْكَفَّارَة " أَمر بعض مُبْهَم.
قَالَ: " قُلْنَا: إِثْم وَاحِد مُبْهَم لَا يعقل "، بِخِلَاف
الْإِثْم بترك وَاحِد مُبْهَم.
وَلَك أَن تَقول: نَحن لَا نؤثم [مُبْهما] ، وَإِنَّمَا نؤثم
الْكل، وَلَا يمْتَنع كَمَا قدمْنَاهُ.
" قَالُوا: {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة " [سُورَة
التَّوْبَة: الْآيَة 122] ". دَلِيل على أَن فرض الْكِفَايَة
غير معِين؛ إِذْ طلب التفقه - وَهُوَ من فروض الْكِفَايَة من
طَائِفَة وَهِي غير مُعينَة.
قَالَ: " قُلْنَا ": الطَّائِفَة كَمَا يحْتَمل أَن يَكُونُوا
الَّذين أوجب عَلَيْهِم طلب التفقه، يحْتَمل أَن يَكُونُوا هم
الَّذين يسقطون الْوُجُوب بِالْمُبَاشرَةِ من الْجَمِيع،
وَحِينَئِذٍ " يجب تَأْوِيله على الْمسْقط " - وَإِن كَانَ
مرجوحا - " جمعا بَين الْأَدِلَّة ".
وَلَك أَن تَقول: أَي أَدِلَّة ذكرت؟ وَلَيْسَ إسقاطهم عَن
غَيرهم بفعلهم أولى من تأثيم غَيرهم بتركهم، وَمِمَّا يدل على
مَا اخترناه قَوْله تَعَالَى: (ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى
الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر}
[سُورَة آل عمرَان: الْآيَة 104] ، وَقَوله تَعَالَى: {وليشهد
عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} [سُورَة النُّور: الْآيَة
2] .
(" خَاتِمَة ")
الْأَفْعَال قِسْمَانِ: مَا يتَكَرَّر مصْلحَته بتكرره، فَهُوَ
على الْأَعْيَان وكالظهر مثلا، مصلحتها الخضوع، وَهُوَ
يتَكَرَّر بتكررها، وَمَا لَا يتَكَرَّر وَهُوَ فرض
الْكِفَايَة، كإنقاذ الغريق، وَكِسْوَة العاري، وَنَحْوه
(1/501)
صفحة فارغة
هَامِش
فَإِن قلت: الْجَدِيد فِيمَن صلى ثمَّ أعَاد فِي جمَاعَة أَن
الأولى للْفَرض، وَالْقَدِيم إِحْدَاهمَا لَا بِعَينهَا، وَفِي
وَجه هما جَمِيعًا يقعان على الْفَرْض، وَمُقْتَضى مَا فرقت
بِهِ بَين هذَيْن الفرعين أَن يكون هَذَا الْوَجْه هُوَ
الْأَصَح؛ لِأَن مصلحَة الخضوع تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر
الْفِعْل.
قلت: المُرَاد تعدد الفاعلين لَا تكْرَار أفعالهم، وَإِلَّا
لَوَجَبَتْ الْإِعَادَة على الْمُصَلِّي، وَلَا يتناهى ذَلِك،
بل إِذا أعَاد كَانَ حسنا، وَقد يُوصف فعله بالفريضة،
ولاشتماله على الْمصلحَة الَّتِي من أجلهَا جعل أصل الْفِعْل
فرضا، وَقد لَا يُوصف، لعدم الْعقَاب على تَركه، وَقَائِل
هَذَا الْوَجْه لم يقل: إِنَّهَا فرض، بل [قَالَ: يَقع] عَن
الْفَرْض وَلَا بعد فِيهِ، لما ذكرنَا.
وَمن هُنَا يعلم أَن الْمَقْصُود فِي فرض الْعين الفاعلون
وأفعالهم بطرِيق الْأَصَالَة، وَفِي فرض الْكِفَايَة الْفَرْض:
وُقُوع الْفِعْل من غير نظر إِلَى فَاعله، وَهَذَا معنى قَول
الْغَزالِيّ: إِنَّه كل مُهِمّ ديني يُرَاد حُصُوله، وَلَا
يقْصد عين من يَتَوَلَّاهُ، كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ. وَبِهَذَا
يتَرَجَّح عنْدك أَنه لَا يجب على الْكل؛ لِأَن الفاعلين لَا
نظر إِلَيْهِم فِيهِ بِالذَّاتِ.
بل [لضَرُورَة) ] الْوَاقِع؛ إِذْ لَا يَقع الْفِعْل إِلَّا من
فَاعل، فَمَا بالنا نجعله مُتَعَلقا بِالْكُلِّ وَلَا ضَرُورَة
تَدْعُو إِلَى ذَلِك، وملاقاة الْوُجُوب للْبَعْض مُمكنَة
بِالْمَعْنَى الَّذِي أسلفناه.
وَلَو أَن غريقا قذفه الْحُوت إِلَى شاطئ الْبَحْر فيحيا، أَو
جائعا قدر الله لَهُ الشِّبَع بِدُونِ أكل، فَيحْتَمل أَن
يُقَال: بالتأثيم؛ لعصيان الْكل بالجرأة على الله تَعَالَى.
وَالْأَظْهَر: أَنه لَا يَأْثَم أحد لحُصُول الْمَقْصُود.
فَإِن قلت: كَيفَ يستحبون صَلَاة الْجِنَازَة لمن لم يصلها
مَعَ حُصُول الْفَرْض بِالصَّلَاةِ أَولا.
قلت: الْفَرْض بِالذَّاتِ من صَلَاة الْجِنَازَة انْتِفَاع
الْمَيِّت وَالدُّعَاء سَبَب، فَمَا لم يتَحَقَّق الِانْتِفَاع
يسْتَحبّ الصَّلَاة؛ إِذْ يحْتَمل أَن الله لم يستجب دُعَاء
الْأَوَّلين، وَإِنَّمَا لم [توجب] إِعَادَة الصَّلَاة
لِئَلَّا [يُوجب] مَا لَا يتناهى، إِذْ لسنا على يَقِين من
الاستجابة فِي وَاحِدَة من الصَّلَوَات، وَأَيْضًا فالاستجابة
لَيست فِي قدرتنا، والتوصل إِلَيْهَا مرّة وَاجِب، وَبِمَا
زَاد [مُسْتَحبّ] .
(1/502)
صفحة فارغة
هَامِش
فَإِن قلت: قد قَالَ الْأَصْحَاب: إِن صَلَاة الطَّائِفَة
الثَّانِيَة تقع فرضا مَعَ سُقُوط الْحَرج وَالْإِثْم
بِالْأولِ، فَكيف يكون فرضا مَعَ جَوَاز تَركهَا.
قلت: فرض الْكِفَايَة قِسْمَانِ:
مَا يحصل تَمام الْمَقْصُود مِنْهُ أَولا، وَلَا يقبل
الزِّيَادَة، كإنقاذ الغريق، فَهَذَا إِذا وَقع فعله لَا
يتَصَوَّر وُقُوعه ثَانِيًا.
وَمَا تتجدد بِهِ مصلحَة بِتَكَرُّر الفاعلين، كالاشتغال
بِالْعلمِ وَصَلَاة الْجِنَازَة، وَهَذَا كل من أوقعه وَقع
فرضا.
فَإِن قلت: رد السَّلَام فرض كِفَايَة، وَقد قَالَ
الْأَصْحَاب: لَو سلم على جمَاعَة فَأجَاب الْجَمِيع كَانُوا
كلهم مؤدين للْفَرض، سَوَاء أجابوا مَعًا، أم على التَّعَاقُب،
وَمُقْتَضى مَا يَقُولُونَ إِن الْفَرْض فِيمَا إِذا أجابوا
على التَّعَاقُب الأول؛ لحُصُول تَمام المقصودية.
قلت: الْمَقْصُود الَّذِي من أَجله شرع أصل السَّلَام إِلْقَاء
الْمَوَدَّة بَين الْمُسلمين على مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلا أدلكم على شَيْء إِذا فعلتموه
تحاببتم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: أفشوا السَّلَام بَيْنكُم "
والمودة لَا تحصل إِلَّا بَين الْمُجيب والمبتدي، دون
السَّاكِت؛ وَلذَلِك يسْتَحبّ للثَّانِي الْجَواب، فَإِذا
أجَاب وَقع فرضا، كَمَا قُلْنَاهُ.
(" فَائِدَة ")
فرض الْكِفَايَة منزلَة بَين منزلتين: فرض الْعين، وَالسّنة،
[وَهُوَ] يضاهي فرض الْعين من جِهَة وُجُوبه، وَالسّنة من
جِهَة جَوَاز تَركه عِنْد فعل الْغَيْر، ولربما وَقع خلاف فِي
صُورَة، ومثاره من
(1/503)
صفحة فارغة
هَامِش هَذَا، كَمَا تَقول: لَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ
فريضتان. وَيُؤَدِّي نافلتان، وَهل يجمع بَين فَرِيضَة،
وَصَلَاة جَنَازَة، أَو صَلَاتي جَنَازَة.
أصح الْقَوْلَيْنِ: الْجَوَاز، وَالْخلاف جَار فِي أَنه هَل
يُصَلِّي على جنازتين صَلَاة وَاحِدَة بِتَيَمُّم
(1/504)
صفحة فارغة
هَامِش وَاحِد؟ وَهل يقْصد فِي صَلَاة الْجِنَازَة؟ وَفرض
الْعين يلْزم بِالشُّرُوعِ، دون النَّفْل؟ وَفِي فرض
الْكِفَايَة خلاف.
قَالَ الْجُمْهُور: يجب إتْمَام صَلَاة الْجِنَازَة
بِالشُّرُوعِ.
وَقَالَ الْغَزالِيّ: [الْأَصَح] أَن الْعلم وَسَائِر فروض
الكفايات تجب بِالشُّرُوعِ.
قلت: وَيظْهر أَن يفرق بَين صَلَاة الْجِنَازَة وَالْعلم،
[وَبَين] ترك فرض عين أجبر، بِخِلَاف النَّفْل.
وَفِي فرض الْكِفَايَة خلاف جَار فِي القَاضِي، وكفالة
اللَّقِيط، وَغَيرهمَا، وَالصَّحِيح الْإِجْبَار وَفِي
كتَابنَا " الْأَشْبَاه والنظائر " صور أخر.
(" فَائِدَة ")
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ،
والأستاذ أَبُو إِسْحَاق: فرض الْكِفَايَة أفضل من فرض الْعين.
(1/505)
صفحة فارغة
هَامِش
(" فَائِدَة ")
[نِسْبَة] سنة الْكِفَايَة من سنة الْعين نِسْبَة فرض
الْكِفَايَة من فرض الْعين، وَقد زعم فَخر الْإِسْلَام
[الشَّاشِي] أَنه لَيْسَ لنا سنة على الْكِفَايَة إِلَّا
الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِك، فَمن سنَن
الْكِفَايَة تشميت الْعَاطِس، وَالتَّسْمِيَة على الْأكل.
وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة، وَمَا يفعل بِالْمَيتِ، وَمَا ندب
إِلَيْهِ، وَالشَّاة الْوَاحِدَة إِذا ضحى بهَا وَاحِد من أهل
الْبَيْت، تأدى [الشعار] .
(1/506)
(الْأَمر بِوَاحِد مُبْهَم " الْوَاجِب
الْمُخَير ")
(مَسْأَلَة:)
الْأَمر بِوَاحِد من أَشْيَاء كخصال الْكَفَّارَة مُسْتَقِيم.
وَقَالَ بعض الْمُعْتَزلَة: الْجَمِيع وَاجِب. وَبَعْضهمْ
الْوَاجِب مَا يفعل. وَبَعْضهمْ الْوَاجِب وَاحِد معِين،
وَيسْقط بِهِ وبالآخر.
هَامِش
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " الْأَمر بِوَاحِد مُبْهَم من " أَشْيَاء " مُعينَة
"، " كخصال الْكَفَّارَة "، وَمَا هُوَ على التَّخْيِير من
كَفَّارَات الْحَج " مُسْتَقِيم " عِنْد عُلَمَائِنَا، وَيعرف
ب " الْوَاجِب الْمُخَير " عِنْد جَمِيع الطوائف.
" وَقَالَ بعض الْمُعْتَزلَة: الْجَمِيع وَاجِب "، وَيسْقط
بِوَاحِد.
ومأخذ الْخلاف بَيْننَا وَبينهمْ الْحسن والقبح.
قَالُوا: إِيجَاب مُبْهَم يمْنَع حسنه الْخَاص بِهِ، فَلَو
كَانَ وَاحِد من الثَّلَاثَة وَاجِبا، وَاثْنَانِ
(1/507)
لنا: الْقطع بِالْجَوَازِ؛ وَالنَّص دلّ
عَلَيْهِ، وَأَيْضًا وجوب تَزْوِيج أحد الخاطبين، وإعتاق
وَاحِد من الْجِنْس، فَلَو كَانَ التَّخْيِير يُوجب الْجَمِيع،
لوَجَبَ تَزْوِيج الْجَمِيع، وَلَو كَانَ معينا؛ لخُصُوص
أَحدهمَا، امْتنع التَّخْيِير.
هَامِش غير واجبين، لخلى اثْنَان عَن الْمُقْتَضى للْوُجُوب،
فَلَا بُد وَأَن يكون كل وَاحِد بِخُصُوصِهِ مُشْتَمِلًا على
صفة تَقْتَضِي وُجُوبه، وَلَكِن كل مِنْهُمَا يقوم مقَام
الآخر، فَلهَذَا سمي بالمخير.
وَقد وافقهم على إِطْلَاق القَوْل بِوُجُوب الْجَمِيع ابْن
خويز منداد، من الْمَالِكِيَّة. نَقله الْمَازرِيّ.
" وَبَعْضهمْ " قَالَ: " الْوَاجِب مَا يفعل ".
" وَبَعْضهمْ: الْوَاجِب وَاحِد مِنْهَا معِين، وَيسْقط "
الْفَرْض " بِهِ وبالآخر ".
وَهَذَا يُسمى قَول التراجم ينْسبهُ أَصْحَابنَا إِلَى
الْمُعْتَزلَة، والمعتزلة إِلَى أَصْحَابنَا فاتفق
الْفَرِيقَانِ على فَسَاده، وَلست أرى مسوغا لنقله عَن وَاحِد
من الْفَرِيقَيْنِ وَقد [تعاضدا] على إفساده.
وَقَالَ أبي - رَحمَه الله -: وَعِنْدِي أَنه لم يقل بِهِ
قَائِل، وَلَا وَجه [لَهُ] ، لرِوَايَة أَصْحَابنَا لَهُ عَن
الْمُعْتَزلَة لمنافاة قواعدهم لَهُ.
الشَّرْح: " لنا: الْقطع بِالْجَوَازِ "؛ إِذْ لَا يلْزم محَال
من قَوْلك: أوجبت عَلَيْك وَاحِدًا مُبْهما من هَذِه
الْأُمُور، وأيها فعلت بَرِئت ذِمَّتك، وَإِن تركت الْجَمِيع
عاقبتك، لتركك أَحدهَا من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا " وَالنَّص دلّ
عَلَيْهِ "، كَمَا فِي الْكَفَّارَة، فَوَجَبَ حمله عَلَيْهِ.
" وَأَيْضًا [وجوب] تَزْوِيج أحد الخاطبين " الكفؤين إِذا دعت
الْمَرْأَة إِلَيْهِمَا،
(1/508)
صفحة فارغة
هَامِش " وإعتاق وَاحِد من الْجِنْس " جنس الرَّقَبَة فِي
الْكَفَّارَة بالتخيير.
" وَلَو كَانَ التَّخْيِير يُوجب الْجَمِيع لوَجَبَ تَزْوِيج
الْجَمِيع "، وإعتاق جَمِيع الرّقاب.
" وَلَو كَانَ " التَّخْيِير " معينا لخُصُوص أَحدهمَا، امْتنع
التَّخْيِير "؛ لِأَن التَّعْيِين يُوجب أَلا
(1/509)
الْمُعْتَزلَة: غير الْمعِين مَجْهُول،
ويستحيل وُقُوعه، فَلَا يُكَلف بِهِ. وَالْجَوَاب أَنه معِين
من حَيْثُ إِنَّه وَاجِب، وَهُوَ وَاحِد من الثَّلَاثَة،
فَيَنْتَفِي الْخُصُوص، فصح إِطْلَاق غير الْمعِين عَلَيْهِ.
قَالُوا لَو كَانَ الْوَاجِب وَاحِدًا من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا
لَا بِعَيْنِه مُبْهما، ... ... ... ...
هَامِش يُجزئ الآخر، والتخيير يُوجب الْإِجْزَاء، وهما
متنافيان، فَلم يبْق إِلَّا إِيجَاب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه،
وَهُوَ الْمَطْلُوب، وَفِي هَذَا نظر سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
الشَّرْح: قَالَت " الْمُعْتَزلَة: غير الْمعِين مَجْهُول "،
والمجهول لَا يُكَلف بِهِ، وَأَيْضًا فالمجهول " مُسْتَحِيل
وُقُوعه، فَلَا يُكَلف بِهِ ".
وَالْجَوَاب: أَنه معِين من حَيْثُ هُوَ وَاجِب، وَهُوَ وَاحِد
من الثَّلَاثَة، فَيبقى الْخُصُوص " أَي: تعينه الشخصي؛
لِأَنَّهُ أحد الثَّلَاثَة لَا بِعَيْنِه " فصح إِطْلَاق غير
الْمعِين عَلَيْهِ " بِانْتِفَاء خصوصه الشخصي، وَإِطْلَاق
الْمعِين عَلَيْهِ بِاعْتِبَار كَونه وَاجِبا، فصح بِهَذَا
الِاعْتِبَار كَونه مَعْلُوما وَوُقُوع التَّكْلِيف بِهِ.
الشَّرْح: " قَالُوا: لَو كَانَ الْوَاجِب وَاحِدًا من حَيْثُ
هُوَ أَحدهَا لَا بِعَيْنِه مُبْهما لوَجَبَ أَن يكون
الْمُخَير فِيهِ وَاحِدًا [لَا] بِعَيْنِه من حَيْثُ هُوَ
أَحدهَا، فَإِن تعددا " - أَي: الْوَاجِب والمخير فِيهِ - "
لزم التَّخْيِير بَين وَاجِب وَغير وَاجِب "، مثل: صل، أَو:
كل، " وَإِن اتحدا لزم اجْتِمَاع التَّخْيِير " وَهُوَ جَوَاز
التّرْك " وَالْوُجُوب "، وَهُوَ عدم جَوَاز التّرْك فِي شَيْء
وَاحِد، وهما متناقضان.
" وَأجِيب بلزومه فِي " أَعْيَان وَاحِد من " الْجِنْس، و
[فِي] " تَزْوِيج أحد " الخاطبين "، فَإِن دليلكم بِعَيْنِه
يَأْتِي فيهمَا.
" وَالْحق " فِي الْجَواب " أَن الَّذِي وَجب " - وَهُوَ
الْمُبْهم - " لم يُخَيّر فِيهِ، والمخير فِيهِ " - وَهُوَ كل
وَاحِد من المتعينات - " [لم يجب] ، لعدم التَّعْيِين "، وَإِن
كَانَ يَتَأَتَّى بِهِ الْوَاجِب، لتَضَمّنه مَفْهُوم أَحدهَا،
" والتعدد " فِيمَا صدق عَلَيْهِ أَحدهَا إِذا تعلق بِهِ
الْوُجُوب، والتخيير " يَأْبَى كَون
(1/510)
لوَجَبَ أَن يكون الْمُخَير فِيهِ وَاحِدًا
لَا بِعَيْنِه من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا. فَإِن تعددا، لزم
التَّخْيِير بَين
هَامِش المتعلقين " - متعلقي الْوُجُوب والتخيير - وَاحِدًا، "
كَمَا لَو حرم وَاحِدًا وَأوجب وَاحِدًا " من الْأَمريْنِ،
فَإِن مَعْنَاهُ: أَيهمَا فعلت حرم الآخر، وَأيهمَا تركت وَجب
الآخر، والتخيير بَين وَاجِب وَغَيره بِهَذَا الْمَعْنى
جَائِز، كَمَا أَن الصَّحِيح فِيمَن قَالَ لامْرَأَته: أَنْت
عَليّ حرَام كَظهر أُمِّي، وَنوى الطَّلَاق وَالظِّهَار مَعًا
بقوله: حرَام، أَنه يُخَيّر فِي الْأَخْذ بِمَا شَاءَ من
الطَّلَاق وَالظِّهَار، وَأيهمَا أَخذ بِهِ حرم الآخر.
وَكَذَا - على وَجه - المبتدأة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا
إِذا عرفت ابْتِدَاء دَمهَا، وَقُلْنَا: تحيض سِتا أَو سبعا -
أَن ذَلِك على سَبِيل التَّخْيِير.
وعَلى هَذَا إِن شَاءَت السِّت، وَجب عَلَيْهَا فِي الْيَوْم
السَّابِع الصَّلَاة وَالصَّوْم، وَإِلَّا حرما، فَهِيَ فِي
السَّابِع مخيرة بَين أَمريْن أَيهمَا أخذت بِهِ حرم الآخر.
وَإِنَّمَا ذكرنَا هذَيْن المثالين للتقريب، وَإِلَّا فقد
يضايق فيهمَا؛ لِأَن تَحْرِيم أَحدهمَا وَإِن كَانَ مِنْهُمَا
فَلَيْسَ بِالْأَصَالَةِ، كَمَا فِي: حرمت أَحدهمَا لَا
بِعَيْنِه، وأوجبت الآخر، وَالْفَرْض أَن مثل ذَلِك لَا
يمْتَنع، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع التَّخْيِير بَين وَاجِب
بِعَيْنِه، وَغير وَاجِب بِعَيْنِه، على مَا فِيهِ من النّظر؛
إِذْ لقَائِل أَن يَقُول: قد خير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْإِسْرَاء بَين الْخمر
وَاللَّبن.
وَقيل فِيهِ: إِن ذَلِك كَانَ فِي السَّمَاء، وَلَيْسَت عَالم
تَكْلِيف، وَأَنه كَانَ من خمر الْجنَّة، وَلَيْسَ بِحرَام.
وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه على مَا بِهِ، وَخير بَين وَاجِب
وَحرَام، لعلم الله - تَعَالَى - أَنه لَا يَقع مِنْهُ
الْحَرَام، ويتجوز بِهَذَا أَن التَّخْيِير بَين وَاجِب
وَحرَام، إِنَّمَا يمْتَنع إِذا كَانَ الْمُخَاطب مِمَّن لَا
يبعد إِتْيَانه لكل مِنْهُمَا، أما إِذا امْتنع عَلَيْهِ
الْإِتْيَان بالحرام، وعصم عَنهُ فَلَا.
(1/511)
وَاجِب وَغير وَاجِب، وَإِن اتحدا، لزم
اجْتِمَاع التَّخْيِير وَالْوُجُوب. وَأجِيب بلزومه فِي
هَامِش
فَإِن قلت: وَأي فَائِدَة فِيهِ حِينَئِذٍ؟
قلت: رفع دَرَجَته بِكَوْنِهِ قد تعاطى اخْتِيَار الْحَلَال؟
وَفِي قصَّة الْإِسْرَاء زِيَادَة لَطِيفَة، وَهِي أَن شرب
اللَّبن سَبَب هِدَايَة هَذِه الْأمة، وَلَو شرب عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخمر لغوت أمته - كَمَا أخبر بِهِ
جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَوَقع التَّخْيِير بَينهمَا،
ليختار اللَّبن فَتَقَع هِدَايَة أمته على يَدَيْهِ، وَيكون
هُوَ السَّبَب فِيهَا.
وَهَذَا كُله حائد عَن مقصدنا، وَالْغَرَض من جَوَاب المُصَنّف
أَن مُتَعَلق الْوُجُوب هُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَين
الْخِصَال، وَلَا تَخْيِير فِيهِ، ومتعلق التَّخْيِير خصوصيات
الْخِصَال، وَلَا وجوب فِيهَا.
وَكَانَ أبي - رَحمَه الله - يسْلك فِي الْجَواب مسلكا فائقا
عَائِدًا على هَذَا الْجَواب بمزيد تَحْرِير، فَيَقُول: الْقدر
الْمُشْتَرك يُقَال: على المتواطئ، كَالرّجلِ، وَلَا إِيهَام
فِيهِ، فَإِن حَقِيقَته مَعْلُومَة متميزة عَن غَيرهَا من
الْحَقَائِق.
وَقَالَ: على الْمُبْهم بَين شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء، كَأحد
الرجلَيْن.
وَالْفرق بَينهمَا: أَن الأول لم يقْصد فِيهِ إِلَّا
الْحَقِيقَة الَّتِي هِيَ مُسَمّى الرجولية، وَالثَّانِي: قصد
فِيهِ أخص من ذَلِك، وَهُوَ أحد الشخصين بِعَيْنِه، وَإِن لم
يعين، وَلذَلِك سمي مُبْهما؛ لِأَنَّهُ أبهم علينا أمره،
وَالْأول لم يقل أحد: إِن الْوُجُوب يتَعَلَّق بخصوصياته
كالأمر بِالْإِعْتَاقِ، فَإِن مُسَمّى الْإِعْتَاق، ومسمى
الرَّقَبَة متواطئ كَالرّجلِ، فَلَا تعلق لِلْأَمْرِ
بالخصوصيات لَا على التَّعْيِين، وَلَا على التَّخْيِير، وَلَا
يُقَال فِيهِ: وَاجِب مُخَيّر، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخلاف
الَّذِي فِي الْمُخَير، وَأكْثر أوَامِر الشَّرِيعَة من ذَلِك.
وَالثَّانِي: مُتَعَلق بالخصوصيات؛ فَلذَلِك وَقع الْخلاف
فِيهِ، وَسمي الْوَاجِب الْمُخَير.
وَبِهَذَا تبين لَك أَن وجوب تَزْوِيج أحد الخاطبين، وإعتاق
وَاحِد من الْجِنْس اللَّذين ذكرهمَا
(1/512)
الْجِنْس وَفِي الخاطبين. وَالْحق أَن
الَّذِي وَجب لم يُخَيّر فِيهِ، والمخير فِيهِ لم يجب؛ لعدم
هَامِش المُصَنّف، وَكَذَا نصب أحد المستعدين للْإِمَامَة -
إِذا شغر الْوَقْت عَن إِمَام - لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ؛
(1/513)
التَّعْيِين. والتعدد يَأْبَى كَون
المتعلقين وَاحِدًا، كَمَا لَو حرم وَاحِدًا، وَأوجب وَاحِدًا.
هَامِش لِأَنَّهُ مِمَّا يتَعَلَّق الْوُجُوب فِيهِ بِالْقدرِ
الْمُشْتَرك من غير نظر إِلَى الخصوصيات.
(1/514)
صفحة فارغة هَامِش
وَكَانَ أبي - رَحمَه الله - يمثل بِأَهْل الشورى الَّذين جعل
عمر - رَضِي الله عَنهُ - الْأَمر [فِيهَا] بأعيانهم.
(1/515)
قَالُوا: يعم، وَيسْقط، وَإِن كَانَ
بِلَفْظ التَّخْيِير كالكفاية. قُلْنَا: الْإِجْمَاع ثمَّة على
تأثيم الْجَمِيع، وَهنا: بترك وَاحِد لَا بِعَيْنِه،
وَأَيْضًا: فتأثيم وَاحِد لَا ... ... ...
هَامِش
الشَّرْح: " قَالُوا ": الْوُجُوب " يعم " كل الْخِصَال، "
وَيسْقط " بِمُبَاشَرَة أَحدهَا، " وَإِن كَانَ بِلَفْظ
التَّخْيِير " وَذَلِكَ " كالكفاية "، فَإِن فرض الْكِفَايَة -
كَمَا مهدتم - وَاجِب على الْجَمِيع، وَيسْقط بِالْبَعْضِ
بِجَامِع حُصُول الْمصلحَة بمبهم.
" قُلْنَا ": الْفرق أَن " الْإِجْمَاع ثمَّ على تأثيم
الْجَمِيع "، وَالْإِجْمَاع " هُنَا " على الذَّم " بترك
وَاحِد [لَا بِعَيْنِه] "، كَذَا ذكر فِي " الْمُنْتَهى ".
وَنقل عَن بعض الْمُعْتَزلَة التأثيم بِالْجَمِيعِ.
وَلَكِن ظَاهر إِيرَاد الْأَكْثَرين مَا ذكره المُصَنّف من
اتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ على أَن التارك إِنَّمَا يَأْثَم
بِوَاحِد، وَقَالُوا: على هَذَا، لَا خلاف فِي الْمَعْنى.
وَمِمَّنْ صرح بِأَنَّهُ لَا خلاف فِي الْمَعْنى إِمَام
الْحَرَمَيْنِ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَجَمَاعَة من
الْمُتَأَخِّرين.
(1/516)
بِعَيْنِه غير مَعْقُول بِخِلَاف التأثيم
على ترك وَاحِد من ثَلَاثَة.
قَالُوا: يجب أَن يعلم الْآمِر الْوَاجِب. قُلْنَا: يُعلمهُ
حَسْبَمَا أوجبه، وَإِذا أوجبه غير معِين، وَجب أَن يُعلمهُ
غير معِين.
قَالُوا: علم مَا يفعل فَكَانَ الْوَاجِب. قُلْنَا: فَكَانَ
الْوَاجِب؛ لكَونه ... ... ... ... ...
هَامِش
وَقد حكى الْمَاوَرْدِيّ فِي " الْحَاوِي " وَجْهَيْن، فِيمَن
مَاتَ وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة المخيرة، وَلم يوص بإخراجها،
وَعدل الْوَارِث عَن أول الْأُمُور إِلَى الْعتْق، هَل يُجزئ؟
قَالَ: وَيُشبه أَن يَكُونَا مخرجين من الْخلاف الْمَذْكُور.
إِن قُلْنَا: الْجَمِيع وَاجِب، وَله إِسْقَاط الْوُجُوب
بِإِخْرَاج وَاحِد آخر.
ون قُلْنَا: أَحدهَا لَا بِعَيْنِه لم يُجزئ؛ لِأَنَّهُ لم
يتَعَيَّن فِي الْوُجُوب.
" وَأَيْضًا فتأثيم وَاحِد لَا بِعَيْنِه غير مَعْقُول "؛
لِأَنَّهُ لَا يُمكن عِقَاب أحد الشخصين إِلَّا على
التَّعْيِين، " بِخِلَاف التأثيم على ترك وَاحِد من
الثَّلَاثَة "، لجَوَاز أَن الْعقَاب على أحد الْفِعْلَيْنِ
لَا بِعَيْنِه. وَالَّذين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْوَاجِب معِين
عِنْد الله تَعَالَى.
الشَّرْح: " قَالُوا: يجب أَن يعلم الْآمِر الْوَاجِب "؛
لِأَنَّهُ طَالبه، ويستحيل طلب الْمَجْهُول، وَإِذا علمه كَانَ
معينا، لتميزه عَن غَيره.
" قُلْنَا ": أما وجوب علمه بِمَا أوجبه فَصَحِيح، وَلَكِن
إِنَّمَا " يُعلمهُ حسب مَا أوجبه، وَإِذا أوجب " وَاحِدًا "
غير معِين، وَجب أَن يُعلمهُ غير معِين "، وَإِلَّا لم يكن
عَالما بِمَا أوجبه.
وَالْحَاصِل: أَن الْمعِين يُطلق على المشخص، وَلَا يلْزم أَن
يعلم الطَّالِب المشخص، وَلَا أَن يُوَجه الطّلب نَحوه، وعَلى
الْمَعْلُوم المتميز، فَإِن لَهُ تعينا بِوَجْه مَا، وَهُوَ
الْمَوْجُود هُنَا، وَالَّذين قَالُوا: الْوَاجِب هُوَ: مَا
يَفْعَله العَبْد.
الشَّرْح: " قَالُوا: علم " الله " مَا يفعل " العَبْد، "
فَكَانَ " الْمَفْعُول " الْوَاجِب " فِي علمه تَعَالَى،
للاتفاق على إثْبَاته بِالْوَاجِبِ إِذا فعل مَا شَاءَ
مِنْهُمَا.
(1/517)
وَاحِدًا مِنْهَا لَا لخصوصه؛ للْقطع بِأَن
الْخلق فِيهِ سَوَاء.
هَامِش
قُلْنَا: علم الله مَا يَفْعَله العَبْد فَكَانَ مَا يَفْعَله
العَبْد هُوَ الْوَاجِب، " لكَونه وَاحِدًا مِنْهَا " - أَي:
من الثَّلَاثَة - " لَا بِخُصُوصِهِ " من إطْعَام، أَو كسْوَة،
أَو إِعْتَاق، " للْقطع بِأَن الْخلق فِيهِ سَوَاء " من غير
تفَاوت، وَأَن الْوَاجِب على زيد هُوَ الْوَاجِب على عَمْرو.
(" فَائِدَة ")
ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَن أَصْحَابنَا قَالُوا: إِذا فعل
الْخِصَال، فَالْوَاجِب أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ مثاب على
جَمِيعهَا، وثواب الْوَاجِب أَكثر من ثَوَاب النّدب، فَانْصَرف
الْوَاجِب إِلَى أَعْلَاهَا، ليكْثر ثَوَابه، وَإِن ترك
الْجَمِيع عُوقِبَ على أدناها، ليقل وباله ووزره؛ وَلِأَن
الْوُجُوب [سقط] بِفعل الْأَدْنَى. انْتهى.
وَلَا أعرف هَذَا عَن الْأَصْحَاب، وَلكنه قَول القَاضِي أبي
بكر، وَادّعى عبد الْجَلِيل الصَّابُونِي مناقضته فِيهِ.
وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَاهُ؛ لما ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ من
التَّفْرِقَة.
نعم - إِن اتجه مَا قَالَه فِي الْعقَاب فَلَا يتَّجه فِي
الثَّوَاب، بل التَّحْقِيق فِيهِ أَنه يُثَاب ثَوَاب الْوَاجِب
على مُسَمّى أَحدهَا.
وَقَوله: الْوَاجِب أَكثر ثَوابًا صَحِيح، وَلَكِن
الْمُتَعَيّن لَيْسَ بِوَاجِب كَمَا عرفت.
وَابْن السَّمْعَانِيّ بنى هَذَا على أَصله من أَن الْوَاجِب
يتَعَيَّن بِفعل الْمُكَلف، وَيكون مُبْهما قبل الْفِعْل،
مُتَعَيّنا بعده بِفِعْلِهِ، فَإِنَّهُ نصير هَذَا، وَنَقله
عَن جُمْهُور الْفُقَهَاء.
وَجُمْهُور الْفُقَهَاء إِذا حقق مَذْهَبهم لم يكن إِلَّا مَا
اخترناه، وَهُوَ رَأْي الْمُتَكَلِّمين من أهل السّنة، وَنقل
عَن حذاق الْفُقَهَاء.
وَأما هَذَا فَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي عزاهُ المُصَنّف إِلَى
بعض الْمُعْتَزلَة.
وَمَا أَظن ابْن السَّمْعَانِيّ ذهب إِلَّا إِلَى الْمُخْتَار،
وَلَكِن فِي عِبَارَته قُصُور.
(" فرع ")
قد يَقع التَّخْيِير بَين ضدين ك " قُم " أَو اقعد، أَو
خلافين، كَمَا فِي خِصَال الْكَفَّارَة وَجَزَاء الصَّيْد، أَو
المثلين مثل: صل رَكْعَتَيْنِ غَدا، أَو بعد غَد.
(1/518)
|