روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

ج / 1 ص -194-       باب: في أدلة الأحكام
الأصول1 أربعة:
كتاب الله تعالى.
وسنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والإجماع.
ودليل العقل المبقي على النفي الأصلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلمة "الأصول" إما أن تعرب مبتدأ، خبره "أربعة" واللام في "الأصول" للعهد الذكري الذي تقدم في أول الكتاب عند الكلام على تعريف "أصول الفقه".
وإما أن تعرب "أربعة": خبر لمبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر للمبتدأ الأول، وهو "الأصول" والتقدير: الأصول التي وعدنا بالكلام عليها: هي أربعة.
والمؤلف تبع في تقسيمه للأدلة من حيث الاتفاق والاختلاف منهج الإمام الغزالي في المستصفى، وهو مسلك مخالف لما عليه جمهور العلماء من أن الأدلة المتفق عليه أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
جاء في مختصر ابن الحاجب: "الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال".
قال الأصفهاني في بيان المختصر "1/ 454-455": "وإنما انحصر الدليل الشرعي في الخمسة المذكورة؛ لأن الدليل الشرعي إما أن يكون واردًا من جهة الرسول -عليه السلام- أو لا.

 

ج / 1 ص -195-       ......................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأول: إما أن يكون معجزًا، وهو الكتاب، أو لا، وهو السنة، ويندرج فيها قول الرسول وفعله وتقريره.
والثاني: وهو الذي لا يكون واردًا من جهة الرسول -عليه السلام- إما أن يكون صادرًا ممن لا يجوز عليه الخطأ، وهو الإجماع، أو لا. وحينئذ إما أن يكون حمل فرع على أصل لعلة مشتركة بينهما، وهو القياس، أو لا، وهو الاستدلال".
وقد ذكر ذلك الآمدي، ونقله عنه "الطوفي" في شرح مختصر الروضة "2/ 6" حيث قال: "إن الدليل الشرعي، إما أن يرد من جهة الرسول أو لا من جهته، فإن ورد من جهة الرسول، فهو إما من قبيل ما يتلى: وهو الكتاب، أو لا: وهو السنة، وإن ورد لا من جهة الرسول، فإما أن نشترط فيه عصمة من صدر عنه أو لا، والأول: الإجماع، والثاني: إن كان حمل معلوم على معلوم بجامع مشترك، فهو القياس، وإلا فهو الاستدلال.
فالثلاثة الأول -وهي الكتاب، السنة، والإجماع- نقلية، والآخران معنويان، والنقلي أصل للمعنوي، والكتاب أصل للكل.
فالأدلة إذًا: خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستدلال.
وعرفه الآمدي بأنه: دليل ليس بنص ولا إجماع ولا قياس" ا. هـ.
وفي شرح الكوكب المنير "2/ 5 وما بعدها": "أدلة الفقه، المتفق عليها أربعة: الأول: الكتاب وهو القرآن وهو الأصل، والثاني: السنة، والثالث: الإجماع، والرابع: القياس على الصحيح، وعليه جماهير العلماء، وقال أبو المعالي، وجمع: ليس القياس من الأصول، وتعلقوا بأنه لا يفيد إلا الظن.
قال في شرح التحرير: والحق هو الأول، والثاني ضعيف جدًّا؛ فإن القياس قد يفيد القطع -كما سيأتي- وإن قلنا: لا يفيد إلا الظن فخبر الواحد ونحوه لا يفيد إلا الظن، وهو: أي القياس مستنبط من الثلاثة التي هي الكتاب والسنة والإجماع" ا. هـ.
وقول المصنف: "ودليل العقل المبقي على النفي الأصلي" أراد به: أن العقل يدل على براءة الذمة وعدم شغلها بأي واجب من الواجبات قبل مجيء دليل من =

 

ج / 1 ص -196-       ......................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الشرع يدل على التكليف، وعبارة الغزالي واضحة في ذلك حيث قال: "اعلم أن الأحكام السمعية لا تدرك بالعقل، لكن دلّ على براءة الذمة عن الواجبات، وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات، قبل بعثة الرسل -عليهم السلام- وتأييدهم بالمعجزات. وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع، فإذا ورد نبي وأوجب خمس صلوات، فتبقى الصلاة السادسة غير واجبة، لا بتصريح النبي بنفيها، لكن كان وجوبها منتفيًا، إذ لا مثبت للوجوب، فبقي على النفي الأصلي؛ لأن نطقه بالإيجاب قاصر على الخمسة، فبقي على النفي في حق السادسة، وكأن السمع لم يرد، وكذلك إذا أوجب صوم رمضان، بقي صوم شوال على النفي الأصلي، وإذا أوجب عبادة في وقت بقيت الذمة بعد انقضاء الوقت على البراءة الأصلية، وإذا أوجب على القادر بقي العاجز على ما كان عليه فإذًا: النظر في الأحكام إما أن يكون في إثباتها أو في نفيها، أما إثباتها فالعقل قاصر عن الدلالة عليه، وأما النفي: فالعقل قد دل عليه إلى أن يرد الدليل السمعي بالمعنى الناقل من النفي الأصلي، فانتهض دليلًا على أحد الشطرين وهو النفي".
انظر: المستصفى ص159 طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
ولما كانت دلالة العقل على الأحكام قاصرة على جانبي النفي فقط قال الغزالي في موضع آخر: "فتسمية العقل أصلًا من أصول الأدلة تجوّز..." انظر: المصدر السابق ص80.
والخلاصة: أن الأدلة الشرعية نوعان: أدلة نقلية وأدلة عقلية، فالنقلية هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعرف، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي.
والعقلية هي: القياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والاستصحاب، والذرائع.
وكل من الأدلة النقلية والعقلية محتاج إلى الآخر، فالأدلة النقلية لا بد فيها من التعقل والتدبر والنظر الصحيح.
كما أن الأدلة العقلية والتي أساسها الاجتهاد، لا تقبل إلا إذا كان لها مستند =

 

ج / 1 ص -197-       والثالث: بإزاء العلة بدون شرطها، كالنصاب بدون الحول.
والرابع: بإزاء العلة نفسها، وإنما سميت سببًا وهي موجبة؛ لأنها لم تكن موجبة لعينها، بل يجعل الشرع لها موجبة، فأشبهت ما يحصل الحكم عنده لا به.

واختلف في قول الصحابي، وشرع من قبلنا1. وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وأصل الأحكام كلها من الله سبحانه2؛ إذ قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- إخبار عن الله بكذا.
والإجماع يدل على السنة3.
فإذا نظرنا إلى ظهور الحكم عندنا فلا يظهر إلا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإننا لا نسمع الكلام من الله -تعالى- ولا من جبريل -عليه السلام- وإنما ظهر لنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإجماع يدل على أنهم استندوا إلى قوله.
لكن إذا لم نحرر النظر وجمعنا المدارك صارت الأصول التي يجب فيها النظر منقسمة إلى ما ذكرنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= من النقل، لأن العقل المجرد لا يستقل بتشريع الأحكام، فالمشرع في الحقيقة هو الله تعالى، كما أشار إلى ذلك المصنف في قوله الآتي: "وأصل الأحكام كلها من الله سبحانه...".
1 ترك المصنف -تبعًا لأصله "المستصفى"- بعض الأدلة المختلف فيها
2 إذ إن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه، فالحكم له وحده -جل شأنه- قال تعالى:
{... إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وقال تعالى: {... فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] وقال جل شأنه {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].
3 جاء في المستصفى ص80: "والإجماع يدل على السنة، والسنة على حكم الله تعالى" ومعناه: أن الإجماع لا بد له من مستند، فإذا انعقد إجماع دل ذلك على أن له دليلًا وإن لم نعرفه. وعبارة "الطوفي": "والإجماع دال على النص" وهي أولى، لأن مستند الإجماع قد يكون نصًّا من القرآن الكريم، وقد يكون سنة، وقد يكون قياسًا على النص. انظر: "شرح مختصر الروضة جـ2 ص7".

 

ج / 1 ص -198-       فصل: [في تعريف الكتاب والقرآن وأنهما بمعنى واحد]
وكتاب الله -سبحانه- هو كلامه، وهو القرآن الذي نزل به جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال قوم: الكتاب غير القرآن وهو باطل.
قال الله -تعالى-:
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا...} إلى قوله -تعالى-: {... إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى...}1 وقالوا: {... إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}2.
فأخبر الله -تعالى- أنهم استمعوا القرآن وسموه قرآنًا وكتابًا.
وقال تعالى:
{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا...}3.
وقال تعالى:
{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا}4.
وقال تعالى:
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}5.
وقال تعالى:
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} سماه قرآنا وكتابا وهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الأحقاف الآيتان: 29، 30.
2 سورة الجن الآية الأولى.
3 سورة الزخرف الآيات 1-3.
4 سورة الزخرف الآية: 4.
5 سورة الواقعة الآيتان: 77، 78.
6 سورة البروج الآيتان: 21، 22.

 

ج / 1 ص -199-       وهو: ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اعترض الطوفي علي هذا التعريف وقال: فيه دور. شرح مختصر الروضة جـ2 ص10. وبيانه: أن وجود المصحف ونقله فرع تصوّر القرآن، فلا يعرّف القرآن بهما.
والأوضح من هذا التعريف ما ذكره "الطوفي" -أيضًا- حيث قال: وكتاب الله عز وجل: كلامه المنزل هو جنس للإعجاز بسورة منه وهو القرآن"..... ثم شرح ذلك فقال: فقوله "كلامه" هو جنس يتناول كل كلام تكلم الله به -سبحانه وتعالى- عربيًا كالقرآن، أو أعجميًا، كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من صحف الأنبياء، وما نزل للإعجاز أو لغيره، كما دل عليه قوله عليه السلام: "أوتيت القرآن ومثله معه" [حديث صحيح رواه أحمد، وأبو داود، والطبراني في الكبير، والدارقطني وغيرهم]. وإن جبريل يأتيني بالسنة كما يأتيني بالقرآن.
وقوله: "المنزل" يحترز به ممن يثبت كلام النفس، لأنه لا يصح فيه التنزيل.
وقوله "للإعجاز" احتراز مما نزل لغير الإعجاز، كسائر الكتب التي نزلت على الأنبياء السابقين فإنها لم تنزل للإعجاز، بل لبيان الأحكام، وإنما كانت معجزات أولئك الأنبياء -عليهم السلام- فعلًا لا صفات.
وقوله: "بسورة منه" ليدخل في حد الكتاب كل سورة من سوره. انظر: المرجع السابق.
وهناك تعريفات أخرى للقرآن الكريم، فيها بعض القيود والإضافات التي خلا عنها تعريف الطوفي، حيث خلا من لفظ "التواتر" وهو قيد لا بد منه، ولذلك فرّع المصنف -بعد هذا الفصل- فصلًا آخر يتعلق بالقراءة التي نقلت بطريق الآحاد، وهي التي يطلق عليها الشاذة.
كما خلا من قيد "المتعبد بتلاوته" لتخرج الآيات منسوخة التلاوة، لأنها أصبحت غير قرآن، فلا يتعبد بها.
وقد أورد الشوكاني عدة تعريفات للقرآن الكريم فقال:
"والقرآن في اللغة: مصدر بمعنى القراءة، غلب في العرف العام على المجموع المعين من كلام الله سبحانه، المقروء بألسنة العباد"... ثم قال:
"وأما حد الكتاب اصطلاحًا: فهو الكلام المنزل على الرسول، المكتوب في =

 

ج / 1 ص -200-       ..........................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المصاحف، المنقول إلينا نقلًا متواترًا...".
.... وقيل قي حده: هو اللفظ العربي المنزل للتدبر والتذكر، المتواتر.
وقيل: هو الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه.
وقال جماعة في حده: هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف تواترًا.
وقال جماعة: هو القرآن المنزل على رسولنا، المكتوب في المصاحف المنقول تواترًا بلا شبهة.
وقيل: هو كلام الله العربي، الثابت في اللواح المحفوظ للإنزال.
انظر: إرشاد الفحول جـ1 ص141-143 بتحقيقنا.
وهذه التعريفات المختلفة للقرآن الكريم تصدق على قراءات الأئمة العشرة الذين نقلوا إلينا هذا القرآن بأسانيدهم الصحيحة المتصلة إلى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقراءاتهم تعتبر جزءًا من الأحرف السبعة التي صحت بها الأحاديث، والتي منها ما رواه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف".
والأئمة العشرة هم:
1- نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، المتوفى سنة 199هـ وعنه راويان هما:
أ- قالون: عيسى بن مينا بن وردان بن عبد الصمد. المتوفى سنة 220هـ.
ب- ورش: عثمان بن سعيد بن عبد الله المصري. المتوفى سنة 197هـ.
2- عبد الله بن كثير بن عمر بن عبد الله بن زاذان المكي، المتوفى سنة 120هـ وعنه راويان هما:
أ- أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع البزي. المتوفى سنة 250هـ.

 

 

ج / 1 ص -201-       ....................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ب- محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد الشهير بقنبل المتوفى سنة 291هـ.
3- أبو عمرو البصري: زبّان بن العلاء بن عمار بن العريان المازني التميمي، المتوفى سنة 254هـ، وعنه راويان هما:
أ- حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبات بن عدي الدوري، المتوفى سنة 246هـ.
ب- صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل بن الجارود السوسي. المتوفى سنة 261هـ.
4- عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة، إمام أهل الشام المتوفى سنة 118هـ وعنه راويان هما:
أ- هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة السلمي المتوفى سنة 245هـ.
ب- عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان المتوفى سنة 242هـ.
5- عاصم بن أبي النجود، إمام أهل الكوفة. المتوفى سنة 127هـ وعنه راويان هما:
أ- شعبة بن عياش بن سالم الحنّاط الأسدي المتوفى سنة 193هـ.
ب- حفص بن سليمان بن المغيرة بن أبي داود الأسدي المتوفى سنة 180هـ.
6- حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي. المتوفى سنة 156هـ وعنه راويان هما:
أ- خلف بن هشام بن ثعلب الأسدي البغدادي. المتوفى سنة 229هـ.
ب- خلاد بن خالد الشيباني الصيرفي الكوفي. المتوفى سنة 220هـ.
7- علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الكسائي. المتوفى سنة 189هـ وعنه راويان هما:
أ- الليث بن خالد المروزي البغدادي، وكنيته أبو الحارث. المتوفى سنة 240هـ.
ب- حفص الدوري: الذي تقدمت ترجمته في تلاميذ أبي عمرو البصري. =

 

ج / 1 ص -202-       وقيدناه بالمصاحف؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- بالغوا في نقله وتجريده عما سواه، حتى كرهوا التعاشير1 والنقط، كيلا يختلط بغيره، فنعلم أن المكتوب في المصحف هو القرآن، وما خرج عنه فليس منه، إذ يستحيل في العرف والعادة، مع توفرالدواعي على حفظ القرآن أن يهمل بعضه فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 8- يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، المكنى بأبي جعفر. المتوفى سنة 130هـ على الأصح. وعنه راويان هما:
أ- عيسى بن وردان المدني، وكنيته أبو الحارث. المتوفى في حدود سنة 160هـ.
ب- سليمان بن محمد بن مسلم بن جماز. المتوفى بعد سنة 170هـ.
9- يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله الحضرمي المصري. المتوفى سنة 205هـ. وعنه راويان هما:
أ- رويس: محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري. المتوفى سنة 238هـ.
ب- روح بن عبد المؤمن الهذلي البصري. المتوفى سنة 234، أو 235هـ.
10- خلف بن هشام البزار البغدادي. أحد الرواة عن حمزة. وأخذ عنه راويان هما:
أ- إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله المروزي، ثم البغدادي. المتوفى سنة 286هـ.
ب- إدريس بن عبد الكريم الحداد الغدادي. المتوفى سنة 292هـ.
انظر في ترجمتهم: غاية النهاية لابن الجزري، النشر في القراءات العشر لابن الجزري أيضًا، معرفة القراء الكبار للذهبي.
فقراءة هؤلاء الأئمة العشرة ورواتهم هي التي جمعت شروط القراءة الصحيحة، وهي: التواتر، وموافقة أحد المصاحف التي نسخها سيدنا عثمان -رضي الله عنه- ووافقت وجهًا من وجوه اللغة العربية. والقراءة التي تفقد واحدًا من هذه الشروط تسمى شاذة، أو آحادية، وهي التي عقد لها المصنف الفصل الآتي.
1 التعاشير: أي جعل علامة عند آخر كل عشر آيات.

 

ج / 1 ص -203-       فصل: [في حكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة]
فأما ما نقل نقلا غير متواتر، كقراءة ابن مسعود1 -رضي الله عنه-: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"2: فقد قال قوم: ليس بحجة3؛ لأنه خطأ قطعا؛ لأنه واجب على الرسول تبليغ القرآن طائفة من الأمة تقوم الحجة بقولهم وليس له مناجاة الواحد به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: الصحابي الجليل: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، أحد السابقين إلى الإسلام، والمهاجرين إلى الحبشة والمدينة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدرًا وما بعدها من المشاهد، كان كثير الملازمة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي قرأ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سورة النساء حتى أتى إلى قوله تعالى:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: "حسبك الآن..." توفى سنة 32هـ.
انظر: "الإصابة 2/ 368، والاستيعاب 2/ 316".
2 سورة المائدة الآية: 89، والقراءت المتواترة ليس فيها لفظ "متتابعات" وقراءة ابن مسعود أخرجها عبد الرازق في المصنف "16102" عن ابن جريج قال: سمعت عطاء: يقول: بلغنا في قراءة ابن مسعود "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات" قال: وكذلك نقرؤها.
وفي الباب عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ مثل ابن مسعود، عند الطبري "1497" و"1498" وسنن البيهقي "10/ 60".
3 القراءة الشاذة يتعلق بها مسألتان:
المسألة الأولى: هل يجوز القراءة بها، سواء أكان ذلك في الصلاة، أم في غيرها؟
للعلماء في ذلك خلاف طويل، بين مجيز ومانع، والذي رجحه جمهور المسلمين -سلفًا وخلفًا- عدم جواز القراءة بما هو شاذ من القراءات، ولا تصح بها الصلاة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء. =

 

ج / 1 ص -204-       وأن لم ينقلة [على أنه] من القرآن: احتمل أن يكون مذهبًا، واحتمل أن يكون خبرًا، ومع التردد لا يعمل به.
والصحيح: أنه حجة1، لأنه يخبر أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= قال الإمام النووي: "لا تجوز القراءة في الصلاة ولا في غيرها بالقراءة الشاذة، لأنها ليست قرآنا؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والقراءة الشاذة ليست متواترة، ومن قال غيره فغالط أو جاهل، فلو خالف وقرأ بالشاذ أنكر عليه قراءته في الصلاة وغيرها، وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ.
ونقل ابن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا يجوز القراءة بالشواذ، ولا يصلى خلف من يقرأ بها.
انظر: التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص47.
المسألة الثانية: في حكم الاحتجاج بها، واستنباط الأحكام الشرعية منها.
وللعلماء فيها مذهبان:
أحدهما: أنها ليست حجة، وهو رأي مالك والشافعي، وجمهور الأصوليين، ورواية عن الإمام أحمد واستدل المصنف لهذا المذهب بوجهين:
الأول: أنه على تقدير أن الناقل نقله على أنه قرآن، فإنه يكون خطأ قطعًا لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجب عليه تبليغ الوحي لجماعة يحصل العلم بخبرهم، ولا يخرج عن عهدة التبليغ بتبليغ الواحد، وحينئذ نعلم قطعًا أن الناقل أخطأ على الرسول في نقله الآحاد على أنها قرآن، وما دامت ليست قرآنًا فلا يصح الاحتجاج بها.
الثاني: نقله لها على أنها ليست قرآنًا، وحينئذ تكون مترددة بين الخبر، وبين أن تكون مذهبًا له، ومع التردد في جواز الاحتجاج بها لا تكون حجة، استصحابًا للحال فيها، وهو عدم الاحتجاج.
انظر: الإحكام للآمدي "1/ 230-231" شرح مختصر الروضة "2/ 26".
1 وهو مذهب الحنفية ورأي للإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد. انظر: فواتح الرحموت "2/ 16" نهاية السول "2/ 333" القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص155. =

 

ج / 1 ص -205-       لم يكن قرآنا: فهو خبر، فإنه ربما سمع الشيء من النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسيرًا، فظنه قرآنًا.
وربما أبدل لفظة بمثلها ظنًّا منه أن ذلك جائز، كما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يجوز مثل ذلك، وهذا يجوز في الحديث دون القرآن.
ففي الجملة: لا يخرج عن كونه مسموعًا من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومرويًّا عنه فيكون حجة كيف ما كان.
وقولهم: "يجوز أن يكون مذهبا له":
قلنا: لا يجوز ظن مثل هذا بالصحابة -رضي الله عنهم- فإن هذا افتراء على الله -تعالى- وكذب عظيم؛ إذ جعل رأيه ومذهبه الذي ليس هو عن الله -تعالى- ولا عن رسوله قرآنًا، والصحابة -رضي الله عنهم- لا يجوز نسبة الكذب إليهم في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا في غيره، فكيف يكذبون في جعل مذاهبهم قرآنا؟ هذا باطل يقينًا1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= واستدل أصحاب هذا المذهب: بأن القراءة الشاذة، وإن لم يثبت كونها قرآنًا، إلا أنها تنزل منزلة خبر الآحاد، وهو حجة عند الجمهور.
و قد احتج بها بعض العلماء في كثير من الأحكام الشرعية، مثل: الاستدلال على قطع يمين السارق بقراءة ابن مسعود "فاقطعوا أيمانهما"، ووجوب التتابع في صيام كفارة اليمين بقراءة ابن مسعود -أيضًا-: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات".
قال أبو عبيد في فضائل القرآن: "فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن فكيف إذا روي عن كبار الصحابة، ثم صار في نفس القراءة، فهو أكثر من التفسير وأقوى، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف: معرفة صحة التأويل" الإتقان للسيوطي "1/ 227-228".
1 خلاصة هذا الرد: أن كون الصحابي ينسب رأي نفسه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كذب من =

 

ج / 1 ص -206-       فصل: [في اشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز]
والقرآن يشتمل على الحقيقة والمجاز:
وهو: اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي على وجه يصح.
كقوله تعالى:
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}1 {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ} {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ...} {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}5 {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}6 {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه} أي: أولياء الله.
وذلك كله مجاز، لأنه استعمال اللفظ في غير موضوعه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الصحابي وافتراء على النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث ينقل عنه ويقول ما لم يقل، وذلك لا يليق نسبته إلى الصحابة، مع تحريهم في الصدق عليه، فمن باب أولى لا يكذبون على الله تعالى، في جعل مذاهبهم قرآنًا.
انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 26".
1 سورة الإسراء من الآية: 24. قال الطوفي: والجناح: حقيقة للطائر من الأجسام، والمعاني والجمادات لا توصف به. "شرح المختصر 2/ 28".
2 سورة يوسف من الآية: 82. أي: أهلها؛ لأن الجمادات لا تفهم ولا تجيب.
3 سورة الكهف من الآية: 77. قال الطوفي: "والجدار لا إرداة له، إذ الإرادة حقيقة من خصائص الحيوان أو الإنسان، وإنما هو كناية عن مقاربته الانقضاض لأن من أراد شيئًا قاربه، فكانت المقارنة من لوازم الإرادة فتجوّز بها عنها".
4 سورة النساء الآية: 43، والمائدة: 6. وهو في الأصل: المكان المنخفض، فتجوّز به عن قضاء الحاجة.
5 سورة الشورى الآية: 40، والمراد بالسيئة الثانية: المجازاة.
6 سورة البقرة من الآية: 194.
7 سورة الأحزاب من الآية: 57.

 

ج / 1 ص -207-       ومن منع ذلك فقد كابر.
ومن سلم وقال: لا أسميه مجازًا: فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه1. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خلاصة ما يريد أن يقوله المصنف: أن القرآن يوجد فيه كثير من الآيات المشتملة على المجاز، وأتى بأمثله لذلك، وأن من منع ذلك فقد كابر وعاند؛ لأنه ينكر شيئًا موجودًا ومحسًّا، ثم أشار إلى أن هناك من لا يسميه مجازًا، وإنما يطلق عليه إطلاقات أخرى، قال المصنف، فالخلاف مع هذا خلاف لفظي، قائم على الاصطلاح، ولا مشاحة فيه. هذا معنى كلامه.
وقد نقل الطوفي عدة أوجه للمحتجين بأنه ليس في القرآن مجاز، نلخص منها:
أولًا: أنه يلزم عليه أن يكون الله -تعالى- متجوزًا، أي: مستعيرًا؛ لأن مستعمل المجاز يسمى في اللغة متجوزًا، والتجوز: استعارة اللفظ لغير موضوعه، فيلزم: أن يسمى الله -تعالى- كذلك، لكنه لا يسمى بذلك، فلا يكون المجاز واقعًا في القرآن.
ثانيا: أن المجاز لا ينبئ بنفسه عن معناه، فوقوعه في القرآن يوقع في اللبس والإشكال وعدم البيان، ومقصود القرآن البيان.
ثالثًا: أن العدول إلى المجاز يقتضي العجز عن الحقيقة، أو يدل عليه، والعجز على الله -تعالى- محال.
ثم أجاب -رحمه الله تعالى- عن هذه الأدلة -بما ملخصه.
أما عن الدليل الأول، فأجيب عنه بجوابين:
أحدهما: صحة تسميته -سبحانه- متجوزًا بمعنى: أنه مستعمل للمجاز وليس فيه نقص ولا محذور، كما يسمى متكلمًا باستعماله للكلام.
ثانيهما: عدم التسليم بأنه -سبحانه وتعالى- لو تكلم بالمجاز، لزم أن يسمى متجوزًا للفرق بينه -سبحانه- وبين خلقه؛ فإن أسماءه -سبحانه- وصفاته توقيفية، بخلاف غيره. =

 

ج / 1 ص -208-       .....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ثم أجاب عن الدليل الثاني فقال: "إن البيان يحصل بالقرينة فلا إلباس".
وقال ردًّا على الدليل الثالث: "وجوابه: بمنع ذلك، بل المجاز له فوائد سبق ذكره بعضها".
ومنها: أن كلام الله -تعالى- حق، بمعنى أنه صدق، ليس بكذب ولا باطل، لا بمعنى أن جميع ألفاظه مستعملة في موضوعها الأصلي، وكونه له حقيقة معناه: أنه موجود له في نفسه بناء وتأويل، وأنه ليس بخيال لا وجود له في الخارج كالمنام.
وأيضًا: فإنه كلام عربي، فهو مشتمل على المجاز، وقابل لوقوع المجاز، فالقرآن كذلك، وإلا لم يكن عربيًّا".
راجع: شرح مختصر الروضة "2/ 30، 31".
هذا: وقد نقل الشيخ "ابن بدران" -رحمه الله تعالى- مذاهب العلماء في المسألة، وحاول أن يجعل الخلاف فيها خلافًا لفظيًّا، فقال:
"قوله: ومن منع فقد كابر": أي أن قومًا منعوا جواز وقوع المجاز في القرآن ونسب الطوفي المنع إلى الظاهرية.
وحكى برهان الدين: إبراهيم بن مفلح في طبقاته: أن أبا الحسن الجزري البغدادي الحنبلي له اختيارات منها: أنه لا مجاز في القرآن، وأنه يجوز تخصيص الكتاب والسنة بالقياس.
وحكى شيخ الإسلام "ابن تيمية" في كتاب "الإيمان" أن أبا الحسن هذا، وأبا عبد الله بن حامد، وأبا الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي منعوا أن يكون في القرآن مجاز.
ومنع ذلك -أيضًا- محمد بن خويز منداد وغيره من المالكية.
ومنع منه داود بن علي، وابنه: أبو بكر، ومنذر بن سعيد اللوطي، وصنف فيه مصنفًا.
ولما كان هؤلاء من العلم بمكان معروف، تردد المصنف في الأمر، فجعل ذلك إما مكابرة، وإما نزاعًا في عبارة. وأقول: لا مكابرة، وإنما الصواب الثاني. =

 

ج / 1 ص -209-       ..................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبيانه: أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز، هو اصطلاح حادث، بعد انقضاء القرون الثلاثة، وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز: أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه: "مجاز القرآن".
وقد بين هذا ابن السبكي في "عروس الأفراح" ولكن لم يعنِ بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية: ما يعين به عن الآية.
والمانعون قالوا: إنكم تقولون: المجاز: الكلمة المستعلمة في غير ما وضعت له، وهذا يقتضي العلم: بأن هذه الكلمة وضعت أولًا لكذا، ثم استعملت في غيرها، أو فيها، فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال، وهذا إنما يصح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية، فيدعي أن قومًا من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا، وهذا بكذا، وبجعل هذا عامًا في جميع اللغات.
قال الإمام "ابن تيمية": وهذا القول لا نعرف أحدًا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي، فإنه تنازع هو أبو الحسن الأشعري في مبدأ اللغات، فقال أبو هاشم: هي اصطلاحية وقال الأشعري: هي توقيفية، ثم خاض الناس بعدهما في هذه المسألة.
قال الإمام: والمقصود هنا: أنه لا يمكن أحدًا أن ينقل عن العرب، بل ولا عن أمة من الأمم: أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر: استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها، فإن ادعى مدع أنه يعلم وضعًا يتقدم ذلك فهو مبطل، فإن هذا لم ينقل عن أحد من الناس.
وقد أطال الإمام النفس في هذه المسألة في كتابه: "الإيمان".
وحاصل الأمر: تعذر معرفة تقدم وضع على وضع، فلا مجاز بالمعنى الذي قالوه، بل الكل موضوع، فرجع إلى أنه نزاع في العبارة" نزهة الخاطر "1/ 182-184" طبعة مكتبة المعارف بالرياض.

 

ج / 1 ص -210-       فصل: [ليس في القرآن ألفاظ غير عربية]
قال القاضي: ليس في القرآن لفظ بغير العربية؛ لأن الله -تعالى- قال:
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ...}1.
ولو كان فيه لغة العجم: لو يكن عربيًّا محضًا، وآيات كثيرة في هذا المعنى.
ولأن الله -سبحانه- تحداهم بالإتيان بسورة من مثله، ولا يتحداهم بما ليس من لسانهم ولا يحسنونه2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة فصلت من الآية: 44.
2 انظر: العدة "3/ 707" وما قاله القاضي أبو يعلى هو رأي كثير من العلماء، منهم الإمام الشافعي، وأبو عبيدة: معمر بن المثنى، وابن جرير الطبري، وأبو بكر الباقلاني، وأحمد بن فارس، وأبو بكر: عبد العزيز بن جعفر الحنبلي، وأبو الخطاب، وابن عقيل وغيرهم. انظر: التمهيد "2/ 278" شرح الكوكب المنير "1/ 192، 193".
وهذا الخلاف إنما هو في غير الأعلام، أما الأعلام: فمتفق على وجودها مثل: إسرائيل، جبريل، عمران، نوح، إلخ.
قال الإمام الشافعي:
"وقد تكلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له -إن شاء الله- فقال منهم قائل: إن في القرآن عربيًّا وأعجميًّا، والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب".
ثم قال: "إن جهل بعض العرب ببعض ما في القرآن من ألفاظ غريبة عنهم ليس دليلًا على عجمة القرآن.
ويحتمل أن بعض الأعاجم تعلم بعض الألفاظ العربية، وانتشرت في لغاتهم، فتوافقت بعض كلمات القرآن القليلة مع تلك الألفاظ.

 

ج / 1 ص -211-       وروي عن ابن عباس1، وعكرمة2 -رضي الله عنهما- أنهما قالا: فيه ألفاظ بغير العربية3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وربما تكون بعض الكلمات الأعجمية قد سرت إلى العرب فعربوها، فصار بذلك عربي الشكل والصيغة والمخارج، وإن كان أصله أعجميًّا".
وبعد أن أورد الآيات الصريحة في أن القرآن كله عربي، ختم كلامه بقوله:
"فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح" الرسالة ص40-44 تحقيق الشيخ شاكر.
وقال أبو عبيد: القاسم بن سلام: "والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعًا، وذلك أن هذه ا لأحرف أصولها أعجمية، كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعرِّبت بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال أعجمية فصادق" شرح الكوكب المنير "1/ 194-195".
1 هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- حبر الأمة، وترجمان القرآن، دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". توفي بالطائف سنة 68هـ. "الإصابة 2/ 330 والاستيعاب "2/ 350".
2 هو: عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس، أحد فقهاء مكة من التابعين، أصله بربري من أهل المغرب. توفي سنة 104هـ على أرجح الروايات. "وفيات الأعيان 2/ 427، معجم الأدباء 12/ 181".
3 وهو منقول -أيضًا- عن كثير من العلماء، منهم: مجاهد، وابن جبير، وعطاء وغيرهم. انظر: "الإحكام للآمدي "1/ 50 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 212، المزهر 1/ 266 وما بعدها، شرح الكوكب المنير 1/ 194".

 

ج / 1 ص -212-       قالوا: {نَاشِئَةَ اللَّيْل}1 بالحبشية، و"مشكاة"2 هندية، و"استبرق"3 فارسية.
وقال من نصر هذا4: اشتمال القرآن على كلمتين ونحوهما أعجمية، لا يخرجه عن كونه عربيًّا، وعن إطلاق هذا الاسم عليه، ولا يمهد للعرب حجة، فإن الشعر الفارسي يسمى فارسيًّا، وإن كان فيه آحاد كلمات عربية.
ويمكن الجمع بين القولين، بأن تكون هذه الكلمات أصلها بغير العربية، ثم عرّبتها العرب، واستعملتها، فصارت من لسانها بتعريبها واستعمالها لها وإن كان أصلها أعجميًّا5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قوله تعالى في سورة المزمل الآية 6:
{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}.
2 من قوله تعالى في سورة النور الآية: 35:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ...} الآية.
قال صاحب مسلم الثبوت -وهو هندي-: "ثم كوة المشكاة هندية غير ظاهر. فإن البراهمة العارفين بأنحاء الهند لا يعرفونه، نعم "المسكاة" بضم الميم والسين المهملة بمعنى التبسم هندي وليست في القرآن بهذا المعنى" انظر: فواتح الرحموت "1/ 212".
وجاء في لسان العرب "المشكاة هي الكوة، وقيل هي بلغة الحبش، ثم قال: والمشكاة من كلام العرب".
3 من مثل قوله تعالى في سورة الكهف آية: 31:
{وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ...}.
4 أي: رأي ابن عباس ومن معه.
5 وهذا ما نقلناه -قبل ذلك- عن الإمام الشافعي، وعن أبي عبيد القاسم بن سلام.

 

ج / 1 ص -213-       فصل: [في المحكم والمتشابه]
وفي كتاب الله -سبحانه- محكم ومتشابه1، كما قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ...}2.
قال القاضي: المحكم: المفسر، والمتشابه: المجمل؛ لأن الله -سبحانه- سمى "المحكمات" "أم الكتاب" وأم الشيء: الأصل الذي لم يتقدمه غيره، فيجب أن يكون المحكم غير محتاج إلى غيره، بل هو أصل بنفسه وليس إلا ما ذكرنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المحكم: معناه المتقن، يقال أحكمت الشيء، أحكمه إحكامًا، فهو محكم، إذا أتقنته، فكان في غاية ما ينبغي من الحكمة، ومنه: بناء محكم: أي ثابت يبعد انهدامه، وذلك كالنصوص والظواهر، لأنه من البيان في غاية الإحكام والإتقان "المصباح المنير 1/ 145، شرح الكتاب المنير 2/ 140-141" ولذلك وصف الله -تعالى- كتابه بذلك، فقال جل شأنه
{الر، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} مطلع سورة هود.
والمتشابه: مأخوذ من الشبه، أو الشبه، أو الشبيه، وهو ما بينه وبين غيره أمر مشترك، فيتشتبه به. "المصباح المنير 1/ 304".
وقد وصف الله -تعالى- كتابه الكريم بأنه متشابه. فقال تعالى:
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ...} [الزمر: آية 23]: يشبه بعضه بعضًا في إعجازه وتناسبه وتناسقه.
وهذا المعنى لكل من المحكم والمتشابه يسمى بالإحكام العام، والتشابه العام. وأما بالمعنى الخاص الذي يبحثه الأصوليين: فهو ما يأتي بعد ذلك، وهو الذي تضمنته آية سورة آل عمران -كما سيأتي حالًا-.
2 سورة آل عمران من الآية: 7.

 

ج / 1 ص -214-       وقال ابن عقيل1: المتشابه هو الذي يغمض علمه على غير العلماء والمحققين، كالآيات التي ظاهرها التعارض، كقوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُون}2. وقال -تعالى- في آية أخرى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}3. ونحو ذلك.
وقال آخرون: المتشابه: الحروف المقطعة في أوائل السور، والمحكم: ما عداه5.
وقال آخرون: المحكم: الوعد والوعيد، والحرام والحلال،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي، المقرئ الفقيه الأصولي الواعظ المتكلم، أحد الأئمة الأعلام، له مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه وفضله، منها: "الواضح" في أصول الفقه قال عنه الشيخ ابن بدران: "أبان فيه عن علم كالبحر الزاخر، وفضل يفحم من في فضله يكابر، وهو أعظم كتاب في هذا الفن، حذا فيه حذو المجتهدين". توفي ابن عقيل سنة 513هـ. "ذيل طبقات الحنابلة 1/ 142-166، المنهج الأحمد 2/ 215-232".
2 سورة المرسلات الآية: 35.
3 سورة يس من الآية: 52.
4 أي: من الآيات التي ظاهرها التعارض، وهي في الواقع ليست كذلك، قال الواحدي: قال المفسرون: في يوم القيامة مواقف، ففي بعضها يتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون.
وقيل في تفسير آية سورة المرسلات: إن هذا إشارة إلى وقت دخولهم النار وهم عند ذلك لا ينطقون؛ لأن مواقف السؤال والحساب قد انقضت. وقال الحسن: لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون.
انظر: فتح القدير للشوكاني "5/ 416" طبعة دار الخير.
وبناء على تفسير ابن عقيل للمتشابه: بأنه الذي يغمض علمه على غير العلماء، يكون المحكم هو: ما لا يغمض علمه ولا فهمه.
5 انظر: الإتقان للسيوطي "2/ 2".

 

ج / 1 ص -215-       والمتشابه: القصص والأمثال1.
والصحيح: أن المتشابه: ما ورد في صفات الله -سبحانه- مما يجب الإيمان به، ويحرم التعرض لتأويله، كقوله -تعالى-:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك}5 {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}6، ونحوه7.
فهذا اتفق السلف -رحمهم الله- على الإقرار به، وإمراره على وجهه وترك تأويله.
فإن الله -سبحانه- ذم المبتغين لتأويله، وقرنهم -في الذم- بالذين يبتغون الفتنة، وسماهم أهل زيغ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي "1/ 166".
2 سورة طه الآية: 5.
3 سورة المائدة من الآية: 64.
4 ص من الآية: 75 وهي قوله تعالى:
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ}.
5 سورة الرحمن من الآية: 27.
6 سورة القمر من الآية: 14.
7 من الآيات والأحاديث مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-:
"يد الله ملأى لا تغيضها النفقة" وهو حديث صحيح: أخرجه البخاري "4684" ومسلم "993" وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك" وقال: "يد الله ملأي لا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار".
قال الطوفي: "ونحو ذلك، مما هو كثير في الكتاب والسنة، لأن هذا اشتبه المراد منه على الناس، فلذلك قال قوم بظاهره، فجسموا وشبهوا، وفر قوم من التشبيه، فتأولوا وحرفوا، وتوسط قوم، فسلموا، وأمرُّوه كما جاء، مع اعتقاد التنزيه، فسلموا، وهم أهل السنة" شرح المختصر "2/ 44، 45".

 

ج / 1 ص -216-       وليس في طلب تأويل ما ذكروه من المجمل1 وغيره ما يذم به صاحبه، بل يمدح عليه؛ إذ هو طريق إلى معرفة الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام.
ولأن في الآية قرائن تدل على أن الله -سبحانه- منفرد بعلم تأويل المتشابه، وأن الوقف الصحيح عند قوله تعالى:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله}2 له لفظًا ومعنى.
أما اللفظ: فلأنه لو أراد عطف "الراسخين" لقال: "ويقولون آمنا به" بالواو.
وأما المعنى: فلأنه ذم مبتغي التأويل، ولو كان ذلك للراسخين معلومًا: لكان مبتغيه ممدوحًا لا مذمومًا.
ولأن قولهم
{آمَنَّا بِهِ} يدل على نوع تفويض وتسليم لشيء لم يقفوا على معناه.
سيما إذا اتبعوه بقولهم:
{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فذكرهم ربهم -ههنا- يعطي الثقة به، والتسليم لأمره، وأنه صدر منه، وجاء من عنده كما جاء من عنده المحكم.
ولأن لفظة "أما" لتفصيل الجمل، فذكره لها في
{الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغ} مع وصفه إياهم لابتغاء المتشابه، وابتغاء تأويله، يدل على قسم آخر يخالفهم في هذه الصفة وهم "الراسخون" ولو كانوا يعلمون تأويله لم يخالفوا القسم الأول في ابتغاء التأويل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الآراء التي عرضها الأول.
2 آل عمران: 7.

 

ج / 1 ص -217-       وإذ قد ثبت أنه غير معلوم التأويل لأحد: فلا يجوز حمله على غير ما ذكرناه؛ لأن ما ذكر من الوجوه لا يعلم تأويله كثير من الناس.
فإن قيل: فكيف يخاطب الله الخلق بما لا يعقلونه، أم كيف ينزل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟
قلنا:
يجوز أن يكلفهم الإيمان بما لا يطلعون على تأويله؛ ليختبر طاعتهم، كما قال -تعالي-:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين}1 {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَم...} الآية2، {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاس}3.
وكما اختبرهم بالإيمان بالحروف المقطعة مع أنه لا يعلم معناها4.
والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة محمد من الآية: 31.
2 سورة البقرة من الآية: 143.
3 سورة الإسراء من الآية: 60.
4 قال الشوكاني: "لا شك أن لها معنى لم تبلغ أفهامنا إلى معرفته...." انظر في ذلك: فتح القدير "1/ 314 وما بعدها، وإرشاد الفحول 1/ 150" الطبعة المحققة.