شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه ط العلمية
الأمور التي تعترض الأهلية - العوارض السماوية
مدخل
...
الأمور التي تعترض الأهلية
"فصل" الأمور المعترضة على الأهلية سماوية، ومكتسبة.
ـــــــ
"فصل الأمور المعترضة على الأهلية سماوية, ومكتسبة أو
السماوية فمنها الجنون" وهو اختلال العقل بحيث يمنع جريان
الأفعال, والأقوال على نهج العقل إلا نادرا "وهو في القياس
مسقط لكل العبادات لمنافاته القدرة; ولهذا عصم الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام عنه, وحيث لم يمكن الأداء يسقط
الوجوب لكنهم استحسنوا أنه إذا لم يمتد لا يسقط الوجوب
لعدم الحرج على أنه لا ينافي أهلية الوجوب فإنه يرث, ويملك
لبقاء ذمته, وهو أهل للثواب ثم عند أبي يوسف رحمه الله
تعالى هذا" إشارة إلى أنه لا يسقط الوجوب إذا لم يمتد
الجنون "إذا اعترض بعد البلوغ أما إذا بلغ مجنونا; فإنه
يسقط مطلقا, ومحمد لم يفرق" بين ما عرض بعد
.........................................................
بأضعاف قيمته لم يجز, وكما لو طلق امرأته المعسرة الشوهاء
ليتزوج أختها الموسرة الحسناء, ولا يخفى ضعفه, ويمكن تطبيق
جواب المصنف رحمه الله تعالى على التقرير الثاني بأن يقال:
مراده أن ضررها أكثر لأن نقل الملك إلى الأقارب أفضل عقلا,
وشرعا لما فيه من صلة الرحم, ولأن ترك الورثة أغنياء خير
من تركهم فقراء بالنص, وترك الأفضل في حكم الضرر المحض,
وبهذا يشعر قوله إلا أنها شرعت في حق البالغ كالطلاق يعني
أن الضرر المحض قد يشرع للبالغ لكمال أهليته كالطلاق, وفي
كونه ضررا محضا نظر.
قوله: "فصل" لما ذكر الأهلية بنوعيها شرع فيما يعترض
عليهما فيزيلهما أو أحدهما أو يوجب تغييرا في بعض
أحكامهما, ويسمى العوارض جمع عارض على أنه جعل اسما بمنزلة
كاتب, وكاهل من عرض له كذا أي ظهر, وتبدى, ومعنى كونها
عوارض أنها ليست من الصفات الذاتية كما يقال: البياض من
عوارض الثلج, ولو أريد بالعروض الطريان, والحدوث بعد العدم
لم يصح في الصغر إلا على سبيل التغليب ثم العوارض نوعان:
سماوية إن لم يكن للعبد فيها اختيار, واكتساب: ومكتسبة إن
كان له فيها دخل باكتسابها أو ترك إزالتها, والسماوية أكثر
تغييرا, وأشد تأثيرا فقدمت, وهي أحد عشر: الجنون والصغر
والعته والنسيان والنوم والإغماء والرق والمرض والحيض
والنفاس والموت فالجنون اختلال القوة المميزة بين الأمور
الحسنة, والقبيحة المدركة للعواقب بأن لا يظهر آثارها,
وبتعطل أفعالها إما لنقصان جبل عليه دماغه في أصل الخلقة,
وإما لخروج مزاج الدماغ عن الاعتدال بسبب خلط أو آفة, وإما
لاستيلاء الشيطان عليه, وإلقاء الخيالات الفاسدة إليه بحيث
يفرح, ويفزع من غير ما يصلح سببا.
قوله: "لمنافاته" أي: لمنافاة الجنون القدرة التي بها
يتمكن من إنشاء العبادات على النهج الذي اعتبره الشرع,
وبانتفاء القدرة تنتفي الأهلية, فينتفي وجوب الأداء فينتفي
نفس الوجوب.
قوله: "لكنهم" قالوا الجنون إما ممتد أو غير ممتد, وكل
منهما إما أصلي بأن يبلغ مجنونا
(2/348)
ما يترتب على الجنون من الأحكام
أما السماوية فمنها الجنون.
وهو في القياس مسقط لكل العبادات لمنافاته القدرة؛ ولهذا
عصم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عنه، وحيث لم يمكن
الأداء يسقط الوجوب لكنهم استحسنوا أنه إذا لم يمتد لا
يسقط الوجوب لعدم الحرج على أنه لا ينافي أهلية الوجوب
فإنه يرث، ويملك لبقاء ذمته، وهو أهل للثواب.
ثم عند أبي يوسف رحمه الله تعالى هذا إذا اعترض بعد البلوغ
أما إذا بلغ مجنونا؛ لا فإنه يسقط مطلقا، ومحمد لم يفرق
فالممتد مسقط، وغير الممتد مسقط.
ـــــــ
البلوغ, وبين ما إذا بلغ مجنونا فالممتد مسقط, وغير الممتد
مسقط ففي كل واحد من الصورتين الممتد مسقط, وغير الممتد
غير مسقط عنده "ثم الامتداد في الصلاة بأن يزيد على يوم
وليلة بساعة, وعند محمد بصلاة فتصير الصلاة ستا, وفي الصوم
بأن يستغرق شهر رمضان, وبالزكاة بأن يستغرق الحول عند محمد
رحمه الله تعالى, وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى
.........................................................
أو طارئ بعد البلوغ, فالممتد مطلقا مسقط للعبادات, وغير
الممتد إن كان طارئا فليس بمسقط استحسانا لوجوه: الأول
الإلحاق بالنوم, والإغماء بجامع كونه عذرا عارضا زال قبل
الامتداد مع عدم الحرج في إيجاب القضاء. الثاني: أنه لا
ينافي أهلية نفس الوجوب لبقاء الذمة بدليل أنه يرث, ويملك,
والإرث, والملك من باب الولاية, ولا ولاية بدون الذمة إلا
أنه إذا انتفى الأداء تحقيقا, وتقديرا بلزوم الحرج في
القضاء ينعدم الوجوب. الثالث: أن المجنون أهل للثواب; لأنه
يبقى مسلما بعد الجنون, والمسلم يثاب, والثواب من أحكام
الوجوب, فيكون أهلا للوجوب في الجملة, ولا حرج في إيجاب
القضاء, فيكون الأداء ثابتا تقديرا بتوهمه في الوقت,
ورجائه بعد الوقت هذا إذا كان الجنون الغير الممتد طارئا,
وأما إذا كان أصليا فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى مسقط
بناء للإسقاط على الأصالة أو الامتداد, وعند محمد رحمه
الله تعالى ليس بمسقط بناء للإسقاط على الامتداد فقط,
والاختلاف في أكثر الكتب مذكور على عكس ذلك, وجه التسوية
بين الأصل, والطارئ أمران أحدهما: أن الأصل في الجنون
الحدوث والطريان إذ السلامة عن الآفات هي الأصل في الجبلة,
فيكون أصالة الجنون أمرا عارضا, فيلحق بالأصل, وهو الجنون
الطارئ, وثانيهما: أن زوال الجنون بعد البلوغ دل على أن
حصوله كان لأمر عارض على أصل الخلقة لا لنقصان جبل عليه
دماغه فكان مثل الطارئ, وجه التفرقة أيضا أمران أحدهما أن
الطريان بعد البلوغ رجح جانب العروض فجعل عفوا عند عدم
الامتداد إلحاقا بسائر العوارض بخلاف ما إذا بلغ مجنونا
فزال فإن حكمه حكم الصغر فلا يوجب قضاء ما مضى, وثانيهما
أن الأصلي يكون لآفة في الدماغ مانعة عن قبول الكمال,
فيكون أمرا أصليا لا يقبل اللحاق بالعدم, والطارئ قد اعترض
على محل كامل للحوق آفة, فيلحق بالعدم.
(2/349)
تفسير الامتداد
ثم الامتداد في الصلاة بأن يزيد على يوم وليلة بساعة، وعند
محمد بصلاة فتصير الصلاة ستا، وفي الصوم بأن يستغرق شهر
رمضان، وبالزكاة بأن يستغرق الحول عند محمد رحمه الله
تعالى، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى أكثره كاف.
ـــــــ
أكثره كاف" أي الجنون في أكثر الحول كاف لسقوط الزكاة
.....................................................
قوله: "ثم الامتداد في الصلاة" يعني: أن الامتداد عبارة عن
تعاقب الأزمنة, وليس له حد معين فقدروه بالأدنى, وهو أن
يستوعب الجنون وظيفة الوقت, وهو اليوم, والليلة في الصلاة;
لأنه وقت جنس الصلاة, وجميع الشهر في الصوم حتى لو أفاق
بعض ليلة يجب القضاء, وقيل: الصحيح أنه لا يجب إذ الليل
ليس بمحل للصوم فالجنون, والإفاقة فيه سواء, ثم اشترطوا في
الصلاة التكرار ليتأكد الكثرة, فيتحقق الحرج إلا أن محمدا
اعتبر نفس الواجب أعني: جنس الصلاة فاشترط تكرارها, وذلك
بأن تصير الصلوات ستا وهما اعتبرا نفس الوقت إقامة للسبب
الظاهر أعني: الوقت مقام الحكم تيسيرا على العباد في سقوط
القضاء فلو جن بعد الطلوع, وأفاق في اليوم الثاني قبل
الظهر يجب القضاء عند محمد رحمه الله تعالى لعدم تكرر جنس
الصلوات حيث لم تصر الصلوات ستا, وعندهما لا يجب لتكرر
الوقت بزيادته على اليوم والليلة بحسب الساعات, وإن لم يزد
بحسب الواجبات, ولم يشترطوا في الصوم التكرار; لأن من شرط
المصير إلى التكرار أن لا يزيد على الأصل, ووظيفة الصوم لا
تدخل إلا بمضي أحد عشر شهرا, فيصير التبع أضعاف الأصل, ولا
يلزمنا زيادة المرتين في غسل أعضاء الوضوء تأكيدا للفرض;
لأن السنة, وإن كثرت لا تماثل الفريضة, وإن قلت فضلا على
أن تزيد عليها, والامتداد في الزكاة باستيعاب الحول; لأنه
كثير في نفسه, وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية
هشام عنه يقام الأكثر مقام الكل تيسيرا, وتخفيفا في سقوط
الواجب.
(2/350)
إيمان المجنون أو امرأته
وأما إيمانه فلا يصح لعدم ركنه وهو الاعتقاد لعدم العقل،
وذلك لا يكون حجرا ويصح تبعا وإذا أسلمت امرأته عرض
الإسلام على وليه، ويصير مرتدا تبعا لأبويه، وأما
المعاملات فإنه يؤاخذ بضمان الأفعال في الأموال لما قلنا
في الصبي ولما بينا أنه أهل.
لكن العارض من أسباب الحجر وأما ما هو من الأقوال فتفسد
عباراته.
ـــــــ
"وأما إيمانه فلا يصح لعدم ركنه وهو الاعتقاد لعدم العقل,
وذلك لا يكون حجرا", وإنما قال هذا جوابا لسؤال وهو: أن
عدم صحة الإسلام من المجنون إذا تكلم بكلمة التوحيد إنما
يكون بطريق الحجر والحجر إنما شرع بطريق النظر, ولا نظر في
الحجر عن الإسلام; لأنه نفع محض فلا يصح الحجر عنه, فأجاب
عنه بأن عدم صحته ليس بطريق الحجر "ويصح تبعا" عطف على
قوله فلا يصح
.........................................................
قوله: "وذلك لا يكون حجرا"; لأن الحجر هو أن يتم الفعل
بركنه, ويقع في محله, ويصدر عن أهله, ثم لا يعتبر حكمه
نظرا للصبي أو الولي, وإيمان المجنون استقلالا إنما لم
يعتبر لعدم ركنه, وهو الاعتقاد بخلاف إيمانه تبعا لأحد
أبوين فإنه يصح; لأن الاعتقاد ليس ركنا له, ولا شرطا,
وبهذا يظهر الجواب عما يقال: إن غاية أمر التبع أن يجعل
بمنزلة الأصل فإذا لم يصح بفعل نفسه لعدم صلوحه لذلك فبفعل
غيره أولى.
(2/350)
حكم الصغر
ومنها الصغر.
فقبل أن يعقل كالمجنون أما بعده، فيحدث له ضرب من أهلية
الأداء لكن الصبا عذر مع ذلك، فيسقط عنه ما يحتمل السقوط
عن البالغ فلا يسقط نفس الوجوب
ـــــــ
"وإذا أسلمت امرأته عرض الإسلام على وليه, ويصير مرتدا
تبعا لأبويه, وأما المعاملات فإنه يؤاخذ بضمان الأفعال في
الأموال لما قلنا في الصبي" في أول فصل الأهلية, وهو قوله:
فحقوق العباد ما كان منها غرما وعوضا يجب "ولما بينا أنه
أهل لكن هذا العارض من أسباب الحجر وأما ما هو من الأقوال
فتفسد عباراته". ومنها الصغر إنما جعل الصغر من العوارض مع
أنه حالة أصلية للإنسان في مبدأ الفطرة; لأن الصغر ليس
لازما لماهية الإنسان إذ ماهية الإنسان لا تقتضي الصغر
فنعني بالعوارض على الأهلية هذا المعنى أي: حالة لا تكون
لازمة للإنسان, وتكون منافية للأهلية, ولأن الله تعالى خلق
الإنسان لحمل أعباء التكاليف, ولمعرفة الله تعالى, فالأصل
أن يخلقه على صفة تكون وسيلة إلى حصول ما قصده من خلقه
.........................................................
قوله: "وإذا أسلمت امرأته" لو ذكر بالفاء على أنه تفريع
على صحة إيمانه تبعا لكان أنسب يعني: لو أسلمت كتابية تحت
مجنون كتابي, له ولي كتابي يعرض الإسلام على الولي فإن
أسلم صار المجنون مسلما تبعا له, وبقي النكاح, وإلا فرق
بينهما, وكان القياس التأخير إلى الإفاقة كما في الصغر إلا
أن هذا استحسان; لأن للصغر حدا معلوما بخلاف الجنون ففي
التأخير ضرر للزوجة مع ما فيه من الفساد لقدرة المجنون على
الوطء.
قوله: "ويصير مرتدا تبعا لأبويه" فيما إذا بلغ مجنونا,
وأبواه مسلمان فارتدا, ولحقا معه بدار الحرب, وذلك; لأن
الكفر بالله تعالى قبيح لا يحتمل العفو بعد تحققه بواسطة
تبعية الأبوين بخلاف ما إذا تركاه في دار الإسلام فإنه
مسلم تبعا للدار, وكذا إذا بلغ مسلما, ثم جن أو أسلم عاقلا
فجن قبل البلوغ فإنه صار أهلا للإيمان بتقرر ركنه فلا
ينعدم بالتبعية أو عروض الجنون.
قوله: "فإنه" أي: المجنون يؤاخذ بضمان الأفعال في الأموال
كما إذا أتلف مال إنسان لتحقق الفعل حسا مع أن المقصود هو
المال, وأداؤه يحتمل النيابة بخلاف أقواله فإنه لا يعتد
بها شرعا لانتفاء تعقل المعاني فلا تصح أقاريره, وعقوده,
وإن أجازها الولي.
(2/351)
في الإيمان حتى
إذا أداه كان فرضا لا نفلا حتى إذا بلغ لا يجب عليه
الإعادة لكن التكليف، والعهدة عنه ساقطان فلا يحرم الميراث
بالقتل ولا يلزم على هذا الحرمان بالكفر والرق؛ لأنهما
ينافيان الإرث فعدم الحق لعدم سببه أو لعدم الأهلية لا يعد
جزاء.
ـــــــ
وهو أن يكون من مبدأ الفطرة وافر العقل تام القدرة كامل
القوى, والصغر حالة منافية لهذه الأمور فتكون من العوارض
"فقبل أن يعقل كالمجنون أما بعده, فيحدث له ضرب من أهلية
الأداء لكن الصبا عذر مع ذلك, فيسقط عنه ما يحتمل السقوط
عن البالغ فلا يسقط نفس الوجوب في الإيمان حتى إذا أداه
كان فرضا لا نفلا حتى إذا بلغ لا يجب عليه الإعادة لكن
التكليف, والعهدة عنه ساقطان فلا يحرم الميراث بالقتل"
تعقيب لقوله: لكن التكليف والعهدة عنه ساقطان بالقتل "ولا
يلزم على هذا الحرمان بالكفر والرق; لأنهما ينافيان الإرث
فعدم الحق لعدم سببه أو لعدم الأهلية لا يعد جزاء" إنما
قال هذا; لأن الحرمان بسبب القتل إنما هو بطريق الجزاء فإن
القاتل تعجل بأخذ الميراث فجوزي بحرمانه لكن الصبي ليس من
أهل الجزاء بالشر فلم يحرم, ولا يشكل على هذا الحرمان
بالكفر, والرق; لأن الحرمان بهما ليس بطريق الجزاء بل لعدم
سببه في الكفر, وعدم الأهلية في الرق.
.........................................................
قوله: "ولا يلزم على هذا الحرمان بالكفر, والرق" كما إذا
ارتد الصبي العاقل أو استرق فإنه لا يستحق الإرث أما
الكافر; فلأنه لا ولاية له, وهي السبب للإرث على ما يشير
إليه قوله تعالى حكاية عن حال زكريا عليه الصلاة والسلام:
{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي}, وأما
الرقيق فلأنه ليس أهلا للملك.
(2/352)
حكم العته
ومنها العته وحكمه حكم الصبي مع العقل فيما ذكرنا إلا أن
امرأة المعتوه إذا أسلمت لا يؤخر عرض الإسلام عليه كما لا
يؤخر عرضه على ولي المجنون بخلاف الصبي والفرق أنهما غير
مقدرين والصبا مقدر.
ـــــــ
"ومنها العته" وهو اختلال في العقل بحيث يختلط كلامه فيشبه
مرة كلام العقلاء, ومرة كلام المجانين "وحكمه حكم الصبي
.........................................................
قوله: "وحكمه" أي: حكم العته حكم الصبا مع العقل, وذلك;
لأن الصبي في أول حاله عديم العقل فألحق به المجنون, وفي
الآخر ناقص العقل فألحق به المعتوه فلا يمنع صحة القول,
والفعل حتى يصح إسلامه, وتوكيله في بيع مال الغير, والشراء
له, وفي طلاق امرأته, وإعتاق عبده, ويمنع ما يوجب إلزام
شيء يحتمل السقوط فلا يصح طلاق امرأته, وإعتاق عبده, ولو
بإذن الولي, ولا بيعه, ولا شراؤه لنفسه بدون إذن الولي,
ويطالب بالحقوق الواجبة بالإتلاف, لا بالعقود كثمن
المشترى, وتسليم المبيع, ولا يجب عليه العقوبات,
والعبادات, وفي التقويم أنه يجب عليه العبادات احتياطا.
(2/352)
حكم النسيان
ومنها النسيان وهو لا ينافي الوجوب لكنه لما كان من جهة
صاحب الشرع يكون عذرا في حقه فيما يقع فيه غالبا لا في حق
العباد.
وهو إما أن يقع فيه المرء بتقصيره كالأكل في الصلاة مثلا
فإن حالها مذكرة، وإما لا بتقصيره إما بأن يدعو إليه الطبع
كالأكل في الصوم أو بمجرد أنه مركوز في الإنسان كما هو في
تسمية الذبيحة، والأول ليس بعذر بخلاف الأخيرين فسلام
الناسي يكون عذرا؛ لأنه غالب الوجود.
ـــــــ
مع العقل فيما ذكرنا إلا أن امرأة المعتوه إذا أسلمت لا
يؤخر عرض الإسلام عليه كما لا يؤخر عرضه على ولي المجنون
بخلاف الصبي والفرق أنهما" أي: الجنون والعته "غير مقدرين
والصبا مقدر".
"ومنها النسيان وهو لا ينافي الوجوب لكنه لما كان من جهة
صاحب الشرع يكون عذرا في حقه" أي: في حق صاحب الشرع "فيما
يقع فيه غالبا لا في حق العباد وهو إما أن يقع فيه المرء
بتقصيره كالأكل في الصلاة مثلا فإن حالها مذكرة, وإما لا
بتقصيره إما بأن يدعو إليه
.........................................................
قوله: "إلا أن امرأة المعتوه إذا أسلمت لا يؤخر عرض
الإسلام" على المعتوه إلى كمال العقل هذا الاستدراك ليس
كما ينبغي; لأنه لا فرق بين المعتوه, والصبي العاقل في عدم
تأخير عرض الإسلام; لأن إسلامهما صحيح فصح خطابهما,
وإلزامهما; لأن ذلك الحق العبد, وهو الزوجة, وإنما سقط
عنهما خطاب الأداء فيما يرجع إلى حق الله تعالى خاصة,
وإنما التأخير في حق الصغير خاصة كذا في شرح الجامع,
وغيره.
قوله: "ومنها النسيان", وهو عدم ما في الصورة الحاصلة عند
العقل عما من شأنه الملاحظة في الجملة أعم من أن يكون بحيث
يتمكن من ملاحظتها أي وقت شاء, ويسمى هذا ذهولا, وسهوا أو
يكون بحيث لا يتمكن من ملاحظتها إلا بعد تجشم كسب جديد,
وهذا هو النسيان في عرف الحكماء, والنسيان لا ينافي الوجوب
لبقاء القدرة بكمال العقل, ويكون عذرا في حقوق العباد;
لأنها محترمة لحاجتهم لا للابتلاء, وبالنسيان لا يفوت هذا
الاحترام فلو أتلف مال إنسان ناسيا يجب عليه الضمان, وأما
في حقوق الله تعالى, فإما أن يقع المرء في النسيان بتقصير
منه كالأكل في الصلاة حيث لم يتذكر مع وجود المذكر, وهو
هيئة الصلاة فلا يكون عذرا, وإما لا بتقصير منه, فيكون
عذرا سواء كان معه ما يكون داعيا إلى النسيان, ومنافيا
للتذكر كالأكل في الصوم لما في الطبيعة من النزوع إلى
الأكل أو لم يكن كترك التسمية عند الذبح فإنه لا داعي إلى
تركها لكن ليس هناك ما يذكر إخطارها بالبال, وإجراءها على
اللسان فسلام الناسي في القعدة يكون عذرا حتى لا تبطل
صلاته إذ لا تقصير من جهته, والنسيان غالب في تلك الحالة
لكثرة تسليم المصلي في القعدة فهي داعية إلى السلام.
(2/353)
حكم النوم
ومنها النوم، وهو لما كان عجزا عن الإدراكات والحركات
الإرادية أوجب تأخير الخطاب لا الوجوب لاحتمال الأداء بعده
بلا حرج لعدم امتداده قال عليه الصلاة والسلام: "من نام عن
صلاة" الحديث، وأبطل عباراته لعدم الاختيار فإذا قرأ في
صلاته نائما لا تصح القراءة، وإذا تكلم لا تفسد، وإذا قهقه
لا يبطل الوضوء ولا الصلاة.
ـــــــ
الطبع كالأكل في الصوم أو بمجرد أنه مركوز في الإنسان كما
هو في تسمية الذبيحة, والأول ليس بعذر بخلاف الأخيرين
فسلام الناسي يكون عذرا; لأنه غالب الوجود".
"ومنها النوم, وهو لما كان عجزا عن الإدراكات والحركات
الإرادية أوجب تأخير الخطاب لا الوجوب" أي: نفس الوجوب
"لاحتمال الأداء بعده بلا حرج لعدم امتداده قال عليه
الصلاة والسلام: "من نام عن صلاة" الحديث, وأبطل عباراته"
أي: أبطل النوم عبارات النائم وهو عطف على قوله أوجب تأخير
الخطاب "لعدم الاختيار فإذا قرأ في صلاته نائما لا تصح
القراءة, وإذا تكلم لا تفسد, وإذا قهقه لا يبطل الوضوء ولا
الصلاة".
"ومنها الإغماء" وهو تعطل القوى المدركة,
.........................................................
قوله: "وهو" أي: النوم لما كان عجزا عن الإدراكات أي:
الإحساسات الظاهرة إذ الحواس الباطنة لا تسكن في النوم,
وعن الحركات الإرادية أي: الصادرة عن قصد, واختيار بخلاف
الحركات الطبيعية كالتنفس, ونحوها أوجب تأخير الخطاب
بالأداء إلى وقت الانتباه لامتناع الفهم, وإيجاد الفعل
حالة النوم, ولم يوجب تأخير نفس الوجوب, وأسقطها حال النوم
لعدم إخلال النوم بالذمة, والإسلام, ولإمكان الأداء حقيقة
بالانتباه أو خلفا بالقضاء, والعجز عن الأداء, إنما يسقط
الوجوب حيث يتحقق الحرج بتكثير الواجبات, وامتداد الزمان,
والنوم ليس كذلك عادة, واستدل على بقاء نفس الوجوب بقوله
عليه الصلاة والسلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها
إذا ذكرها" 1 فإنه لو لم تكن الصلاة واجبة لما أمر بقضائها
قيل: وفي لفظ "عن" إشارة إلى وجوبها حال النوم, وإلا لما
كان نائما عن الصلاة.
قوله: "وأبطل" أي: النوم عبارات النائم فيما يعتبر فيه
الاختيار كالبيع, والشراء, والإسلام, والردة, والطلاق,
والعتاق لانتفاء الإرادة والاختيار في النوم حتى أن كلامه
بمنزلة ألحان الطيور, ولهذا ذهب المحققون إلى أنه ليس
بخبر, ولا إنشاء, ولا يتصف بصدق, ولا كذب.
قوله: "فإذا قرأ في صلاته نائما لا تصح" هذا هو مختار فخر
الإسلام رحمه الله تعالى, وذكر في النوادر أن قراءة النائم
تنوب عن الفرض, وفي النوازل إن تكلم النائم يفسد صلاته,
وذلك; لأن الشرع جعل النائم كالمستيقظ في حق الصلاة, وذكر
في المغني أن عامة المتأخرين على أن قهقهة
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المواقيت باب 37. مسلم في كتاب
المساجد حديث 309، 314-316. الترمذي في كتاب الصلاة باب
16، 17. النسائي في كتاب المواقيت باب 52- 54. ابن ماجه في
كتاب الصلاة باب 10، 11. الموطأ في كتاب المواقيت حديث 25.
أحمد في مسنده 3/31، 44.
(2/354)
حكم الإغماء
ومنها الإغماء وهو ضرب من المرض.
فيبطل العبادات ويوجب الحدث في كل حال ولما كان نادرا في
الصلاة يمنع البناء وهو في القياس لا يسقط شيئا من
الواجبات كالنوم وفي الاستحسان يسقط ما فيه حرج، وهو في
الصلاة بأن يمتد حتى يزيد على يوم وليلة وفي الصوم والزكاة
لا يعتبر؛ لأنه يندر وجوده شهرا أو سنة.
ـــــــ
والمحركة حركة إرادية بسبب مرض يعرض للدماغ أو القلب "وهو
ضرب من المرض" حتى لم يعصم منه النبي عليه الصلاة والسلام
وهو فوق النوم فيما ذكرنا; لأن النوم حالة طبيعية يتعطل
معها القوى المدركة بسبب ترقي البخارات إلى الدماغ, ولما
كان النوم حالة طبيعية كثيرة الوقوع, وسببه شيء لطيف سريع
الزوال والإغماء على خلافه في جميع هذه الأمور كان الإغماء
فوق النوم ألا ترى أن التنبيه والانتباه من النوم في غاية
السرعة أما التنبيه من الإغماء فغير ممكن ", فيبطل
العبادات ويوجب الحدث في كل حال" أي: سواء كان قائما أو
راكعا أو ساجدا أو متكئا أو مستندا بخلاف النوم, وإنما
جعلناه كذلك لما ذكرنا من قوة سبب الإغماء وكثافته, ولطافة
سبب النوم فمنافاة الإغماء تماسك اليقظة أشد من منافاة
النوم إياه فجعل الإغماء حدثا في كل حال لا النوم, وأيضا
كثرة وقوع النوم وقلة الإغماء توجب ذلك دفعا للحرج
.........................................................
النائم في الصلاة تبطل الوضوء والصلاة جميعا أما الوضوء
فبالنص الغير الفارق بين النوم, واليقظة, وأما الصلاة فلأن
النائم فيها بمنزلة المستيقظ, وعند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى تفسد الوضوء دون الصلاة حتى كان له أن يتوضأ, ويبني
على صلاته; لأن فساد الصلاة بالقهقهة مبني على أن فيها
معنى الكلام, وقد زال ذلك بزوال الاختيار في النوم بخلاف
الحدث فإنه لا يفتقر إلى الاختيار, وقيل: على العكس, ولما
كان في القهقهة من معنى الكلام حتى كأنها من جنس العبارات
صح تفريع مسألة القهقهة على إبطال النوم عبارات النائم.
قوله: "ومنها الإغماء" اعلم أنه ينبعث عن القلب بخار لطيف
يتكون من ألطف أجزاء الأغذية يسمى روحا حيوانيا, وقد أفيضت
عليه قوة تسري بسريانه في الأعصاب السارية في أعضاء
الإنسان, فينتشر في كل عضو قوة تليق به, ويتم بها منافعه,
وهي تنقسم إلى مدركة, ومحركة, أما المدركة فهي: الحواس
الظاهرة, والباطنة على ما مر, وأما المحركة فهي التي تحرك
الأعضاء بتمديد الأعصاب أو إرخائها لينبسط إلى المطلوب أو
ينقبض عن المنافي فمنها ما هي مبدأ الحركة إلى جلب
المنافع, ويسمى قوة شهوانية, ومنها ما هي مبدأ الحركة إلى
دفع المضار, ويسمى قوة غضبية, وأكثر تعلق المدركة بالدماغ,
والمحركة بالقلب فإذا وقعت في القلب أو الدماغ آفة بحيث
تتعطل تلك القوى عن أفعالها أو إظهار آثارها كان ذلك إغماء
فهو مرض, وليس زوالا للعقل كالجنون, وإلا لعصم منه
(2/355)
حكم الرق
ومنها الرق وهو عجز حكمي شرع في الأصل جزاء عن الكفر،
فيكون حق الله تعالى لكنه في البقاء أمر حكمي به يصير
المرء عرضة للتملك فحينئذ يكون حق العبد وهو لا يحتمل
التجزي حتى إن أقر مجهول النسب أن نصفه ملك فلان يجعل عبدا
في شهادته، وجميع أحكامه.
ـــــــ
."ولما كان نادرا في الصلاة يمنع البناء وهو في القياس لا
يسقط شيئا من الواجبات كالنوم وفي الاستحسان يسقط ما فيه
حرج, وهو في الصلاة بأن يمتد حتى يزيد على يوم وليلة وفي
الصوم والزكاة لا يعتبر; لأنه يندر وجوده شهرا أو سنة".
"ومنها الرق وهو عجز حكمي شرع في الأصل جزاء عن الكفر,
فيكون حق الله تعالى لكنه في البقاء أمر حكمي به يصير
.........................................................
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ثم الإغماء فوق النوم في
إيجاب تأثير الخطاب, وإبطال العبادات; لأن النوم حالة
طبيعية كثيرة الوقوع حتى عده الأطباء من ضروريات الحيوان
استراحة لقواه, والإغماء ليس كذلك, فيكون أشد في العارضية,
ولأن تعطل القوى, وسلب الاختيار في الإغماء أشد; لأن مواده
غليظة بطيئة التحلل, ولهذا يمتنع فيه التنبيه, ويبطؤ
الانتباه بخلاف النوم فإن سببه تصاعد أبخرة لطيفة سريعة
التحلل إلى الدماغ فلذا ينتبه بنفسه أو بأدنى تنبيه, ولقلة
وقوع الإغماء, وندرته لا سيما في الصلاة كان مانعا للبناء
حتى لو انتقض الوضوء بالإغماء في الصلاة لم يجز البناء
عليها قليلا كان أو كثيرا بخلاف ما إذا انتقض الوضوء
بالنوم مضطجعا من غير تعمد فإنه يجوز له أن يبني على
صلاته; لأن النص بجواز البناء إنما ورد في الحدث الغالب
الوقوع.
قوله: "ومنها الرق" هو في اللغة الضعف, ومنه رقة القلب,
وثوب رقيق ضعيف النسج, وفي الشرع عجز حكمي بمعنى أن الشارع
لم يجعله أهلا لكثير مما يملكه الحر مثل الشهادة, والقضاء,
والولاية, ونحو ذلك, وهو حق الله تعالى ابتداء بمعنى أنه
ثبت جزاء للكفر فإن الكفار لما استنكفوا عن عبادة الله
تعالى, وألحقوا أنفسهم بالبهائم في عدم النظر, والتأمل في
آيات التوحيد جازاهم الله تعالى بجعلهم عبيد عبيده متملكين
مبتذلين بمنزلة البهائم, ولهذا لا يثبت الرق على المسلم
ابتداء, ثم صار حقا للعبد بقاء بمعنى أن الشارع جعل الرقيق
ملكا من غير نظر إلى معنى الجزاء, وجهة العقوبة حتى إنه
يبقى رقيقا, وإن أسلم, واتقى.
قوله: "وهو" أي: الرق لا يحتمل التجزي بأن يصير المرء بعضه
رقيقا, ويبقى البعض حرا; لأنه أثر الكفر, ونتيجة القهر,
ولا يتصور فيهما التجزي وكذا لا يتصور إيجاب العقوبة على
البعض مشاعا وكذا العتق الذي هو ضد الرق لا يحتمل التجزي
بأن يعتق بعض العبد, ويبقى بعضه رقيقا; لأن فيه تجزي الرق
ضرورة, وقد يقال: سلمنا امتناع تجزي الرق ابتداء لكن لا
نسلم امتناعه بقاء; لأن وصف الملك يقبل التجزي, فيجوز أن
يثبت الشرع للمولى حق الخدمة في البعض, ويعمل العبد لنفسه
في البعض الآخر مشاعا, ولا يثبت الشهادة, والولاية, ونحو
ذلك; لأنها لا تقبل التجزي, ولأنها مبنية على
(2/356)
هل العتق يتجزأ؟
وكذا العتق الذي هو ضده لأنه يلزم من تجزيه تجزي الرق،
وكذا الإعتاق عندهما لعدم تجزي لازمه اتفاقا فمعتق البعض
معتق الكل عندهما، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى متجزئ
إذ الإعتاق إزالة الملك؛ لأن العبد إنما يتصرف في حقه ثم
يلزم من إزالة كله زوال الرق، وهو العتق فإعتاق البعض
إيجاد شطر العلة، ففي الابتداء ثبوت حق العبد يتبع ثبوت حق
الله تعالى، وفي البقاء على العكس حتى أن زواله يتبع زوال
حق العبد.
ـــــــ
المرء عرضة للتملك فحينئذ يكون حق العبد وهو لا يحتمل
التجزي حتى إن أقر مجهول النسب أن نصفه ملك فلان يجعل عبدا
في شهادته, وجميع أحكامه وكذا العتق الذي هو ضده" أي: لا
يحتمل التجزي "لأنه يلزم من تجزيه تجزي الرق, وكذا الإعتاق
عندهما لعدم تجزي لازمه اتفاقا فمعتق البعض معتق الكل
عندهما, وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى متجزئ إذ الإعتاق
إزالة الملك; لأن العبد إنما يتصرف في حقه ثم يلزم من
إزالة كله زوال الرق, وهو
.........................................................
كمال الأهلية فتنعدم برق البعض فإن قيل الرق, والحرية
متضادان فلا يجتمعان أجيب بأنه لا يدل على امتناع أن يكون
الموصوف بالحرية بعينه موصوفا بالرق, ولا قائل بذلك بل
المحل متصف بهما مشاعا كما إذا ملك زيد نصف العبد مشاعا
فإنه قد اجتمع فيه ملكية زيد, وعدم ملكيته باعتبار
النصفين.
قوله: "وكذا الإعتاق" اختلف القائلون بعدم تجزي العتق في
تجزي الإعتاق فذهب أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إلى
عدم تجزيه بمعنى أن إعتاق البعض إعتاق للكل; لأن العتق
لازم الإعتاق; لأنه مطاوعة يقال أعتقته فعتق مثل كسرته
فانكسر, والمطاوعة هي حصول الأثر من تعلق الفعل المتعدي
بمفعوله, وأثر الشيء لازم له, والعتق ليس بمنجز اتفاقا بين
علمائنا فكذا الإعتاق إذ لو تجزأ الإعتاق بأن يقع من المحل
على جزء دون جزء لزم تجزي العتق ضرورة, والحاصل أن محل
الإعتاق, والعتق هو العبد, وتجزيهما إنما هو باعتبار المحل
فتجزي أحدهما تجزي الآخر, وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى
إلى أن الإعتاق متجزي, وأنه لا يستلزم العتق حتى لو أعتق
البعض لا يثبت للعبد الحرية في البعض, ولا في الكل بل يكون
رقيقا في الشهادة, وسائر الأحكام إذ لو ثبت العتق لثبت في
الكل لعدم التجزي, ولا سبب لذلك مع تضرر المالك به, فيتوقف
في الحكم بالعتق إلى أن يؤدي السعاية, ويسقط الملك بالكلية
فيعتق, وذلك; لأن الإعتاق إزالة الملك إذ لا تصرف للمولى
في حقه, وحقه في الرقيق هو المالية, والملك, وهو متجزئ
فكذا إزالته كما إذا باع نصف العبد ثم زوال الملك بالكلية
يستلزم زوال الرق; لأن الملك لازم له إذ الرق إنما يثبت
جزاء للكفر, وإنما بقي بعد الإسلام لقيام ملك المولى,
وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم, وزوال بعض الملك لا
يستلزم العتق لبقاء المملوكية في الجملة بل زوال بعض الملك
من غير نقله إلى
(2/357)
حكم معتق البعض عند الإمام
فمعتق البعض مكاتب عنده إلا في الرد إلى الرق والرق يبطل
مالكية المال؛ لأنه مملوك مالا فلا يملك المكاتب التسري
ولا يصح منهما الحج لأن منافع بدنهما ملك المولى إلا ما
استثنى من الصلاة والصوم ويصح من الفقير؛ لأن أصل القدرة
ثابت له، وإنما الزاد، والراحلة لنفي الحرج ولا يبطل
مالكية غير المال كالنكاح والدم والحياة، فيصح إقراره
بالحدود والقصاص، وبالسرقة المستهلكة وبالقائمة المأذون،
وأما من المحجور، فيصح عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
مطلقا وعند محمد رحمه الله تعالى لا يصح مطلقا وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى يصح في حق القطع دون المال.
ـــــــ
العتق فإعتاق البعض إيجاد شطر العلة, ففي الابتداء ثبوت حق
العبد يتبع ثبوت حق الله تعالى, وفي البقاء على العكس حتى
أن زواله يتبع زوال حق العبد" أي: زوال حق الله تعالى يتبع
زوال حق العبد.
"فمعتق البعض مكاتب عنده إلا في الرد إلى الرق والرق يبطل
مالكية المال; لأنه مملوك مالا فلا يملك المكاتب التسري
ولا يصح منهما الحج" أي: من الرقيق والمكاتب
.........................................................
مالك آخر يكون إيجادا للبعض من علة ثبوت العتق, وهو لا
يوجب العتق كالقنديل لا يسقط ما بقي شيء من المسكة.
فإن قيل ففي إزالة كل الملك عن الرقيق إزالة حق الله
تعالى, وليس للعبد ذلك: أجيب بأن الممتنع للعبد إزالة حق
الله تعالى قصدا, وأصلا لا ضمنا, وتبعا, وحق الله تعالى,
وإن كان أصلا في ابتداء الرق جزاء على الكفر لكنه تبع
بقاء, فإن الأصل هو الملكية, والمالية, ولهذا لا يزول الرق
بالإسلام ففي الإعتاق إزالة حق العبد قصدا, وأصلا, ولزم
منه زوال حق الله تعالى ضمنا, وتبعا, وكم من شيء يثبت
ضمنا, ولا يثبت قصدا, وإلى هذا أشار بقوله: ففي الابتداء
ثبوت حق العبد يتبع ثبوت حق الله تعالى, وفي البقاء بالعكس
فإن قيل, فأي أثر للإعتاق عند إزالة بعض الملك أجيب بأن
أثره فساد الملك في الباقي حتى لا يملك المولى بيع معتق
البعض, ولا إبقاء في ملكه, ويصير هو أحق بمكاسبه, ويخرج
إلى الحرية بالسعاية, وبالجملة يصير كالمكاتب إلا أن
المكاتب يرد إلى الرق بالعجز عن المال; لأن السبب فيه عقد
يحتمل الفسخ, وهذا لا يرد; لأن سببه إزالة الملك لا إلى
أحد, وهي لا تحتمل الفسخ, وإلى هذا أشار بقوله فمعتق البعض
مكاتب عنده أي: عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا في الرد
إلى الرق.
قوله: "والرق يبطل مالكية المال"; لأن الرقيق مملوك مالا
فلا يكون مالكا; لأن المملوكية, والمالية تنبئ عن العجز,
والابتذال, والمالكية عن القدرة, والكرامة, فيتنافيان,
وليس المراد أنه مملوك من حيث إنه مال فلا يصير مالكا لمال
حتى يرد عليه أنه لم لا يجوز أن يكون مملوكا من جهة أنه
مال مبتذل, ومالكا من جهة أنه آدمي مكرم, وقيد المالكية,
والمملوكية بالمالية; لأنه لا تنافي بين المملوكية متعة,
وبين المالكية مالا, وبالعكس فالرقيق, وإن كان مدبرا أو
مكاتبا لا يملك شيئا من أحكام ملك المال, ولو بإذن المولى
فلا يملك المكاتب التسري لابتنائه على ملك الرقبة دون
المتعة, وخص المكاتب, والتسري بالذكر ليعلم الحكم في غير
ذلك بطريق الأولى; لأن في المكاتب
(2/358)
الرق ينافي كمال الأهلية
وينافي كمال أهلية الكرامات البشرية كالذمة والحل والولاية
فيضعف الذمة حتى لا يحتمل الدين إلا إذا ضمنت إليها مالية
الرقبة والكسب فيباع في دين لا تهمة في ثبوته كدين
الاستهلاك والتجارة لا فيما كان في ثبوته تهمة كما إذا أقر
المحجور أو تزوج بغير إذن مولاه، ودخل بل يؤخر إلى عتقه،
وينصف الحل بتنصيف المحل في حق الرجال وباعتبار الأحوال في
حق النساء كما سبق وينصف الحد والعدة والقسم والطلاق لكن
الوحدة لا تقبله فيتكامل.
ـــــــ
حتى إذا أعتقا ووجب الحج عليهما لا يقع المؤدى قبل العتق
من الواجب بخلاف الفقير "لأن منافع بدنهما ملك المولى إلا
ما استثنى من الصلاة والصوم ويصح من الفقير; لأن أصل
القدرة ثابت له, وإنما الزاد, والراحلة لنفي الحرج ولا
يبطل مالكية غير المال كالنكاح والدم والحياة, فيصح إقراره
بالحدود والقصاص, وبالسرقة المستهلكة" سواء كان أقر بها
المأذون أو المحجور إذ ليس فيها إلا القطع "وبالقائمة
المأذون, وأما من المحجور, فيصح عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى مطلقا" أي: في القطع ورد المال "وعند محمد رحمه الله
تعالى لا
.........................................................
الرق ناقص حتى إنه أحق بمكاسبه, وفي التسري مظنة ملك
المتعة كالنكاح, ولهذا صح عند مالك.
قوله:, "ولا يبطل" أي: الرق مالكية النكاح, والحياة,
والدم; لأن الرقيق ليس بمملوك في حكم هذه الأشياء بل
بمنزلة المبقى على أصل الحرية إلا أنه يحتاج في النكاح إلى
إذن المولى لما فيه من نقصان المالية بوجوب المهر المتعلق
برقبة العبد, ويصح منه الإقرار بالحدود, والقصاص, والسرقة
المستهلكة; لأن الحياة, والدم حقه لاحتياجه إليهما في
البقاء, ولهذا لا يملك المولى إتلافهما, وأما الإقرار
بالسرقة القائمة الموجبة للقطع دون المال, فيصح إن كان
العبد مأذونا فيقطع; لأن الدم ملكه, ويرد المال لوجود
الإذن, وإن كان محجورا فعند أبي حنيفة يصح في حق القطع,
ورد المال جميعا, وعند محمد رحمه الله تعالى لا يصح في شيء
منهما, وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصح في حق القطع دون
المال لأبي يوسف رحمه الله تعالى أنه أقر بشيئين القطع,
وهو على نفسه; لأنه مالك دمه, فيثبت, والمال, وهو على
المولى فلا يصح ولمحمد رحمه الله تعالى أن إقراره بالمال
باطل لكونه على المولى, فيبقى المال للمولى, ولا قطع على
العبد في سرقة مال مولاه, وأيضا المال أصل, والقطع تبع
فإذا بطل الأصل لم يثبت التبع ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى
أن إقراره بالقطع صحيح; لأنه مالك دمه, فيصح في حق المال
بناء عليه; لأن إقراره بالقطع قد لاقى حالة البقاء, والمال
في حالة البقاء تابع للقطع حتى يسقط عصمة المال باعتباره,
ويستوفى القطع بعد استهلاكه هذا كله إذا كذبه المولى,
وقال: المال مالي, وإن صدقه يقطع في الفصول كلها.
قوله: "وينافي" يعني: أن الرق ينبئ عن العجز, والمذلة
فينافي كمال أهلية الكرامات البشرية الدنيوية من الذمة,
والحل, والولاية أما الذمة; فلأنها صفة بها صار الإنسان
أهلا للإيجاب
(2/359)
عدد الطلاق يعتبر بالنساء
وعدد الطلاق عبارة عن اتساع المملوكية فاعتبر بالنساء فإن
قيل: يلزم من اتساع المملوكية اتساع المالكية أيضا فكما
يعتبر بالنساء يجب أن يعتبر بالرجال أيضا قلنا قد اعتبر
مالكية الزوج مرة حتى انتقص عدد الزوجات فإن انتقص مالكيته
في هذا العدد الناقص يلزم النقصان من المنصف، ولما كان أحد
الملكين وهو ملك النكاح
ـــــــ
يصح مطلقا وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصح في حق القطع
دون المال, وينافي كمال أهلية الكرامات البشرية كالذمة
والحل والولاية فيضعف الذمة حتى لا يحتمل الدين إلا إذا
ضمنت إليها مالية الرقبة والكسب فيباع في دين لا تهمة في
ثبوته كدين الاستهلاك" أي: استهلاك مال الإنسان "والتجارة
لا فيما كان في ثبوته تهمة كما إذا أقر المحجور أو تزوج
بغير إذن مولاه, ودخل بل يؤخر إلى عتقه, وينصف الحل بتنصيف
المحل في حق الرجال" أي: يحل للحر أربع, وللرقيق ثنتان
"وباعتبار الأحوال في حق النساء كما سبق" أي: في فصل
الترجيح أي: تحل الأمة إذا كانت مقدمة على الحرة, ولا تحل
إذا كانت مؤخرة عنها أو مقارنة.
"وينصف الحد والعدة والقسم والطلاق لكن الوحدة لا تقبله"
أي: التنصيف "فيتكامل,
.........................................................
والاستيجاب دون سائر الحيوانات, وأما الحل; فلأن استفراش
الحرائر, والسكن, والازدواج, والمحبة, وتحصين النفس,
والتوسعة في تكثير النسل على وجه لا يلحقه إثم من باب
الكرامة, ولهذا زاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى التسع,
وجاز له ما فوقها, وأما الولاية فلأن تنفيذ القول على
الغير شاء أو لم يشأ غاية الكرامة, ونهاية السلطنة, وإذا
انتفى كمال الأمور المذكورة ضعفت ذمة الرقيق عن احتمال
الدين حتى لا يطالب به إلا إذا انضم إلى الذمة مالية
الرقبة, والكسب جميعا فحينئذ يتعلق الدين بها فيستوفى من
الرقبة, والكسب بأن يصرف أولا إلى الدين الكسب الموجود في
يده فإن لم يكن أو لم يف يصرف إليه مالية الرقبة بأن يباع
إن أمكن, وإلا, فيستسعي كالمدبر, والمكاتب هذا إذا لم يكن
في ثبوت الدين تهمة, وأما إذا كان كالدين الذي أقر به
المحجور, والعقر الذي لزمه بالدخول بالعقد الفاسد فيما إذا
تزوج بغير إذن المولى فلا يباع فيه الرقيق, ولا يصرف إليه
كسبه بل يؤخر أداؤه إلى أن يعتق, ويحصل له مال أما الدين
فلأنه متهم في حق المولى لا في حق نفسه, وأما العقر فلأنه
قيمة البضع بشبهة العقد, ولا شبهة في حق المولى لعدم رضاه
فلا يظهر ثبوت العقر في حقه فلا يستوفى من مالية الرقبة,
ولا من الكسب; لأنهما حق المولى.
قوله: "وينصف الحد"; لأن تغليظ العقوبة بتغليظ الجناية على
حق المنعم, وذلك بتوافر النعم,
(2/360)
والطلاق ثابتا
له على الكمال، والملك الآخر وهو ملك المال ناقصا غير منتف
بالكلية؛ لأنه يملك اليد لا الرقبة أوجب ذلك نقصانا في
قيمته فانتقصت ديته عن دية الحر بشيء هو معتبر شرعا في
المهر، والسرقة وهو عشرة دراهم، وأما المرأة فهي مالكة
لأحدهما وهو المال دون الآخر فتنصف ديتها.
لكن هذه العلة لا تختص بالدية، وأيضا توجب الإكمال فيما هو
من باب الازدواج.
ـــــــ
وعدد الطلاق عبارة عن اتساع المملوكية فاعتبر بالنساء فإن
قيل: يلزم من اتساع المملوكية اتساع المالكية أيضا فكما
يعتبر بالنساء يجب أن يعتبر بالرجال أيضا قلنا قد اعتبر
مالكية الزوج مرة حتى انتقص عدد الزوجات فإن انتقص مالكيته
في هذا العدد الناقص يلزم النقصان من المنصف, ولما كان أحد
الملكين وهو ملك النكاح, والطلاق ثابتا له على الكمال,
والملك الآخر وهو ملك المال ناقصا غير منتف بالكلية; لأنه
يملك اليد لا الرقبة أوجب ذلك نقصانا في قيمته فانتقصت
ديته عن دية الحر بشيء هو معتبر شرعا في المهر, والسرقة
وهو عشرة دراهم, وأما المرأة فهي مالكة لأحدهما وهو المال
دون الآخر فتنصف ديتها" اعلم أن الملك نوعان: ملك المال
وملك ما ليس بمال, وهو ملك المتعة كالنكاح, والثاني ثابت
للعبد, والأول ناقص; لأنه يملك ملك اليد لا ملك الرقبة
فتكون قيمته ناقصة عن قيمة الحر أي: عن ديته لا نصفها أي:
إذا بلغ قيمة العبد المقتول خطأ عشرة آلاف درهم, فإنه ينقص
عن قيمته
.........................................................
وكمال الكرامة, وهي ناقصة في حق العبد بالإضافة إلى الحر
فينصف حده القابل للتنصيف كالجلد بخلاف القطع في السرقة,
وكذا العدة تعظيم لملك النكاح في حق النساء, فتنصف, وتكون
عدة الأمة حيضتين; لأن الواحدة لا تنتصف فلا بد من التكامل
احتياطيا, وكذا في القسم يكون للأمة نصف الحرة, وفي الطلاق
يكون طلاق الأمة ثنتين; لأنه لم يمكن تنصيف الثلاثة على
السواء فجعل نصف الثلاثة ثنتين اعتبارا لجانب الوجود,
وذهابا إلى ما هو الأصل من بقاء الحل, والمعتبر عند
الشافعي رحمه الله تعالى في تنصيف الطلاق رق الزوج حتى كأن
طلاق العبد ثنتين سواء كانت الزوجة أمة أو حرة لقوله عليه
الصلاة والسلام: "الطلاق بالرجال, والعدة بالنساء" 1,
ولأنه المالك للطلاق كالنكاح فيعتبر حاله. واحتج المصنف
رحمه الله تعالى على كون المعتبر رق الزوجة بأن عدد الطلاق
عبارة عن اتساع المملوكية يعني: أن الطلاق مشروع لتفويت
الحل الذي صارت المرأة به محلا للنكاح فمحل التصرف حل
المحلية فمتى كان حل المرأة أزيد كان محلية الطلاق في حقها
أوسع, وظاهر أن حل الأمة أنقص من حل الحرة كما أن حل العبد
أنقص من حل الحر على التناصف فيفوت حل محلية الأمة بنصف ما
يفوت به حل محلية الحرة ثم لا يخفى أن ليس عدد الطلاق
عبارة عن اتساع المملوكية بل معناه أن تعدد الطلاق إنما
يتحقق عند اتساع المملوكية حتى ينقص بطلاق واحد شيء
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 70.
(2/361)
الرقيق أهل للتصرف المالي
وإنما انتقص ديته؛ لأن المعتبر فيه المالية فلا تنصف لكن
في الإكمال شبهة المساواة بالحر فينتقص وهو أهل للتصرف في
المال حتى أن المأذون يتصرف لنفسه بأهليته عندنا وعند
الشافعي رحمه الله تعالى لا بل هو كالوكيل ليست بمال لأنه
لما لم يكن أهلا للملك لم يكن أهلا لسببه، وقلنا هو أهل
للتكلم والذمة، فيحتاج إلى قضاء ما يجب في ذمته وأدنى طرقه
اليد على أنها وهي الحكم الأصلي في التصرفات.
ـــــــ
عشرة دراهم, وأما المرأة الحرة فإن ملك المال ثابت لها دون
ملك النكاح فديتها نصف دية الرجل هذا ما ذكروا, وقد وقع
على هذا التقرير في خاطري اعتراض فقلت:
"لكن هذه العلة لا تختص بالدية, وأيضا توجب الإكمال فيما
هو من باب الازدواج" أي: لو كانت العلة لنقصان دية العبد
عن دية الحر هذا الأمر وجب أن لا يختص هذا الحكم بالدية بل
يكون مطردا في جميع الصور ولا يكون الرق منصفا لشيء من
الأحكام بل يوجب نقصانا, والواقع خلاف هذا, وأيضا لما
ذكروا أن أحد الملكين ثابت للرقيق, وهو الازدواج ينبغي أن
يكون كل ما هو من باب الازدواج كاملا في الأرقاء, وليس
كذلك ثم لما ثبت أن العلة لنقصان ديته عن دية الحر ليست ما
ذكروا أردت أن أبين ما هو العلة لثبوت هذا الحكم فقلت
"وإنما انتقص ديته; لأن المعتبر فيه" أي: في العبد
"المالية فلا تنصف لكن في الإكمال شبهة المساواة بالحر
فينتقص وهو أهل للتصرف في المال حتى أن المأذون يتصرف
لنفسه
.........................................................
من المملوكية المتسعة, وبالثنتين أكثر, وبالثلاث الكل,
والمعتبر في عدده رعاية جانب المملوكية لا المالكية, ومعنى
المملوكية هاهنا حل المرأة التي هو من باب الكرامة, والأمة
ناقصة فيه لا المملوكية المالية التي هي في الأمة أقوى.
فإن قيل: المملوكية لا تتحقق بدون المالكية فكلما زادت
المملوكية زادت المالكية, فيكون اتساع المملوكية مستلزما
لاتساع المالكية فإن مالكية ثلاثة عبيد أوسع من مالكية
عبدين, فيجب أن يعتبر بالرجال أيضا; لأن مالكية الحر أوسع
من مالكية الرقيق, فيلزم تنصيف الطلاق برق الرجل أيضا
لنقصان مالكيته, فيكون طلاق الحرة تحت العبد ثنتين كطلاق
الأمة تحت الحر فالجواب أن حال الزوج في الاتساع, والتضييق
قد اعتبرت مرة حيث تنصف عدد زوجات الرقيق من الأربع إلى
الثنتين بالإجماع فلو اعتبرت في حق الطلقات أيضا لزم
النقصان من النصف; لأن الحر يملك اثنتي عشرة طلقة بحسب
أربع زوجات, فيجب أن يملك العبد ست طلقات يوقعها على
زوجتين تحقيقا للتنصيف, ولو تنصف الطلاق في حقه أيضا يلزم
أن لا يملك إلا أربع تطليقات, وهذا أقل من الست التي هي
نصف اثني عشر.
قوله: "ولما كان أحد الملكين" يريد أنه يتفرغ على منافاة
الرق لكمال الكرامات نقصان دية الرقيق حتى, لو قتل خطأ يجب
على عاقلة الجاني قيمته للمولى بشرط أن تنقص عن دية الحر,
وإن
(2/362)
فأما الملك
فإنما هو حكم ضروري فاليد تثبت له والملك للمولى خلافة عنه
وهو كالوكيل في الملك وفي بقاء الإذن في مسائل مرض المولى
وعامة مسائل المأذون.
ـــــــ
بأهليته عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا بل هو
كالوكيل" وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أذن العبد في نوع من
التجارة فعندنا يعم إذنه لسائر الأنواع, وعنده لا بل يختص
الإذن بما أذن فيه كما في الوكالة "لأنه لما لم يكن أهلا
للملك لم يكن أهلا لسببه, وقلنا هو أهل للتكلم والذمة,
فيحتاج إلى قضاء ما يجب في ذمته وأدنى طرقه اليد على أنها"
أي: اليد "ليست بمال" فلا يكون الرق منافيا لملك اليد لكنه
مناف لملك المال لكونه مملوكا حال كونه مالا "وهي الحكم
الأصلي في التصرفات" أي: اليد هي الغرض الأصلي في التصرفات
فإن الإنسان محتاج إلى الانتفاع بما يكون سببا لبقائه ولا
يمكن الانتفاع إلا بكونه في يده فشرع التصرفات كالشراء
ونحوه لحصول ملك اليد ثم ملك الرقبة إنما يثبت ليكون وسيلة
إلى ملك اليد فإن ملك الرقبة هو اختصاص المالك بالشيء,
فيقطع طمع الطامعين والإفضاء إلى التنازع والتقاتل,
ونحوهما فثبت أن المقصود في التصرفات ملك اليد, فأما ملك
الرقبة فإنما يثبت ضرورة إكمال ملك اليد, فيبطل ما قال لما
لم يكن أهلا للملك لم يكن أهلا لسببه; لأن مباشرة سبب
الملك لا تكون خالية عن المقصود الأصلي; لأن المقصود, وهو
ملك اليد حاصل للعبد "فأما الملك" أي: ملك الرقبة "فإنما
هو حكم ضروري" أي: ليس مقصودا
.........................................................
كانت قيمته أضعاف ذلك, وعند الشافعي رحمه الله تعالى تجب
القيمة بالغة ما بلغت, وذلك; لأن في الرقيق جهة المالية,
وجهة النفسية; فاعتبر الشافعي رحمه الله تعالى جهة
المالية; لأن المال يجب للمولى, وملكه في العبد ملك مال,
ولأن الواجب فيه النقود دون الإبل, ولأنه يختلف باختلاف
الصفات من الحسن, والأخلاق, وغيرهما, والصفات إنما تعتبر
في ضمان الأموال دون النفوس, واعتبر أبو حنيفة رحمه الله
تعالى جهة النفسية; لأنها أصل, والمالية تبع يزول بزوال
النفسية كما إذا مات العبد دون العكس كما إذا أعتق, وضمان
النفسية إنما هو باعتبار خطرها, وذلك بالمالكية, فإنها
كمال حال الإنسان, والمالكية نوعان مالكية المال, وكمالها
بالحرية, ومالكية النكاح, وثبوتها بالذكورة فالمرأة قد
انتفت فيها إحدى المالكيتين, وثبتت الأخرى بكمالها فانتقصت
ديتها بالتنصيف, وأما العبد فقد ثبت له مالكية النكاح
بكمالها, وإنما توقفت على إذن المولى دفعا للضرر في ماله
لا لنقصان في مالكية العبد, ولم ينتف فيه مالكية المال
بالكلية حتى يناسب تنصيف ديته بل إنما يتمكن فيها نقصان;
لأنها بشيئين: ملك الرقبة, وهو منتف للعبد, وملك اليد
أعني: التصرف, وهو ثابت له فلزم بواسطة نقصان ملك اليد
نقصان شيء من قيمته فقدرناه بعشرة دراهم; لأنه قد اعتبره
الشرع في أقل ما يستولى به على الحرة استمتاعا, وهو المهر,
وفي أقل ما يقطع به اليد التي هي بمنزلة نصف البدن. وقد
نقل عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لا يبلغ بقيمة
العبد دية الحر, وينقص منها عشرة دراهم.
(2/363)
أصليا أي:
مقصودا لذاته, وإنما يثبت ضرورة أن يثبت شيء آخر, وإذا كان
كذلك فعدم أهليته لما هو المقصود بالذات يوجب عدم أهليته
لما شرع لأجله أما عدم أهليته لما هو المقصود بالغير فلا
يوجب عدم أهليته لما يكون وسيلة إليه لا سيما إذا كان أهلا
لذلك الغير المقصود لذاته كملك اليد في مسألتنا.
"فاليد تثبت له والملك للمولى خلافة عنه" أي: يكون المولى
قائما مقام العبد فإن الأصل أن يثبت الملك للمباشر "وهو
كالوكيل في الملك" أي: العبد المأذون في الملك بمنزلة
الوكيل أي: إذا اشترى شيئا يقع الملك للمولى كما يقع الملك
للموكل في شراء الوكيل "وفي بقاء الإذن في مسائل مرض
المولى وعامة مسائل المأذون" أي: المأذون في حال بقاء
الإذن بمنزلة الوكيل في هاتين الصورتين وهما مرض المولى,
وعامة مسائل المأذون أما
.........................................................
فإن قيل: المنتفى في العبد هو أحد شقي مالكية المال فكان
ينبغي أن ينقص من قيمته الربع توزيعا على ما به خطر المحل
أعني: مالكية النكاح, ومالكية المال رقبة, ويدا قلنا:
مالكية اليد أقوى من مالكية الرقبة إذ الانتفاع والتصرف هو
المقصود, وملك الرقبة, وسيلة إليه بخلاف ملك المال, وملك
النكاح فإن كلا منهما أمر مستقل, فكانا على التناصف هذا
تقرير كلامهم, واعترض عليه المصنف رحمه الله تعالى بوجهين:
أحدهما أنه لو صح ما ذكرتم لزم أن لا يجري التنصيف في شيء
من أحكام العبد إذ لم يتمكن في كماله إلا نقصان ما أقل من
النصف بل من الربع على ما مر, فيجب أن يكون نقصانه في
النكاح, والطلاق, وغير ذلك بأقل من النصف, واللازم باطل
إجماعا: وثانيهما أن مالكية النكاح لو كانت ثابتة للرقيق
بكمالها لزم, أن لا يجري النقصان في شيء مما يتعلق
بالنكاح, والازدواج كعدد الزوجات, والعدة, والقسم,
والطلاق; لأنها مبنية على مالكية النكاح, وهي كاملة,
واللازم باطل, والجواب عن الأول: أن تنصيف عدد الزوجات ليس
باعتبار نقصان خطر النفس أعني: المالكية حتى يلزم أن يكون
النقصان بأقل من النصف كما في الدية بل باعتبار الحل
المبني على الكرامة, والرقيق ناقص فيه نقصانا لا يتعين
قدره فقدره الشرع بالنصف إجماعا بخلاف الدية فإنها باعتبار
خطر النفس المبني على الملكية, ونقصان الرقيق في ذلك أقل
من النصف, والحاصل أن النقصان في الشيء يوجب النقصان في
الحكم المرتب عليه لا في حكم لا يلائمه فالنقصان في
المالكية يوجب النقصان في الدية لا في عدد المنكوحات,
والنقصان في الحل بالعكس, وعن الثاني أن تنصيف عدد الزوجات
ليس لنقصان المالكية بل لنقصان الحل, وكمال مالكية النكاح,
وإن لم يوجب نقصان عدد الزوجات لكنه لا ينافي أن يوجبه أمر
آخر هو نقصان الحل.
ثم ما ذكره من أن ثبوت كمال مالكية النكاح في الرقيق يوجب
أن يكون كل ما هو من باب الازدواج كاملا في الأرقاء ليس
بمستقيم; لأن كثيرا من ذلك كالطلاق, والعدة, والقسم إنما
يكون باعتبار الزوجة, والأمة لا تملك النكاح أصلا فضلا عن
كمال المالكية.
قوله: "وإنما انتقص" يريد أن العلة في نقصان دية العبد أن
المعتبر فيه جانب المالية فلا يلزم التنصيف بل القيمة
لكنها إذا بلغت دية الحر أو زادت عليها ينتقص منها شيء
اعتبرها الشرع في
(2/364)
الرقيق معصوم الدم كالحر
وهو معصوم الدم بناء على الإسلام وداره فيقتل الحر بالعبد،
والرق يوجب نقصانا في الجهاد على ما قلنا في الحج.
ـــــــ
مرض المولى فصورته أن المأذون إن تصرف في حال مرض المولى
وحابى محاباة فاحشة وعلى المولى دين لا يصح تصرفه أصلا,
وإذا لم يكن على المولى دين والمسألة بحالها يعتبر من
الثلث لا من جميع المال فهو في حال مرض المولى كالوكيل ولو
كان هذا التصرف في حال الصحة يصح, ويعتبر من جميع المال
ففي حال صحة المولى ليس كالوكيل وأما عامة مسائل المأذون
فكما إذا أذن المولى عبده, والعبد المأذون عبدا اشتراه من
كسبه في التجارة ثم حجر المولى المأذون الأول لا ينحجر
الثاني بمنزلة الوكيل إذا وكل غيره, وعزل الموكل الوكيل
الأول لم ينعزل الثاني, وكذا إذا مات المأذون الأول لا
ينحجر الثاني كالوكيل إذا مات, وإنما قال في بقاء الإذن;
لأنه في حال ابتداء الإذن ليس كالوكيل عندنا, فإن الوكيل
لا يثبت له التصرف إلا فيما وكل به بخلاف المأذون لكن في
بقاء الإذن هو "كالوكيل وهو معصوم الدم كالحر; لأنها" أي:
العصمة وقد فهمت من قوله وهو معصوم الدم "بناء على الإسلام
وداره فيقتل الحر بالعبد, والرق يوجب نقصانا في الجهاد على
ما قلنا
.........................................................
صورة أخرى كعشرة دراهم احترازا عن شبهة مساواة العبد بالحر
أو زيادته عليه فإن شبهة الشيء معتبرة بحقيقته, وكما أن
حقيقة المساواة منتفية فكذلك شبهتها, وإنما جعل ذلك شبهة
المساواة لا حقيقتها; لأن قيمة العبد إنما تكون باعتبار
المملوكية, والابتذال, ودية الحر باعتبار المالكية,
والكرامة, والأول دون الثاني حقيقة, وإن زاد عليه صورة فلا
مساواة حقيقة, وينبغي أن يحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى
على ما ذكره الشيخ أبو الفضل الكرماني رحمه الله تعالى من
أن الواجب في نفسه ضمان النفس, ولكن في جانب المستحق هو
ضمان مال, فيظهر حكم المالية في حق السيد وإلا فنفس العبد
معصومة مصونة عن الهدر معتبرة في إيجاب الضمان بالقصاص,
والكفارة حق الله تعالى, والمالية قائمة بها تابعة لها
تزول بزوالها كما في الموت دون العكس كما في العتق, وأيضا
المقصود في الإتلاف في القتل هو النفسية عادة لا المالية,
والضمان للمتلف, وأيضا الضمان يجب على العاقلة دون الجاني,
وكل ذلك يدل على أن المعتبر هو النفسية, وكون الدية للمولى
لا ينافي ذلك كالقصاص يستوفيه المولى, والمال يجب للعبد,
ولهذا تقضى ديونه منه إلا أن المولى أحق الناس به فهو
يستوفيه.
قوله: "وهو أهل للتصرف" يعني: أن الرق لا ينافيه مالكية
اليد, والتصرف حتى إن المأذون يتصرف لنفسه بطريق الأصالة,
ويثبت له اليد على اكتسابه بناء على أن الإذن فك الحجر
الثابت بالرق, ورفع المانع من التصرف حكما, وإثبات اليد
للعبد في كسبه بمنزلة الكتابة حتى إن الإذن في
(2/365)
الرق ينافي الولايات
وينافي الولايات كلها. فلا يصح أمان المحجور: لأنه تصرف
على الناس ابتداء وأما أمان المأذون فليس من باب الولاية؛
لأنه لا يصح أولا في حقه إذ هو شريك في الغنيمة ثم يتعدى
كما في شهادته بهلال رمضان وينافي ضمان ما ليس بمال، فلا
تجب الدية في جناية العبد بل يجب دفعه جزاء إلا أن يختار
المولى الفداء، فيصير الوجوب عائدا إلى الأصل فإن الأرش
أصل في الباب حتى لا يبطل بالإفلاس وعندهما يصير كالحوالة.
ـــــــ
في الحج" إن منافعه ملك المولى إلا ما استثني, فلا يستحق
السهم الكامل "وينافي الولايات كلها فلا يصلح أمان
المحجور; لأنه تصرف على الناس ابتداء وأما أمان المأذون
فليس من باب
.........................................................
نوع من التجارة يكون إذنا في الكل, ولا يصح الحجر في البعض
بعد الإذن العام أو الخاص, ولا يقبل الإذن التأقيت; لأنه
إسقاط, وقال الشافعي رحمه الله تعالى ليس تصرفه لنفسه
بأهليته بل بطريق الاستفادة عن المولى كالوكيل, ويده في
الاكتساب يد نيابة كالمودع, واحتج بأنه لو كان أهلا للتصرف
لكان أهلا للملك; لأن التصرف, وسيلة إلى الملك, وسبب له,
والسبب لم يشرع إلا لحكمه, واللازم باطل إجماعا فكذا
الملزوم, وإذا لم يكن أهلا للتصرف لم يكن أهلا لاستحقاق
اليد إذ اليد إنما تستفاد بملك الرقبة أو التصرف, وتحقيق
ذلك أن التصرف تمليك, وتملك, ومعنى التملك الصيرورة مالكا,
ومعنى التمليك الإخراج عن ملكه إلى ملك الغير, ولا ملك إلا
للمولى.
وحاصل الجواب أن المقصود الأصلي من التصرفات ملك اليد, وهو
حاصل للعبد, وملك الرقبة, وسيلة إليه, وعدم أهليته للوسيلة
لا يوجب عدم أهليته للمقصود, وإنما يلزم ذلك لو لم يكن إلى
المقصود طريق إلا بتلك الوسيلة, وهو ممنوع, والدليل على أن
الرقيق أهل للتصرف, وملك اليد أنه أهل للتكلم, والذمة أما
الأول فلأنه عاقل تقبل رواياته في الأخبار, والديانات,
وشهادته في هلال رمضان, ويجوز توكيله, وأما الثاني فلأنه
أهل للإيجاب, والاستيجاب, ولذا يخاطب بحقوق الله تعالى,
ويصح إقراره بالحدود, والقصاص, والدين, ولا يملك المولى
ذمته حتى لا يجوز أن يشتري شيئا على أن الثمن في ذمته,
وأما إقراره على العبد بدين فإنما يصح من جهة أن مالية
العبد مملوكة له كالوارث يقر على مورثه بالدين وإذا كان
أهلا للتكلم, والذمة صح أن يلتزم شيئا في ذمته, فيجب أن
يكون له طريق إلى قضائه دفعا للحرج اللازم من أهلية
الإيجاب في الذمة بدون أهلية القضاء, وأدنى طرق القضاء ملك
اليد, فيلزم ثبوته للعبد, وهو المطلوب فإن قيل: الرقيق
مملوك فلا يكون مالكا لا يدا, ولا رقبة أجيب بأنه مملوك
مالا فلا يكون مالكا مالا, واليد ليست بمال بدليل أن
الحيوان يثبت دينا في الذمة بمقابلة اليد كما في عقد
الكتابة, ومثله في النكاح, والطلاق فلا يثبت بمقابلة المال
كما في البيع.
فإن قيل: ملك الرقبة حكم للتصرف, ومسبب عنه فإذا كان تصرف
العبد يقع لنفسه فكيف يقع ملك الرقبة للمولى؟ أجيب بأن
التصرف ينعقد للعبد, فيكون حكمه له; لأنه نتيجة تصرفه إلا
أنه لما لم
(2/366)
الولاية; لأنه
لا يصح أولا في حقه إذ هو شريك في الغنيمة ثم يتعدى كما في
شهادته بهلال رمضان" فإن صوم رمضان يثبت أولا في حقه ثم
يتعدى إلى كافة الناس, ولا تشترط الولاية لمثل هذا "وينافي
ضمان ما ليس بمال, فلا تجب الدية في جناية العبد بل يجب
دفعه جزاء" أي: لا يجب على العبد ضمان ما ليس بمال; لأن
الضمان ما ليس بمال صلة والعبد ليس بأهل
.........................................................
يبق أهلا للملك بعدما أوقع الملك له استحقه المولى بطريق
الخلافة عن العبد; لأنه أقرب الناس إليه لكونه مالك رقبته
فالمولى إنما يتلقى الملك من جهة العبد كالوارث مع المورث
فلذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن دين العبد يمنع ملك
المولى في كسبه, وهذا معنى ما ذكره في الهداية أن الإذن فك
الحجر, وإسقاط الحق, وعند ذلك يظهر مالكية العبد بخلاف
الوكيل; لأنه يتصرف في مال غيره, فيثبت له الولاية من
جهته, وحكم التصرف, وهو الملك واقع للعبد حتى كان له أن
يصرفه إلى قضاء الدين, والنفقة, وما استغنى عنه يخلفه
المالك فيه, وعلى هذا يجب أن يحمل ما ذكره المصنف رحمه
الله تعالى من أن المأذون كالوكيل في أنه إذا اشترى شيئا
يقع الملك للمولى كما يقع للموكل يعني: أن الملك يقع
للمولى مالا كما يقع للموكل ابتداء. وأما قوله: في بقاء
الإذن فمعناه على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أن
المأذون كالوكيل في حال بقاء الإذن في مسائل مرض المولى,
وعامة مسائل المأذون حتى يكون تصرفه كتصرفه يصح فيما يصح,
ويبطل فيما يبطل, وإنما قال في حال بقاء الإذن; لأنه في
حال ابتداء الإذن ليس كالوكيل إذ الوكالة لا تثبت إلا فيما
وكل به, والإذن يعم, وإنما قال في حال مرض المولى; لأنه في
حال صحة المولى ليس كالوكيل إذ يصح منه المحاباة الفاحشة,
ولا تصح من الوكيل, وإنما قال عامة مسائل المأذون; لأنه
ليس كالوكيل في مسألة التوكيل بالاشتراء إذا اشترى بغبن
فاحش فإنه يصح من المأذون, ولا يصح من الوكيل.
وقال فخر الإسلام رحمه الله تعالى, ولذلك أي: ولأن المولى
خلف عن العبد في ملك الرقبة جعلنا العبد في حكم الملك, وفي
حكم بقاء الإذن كالوكيل في مسائل مرض المولى, وعامة مسائل
المأذون يعني: يكون للمولى حجر المأذون بدون رضاه كما أن
له عزل الوكيل بدون رضاه بخلاف المكاتب, فإنه ليس كالوكيل
في حكم بقاء الكتابة إذ ليس للمولى عزله بدون تعجيزه نفسه.
قوله: "وهو" أي: الرقيق معصوم الدم بمعنى أنه يحرم التعرض
له بالإتلاف حقا له, ولصاحب الشرع; لأن العصمة: نوعان
مؤثمة توجب الإثم فقط على تقدير التعرض للدم, وهي
بالإسلام, ومقومة توجب مع الإثم الضمان أي: القصاص أو
الدية, وهي بالإحراز بدار الإسلام, والعبد يساوي الحر في
الأمرين فيساويه في العصمتين فيقتل الحر بالعبد قصاصا; لأن
مبنى الضمان على العصمتين, والمالية لا تخل بهما, وقال
الشافعي رحمه الله تعالى القصاص منبئ عن المماثلة,
والمساواة, ومبني على الكرامات البشرية, والمالية تخل بذلك
على ما مر.
قوله: "والرق يوجب نقصانا في الجهاد"; لأنه ينافي مالكية
منافع البدن إلا ما استثني من الصوم, والصلاة فلا يحل له
القتال بدون إذن المولى, وإذا قاتل بإذنه أو بغير إذنه لم
يستحق السهم الكامل بل يرضخ له; لأن استحقاق الغنيمة إنما
هو باعتبار معنى الكرامة, وفي الحديث أنه كان عليه الصلاة
(2/367)
لها حتى لا يجب
عليه نفقة المحارم فلا يجب الدية في جناية العبد خطأ; لأن
الدية صلة في حق الجاني كأنه يهب ابتداء وعوض في حق المجني
عليه فكون المتلف غير مال ينافي الوجوب على العبد, وكون
الدم مما لا ينبغي أن يهدر يوجب الحق للمتلف عليه فصارت
رقبته جزاء "إلا أن يختار المولى الفداء, فيصير الوجوب
عائدا إلى الأصل فإن الأرش أصل في الباب حتى لا يبطل
بالإفلاس وعندهما يصير كالحوالة" أي: الأرش أصل في باب
الجنايات خطأ لكن العبد ليس أهلا لأن يجب عليه الأرش لما
قلنا أنه صلة ولما لم يجب عليه الأرش لا يمكن تحمل العاقلة
عنه فصارت رقبته جزاء لكن لما اختار المولى الأرش فداء عن
العبد لئلا يفوته العبد صار وجوب الفداء عائدا إلى الأصل
لا كالحوالة حتى إذا
.........................................................
والسلام يرضخ للمماليك, ولا يسهم لهم", وهذا بخلاف تنفيل
الإمام فإن استحقاق السلب إنما هو بالقتل أو بالإيجاب من
الإمام, والعبد يساوي الحر في ذلك.
قوله: "وينافي الولايات كلها" بمنزلة التفسير لما سبق من
أنه ينافي كمال أهلية الولاية لئلا يتوهم منه أن له ولاية
ضعيفة كالذمة, وذلك; لأنه لا ولاية له على نفسه فكيف يتعدى
إلى غيره فعلى هذا لا يصح أمان العبد المحجور; لأن أمانه
تصرف على الناس ابتداء بإسقاط حقوقهم في أموال الكفار,
وأنفسهم اغتناما, واسترقاقا, والتصرف على الغير ولاية
بخلاف أمان المأذون فإنه ليس من باب الولاية بل باعتبار
أنه بواسطة الإذن صار شريكا للغزاة في الغنيمة بمعنى أنه
من حيث إنه إنسان مخاطب يستحق الرضخ إلا أن المولى يخلفه
في الملك المستحق كما في سائر أكسابه فإذا أمن الكافر فقد
أسقط حق نفسه في الغنيمة أعني: الرضخ فصح في حقه أولا ثم
تعدى إلى الغير, ولزم سقوط حقوقهم; لأن الغنيمة لا تتجزأ
في حق الثبوت, والسقوط, وهذا كما تصح شهادته بهلال رمضان;
لأنه يثبت في حقه ابتداء ثم يتعدى إلى الغير ضرورة, وليس
هذا من ضرورة الولاية فإن قيل: فالمحجور أيضا يستحق الرضخ,
فينبغي أن يصح أمانه أجيب بأن المحجور يستحق الرضخ
استحسانا; لأنه غير محجور عن الاكتساب, وعما هو نفع محض
فإذا فرغ عن القتال سالما, وزال ضرر المولى, وأصيبت
الغنيمة ثبت الإذن من المولى دلالة فصار شريكا بعد الفراغ
عن القتال لا حال القتال أو قبله حتى يكون الأمان إسقاطا
لحقه ابتداء, ثم يتعدى إلى غيره فالحاصل أنه لا شركة له في
الغنيمة حال الأمان لعدم الإذن, وإنما يستحق بعده.
قوله: "فلا تجب الدية في جناية العبد" يعني: إذا كانت خطأ,
وأما في العمد, فيجب القصاص, ويكون هذا ضمانا على المولى
بأن يقال: عليك تسليم العبد بالجناية إلى وليها صلة في
جانب المولى, وعوضا في جانب المتلف عليه أعني: المجني عليه
إذا كانت الجناية غير القتل, والورثة إذا كانت القتل فتكون
رقبة العبد بمنزلة الأرش فإن قيل المهر يجب في ذمة العبد
بمقابلة ما ليس بمال, وهو ملك النكاح أو منافع البضع أجيب
بأنه ليس بضمان إذ لا تلف, ولا صلة; لأنه إنما وجب عوضا
عما استوفاه من الملك أو المنافع.
قوله: "إلا أن يختار المولى الفداء" فإنه لا يجب عليه دفع
العبد, وإن أفلس, وعجز عن الفداء, وذلك; لأن الأرش أصل في
الجناية الخطأ; لأنه الثابت بالنص, وإنما صير إلى الدفع
ضرورة أن العبد
(2/368)
حكم الحيض و النفاس
...
حكم الحيض والنفاس
ومنها الحيض، والنفاس وهما لا يعدمان الأهلية إلا أن
الطهارة عندهما شرط للصلاة والصوم على ما مر.
ـــــــ
أفلس المولى بعد اختيار الفداء لا يجب الدفع عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وعندهما يكون كالحوالة حتى يعود حق ولي
الجناية في الدفع.
"ومنها الحيض, والنفاس وهما لا يعدمان الأهلية إلا أن
الطهارة عندهما شرط للصلاة والصوم على ما مر" "ومنها المرض
وهو لا ينافي الأهلية لكنه لما فيه من العجز شرعت العبادات
فيه للقدرة الممكنة ولما كان سبب الموت وهو علة للخلافة
كان سبب تعلق الوارث والغريم فيوجب الحجر إذا اتصل بالموت"
الضمير في, وهو يرجع إلى الموت والضمير في كان, وفي يوجب
وفي اتصل يعود إلى المرض والمعنى أن الموت علة لأن يقوم
الغير
.........................................................
ليس بأهل للصلة, وقد ارتفعت الضرورة باختيار المولى الفداء
فعاد الأمر إلى الأصل, ولم يبطل بالإفلاس, وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله يصير اختيار المولى الفداء بمنزلة
الحوالة كأن العبد أحال بالواجب على المولى; لأن الأصل في
الجناية أن يصرف الجاني إليها كما في العمد, وقد عدل عن
ذلك في الخطأ من الحر لتعذر الصرف فصار اختيار الفداء نقلا
عن الأصل إلى العارض كما في الحوالة فإذا لم يسلم الحق
لصاحبه عاد إلى الأصل.
قوله: "ومنها الحيض, والنفاس" جعلهما معا أحد العوارض
لاتحادهما صورة, وحكما, وهما لا يسقطان أهلية الوجوب, ولا
أهلية الأداء لبقاء الذمة, والعقل, وقدرة البدن إلا أنه
ثبت بالنص أن الطهارة عنهما شرط للصلاة على وفق القياس
لكونهما من الأحداث والأنجاس, وللصوم على خلاف القياس
لتأديه مع الحدث, والنجاسة, ثم في قضاء الصلاة حرج لدخولها
في حد الكثرة فسقط وجوبها حتى لم يجب قضاؤها, ولا حرج في
قضاء الصوم; لأن الحيض لا يستوعب الشهر, والنفاس يندر فيه
فلم يسقط إلا وجوب أدائه, ولزوم القضاء, وقد سبق ذلك في
بحث الوقت.
قوله: "ومنها المرض" يعني: غير ما سبق من الجنون,
والإغماء.
قوله: "مستندا إلى أوله" أي: حال كون الحجر مستندا إلى أول
المرض; لأن سبب الحجر مرض مميت, وسبب الموت هو المرض عن
أصله; لأنه يحصل بضعف القوى, وترادف الآلام.
قوله: "وما لا يحتمله" أي: الفسخ كالإعتاق الواقع على حق
الغريم بأن يعتق المريض عبدا من ماله المستغرق بالدين أو
على حق الوارث بأن يعتق عبدا تزيد قيمته على ثلث ماله.
قوله: "نظرا له, وليعلم كلاهما" متعلق بقوله, جوزها إلا أن
الأول تعليل لتجويز الوصية, والثاني لتقييده بالقليل, وهذا
ما قال فخر الإسلام رحمه الله تعالى لكن الشرع جوز ذلك
نظرا له بقدر الثلث استخلاصا على الورثة بالقليل ليعلم أن
الحجر والتهمة فيه أصل فقوله نظرا له علة
(2/369)
حكم المرض
ومنها المرض وهو لا ينافي الأهلية لكنه لما فيه من العجز
شرعت العبادات فيه للقدرة الممكنة ولما كان سبب الموت وهو
علة للخلافة كان سبب تعلق الوارث والغريم فيوجب الحجر إذا
اتصل بالموت مستندا إلى أوله في قدر ما يصان به حقهما فقط
فيجوز النكاح بمهر المثل وكل تصرف يحتمل الفسخ يصح في
الحال ثم ينقض إن احتيج إليه وما لا يحتمله يصير كالمعلق
بالموت.
ـــــــ
مقامه "مستندا إلى أوله" أي: أول المرض وهو حال عن قوله
فيوجب الحجر فإن مرض الموت يوجب الحجر ولا يظهر أنه مرض
الموت إلا باتصاله بالموت فإذا اتصل به يثبت الحجر مستندا
إلى أول المرض "في قدر ما يصان به حقهما فقط" أي: حق
الغريم والوارث, وقوله في قدر متعلق بالحجر "فيجوز النكاح
بمهر المثل" ففي مقدار مهر المثل لم يتعلق به حق الوارث,
والغريم; لأن المريض محتاج إلى النكاح لبقاء نسله, وفي كل
ما يحتاج هو إليه لا يتعلق به حق الغير, وإذا لم يتعلق
حقهما بمهر المثل لم يكن في الحجر عن النكاح بمهر المثل
صيانة حقهما إذ لا حق لهما فيه "وكل تصرف يحتمل الفسخ يصح
في الحال ثم ينقض إن احتيج إليه وما لا يحتمله" أي: الفسخ
كالإعتاق "يصير كالمعلق بالموت" إذ لا يقبل النقض فإن كان
على الميت دين مستغرق ينفذ على وجه لا يبطل حق الدائن,
فيجب السعاية في الكل وإن لم يكن دين مستغرق ينفذ على وجه
لا يبطل حق الوارث في الثلثين.
"والقياس في الوصية البطلان لكن الشرع جوزها نظرا له" أي:
للمريض "ليتدارك
.........................................................
للتجويز, وقوله استخلاصا أي: استيثارا من الوصي لنفسه على
الورثة بالقليل علة لتقييد التجويز بقدر الثلث, وقوله
ليعلم أن الحجر, والتهمة أي: تهمة إيثار الأجنبي على
الأقارب باعتبار ضغينته له أصل في باب الإيصاء علة لتقييد
الاستخلاص بالقليل.
قوله: "بأن يبيع" يعني: لو باع من أحد الورثة عينا من
أعيان التركة بمثل القيمة كان وصية صورة حيث آثر الوارث
بعين من أعيان ماله بمقابله لا معنى الاسترداد العوض منه
فلا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى; لأن حق الورثة
كما يتعلق بالمالية يتعلق بالعينية فيما بينهم وعندهما
يجوز لعدم الإخلال بثلثي المال, وأما بيعه من الأجنبي,
فيجوز اتفاقا إذ لا حجر للمريض من التصرف مع الأجنبي فيما
لا يخل بالثلثين.
قوله: "ولا يجوز للمريض البيع من أحد الورثة أو الغرماء
بمثل القيمة" هذا مما لا يوجد له رواية بل الروايات متفقة
على أنه يجوز للمريض أن يبيع العين من بعض الغرماء بمثل
القيمة, وعدم الجواز مختص بالورثة, وذلك لأن حق الغريم
إنما يتعلق بالمعنى, وهو المالية لا بالصورة حتى أنه يجوز
للوارث أن يستخلص العين لنفسه, ويقضي الدين من مال آخر
بخلاف الورثة فإن حقهم
(2/370)
حكم وصية المريض
والقياس في الوصية البطلان لكن الشرع جوزها نظرا له في
القليل ليعلم أن الحجر، وترك إيثار الأجنبي على الوارث أصل
ولما أبطل الشرع الوصية للوارث إذ تولى بنفسه بطلت صورة
ومعنى وحقيقة وشبهة وتقومت الجودة في حقه كما في الصغار
ولما تعلق حق الورثة، والغرماء بما له صورة، ومعنى في حقهم
ومعنى فقط في حق غيرهم.
ـــــــ
بتقصيرات أيام حياته في القليل ليعلم أن الحجر, وترك إيثار
الأجنبي على الوارث أصل ولما أبطل الشرع الوصية للوارث إذ
تولى بنفسه" اعلم أنه تعالى فرض أولا الوصية للوارث بقوله
تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ
لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} ثم تولى
بنفسه حيث قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} فنسخ الأول "بطلت"
أي: الوصية للوارث "صورة" بأن يبيع المريض عينا من التركة
من الوارث بمثل القيمة; لأنه وصية بصورة العين لا بمعناه
"ومعنى" بأن يقر لأحد من الورثة فإنه وصية معنى "وحقيقة"
بأن أوصى لأحد الورثة "وشبهة" بأن باع الجيد من الأموال
الربوية برديء منها "وتقومت الجودة" عطف على قوله بطلت "في
حقه" أي: في حق الوارث "كما في الصغار" أي: إن باع الولي
مال الصبي من نفسه تقومت الجودة حتى لا يجوز إلا باعتبار
القيمة "ولما تعلق
.........................................................
يتعلق فيما بينهم بالمالية, والعينية جميعا حتى لا يجوز
لبعضهم أن يجعل شيئا لنفسه بنصيبه من الميراث, ولا أن يأخذ
التركة, ويعطي الباقين القيمة, وأما إذا قضى المريض حق بعض
الغرماء فإنما يشاركه الباقون من جهة أن المريض ممنوع عن
إيثار البعض بقضاء دينه لا من جهة أن حقهم تعلق بعين المال
فيما بينهم.
قوله: "ومنها الموت" هو آخر العوارض السماوية فقيل: هو صفة
وجودية خلقت ضدا للحياة لقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ}, وقيل: هو عديم الحياة عما من شأنه الحياة
أو زوال الحياة, ومعنى الخلق في الآية التقدير., والأحكام
في حق الموت إما دنيوية أو أخروية, والدنيوية إما تكليفات,
وحكمها السقوط إلا في حق الإثم أو غيرها, وهو إما أن يكون
مشروعا لحاجة غيره أو لا, والأول إما أن يتعلق بالعين,
وحكمه أن يبقى ببقاء العين أو بالذمة, ووجوبه إما بطريق
الصلة, وحكمه السقوط إلا أن يوصي به, أولا بطريق الصلة,
وحكمه البقاء بشرط انضمام المال أو الكفيل إلى الذمة,
والثاني إما أن يصلح لحاجة نفسه, وحكمه أن يبقى ما تنقضي
به الحاجة أو لا, وحكمه أن يثبت للورثة, والأخروية حكمها
البقاء سواء يجب له على الغير أو للغير عليه من الحقوق
المالية, والمظالم أو يستحقه من ثواب الآخرة بواسطة
الطاعات أو عقاب واسطة المعاصي, وهذه جملة ما فصله في
الكتاب.
قوله: "وإن كان دينا لا يبقى بمجرد الذمة"; لأن الذمة قد
ضعفت بالموت فوق ما تضعف بالرق إذ الرق يرجى زواله بخلاف
الموت, ولأن أثر الدين في توجه المطالبة, ويستحيل مطالبة
الميت فإذا
(2/371)
إعتاق المريض
لا ينفذ إعتاق المريض بخلاف إعتاق الراهن؛ لأن حق المرتهن
في ملك اليد فقط.
ـــــــ
حق الورثة, والغرماء بما له صورة, ومعنى في حقهم" أي: في
حق الورثة والغرماء حتى لا يكون لأحد الورثة أن يأخذ
التركة ويعطي باقي الورثة القيمة ولو قضى المريض حق بعض
الغرماء بمثل القيمة شاركهم البقية ولا يجوز للمريض البيع
من أحد الورثة أو الغرماء بمثل القيمة "ومعنى فقط في حق
غيرهم" حتى يصح بيع المريض من الأجانب بمثل القيمة "لا
ينفذ إعتاق المريض" هذا تفريع على قوله ومعنى فقط في حق
غيرهم فإن حق الغرماء, والورثة لما تعلق بالتركة من حيث
المعنى فقط بالنسبة إلى غيرهم والعبد غيرهم فبالنسبة إلى
العبد تعلق حقهم بماليته لا بصورته, فيصح إعتاق المريض من
حيث الصورة, فيصير العبد مستحقا للحرية, ولا يمكن نقض
الإعتاق لكن لا ينفذ من حيث المعنى, وهي المالية حتى يجب
السعاية في الكل إذا استغرق الدين, وفيما وراء ثلث المال
إذا لم يستغرق, فيكون بمنزلة المكاتب إلا أنه لا يمكن رده
إلى الرق "بخلاف إعتاق الراهن; لأن حق المرتهن في ملك اليد
.........................................................
انضم إلى الذمة مال أو كفيل تقوى الذمة; لأن المال محل
للاستيفاء الذي هو المقصود من الوجوب, وذمة الكفيل مقوية
لذمة الأصيل, ومتهيئة لتوجه المطالبة, وإذا لم يكن مال,
ولا كفيل لم تصح الكفالة عن الميت عند أبي حنيفة; لأن
الكفالة التزام المطالبة, ولا مطالبة فلا التزام, وعندهما
تصح; لأن الموت لا يبرئ الذمة عن الحقوق, ولهذا يطالب بها
في الآخرة إجماعا, وفي الدنيا أيضا إذا ظهر له المال,
ويثبت حق الاستيفاء لو تبرع أحد عن الميت, وأما العجز عن
المطالبة لعدم قدرة الميت فلا يمنع صحة الكفالة كما إذا
كان المديون حيا مفلسا, ويؤيده ما روي أن النبي عليه
الصلاة والسلام أتي بجنازة رجل من الأنصار فقال لأصحابه:
"هل على صاحبكم دين؟" فقالوا: نعم درهمان أو ديناران
فامتنع عن الصلاة عليه فقال علي أو أبو قتادة رضي الله
تعالى عنهما: هما علي يا رسول الله, فصلى عليه, والجواب أن
المطالبة الدنيوية ساقطة هاهنا لضعف المحل بخلاف المفلس,
والحديث يحتمل العدة احتمالا ظاهرا إذ لا تصح الكفالة
للغائب المجهول على أنه لا دلالة فيه على أنه لم يكن للميت
مال, ومعنى المطالبة في الآخرة راجع إلى الإثم فلا يفتقر
إلى بقاء الذمة فضلا عن قوتها, وإذا ظهر له مال, فالذمة
تتقوى به لكونه محل الاستيفاء, والتبرع إنما يصح من جهة أن
الدين باق في حق من له الحق, وإن كان ساقطا في حق من عليه
الحق; لأن السقوط بالموت إنما هو لضرورة فوت المحل فيتقدر
بقدر الضرورة, فيظهر في حق من عليه دون من له.
قوله: "حتى يترتب منها" أي: من التركة حقوق الميت كمؤن
تجهيزه, ثم قضاء ديونه, ثم تنفيذ, وصاياه من ثلث الباقي,
وإنما يقدم التجهيز على الدين إذا لم يتعلق بالعين
كالمرهون, والمستأجر, والمشترى قبل القبض, والعبد الجاني,
ونحو ذلك ففي هذه الصور صاحب الحق أحق بالعين.
قوله: "لحاجته" أي: لحاجة المولى إلى الثواب الحاصل
بالإعتاق, وإنما اقتصر على ذلك; لأن
(2/372)
حكم الموت
ومنها الموت وهو عجز ظاهر كله والأحكام هنا دنيوية
وأخروية.
أما الأولى فكل ما هو من باب التكليف يسقط به إلا في حق
الإثم وما شرع عليه لحاجة غيره إن كان متعلقا بالعين يبقى
ببقائها كالوديعة؛ لأنها هي المقصودة وإن كان دينا لا يبقى
بمجرد الذمة إلا أن يضم إليها مال أو كفيل فلا تجوز
الكفالة عن ميت إلا عند وجود أحدهما ويلزمه الدين مضافا
إلى سبب صح في حياته كما إذا حفر بئرا فوقع فيها حيوان بعد
موته.
ـــــــ
فقط" فإن إعتاق الراهن ينفذ فإن كان الراهن غنيا فلا سعاية
على العبد وإن كان فقيرا يسمى في الأقل من قيمته ومن الدين
لكن يرجع على المولى بعد غناء, فعتق الراهن حر مديون فتقبل
شهادته قبل السعاية, ومعتق المريض قبل السعاية بمنزلة
المكاتب فلا تقبل شهادته.
"ومنها الموت وهو عجز ظاهر كله والأحكام هنا دنيوية
وأخروية أما الأولى فكل ما هو من باب التكليف يسقط به إلا
في حق الإثم وما شرع عليه لحاجة غيره إن كان متعلقا بالعين
يبقى ببقائها كالوديعة; لأنها" أي: العين "هي المقصودة وإن
كان دينا لا يبقى بمجرد الذمة إلا أن يضم إليها" أي: إلى
الذمة "مال أو كفيل فلا تجوز الكفالة عن ميت إلا عند وجود
أحدهما" أي: الكفالة لا تجوز إلا أن يبقى عنه مال أو كفيل
"ويلزمه الدين مضافا إلى سبب صح في حياته كما إذا حفر بئرا
فوقع فيها حيوان بعد موته وأما ما شرع صلة كنفقة المحارم
إلا أن يوصي, فيصح من الثلث, وأما ما شرع له لحاجته فتبقى
ما تنقضي به الحاجة فتبقى التركة على حكم ملكه حتى يترتب
منها حقوقه, ولهذا تبقى الكتابة بعد موت المولى لحاجته
.........................................................
الحاجة التي هي باعتبار المالية حاصلة في عود المكاتب إلى
الرق, ثم لا يخفى أن حاجة المكاتب فوق حاجة المولى لأنه
يحتاج إلى صيرورته معتقا منقطعا عنه أثر الكفر باقيا عليه
أثر الحياة لحرية أولاده إذ الرق أثر الكفر الذي هو موت
حكمي فتبقى الكتابة بعد موت المكاتب كما تبقى بعد موت
المولى بل بالطريق الأولى.
قوله: "وأما المملوكية فتابعة" يعني: أن مملوكية الميت,
وإن لم يكن محتاجا إليها إلا أنه حكم ببقائها في المكاتب
ضمنا, وتبعا لبقاء المالكية يدا ضرورة أن عقد الكتابة لا
يمكن بقاؤه بدون بقاء المملوكية رقبة إذ المكاتب عبد ما
بقي عليه درهم, وهاهنا بحث, وهو أن حرية المكاتب الميت لا
بد من أن يستند إلى زمان فإن حكم ببقاء الكتابة,
والمملوكية بعد الموت لزم استناد العتق إلى ما بعد الموت,
ولا معنى لذلك, وإن جعل الحرية مستندة إلى آخر أجزاء
الحياة على ما قيل أن بالموت يتحول بدل الكتابة من الذمة
إلى التركة, فيحصل فراغ ذمة المكاتب, وهو يوجب الحرية إلا
أنه لا
(2/373)
ما شرع لحاجة الميت
وأما ما شرع صلة كنفقة المحارم إلا أن يوصي، فيصح من
الثلث، وأما ما شرع له لحاجته فتبقى ما تنقضي به الحاجة
فتبقى التركة على حكم ملكه حتى يترتب منها حقوقه، ولهذا
تبقى الكتابة بعد موت المولى لحاجته إلى الثواب، وكذا بعد
موت المكاتب عن وفاء لحاجته إلى انقطاع أثر الكفر، وإلى
حرية أولاده، وأما المملوكية فتابعة هنا فإن الأصل في هذا
العقد ثبوت اليد.
ويثبت الإرث نظرا له خلافة، والخلافة إذا ثبت سببها، وهو
مرض الموت يحجر الميت عن إبطالها فكذا إذا ثبتت نصا فيما
لا يحتمل الفسخ كتعليق العتق به، فيكون
ـــــــ
إلى الثواب, وكذا بعد موت المكاتب عن وفاء لحاجته إلى
انقطاع أثر الكفر, وإلى حرية أولاده, وأما المملوكية
فتابعة هنا فإن الأصل في هذا العقد ثبوت اليد" أي: تابعة
في باب الكتابة وهو جواب عن سؤال مقدر وهو أنه لما ذكر أن
كل ما يحتاج إليه الميت يبقى بعد موته ضرورة قضاء حاجته,
وكل ما لا يحتاج إليه لا يبقى لقيام الدليل على عدم بقائه,
والضرورة الموجبة للبقاء غير ثابتة وعقد الكتابة إنما يمكن
بقاؤه إذا بقي مملوكية الميت, ولا حاجة له إلى بقاء
المملوكية, فلا يبقى فبعد الكتابة لا يبقى, فأجاب بأن
المملوكية تابعة, والمقصود من بقاء عقد الكتابة به
المالكية يدا, والمملوكية رقبة تبقى ضمنا لا قصدا.
"ويثبت الإرث نظرا له خلافة, والخلافة إذا ثبت سببها, وهو
مرض الموت يحجر الميت عن إبطالها فكذا إذا ثبتت" أي:
الخلافة "نصا فيما لا يحتمل الفسخ كتعليق العتق به" أي:
بالموت, وإنما يثبت به الخلافة; لأن التعليق بالموت وصية
والموصى له خليفة للميت في
.........................................................
يجوز الحكم بها ما لم يصل المال إلى المولى, فإذا وصل حكم
بحريته في آخر جزء من حياته فقد استندت المالكية,
والمملوكية, وتقرر العتق إلى وقت الموت فلا تكون المملوكية
باقية بعد الموت فلا يكون عقد الكتابة باقيا, والجواب أن
معنى بقاء الكتابة حرية الأولاد, وسلامة الاكتساب عند
تسليم الورثة المال إلى المولى, ونفوذ العتق في المكاتب
شرط لذلك, فيثبت ضمنا, وإن لم يكن المحل قابلا كالملك في
المغصوب لما ثبت شرطا لملك البدل ثبت عند أداء البدل
مستندا إلى وقت الغصب, وإن كان المغصوب حال أداء البدل
هالكا.
قوله: "ويثبت الإرث" أي: ولأنه ببقاء ما تنقضي به حاجة
الميت يثبت الإرث بطريق الخلافة عنه نظرا له; لأنه يحتاج
إلى من يخلفه في أمواله ففوض الشرع ذلك إلى أقرب الناس
إليه نظرا له من جهة أن انتفاع أقاربه بأمواله بمنزلة
انتفاعه نفسه بها.
قوله: "والخلافة إذا ثبت سببها, وهو مرض الموت" فإنه مفض
إلى الموت الذي هو السبب حقيقة يصير الميت أي: المريض في
مرض الموت محجورا عن التصرفات التي تبطلها تلك الخلافة
فكذلك إذا ثبتت الخلافة بتنصيص الأصل بأن قال: أوصيت لفلان
بكذا أو قال لعبده: أنت حر بعد
(2/374)
سببا في الحال
للعتق بخلاف سائر التعليقات؛ لأنه كائن بيقين فلا يجوز بيع
المدبر ويصير كأم الولد في استحقاق الحرية دون سقوط
التقوم؛ لأن تقومها إنما يسقط؛ لأنه لما استفرشها صار
التمتع فيها أصلا والمال تبعا على عكس ما كان قبل، وعلى
هذا الأصل قلنا المرأة تغسل الزوج في عدتها بخلاف العكس؛
لأن مالكيته حق له فتبقى بخلاف مملوكيتها؛ لأنها حق عليها.
ـــــــ
الموصى به ", فيكون سببا" أي: التعليق بالموت سببا "في
الحال للعتق بخلاف سائر التعليقات; لأنه" أي: الموت "كائن
بيقين" فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيع عبد علق
عتقه بأمر كائن يقينا قلنا بيع العبد المعلق عتقه بالموت
إنما لا يجوز لأمرين: أحدهما الاستخلاف كما ذكرنا, والثاني
التعليق بأمر كائن لا محالة فصار مجموع الأمرين علة لعدم
جواز بيعه فكل منهما على الانفراد جزء العلة "فلا يجوز بيع
المدبر ويصير كأم الولد في استحقاق الحرية دون سقوط
التقوم; لأن تقومها إنما يسقط; لأنه لما استفرشها صار
التمتع فيها أصلا والمال تبعا على عكس ما كان قبل, وعلى
هذا الأصل" وهو أن ما يحتاج إليه الميت يبقى دون ما لا
يحتاج إليه "قلنا المرأة تغسل الزوج في عدتها بخلاف العكس;
لأن مالكيته حق له فتبقى بخلاف مملوكيتها; لأنها حق عليها,
وأما ما لا يصلح لحاجته كالقصاص"; لأن القصاص عقوبة وجبت
لدرك الثأر عند انقضاء الحياة, والميت لا يحتاج إلى هذا بل
الورثة محتاجون إليه "فإنه يجب حقا للورثة ابتداء حتى يصح
عفوهم قبل موت المجروح لكن السبب انعقد في حق
.........................................................
موتي أو إذا مت, فأنت حر فإن كلا من الإيصاء, وتعليق العتق
بالموت استخلاف: أما الأول; فلأن الإيصاء إثبات عقد
الخلافة في ملكه للموصى له مقدما على الوارث فاعتبر للحال
سببا لإثبات الخلافة, وأما الثاني; فلأن التعليق بالموت لا
يمنع السبب عن الانعقاد; لأنه تعليق بحال زوال الملك, وهو
غير صحيح فلا بد من أن ينعقد السبب حال بقاء الملك, ويثبت
الحق على سبيل التأجيل, وبهذا يتبين أن التعليق بغير الموت
من الأمور التي على خطر الوجود كدخول الدار أو من الأمور
الكائنة بيقين كمجيء الغد مثلا ليس استخلافا إذ لا يلزم
منه انعقاد السبب في الحال ففي الصورتين أعني: الوصية,
والتعليق بالموت تثبت الخلافة إلا أن الحق إن كان مما لا
يحتمل الفسخ كالعتق بحجر الأصل عن إبطال الخلافة, وإن كان
مما يحتمله كالوصية بالمال كان له إبطال الخلافة بالبيع,
والهبة, والرجوع, ونحو ذلك; لأن الحق غير لازم فلم يلزم
سببه, ويدخل في ذلك الوصية برقبة العبد فإنها, وإن كانت
استخلافا إلا أنه تمليك, ووصية بالمال, وهو مما يحتمل
الفسخ, والإبطال.
قوله: "دون سقوط التقوم" أي: المدبر لا يصير كأم الولد في
سقوط التقوم; لأن الإحراز للمالية أصل في الأمة, والتمتع
تبع, ولم يوجد في المدبر ما يوجب بطلان هذا الأصل بخلاف أم
الولد فإنها لما استفرشت, واستولدت صارت محرزة للمتعة,
وصارت المالية تبعا فسقط تقومها حتى لا تضمن بالغصب,
وبإعتاق أحد الشريكين نصيبه منها.
(2/375)
ما لا يصلح لحاجة الميت
وأما ما لا يصلح لحاجته كالقصاص فإنه يجب حقا للورثة
ابتداء حتى يصح عفوهم قبل موت المجروح لكن السبب انعقد في
حق الميت حتى يصح عفوه أيضا؛ ولهذا قال أبو حنيفة رحمه
الله تعالى: القصاص غير مورث حتى لا ينتصب بعض الورثة خصما
عن البقية لكن إذا انقلب مالا وهو يصلح لحوائج الميت يصرف
إلى حوائجه ويورث منه، وأما أحكام الآخرة فكلها ثابتة في
حقه.
ـــــــ
الميت حتى يصح عفوه أيضا; ولهذا" أي: ولأجل أن القصاص يجب
ابتداء للورثة.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: القصاص غير مورث حتى لا
ينتصب بعض الورثة خصما عن البقية لكن "إذا انقلب" أي:
القصاص "مالا وهو يصلح لحوائج الميت يصرف إلى حوائجه ويورث
منه, وأما أحكام الآخرة فكلها ثابتة في حقه".
"وأما العوارض المكتسبة فهي إما من نفسه, وإما من غيره:
أما الأول فمنها الجهل, وهو إما جهل لا يصلح عذرا كجهل
الكافر; لأنه مكابرة بعدما وضح الدليل فديانة الكافر" أي:
اعتقاده "في حكم لا يحتمل التبدل" كعبادة الصنم مثلا
"باطلة فلا يكون للكفر حكم الصحة أصلا بخلاف الأحكام
القابلة للتبدل كبيع الخمر مثلا فإنه يصح منهم.
.........................................................
قوله: "وأما ما لا يصلح لحاجته" أي: حاجة الميت كالقصاص
فإن الجناية وقعت على حق أولياء الميت لانتفاعهم بحياته,
فيثبت لهم القصاص ابتداء تشفيا للصدور, ودركا للثأر لا
انتقالا من الميت فإن قيل: المتلف نفس الميت, وقد كان
انتفاعه بحياته أكثر من انتفاع غيره, فينبغي أن يثبت
القصاص حقا له قلنا نعم إلا أنه خرج عند ثبوت الحق عن
أهلية الوجوب, فيثبت ابتداء للولي القائم مقامه على سبيل
الخلافة كما يثبت الملك للموكل ابتداء عند تصرف الوكيل
بالشراء خلافة عن الوكيل فالسبب انعقد في حق المورث, والحق
وجب للوارث فصح عفو المورث رعاية لجانب السبب, وصح عفو
الوارث قبل موت المورث رعاية لجانب الواجب مع أن العفو
مندوب, فيجب تصحيحه بقدر الإمكان, وهذا استحسان, والقياس
أن لا يصح لما فيه من إسقاط الحق قبل ثبوته سيما إسقاط
المورث فإنه إسقاط لحق الغير قبل أن يجب.
قوله: "حتى لا ينتصب بعض الورثة خصما عن البقية" يعني: لو
أقام الوارث الحاضر بينة على القصاص فحبس القاتل ثم حضر
الغائب كلف أن يعيد البينة, ولا يقضى لهما بالقصاص قبل
إعادة البينة; لأنه ثبت لهما ابتداء فكل واحد منهما في حق
القصاص كأنه منفرد, وليس الثبوت في حق أحدهما ثبوتا في حق
الآخر بخلاف ما يكون موروثا كالمال, وعند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى القصاص موروث; لأن خلفه, وهو المال
موروث إجماعا, والخلف لا يخالف حكم الأصل, والجواب أن ثبوت
القصاص حقا للورثة ابتداء إنما هو لضرورة عدم صلوحه لحاجة
الميت فإذا انقلب مالا بالصلح أو بالعفو, والمال يصلح
لحوائج الميت من التجهيز, وقضاء الديون, وتنفيذ
(2/376)
|