شرح الورقات في أصول الفقه [تعريف
الإجماع وبيان حجيته]
وأما الإجماع (1) فهو اتفاق علماء أهل (2) العصر على حكم
الحادثة (3) فلا يعتبر وفاق العوام لهم (4).
ونعني بالعلماء الفقهاء (5)
_________
(1) الإجماع لغةً يرد بمعنيين العزم والاتفاق، انظر تاج العروس
11/ 75، لسان العرب 2/ 358.
(2) ليست في " المطبوعة ".
(3) عرّف إمام الحرمين الإجماع اصطلاحاً في التلخيص 3/ 6 بقوله
(اتفاق الأمة أو اتفاق علمائها على حكم من أحكام الشريعة)،
وانظر تعريف الإجماع اصطلاحاً في اللمع ص 245، المستصفى 1/
173، الإحكام 1/ 195، المعتمد 2/ 3، المحصول 2/ 1/20، شرح
العضد 2/ 29، شرح تنقيح الفصول ص 322، كشف الأسرار 3/ 226،
التوضيح 2/ 41، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 176، شرح ابن
ملك ص 737، بيان معاني البديع 1/ 2/977، فواتح الرحموت 2/ 211،
العدة 4/ 1057، مرآة الأصول ص 226.
(4) هذا مذهب جمهور العلماء، وقال بعض المتكلمين يعتبر وفاقهم،
نقله الشيرازي في اللمع ص 258، ونقل عن القاضي الباقلاني
واختاره الآمدي في الإحكام 1/ 226، وانظر البرهان 1/ 684،
التلخيص 3/ 38، المستصفى 1/ 181 - 182، شرح المحلي على جمع
الجوامع 2/ 177، شرح العضد 2/ 33، إرشاد الفحول ص 87، بيان
معاني البديع 1/ 2/1014، تيسير التحرير 3/ 224، كشف الأسرار 3/
237.
وفي المسألة قول ثالث وهو اعتبار قول العامة في المسائل
المشهورة دون غيرها، انظر شرح الكوكب المنير 2/ 225، شرح تنقيح
الفصول ص 341، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 177، الإحكام 1/
226، التقرير والتحبير 3/ 80.
(5) والمراد بهم الفقهاء المجتهدون المستنبطون للأحكام الشرعية
بالأدلة، وهذا قول جمهور العلماء أن العبرة بالمجتهدين فقط دون
غيرهم، انظر التلخيص 3/ 42، اللمع ص 257، الإحكام 1/ 228،
المسودة ص 331، أصول السرخسي 1/ 313، شرح الكوكب المنير 2/
224.
(1/181)
فلا يعتبر موافقة الأصوليين لهم (1).
ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية (2)، لأنها محل نظر الفقهاء
بخلاف اللغوية مثلاً، فإنما (3) يجمع فيها علماء اللغة.
وإجماع هذه الأمة حجة (4) ...
_________
(1) جمهور العلماء على أن الأصولي غير معتبر في أهل الإجماع
خلافاً للقاضي الباقلاني والغزالي والفخر الرازي، انظر تفصيل
ذلك في البرهان 1/ 685، التلخيص 3/ 41 - 45، المستصفى 1/ 183،
المحصول 2/ 1/282، الإحكام 1/ 228، التقرير والتحبير 3/ 81،
بيان معاني البديع 1/ 2/1016.
وهنالك خلاف بين العلماء فيمن يعتد بقوله في الإجماع غير ما
ذكر هنا، انظر تفصيل ذلك في المصادر السابقة.
(2) أي الأمر الشرعي المنسوب للشرع لأخذ حكم الحادثة من الشرع
ولو بطريق القياس، قاله العبادي في شرحه ص 166.
(3) في " ج " فإنها.
(4) أي قطعية وهذا مذهب جمهور العلماء واختاره إمام الحرمين في
التلخيص 3/ 52، قال
ابن النجار (وهذا مذهب الأئمة الأعلام منهم الأربعة وأتباعهم
وغيرهم من المتكلمين، وقال الآمدي والرازي: هو حجة ظنية لا
قطعية، وقيل ظنية في السكوت ونحوه دون القطعي) شرح الكوكب
المنير 2/ 214 - 215.
وانظر تفصيل ذلك في البحر المحيط 4/ 442، البرهان 1/ 717، شرح
المحلي على جمع الجوامع 2/ 195، المستصفى 1/ 204، فواتح
الرحموت 2/ 213، تيسير التحرير 3/ 227، الإحكام 1/ 200، إرشاد
الفحول ص 79، شرح العضد 2/ 30، أصول السرخسي 1/ 295، كشف
الأسرار 3/ 227، شرح تنقيح الفصول ص 322، المحصول 2/ 1/46،
الإبهاج 2/ 352، بيان معاني البديع 1/ 2/988.
(1/182)
دون غيرها (1) لقوله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا تجتمع أمتي على ضلالة) رواه الترمذي
وغيره (2).
والشرع ورد بعصمة * هذه الأمة لهذا الحديث ونحوه (3)
_________
(1) أي من الأمم الأخرى كاليهود والنصارى فإجماعهم ليس بحجة،
انظر شرح العبادي ص 168، الأنجم الزاهرات ص 202.
(2) رواه الترمذي وقال (هذا حديث غريب من هذا الوجه) سنن
الترمذي 4/ 405، ورواه أبو داود، سنن أبي داود مع شرحه عون
المعبود 11/ 219، ورواه ابن ماجة في السنن 2/ 1303، وقال في
الزوائد (في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء وهو
ضعيف وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر، قاله شيخنا العراقي في
تخريج أحاديث البيضاوي).
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر الحديث (هذا في حديث مشهور له
طرق كثيرة لا يخلو واحد منها من مقال) التلخيص الحبير 3/ 141.
وحسّنه الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة 1/ 41،
وفي السلسلة الصحيحة 3/ 320، وانظر موافقة الخبر الخبر في
تخريج أحاديث المختصر للحافظ ابن حجر 1/ 105 - 107، تحفة
الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 146 فما بعدها، تخريج
أحاديث اللمع ص 246 - 247.
* نهاية 9/أمن " ب ".
(3) ذكر الإمام الرازي ثمانية عشر حديثاً استدل بها على حجية
الإجماع في المحصول 2/ 1/109 - 114، ووجه الاستدلال بهذه
الأحاديث على حجية الإجماع ما يلي:
أولاً: إن هذه الأحاديث بمجموعها تفيد التواتر المعنوي لأن كل
عاقل يجد من نفسه العلم الضروري بأن رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصد تعظيم هذه الأمة المحمدية وعصمتها عن
الخطأ، كما علمنا بالضرورة شجاعة علي وجود حاتم.
ثانياً: شهرة هذه الأحاديث عند السلف وأخذهم بها وعدم ردها،
وتحيل العادة اتفاق هذا الجمّ الغفير مع تكرر الأزمان واختلاف
مذاهبهم على الاحتجاج بما لا أصل له في إثبات أصل من أصول
الشريعة وهو الإجماع المحكوم به على الكتاب والسنة من غير أن
ينبه أحد على فساده وإبطاله وإظهار النكير فيه. بيان معاني
البديع 1/ 2/991، وانظر الإحكام 1/ 220 - 221، كشف الأسرار 3/
258 - 259، شرح العضد 2/ 32، فواتح الرحموت 2/ 215، التقرير
والتحبير 3/ 85، التبصرة ص 354 - 355، المستصفى 1/ 175، شرح
الكوكب المنير 2/ 218 - 223.
(1/183)
والإجماع حجة على العصر الثاني ومن بعده
وفي أي عصر كان (1) من عصر (2) الصحابة ومن بعدهم (3).
_________
(1) وهذا مذهب جمهور العلماء وهو أن الإجماع المحتج به غير
مختص بإجماع الصحابة، بل إجماع أهل كل عصر حجة، قاله الآمدي في
الإحكام 2/ 230، وانظر البرهان 1/ 720، التلخيص 3/ 53، المعتمد
2/ 483، المستصفى 1/ 185، المحصول 2/ 1/283، إرشاد الفحول ص
81، أصول السرخسي 1/ 313، شرح العضد 2/ 34، العدة 4/ 1090،
نزهة الخاطر 1/ 372.
(2) في " هـ " غير.
(3) ذهب أكثر الظاهرية إلى أن الإجماع المحتج به هو إجماع
الصحابة فقط، وهذا قول داود الظاهري وخالفه ابن حزم، انظر
الإحكام لابن حزم 1/ 659، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد،
انظر المسودة ص 317، أصول مذهب أحمد ص 331، التلخيص 3/ 53،
الإحكام 2/ 230، بيان معاني البديع 1/ 2/1021، العدة 4/ 1092،
نزهة الخاطر 1/ 372.
(1/184)
[هل يشترط انقراض
العصر في حجية الإجماع؟]
ولا يشترط في حجيته (1) انقراض العصر، بأن يموت أهله على
الصحيح (2)، لسكوت (3) أدلة الحجية عنه.
وقيل يشترط (4)، لجواز أن يطرأ لبعضهم ما يخالف اجتهاده فيرجع
عنه (5).
وأجيب بأنه لا يجوز له الرجوع عنه (6)، لإجماعهم (7) عليه (8).
فإن قلنا (9) انقراض العصر شرط، فيعتبر (10) في انعقاد
_________
(1) في " ب " حجته.
(2) وهذا مذهب جمهور العلماء وبه قال الحنفية والمالكية
والشافعية والمعتزلة وهو رواية عن أحمد، انظر تفصيل ذلك في
البرهان 1/ 692، التلخيص 3/ 68، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/
182، التبصرة ص 375، المعتمد 2/ 502، المحصول 2/ 1/206،
الإحكام 1/ 256، التقرير والتحبير 3/ 86، كشف الأسرار 3/ 243،
أصول السرخسي 1/ 315، بيان معاني البديع 1/ 2/1061، شرح العضد
2/ 38، التوضيح 2/ 46.
(3) ورد في " هـ " أهل.
(4) وهو القول الآخر للإمام أحمد وبه قال أكثر أصحابه، واختاره
ابن فورك وسليم الرازي، انظر شرح الكوكب المنير 2/ 246،
المسودة ص 320، التمهيد لأبي الخطاب 2/ 1/300، وفي المسألة
أقوال أخرى انظرها في المصادر السابقة.
(5) انظر شرح الكوكب المنير 2/ 246، شرح العبادي ص 171 - 172.
(6) ليست في " هـ ".
(7) في " هـ " بإجماعهم.
(8) انظر شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 183.
(9) ورد في " هـ " قلنا إن.
(10) في " أ، ب، هـ " يعتبرْ. وهي بالجزم وهو جواب الشرط: فإن
قلنا وفي إعرابها أوجه
أخرى، انظر شرح العبادي ص 172 - 173.
(1/185)
الإجماع، قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار
من أهل الاجتهاد (1)، ولهم (2) على هذا القول أن يرجعوا عن ذلك
الحكم (3)، الذي * أدى اجتهادهم إليه.
[الإجماع السكوتي]
والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم (4) كأن يقولوا بجواز شيء أو
يفعلوه فيدل فعلهم له (5) على جوازه لعصمتهم كما تقدم.
وبقول البعض [وفعل البعض] (6) وانتشار ** ذلك القول أو الفعل
وسكوت (7)
الباقين عنه (8) ويسمى ذلك بالإجماع السكوتي (9).
_________
(1) انظر البرهان 1/ 722، المستصفى 1/ 186، الإحكام 1/ 235،
أصول السرخسي 1/ 314، كشف الأسرار 3/ 245، شرح تنقيح الفصول ص
336.
(2) في " المطبوعة " فلهم.
(3) ليست في " و".
* نهاية 11/ب من " أ ".
(4) في "ب " وفعلهم.
(5) في " ب " لهم وهو خطأ.
(6) ما بين المعكوفين ليس في " أ ".
** نهاية 7/ب من " ج ".
(7) في " ب " والسكوت. ...
(8) في " هـ " عليه.
(9) الإجماع السكوتي هو: أن يفتي مجتهد بحكم ويسكت أهل عصره
بعد علمهم بما أفتى به ولم ينكروا عليه، بيان معاني البديع 1/
2/1054.
وما قرره إمام الحرمين هنا في الورقات وهو أن الإجماع السكوتي
حجة، وهو قول جمهور العلماء وبه قال أحمد وأكثر الحنفية، وبعض
الشافعية كأبي إسحاق الإسفرايني وأبي إسحاق الشيرازي، ولكن
إمام الحرمين اختار في البرهان 1/ 701 أن الإجماع السكوتي ليس
بحجة اتباعاً للإمام الشافعي وهو قول القاضي الباقلاني واختاره
الغزالي والفخر الرازي والبيضاوي وأبو عبد الله البصري
المعتزلي، وفي المسألة أقوال أخرى، انظر الأقوال والأدلة في
التبصرة ص 392، المستصفى 1/ 191، المحصول 2/ 1/215، أصول
السرخسي 1/ 303، فواتح الرحموت 2/ 232، التقرير والتحبير 3/
101، الإحكام 1/ 254، شرح العضد 2/ 37، شرح المحلي على جمع
الجوامع 2/ 189، إرشاد الفحول ص 84 ـ85، التوضيح 2/ 41، البحر
المحيط 4/ 494، المسودة ص335، شرح الكوكب المنير 2/ 253، نثر
الورود 2/ 438 - 439، العدة 4/ 1170، معراج المنهاج 2/ 100،
المعتمد 2/ 533 كشف الأسرار 3/ 228.
(1/186)
|