شرح الورقات في أصول الفقه

 [المسند]
فالمسند ما (1) اتصل إسناده (2) بأن صرح برواته كلهم.

[المرسل وحجيته]
والمرسل ما لم يتصل إسناده (3) بأن أسقط بعض رواته (4).
_________
(1) ليست في " ج ".
(2) أي مرفوعاً إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يدخل الموقوف ولا المقطوع ولو اتصل إسنادهما ولا المنقطع ولو كان مرفوعاً. وهذا التعريف هو المعتمد المشهور في تعريف المسند، وعرف ابن عبد البر المسند بقوله (ما رفع إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة موصولاً كان أو غير موصول). وقال الخطيب البغدادي (هو ما اتصل إلى منتهاه)، منهج النقد في علوم الحديث ص 349 - 350، فتح المالك في ترتيب التمهيد 1/ 42، الباعث الحثيث ص 44 - 45.
(3) وهذا اصطلاح الأصوليين في تعريف المرسل، سواء كان المرسل تابعياً أو غير تابعي، ووافق الخطيب البغدادي وابن الأثير الأصوليين في تعريفهم للمرسل.
وأما المرسل عند المحدثين فهو أن يقول التابعي قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انظر تعريف المرسل عند المحدثين والأصوليين في تدريب الراوي 1/ 195 - 196، منهج النقد في علوم الحديث ص 370، الباعث الحثيث ص 47 - 48، فتح المالك في ترتيب التمهيد 1/ 42، قواعد التحديث ص 137، الإحكام 2/ 123، التلخيص 3/ 415، البرهان 1/ 632، المستصفى 1/ 169، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 168، شرح العضد 2/ 74، شرح الكوكب المنير 2/ 574، كشف الأسرار 2/ 3، البحر المحيط 4/ 403، إرشاد الفحول ص 64، مقدمة المجموع 1/ 60، تيسير التحرير 3/ 102، فواتح الرحموت 2/ 174.
(4) سواء كان الراوي المسقط صحابياً أو غير صحابي.

(1/194)


فإن كان من مراسيل غير الصحابة رضي الله عنهم
فليس (1) بحجة (2) لاحتمال أن يكون الساقط مجروحاً (3)، إلا مراسيل سعيد بن المسيب (4) من التابعين أسقط الصحابي وعزاها للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهي حجة (5) (6)، فإنها فتشت أي فتش عنها فوجدت
_________
(1) ورد في " المطبوعة " فليس ذلك.
(2) وهذا قول جماهير المحدثين وبه قال الشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول كما قال الإمام النووي في التقريب، انظر تدريب الراوي مع التقريب 1/ 198، مقدمة المجموع 1/ 60.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية، المرسل حجة، ونقله إمام الحرمين في التلخيص 2/ 416 عن جمهور الفقهاء ومالك وأهل المدينة وأبي حنيفة وأهل العراق.
والمشهور عن الشافعي أنه يقبل المرسل بشروط. انظر تفصيل ذلك في البرهان 1/ 634، شرح تنقيح الفصول ص 379، الإحكام 2/ 123، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 169، كشف الأسرار 3/ 2، أصول السرخسي 1/ 360، فواتح الرحموت 2/ 174، قواعد التحديث ص 137 فما بعدها، منهج النقد في علوم الحديث ص 371، الباعث الحثيث ص 48 - 49، شرح العضد 2/ 74.
(3) الجرح هو أن ينسب إلى قائل ما يرد قوله لأجله. انظر شرح الكوكب المنير 2/ 440، التعريفات ص41.
(4) هو سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي الإمام العَلم، عالم أهل المدينة من كبار التابعين وسيدهم في زمانه، ولد في خلافة عمر - رضي الله عنه -، أحد الفقهاء السبعة، توفي سنة 94 هـ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 4/ 217، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/219، البداية والنهاية 9/ 105.
(5) ورد في " ب " (وإن كان من مراسيل غير الصحابة رضي الله عنهم فليس بحجة).
(6) وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي في القديم فقد قال ( ... وإرسال ابن المسيب عندنا حسن) مختصر المزني ص 78. وقد اختلف العلماء في معنى عبارة الشافعي السابقة، فقال الماوردي (فإن قيل فحديث سعيد بن المسيب مرسل والمراسيل عند الشافعي ليست حجة، قيل أما مراسيل غير سعيد بن المسيب فليست عند الشافعي بانفرادها حجة، وأما مراسيل سعيد فقد حكي عن الشافعي أنه أخذ بها في القديم وجعلها على انفرادها حجة وإنما خص سعيد بقبول مراسيله لأمور منها: أن سعيداً لم يرسل حديثاً قط إلا وجد من طريق غيره مسنداً، ومنها أنه كان قليل الرواية لا يروي أخبار الآحاد ولا يحدث إلا بما سمعه عن جماعة أو عضده قول الصحابة رضي الله عنهم، أو رآه منتشراً عند الكافة، أو وافقه فعل أهل العصر، ومنها أن رجال سعيد بن المسيب الذين أخذ منهم وروى عنهم هم أكابر الصحابة وليس كغيره الذي يأخذ عمن وجد، ومنها أن مراسيل سعيد سبرت فكانت مأخوذةً عن أبي هريرة وكان يرسلها لما قد عرفه الناس من الأُنس بينهما والوصلة، وإن سعيداً كان صهر أبي هريرة على ابنته فصار إرساله كإسناده عن أبي هريرة، ومذهب الشافعي في الجديد أن مرسل سعيد وغيره ليس بحجة) الحاوي الكبير 5/ 158، وانظر اللمع ص 218 - 219، قواعد التحديث ص 144 - 145، التلخيص 2/ 428، تدريب الراوي 1/ 199 - 200، الباعث الحثيث ص 49.
وخالف في ذلك كثير من العلماء ومنهم القاضي الباقلاني فلم يرَ فرقاً بين مراسيل سعيد ومراسيل غيره، انظر البرهان 1/ 639 - 640.
وقال الإمام النووي (ولا فرق في هذا عنده بين مرسل سعيد بن المسيب وغيره، هذا هو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون) مقدمة المجموع 1/ 61.

(1/195)


مسانيد أي رواها له الصحابي الذي أسقطه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو في الغالب صهره أبو زوجته أبو هريرة (1) - رضي الله عنه -.
أما مراسيل الصحابة بأن يروي صحابي عن صحابي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يسقط الثاني، فحجة (2) لأن الصحابة كلهم عدول.
_________
(1) أبو هريرة اختلف في اسمه على أقوال أرجحها هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن أكثر الصحابة روايةً عنه، الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، سيد الحفّاظ الأثبات، توفي سنة 57 هـ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 2/ 578، البداية والنهاية 8/ 107، الإصابة في تمييز الصحابة 7/ 199.
(2) وهذا مذهب جماهير أهل العلم من المحدثين والأصوليين والفقهاء، وخلاف ذلك شذوذ، انظر تفصيل المسألة في البرهان 1/ 635، التلخيص 2/ 421، اللمع ص 218، الإحكام 2/ 124، المستصفى 1/ 170، المسودة ص 259، فواتح الرحموت 2/ 174، البحر المحيط 4/ 409، قواعد التحديث ص 148، مقدمة المجموع 1/ 62، التقريب مع شرحه تدريب الراوي 1/ 207، الباعث الحثيث ص 50، منهج النقد في علوم الحديث ص 373.

(1/196)


[الإسناد المعنعن]
والعنعنة بأن يقال حدثنا فلان عن فلان إلى آخره (1)، تدخل على الإسناد (2)، أي على حكمه فيكون الحديث المروي بها في حكم المسند (3)،
[لا المرسل] (4) لاتصال سنده في الظاهر.
_________
(1) أي بدون تصريح بالتحديث أو الإخبار أو السماع، منهج النقد في علوم الحديث ص 351، وانظر تدريب الراوي 1/ 214، قواعد التحديث ص 127.
(2) في " المطبوعة " الأسانيد.
(3) وهذا على مذهب الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول فهو متصل كما ذكره الإمام النووي في التقريب وقد شرطوا لذلك شرطين: الأول ألا يكون المعنعن مدلساً. الثاني إمكان لقاء بعضهم بعضاً مجالسةً ومشاهدة، انظر التقريب مع شرحه تدريب الراوي 1/ 214، فتح المالك في ترتيب التمهيد 1/ 39، قواعد التحديث ص 127، منهج النقد في علوم الحديث ص 351، الرسالة ص 373، كشف الأسرار 3/ 71، تيسير التحرير 3/ 57، الباعث الحثيث ص 52، المسودة ص 260، شرح العبادي ص 192، حاشية الدمياطي ص 20.
وهنالك قول آخر في المسألة أشار إليه الشارح بقوله (لا المرسل)، فذهب جماعة إلى أن المعنعن ليس بمتصل بل هو منقطع مرسل، وهذا قول ضعيف ووصفه أبو إسحاق الشيرازي بأنه خطأ، اللمع ص 219، وانظر المصادر السابقة أيضاً.
(4) ما بين المعكوفين ليس في " هـ ".

(1/198)


[ألفاظ الرواية عند غير الصحابي]
وإذا قرأ الشيخ (1) وغيره يسمعه يجوز للراوي * أن يقول حدثني (2) وأخبرني (3) (4).
وإن (5) قرأ هو على الشيخ (6)، يقول أخبرني ولا يقول حدثني، لأنه لم يحدثه (7). ومنهم من أجاز حدثني (8) **.
_________
(1) هذه أرفع طرق تحمل الحديث وهي السماع من لفظ الشيخ عند جماهير المحدثين كما قال الإمام النووي، التقريب مع شرحه تدريب الراوي 2/ 208.
* نهاية 8/أمن " ج ".
(2) ورد في " ب " حدثني فلان.
(3) في " هـ، المطبوعة " أو أخبرني، وورد في " ب " أخبرني فلان.
(4) ويجوز للراوي أن يقول حدثنا وأخبرنا وأنبأنا بصيغة الجمع، تدريب الراوي 2/ 209.
(5) في " أ " وإذا.
(6) القراءة على الشيخ تسمى عَرْضَاً، أي أن التلميذ يعرض ما يقرؤه على الشيخ، وهذا عند أكثر المحدثين، قاله الإمام النووي انظر التقريب مع شرحه تدريب الراوي 2/ 12.
(7) هذا الذي ذهب إليه إمام الحرمين وأقره الشارح عليه هو قول الشافعي ومسلم والأوزاعي والنسائي والحاكم وغيرهم، فأجازوا أخبرنا ومنعوا حدثنا، انظر التلخيص 2/ 388، تدريب الراوي 2/ 16، 20، 21، الإحكام 2/ 100، كشف الأسرار 3/ 39، المسودة ص 283، فواتح الرحموت 2/ 165، قواعد التحديث ص 215 - 216، الباعث الحثيث ص 111، منهج النقد في علوم الحديث ص 224.
(8) أجازه أبو حنيفة ومالك والبخاري ويحيى بن سعيد القطّان والزهري وسفيان بن عيينة ومعظم الحجازيين والكوفيين وهو رواية عن أحمد، انظر المصادر المذكورة في الهامش السابق.
** نهاية 12/ب من " أ ".

(1/199)


وعليه عرف أهل الحديث (1) لأن القصد الإعلام بالرواية عن الشيخ.
وإن أجازه (2) الشيخ من غير قراءة (3)، فيقول أجازني * أو أخبرني إجازة (4).
_________
(1) قول الشارح (وعليه عرف أهل الحديث) أي جواز حدثني وأخبرني على خلاف المصطلح الشائع عند المحدثين في التفريق بين حدثني وأخبرني، قال ابن الصلاح (الفرق بينهما هو الشائع الغالب على أهل الحديث) ونحوه قال الإمام النووي، انظر التقريب مع شرحه تدريب الراوي 2/ 17، الباعث الحثيث ص 112، منهج النقد في علوم الحديث ص 224.
(2) الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث، يقال استجزته فأجازني، إذا أسقاك ماءاً لماشيتك وأرضك، كذا طالب العلم يستجيز العالم علمه فيجيزه، قاله الإمام النووي، التقريب مع شرحه تدريب الراوي 2/ 42، وانظر قواعد التحديث ص 213، الباعث الحثيث ص 119، منهج النقد في علوم الحديث ص 215.
وجمهور العلماء على جواز الرواية بالإجازة ومنعها بعضهم وفي المسألة أقوال أخرى، انظر التلخيص 2/ 389، البرهان 1/ 645، المستصفى 1/ 165، الإحكام 3/ 100، تيسير التحرير 3/ 94، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 174، شرح الكوكب المنير 2/ 500، البحر المحيط 4/ 396، تدريب الراوي 2/ 29.
(3) في " ب، هـ " رواية.
* نهاية 10/أمن " ب ".
(4) ولا يقول حدثني وأخبرني مطلقاً، وهذا مذهب جمهور المحدثين والأصوليين، وفي المسألة أقوال أخرى، انظر الإحكام 2/ 100، فواتح الرحموت 2/ 165، كشف الأسرار 3/ 44، تدريب الراوي 2/ 52، تيسير التحرير 3/ 95، شرح العضد 2/ 69، البحر المحيط 4/ 399، شرح الكوكب المنير 2/ 522، الباعث الحثيث ص 119، المسودة ص 288.

(1/200)