فتح القدير للكمال ابن الهمام بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ
(الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا)
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
إذَا عَنَى بِالْقِصَاصِ اسْتِيفَاءَهُ عَلَى وَلِيِّ
الْأَمْرِ لَا تَسْلِيمَ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ لَهُ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ) وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسَّلَ مَاعِزًا»
(قَوْلُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا إلَخْ) غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ] مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا اخْتَلَفَ فِيهِ
الْمَشَايِخُ. قِيلَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ
وَصَاحِبَيْهِ، فَعِنْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ،
وَعِنْدَهُمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
ظَالِمٌ بِالْقَتْلِ فَيَلْحَقُ بِالْبَاغِي. وَلَهُمَا أَنَّ
دَمَهُ هَدَرٌ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. وَفِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» .
[بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ]
(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) (قَوْلُهُ خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ) سَهْوٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ فِيهَا وقَوْله تَعَالَى
{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] ظَاهِرٌ فِيهِ لِأَنَّ
الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ظَاهِرٌ فِي
صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ
وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ
(2/150)
وَلِمَالِكٍ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي جَوْفِ
الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ
اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ
الْقِبْلَةِ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ
(فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فِيهَا فَجَعَلَ
بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ) لِأَنَّهُ
مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ
عَلَى الْخَطَأِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ
مَكَثَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ
خَرَجَ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ
وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ
ثُمَّ صَلَّى» وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ
أَعْمِدَةٍ، وَكَانَ هَذَا يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى مَا
صَرَّحَا بِهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
فَهَذَا وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ يُعَارِضُ
رِوَايَتَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ
وَفِيهَا سِتُّ سَوَارٍ، فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ فَدَعَا
وَلَمْ يُصَلِّ» وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُثْبِتٌ
وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي. وَمَنْ تَأَوَّلَ حَدِيثَ
بِلَالٍ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءَ فَخُرُوجٌ
عَنْ الظَّاهِرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُرْتَكَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ
الْأَحَادِيثِ. قِيلَ تَأْوِيلٌ يَنْفِيهِ الصَّرِيحُ وَهُوَ
مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «فَسَأَلْتُ
بِلَالًا: صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ
بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ
خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ»
لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «وَنَسِيتُ أَنْ
أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى» وَمَا قَدْ يُقَالُ: عَدَمُ سُؤَالِهِ
لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ إخْبَارِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَنْ
تَأَمَّلَ السِّيَاقَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا
بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا
يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمْ يُصَلِّ، وَدَخَلَهَا مِنْ الْغَدِ
فَصَلَّى، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ) خَرَجَ
بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ: تَعَارَضَ فِيهِ الْمَانِعُ
وَالْمُبِيحُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُسْتَدْبِرٌ بَعْضَهَا
(2/151)
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (وَمَنْ
جَعَلَ مِنْهُمْ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ تَجُزْ
صَلَاتُهُ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ
(وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا بِصَلَاةِ
الْإِمَامِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ
مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي
جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ
إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ
(وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ)
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ
الْعَرْصَةُ، وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا
دُونَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ
لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ وَلَا بِنَاءَ
بَيْنَ يَدَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَمُسْتَقْبِلٌ بَعْضَهَا، فَتَضَمَّنَ مَنْعَ كَوْنِهَا
اسْتِدْبَارَ بَعْضِهَا مَانِعًا، بَلْ الْمَانِعُ عَدَمُ
الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ الْبَعْضِ وَقَدْ وُجِدَ
فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَانِعٌ
(لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ) وَيُحَوَّلُ وَالْقِبْلَةُ
لَا تَتَحَوَّلُ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ نَقَلَ
تِلْكَ الْأَحْجَارَ وَجَبَ التَّوَجُّهُ إلَى خُصُوصِ ذَلِكَ
الْمَكَانِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلٍ أَرْفَعَ مِنْ
الْكَعْبَةِ جَازَتْ، فَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ هَاتَيْنِ
أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ تِلْكَ الْعَرْصَةُ إلَى عَنَانِ
السَّمَاءِ (قَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ إلَخْ) أَخْرَجَ
ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ
فِيهَا، ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ،
وَالْمَزْبَلَةُ
(2/152)
كِتَابُ الزَّكَاةِ (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ
الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُسْلِمِ إذَا مَلَكَ نِصَابًا
مِلْكًا تَامًّا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) أَمَّا
الْوُجُوبُ فَلِقَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ وَعَظْمُ الْإِبِلِ وَمَحْجَةُ
الطَّرِيقِ» وَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ
وَأُعِلَّ بِأَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَهُوَ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَأَمَّا أَبُو
صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ فَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ
وَتَكَلَّمَ فِيهِ آخَرُونَ. |