فصول البدائع في أصول الشرائع

القسم الرابع في المحكوم عليه
وهو المكلف وفيه مباحث.

الأول: اشترط في صحة التكليف فهم المكلف له بمعنى تصوره لا تصديقه (1) وإلا لزم الدور وعدم تكليف الكفار فلا حاجة إلى استثناء التكليف بالمعرفة أو النظر أو قصده وأمثالها كيف والدليل العقلي غير فارق وهذا مذهب كل من منع تكليف المحال وبعض من جوزه إذ لا ابتلاء، لنا أولًا أن التكليف استدعاء حصول الفعل على قصد الامتثال وهو محال عادة وشرعًا لاشتراط النية ممن لا شعور له وإن كان ممتنعًا بالغير فالاتفاق لا يكفي في سقوط التكليف وثانيًا لزوم تكليف البهائم إذ لا مانع يقدر إلا عدم الفهم ولا فساد في أنهما لا ينتهضان على من جوز تكليف المحال إلا بالتمسك بانتفاء فائدة التكليف وهو الابتلاء لأن تجويزه مبني هذا الخلاف وإما حديث رفع القلم عن ثلاث بتمامه فلا يدل على عدم الجواز بل على عدم الوقوع، ولهم أولًا أنه واقع حيث اعتبر طلاق السكران وقتله وإتلافه قلنا هو من ربط الأحكام باسبابها أي حكم وضعي لا تكليفي كقتل الطفل وإتلافه وضعي له وتكليفي على وليه. وثانيًا: قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: من الآية 43) ومن لا يعلم ما يقول لا يفهم ما يقال له. قلنا: الظاهر في مقابلة القاطع واجب التأويل فأما نهي عن السكر عندها نحو
__________
(1) انظر / إحكام الأحكام للآمدي (1/ 215)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص / 68). بتحقيقنا.

(1/310)


لا تمت وأنت ظالم وقوله تعالى {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية 102) فإن القيد مناط النفي غالبًا وإما نهي للنهى لأن النهي تمنع التثبت كالغضب أي حتى تعلموا علمًا كاملًا.

الثاني: المعدوم مكلف عند الأشاعرة خلافًا لغيرهم لا بمعنى كون الفهم أو الفعل حال العدم مطلوبًا بل بمعنى المطلوبية حال العدم أعني توجه الحكم في الأزل إلى من علم الله وجوده بالفهم والفعل فيما لا يزال فيندفع قولهم إذا امتنع في النائم والغافل ففى المعدوم أجدر لأن الممتنع هو المعني الأول، لنا لو توقف تعليق التكليف على الوجود الحادث لكان حادثًا فكان للتكليف الذي يتحقق حقيقة إلا بالتعلق حادثًا وأنه أولى لأنه أمر ونهي وهما كلام الله تعالى وهو أزلي، أولًا لزوم الأمر والنهي والخبر والنداء والاستخبار من غير متعلق موجود وأنه سفه محال ولا قياس على خبر الرسول، لنا لأن عه مبلغًا وفي الأزل لا مخاطب أصلًا قلنا فيه تحقيق وتدقيق إما التحقيق فهو أن الكلام عند الشيخ نوع واحد هو الخبر المفسر بالنسبة بين المفردين القائمة بالنفس المحتمة للتصدق أو التكذيب وسائر الأقسام أصنافه ينقسم إليها بعارض اختلاف المسند فالخبر باستحقاق الثواب على الفعل والعقاب على الترك أمر وعكسه نهي وبإرادة الإستعلام استخبار والإجابة نداء وبغير هذه الأربعة خص باسم الخبر ومنه الوعد والوعيد كما ينقسم إلى أصناف الماضي والحال والمستقبل باختلاف أحوال المسند من تقدمه على زمان ظهور الخبر ومعيته وتأخره والكلام يتصف بهذه الأقسام في الأزل ويختلف عنها العبارات ولا إشكال على الخبرية بامتناع تطرق الصدق والكذب لأن امتناعه عقلي لخصوصية المحل لا لغوي فلا ينافيه جواز العفو مع تجويزهم الخلف في الوعيد وعن ابن سعيد رحمه الله هو الخبر المشترك الحالي عن التعلق والأقسام عوارض حادثة بحسب حدوث التعلق لا أنواع حتى يرد عليه أن الجنس لا يوجد إلا في نوع والفرق بين المذهبين اعتبار التعلق قديمًا وعدمه وإما التدقيق فهو أنه كسائر الصفات لا يتغير بتغير التعلقات كما لا يتغير علمه بإرسال نوح عليه السلام بتغير الأزمنة وهذا قريب مما يقال علمه ليس زمانيًا فلا يكون له ماض وحال ومستقبل وأنكره أبو الحسين رحمه الله بوجوه أقوالها أن إمكان انفكاك أحد هذه العلوم عن غيره يستلزم مغايرتها وجوابه أن ذلك في علمنا وعلم الله تعالى بجميع الكائنات على ما هي عليه واجب فتنزيل الجواب أن تعلق هذه الأقسام في الأزل بالمعدوم المعلوم وجوده لله عين تعلقها فيما لا يزال حين وجد فإن يختلفان بالامتناع والامكان وقريب

(1/311)


منه القول بأن المخاطبة في الأزل بالماهيات والهويات الثابتة في علم الله تعالى ويضطر إليه في أمر التكوين ويونسه تمثليهم بطلب الأب في نفسه التعلم من ابن سيولد وأقول هذا التنزيل مما لا يستدعى ذلك التحقيق والتدقيق لصحة تحقق جميع هذه الأقسام في الأزل بذلك الاعتبار بحقائقها من غير ردها إلى الخبر ولا اعتبار العروض في تعلقها فإن كان تعلق شخصي كما هو هو أزلا وأبدًا حينئذ إما مذهب ابن سعيد من أن التعلق حادث فلا يستدعي وجود المتعلق في الأزل والقديم هو الخالي عن التعلق إذ التعلق ليس من حقيقته فلا يكفى جوابًا لأن أحد التعلقات لازمة فلا يوجد بدونه وثانيًا أن الكلام لو قدم بأقسامه كما يقول الشيخ ليتحقق الأمر بالمعدوم لزم تعدد أنواعه وأشخاصه في الأزل وهو غير قائم به وإن قال به شرذمة قلنا لتعدد اعتباري لتعدد المتعلقات كما في الأبصار بالمبصرات وما نفاه هو الوجودي على أن عدم امتناع ذلك أيضًا قد علم، الثالث أن جهل الأمر انتفاء شرط وقوع الفعل صح تكليفه اتفاقًا وإن لم يقع إلا في الشاهد وكذا أن علمه دون المأمور لتحقيق فائدته إذ يمكنه الفعل لو وجد الشرط فيصبر قطعًا عاصبًا بالعزم على الفعل والترك وبالبشر به والكراهة له ولذا يعلم التكليف قبل الوقت وإن لم يعلم وجود الشرائط كالتمكن وغيره في الوقت والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط وقال الإِمام والمعتزلة لا يصح كما لو علم المأمور إذ مانع الصحة وهو كونه غير منصور الحصول مشترك ولأن ما عدم شرطه غير ممكن فالتكليف به مع العلم بعدمه تكليف بما علم استحالته وجواب الأول الفرق بتحقق الفائدة والثاني بوجهين:
1 - أن شرط التكليف الإمكان العادي والمنتفي ها هنا الإمكان الوقوعي وهو استجماع شرائطه بالفعل.
2 - أنه يقتضي عدم صحته مع جهل الأمر كما في الشاهد فإن عدم الإمكان بالنسبة إلى المأمور مشترك لنا أنه لو لم يصح فأولا لم يقع معصية إذ كل ما لم يفعل فقد إنتفى شرط له من إرادة حادثة كما عند المعتزلة أو قديمة وحادثة كما عندنا فلا تكليف به فلا معصية وثانيًا لم يعلم أحداثه مكلف في الحال واللازم بطل بالضرورة إما الملزوم فلأن التكليف ينقطع في كل جزء بغرض وقوع الفعل فيه لوجوبه قطعًا أو امتناعه عاصيًا وبعده بالأولى وقبله لا يعلم لتجويزه انتفاء شرط فيه وهذا متأت في المضيق والموسع وهذا إلزامي للمعتزلة وإلا فمع الفعل تكليف عند الشيخ لما مر وثالثا لم يعلم إبراهيم عليه السلام وجوب ذبح ولده لانتفاء شرطه في وقته وهو عدم النسخ وإما إنكار قوم العلم

(1/312)


بالتكلِف قبل دخول وقت الامتثال فمعاندة. وقال القاضي مخالفًا للإجماع على تحقق الوجوب والحرمة قبل التمكن من الفعل ولذا يجب الشروع بنية الفرض إجماعا ومنه يعلم أن التكليف يتوجه قبل المباشرة إجماعا.

فصل بيان المحكوم عليه بالبحث عن الأهلية والأمور المعترضة عليها
ففيه جزءان:

الجزء الأول في الأهلية: هي لغة الصلاحية واصطلاحًا الصلاحية للوجوب له وعليه شرعًا أو لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا ويسمى الأولى أهلية نفس الوجوب والثانية أهلية الأداء والأولى بالذمة والثانية نوعان كاملها بكمال العقل والبدن كالعاقل البالغ وقاصرها بقصورهما كالصبي العاقل أو المعتوه أو بقصور أحدهما كالبالغ المعتوه فوجوب الأداء مع الكاملة وصحة الأداء القاصرة ولتحقيقه مقدمات:
1 - تذكير ما مر أن نفس الوجوب شغل الذمة ولزوم الوقوع ووجوب الأداء طلب تسليم ما اشتغلت به ولزوم الإيقاع ونفس الأداء التسليم والإيقاع فهذه ثلاثة مفهومات لكل منها أهلية عبر القوم عن أهلية الأول بأهلية الوجوب وعن أهلية الثاني بأهلية الأداء الكاملة وعن أهلية الثالث بصحة الأداء وأهلية الأداء القاصرة وحصل ستة مفهومات فنفس الوجوب بالسبب وأهليته بالذمة ووجوب الأداء بالخطاب وأهليته بالعقل والبدن الكاملين ونفس الأداء بوجود الأركان والشرائط وأهليته أعني صحته بالقاصرين.
2 - أن الذمة لغة العهد لأنه سبب نوع الذم إذا نقض واصطلاحًا عند الجمهور حقيقة عهد جرى بين الرب والعباد كما يدل عليه قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} (الأعراف: من الآية 172) الآية حيث فسروه بأن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام
أخرج ذريته من ظهره مثل الذر وأخذ ذلك الميثاق وأعادهم إلى ظهره واستدلوا عليه بما روى مالك وأحمد بن حنبل والترمذي عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي عليه السلام قال في تفسيره "إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون" (1) ووفق صاحب الكشف بأن المراد إخراج ذرية آدم
__________
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 80) ح (74)، والضياء في المختارة (1/ 406 - 407) ح (289)، والترمذي (5/ 266) ح (3075)، وأبو داود (4/ 226) ح (4703)، والإمام مالك في الموطأ (2/ 898) ح (1593)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 44) ح (311)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (3/ 558 - 559) ح (990)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 87) ح (196).

(1/313)


من ظهره وظهر أولاده حسب ما يتوالدون في أدني مدة كموت الكل بالنفخة الأولى وحياتهم بالنفخة الثانية فقيل صاروا حينئذ أصنافًا ثلاثة سابقون هم المقربون سبق لهم نور يحبهم فانجذبوا بشر أشرهم إليه بتجريد يحبونه ثم أصحاب الميمنة هم الأبرار الممتثلون بقوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود: من الآية 112) ثم أصحاب المشئمة الذين جوابهم بلى لا عن رغبة واختيار بل عن هيبة ووقار وعند المؤولين عهد استعير به تمثيلًا عن نصب أدلة المعرفة والوحدانية لهم وتركهم بحيث يصلح للاستدلال عليهما والاقرار بهما ورئيسهم صاحب الكشاف ليناسب مذهبه في أن التكليف بالعقل قال الرازي فاتفقت المعتزلة أن الحديث لا يصلح مفسرًا للآية ووفق البيضاوي بأن المراد من بني آدم هو وأولاده جعله اسمًا للنوع كالبشر ومن الإخراج توليد بعضهم عن بعض على مر الزمان واقتصر في الحديث على ذكر الأصل وذكر الشيرازي رحمه الله بينه وبينهم ميثاقين أحدهما لما يهتدي إليه العقول بنصب الأدلة وذا في الآية وثانيهما لما لا يهتدي إليه من الواردات الشرعية التي تتوقف على توقيف الأنبياء عليه فأخبر في الحديث بذلك في جواب سؤال الصحابة عن الميثاق الحالي جريًا على الأسلوب الحكيم وأيًا ما كان ففط الآية دلالة أن فهيم وصفًا به أهلية الإجابة والاستجاب قيل فهو العقل وإليه يشير ظاهر كلام أبي زيد رحمه الله أن يشمل العقل الهيولاني وإلا صح أن للعقل مدخلًا فيه وليس عينه بل هو خصوصية الإنسان المعتبر فيها تركيب العقل وسائر القوي والمشاعر لا كالملك وسائر الحيوانات وبذا اختص بقبول الأمانة المعروضة فإن استعير بالعهد عن تلك الخصوصية فالذمة في قولهم وجب في ذمته حقيقة العهد كما ذهب إليه فخر الإِسلام فأريد بها فيه نفس ورقبة لها عهد أي باعتباره كما فسره بها تسمية لها باسم أكل وهو المطابق لما عبر عنها بالعنق في قوله تعالى {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء: من الآية 13) أي جعلنا القضاء والقدر المسببين للخيًر والشر أو عمله الذي هو وسيلة الخير والشر لا زمالة لزوم القلادة للعنق فإن الطائر لتيمن العرب بسنوحه وتشأمهم بتروحه يستعار به لسبب الخير والشر ففيه تمثيل مبني على الاستعارة المصرحة أو حقيقة في الخارج من العمل من طار السهم أي خرج وأياما كان ففيها دلالة أن في الإنسان وصفًا وخصوصية بها التزمه إذ ليس المراد إلزامًا بدون التزامه لما يفهم من سياق الآيتين كما ظن فاعترض بجواز الاستدلال حاصل بمثل أقيموا الصلاة مع أنا بصدد إثبات وجود ما به التكليف العام وهو المراد يحمله الأمانة أي الطاعة أو التكليف في آية العرض سواء فسر بحقيقته

(1/314)


حيث قيل خلق الله في هذه الأجرام فهما فقال فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني ونارًا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات لا نحتملها وحين خلق آدم وعرض عليه حمله فهو ظلوم بتحمل ما شق جهول بوخامة عاقبته أو أوّل بأنها لو عرضت عليها وكانت ذات شعور لا بين حملها وحملها هو مع ضعف بنيته وخاسها فهو ظلوم لعدم الوفاء بها جهول بعاقبتها وصف الجنس بوصف الأغلب أو بأن استعير عن التكليف بالأمانة وعن نسبته إلى الاستعداد بالعرض وعن عدم اللياقة الآباء وعن الاستعداد بالحمل وعن غلبة القوة الغضبية والشهوية بالظلم أو الجهل فهما علة الحمل إذ التكليف لتعديلهما المؤدي كماله إلى مرتبة بها يتحقق كون خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وهنا يعلم أن تركيب العقل غير كاف في قصد ترتيب الكمال الإنساني على وجوده وإن فيه أمرا به التزامه فالثابت بهذه الأدلة ما به الوجوب عليه ولم يتعرض لدليل الوجوب له لظهوره وكثرته ولأنه لا يتوقف على تحقق الذمة بدليل ثبوته للحمل ولكل دابة بالآية.
3 - أن العقل نور يضىء به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس فيتبدى المطلوب للقلب أي أمر طاهر في نفسه مظهر لغيره أو منور به طريق الفكر للبصيرة كما يظهر بنور الشمس طريق الإحساس للبصر وهو طريق الاستدلال بالشاهد على الغائب وانتزاع التمليك من الجزئيات وبالجملة ما مر من ترتيب المعلوم لتحصيل المجهول فمبدأ الترتيب العقلي من حيث ينتهي إليه الدرك الحسين لأن مبدأ، ارتسام المحسوس في أحدى الحواس الظاهرة ونهايته ارتسامه في الباطنة فمن الصور التي أدركها الحسن المشترك وخزنها في الخيال والمعاني الجزئية التي أدركها الوهم وخزنها في الحافظة ثم تصرف فيها المنصرفة بالتحليل والتركيب المسماة مفكرة ومتخيلة باعتبار استخدام العقل أو الوهم إياها شرع النفس في انتزاع المعاني الكلية وترتيبها والانتقال إلى ما يطلبه فإذا رتبها بشروطه السالفة يتبدى المطلوب للنفس المسمى بالقلب لتقلبه بين العلم والعمل فإنه بين إصبعي الرحمن فيمكن حمل النور على الجوهر المسمى بالعقل الأول والقلم كما قال عليه السلام: "أول ما خلق الله تعالى العقل والقلم ونوري" في روايات وهو السبب الأول كالشمس وتوسط العقل الفعال أو العقول الآخر لا ينافيه وعلى إشراقه الحاصل بحسب القابلية المقدرة من الله تعالى فطرية كانت أو كسبية كإشراقها وعلى الصفة المعنوية الحاصلة للنفس من إشراقه كالضوء الحاصل من إشراقها وهي الإنسب يما جعل صفة للراوي وهي البصيرة المفسرة بالقوة المعدة لاكتساب لعلوم فأما قابلية النفس لإشراقه

(1/315)


فهي الذهن ثم للحاصل للنفس بإشراقه وللنفس باعتباره مراتب أربع يسمى العقل الهيولاني في مبدأ الفطرة فالعقل بالملكة عند إدراك البديهيات وحصول ملكة الانتقال إلى النظريات فالعقل بالفعل عند القدرة على إحضار النظريات بلا تجشم كسب جديد ثم العقل المستفاد عند مشاهدتها المسمى علم اليقين ولا رتبة بعد المشاهدة فالمسماتان عين اليقين وحق اليقين الحاصلتان عند الإنس به والاستغراق فيه من مراتب العمل ومناط التكليف هي العقل بالملكة التي عندها قوة تحصيل النظريات.
4 - تذكير ما مر أن العقل معتبر في الأهلية لكونه آلة إدراك الحسن والقبح الثابتين بإيجاب الله تعالى ولو لم يرد الشرع لدرك بالعقل أو لم يدرك لكدورته باتباع الهوى ومعارضة الوهم لا مهدر إلا في فهم الخطاب كما قالت الأشاعرة ولا مهدر مطلقًا بدون المعلم كما قالت الإسماعيلية ولا موجب منيع مطلقا وإن خفى إيجابه في نحو وجوب الصوم في آخر رمضان وحرمته في أول شوال كما قالت المعتزلة فليس كما ظن أن لا نزاع فيه بل في توجه أحكام الشرع إلى من لم يبلغه الدعوة ولعدم ورودها أو وصولها حين يترتب الثواب والعقاب عليه بل هذا فزعة.
5 - أن للنفس المسماة بالقلب قوة عاقلة بها يستضيء من ذلك الجوهر وقوة عاملة بها تحرك البدن ولذا انقسمت علومها إلى نظرية لا تتعلق بالمباشرة كالإيمان وإلى عملية تتعلق بها كالعبادات فإذا حركت البدن حسما تستضيء منه بلا شوب ومعارضة الوهم أي إلى الخير الملائم للروح لا للبدن وعن الشر المعكوس المنحوس استدل به على وجود تلك الصفة المسماة بالعقل ناقصًا أو كاملًا والأعلم عدمها ولما تفاوت أفراد البشر في كمال العقل المسمى شرعا بالاعتدال لتفاوت القابليات الخلقية والكسبية فإن البدن كلما كان أعدل وبالواحد الحقيقي أشبه كان نفسه الفائضة بكمال كرم الفياض أكمل وإلى الخير أميل وللكمال أقبل تفاوتًا تعذر الوقوف عليه أقام الشرع البلوغ الظاهر إذ عنده يحصل العقل بالملكة غالبًا حيث يتم التجارب ويتكامل القوى الجسمانية المسخرة للعقل بإذن الله تعالى الخالق للقوى والقدر مقام اعتداله الخفي تيسيرا كالسفر، إذا تحققت فنقول إما أهلية نفس الوجوب فالبذمة الحاصلة عند الولادة فلكل من ولد ذمة صالحة للإيجاب والإستيجاب يثبت له ملك الرقبة والمتعة وعلية الثمن والمهر بتصرف الولي، فأما الحمل فجزء من وجه حسًّا، ولذا لا ينفصل إلا بالقرض وحكما ولذا يعتق ويرق ويبتاع تبعًا لها دون وجه لانفراده بالحياة فلم يكن له ذمة مطلقة فصلح لأن يجب له كالعتق والإرث

(1/316)


والوصية والنسب لا عليه كالثمن ونفقة الأقارب ونحوهما من الضمانات والمؤن لكن الوجوب على المولود لا يقصد إلا لحكمه عن الاختيار وغرضه كالابتلاء والاختبار في العبادات والإنزجار في العقوبات فيبطل لعدمهما كما لعدم المحل في بيع الحر وإعتاق البهيمة ولانعدام الوجوب حكمه لم يجب القصاص على الأب لانعدام الاستيفاء ولم يجب الشرائع في الدنيا على الكفار عند مشايخ ما وراء النهر كالشيخين وأبي زيد زيادة للعقوبة بتركها عليها بترك الاعتقاد والكفر وجوب المعاملات والعقوبات وأصل الإيمان واعتقاد الشرائع إجماعًا لأهليتهم للمصالح الدنيوية والانزجار وأداء التصديق والإقرار والاعتقاد وذلك لانعدام صحة آدابهم كافرين لا يقال فليجب على تقدير الأيمان لأنه لو كان كذلك لوجب القضاء بعد الإيمان كصلاة النائم وصوم المريض إذ في مثله يتحقق نفس الوجوب ويتراخى وجوب الأداء خلافا للعراقية من مشايخنا والشافعية والمعتزلة وأئمة الحديث تمسكًا بعموم الخطابات كما قيل في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا} (البقرة: من الآية 21) أنه خطاب لجميع الفرق الثلاث أو لمشركي مكة كيف وقد ترتب عليه {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} (البقرة: من الآية 24) الآية وذا خطاب بشرط تقديم الإيمان كخطاب المحدث والجنب يصلوا وهذا غير الوجوب حال الكفر وعلى تقدير الإيمان قالوا الإيمان رأس نعيم الآخرة فلا يصلح للتبعية فلا يثبت اقتضاء كما لا يثبت الحرية في قوله لعبده أعتق عن نفسك عبدا أو تزوج أربعًا بخلاف خطاب المحدث والجنب قلنا قد مر مستوفي أن الخطاب بشرط الشيء لا يقتضي أن يكون ثبوت الشيء به فالإيمان ثبوته بخطأ بأنه لا بخطابات الشرائع على أن المقدمة الشرعية للواجب موجبة اتفاقًا من غير فصل كما مر كيف وعقوبتهم بترك اعتقادها لتوجه الخطاب فكيف يمنع في حقها بترك العمل ومثل هذا الخطاب للإذلال وعدم ثبوت الحرية في المسألتين لعدم أهلية المخاطب للتحرير المقتضي ومن مقتضي المقتضى ذلك وللكفار أهلية نفس الإيمان ولذا أيضًا لا يقتضى ما مضى من بلغ فني أثناء رمضان إذ لا أداء له حالتئذ للحرج بخلاف ما بقى وعليه يخرج الصوم والصلاة في الحائض إذ ليست أهلًا لأدائها للنجاسة ولا لقضائها للحرج بخلافه فإنها أهل لأدائه كالجنب والمحدث لكن منعها الشرع أمر حكميا فانتقل إلى القضاء لعدم الحرج وفي المجنون فإنه مع الاستيعاب ليس أهلًا لأدائها ولا لقضائهما للحرج كما في استيعاب الإغماء في الصلاة دون الصوم لندرته شهرا ومع عدمه أهل لأدائه حتى لو حسن بعد النية ليلًا فقد أدى ولأدائها باحتمال الإفاقة ولقضائهما لعدم الحرج.

(1/317)


تفريع: فالصبي الغير العاقل لإحكامه أقسام حقوق الله تعالى منها ما لا يجب كالعبادات الخالصة بالبدن أو المال أو بهما لا إذ لاختيار لا في الأداء ولا في الإنابة وليس المقصود المال ليعمل النيابة الجبرية وكالعقوبات مطلقًا مثل الحدود والكفارات إذ لا انزجار والصبا مظنة المرحمة بالحديث وللأمرين حجر عن الأقوال نحو الأقارير والعقود بنفسه ولا سيما المضرة نحو الطلاق والهبة ونحوهما وكعبادة فيها المؤونة كصدقة الفطر عند محمَّد رحمه الله لأن الحكم للراجح وقالا الإختيار القاصر بالولي يكفى للعبادة القاصرة بخلاف الزكاة وهذا لأن الكل يحتمل السقوط عن البالغ فعنه أولى ثم القول بعدم الوجوب لعدم حكمه أسلم من قول بعض مشايخنا بوجوب كالهائم السقوط بعذر الصبا لدفع الحرج بناء على صحة الأسباب وقيام الذمة وذلك صورة لقصر المسافة ومعنى لأن ما لا فائدة فيه فاسد وتقليدًا لأن الصحابة لم يقولوا بالوجوب عليه أصلًا وحجة إما نقلًا فلحديث "يرفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحلم" (1) ورفع القلم عدم الوجوب وإما عقلًا فإذ لو وجبت ثم سقط لوقع عن الفرض إذا أدى ومنها ما يجب لصحة القول بحكمه كمؤونة فيها عبادة نحو العسر حتى لم يجب على الكافر أو عقوبة كالخراج حتى لم يبتدأ على المسلم وذا الغلبة وحقوق العباد منها ما لا يجب كما خلص عقوبة نحو القصاص أو جزاء نحو حرمان الإرث بالقتل خلافًا للشافعي، وإما حرمانه بالرق لعدم أهلية الملك وبالكفر لعدم الولاية فليس جزاء لأنه انتفاء بانتفاء الشرط أو جزء العلة ومنها ما يجب كالغرم إذ العذر لا ينافي عصمة المحل نحو ضمان ما أتلفه بالانقلاب عليه وكالبدل نحو الثمن والأجرة وكالصلة المشابهة بالمؤن نحو نفقات الزوجات مطلقًا مؤنة من حيث إنها عوض الاحتباس صلة من حيث عدم تسميتها في العقد فوجبت عند مضي المدة بالإلتزام ولو مع الفقر وسقطت عند عدمه للشبهين ونحو نفقة الأقارب عند اليسار لأنها مؤونته وليس فيها معنى العوضية فلذا يسقط عند عدمه وبمضي المدة مطلقًا وذلك
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 46) ح (148)، واين خزيمة في صحيحه (2/ 102) ح (1003)، وابن حبان في صحيحه (1/ 355) ح (142)، والحاكم في مستدركه (1/ 389) ح (949)، والضياء فط المختارة (2/ 41) ح (415)، والترمذي (4/ 32) ح (1423)، وقال: حسن غريب. والدارس (2/ 225) ح (2296)، والبيهقي في الكبرى (3/ 83) ح (4868)، والدارقطني في سننه (3/ 138)، وأبو داود (4/ 139) ح (4398)، والنسائي في الكبرى (3/ 360) ح (5625)، وابن ماجة (1/ 658) ح (2041)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 118) ح (956).

(1/318)


لأن ما مقصوده المال يحتمل الأداء بالنيابة الجبرية إما الصلة المشابهة بالجزاء كتحمل العقل يشبه جزاء ترك حفظ السفيه والأخذ على يد الظالم ولذا اختص برجال العشيرة دون نسائهم إذ لسن من أهل الحفظ والمعونة فلا تلزمه.
تنبيه: وهذا الصبي العاقل إلى هنا لاشتراك العلة، ومن أحكامه أنه يرث ويملك بمباشرة وليه إيمانه تبعًا لأبويه أو الدار وهذا كفره وارتداده تبعًا إذا ارتد أبواه ولحقا معه لا قصد إلا للحجر بل عدم ركنه وهو عقد القلب فإذا أسلمت زوجته لم يعرض على وليه بل أخر إلى أن يعقل لأن الصبا محدود بخلاف الجنون ولم يترك العرض لأن فيه حق العبد وإما أهلية وجوب الأداء فبالعقل والبدن الكاملين كالبالغ العاقل لأنه بالخطاب فلا بد من فهمه وقدرة المباشرة لمفهومه فمن خلا عنهما كما مر لا أداء له حكمة فلا وجوب أصلًا ومن قصرا فيه لا تكليف عليه رحمة كالصبي العاقل والمعتوه البالغ وإما أهلية الأداء أعني صحته فبالعقل أو البدن القاصرين كإيمان الصبي العاقل بلا وجوب أداء خلافًا للمعتزلة لما مر، لنا قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاث الحديث لكن مع نفس الوجوب لأنه بأسبابه المتحققة كأدلة الربوبية والذمة ولتحقق حكمه وهو الأداء عن اختيار ولذا يقع فرضًا ولا يلزم تجديده إذا بلغ، أما إذا صلى أول الوقت فبلغ في آخره أو أحرم فبلغ قبل الوقوف فقيل تجب عليه الإعادة وفي التقويم أنه يقع عن الفرضين لأن إسقاط الوجوب عنه كان نظرًا له ودفعًا للحرج والنظر هنا في أن لا يسقط ولذا أيضًا يفرق امرأته إذا أسلمت وأبى بعد العرض بخلاف الشرائع فإن فيها حرجًا بينًا في مظنه المرحمة. وقيل: لئلا يتضاعف القضاء ولا يتأتي في الحج على أنه لو حج لا يقع فرضًا كالعبد هذا مذهب الجمهور وقال السرخسي رحمه الله تعالى لما يثبت وجوب الأداء في حقه لم يثبت نفس الوجوب لأنه حكمها الأداء فإن ما يقتضيه شغل الذمة تفريقها إلا طالب تفريقها فذا حكم الخطاب.
تفريع: فالصبي العاقل وهذا المعتوه البالغ لأحكامه في حق الأهليتين أقسام ستة لحقوق الله تعالى حسن لا يحتمل القبح وعكسه ومحتمل لهما وحقوق العباد نفع محض وضرر مخض ومتردد بينهما:
1 - كالإيمان بالله وصفاته يصح منه خلافا للأشاعرة والشافعي وقد مر لوجوده حقيقة ولا حجر منه شرعا ولثبوت أهليته للأداء قال الله تعالى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: من الآية 12) وفسر بالنبوة فلان يكون مهتديا من يصح هاديا أولى لكن بلا عهدة

(1/319)


وتبعة وهي في لزومه لا فيه لأنه سبب نيل فوز الدارين إما حرمان أرثه من أقاربه الكفار وفرقته من امرأته الكافرة فمع إمكان معارضتهما إذ يرث من أقاربه المسلمين ولا يفرق من امرأته التي أسلمت قبله يضافان إلى كفر الباقي لا إلى إسلامه ولو أسلم فمن ثمراته التابعة المفارقة لأمن حكمه الأصلي المعتبر فيه ولذا لم يعد إيمانه تبعًا لأبويه عهدة.
2 - كالكفر لا يعفي في أحكام الآخرة اتفاقا إذ لا احتمال للعفو عن الشرك بالنص وفي أحكام الدنيا كفرقة المرأة المسلمة وحرمان الميراث عن المسلم خلاف فيصبح ارتداده عند الإِمام ومحمد رحمه الله تعالى لوجود حقيقته وعدم احتماله العفو وقال أبو يوسف والشافعي الردة ضرر محض فلا يصح كالطلاق ولذا لا يقتل وإن بلغ مرتدا قلنا إفسادها الإيمان لا يحتمل العفو كما يفسد صلاته كلامه وصومه إفطاره وحجة جماعة ولذا لا يسقط بعد البلوغ فكذا بالصبي وعدم قتله قبل البلوغ لأنه ليس من أهل المحاربة كالنساء وبعده لشبهة الخلاف فيجبر على الإِسلام لا لعدم الأهلية إذ لو قتله أحد قبله أو بعده لا يضمن كالمرتدة قيل مذهب الإِمام مما يؤيد قول المعتزلة أن الصبي العاقل غير معذور في الجهل بالله وترك الإيمان به قلنا قول المعتزلة وجوب الإيمان عليه وقوله صحة الردة وكم بينهما.
3 - كالصلاة ونحوها من البدنية التي تشرع وقتا دون وقت يصبح بلا عهدة فيكون نفلا بلا لزوم قضاء ومضى بخلاف نحو الزكاة لتضرره بنقصان ملكه.
4 - وهو حق عبد فيه نفع محض مباشرته كقبول الهبة والصدقة لكفاية الأهلية القاصرة إذ صح منه مباشرة النفل بحديث "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا" (1) أي ضرب تأديب وكالإصطياد والاحتطاب نظيره قبول يدل الخلع من العبد المحجور بلا إذن المولى وكوجوب الأجر للصبي المحجور مطلقًا وللعبد بشرط السلامة إذا آجرا نفسهما وإنما العمل والقياس عدم وجوبه لعدم صحة العقد واستحسانًا فيهما لأن العقد يتمحض منفعة بعد إقامة العمل غير أن العبد ما دام في العمل مغضوب للمستأجر بصدد أن يملك بالضمان إن هلك فلذا شرط السلامة فيه بخلاف الحر وكوجوب الرضخ في مقابلتهما بلا إذن الولي والمولي استحسانا لأنه بعدها يتمحض
__________
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 228) ح (3050)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 304) ح (3482)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 180) ح (6689)، وانظر/ الدراية في تخريج الهداية للمرغيناني (1/ 122)، نصب الراية للزيلعي (1/ 296).

(1/320)


منفعة لا في القياس لأنهما ليسا من أهل القتال كالحربي المنسأ من أن قاتل بإذن الإِمام استحق الرضخ وإلا فلا قيل ويحتمل تفرد محمَّد بهذا فيكون الخلاف فيه مبنيا عليه في صحة أمان الصبي والعبد المحجوزين عنده لا عندهما والأصح أنه جواب الكل بناء على تمحضه نفعا بعد القتال وكصحة عبارته وكيلا في البيع والطلاق ونحوهما لما فيها من نفاذ القول والاهتداء في التجارة وإذ بالبيان بأن فضل الإنسان على سائر الحيوان قال تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3، 4] وعدم قبول شهادته لعدم الولاية وإن صحت عبارته كالعبد لكن إذا لم يأذن وليه لم يلزمه العهدة برجوع حقوق العقد إليه من تسليم الثمن والمبيع والخصومة ونحوها كما يلزمه بالإذن إلا في المضاربة.
5 - وهو حق عبد فيه ضرر محض كالطلاق والعتاق والتبرعات من الهبة والصدقة والفرض وغيرها لا يملكه لأنه مظنة المرحمة عرفًا وشرعًا ولا يملكه عليه غيره لأن ولا يتهم نظرية ولانظر في الضرر المحض إلا عند الحاجة كما إذا أسلمت الزوجة وأبى الزوج فراق بينهما وكذا ارتد الزوج وحده وإلا القرض للقاضي للأمن بولايته عن النوى فالحق بالنفع المحض بخلاف الولي والوصي وغير القرض وإلا الأب في رواية يملك عليه القرض لعموم ولايته النفس والمال ولا الكتابة للأب والوصي استحسانًا بخلاف الإعتاق على المال وبيع الرقيق من نفسه لأنه يخرج عن الملك بنفس القبول والبذل في ذمة المفلس كالتاوي.
6 - حق عبد متردد كالبيع والإجارة والنكاح ففي الربح أو الخسران والأقل من أجر المثل ومهر المثيل أو الأكثر منفعة لأحد المتعاقدين مضرة للآخر ونحو الشركة وأخذ الرهن والشفعة وغيرها يملكه الصبي برأي الولي لأنه أهل الحكمة لمباشرة الولي والسبب يقصد للحكم وفيه فضل نفع البيان وتوسعة طريق توفير المنفعة وزوال احتمال الضرر بانضمام رأيه حتى صار كالبالغ فصح ببيعه من الأجانب بغبن فاحش لا بيع ومن نفس الولي وفي رواية عن الإِمام لزوال احتمال الضرر وفي رواية لا يصح لشبهة إنه كالنائب عن الولي من حيث احتياج رأيه إلى جابر وفي النائب من كل وجه كالوكيل لا يصح مع الأقارب أصلًا فكذا هنا في موضوع التهمة كما مع الولي بغبن فاحش وصح في غيره كما يمتثل القيمة أو مع الاجانب وقالا رأي الولي شرط الجواز فالجواز المتعدي إلى الصبي بإذنه كالجواز الخاص له بمباشرته وهو لا يملكه بالغين الفاحش فكذا الصبي والحق للإمام كاقرار الصبي بعد الإذن يصلح لا إقرار الولي ويبطل وصيته عندنا وإن مات بعد البلوغ خلافًا

(1/321)


للشافعي لأن فيه تحصيل الثواب بمال اتسغنى عنه قلنا تبرع محض كالهبة والنفع اتفاقي لا يعتبر كبيعة شاة مشرفة على الهلاك وطلاقه معسرة شوهاء ليتزوج أختها الموسرة الحسناء ولو سلم فانتقال ماله إلى الوارث انفع له بالحديث لوصلة الرحم وفي الإيصاء ترك هذا الأفضل وهو ضرر وإذ لا اعتبار للنفع المرجوح كثواب الصدقة فاندفع الانظار وشرع في حق البالغ كسائر المضار وإنما ثبت الرق إذا قربه على نفسه وهو مجهول الحال مع أنه ضرر لا باقراره بل لدعوى ذي اليد لخلوها عن المعارضة كالصبي الغير العاقل في يده ولأن المقر بالرق لا يمكن أن يجعل مدعيًا للحرية بوجه كما لم يجعل المرتد مع جهله بالله عالمًا به ولذا لا يخير الصبي بين الأبوين افتراقهما وقال الشافعي الحضانة للأم إلى سبع سنين ثم يخير الولد ذكرًا أو أنثى لأنه عليه السلام خيره وعندنا الذكر للأم إلى أن يستغنى والأنثى إلى أن تحيض ثم للأب ولا تخيير لاحتمال الضرر بل هو الغالب لأن الظاهر اختياره من يتركه خليع العذار ولا اعتبار لرأي الولي لأنه عامل لنفسه وتخيير النبي عليه السلام كان ببركة دعائه بقوله عليه السلام "اللهم سدد" وغيره ليس مثله قال الشافعي كل منفعة يمكن تحصيلها للصبي بمباشرة الولي لا تعتبر عبارته فيه وإلا تعتبر جرفة أن المولى عليه لا يكون وليًا لتضاد سمتي العجز والقدرة فلذا اعتبر عبارته في اختيار أحد الأبوين والإيصاء والتدبير وقال بصحة صلاته وأبطل إيمانه وردته لثبوتهما بتبعية الأبوين وصحح قبوله الهبة لسبع سنين دون وليه في قول وعكس في آخر ولا فقه هنا إذ لا منافاة بين تحصيل النفع مرة كإسلام نفسه وبالولي أخرى كتبعية الأبوين فلو اقتضي قصور عقله كونه موليًا عليه اقتضى أصل عقله كونه واليًا وقيد توسعة طرق المنفعة كالعبد والجندي تابعان في السفر والإقامة للمولى والأمير عند معيتهما أصيلان عند انفرادهما.

الجزء الثاني في الأمور المعترضة عليها
وهي عوارض الأهلية من عرض له ظهر فصد عن مضيه فإنها تمنع إما أهلية نفس الوجوب كالموت أو أهلية وجوب الأداء كالنوم والإغماء أو تغير بعض أحكامها كالسفر ولا يراد بها الحوادث في الإنسان ولا العوارض على ماهيته كما ظن فأشكل بنحو الصغر والجهل عكسًا والبلوغ طردًا وهي إما مكتسبة للعبد مكانة وإرادة في تحصيل نفسها لا شرعًا كالسكر والهزل والسفر أو إبقائها كالجهل والخطأ والسفه إما من محلها كهذه أو من غيره كالإكراه بنوعيه بخلاف الرق إذ حصوله شرعي لا إرادي وبقاؤه حكمى خلاف

(1/322)


بقاء نحو الجهل وإما سماوية (1) بخلافها كالصغر عارض على أهلية وجوب الأداء لأنها شأن العقل والبلوغ بخلافهما وكالجنون والعته والنسيان والإغماء فإنها أمراض لخصوصياتها أثر في سلب الأهلية أو تغيير كثير من الأحكام فلا يتكرر مع مطلق المرض بخلاف نحو الشيخوخة الفانية والحمل والإرضاع إذ لها تغيير يسير لم يعتبروا كالنوم فإن مكنة تحصيله أو إزالته في بعض الأحيان في بعض مقدماته لا في نفسه ولذا قد يغلب بدون إرادته بحيث لا يدفع بخلاف السكر فإن المكنة في سببه وهو الشرب ولا إرادته إما الرق فالمكنة في بعض سببه الذي هو الكفر مع الاستيلاء وبلا إرادته وكالموت فإن المكنة من الغير في القتل لا فيه وكالرق والمرض كما مر وكالحيض والنفاس فالسماوية أحد عشر قدمت على المكتسبة السبعة لأنها أشد تغييرًا، فمن السماوية الصغرى (2) حال ما بين الولادة والبلوغ علم أحكام مطلقة وقسمية ولا بأس بإعادتها إجمالا إما مطلقة فللذمة لا تنافي نفس الوجوب ولحكمه وهو الثواب بل وجوب الأداء إذ لا أداء بدون العقل حكمة ولا تكليف بدون كماله رحمة فلا عهدة يحتمل السقوط من المكلف فلا تبعة بوجوب الإيمان أو العبادات أو العقوبات أو الأجزئة والكفارات ولا بتنفيذ المضار المحضة والغالبة والتبرعات ولا بإلزام المعاملات أو حقوقها متوكلين بدون رأي الولي أو حقوق المضار ولو به ولا يقتل بالردة ولا يجب القضاء والمضي والجزاء في عبادات أفسدها بخلاف المنافع ومالا يحتمل السقوط كضمان المستهلك ونفقة الأقارب والزوجات فإن العذر لا ينافي عصمة المحل وكفاية المؤن وإما قبل العقل فلا صحة لأدائه أيضًا لعدم العقد الصريح والقصد الصحيح فلا يحكم بإيمانه وردته قصدًا بل بتبعية أبويه فيهما والدار أيضًا في الأول وإما بعد العقل فلإيمانه صحة ويقع فرضًا فيثبت ما بني على فرضيته من الأحكام ويكفيه إذا بلغ وفي ردته خلاف استوفى فجملة الأمر فيه أن يصح منه بمباشرته وله بمباشرة غيره ما لا عهدة فيه، والجنون مرض يمنع جريان الأقوال والأفعال على نهج كمال العقل إلا نادرًا لنقصان جبلة أو سبب عارض من سوء مزاج دماغ أو استيلاء تخيل فاسد (3) فمنه أصلي قارن البلوغ وعارضي حصل بعده وكل إما
__________
(1) وهو ما ثبت من قبل صاحب الشرع بلا اختيار العبد فيه، ولهذا نسب إلى السماء، لأنه خارج عن قدرة العبد. انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 338).
(2) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 338).
(3) انظر/ شرح النار لابن ملك (ص / 340).

(1/323)


ممتد لو غيره وهو بأقسامه كالصغر قبل العقل ففي الممتدة اتفاقًا قياسًا كحجر الأقوال وضمان الأموال على الكمال وكاعتبار إيمانه وكفره وردته تبعًا لأبويه فيما بلغ مجنونًا فارتد أبواه ولحقا معه بخلاف ما إذ تركاه هنا أو بلغ مسلمًا فجن أو أسلم عاقلًا فجن قبل البلوغ فلا بيعهما إلا في عرض الإِسلام على أبويه استحسانًا وتأخيره إلى أن يعقل في الصبا حين ارتدت زوجتهما لأنه غير محدود وإلا في عارضي غير الممتد فيجب عليه قضاء العبادات استحسانًا (1) خلافًا لزفر والشافعي قياسًا، وجه الاستحسان أنه مع عدم الحرج كالعدم كالنوم والإغماء وفي أصليه روايتان متعاكستان في الخلاف بين الإمامين المبني على أن الحرج للامتداد فقط أو له وللأصالة وحد الامتداد في الصلاة عند محمَّد رحمه الله بمضى أوقات ستة لأن الحرج بكثرة وظائفه وذا بالدخول في حد التكرار وعندهما بالزيادة على أربع وعشرين ساعة مستوية لأن المعتبر أدني الكثرة وذا باستيعاب وظيفة الوقت بخلاف كثرة الصلوات المسقطة للترتيب عند الفريقين إذ هي عندهما بخروج وقت السادسة وعنده بدخول وقته والفرق أن المعتبر ثمة أولًا وبالذات كثرة الصلوات وهنا كثرة الأوقات أعنى امتدادها واعتبار كثرة الوظائف لتحقيقها وكثرة الشيء بتكرره فيما أمكن فكثرة الوقت هنا بتكرار الوقت لكن بالنظر إلى نفسه عندهما تيسيرًا على العباد وإلى وظيفته المتحقق لزومها عنده تحقيقًا للامتداد إما كثرة الصلوات ثمه فبتكررها فائتة عندهما تغليظًا على المقصر وواجبة عنده توسيطًا بين الاعتبارات وتوسيعًا لمجال الوقتية والحق اعتبارهما لأن المجنون غير مقصر وإن الأصل فيه عدم اللزوم أصلًا وإن سقوط القضاء هو القياس واعتبار الامتداد له استحساني فالواجب إسقاطه بأسرع الاعتبارات بخلاف سقوط الترتيب في الأمور الثلاثة فاعتبر إبطاؤها وفي الصوم باستغراق شهره لا بتكراره لئلا يلزم الحرج المتضاعف بتعسر القضاء أو تعذره فيما يجن كل سنة ويفيق شهرًا أو يومًا ولئلا يزيد التبع مشروطًا على الأصل وفي أن افاقة الليل يمنع الاستغراق روايتان وفي الزكاة باستغراق الحول عند محمَّد رحمه الله وأكثره عند أبى يوسف رحمه الله وقد مر أن الأصل التيسير، والعته اختلال العقل آناءً (2) فآنا لا بمتناول فخرج الإغماء والجنون والسكر والتبنج وهو كالصبا مع العقل في صحة قوله وفعله بلا عهدة يحتمل السقوط وفي وضع الخطاب بالعبادات إلا عند القاضي أبى زيد احتياطًا فرقا بأنه في
__________
(1) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 340).
(2) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 341).

(1/324)


وقت الخطاب بخلاف الصبا ومنعه أبى اليسر رحمه الله تعالى بأنه نوع جنون إذ لا وقوف له على العواقب وفي أنه يولى عليه واليًا وفي فرض الإِسلام على نفسه إلا عند مولانا الضرير رحمه الله فعنده كالجنون فيه إذ لا حد له مثله والحق للجمهور لصحة أدائه كالصبي العاقل وأراد محمَّد في الجامع بالمعتوه الذي فرض عرض الإِسلام على أبيه المجنون مجازًا فلا افتراق لهذا الإلحاق عند الجمهور افتراق إلحاق الجنون بغير العاقل من وجوه، والنسيان الغفلة عن بعض المعلومات فقط لا بآفة (1) فخرج النوم والإغماء والجنون وهو أعم من أن يتمكن من ملاحظته بأي وقت ولا إلا بعد تجشم كسب جديد وهو النسيان عند الفلاسفة والأول هي ذهولًا وتسميته سهوًا بل إذا اعتبر النسيان في طرف الحق فإظهار خلافه مع التنبه بأدني تنبيه سهو وبدونه خطأ.
تقسيمه: أنه غالب له مظنة الغلبة وغير غالب ليست له حكمة أنه لا ينافي الوجوبين إذ لا يعدم الذمة والعقل لكن غالبه يعفى في حقوق الله تعالى لأنه من جهته كانت الغلبة لدعوة الطبع كما في إفطار الصوم أو لتغير الحال طبعا كما في ترك تسميته الذبيحة أو لاعتياد مثله كسلام القعدة الأولى بخلاف حقوق العباد لحاجتهم والكلام في الصلاة والأكل فيها والسلام على الغير لقيام الهيئة المذكرة ومن الثاني كل لسان يقع بالتقصير كما في حق آدم عليه السلام ونسيان المرء محفوظة مع قدرته على عدمه بالتكرار، والنوم فترة طبيعية غير اختيارية مانعة للعقل والحواس الظاهرة السليمة عن العمل (2) فخرج الإغماء والسكر والجنون والمرض حكمه أنه لا ينافي الوجوب لاحتمال الأداء حقيقة أو خلفا بالحديث فإن الأمر ولفظ عن فيه دليل قيام نفس الوجوب ثم لا حرج إذ لا يمتد عادة لكنه ينافي الاختيار للعجز عن استعمال العقل والحس الظاهر والحركة الإرادية فأوجب تأخير الخطاب بالعبادات وبطلان العبارات من الطلاق والإعتاق والإِسلام والردة والإقرارات وكذا القراءة والكلام في الصلاة فلا يفسد بالكلام نائما واختير في الفتاوى إفساده وفي القهقهة نائما أربعة أقوال أصحها أن لا يفسد الصلاة كالكلام ولا الوضوء لأن كونها حدثا لقبح قصدها حالة المناجاة ولا قصد مع النوم وقيل: يفسدهما لاستواء الحالين فيما اعتبر حدثا كالبول والاحتلام وقيل: الأولى فقط للقول بأنها كالكلام وأنه مفسد لها دونه لقصور معنى الجنابة كقهقهة الصبي. وقيل: الثاني فقط فله أن يتوضأ ولا
__________
(1) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 342).
(2) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 343).

(1/325)


يبنى لأنها بالنسبة إليها كالكلام وإليه كالاحتلام، والإغماء فتور غير طبيعي لا بمتناول يعطل القوى ولا يزيل الحجة حتى لم يعصم عنه النبي عليه السلام بخلاف الجنون فخرج النوم والتبنج والعته والجنون حكمه أنه كالنوم في فوت الاختيار وبطلان ما بني عليه بل أقوى وفارقه في منعه بناء الصلاة وكونه حدثا مطلقا قليلًا أو كثيرًا مضطجعًا أو غيره إذ هو لكونه نادرًا وعارضًا فوق الحدث والنوم فلم يلحق بهما ولكونه مرضا ثقيل السبب لا يزول بالتنبيه اشتد منا فإنه لتماسك اليقظة والنوم خلقي وغالب وسببه وهو ارتقاء البخار إلى الدماغ سريع الزوال بالتنبيه فلذا نوم المضطجع إذا لم يتعمده حدث لا يمنع البناء كالزعاف ولأنه يزيل الحجة كالنوم لا يسقط عبادة ما قياسا لكن اعتبر امتداده استحسانا في إسقاط الصلاة بأثر ابن عمر - رضي الله عنه - لوقوع امتداده المعتبر فيها كثيرًا لا في الصوم والزكاة لندرته فيهما فجعل العقل موجودًا في ممتده معدومًا لتخرج كما جعل معدوما في غير ممتد الجنون موجودا لعدمه استحسانا فيهما. والرق لغة: الضعف، وشرعا: عجز حكمى بقاء شرع في الأصل جزاء أي عجز عن طور تصرف الأحرار شرع في الابتداء جزاء على استنكاف الكفار عن عبادة الواحد الجبار فحينئذ كان حق الملك القهار ثم حكم في البقاء من غير مراعاة معنى الجزاء أن يكون البشر به عرضة للتملك كالجماد وصار حقا للعباد وإن كان أتقى العباد وحكمه أنه لا ينافي الوجوبين والأداء غير أنه يختص بأشياء:
1 - أنه لا يتجزا لأنه أثر الكفر ونتيجة القهر وهما لا يتجزآن ولما في الجامع من أن مجهول النسب المقر برق نصفه رقيق كله في الحدود والارث والنكاح وتوابعه ولم ينقسم فيه باعتبار تنصفه وكذا في الشهادة حيث لم يجعلا كحرّ وولايتهما تامة كالمرأتين وتكلمها كتكلمه وذا مما يمكن حاصل لأنه أمر اعتباري ولا حجر في الاعتبار فلا طعن بأن التكلم لا يتصور من النصف ولا بأن رد الشهادة يجوز أن يكون لاشتراطها بحرية الكل إذ ذلك أيضًا لا يناسب التجزي بل الاستدلال في الحقيقة بذلك على أن الكل الاعتباري متحقق وأيضًا الشرع لم يعتب انقسامه إجماعا والدلالتان اللمية والآنية ناهضتان على ذلك فأي توجيه في الطعن بأن الشرع يمكنه أن يقسمه بقاء بأن يجعل خدمته يوما لمولاه ويوما لنفسه ولأنه معنى حكمي حل بالمحل كالعلم وضده فكذا ضده وهو العتق فإنه قوة حكمية يصير به أهلا للمالكية والولايات وإذ في تجزئته فكذا الإعتاق عندهما فمعتق البعض حر مديون لأنه إثبات العتق فلو لخزي بدونه وجد بدون مطاوعة ولازمة كالكسر بدون الانكسار وعند الإِمام رحمه الله يتجزى فمعتق البعض مكاتب إلا في الرد

(1/326)


إلى الرق لأنه إزالة الملك المتجزي زوالا وثبوتا بيعا وشراء فمطاوعه زواله لا ثبوت العتق ولا زوال الرق بل ذلك حكم لا يتجزى تعلق بزوال كل الملك فزوال كل الملك فزوال بعضه بعض عليه كغسل أعضاء الوضوء لإباحة الصلاة وإعداد الطلاق للحرمة الغليظة إما أن الإعتاق إزالة الملك لأن العتق والرق حق الله تعالى ثبوتا وحق العبد هو الملك وهو لازم الرق متابعة ثبوتا وابتداء فيكون ملزومة ومتبوعه زوالا كما أنه متبوعه بقاء ليلًا في التصرف حق المتصرف ويكون زوال حق الله تعالى ضمنيا وكم مما يثبت ضمنا ولم يثبت قصدا ويكون أثر إعتاق البعض إفساد الباقي لإزالته حيث لا يملك المولى بيعه ولا لبقاءه في ملكه ويكون العبد أحق بمكاسبه وذلك معنى كونه مكاتبا.
2 - أنه للملوكية مالا ينافي مالكيته لتضاد سمتي العجزة والقدرة من جهة واحدة خلاف المملوك متعة المالك كما قال الله تعالى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] فلا يملك العبد والمكاتب النسري وإن أذن خلافاًَ لمالك رحمه الله ولا يقع حجة الإِسلام منهما لكون منافعهما للمولى كذاتهما إلا ما استثنى من القرب البدنية المحضة فلا قدرة له مالًا وبدنا بخلاف الفقير إن منافعه له فاصل القدرة حاصل له واشتراط الزاد والراحلة لوجوبه لا لصحة أدائه إذ هو لدفع الحرج تيسيرا فلو لم يعتبر لعدمهما لكان تعسيرًا ولا ينافي مالكية غير المال إذ ليس مملوكًا من جهته كالنكاح والدم والحياة ولذا ينعقد نكاحه وتوقفه على إذن المولى لدفع ضرو تعلق المهر بماليته وصحة جبره عليه لتحصينه من الزنا فإنه هلاك معنى لا لأنه المالك ولا يملك المولى قتله ويصح إقراره بالحدود والقصاص وبالسرقة المستهلكة مأذونا ومحجورًا إذ ليس فيها إلا القطع وبالقائمة مأذونًا لأن إقراره يعمل في النفس والمال إما محجورا فكذا عند الإِمام مطلقا لأن المال تبع لا عند محمَّد رحمه الله مطلقا لأن المال الذي في يده للمولى ولذا لا يصح إقراره بالغصب ولا قطح بماله ولأن المال فيها أصل في الأصل والإقرار فيه على الغير فيفسد في التبع أيضًا وعند أبي يوسف رحمه الله يصح في القطع لأنه على نفسه دون المال لأنه على مولاه وفي التبعية جهتان متعارضتان والحكمان قد ينفصلان فالمال بلا قطع في ما يثبت بشهادة رجل وامرأتين وعكسه في الهالكة قلنا إذا ثبت القطع تبين نفل العصمة وتبعية المال والخلاف فيما إذا قال المولى المال والخلاف فيما إفا قال المولى المال مالى فإن صدقة يقطع إجماعًا. وقال زفر رحمه الله: لا قطح بإقراره بل يضمن المال في الحال مأذونا وبعد العتق محجورا فاصله عدم صحة إقراره بالحدود والقصاص لكونه على المولى لكن

(1/327)


يضمن المال عند الاذن تسليط المولى قلنا وجوب الجزاء تكليفي وهو مكلف والتكليف من حيث أنه آدمي فيصح إقراره به من تلك الحيثية وبالمال تبعا وكم مما يثبت تبعًا لا قصدا ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يلحقه من الإضرار.
3 - أنه ينافي كمال أهلية الكرامات البشرية كالذمة وحل الاستمتاع والنقمة إما ذمته فتضعف عن تحمل الدين بلا انضمام مالية الرقبة والكسب لا بمعنى أن يستسعي بل أن يصرف كسب المأذون الموجود أولًا إلى الدين فإن لم يعرف تباع رقبته إن أمكن لكن في دين لا تهمة في ثبوته كدين الاستهلاك وكذا دين التجارة خلافا للشافعي لأن رقبته كإكساب المولى وآذنه مختص بكسب العبد قلنا تعليق الدين بالرقبة ليس باعتبار الاذن والرضاء كدين الاستهلاك بل باعتبار ثبوته في حق المولى ومالية الرقبة أقرب الأموال إليه ولم يقدم الاستيفاء منه لرعاية ملكه في عينه ولأن تعيين طريق التضمين ليس دأب المحاكمة ولا يباع فيما أقربه المحجور لا المأذون وكذبه المولى أو تزوج بلا إذنه ودخل بها إذ الوطيء لا يخلو من الضمان الجابر أو الحد الزاجر والشبهة تمنع الثاني فيؤخران إلى عتقه وإما الحل فيتنصف بتنصف محله في حق الرجال فلا ينكح الاثنتين خلافا لمالك رحمه الله وباعتبار الأحوال في حق النساء فيجوز نكاح الأمة متقدما على الحرة لا متأخرا أو لما تعذر التنصف في المقارنة غلب الحرمة وبتنصف توابعه أيضًا من العدة والطلاق لكن الواحدة لا تتجزى فيتكامل ومن القسم ولكون عدد الطلاق اتساع المملوكية وعدد إلا الطلاق اتساع المالكية اعتبر الطلاق بالنساء اعتبار النكاح بالرجال إجماعا خلافا للشافعي (1) وذلك لأن النكاح لهم عليهن فاعتبر بهم وكان الطلاق الذي يرفعه لهن معتبرًا بهن تحقيقًا للمقابلة وإما النقمة فلأن نحو الذمة والحل وغيرهما من الكرامات نعمة فلما تنصفت، تنصفت النقمة بالجناية على موليها لأن الغم بالغرم كالرجم فينصف الحدود فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وهذا إذا أمكن وإلا كالقطع يتكامل إما انتقاص ضمان قيمته عبدا عن دية الحر بعشرة دراهم وأمة عن دية الحرة بعشرة دراهم أيضًا في ظاهر الرواية وعن الحسن بخمسة دراهم ولم تلزم بالغة ما بلغت فذا عندنا خلافا لأبي يوسف والشافعي لأن الضمان بدل المالية لا الآدمية ولذا يجب للمولى المال لا الإبل ولا للورثة ولو قتل العبد المبيع قيل القبض يبقى العقد ببقاء المالية أصلًا أو تبعًا ويختلف باختلاف صفته من الحسن والخلق ولا يعتبر الصفات في بدل النفوس بل الأموال فصار كالغصب
__________
(1) انظر/ المبسوط لشيخ الإِسلام السرخسي (6/ 39).

(1/328)


قلنا بل بدل الآدمية لأن الله تعالى سماه دية بقوله {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: من الآية 92] وهي اسم الواجب بمقابلة الآدمية ولأنها أصل والمالية تبع إذ تفوت بفوات النفس كما في الموت ولا عكس كما في العتق وأعلى أمري الشيء هو المعتبر عند تعذر الجمع ولا لقسك ببقاء العقد لأنه لفائد تخيير المشتري لا لأنها بدل المالية حتى تبقى بعد القتل عمدا وليس القصاص بدل المالية، ثم تقول لما كان ضمان النفس باعتبار خطرها وذا بالمالكية لا بالمالية المملوكة وللمالكية نوعان للرقبة والمتعة وهما من حيث نوعيتهما مما يتحققان في الرقيق لكن ناقصا بقدر مرجوح مبهم إما مرجوحيته فلأن مقصودهما التصرف والتملك وسيلته إذ عند امتناعه بالبعد أو مانع آخر فالتملك كعدمه وجل الشيء بمنزلة كله فالرقيق يحيطه التصرف فيهما والتملك في المتعة كان كالمستكمل لهما وليس مستكملا حقيقة وإما مهمته وإذ لولا رواية فيه بالتنصيف أو التربيع وهذا بخلاف المرأة فإن قولنا دية المرأة علة النصف من دية الرجل روي موقوفًا على عليّ - رضي الله عنه -ومرفوعًا إلى النبي عليه السلام وسره إنها مالكة للمال كملا دون النكاح أصلًا نقصنا دينه عن دية الحل إظهار الانحطاط رتبته لما ذكر بأثر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - لأنه قدر له خطر شرعًا فإنه بدا العضو المحترم ثم على رواية الحسن نصف ذلك النقص في الأمة تنصيف دية الحرة فملحوظ النظر في هذا الأثر نوعية التمليكين في صنف الرقيق وجعل مقصود التصرف راجحًا على وسيلة التملك وسقط بذلك وجوه من الطعن:
1 - أن كلا من الملكين ثابت من وجده دون آخر فالمال يدًا لا رقبة والنكاح عقدًا لا بتاتًا واثنتين لا أربعًا فينبغي أن تنصف وذلك برجحان التصرف وإن توقف النكاح لدفع ضرر المولي بالمهر وإن انتقاص المنكوحة وتوابعه الانتقاص الحل انتقاص في الأفراد لا النوع وذا الغير مضبوط فلم يعتبر.
2 - أن ملك النكاح وإن سلم أنه تام فملك المال نصف فينبغي أن يتربع وذلك بتنزيل جل الشيء منزلة كله.
3 - أن ملك اليد إنما هو في المأذون والكثير هو المحجور فينبغى أن يكون حاله هو المعتبر أولا يكون حكمه كذلك وذلك لأن العبرة لنصف الرقيق دون أفراده ولقدرته الإمكانية لا الفعلية.
4 - أن انتقاض مالكيته بقدر يسير بوجوب كون الانتفاض في جميع أحكامه كذلك وإن لا يتنصف شيء منها وذلك لأن التنصيف منصوص فيها ومبنى على الكرامات الآخر

(1/329)


كالنعمة والحل لا على المالكية وسره أن الرقيق موجود من وجه دون وجه ولذا كان الإعتاق إحياء ومكلف ببعض العبادات فكذا ببعض المزاجر والمعاملات.
5 - أن ملكة النكاح لما تم وسيلة ومقصودًا ينبغى أن لا ينتصف شيء مما يتعلق بهما يتكمل كالحر كعدد الزوجات والقسم والطلاق والعدة وذلك لأنه من انتقاص الأفراد لا النوع إذ ماهية النوع كاملة في كل فرد ولأن عدم التنقيص من جهة وعلة لا ينافيه بأسباب اخر كنقصان الكرامات الآخر من الحل وغيره فيما ذكر كيف وكثير منه كالثلاثة الأخيرة إنما هو باعتبار الزوجة المملوكة فإني يتنصف باعتبار مالكية الزوج والتمسك الجديد للبعض بأن المعتبر ماليته والنقص لدفع شبهة المساواة مما يخالف أصلنا المقرر في المبسوط والهداية والأصول.
6 - انه لا ينافي كمال أهلية اليد والتصرف للمأذون لأن الاذن عندنا فك الحجر وإسقاط الحق ولذا لم يقبل التأقيت فيظهر مالكية العبد بدا وأنه أصيل فيه كالمكاتب ابتداء وليس وكيلًا لأنه يتصرف في ملك غيره إذ الملك أولًا للمأذون ولذا يصرفه إلى قضاء دينه ونفقته وما استغنى عنه يخلفه المولى فيه كالوارث مع المورث ولذا بقي الإذن بمرضه مع تعلق حق الوارث والغريم ولم يبطل وكالوكيل في بقاء الإذن ولذا كان له حجره بدون رضائه بخلاف المكاتب وذلك في مسائل مرض المولى وعامة مسائل المأذون فمن الأول أن بيعه وشرائه ما في يده في مرض الولي بغبن يسير أو فاحش يعتبر من الثلث وينزل منزلة تصرف المولى بنفسه وإما لن المحاباة بغبن فاحش باطلة عندهما فلأن المأذون لا يملكها عندهما في الصحة أيضًا ومن الثاني أن مأذون المأذون لا يتحجر بحجر الأول كوكيل الوكيل ويتحجر أن يموت المولى وجنونه مطقًا وارتداده وقتله ولحاقه كما ينعزلان بها في الموكل ويشترط علمه بالحجركعلمه بالعزل، وقال الشافعي - رضي الله عنه - هو كالوكيل مطلقًا ليس تصرفه لنفسه وبأهليته بل بالاستفادة من المولى ويده يد نيابة كالمودع ويظهر الخلاف في إذن العبد في نوع من التجارة يعم عندنا ويختص عنده كالوكالة لأنه لما لم يكن أهلًا للملك لم يكن أهلًا لسببه وهو التصرف، لأن السبب لا يشرع إلا لحكمه قلنا أصل مقصود التصرف ملك اليد وهو حاصل فلا يبالي بانتفاء وسيلة له هى ملك الرقبة ولا سيما هو أهل التكلم يقبل رواياته في الأخبار والديانات وشهاداته بهلال رمضان ويجوز توكله وأهل الذمة لأنه عاقل يخاطب بحقوق الله تعالى ويصح إقراره بالحدود والقصاص والدين ولو محجورًا حتى يؤاخذ به بعد العتق ولو كفل إنسان به صح وطُلِب في الحال ولا

(1/330)


يتصرف مولاه في ذمته بأن يشتري شيئًا على أن الثمن في ذمته إما صحة إقراره عليه فلملكيته ولذا يصح بقدرها لا زائدًا عليها كما لو أقر على نفسه فإذا احتاج إلى قضاء الدين يؤهل له دفعًا للحرج وأقل طرقه البديل هو الأصل كما مر والملك ضرب قدرة شرع لضرورة التوسل إلى قضاء الحاجة ودفع طمع الغير عن العين على أن ملك اليد غير مال فالرق لا ينافيه ألا يرى إلى ثبوت الحيوان في الذمة في الكتابة بمقابلته والحيوان لا يثبت في الذمة بمقابلة المال كالبيع بخلاف النكاح والطلاق.
7 - أنه لا يوثر في عصمة الدم تنقيصًا واعدا إما لأنها مؤثمة بالإيمان ومقومة بداره والعبد فيهما كالحر فيقاد له خلافًا للشافعي - رضي الله عنه - لأن القصاص ينبي عن المساواة في المكاملات البشرية والمالية دخل بها قلنا في العصمتين وإلا لم ينضبط.
8 - أنه يوجب نقصًا في الحج والجماد لما أن منافعة تبعًا لذاته للمولى إلا فيما استثنى من عبادة لا يلحق بها ضرر للمولى وهما لم يستثنيا للحوقه بهما فلا يستوجب منهما كاملًا بل إن لم تقاتل فلا شيء له وإن قاتل بإذن أو بدونه يرضخ له وإما ملك النقل فليس من الكرامة ولا الجماد ولذا سوى بين الفارس والراجل بل بإيجاب الإمام.
9 - أنه ينافي الولايات المتعدية كلها نحو الشهادة والقضاء وتزويج الصغير والصغيرة لأنها من القدرة وإذ لا قاصرة فلا متعدية ويقال المراد كمال الولايات أعني القصدية وإلا فقد بلى على نفسه بالإقرار بالقصاص والحدود وفيه إتلاف مال المولى ضمنًا فلا يصح أمان المحجور أما أمان المأذون فلشركته في الغنيمة يلزمه ثم يتعدى لعدم تجزيته كشهادته بهلال رمضان فليس ولاية بل التزامًا يوجب تعديًا لا يقال كيف يشرك من لا يملك فالرضخ لمولاه بدلالة مسألة السير أنه بعد حصول الغنيمة لو أعتق بأخذ الرضخ مولاه وأيضًا يستحقه المحجور فيصح أمانه كمذهب محمَّد والشافعى لأنا نقول يستحقه باعتبار السبب ويخلفه المولى فيه كما مر وهذا في المأذون يتصور فالرضخ في المحجور استحساني لأنه بعد إصابة الغنيمة نفع محض فيه إذن دلالة أو استحقاقه بعدها لا في وقت الأمان قبل الحرب أو الإيمان من القتال فالمحجور لا يملكه لو الإيمان اضرار للمولى فلا يجوز بلا إذنه.
10 - أنه ينافي ضمان ما ليس بمال هو صلة بخلاف المهر ولذا لا يجب عليه نفقة الزوجات والمحارم لأن الصلة كالهبة فلا يجب الدية في جناية العبد خطأ لأنها صلة في حق الجاني إذ ليس في مقابلة المال أو المنافع ولذا لم يملك إلا بالقبض ولا يجب فيها الزكاة إلا بحول بعده ولا يصح الكفالة بها خلاف بدل المال المتلف وعوض في حق المجني عليه لأن

(1/331)


الدم لا يهدر ولا عاقلة له أو لما لم يجب عليه لم يتحمله العاقلة فأقام الشرع رقبته مقام الأرش فصارت جزاء لجنايته فإذا مات العبد لا يجب على المولى شيء لا أن يشأ المولى الفداء فيعود إلى الأصل ويكون كالأرش عند الإِمام فإنه الأصل كما في الحر والنقل كان لعارض أبطله اختيارًا لفداء فلا يعود بإفلاس المولى إلى رقبة العبد لا سيما وأنه يحتمل الزوال وعندهما بمعنى الحوالة كأن العبد أحال الأرش على المولى فبإفلاسه يعود إلى الرقبة كما في الحوالة وقيل: فرع اختلافهم في التفليس.

والحيض والنفاس
الحيض لغة الدم الخارج من القبل وشريعة دم ينقضه رحم بالغة لأداء فخرج الاستحاضة وما تراه بنت ما دون تسع سنين، والنفاس هي الدم الخارج من الرحم عقب الولادة فخرج الاستحاضة والحيض ودم ما بين ولادتي بطن واحد على مذهب بعض، حكمهما أنهما لا تحلان بالذمة والعقل والبدن فلا تعدمان الأهلية وكان ينبغي أن لا يسقطا الصلاة كالصوم لكن نص اشتراط الطهارة عنهما في جواز أداء الصلاة قياسًا لنجاستها والصوم على خلافه لتأدية بدونها فبفواتها فات أداؤها ونفس الوجوب مما يؤدي قضاؤه إلى الحرج كالصلاة التي شرعت على نوع يسر ولذا وجبت حسب القدرة من القيام وغيره واقتصرت من خمسين الكائنة في الأمم السالفة على خمسة إذ يدخل في حد التكرار في الحيض كليًا لأن أقله ثلاثة أيام وفي النفاس غالبًا لا مما يؤدي إليه كالصوم والنفاس اعتبر بالحيض فلم يعتبر استغراقه رمضان لأن وقوعه فيه نادر كاستيعاب الإغماء وكذا في الجنون لكن لكونه مسقط الأهلية بخلافهما رجح فيه جانب الإسقاط على أن الامتداد فيه غالب حتى قبل من جن ساعة لم يفق أبدًا، والمرض هيئة غير طبيعية يحدث عنها بالذات آفة في الفعل من تغير كتخيل صور لا وجود لها أو نقصان كضعف البصر أو بطلان كالعمى، حكمه أنه لا ينفي أهلية الحكم أي نفس الوجوب ووجوب الأداء في جميع الأقسام ولا أهلية العبادة حتى لا يعتبر بها فلم تنحجر أقواله لكنه بترادف الآلام يتسبب للموت الذي هو عجز خالص فشرعت العبادات فيه بطريق المكنة وعلة لخلافه الورثة والغرماء في المال وكان سبب تعلق حقوقهما به فإذا اتصل بالموت إذ لا يظهر سببية الخلافة إلا به يوجب الحجر مستندًا إلى أوله في قدر ما يصان به حقهما وهو بعد ما تحتاج إليه نفسه مالية الكل في الدين المستغرق ومالية قدره في غيره للغرماء وعين ما فضل من التجهيز والدين والوصية للورثة فما يحتاج إليه النفقة وأجرة الطيب لبقائه

(1/332)


ونكاحه بمهر المثل لبقاء نسله فإنه كبقائه ووصية الثلث جعلها الشرع من حاجاته استحسانًا لتدارك تقصيرات حياته وإنما استخلصه واستورثه على الورثة بالقليل وهو الثلث ليعلم أن الحجر والتهمة أصل فيه حتى ندب النقص من الثلث فقيل كل تصرف يحتمل الفسخ يصح حالًا وينقض أن احتج إليه كالهبة والصدقة والمحاباة وغيرها ومالا يتحمله جعل كالمعلق بالموت كالإعتاق فينفذ إن لم يقع على حقهما بأن يخرج من ثلث ما فضل من الدين بعد التجهيز وإن وقع جعل كالمكاتب وكان عبدًا في شهادته وأحكامه إلى أن يؤدي كل القيمة مع الدين المستغرق ويقدره مع غيره وثلثي ما فضل منه للارث فلذا حجر عن الصلاة والتبرعات وعن أداء حق مالي والإيصاء به إلا من الثلاث، وعند الشافعي رحمه الله معتبر بحقوق العباد أوصي أم لا ولما تولى الشرع الايصاء للورثة وأبطل إيصائه بطل صورة فلا يصح بيعه من الوارث عند الإِمام رحمه الله أصلًا إذ فيه إيثاره بالعين وعندهما يصح يمثل القيمة نظرًا إلى المالية قلنا واجب اعتبار عينة أيضًا فإن فيها من منافسة الناس ما ليس في معناه ومعنى فلا يصح إقراره له ولو باستيفاء دين الصحة الذي له على الوارث وحقيقة بأن يوصي له وشبهة بأن باع الجودة في حقه لأن في العدول إلى الجنس تهمة الوصية بالجودة وشبهة الحرام حرام بل وفي حق الأجنبي حيث اعتبرت الجودة من الثلث كما تقومت في حق الصغار فيما باع الأب والوصي ما لهم من نفسه لو من غيره فلم يجز بيع الجيد بالرديء من جنسه ولما تعلق حق الوارث بالمال صورة ومعنى في حق أنفسهم حتى لم يجز البيع منهم كما مر وأخذ بعض الورثة عين التركة وإعطاء قيمته للآخر إلا برضاه ومعنى في حق غيرهم حتى جاز بيع المريض من الأجانب بمثل قيمته لا أقل وكذا حق الغريم صورة ومعنى في حق أنفسهم حتى لو قضي المريض دين البعض بالعين شاركه الباقي ومعنى في حق غيرهم حتى جاز للوارث استخلاصه العين بأداء القيمة لم ينفذ عتاق المريض في الحال بل وجب السعاية لشغل المحل فهو تفريغ التعلق معنى ونفذ إعتاق الراهن لأن حق المرتهن في ملك اليد لا الرقبة وزواله ضمني فإن كان غنيًا فلا سعاية أو فقيرًا فيسعى العبد في أقل من الدين وقيمته ويرجع على المولى حين غنائه فمعتق الراهن حر مديون ومعتقه كالمكاتب وفي أن تولى الله تعالى الإيصاء للورثة يبطل وصية الثلث، لهم بحث فإن التولى في الثلثين وجوابه أنه في الكل إذ فيما لا وصية ولا دين يقتسمونه لا يقال ففيما أوصي لهم بالثلث لا تولي إلا في الثلثين لأنا نقول

(1/333)


نعم لو جاز إلا أنه لا يجوز لعموم قوله عليه السلام "ألا لا وصية لوارث" (1) وبدلالة تخصيص الوارث إذ فيما وراء الثلث غيره كهو، والموت فساد بنية الحيوان أو عدم الحياة عما من شأنه وقيل: عرض يضاد الحياة لقوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ} [الملك: من الآية 2] وربما يفسر الخلق بالتقدير، حكمه أنه عجز كله فخرج الكل ويتعلق به أحكام الدنيا والآخرة وكل منهما أربعة أقسام فالدنيوية ما كلف به وما شرع عليه لحاجة غيره وما شرع له وما لا يصلح لحاجته:
1 - كل ما كلف فيه وضع عنه إذ لا اختيار فلا اختيار إما ثمة فمن الآخروية بالباقية.
2 - ما شرع عليه لحاجة غيره أقسام ثلاثة:
أ- ما تعلق به حق الغير بعينه كالمرهون والمستأجر والمغصوب والوديعة والمشتري قبل القبض والعبد الجاني يبقى ببقائها لأن المقصود العين لا فعله فيها.
ب- ما تعلق حقه بذمته لا يبقى حتى يضم إلى الذمة المقدرة مال أو كفيل يؤكدها فتصير كالمحققة فلا يصح الكفالة عن الميت المفلس عنده صحتها مع المال أو الكفيل بخلاف الرقيق المحجور حيث يصح الكفالة بما أقربه فيؤخذ بها في الحال لأن ذمته في نفسه كاملة لحياته ومكلفيته إلى ذمته المولى ليمكن الاستيفاء منها وقالا يصح لأن الدين مطالب به في نفس الأمر ولذا يؤاخذ به في الآخرة وفي الدنيا إذا ظهر مال وجاز التبرع بقضائه ولو برئ لما حل أخذه وإنما لا يطالبه لعجزنا لإفلاسه كدرة أسقطها في البحر غير مالكها والعجز عن المطالبة لا يمنع صحة الكفالة كما لو كفل عن حي مفلس وبدين مؤجل يؤيده أنه عليه السلام امتنع الصلاة على المديون فقال علي - رضي الله عنه - أو أبو قتادة على فصلى عليه قلنا بل تترك مطالبته لمعنى في محله وهو خراب الذمة بخلاف الحي والمؤجل فإن المطالبة في الحي صحيحة لا سيما عند الإِمام النافي للإفلاس وفي المؤجل موخرة التزامًا بالعقد لمعنى فينا كعجزنا في الدرة الساقطة والمؤاخذة أخروية باقية وظهور المال مؤكدة وصحة التبرع لبقاء الدين بالنظر إلى ربه إذ سقوطه عن المديون للضرورة فيتقدر بقدرها فلا يظهر في حق من له والحديث يحتمل العدة إذ لا كفالة للغائب المجهول وأيضًا
__________
(1) أخرجه ابن الجارود فما المنتقى (1/ 238) ح (949)، والشياء في المختارة (6/ 149) ح (2144)، والترمذي (4/ 434) ح (2121)، والدارمى (2/ 511) ح (3260)، والبيهقي في الكبرى (6/ 212) ح (11982)، والدارقطني في سننه (3/ 40)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 234)، وأبو داود (3/ 114) ح (2870)، والنسائي في الكبرى (4/ 107) ح (6468)، وابن ماجة (2/ 905) ح (2712)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 186).

(1/334)


لا دلالة فيه على أن لا مال له ولأن سقوط الدين لخراب الذمة لزمه مضافًا إلي سبب وجد في حيويته كمن حفر بئرًا فتلف بها إنسان أو مال بعد موته لزم ضمان النفس على عاقلته وضمان المال في ماله.
ج- ما شرع عليه صلة للغير كالزكاة وصدقة الفطر ونفقة المحارم يبطل لأنه فوق الرق المبطل للصلة ويصح وصية الصلة من الثلث.
3 - ما شرع له يبقى ما يقتض به حاجته فيقدم بعد حق تعلق يعين جهازه لأنه كلباسه ثم ديونه لأنه حائله بينه وبين الرب ثم وصاياه من ثلث ما بقي منها لما مر يورث خلافه عنه نظرًا له من وجه فيصرف إلى من ينتمي إليه نسبًا ودينًا أو سببًا ودينًا كالولاء والزوجية. أو دينًا بدونهما كعامة المسلمين ولذا بقيت الكتابة بعد موت المولى لحاجته إلى ثواب فك الرقبة وبعد موت المكاتب عن وفاء لحاجة المكاتب أن ينال الحرية ويعتق أولاده ويسلم إكسابه بالأولى ولذا ندب فيه حط بعض البدل عندنا ووجب حط ربعه عند الشافعي - رضي الله عنه - وها هنا أبحاث من طرف الشافعي القائل ببطلان الكتابة عند موت المكاتب وما ترك لمولاه:
1 - أن بقاء الكتابة بعد المولي بقاء للمالكية الصالحة لحاجته لأنها له إما بعد المكاتب فبقاء للملوكية إذ المكاتب عبد وهي لا تصلح لحاجته لأنها عليه لا له.
2 - أن المكاتب معقود عليه فالعقد يبطل بهلاكه بخلاف العاقد.
3 - أن الميت يصح أن يكون في البقاء معتقًا لصحة قوله أنت حر بعد موتى لا بعد موتك وإيصائه بأن يعتق عبده بعد موته فيجعل هو المعتق حكمًا إذ الولاء له.
4 - لو بقيت الكتابة فعتقه إما أن يثبت بعد الممات مقصورًا أو قبله أو بعده مستند لا وجه إلا الإذن لعدم المحلية ولا إلى الثاني لفقد الشرط ولا إلى الثالث لتعذر ثبوته في الحال والشىء يثبت ثم يستند والجواب عن:
1 - أن بقاء المملوكية هنا يصلح لحاجته إذ به يتحقق شرف حريته وحرية أولاده وسلامة إكسابه ولولاه لم يبق نسله إذ المرقوق هالك حكمًا وفي بقاء نسله بقاؤه بل حقه إلى الابقاء أولى لأنه أكد من حق المولى حتى لزم العقد في جانبه فقط ولأن الموت أنفى للمالكية منه للملوكية لأن العجز يلائمه العجز لا القدرة فينزل حيًا تقديرًا ولئن سلم فربما يبقى ضمنا وتبعا لبقاء مالكية اليد.
2 - أن المعقود عليه في الحقيقة مالكية اليد إذ هي السالمة بمطلق العقد لا رقبته

(1/335)


وإضافة العقد إليها كإضافة الإجارة إلى الدار والمعقود عليه المنفعة وإلضا يرجع عند الفساد إلى قيمة الرقبة لأن القاعدة أن المعقود عليه إذا لم يتقوم بنفسه يصار إلى قيمة أقرب الأشياء إليه كالخلع يصار فيه إلى رد المقبوض عند فساد التسمية وعن.
3 - أن التدبير استخلاف كما عرف فيقتضي وجود الخليفة حال الخليفة ووجود المستخلف حال الاستخلاف بخلاف الكتابة فإنها معاوضة لا تبطل بموت أحد المتعاقدين لا كالوكالة والنكاح والإجارة فلا يبطل بموت الأخر إذا صح الميت معتقا حكما بقاء صح معتقا كذلك والجامع الحاجة إلى إبقاء العقد لإحياء الحق بل أولى لما مر من الوجهين وعن.
4 - أولا بمنع عدم المحلية حكما بقاء كما مر وثانيا بمنع فقد الشرط حكما فإن قيام المال قبيل الموت أقيم مقام الأداء ضرورة إحياء حقه وإتمام حاجته وما ثبت بها لا يعد وموضعها فلا يظهر في حق الإحصان فلذا لا يجد قاذفه بعد أداء الورثة يدل كتابته وهذا ما يقال يستند الحرية بإسناد سبب الأداء وهو الكسب إلى ما قبل الموت ويكون أداء ورثته كأدائه لأن الدين يحول بالموت إلى الذمة الخربة إلى التركة ولذا حل الأجل ففراغ ذمة المكاتب موجب إلا أنه لا يحكم بها ما لم يصل البدل إلى المولى وإذا وصل حكم جزء من أجزاء حياته كما إذا أدى بدل المغصوب حكم بثبوت الملك مستند إلى وقت الغصب مع هلاكه فالمراد ببقاء الكتابة والمملوكية على هذا بقاء الحكم بحريته تنزيلا لتأخر الحكم بها منزلة تأخرها ولا معنى لما ظن إن معنى بقائها حرية الأولاد وسلامة الإكساب عند تسليم البدل لأنها أثر الحرية فكيف يصح تفسير البقاء المملوكية ولذا غسلت المرأة زوجها في عدتها لبقاء المالكية بأثرها لا الزوج عندنا بالبطلان المملوكية لعدم العدة عليه إذا لو بقيت لم تزل بدونها فإن ملك النكاح لخطره مؤكد لخطره مؤكد ثبوتا وزوالا خلافا للشافعي لاشتراك الملك بينهما ولقوله عليه السلام لعائشة - رضي الله عنها - لو مت غسلت ولغسل علي فاطمة رضي الله عنها، قلنا بأن الفرق ولأن المالكية له فيفى لحاجته والمملوكية عليها فلا يبقى ومعنى غسلت قصت بأسباب غسلك والغاسل لفاطمة امرأة ولئن سلم فلعله لا دعاء الخصوصية حيث قال لابن مسعود - رضي الله عنه - حين أنكر عليه إما علمت أن النبي عليه السلام قال فاطمة زوجتك في الدنيا والأخرة.
تتمة: ولكون الموت سبب الخلافه خالف التعليق به سائر التعليقات في أنه سبب في الحال وهي مانعة من انعقاد السبب عندنا وأنه يصح به التمليك ومع أن لا مال ولا

(1/336)


يتوقف على القبول وأنه قد يمنع الرجوع والإبطال وقد لا، تحقيقه أن الإيصاء تعليق بالموت صورة ومعنى أو معنى فقط وهو أمر كائن لا محالة وسبب للخلافة فالتعليق به يكون استخلافا منصوصًا فيوجب حقا للموصي له يصير به الموصي محجورًا لأن الاستخلاف الضروري الضمني الحاصل للورثة أو الغرماء إذا صح بثبوت سببه الذي هو مرض الموت حتى ثبت به حق صار المريض به محجورًا فلأن يصح بالتنصيص أولى ومن هذا صار سببًا في الحال وتنجيزًا في حق الحق وإنْ كان تعليقًا في حق الحقيقة وصح تمليكًا لأن المال تابع للاستخلاف المقصود فصح أن يثبت ضمنًا وإن لم يصح قصدًا ولم يشترط وجوده إلا عند الموت ولم يتوقف على القبول وامتنع عند استغراق الدين كالوراثة وأيضًا لا سبب للحرية الثابتة بعد الموت إجماعا إلا التعليق ولا يصير سببًا حين الموت لأنه زمان بطلان الأهلية فيصير سببًا في الحال بخلاف سائر التعليقات وبخلاف ما إذا حسن عند الشرط بعد تعليق العتق به حيث يعتق لأن الجنون لا ينافي أهلية العتق إذ يعتق عليه قريبه بالإرث ولأن ملكه باق بخلاف ما نحن فيه وإذا كان سببًا في الحال ولازمًا لكونه يمينًا وتعليقًا بأمر كائن واستخلافًا فقد أثبت الحق وحق الشيء معتبر بحقيقته وأصله فقيل إن كان الحق لازمًا بأصله أيضًا كحق العتق بالتدبير منع الاعتراض من المولى وحجر عن إبطال الخلافة للزومية الأصلي والسببي فبطل بيع المدبر كأم الولد غير أن فيها سوى معنى تعلق عتقها بالموت احترازًا للمتعة لأنها في الأصل تحرز لماليتها والمتعة متابعة وبعد الاستفراش صارت محصنة للمتعة والمالية متابعة وحين صار الإحراز عدمًا في حق المالية ذهب التقوم وهو عزة المالية بعزة المتعة حتى لا تضمن بالغصب وبإعتاق أحد الشريكين نصيبه منها بخلاف المدير فلم يتعد المعنى الثاني وهو عدم التقوم منها إليه وإن لم يكن لازما بأصله كالوصية بالمال جاز للموصي الرجوع والإبطال للخلافة بالبيع وغيره قال الإِمام القاضي لأن الخلافة في المال خلافة تبرع ولو نجز لم يلزم ما يسلم فهذا أولى وقال الشافعي - رضي الله عنه - يصح بيع المدير المطلق لأنه تعليق كان دخلت فأنت حر ووصية وكالمقيد قلنا الفروق الثلاثة ظهرت.
4 - ما لا يصلح لحاجته القود لأنه لتشفى الصدر ودرك الثأر وإن يسلم أولياء القتيل ولا يكون القاتل حربًا عليهم بعد الموت وهذه عائدة إلى أوليائه ولا يصلح لقضاء حوايجه وقد وقعت الجناية عليهم من وجه لانتفاعهم بحياته فأوجبناه أولًا لهم لكن بسبب العقد للميت لأن المتلف حياته فيصح أيهما عفى قبل موت المجروح استحسانًا في عفو وقياسًا في عفو

(1/337)


الولي لأن القود إنما يثبت بعد الموت مستندًا وليس للميت أهلية حاصل فيثبت ابتداء للولي القائم مقامه خلافه كما قال تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: من الآية 33] ثبوت الملك للمولى خلافة عن العبد المأذون أو المتهب لا وراثة إذ المعتبر في الوراثة ثبوت الملك ابتداء للمورث وفي الخلافة لمن يخلف كذا قالوا ولأنه بطريق الخلافة مستندًا لا الوراثة صح عفو الولي قبل موت المجروح ولا يصح عفو الوارث أو إبراؤه غريم المورث قبل موته ولذا قال الإِمام لم يورث أي لم يجر فيه سهام الورثة ويملك كبيرهم استيفاؤه بلا توقف على كبر الصغار لأن ما لا يتجزأ إذا أضيف إلى جماعة فالسبب في حق كل يثبت كلأ كان ليس معه غيره كولاية الانكاح بخلاف غيبة من يعتد بعفوه كالكبير الغائب واحد الموليين في رواية لشبهته أنه قد عفي لأن العفو مندوب إليه فيصحح ما أمكن لرجحان وجوده بخلاف احتمال رجوع شهود السرقة وإقرار المالك إنها للسارق وهبتها منه حيث يقطع بحضور المودع مع غيبتها خلافًا للشافعي لأن شيئًا منها غير مأمور به أمر ندب فبقي شبهة موهومة الاعتراض فلا معتبر بها كما إذا حضر المالك وغاب المودع حيث يقطع بخصومته في ظاهر الرواية وإن كانت شبهة الإذن بالدخول في الحرز ثابتة ولأن التأخير قد يبطل الحد للتقادم بخلاف القود وقال أيضًا ويعيد الغائب البينة أن حضر مع أن أحد الورثة ينتصب خصمًا عن الباقين وقالا وهو قول الشافعي وابن أبي ليلى بطريق الوراثة لأن خلفه وهو المال موروث إجماعا يثبت للميت ابتداء فكذا هو ولذا يصح عفو المجروح فتجزى سهام الورثة ويكون مشتركًا بينهم فالكبير لا يستوفي حقه لعدم التجزي ولا الكل لبطلان حق الصغير كالكبيرين ولا يعيد البينة كما في الدين والدية قلنا المال يصلح لقضاء حوائج الميت ويثبت مع الشبيهة والميت من أهل الملك في الأموال كما إذا نصب شبكة وتعقل بها الصيد قبل موته بخلاف القود فإذا انقلب مالًا بالأصح أو عفو البعض أو الشبهة صار كأنه الواجب في الأصل لاستناده إلى سبب الأصل بدليل تعلق سهم الموصي له به وذا في المال غايته أن تفارق الخلف الأصل وهو جائز عند اختلاف حالهم كالتيمم والوضوء في اشتراط النية والبينونات بانت بنيانهم ولأن استيفائه بطريق الخلافة يقول كل من الزوجين قاتل الآخر خلافًا لابن ليلى لأن العقد قد بطل بالموت قلنا الزوجية تصلح للخلافة كالقرابة ولدرك الثأر لأن محبتها كمحبة القرابة بل فوقها، والأحكام الأخروية ما له من الحقوق والمظالم وما عليه منهما وما يلقاه من ثواب وكرامة بفضله ومن عقاب وملامة بعد له فله في حقها حكم الأحياء لأن القبر له كالرحم

(1/338)


للماء وقالمهد للطفل فالحياة المنتظرة الأخروية لذاك كالدنيوية لهذا روضة دارًا وحفرة نار إذ فيه ابتداء الابتلاء تنويها لشأنه بالإيمان ومباهاة على إقرانه بفنون الإحسان وضبطها أن أحكام الموت إما دنيوية وهي إما تكليف فيسقط إلا في حق الإثم أو غيره فأما مشروع لحاجة غيره أولا والأول إما أن يتعلق بالعين فيبقي ببقائها أو بالذمة فوجوبه إما بطريق الصلة فيسقط إلا بالوصية أولًا به فيبقي بشرط انضمام المال أو الكفيل بالذمة والثاني إما أن يصلح لحاجة نفسه فيبقي ما ينقض به الحاجة أولًا فيثبت للورثة وإما أخروية وحكمها البقاء سواء يجب له أو عليه من الحقوق أو يستحقه من ثواب أو عقاب، والمكتسبة منها الجهل والمراد أعم مما هو بسيط هو عدم العلم عما من شأنه وهو بحسب الأصل فطري ليس بعيب وبحسب التفريط في إزالته عيب ومركب وهو اعتقاد جازم غير مطابق وهو عيب وهو المراد باعتقاد الشيء على خلاف ما هو به والشيء لغوي وتخصيص الثاني ها هنا سهوًا وذكر له هنا أربعة أنواع جهل لا يصلح عذرًا أصلًا وجهل لا يصلح عذرًا لكن دونه وجهل هو شبهة وجهل هو عذر فإنه إما في نفس الدين وهو الغاية أو في أصوله وهو دونه أو أصول المذهب أو فروعه وذا مخالفًا للكتاب والسنة المتواترة والمشهورة والإجماع الثابت كما قبله ومخالفًا للقياس وخبر الواحد وما في حكمهما من الثلاثة يصلح عذرًا أو شبهة فالأول كالكفر بالله تعالى أو النبي عليه السلام لا يعذر لأنه مكابرة والمراد بها ترك النظر في الأدلة الواضحة فيما لا يعرفه الكافر وترك الإقرار به فيما يعرفه ويجحده كما قال تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: من الآية 14] إذ هو جهل ظاهرًا لا عدم الإذعان هناكما ظن إذ فيه الإذعان لأنه قلبي، حكمه أن دينه أي اعتقاده كما أنه ليس حجة متعدية اتفاقًا دافع للتعرض اتفاقًا لقوله عليه السلام "اتركوهم وما يدينون" ولدليل الشرع في حكم يحتمل التبدل عند الإِمام - رضي الله عنه - في حق الدنيا استدراجًا ومكرًا زيادة لعذلهم كان الخطاب لم يتناولهم فيها أعراض الطباب عن مداواة العليل لا تخفيفًا وإعزازًا فيتقوم الخمر والخنزير ويضمن بإتلافهما وجاز البيع والهبة والوصية فيهما وأخذ العشر من قيمتها من الحربي ونصفه من الذمي خلافًا للشافعى رحمه الله دون قيمته لأن أخذه باعتبار الحماية ويحمى الخمر لنفسه للتخليل فكذا لغيره دون الخنزير ويصح نكاح المحارم فيقتضي بالنفقة بطلبها فإن أسلما بعد الوطء أحصنا للقذف فيحد قاذفه ولا يفسخ ما داما كافرين إلا أن يترافع كلاهما وذلك لأن تقوم الخمر وإحصان النفس من باب دفع التعرض لما ثبت عندهم لا من

(1/339)


التعدي والأحكام الآخر من ضروراتهما ولا يرد التعرض لرباهم لعلنا بأنهم نهوا عنه فلا يعتبر معتقد البعض فاسدًا لأن استحلاله كاستحلال الزنا والسرقة والخيانة فيما ائتمنوا في صحفهم فسق حرام في كل الأديان فالمواد معتقدهم الوارد في شريعة به صرح شمس الإِسلام رحمه الله في المبسوط ومنه نكاح المحارم لثبوته في شريعة آدم عليه السلام لا التوريث به إذ لم يثبت أو الربا مستثني من عقد الذمة بالحديث لا يقال حدا يقاذف وتضمين الخمر والقضاء بالنفقة تعد ولا تعدي بديانتهم كما لا يجوز إرث بنت نكحها مجوسي له بنتان فمات عنهما بالزوجية بل الثلثان لهما بالنسب لا غير إذ لا تعدى بديانتها على الأخرى لأنا نقول ديانتهم دافعة لسقوط ما ثبت عندهم من تقوم الخمر والإحصان اللذين هما شرطا التضمين والحد لا علتاهما ليضافا إلى اعتقادهما بل العلتان الإتلاف والقذف وصورة دعوى الضمان لا تنافيه كما أن ديانة الزوج والزوجة دافعة للهلاك عن المنفق عليه والنفقة تجب باعتبار دفعه ولذا يحبس الأب بنفقة ولده الصغير كما يدفعه الولد بالقتل لو قصد الأب قتلة وإن لم يحبس عند المماطلة كما لو قد يقتله لأنهما ابتداء جزاء ظلمه لدفع ضرر الابن أو نقول وهو الأصح ديانة الزوج حجة عليه في وجوب النفقة لأن الإقدام على النكاح دليل الالتزام فإنما كانت مثبتة بالتزامه بخلاف ديانة البنت الغير المنكوحة فإن خصومتها تتقي تدينها فضلًا عن الالتزام فلا يصح ديانة المنكوحة موجبة زيادة الإرث إلا في طريقة البرغري بل ديانة الأخرى دافعة إياها إما وجوب القضاء في هذه المسائل فيتقلد القاضي لا بالخصومة حتى يكون متعدية شرطه وقالا دافعة للتعرض ودليل الشرع لكن في حكم أصلي لو لم يرد الخطاب لقي مشروعًا في حقنا كتقوم الخمر والخنزير فالأحكام المتعلقة به كما قال إما نكاح المحارم فليس بأصلي بل كان في شريعة آدم عليه السلام لضرورة حصول النسل ولذا لم يكن يحل اخته إلا من يطق آخر لا بدفاعها بالبعدي دل أن الأصل فيه الحرمة فيحرم عليهم لكن لا يتعرض لهم كعبادتهم الأوثان إلا عند رفع أحدهما فلا يحد قاذفه ولا نفقة به أو قالا ولئن صح النكاح فلا أقل من شبهة الفساد وهي دارئة فلا يحد وعدم وجوب النفقة على هذا لأنها صلة يستحق ابتداء كالميراث لا لدفع هلاكها لوجوبها لفائقة الغنى قلنا بعد ما مر أن ثبوت ما اعتقدوه على العموم في شريعة ما يوجب اعتباره لأن الظاهر مشروعية حاصل وأنه بالاقدام على النكاح إلتزمها وإن كانت صلة المال المقدر إذا قل وإن كثر قاصر عن استيفاء حاجتها الدائمة بدوام حبسها وعند الشافعي - رضي الله عنه - دافعة للتعرض فقط والخطاب

(1/340)


شملهم ووصل إليهم بالشيوع في الدار فما يرجع إلى التعرض لا يثبت وما لا يرجع إليه يثبث فلا يحد بشرب الخمر لأنه تعرض ولا يثبت ما سواه من الأحكام كصحة بيعها والإيجابات لأن ديانتهم ليست ملزمة قلنا الكل من ترك التعرض كما سبق لأن معنى ترك التعرض بالشيء أن لا يمنع لوازمه كان لا يحد بشرب الخمر بعينه، الثاني جهل لا يصلح عذرا لكنه دون الأول وله أمثلة:
1 - جهل صاحب الهوى كالمعتزلة بصفات الله تعالى أي بصحة إطلاقها على الله تعالى أو بزيادتها والخلاف في زيادة الصفات الحقيقية القائمة بذاته كالعلم بمعنى الحاصل بالمصدر هو بالفارسية دانش إما بمعنى التعلقات كالعلم بمعنى المصدر هو بالفرس دانستين فمتفق عليها وعلى ذا ينبغي أن ينزل الأدلة من الطرفين وكالمشبهة بعدم جواز حدوث الصفات وجهله بأحكام الآخرة نحو عذاب القبر إن ثبت إنكار المعتزلة على ما هو المشهور فقد صرح الزهدي باتفاقهم فيه ونحو الرؤية والشفاعة لأهل الكبائر وعفو ما دون الكفر وعدم خلود الفساق لهم لا تعذر لأنه مخالف للدليل الواضح وموضع استيفائها الكلام لكنهم لتأويلهم الأداة كان دون الأول فلزمنا لإسلامهم مناظرتهم وألزمهم ويلزمهم أحكام الشرع.
2 - جهل الباغي هو الخارج عن طاعة الإِمام الحق بشبهة طارئة كإمامة على - رضي الله عنه - ثابتة بالإجماع والنصوص لا يعذر للعناد والتأويل فيضمن بالإتلاف مال العادل ونفسه لبقاء ولاية الإلزام للإسلام إلا أن يكون له متعة فيسقط الإلزام ويجب محاربتهم لقوله تعالى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: من الآية 9] وقيل: إذا تجمعوا لها وقَتل أسيرهم والتذفيف على جريحهم دفعًا لشرهم بلا حرمان عن الإرث ولا ضمان خلافًا للشافعي - رضي الله عنه - عنه لأن الإِسلام جامع والقتل حق وعن هذا لم يحرم الباغي إذا قتل مورثه العادل أيضًا عند الطرفين إذا قال كنت على الحق وأنا الآن عليه لأنه حق في زعمه وإلا فيحرم اتفاقًا. وقال يوسف رحمه الله لا يرثه بحال لأن اعتقاده وتأويله ليس حجة على العادل ولما كان الدار متحدة حقيقة لا حكمًا إذ الديانة مختلفة تثبت العصمة من وجه فلا يملك أموالهم بل تحبس زجرًا ولا يضمن بالإتلاف بالشبهين كغصب مال غير متقوم إذ إثباتهما في غاية التناقض وإثبات أحدهما جعل الاختلاف الناقص أو العصمة الناقصة كالكامل نحو اختلاف دار الحرب ومنفعتهم.
3 - جهل من خالف في اجتهاده الكتاب الغير القطعي الدلالة وإلا فكفر ومثله السنة

(1/341)


المتواترة بقسيمتها كاستباحة متروك التسمية عمدًا إذ ليس تأويل ما لم يذكر اسم الله عليه بأنه كناية عمن لم يذبحه موحد أو المراد الذكر القلبي كما زعم مبنيًا على ظاهر دليل آخر فلا يعدل به عن هذا الظاهر كيف وإن ذبح من قال المسيح ابن الله وعزير ابن الله داخل وليس موحدًا وإن الذكر القلبي حقيقة ليس بشرط عند الشافعي - رضي الله عنه - والعمل بما روي أن المؤمن على ذكر الله أو لم يذكر جمع بين الحقيقة والمجاز وإلحاق الناسي بالدلالة فليس جمعًا بينهما كما ظن وليس العامد المقصر في معناه وكالقضاء بشاهد ويمين الخصم أو السنة المشهورة كالتحليل بدون الوطيء وكالقصاص في مسألة القسامة يستحلف الأولى خمسين يمينًا في العمد والخطأ إن وجد لوث عند الشافعي - رضي الله عنه - أن معينًا منهم قتله ويقضى بالدية على عاقلة القاتل في الخطأ وعلى نفسه في العمد في الجديد وبالقود في العمد عند مالك وأحمد قوله القديم وبلا لوث كمذهبنا تمسكًا بحديث قتيل خير حيث قال عليه السلام "أتخلفون ويستحقون دم صاحبكم" (1) أي دم قاتل صاحبكم وفيه مخالفة الحديث المشهور في القسامة وقوله "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" وهو وحديث العسيلة من المشاهير أو الإجماع كبيع أم الولد اجمعت الصحابة على عدم جوازه كما قال البردعي أجمعنا على عدم جواز بيعها بعد العلوق إذ في بطنها ولد حر فلا نتركه حتى ينعقد إجماع لأن اليقين لا يزول إلا بمثله وعلى هذا يبتني نفاذ القضاء وعدمه، الثالث جهل يصلح شبهة كالجهل في موضع الاجتهاد الغير المخالف للثلاثة أو في موضع الشبهة فالأولى كمن صلى الظهر بغير وضوء سهوًا ثم صلى العصر به ثم تذكر فلم يقض الظهر على ظن جوازها لعدم العلم فهذه فاسدة عند علمائنا في ظاهر الرواية لأنه مخالف للإجماع خلافًا لحسن بن زياد إذ وجوب الترتيب عنده على من يعلم وعند زفر رحمه الله ظن أجزاء الظهر كنسيانه فيجزيه القصر وعند الشافعي - رضي الله عنه - لا يجب قضاء العصر لعدم فرضية الترتيب وإن تذكر بعد العصر فقضي الظهر ثم صلى المغرب على ظن جواز العصر لجهله بفرضية الترتيب صح المغرب لأنه موضع الاجتهاد الصحيح إما عند العلم بفساد العصر فلا يصح بخلاف الجهل بجواز الصلاة بلا وضوء والثاني كوطئ جارية والديه لو زوجته ظانًا حله لشبهة أن الأملاك متصلة والمنافع دائرة تعتبر في درء الحد خلافًا لزفر قياسًا على جارية الأخ لا في ثبوت النسب ووجوب العدة لأنها شبهة الاشتباه وهي ظن غير الدليل دليلًا لأن الشبهة من الظن فالفعل بدونه تمحض زنا إما شبهة الدليل وهي أن يوجد الدليل
__________
(1) أخرجه البخاري (6/ 2630) ح (6769)، ومسلم (3/ 1294) ح (1669).

(1/342)


النافي للحرمة لكن لخلف عنه حكمه لمانع كالإجماع في وطيء الأب جارية ابنه فهي قائمة لأنها ناشئة من الدليل القائم فلم يتمحض زنا وإن ظن الحرمة فيثبت النسب ويجب العدة أيضا وعلى هذا قال الإمام رحمه الله لا يجب التفكير بالإفطار إذا نوى الصوم من النهار ولا بأكل العمد بعد إذ طعم. في حالة النسيان والحكم علم. بخلاف جارية أخته وأخيه وإن ظن الحل إذ لا بسوطة في المال فلا شبهة أصلا وكحربي أسلم في دار الحرب فدخل دارنا وشرب الخمر جاهلًا بالحرمة لم يحد لأنه في موضع الاشتباه بخلاف الذمي لاختلاطه وبخلاف الزنا فيهما لحرمته في كل الأديان والمحتمل لهما كعفو أحد ولي القود وقتل الآخر ظانا بقاء القصاص وأنه لكل كامل لم يقتض منه للشبهة فكنها دارئة له أو لأن له القصاص عند أهل المدينة وكإفطار المحتجم ظانا أن الحجامة فطرته لم يلزمه الكفارة لأنه مجتهد فيه إذ يفسد صومه عند الأوزاعي لقوله عليه السلام أفطر الحاجم والمحجوم بخلاف الغيبة فإن حديث الإفطار بها مؤول إجماعا فليس موضع الاجتهاد الصحيح أو الحديث شبهة دارئة لها غلبة معنى العقوبة فيها وهذا إذا استفتى فأفتي بالفساد أو بلغه الحديث ولم يعرف نسخه وتأويله وإلا فعليه الكفارة اتفاقًا وعند أبي يوسف يجب مطلقًا إذ ليس للعامى الأخذ بظواهر الأخبار، الرابع جهل يصلح عذرًا لجهل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر بالشرائع بعذر لخفاء الدليل إذ لم يبلغه الخطاب وعدم التفريط إذ ليست بمحل استفاضته خلافًا لزفر رحمه الله وكجهل من لم يبلغه الخطاب في أول نزوله لقصة فباء حيث كانوا في الصلاة حين علموا بتحويل القبلة فاستداروا كهيئتهم وأنزل فيهم {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم إلى بيت المقدس ونزل قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: من الآية 93] فيمن شربوا الخمر بعد نزول آية التحريم قبل بلوغ الخطاب فعذروا وهذا قبل شياع الخطاب في دارنا إما بعده فلا كمن لم يطلب الماء في العمران وتيمم وهو موجود مقصر بخلافه في المفازة، ومنه كل جهل مبنى على خفاء الدليل وفيه لزوم ضرر سواء توقف لزومه على قبوله إذ كان قبله مخيرًا كجهل الوكيل والمأذون بالإطلاق حيث يقع كل من الشري للموكل وبيع ماله فضوليًا أولا كجهلهما بضده وهو العزل والحجر فيصح تصرفهما وجهل الشفيع بالبيع فلا يكون بيع الدار المشفوع بها قبل العلم بالبيع تسليمًا للشفعة والمولى بجناية العبد فلا يكون بيعه وأعتاقه اختيار للفداء بل عليه الأقل من الارش والقيمة والأمة بالاعتاق أو خيار العتق فلا يكون سكوتها جاهلة رضا بل لها الخيار في

(1/343)


المجلس لحديث بريرة - رضي الله عنه - إذ تخيير المولى كتخيير الزوج بخلاف تخيير الشرع البكر البالغة لتوهم الخلل والبكر بإنكاح ولي غير الأب والجد ولها الفسخ إذا علمت بالغة وتفصيلها أن إنكاحهما من الكفؤ بلا غبن فاحش لازم وبدون أحد القيدين لها فسخه حين بلغت عالمة أو علمت بالغة وسكوتها في الحالتين رضا دون سكوت الصغير والثيب وإنكاح غيرهما بالقيدين لها فسخه كذلك وبدون أحدهما لا يصح وفي شرح صدر الشريعة أنه يصح ويصح فسخه لها ولا يساعده رواية إما أن الجهل يعذر في هذه الأمور لأنها لاستبداد واحد بها أحقية وفيها لزوم ضرر توجه الحقوق ولزوم الدين لا في الكسب والرقبة بل في مال نفسه بعد العتق وضرر سوء الجوار وزيادة الفداء وزيادة الملك ولزوم أحكام النكاح بخلاف جهل البكر بخيار البلوغ فلا يعذر لأن حكم الشرع في دارنا مشهور ففي حقها غير مستور ولا مانع من التعلم بخلاف الآية وهذا الفرق ليس مبنيًا على لزوم تعلم العلم عليها فكون البكر غير مكلفة قبل البلوغ غير قادح فيه وقيل: فسخ النكاح بخيار البلوغ إلزام ضرر الفسخ وبخيار العتق دفع ضرر زيادة الملك والجهل عدم أصلى يصلح للدفع لا للإلزام ولذا شرط القضاء في الفسخ الأول دون الثاني والأول أولى ظنًا في كل من الخيارين إلزام الفسخ ودفع ضرر أحكام المملوكية واشتراك حقوق النكاح لا ينافي زيادة ضرر المملوكية وإما التفاوت في شرط فلأن ولاية الولى نظرية ففسخ البكر باحتمال عدم النظر وذا غير قطعي إما ولاية المولى فعامة وفسخ الأمة لدفع زيادة الملك وهي قطعية فلا يحتاج إلى القضاء ثم في جميع ما لا يعذر هذا الجهل أو يكون السكوت رضا إنما هو فيما أخبر به صاحب الحق أو رسوله بوجه يقع به المعرفة إما إذا أخبر الفضولي فيشترط فيه العدد أو العدالة عند الإمام رحمه الله خلافًا لهما إلا في نحو المثال الأول الذي ليس فيه إلزام قبل القبول بل مخير فلم يشترط في مخبره العدالة وإن كان فضوليًا بل التمييز فقبل خبر المميز وإن لكان صبيًا أو كافرًا إذا وقع في القلب صدقهما بخلاف الأمثلة الباقية إذ في كل منها إلزام لا يتوقف على القبول وعلى الأصل الممهد قال الطرفان لا يفسخ ذو خيار الشرط بغير محضر من صاحبه إذ يلزمه حكمًا جديدًا وقال أبو يوسف رحمه الله بفسخه لأن الخيار خالص حقه ثم قال الإمام وتبليغ رسوله كتبليغه صح في ثلاثة أيام مطلقًا عدلًا أو غيره وفي غير الرسول العدد أو العدالة شرط الوجود معنى الإلزام لا بعد الثلاثة وإن وجدا للزوم العقد بمضي المدة وقال محمد رحمه الله غيره كهو لا يشترط شيء منهما ويعتبر المدة ثلاثة أو أزيد، والسكر غفلة سرور سببها امتلاء الدماغ من الأبخرة

(1/344)


المتصاعدة تعطل العقل ولا تزيله فلذا لا يزيل أهلية الخطاب وقد مرت الإشارة إلى أن عده مكتسبًا لكون سببه وهو الشرب اختياريًا ونفسه مرادًا بخلاف الرق فإنه غير مراد والاختيار في بعض سببه الذي هو مجموع الكفر والاستيلاء ثم إن السكر حرام إجماعا لكنه إما بطريق مباح أو محظور فالأول كالسكر من الدواء ولأن الرماك في الأصح وشرب الخمر ملجأ أو مضطرًا وما يتخذ من الحبوب والعسل كالإغماء الغير الممتد يمنع صحة طلاق السكران وعتاقه إلا عالمًا يفعله في رواية وكل تصرف له لأنه كالصداع وإن امتد ليس من جنس ما يتلهى به في الأصل فلا يحد بالسكر مما يجتمع عليه الفساق من الاشربة والثاني كما من الخمر وكذا من الباذق والمنصف إلا عند الأوزاعي لا ينافي الخطاب بالإجماع لأن قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: من الآية 43] معناه إذا سكرتم فلا تقربوها لأن الحال قيد للمطلوب لا الطلب كقوله تعالى {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: من الآية 1] فإنه حالًا قيد الإيفاء لا إيجابه لوجوبه على محلي الصَيد فلولا أَهلية الخطاب لما جاز كما لا يجوز إذا جننت فلا تفعل كذا فيلزمه أحكام لشرع لأن البلوغ مع العقل سبب ظاهرًا أقيم مقام اعتداله الخفي فإذا فاتت قدرة فهم الخطاب بسبب من العبد هو معصية عدت قائمة زجرا له ولما أهل للخطاب وجب عليه العبادات وإن امتد إذ الأصل إثباتها بخلاف الإغماء لأنه سماوي ولم يعمل به العبارات لاختلالها كالنوم إلا فيما طريقه محظور زجرا له لأنه مكتسب بخلافه فيصح طلاقه وعتاقه والبيع والشرى والإقرار وتزويج الصغير والصغيرة والإقراض والاستقراض والهبة والصدقة لا ردته فلا تبين امراته استحسانًا لعدم الركن وهو تبدل الاعتقاد كما إذا أراد أن يقول اللهم أنت ربي وأنا عبدك فجرى على لسانه عكسه لا يرتد وعمل أبو يوسف رحمه الله بالقياس ولو أسلم صح كالمكره ولم يعتبر السكر دليل الرجوع عنه مع أن السكران لا يكاد يثبت على شيء لأنه يعلو ولا يعلى عليه ولأن الرجوع عنه رده وصريحها إذا لم يعتبر معه فدليلها أولى ولذا صح الإقرار بالقود والقذف وغيرهما مما لايعمل فيه الرجوع لا بالحدود الخالصة كالشرب فسكره ربما يكون لا طريق مباح فيقر بأنه من محظور وكالزنا والسرقتين لقيام دليل الرجوع بخلاف مباشرة الكل حيث يحد إذا صحا فإن الرجوع لا يعمل في المباشرة المعاينة وكذا السكر من المثلث ومن نبيذ الزبيب أو التمر المطوخ العتيق وشربهما لاستمراء الطعام والتقوى على الصيام والقيام لا على قصد السكر حلال عند الأولين إلا عند السكر فإن القدح المسكر حرام لأنهما من جنس ما

(1/345)


يتلهى به ويجب الحد به بناء على أن الطبع داع إلى شربه فيحتاج إلى الزاجر بخلاف ما يتخذ من الحبوب في المشهور وإما نقيع الزبيب أو التمر وهو ما ألقى فيه ليخرج حلاوته فإن اشتد وقذف بالزبد قبل الطبخ حرام إلا عند الأوزاعي وبعد أدنى طبخه يحل قليله في ظاهر الرواية ولكون حرمة هذه الأشياء اجتهادية لا يكفر مستحلها بخلاف الخمر وحد السكر اختلال الكلام وزاد الإِمام في حق الحد أن لا يعرف السماء من الأرض لأن ما دونه ناقص ونقصانه دارء وفي غيره من الأحكام كرد الردة والإقرار بالحدود الخالصة كما قالا، والهزل فسره علم الهدى رحمه الله كما لا يراد به معنى لا حقيقي ولا مجازي وضده فيتناولهما وفخر الإِسلام رحمه الله بأن يراد باللفظ ما لم يوضع له يريد الأعم من الوضع الشخصي والنوعي الموجود في المجاز ويرادفه التلجئة وقيل: أعم منها لاشتراطها بسبق الاشتراط والأصح الأول إذ مقصود، وهو إيهام الجد إنما يحصل بسبقه.
حكمه أنه لا ينافي الأهليتين ولا اختيار المباشرة والرضا بها بل اختيار الحكم والرضا به كخيار الشرط بعدمهما في حق الحكم لا السبب غير أن شأنه أن يفسد البيع ولا يفيد الملك بالقبض بخلاف الخيار إذا لم يؤيد وإن التصريح به شرط لا في العقد بل قبله وفي الخيار فيه لا بد من تقسيم التصرفات بالنظر إلى الاختيار والرضا وتخريج الأحكام بحسب أثره فإن كل حكم يتعلق بالسبب ولا يتوقف عليهما يثبت به وإن توقف لا فهي إما إنشاء أو إخبار أو اعتقاد لأنه إما أحداث شيء أو بيان للواقع أو ربط القلب كما في الواقع، إما لإنشاء فلأنه إما أن يحتمل النقض كالبيع أولًا فاما أن لا يكون فيه مال كالطلاق أو يكون لكن تبعًا كالنكاح أو مقصودا كالخلع والهزل في كل من الأربعة إما بأصله أو بقدره أو بجنسه وعلى كل من التقادير الاثني عشر فأما أن يتفقا على الأعراض أو البناء أو السكوت عنهما أي إن لم يحضرهما شيء أو اختلفا في البناء مع الأعراض أو مع السكوت أو في الإعراض مع السكوت اثنان وسبعون قسما بحسب العقل وإن لم يوجد بحسب الوجود بعضها فإن دخل على ما يحتمل النقض كالبيع والإجارة فإن هو لا بأصله واتفقا على الأعراض بطل الهزل وصح العقد أو على البناء فسد العقد ولا يوجب الملك وإن قبض فلا ينفذ اعتاق المشتري كالخيار المؤبد من المتعاقدين فإن نقضها أحدهما انتقض أو أجازاه جاز أو أجاز أحدهما وسكت الآخر توقف على منعه أو اجازته فهو غير أن وقت الأجازة مقدر عند الإمام بالثلاث لا عندهما كما في خيار الأبد أو على السكوت أو اختلفا في البناء والأعراض صح العقد عنده ورجح صحة الإيجاب لأنه

(1/346)


متمسك بأصل لزوم العقود فالقول قوله كمنكر الخيار وأبطلاه ورجحا الواضعة بالسبق والعادة ولا معارض له بخلاف ما إذا اعرضا فإن الدلالة يبطلها الصراحة قلنا بعارضه بعد أن ترك التقييد في العرف دليل الإطلاق وهو دليل الكمال وأنه مرجح بالإيصال إذ المواضعة منفصلة منه وإن حمل أمر المسلم على السداد أن عدم اتفاقهما على البناء يوجب فسخ المواضعة إذ لا بد فيها من الملاحظة من الطرفين أو اختلفا في البناء والسكوت أو الأعراض والسكوت ينبغي أن يكون السكوت فيهما كالإعراض على أصل الإِمام فيعمل بالعقد وكالبناء على أصلهما فيعمل بالمواضعة وإن هزلا بقدره بأن سميا ألفين والثمن ألف فإن اتفقا على الأعراض صح بهما وكذا أن سكتا أو اختلفا بوجه منها أو بنيا عند الإمام فإنه يعمل بظاهر العقد في الكل وهما بالمواضعة إلا عند إعراضهما وفرق بين البنائين بأن العمل كواضعة الوصف يجعل قبول أحد الألفين شرط وقوع البيع فيفسد العقد وقد وجدا فيه ولا يمكن اتباع الأصل الوصف لرجحانه ولا سيما للإفساد أما البناء السابق فلا مانع للعمل بالمواضعة فيه وإن هزلا بجنسه بأن سميا مائة دينار والثمن ألف درهم يعمل بالعقد اتفاقًا استحسانًا والقياس فساده لأن الهزل بجنس الثمن يبقى البيع بلا ثمن ولكن الوجه ترجيح الجد في أصله بتصحيحه بما ذكر ففرقا بين المواضعة هنا وبينها في القدر بأن العمل بها مع صحة العقد ممكن ثمة لذكر الثمن الذي فيه الجد والزائد شرط لا طالب له كشرط أن لا يبيع الدابة أو لا يعلقها لا ها هنا إذ لا يصح شيء من المذكور ثمنًا قلنا الشرط المفسد مفسد ولو بالرضا كالربا لا سيما اشتراط ما ليس بمبيع لقبول المبيع كالجمع بين حر وعبد في صفقة وإن دخل فيما لا يحتمل النقض ولم يكن فيه مال كالطلاق والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر يواضع في كل منها مع الغير أو نوى في نفسه أنه هازل وسواءكان في أصله أو قدره أو جنسه صح كله وبطل الهزل بالخبر وهو قوله عليه السلام "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين" (1) وفي رواية "والعتاق" (2) فهي منطوقه والبواقي مدلوله فإن العفو عن القصاص إحياء كالاعتاق وإسقاطه على السراية واللزوم كالطلاق والنذر إلزام شىء
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتفى (1/ 178) ح (712)، والحاكم في مستدركه (2/ 216) ح (2800) وقال صحيح الإسناد. والترمذي (3/ 490) ح (1184) وقال: حسن غريب.
والبيهقي في الكبرى (7/ 340) ح (14770)، وأبو داود (2/ 259) ح (2194)، وابن ماجة (1/ 658) ح (2039) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 98).
(2) البيهقي في الكبرى (7/ 341) ح (14771).

(1/347)


وتحريم ضده كاليمين كما قال عليه السلام "النذر يمين وكفارته كفارة اليمين" (1) ولأن الهازل راض بالسبب دون الحكم وأحكام هذه الأسباب لا يحتمل الرد بالإقالة والفسخ ولا التراخي بشرط الخيار ولا يرد التعليق بالشرط لأن تأثيره في تأخير السببية ولا المضاف نحو أنتِ طالق غدًا لأنه ليس علة ولذا لا يستند ومرادنا بالسبب العلة بخلاف البيع بالخيار فإنه علا في الحال ولذا يستند ثم قدره وجنسه كأصله في ذلك وإن كان قيد المال تبعًا في العرض لا في الثبوت كالنكاح ولذا صح بدون ذكره وتحمل فيه جهالة لا يتحمل في غيره فإن هزلا بأصله لزم قضاء ودبابة في الوجوه للزومه ولذا لا يرد بالعيب وخيار الرؤية وبقدره فإن اعرضنا فالمسمي وإن بنيا فالمواضعة وفرق الإِمام بأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد بخلاف البيع وإن سكنا أو اختلفا في البناء والأغراض فهي رواية أبي يوسف رحمه الله كالبيع وهي في رواية محمَّد لتبعية المهر والثمن مقصود بالإيجاب وهكذا ينبغي أن يكون الاختلافان الآخران وبجنسه وإعراضا فهو وإن بنت فمهر المثل اتفاقًا لأنه موجب النكاح بلا مسمى ولم يذكر شيء مما وجدا فيه بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا بتسمية الثمن وإن سكتا أو اختلفا فمهر المثل على رواية محمَّد والمسمى على رواية أبي يوسف كالبيع فالجنس كالقدر لكن عند بطلان المسمى يصرف إلى مهر المثل وعندهما مهر المثل لأن أصلهما ترجيح المواضعة بالسبق والعادة وإن كان المال فيه مقصودا كالخلع والعتق على مال والصلح عن دم العمد إذ لا يجب فيها بدون الذكر بخلاف النكاح فاشتراطه آية مقصوديته فعندهما يقع ويجب المسمى كله لتبعيته ثبوتا وكم مما يثبت ضمنًا لا قصدًا كلزوم الوكالة أي ضمن عقد الرهن والهزل لا يؤثر فيه أصلًا سواء هزلا بأصله أو قدره أو جنسه واتفقا على شيء أو اختلفا بوجه لأن الخلع لا يحتمل شرط الخيار فإنه من جانب الزوج يمين إما عنده فلما جرى خيار الشرط فيه من جانبها لأنه معاوضة منها لكن بدون التقدير بالثلاث وتحويز مدة أكثر لكونه ملائما له من حيث إنه إسقاط بخلاف البيع وتوقف وقوع الطلاق ووجوب المال على مشيئتها كان الهزل كذلك فسواء هزلا بأصله أو قدره أو جنسه إن بنيا توقف الأمران على مشيئتها وإن أعرضا أو سكتا تنجزًا باختلاف التخريج فعنده لرجحان الجد كما عندهما لبطلان الهزل وإن اختلفا بوجه فالقول لمدعي الأعراض أو السكوت ترجيحًا للجد وكذا حكم الإبراء
__________
(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (4/ 148)، وأبو يعلى في مسنده (3/ 283) ح (1744)، والطبراني في الكبير (17/ 313) ح (866).

(1/348)


من الطلاق والعتاق على مال والصلح عن دم العمد ولأن الهزل بالشيء ينافي الرضا بحكمه ويكون كخيار الشرط صار تسليم الشفعة بالهزل قبل طلب الموثبة مبطلًا للشفعة لأنه كالسكوت عن طلبها وبعد الإشهاد مبطلًا للتسليم كما يبطل التسليم بخيار الشرط إذ لو سلمها بعد الطلبين على أنه بالخيار ثلاثة أيام تبطل وتبقي الشفعة وذلك لأن التسليم لكونه استيفاء أحد العوضين ولذا يملك الأب والوصي تسليم شفعة الصبي بتوقف على الرضا بالحكم وإذا يبطل الإبراء كما يبطله خيار الشرط لأنه في معنى التمليك ولذا نريد الرد.
وأما الإخبار كالإقرار يقتسمان ويبطله الهزل احتمل المقربة الفسخ أولًا لأنه يعتمد صحة المخبر به أي تحققه والهزل دليل عدمه فصار الكل مما يحتمله كما يبطل الإقرار بنحو الطلاق بالكره وأما الاعتقاد فقسمان لأنه بالقبيح أو الحسن فالهزل بالردة كفر لا بما هزل به ليردان مبنى الردة تبدل الاعتقاد ولم يوجد لأن الهزل ينافي الرضا بالحكم بل بنفس الهزل بالردة لأنه استخفاف بالدين وهو كفر لقوله تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: من الآية 65 - 66] وَذلك لوجود الرضا بنفس الهزل فصار كالإشراك هازلًا وسب النبي عليه السلام هازلا بخلاف المكره لأنه غير راض بالسبب والحكم جميعًا قيل ولأنه معتقد الكفر إذ مما يجب اعتقاده حرمة الاستخفاف بالدين وفيه بحث إذ غايته اعتقاد الحرمة فيكون مباشرته فسقا لا كفرًا إذ المباشرة ليست استحلالا بل الحق أن مباشرة الاستخفاف بالدين الذي هو كفر بالنص والإجماع رضا بالكفر وهو كفر أو نقول هو أمارة الكفر الذي هو في نفسه خفي فيقوم مقامه كإلقاء المصحف في القاذورة وشهد الزنا وغيرهما والهزل بالاسلام متبرئًا عن دينه يوجب الحكم بالاسلام كالمكره عليه بالرضا بأحد الركنين وهو الإقرار لأنه يعلو ولا يعلى عليه ولأنه لا يحتمل الرد بخيار أو غيره كالطلاق، والسفه لغة للخفة والتحرك وقد يتعدى وشرعًا لمعنيين أعم وهو خفة تعترى فرحًا أو غضبًا فتحمل على عمل غير موجب الشرع والعقل مع ثباته بخلاف العته فيتناول ارتكاب كل محظور وأخص هو المصطلح هنا وذا بتخصيص العمل بما يخالفهما من وجه لوخامة عاقبته وإن شرع وحمد بأصله وهو السرف.

(1/349)


حكمه لا ينافي الأهليتين لكمال العقل والبدن فيخاطب ولا الرضا بالأحكام فتؤهل حقوق العباد بالأولى لكنه يكابر عقله بترك الواجب عن علم فلا يستحق النظر بالحجر وهو منع نفاذ التصرف القولى فلا يحجر عند الإمام - رضي الله عنه - إذا لمكابرة لا تصلح مانعًا عن نفاذ التصرف من أهله مضافًا إلى محله والمعصية ليست سببًا للنظر ولذا يحبس في الدين ويؤاخذ بعبادة الضرر المحض وبالعقوبات وبالإقرار بها وهي مما يدرء وضررها بالنفس فبالمال التابع أولى وقالا كالشافعي رحمه الله يحجر إلا فيما لا يبطله الهزل فالشافعي رحمه الله عقوبة لسفهه وهما لا له بل حقًا لدينه وللمسلمين إما الأول فلأن غايته ارتكاب الكبيرة كقتل العمد وعفو المؤمن عنها في الأخرة من الله تعالى وفي الدنيا من الولي حسن وإن أصر عليها وقياسا على منع ماله أول البلوغ إجماعًا بجامع أن لا يتلف فعنده إلى مدة إيناس رشد ما لا ينفك سن الجدية عن مثله إلا نادرًا وهى خمس وعشرون سنة إذا قل مدة البلوغ والحمل اثنتا عشرة ونصف سنة وعندهما إلى نفس إيناس الرشد ولأن صحة العبارة للنفع والرفق فإذا أضرت ردت وإما الثاني فلئلا يضيع أموال المسلمين في ذمته كما في قصد شراء واحد من الطلبة جارية ببخارى فأعتاقها فنكاحها حتى عرف البايع بالأخرة فنونه وأخذ يخفف عنه ولئلا يصير كلا عليهم بالإنفاق من بيت المال ودفع الضرر العام بارتكاب الخاص مشروع كما في الفتى الماجن ونظائره قلنا النضر له لدينه وللمسلمين كالعفو عن الكبيرة جائز لا واجب وإنما يجوز لو لم يتضمن ضررا فوقه من إلحاقه بالصبي والمجنون بإبطال عبارته فبالبيان بأن فضل الإنسان على سائر الحيوان ومن إبطال النعمة إلا على الأصلية هي الأهلية للأدنى الزائدة هي بقاء اليد فبطل قياسه أيضا على منع المال على الورد النص به عقوبة تعزيز وتأديب ولذا خوطب به الولي على جناية السفه غير معقول المعنى ولا قياس على العقوبة ثم الحجر لهما نظير ما روى عن أبي يوسف رحمه الله فيمن تصرف في ملكه كما يضر جيرانه بمنع كدق الذهب والندف واتخاذ الطاحونة للأجرة ونصب المنوال لاستخراج الإبريسم من الفيلق إذا تضرروا بالدخان أو رائحة الديدان وذا لأنه إذا شرع لدفع ضرر الخاص فلدفع العام أولى وليس معنى الإلحاق أن الضرر هنا خاص كما ظن، ثم الحجر عندهما أنواع:
1 - حجر بالسفه بقضاء القاضي عند أبي يوسف لأنه متردد بين النظر بإبقاء الملك والضرر بإهدار القول فلا يترجح جهة النظر إلا به وبنفس السفه عند محمد رحمه الله كالجنون والصغر والرق فإذا الحجر يلحق عندهما في كل حكم إلا من النظر في إلحاقه إليه

(1/350)


من المريض والمكره والصبي فيثبت أمومية مستولدته وحرية ولدها بالدعوة لا حتياجه إلى بقاء نسله كدعوة المريض المديون حتى تعتق هما وولدها من جميع المال ويفسد شراء ابنه المعروف كالمكره فيملكه بالقبض فيعتق لكن لا يصح التزامه الثمن أو القيمة للضرر كالصبي فلا يسلم له شيء من سعايته الواجبة بل للبايع.
2 - حجر بالدين عند خوف أن يلجي أمواله ببيع أو إقرار عن التصرف إلا مع الغرماء لكن بالقضاء اتفاقًا.
3 - حجر بالامتناع عن بيع المال عرضًا كان أو عقارًا لقضاء للديون فبيعه القاضي كما فعل النبي عليه السلام مع معاذ - رضي الله عنه - إذ له أن ينوب كل من امتنع عن إيفاء حق مستحق يجري فيه النيابة كالذمي الممتنع عن بيع عبده الذي أسلم والعنين الأبي عن التفريق بعد المدة وبيعه هذا ابطال لعبارات منعه وامتناعه فيكون حجرًا، والسفر لغة قطع المسافة وشرعًا خروج مديد أغنى امتداد الحاصل بالمصدر أدناه ثلاثة أيام ولياليها بإشارة حديث تعميم رخصته جنس المسافر فمن ضرورته عموم التقدير ولذا زعمت سفر المعصية كما ترتب على مطلقه في قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: من الآية 184] الآية خلافًا للشافعي لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: من الآية 173] أي بالخروج والقطع لاقى النعمة لا تنال بالمحظور بل هو سبب الزجر كالسكر قلنا بعد ما مر السفر والعصيان يفترقان والنهي لغيره لا يعدم الشروعية والسكر معصية لعينه فمعناها والله تعالى أعلم غير باغ ولا عاد في الأكل أي غير طالب للميتة قصدا وتلذذًا وشهوة بل دافعًا للضرورة ولا متجاوزا أحد سد الجوعة أو غير باغ بتجاوز حد الجوعة وغير عاد بحفظها لجوعة أخرى والتأويل مروي عن الحسن وقتادة وأولى بسياق بيان تحريم الميتة حكمه أنه لا ينافي الأهليتين والأحكام لكن مطلقة من أسباب الترخيص إقامة له مقام المشقة إذ جنسه لا يخلو عن مشقة ما أقلها من التحرك وامتداده بخلاف المرض فإن منه ما ينفعه الصوم كالتخمة ومنه ما لا يضره أي لا يوجب ازدياده كالبرص الأبيض فلم يتعلق رخصته بنفسه كما ظنه بعض الحديث ففي الصلاة القصر عزيمة أو رخصة إسقاط لشطر ذوات الأربع وعند الشافعي ترفيه فلا يبطل العزيمة كما في الصوم، لنا أصالة القصر بأثر عائشة - رضي الله عنه - وخبر مقاتل - رضي الله عنه - وصدق حد النافلة على الأخرتين حيث يثاب فاعلهما ولا يعاقب تاركهما والمراد صدقة قبل النية والشروع إذ هو المعتبر من حد النافلة فإن بعدهما كل نافلة فرض كما بعد النذر فسقط ما

(1/351)


قيل فرضية الإتمام عند نيته وح لا ثم أنه لا يعاقب وقلنا أيضًا النية عند الشافعي - رضي الله عنه - شرط القصر ففيما إذا لم ينو شيئًا منهما وأتم كان الكل فرضًا ولانية لإتمام وحديث الصدقة وتسميته صدقة فإن التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض ففيها الوضع والنسخ وفيه التأخير ومنافاة العبودية المشية المطلقة فلا يختار إلا الأرفق فلا يخير بينه وبين غيره في الجنس الواحد إذ لا فائدة ولذا لم يخير مولى المدبر الجاني بين قيمته والأرش إذا كانت دونه ولا المعتق عبده الجاني جاهلًا كذلك ولا المكاتب الجاني بل يلزم الأقل بخلاف العبد الجاني حيث خير بين دفعة وقيمته ألف وبين فدائه بعشرة آلاف لاختلاف الجنس لا يقال كثرة الثواب فائدة لأنها في حسن الطاعة والتوجه لا في الطول والعدد كظهر المقيم مع فجره وظهر العبد مع جمعة الحر مع أن الحكم الدنيوي وهو الصحة لا يبنى على الثواب الأخروي كصلاة المرائي والمتوض بماء نخس في عالم ولكون السفر اختياريًا لم يوجب ضرورة الازمة قبل إذا أصبح مسافرًا صائمًا أو مقيمًا فسافر لا يباح إفطاره وإذا أفطر لا كفارة عليه لشبهة اقتران المبيح صورة وإذا أفطر المقيم ثم سافر لم يسقط الكفارة بخلاف المرض في الكل حيث يحل فطره في الأولين ويسقط الكفارة في الثالثة لأنه سماوي تنزيل الاستحقاق من أوله إذ زاوله لا يتجزى وبين بعروضه أن صوم اليوم لم يجب عليه من جناب الموجب كالحيض بعد الصوم.
تتمة: أحكامه تثبت بنفس الخروج وإن لم يتم علة لخبر أنس وابن عمر - رضي الله عنه - تعميمًا للرخصة من ليس مقصده فوق مسيرة ثلاثة لكن بنية رفضه أي دفعه لنية الإقامة قبل الثلاثة يصير مقيمًا ولو في غير موضع الإقامة وبنية رفعه لنيتها بعد الثلاثة لا إلا في موضعيها لأن الدفع أسهل من الرفع والامتناع عن السفر الأيسر من التزام الحضر، والخطأ قد يراد به العدول عن الصواب كقوله تعالى {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: من الآية 31] ويراد ما ليس بعمد نحو {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: من الآية 92] و "رفع عن أمتي الخطأ" (1) وهو المعنى هنا وعرف بالفعل عن قصد صحيح غير تام ومنه رمي صيد أصاب إنسانًا إذ من تمام القصد قصد محله ولوجود قصد ما أقله ترك التثبيت ولذا عد في المكتسبة جاز أن يؤاخذ به بدليل دعاء النبي عليه السلام خلافًا للمعتزلة، حكمه لا ينافي الأهليتين لكن يصلح عذرا في سقوط حق الله تعالى إذا وقع عن اجتهاد فلا يأثم به كما في القبلة والفتوى وشبهة دارئة في العقوبة فلا يأثم إثم القتل ولا يؤاخذ بحد
__________
(1) تقدم تخريجه.

(1/352)


وقود لأنه جزاء كامل فلا يجب على المعذور لقوله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: من الآية 5] لا في حقوق العباد فيضمن الأموال لعصمة المحال
ووجبت الدية من حيث إنها بدل المحل ولذا تتعدده لا يتدد الفاعل لكن على وجه
التخفيف حيث وجبت على العاقلة في ثلاث سنين من حيث إنه عذر فيما هو صلة لم تقابل مالًا ومبناها على التخفيف والكفارة من حيث إنها تشبه جزاء الفعل إذ لا ينفك عن ضرب تقصير بترك التثبيت فيصلح سبب للجزاء القاصر الدائرين العبادة والعقوبة ويقع طلاقه خلافًا للشافعي لعدم القصد كالنائم قلنا أقيم البلوغ عن عقل مقام العمل بالعقل بلا سهو وغفلة لكونه خفيًا لا يوقف عليه بلا حرج لا مقام القصد في نحو النائم لأنه معلوم عدمه ولا مقام الرضا فيما يبنى عليهما كالبيع والإجارة إذ لا يتعذر الوقوف عليه لأنه امتلاء الإختيار حتى يقضي إلى الظاهر فيري في الوجه البشاشة كالغضب غليان القلب حتى يظهر أثره في حماليق العين ولذا كانا في صفات الله تعالى من المتشابه إما الطلاق فيبنى على القصد فقط وقد وجد بدليله وينبغى أن ينعقد البيع خطأ بلا نفوذ إذا صدق خطأته خصمه لوجود القصد بدليله لا الرضا كبيع المكره ينعقد فاسدًا، والإكراه حمل القادر إلا بي على قول أو فعل مهددًا إما كاملًا ويسمى ملجئا بتلف أو عضو وإما قاصرا غير ملجئ بحبس أو قيد مديدًا أو ضرب شديد قياسًا ويقصد جنس الأب أو الابن أو كل ذي رحم محرم استحسانًا لأن البار يختار حبسه على حبس أبيه بخلافه بإذهاب الجاه وإتلاف المال ونحوه.
حكمه عند الشافعي رحمه الله أن قسمته سيان لأن عصمة المحل تقتضي دفع الضرر وعمن لا يرضي وكل منهما إضرار وأصله أنه إما على حق كالإكراه على إسلام الحربي دون الذمي وعلى المولى بعد المدة وعلى بيع المديون ماله لقضاء دينه فيقتصر على الفاعل إذ يجعل مختارًا شرعًا وما على غير حق فإن كان عذر شرعًا يقطع الحكم عن الفاعل لعدم اختياره ورضاه فإن قوله وفعله لدفع الشر لا يعتبر عن مراده وتحصيل مرتاده فإن لم يمكن نسبته إلى الحاصل كالأقوال إذ لا تكلم بلسان الغير يبطل وإن أمكن بنسب إليه فيضمن الحامل الأموال وجزاء صيد الحرم والإحرام وإن لم يكن عذرا بأن لا يحل به للفاعل الإقدام يقتصر عليه فيجلد الزاني ويقتص القاتل مكرهين كما يقتص الحامل أيضًا بالتسبيب كما في رجوع شهود القود وعندنا أن شيئًا منهما لا تنافى الأهليتين لكمال العقل والبدن ولا التكليف لترتب الأجر تارة والإثم أخرى على فعل المكره عليه وإذا آيته

(1/353)


ولا يعدم الاختيار لا في السبب ولا في الحكم إذ لا إكراه فيما لا اختيار كالطول والقصر ولأن المطلوب أن يعرف الشرين فيختار أهون الأمرين عليه وإن عدم الرضا فيهما بنوعيه فكان دون الهزل وشرط الخيار بالنظر إلى الحكم المقصود بل دون الخطا أيضًا لكن يفسد الملجئ منه الاختيار لأن مجبولية الإنسان على حب صحته وحياته توجب الإقدام فلا يتغير معه قول أو فعل إلا بمغير تغير قول الطائع بالشرط والاستثناء وأفعاله المنهية بوقوعها في دار الحرب وبالشبهة فأثركماله في تبديل النسبة وقاصره في إعدام الرضا فقط وذلك لأن المكره عليه إما فرض يوجر بالإقدام عليه كشرب الخمر وأكل الميتة والخزير فإن الملجئ يسقط حرمتها لأن الاستئناء من الحرمة حل فالإضرار المنصوص أن تناول الإكراه فبعبارته وإلا فبدلالته فلو صبر حتى قتل عالما بسقوطها إثم وإلا فيرجى أن لا ياثم وغير الملجئ لا يسقطها لكن يورث شبهة دارئه بخلاف القتل بغير الملجئ فإنه لا يحل ولا ينتقل وإما مباح يستوى طرفاه من حيث هو كالإفطار في نهار رمضان وذكره قسمًا برأسه لأنه يحتمل أن يؤجر بالصبركما في المقيم أو بالإقدام كما في المسافر وفي الإثم بالعكس فمطلقه بين بيّن لا إنه لا يأثم ولا يؤجر كما ظن ولا أنه يأثم بالصبر لكن لا للإباحة بل لبذل نفسه بترك المباح كما قتل فإن كلا منهما ممنوع ولأن بينه وبين إجراء كلمة الكفر فرقا قبل الإكراه حيث يحتمل الصوم السقوط لأن الصلاة مثله فيه وهي من قسم الرخصة وإما مرخص مع بقاء الحرمة يوجر فيه لو صبر سواء كان حقًا لله تعالى لا يحتمل السقوط كإجراء كلمة الكفر فإنه ظلم في أصله وخص بالنص في قصة عمار - رضي الله عنه - وبقي الكف عزيمة بخبر خبيب - رضي الله عنه - ومع هذا فالاجراء نوع جناية دون القتل إذ هذا هتك حرمة الشرع صورة ومعنى وذلك صورة فقط والقلب مطمئن أو يحتمله كالعبادات ومنه قتل صيد الحرم والإحرام أو للعبد كإتلاف مال المسلم حيث يسقط بإسقاط صاحبه لا بالإكراه لكن لما عارضه أمر فوقه هو تلف النفس أو العضو رخص فيه وبقي العمل بالعزيمة واجبًا وهذا كتناول طعام الغير أو المحرم محظور إحرامه مخمصة فإذا استوفاهما يضمن القيمة والجزاء فالإقدام فيها بالمجيء رخصة والإحجام حتى قتل شهادة ومنه زنا المرأة بالمجيء فبغيره شبهة دارئه وإما حرام كقتل المسلم بغير حق والجرح إذ لا يحل قتل غيره ولو كان عبده ولا قطع عضوه لتخليص نفسه بخلاف جرح نفسه وقطع عضوه على ما استثنى محمد رحمه الله لذلك والملحق بالمال عضو نفسه في أنه لوقايته لا عضو غيره بدليل حالة الإضرار يصح فيها أكل مال الغير لا أكل عضوه ويصح أكل عضو نفسه

(1/354)


وكذا زنا الرجل ففى غير المنكوحة لضياع النسل وفيها لفساد الفراش فإنه قتل معنى لا نم انقطاع النسب ممن منه في نفس الأمر هلاك معنى أو حكمة تراعى في الجنس لا في كل فرد أو ربما يرده صاحب الفراش لتوهم الزنا باللعان بخلاف زناها إذ النسب إليه وإلحاقه بها ضروري ولما حرم زناه ولو بالمجيء لم يصر شبهة دارئة بغيره بخلافه به فنقول لما أفسد الملجئ اختيار الفاعل فإن عارضة اختيار الحامل يرجح لصحته وجعل الفاعل آلة له وإن لم يحتمل كونه آلة كالأقوال مطلقًا لما مر يقتصر على الفاعل من حيث أنه قول ففيما ينفسخ ينفذ كالطلاق وغيره من نحو الأمور العشرة التي يجمعها.
(قوله) طلاق عتاق والنكاح ورجعة، وعفو قصاص واليمين كذا النذرة. ظهار وإيلاء وفيء فهذه تصح مع الإكراه عدتها عشر: لأنها تنفذ مع الهزل وخيار الشرط ولا اختيار فيهما للحكم الذي هو المقصود وفي الإكراه اختيار له فاسد والفاسد ثابت من وجه فلان ينفذ معه أولى إما إذا أكرهت على قبول مال الطلاق فيقع بلا مال كما في خلع الصغيرة لأن عدم الرضا جعل قبولها كأن لم يكن والتوقف على الرضا شأن المال لا الطلاق كالثمن بخلاف إكراهه دونها حيث يقع ويلزم المال لطوعها وبخلاف الهزل حيث لا ينفصل المال عن الطلاق فيه اتفاقًا إذ فيه الرضا بالسبب وعنده يصبح التزامها ويتوقف الطلاق على أن يثبت حكمه وهو اللزوم بتمام الرضا فصحة التزام المال للرضا بالسبب وتوقف الطلاق لعدمه بالحكم كما في خيار الشرط من جانبها وعندهما يقع ويجب لأن الرضا بالسبب رضا بالحكم من وجه فكفي في إيجاد الطلاق فكذا في بدله لأنه تبعه وفيما ينفسخ ويتوقف على الرضا كالبيع والإجارة تفسد وكبعض الأفعال نحو الأكل والشرب والزنا يقتصر أيضًا من حيث هو فيبطل صوم الفاعل لا الحامل وفي أكل مال الغير اختلفت الرواية في ضمانه للفاعل كما في عقر الزنا لأن منفعة الأكل كالوضئ له كما على أكل طعام الآكل وللحامل لأنه كغضبه ثم إطعامه بخلافه للأتلاف لا الغضب لكن أو تلفت الجارية بالزنا ينبغي أن يضمنها الحامل وإلى هنا غير الملتجئ فهو لاشتراكهما في عدم الرضا وكذا في فساد التقارير لقيام الدليل على عدم المخبر به بخلاف إقرار السكران بنحو الطلاق لأن السكر ليس دليل عدم المخبر له إما عدم اعتبار ردته فلاعتمادها على محض لاعتقاد وقد شك في تبدله وإن احتمل كونه آلة في بعضها فإن لزم من جعله آلة تبدل محل الجناية يقتصر كإكراه المحرم على قتل الصيد فحل الجناية إحرام الفاعل أو على البيع والتسليم فيملكه المشترى بالقبض فاسدًا وينفذ إعتاقه ونحوه خلافًا لزفر رحمه الله

(1/355)


فحل التسليم المبيع لا المغصوب وكذا المكره عليه إتمام البيع لا الغصب المحض نعم يعتبر إتلافًا من حيث جواز تضمين الحامل لو تلف في يد المشتري كجواز تضمين المشتري ومن حيث التمكن من فسخه حال قيامه أما الإعتاق فمن حيث إنه قول مقتصر فالولاء للفاعل ومن حيث انه إتلاف منتقل فيضمن الحامل وإن لم يلزم التبدل يضاف موجبه بالملجئ إلى الحامل كقصاص العمد لا إثم الفعل لأن محل الجناية دين الفاعل فلو أضيف لتبدل فيأثم كل بصفته ولذا وجب فيمن أكره على رمي صيد فأصاب إنسانا على عاقلة الحامل الدية لأنها ضمان المحل وعلي نفسه الكفارة لا على الفاعل وإن كانت جزاء الفعل لأن وجوبها لحرمة في المحل.

جمع وتفريق
كالإكراه الأمر متى صح بصدوره ممن له ولاية شرعًا صح نقل الفعل كمن أقر عبده بحفر بئر في موضع إشكال لم يعلمه إنه ليس له كغنائه فحفر فمات فيها أحد يضاف إلى الأمر يحل الايتمار وكمن استأجر حرًا أو استعان به للحفر كذلك استحسانًا لغروره بأمره في موضع الاشتباه بخلاف العبادة في المسألتين إذ لا حل ولا غرور فيضمن الفاعل ويدفع العبد أو يفدي وكذا لا يضمن قاتل عبد غيره بأمر مولاه لأنه موضع اشتباه حل التصرف بل يأثم فقط بخلاف قاتل حر بأمر حر آخر يضمن المباشر إلا إذا كان الأمر سلطانًا فأمره بمنزلة التهديد بالقتل والإكراه ناقل في هذه المواضع كلها والله تعالى أعلم بسرائر شرائعه.
تم المجلد الأول ويليه المجلد الثاني

(1/356)