فصول البدائع في أصول الشرائع

الفصل السابع في حكم المفسر
هو وجوب العمل به والعلم بذلك اتفاقا على احتمال النسخ والسقوط بالمحكم عند التعارض قيل مثاله قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فإن ذوي العدل مسوق لمقبولية الشهادة لأنها فائدة العدالة ووجوب قبولها منهم بالإجماع فهو نص فيها ومفسر لا يحتمل غير قبول شهادة العدول؛ لأن الإشهاد إنما يكون للقبول عند الأداء وقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] المقتضي لعدم القبول من المحدود في القذف فإن تاب وعدل محكم في رده إذ لا يحتمل النسخ للتأييد فرجح فاعترض عليه يمنع أن الأول مفسر حيث يحتمل الأمر الإيجاب والندب ومخصص من الأعمى والعبد ومنع أن الإشهاد إنما يكون للقبول فلعله للتحمل فقط كشهادة العميان والمحدودين في القذف في النكاح ولقوله ليس شيء منهما بهائل فإن المستشهد به للمفسر ذوي عدل لا غير واحتمال المجاز الذي في الأمر والتخصيص الذي في مجرور منكم لا ينافيه.
والعدالة تقصد للقبول لا للتحمل وهذا لأن كون مجموع الكلام مفسرًا لا يكاد يوجد لا سيما في كلام الله تعالى لأنه إن كان خبرا فمحكم وإن كان إنشاء فلكل نوع منه
__________
(1) أخرجه الترمذي (1/ 220) ح (126)، والربيع في مسنده (1/ 222) ح (555)، وأبو طالب القاضي في العلل (1/ 57) ح (73)، وانظر نصب الراية للزيعلي (1/ 202).

(2/102)


محتملات مجازية بل وهذا كونه محكما كالنهي في لا تقبلوا فالتحقيق يقتضي أن يكون التمثيل لهما بقيد من الكلام لا بمجموعه كالمفعول في: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وإلا فاحتمال أن يراد بالقتل الضرب الشديد مجازا واحتمال الأَمر المعاني المجازية قائمًا فكيف يكون مفسرًا لا يقال مقصود التفاوت بين هذه وإلا قام الترجيح لو تعارضت ولا تعارض إلا بين الحكمين لأنا نقول المراد تعارض الحكمي باعتبار تعلقهما بذينك القيدين والله أعلم.