قواعد الأحكام في مصالح الأنام

[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشْرَ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ]
ُ وَهُوَ أَضْرُبٌ أَحَدُهَا: مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ.
الثَّانِي: مَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ كَالتَّعْزِيرَاتِ.
الثَّالِثُ: التَّأْدِيبُ كَتَأْدِيبِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لِلْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ.
الرَّابِعُ: تَأْدِيبُ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ وَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَى السَّادَاتِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ.
الْخَامِسُ: تَأْدِيبُ الدَّوَابِّ بِأَنْوَاعِ الرِّيَاضَاتِ. وَمَهْمَا حَصَلَ التَّأْدِيبُ بِالْأَخَفِّ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْحَبْسِ وَالِاعْتِقَادِ، لَمْ يُعْدَلْ إلَى الْأَغْلَظِ إذْ هُوَ مَفْسَدَةٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِمَا دُونَهُ.

(2/88)


[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]
ْ يَتَصَرَّفُ الْوُلَاةُ وَنُوَّابُهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ دَرْءًا لِلضَّرَرِ وَالْفَسَادِ، وَجَلْبًا لِلنَّفْعِ وَالرَّشَادِ، وَلَا يَقْتَصِرُ أَحَدُهُمْ عَلَى الصَّلَاحِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلَحِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَلَا يَتَخَيَّرُونَ فِي التَّصَرُّفِ حَسَبَ تَخَيُّرِهِمْ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ أَنْ يَبِيعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، أَوْ مَكِيلَةَ زَبِيبٍ بِمِثْلِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] ، وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حُقُوقِ الْيَتَامَى فَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ فِي حُقُوقِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَوْفَرُ وَأَكْثَرُ مِنْ
اعْتِنَائِهِ بِالْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ
، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ جَرَّ فَسَادًا أَوْ دَفَعَ صَلَاحًا فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
كَإِضَاعَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَإِضْرَارِ الْأَمْزِجَةِ لِغَيْرِ عَائِدَةٍ
، وَالْأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَإِفْسَادِ الْأَمْزِجَةِ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْأَرْوَاحِ، وَلَوْ وَقَعَتْ مِثْلَ قِصَّةِ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي زَمَانِنَا هَذَا لَجَازَ تَعْيِيبُ الْمَالِ حِفْظًا لِأَصْلِهِ وَلَأَوْجَبَتْ الْوِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ حِفْظًا لِلْأَكْثَرِ بِتَفْوِيتِ الْأَقَلِّ فَإِنَّ الشَّرْعَ يُحَصِّلُ الْأَصْلَحَ
بِتَفْوِيتِ الْمَصَالِحِ
، كَمَا يَدْرَأُ الْأَفْسَدَ بِارْتِكَابِ الْمَفَاسِدِ، وَمَا لَا فَسَادَ فِيهِ وَلَا صَلَاحَ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْوُلَاةُ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَمْكَنَ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ.

(فَوَائِدُ) الْأُولَى: الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ لِتَكُونَ الْعَدَالَةُ وَازِعَةً عَنْ التَّقْصِيرِ فِي
جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ
، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبَعِيَّ يَزَعُ عَنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
وَلَمْ تُشْتَرَطُ الْوِلَايَةُ فِي قَبُولِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَزَعُ عَنْ الْكَذِبِ فِيمَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَالْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ أَقْوَى مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ.

(2/89)


الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْأَنْكِحَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهُودِ تَمْيِيزًا لِلنِّكَاحِ عَنْ السِّفَاحِ وَدَرْءًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الِافْتِضَاحِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: كُلُّ شَيْءٍ عَسِرَ اجْتِنَابُهُ فِي الْعُقُودِ فَإِنَّ الشَّرْعَ يَسْمَحُ فِي تَحَمُّلِهِ كَبَيْعِ الْفُسْتُقِ فِي قِشْرِهِ وَمَا لَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَنْكِحَةِ رُؤْيَةُ الْمَنْكُوحَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا لِمَا فِي شَرْطِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَلِذَلِكَ تَقَدَّرَتْ مُدَّةُ النِّكَاحِ بِعُمُرِ أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمُرًا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ نَقْلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ يُثْبِتُ لِلزَّوْجِ مِنْ حُقُوقِ الِاسْتِمْتَاعِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ كَالنَّقْلِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْشَاءُ تَمْلِيكٍ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا يَتَصَرَّفُ الزَّوْجُ فِي إزَالَتِهِ إلَّا بِالْإِسْقَاطِ دُونَ النَّقْلِ فِيمَا أَنْشَأَهُ الْمَوْلَى مِنْ حَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمَرْأَةِ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَسْرِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]
ٌ أَحَدُهَا: أَنْ يُعْتِقَ مِنْ عَبْدِهِ جُزْءًا مُعَيَّنًا أَوْ شَائِعًا فَيَسْرِي إلَى سَائِرِهِ لِمَا فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَحْرَارِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ يُعْتِقَ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ جُزْءًا مُعَيَّنًا أَوْ شَائِعًا فَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَقِيَّتِهِ، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ إلَّا إعْتَاقَ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى جَنِينِهَا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْجَنِينَ يَسْرِي إلَى أُمِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا طَلَّقَ مِنْ امْرَأَتِهِ جُزْءًا مُعَيَّنًا أَوْ شَائِعًا سَرَى الطَّلَاقُ إلَى بَقِيَّتِهَا احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ بِخِلَافِ الْأَوْقَافِ وَالصَّدَقَاتِ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى مَحَلِّهِ.

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ، فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي عَفْوِ الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ.

(2/90)


الْمِثَالُ الْخَامِسُ: الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِ الْمَأْخُوذِ بِالشُّفْعَةِ مُسْقِطٌ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ
وَدَفْعًا لِلتَّضَرُّرِ
بِتَفْرِيقِ الْمَأْخُوذِ.

[قَاعِدَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ]
ِ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْعُقُودِ لَفْظٌ إلَّا النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ لَفْظُ التَّزْوِيجِ أَوْ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ لَا تَسْتَقِلُّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَقَاصِدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ يَدُلُّ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ، ثُمَّ الْمَنَافِعُ وَالثِّمَارُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْمِلْكِ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا، وَلَفْظُ الْإِجَارَةِ يَدُلُّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَدَّرَةِ، وَالنِّكَاحُ مُؤَجَّلٌ بِمَوْتِ أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمُرًا أَوْ بِالْعُمُرَيْنِ إنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ مَعًا، وَجَمِيعُ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ لَا تَدُلُّ عَلَى خَصَائِصِ النِّكَاحِ، وَإِنْ نَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ.

[قَاعِدَةٌ فِيمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ التَّصَرُّفَاتِ]
ِ. مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ وَالسَّلَمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالْهَدْيِ، وَعَيَّنَ أَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ عَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقًا، أَوْ عَتَاقًا، أَوْ نَذْرًا، فَإِنَّ إقْرَارَهُ وَيَمِينَهُ وَتَعْلِيقَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْفَاسِدِ لِظُهُورِهِ فِيهِ، فَإِنْ تَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُحْتَمِلًا لِمَا نَوَاهُ قُبِلَ تَأْوِيلُهُ فِي الْفَسَادِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ أَسِيرُ الْمُسْتَفْتِي، وَالْحَاكِمَ أَسِيرُ الْحِجَجِ الشَّرْعِيَّةِ

(2/91)


وَالظَّوَاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ لَفْظُهُ لَمْ يُقْبَلْ تَأْوِيلُهُ فِي الْفُتْيَا إلَّا أَنْ يَقْصِدَ وَضْعَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ فَلَا يَنْفَعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ وَجَبَ الْمَالُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ السَّرِقَةِ صَرِيحٌ فِي أَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِذِكْرِ السَّرِقَةِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَلِخَفَاءِ شَرَائِطِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ.

وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِهِ، وَطَرَدَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِالِاحْتِيَاطِ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَجْلِ الْأَبْضَاعِ، وَيَجِبُ طَرْدُ مَا قَالَ فِي بَيْعِ الْجَوَارِي، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْبَيْعَ أَوْلَى بِالتَّفْصِيلِ مِنْ النِّكَاحِ لَكَانَ مُتَّجَهًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ وُقُوعُهَا بِالشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَيْسَتْ الْبُيُوعُ كَذَلِكَ لِغَلَبَةِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ وَبَيْعِ مَا لَمْ يُرَ مِنْ الْمَتَاعِ.

وَإِنْ ادَّعَى أَمْرًا مُخْتَلَفًا فِي حَدِّهِ وَحَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ كَدَعْوَى الرَّضَاعِ وَالْمِيرَاثِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَجَاسَةِ الْمَاءِ. فَلِلْمُدَّعَى بِهِ حَالَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ تَخْتَلِفَ رُتْبَتُهُ وَلَهُ مِثَالَانِ: أَحَدُهُمَا الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ، وَلِلْحَاكِمِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْحَالُ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ بِأَدْنَى رُتَبِ الْأَسْبَابِ فَيَحْرُمُ بِالْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَيْنِ كَمَالِكٍ فَيَلْزَمُهُ السَّمَاعُ وَالْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتَرَدَّدْ بَيْنَ مَا يُقْبَلُ وَبَيْنَ مَا لَا يُقْبَلُ.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فَلَا يَكْفِي بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ بِالرَّضَاعِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الثَّلَاثِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا دُونَهَا.
الْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْهَا رَضَعَاتٍ، فَلِمَنْ يَقُولُ بِالثَّلَاثِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ، إذْ لَا تَرَدُّدَ فِيهَا بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْخَمْسِ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا؛ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْخَمْسِ وَمَا دُونَهَا.
الْمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ بِانْحِصَارِ الْإِرْثِ فِي إنْسَانٍ وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ الْإِرْثِ

(2/92)


مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ يَقُولُ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قِبَلَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَرِثَ بِالرَّحِمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَرِثَ بِالْقَرَابَةِ أَوْ بِالْوَلَاءِ فَلَمْ تَتَرَدَّدْ الشَّهَادَةُ بَيْنَ مَا يُورَثُ وَمَا لَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهَا إنْ حُمِلَتْ عَلَى أَدْنَى الْأَسْبَابِ ثَبَتَ الْإِرْثُ، وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى أَعْلَاهَا ثَبَتَ الْإِرْثُ، فَالْإِرْثُ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ دَنِيَّةٍ أَوْ عَلِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُوَرِّثُ بِالرَّحِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَةَ حَتَّى يُبَيِّنَ الشَّاهِدُ سَبَبَ الْإِرْثِ كَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ لِتَرَدُّدِ شَهَادَتِهِ بَيْنَ مَا يُثْبِتُ الْإِرْثَ وَمَا لَا يُثْبِتُهُ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ وَارِثُهُ بِالْبُنُوَّةِ لَقَبِلَ؛ لِأَنَّ حَصْرَ الْإِرْثِ فِي الْأُخُوَّةِ قَدْ يَكُونُ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا لَا رُتَبَ لَهُ فِي التَّبَرُّعِ وَلَيْسَ لَهُ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَيَظْهَرُ فِيهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَشْهَدَ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ فَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا مَجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ سَبَبًا يَرَاهُ الْحَاكِمُ قَبِلَ شَهَادَتَهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ شَهَادَتَهُ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ مَا لَيْسَ بِنَجِسٍ نَجِسًا إمَّا لِجَهْلِهِ بِالنَّجَاسَاتِ، وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِ نَجَاسَةً لَا يَرَاهَا الْحَاكِمُ كَسُؤْرِ السِّبَاعِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: تَفْسِيقُ الشُّهُودِ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِمُفَسِّقٍ مُفَسِّقًا، أَوْ يَرَى التَّفْسِيقَ بِسَبَبٍ لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مُفَسِّقًا.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الشَّهَادَةُ بِالْإِكْرَاهِ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا لِجَهْلِهِ، أَوْ يَعْتَقِدُ الْإِكْرَاهَ بِسَبَبٍ لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ إكْرَاهًا، وَلَيْسَ لِلْإِكْرَاهِ الْمُعْتَبَرِ لَفْظٌ يَظْهَرُ فِيهِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ.

(2/93)


وَضَابِطُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَالرِّوَايَةَ الْمُرَدَّدَةَ بَيْنَ مَا يُقْبَلُ وَمَا لَا يُقْبَلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا إذْ لَيْسَ حَمْلُهَا عَلَى مَا يُقْبَلُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَا لَا يُقْبَلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا بِيَقِينٍ أَوْ ظَنٍّ يَعْتَمِدُ الشَّرْعُ عَلَى مِثْلِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الْمُرَدَّدَ الْمَحْمَلَ غَيْرَ مَقْبُولٍ فِي الشَّهَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَقْصُودِ الْخَصْمِ بِدَلَالَةٍ لَفْظِيَّةٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي مَدْلُولَاتِهَا وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمُطْلَقَةَ بِالْمِلْكِ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ.
وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ مَعَ أَنَّ أَسْبَابَهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَعَلَّ الشَّاهِدَ أَسْنَدَ الْمِلْكَ وَالدَّيْنَ إلَى سَبَبٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِجَهْلِهِ، أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى سَبَبٍ لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ سَبَبًا وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ الشَّاهِدُ: إنَّ بَيْنَ هَذَيْنِ رَضَاعًا مُحَرَّمًا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعَ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ يَحْصُلُ بِالْمَصَّةِ أَوْ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ أَوْ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ فَيَصِفُهُ بِالتَّحْرِيمِ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ وَمَذْهَبِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يُحَرِّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ وَيُوجِبُونَ وَيَحْظُرُونَ بِنَاءً عَلَى عَقَائِدِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَلَوْ أَطْلَقَ الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ اللَّقِيطَ مِلْكُ الْمُلْتَقِطِ فِيهِ قَوْلَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُسْنِدُ الشَّهَادَةَ إلَى يَدِ الِالْتِقَاطِ مَعَ جَهْلِهِ بِكَوْنِهَا يَدَ الْتِقَاطٍ.
وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ إشْكَالٌ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُقِرُّ فِي الْغَالِبِ بِمَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَلَيْسَ كُلُّ عَقْدٍ يُبَاشَرُ صَحِيحًا، بَلْ هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَلَيْسَ الْعَقْدُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ نَادِرًا بَلْ هُوَ غَالِبٌ، فَفِي حَمْلِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُعَاطَاةُ فَإِنَّهُ

(2/94)


غَالِبٌ عَلَى الْمُحَقِّرَاتِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِبَيْعِ مُحَقَّرٍ أَوْ شِرَائِهِ فَكَيْفَ يُؤَاخِذُهُ مَنْ لَا يَرَى بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ؟ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَا لَمْ يُرَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الثِّيَابِ الْمَطْوِيَّةِ، وَالسِّلَعِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهَا لَا تُقْلَبُ وَلَا تُرَى فِي الْبِيَاعَاتِ.
كَالثِّيَابِ وَالْأَكْسِيَةِ وَالْجُلُودِ وَغَيْرِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْسِرَ الْمُقِرُّ كَمَا يَسْتَفْسِرُ الشَّاهِدُ، فَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا صَحِيحًا حَكَمَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا يَقْطَعُ حَتَّى يَفْصِلَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قَبِلْتُمْ الشَّهَادَةَ بِالْمَجْهُولِ وَطَالَبْتُمْ الشَّاهِدَ بِتَفْسِيرِهِ كَمَا تَقْبَلُونَ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَتُطَالِبُونَ الْمُقِرَّ بِتَفْسِيرِهِ؟ .
قُلْنَا: هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ وَاسْتِفْسَارُ الشَّاهِدِ عَمَّا شَهِدَ بِهِ كَمَا يَسْتَفْسِرُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا كَبِيرُ فَارِقٍ وَيُعْتَمَدُ عَلَى مِثْلِهِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِفْسَارَهُ أَقْرَبُ إلَى فَصْلِ الْحُكُومَةِ، وَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْ الشَّاهِدُ أَلْزَمْنَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِتَفْسِيرِ مَا أَجْمَلَهُ الشَّاهِدُ كَمَا يُلْزَمُ الْمُقِرُّ بِتَفْسِيرِ مَا أَجْمَلَهُ فِي إقْرَارِهِ.

[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَسْبَابِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ]
ِ لِلْأَسْبَابِ مَعَ أَحْكَامِهَا أَحْوَالٌ:
أَحَدُهَا مَا تَقْتَرِنُ أَحْكَامُهُ بِأَسْبَابِهِ كَالْأَفْعَالِ
الثَّانِيَةُ: مَا يَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَى أَسْبَابِهِ.
الثَّالِثَةُ: مَا اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَرْتِيبِ أَحْكَامِهِ عَلَى أَسْبَابِهِ وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى مَا يَتَعَجَّلُ أَحْكَامُهُ، وَإِلَى مَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بَعْضُ أَحْكَامِهِ.

(2/95)


فَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَتَقْتَرِنُ أَحْكَامُهَا بِهَا وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا حِيَازَةُ الْمُبَاحِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْمِيَاهِ، وَالصُّيُودِ كَالْأَخْذِ بِالْأَيْدِي أَوْ بِالشِّبَاكِ، أَوْ الْإِثْبَاتِ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ، أَوْ بِالطَّعْنِ بِالرِّمَاحِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: قَتْلُ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يَقْتَرِنُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْأَسْلَابِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الْخَمْرُ وَالزِّنَا وَقَطْعُ الطَّرِيقِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُدُودُهَا، وَالتَّفْسِيقُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّفْسِيقِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: مَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْرُونَةٌ بِهِ.

وَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَى أَسْبَابِهِ
فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ قُبَيْلَ التَّلَفِ؛ لِتَعَذُّرِ اقْتِرَانِهِ بِهِ وَوُقُوعِهِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ انْقِلَابُ الْمِلْكَيْنِ إلَى بَاذِلَيْهِمَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ انْقِلَابُ الْمِلْكَيْنِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا فَيَتَعَيَّنُ انْقِلَابُهُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ قُبَيْلَ تَلَفِهِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَتَكْفِينِهِ عَلَى بَائِعِهِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: قَتْلُ الْخَطَأِ وَلَهُ حُكْمَانِ:
أَحَدُهُمَا مَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ.
الثَّانِي: مَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ؛ لِتَكُونَ مَوْرُوثَةً عَنْهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِبَدَلِ نَفْسِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَإِنَّ الْأَبْدَالَ فِي الشَّرْعِ حُقُوقٌ لِمَنْ يَخْتَصُّ بِالْمُبْدَلِ وَهُوَ أَخَصُّ بِنَفْسِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» ؛ وَلِأَنَّهَا تُورَثُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَجْبَانِ اللَّذَانِ هُمَا مِنْ خَصَائِصِ

(2/96)


الْمِيرَاثِ، وَلَا يُقَدَّرُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ بِغَيْرِ سَبَبٍ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ سَمَّاهُ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ ثُمَّ يُعْتَقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: يَقَعُ الْعِتْقُ وَالْمِلْكُ مَعًا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ اخْتِصَاصٌ وَالْعِتْقَ قَاطِعٌ لِكُلِّ اخْتِصَاصٍ.

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: إذَا حَكَمْنَا بِزَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالِاعْتِقَاقِ مِلْكًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِعْتَاقِ، كَيْ لَا يَقَعَ الْإِعْتَاقُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْمُعْتِقِ، وَلَوْ أَجَازَ الْبَائِعُ فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ كَانَ إعْتَاقُهُ كَإِعْتَاقِ الْبَائِعِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَرْتِيبِ أَحْكَامِهِ عَلَى أَسْبَابِهِ، فَهُوَ الْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ.
وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ، وَإِلَى مَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْجَوَابِ، فَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ فَكَالْإِبْرَاءِ، وَطَلَاقِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَحْكَامَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَقْتَرِنُ بِآخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهَا، فَتَقْتَرِنُ الْحُرِّيَّةُ بِالرَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ، وَالطَّلَاقُ بِالْقَافِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْإِبْرَاءُ بِالْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ أَبْرَأْتُك مِنْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ خَصْمُهُ أَبْرِئْنِي مِنْ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَبْرَأْتُك اقْتَرَنَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْكَافِّ مِنْ قَوْلِهِ أَبْرَأْتُك، وَكَذَلِكَ الرَّجْعَةُ، تَعُودُ أَحْكَامُ النِّكَاحِ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْأَشْعَرِيِّ وَالْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا مُطَرَّدٌ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِذَا قَالَ اُقْعُدْ كَانَ أَمْرًا مَعَ الدَّالِ مِنْ قَوْلِهِ اُقْعُدْ، وَإِذَا قَالَ لَا تَقْعُدْ كَانَ نَهْيًا مَعَ الدَّالِ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَقْعُدْ، وَكَذَلِكَ الْأَقَارِيرُ وَالشَّهَادَاتُ وَأَحْكَامُ الْحُكَّامِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا تَقْتَرِنُ هَذِهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَلْ تَقَعُ عَقِيبَهَا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ زَمَانٍ، وَيَدُلُّ عَلَى

(2/97)


الِاقْتِرَانِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ حَرْفًا مِنْ آخِرِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مُطْلَقِهَا بِمُوجِبِهَا عِنْدَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهَا.
وَأَمَّا مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجَوَابِ فَكَالْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُحَاوَرَاتِ، وَالْأَصَحُّ اقْتِرَانُ أَحْكَامِهَا بِآخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهَا.
فَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ اقْتَرَنَتْ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالتَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ قَبِلْت عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ بِعْنِيهَا بِأَلْفٍ فَقَالَ بِعْتُك انْعَقَدَ الْبَيْعُ مَعَ الْكَافِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك ابْنَتِي فَقَالَ قَبِلْت انْعَقَدَ النِّكَاحُ مَعَ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ قَبِلْت، إنْ قُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَنْ يَقُولَ قَبِلْت نِكَاحَهَا، وَإِنْ قُلْنَا يَفْتَقِرُ إلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ مَعَ الْأَلْفِ مِنْ نِكَاحِهَا.
وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت، وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهَا شِئْت، وَلَوْ قَالَ أَجَّرْتُك دَارٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ قَبِلْت انْعَقَدَتْ الْإِجَارَةُ مَعَ قَوْلِهِ قَبِلْت، وَلَوْ قَالَ أَجِّرْنِي دَارَك بِدِرْهَمٍ فَقَالَ أَجَّرْتُك انْعَقَدَتْ الْإِجَارَةُ مَعَ قَوْلِهِ أَجَّرْتُك.

وَأَمَّا مَا يَتَعَجَّلُ أَحْكَامُهُ وَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ بَعْضُ أَحْكَامِهِ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: الْبَيْعُ وَيَقْتَرِنُ الِانْعِقَادُ وَالصِّحَّةُ بِآخِرِ حُرُوفِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَتَرَاخَى لُزُومُهُ إلَى الْإِجَازَةِ وَالِافْتِرَاقِ، وَانْقِضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِي اقْتِرَانِ الْمِلْكِ بِهِ أَقْوَالٌ. أَحَدُهَا: يَقْتَرِنُ بِهِ.
وَالثَّانِي: يَتَرَاخَى إلَى لُزُومِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ اقْتِرَانَهُ بِهِ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أُجِيزَ الْعَقْدُ تَبَيَّنَّا اقْتِرَانَهُ،، وَإِنْ فُسِخَ أَوْ انْفَسَخَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: عَقْدُ الْهِبَةِ، وَيَقْتَرِنُ صِحَّتُهَا وَانْعِقَادُهَا بِآخِرِ حُرُوفِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَتَرَاخَى لُزُومُهَا إلَى قَبْضِهَا.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الرَّهْنُ وَيَقْتَرِنُ انْعِقَادُهُ بِآخِرِ حُرُوفِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَتَرَاخَى لُزُومُهُ عَلَى إقْبَاضِهِ.

(2/98)


الْمِثَالُ الرَّابِعُ: الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَيَقْتَرِنُ وُقُوعُهُ وَتَنْقِيصُهُ لِلْعَدَدِ وَتَحْرِيمُهُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَتَمْكِينُهُ لِلرَّجْعَةِ بِالْقَافِ مِنْ قَوْلِهِ طَالِقٌ وَيَتَرَاخَى قَطْعُهُ النِّكَاحَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَيَقْتَرِنُ بِهَا جَمِيعُ أَحْكَامِهَا.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلٌ: إنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ فِيهَا بِالْقَبُولِ، وَهُوَ عَلَى وَفْقِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِمَوْتِ الْمُوصَى فَيَقَعُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
وَالثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قِيلَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِالْمَوْتِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِنْ رَدَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَتْ فِيهِ الْوَصَايَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: قَتْلُ الْخَطَأِ يَتَقَدَّمُ وُجُوبُ دِيَتِهِ وَيَتَرَاخَى طَلَبُ ثُلُثِهَا إلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ الْأُولَى، وَالثُّلُثُ الثَّانِي إلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثُ إلَى الثَّالِثَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْوَاضُ الْمُؤَجَّلَةُ يَقْتَرِنُ وُجُوبُهَا بِأَسْبَابِهَا وَيَتَرَاخَى طَلَبُهَا إلَى انْقِضَاءِ آجَالِهَا.

[فَائِدَةٌ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْأَحْكَامِ]
(فَائِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى مَا يُنَاسِبُ أَحْكَامَهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَإِلَى مَا لَا يُنَاسِبُهَا، وَهُوَ التَّعَبُّدُ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ اخْتِلَافٌ. مِثَالُ مَا لَا يُنَاسِبُ أَحْكَامَهُ: وُجُوبُ غَسْلِ الْأَطْرَافِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ وَاللَّمْسِ وَخُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا تُعْقَلُ مُنَاسَبَتُهُ لِغَسْلِ الْأَطْرَافِ، إذْ كَيْفَ يُعْفَى عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَيَجِبُ غَسْلُ مَا لَمْ تُصِبْهُ النَّجَاسَةُ؟ مِثَالُ مَا يُنَاسِبُ أَحْكَامَهُ: وُجُوبُ غُسْلِ النَّجَاسَةِ، وُجُوبُ عِقَابِ الْجُنَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْجِنَايَاتِ، وَوُجُوبُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْوُلَاةِ لِتَحَمُّلِهِمْ عَدَالَتَهُمْ عَلَى إقَامَةِ مَصَالِحِ الْوِلَايَاتِ، وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْغَنَائِمِ لِلْغَانِمَيْنِ، فَإِنَّ الْقِتَالَ يُنَاسِبُ إيجَابَهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ حَصَّلُوهَا بِقِتَالِهِمْ وَتَسَبَّبُوا إلَيْهَا بِرِمَاحِهِمْ وَسِهَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ جَعْلُ الْأَسْلَابِ لِلْقَاتِلِينَ الْمُخَاطِرِينَ لِقُوَّةِ تَسَبُّبِهِمْ إلَى

(2/99)


تَحْصِيلِهَا تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْمُخَاطَرَةِ بِقَتْلِ الْمُشْتَرَكِينَ.
وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْفَيْءِ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ لِمَا نَصَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَهُ فِي إرْعَابِ الْكَافِرِينَ.
وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْأَسْلَابِ لِلْمُثْخَنِينَ دُونَ الذَّابِحِينَ بَعْدَ الْإِثْخَانِ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمَا أَثْخَنَا أَبَا جَهْلٍ وَذَبَحَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ إنَّمَا اسْتَحَقَّهُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ كَفَى مَئُونَتَهُ وَدَفَعَ شَرَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْمُثْخَنِينَ دُونَ الذَّابِحِينَ بَعْدَ الْإِثْخَانِ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ قَبُولِ الرِّوَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ بِالْمُعَدِّلِينَ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِظُهُورِ صِدْقِهِمْ وَالثِّقَةِ بِأَقْوَالِهِمْ بَيْنَ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ الْمُعَامَلَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ دَفْعًا لِلضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ، فَمِنْ الْأَسْبَابِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا مَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمَانِ، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ سِتِّينَ حُكْمًا أَوْ أَكْثَرَ.
فَلِمَا لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ حُكْمٌ وَاحِدٌ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا: مِلْكُ الصَّيْدِ بِالْحِيَازَةِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: وُجُوبُ الْحُكْمِ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: تَنْجِيسُ الْمَاءِ بِمُصَادَفَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْقِلَّةِ أَوْ عِنْدَ تَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ، وَلِلنَّجَاسَةِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْغُسْلِ الْمَشْرُوعِ وَلِلطَّهَارَةِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: وُجُوبُ الطَّاعَةِ عِنْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ أَوْ السَّيِّدِ أَوْ الْوَالِدِ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: تَخَيُّرُ الْقَاتِلِ بَعْدَ تَمَامِ الْإِيجَابِ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ دُونَ بَعِيدِهِ.

(2/100)


الْمِثَالُ الثَّامِنُ: إتْلَافُ الْأَمْوَالِ خَطَأٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ: قَتْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مُوجِبٌ لِلتَّخَيُّرِ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: أَهْلِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ مُوجِبَةٌ لِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ وَالْقُضَاةِ.
الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشْرَ: الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ مُوجِبَانِ لِلتَّخَيُّرِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ.
الْمِثَالُ الثَّانِيَ عَشَرَ: حَلْقُ الرَّأْسِ مُوجِبٌ لِلتَّخَيُّرِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشْرَ: مِلْكُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ مُوجِبٌ لِلْخِيَارِ بَيْنَ الشَّاةِ وَبَيْنَ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ لَبُونٍ وَالْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ.
وَلِمَا لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ حُكْمَانِ أَمْثِلَةٌ. أَحَدُهَا قَتْلُ الْخَطَأِ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَهُ حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ.
وَالثَّانِي: وُجُوبُ الضَّمَانِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلَهُ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا: التَّخَيُّرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ، وَالثَّانِي تَرْتِيبُ الصِّيَامِ، وَإِنْ كَانَ الْحِنْثُ مُحَرَّمًا فَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ وَالتَّفْسِيقَ وَالتَّفْكِيرَ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ كَانَ الْحِنْثُ صَغِيرَةً أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ وَالتَّخْيِيرَ وَالتَّرْتِيبَ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: التَّمَتُّعُ مُوجِبٌ لِحُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا الْهَدْيُ، وَالثَّانِي الصِّيَامُ عِنْدَ الْعَجْزِ.
وَأَمَّا السَّبُّ وَالضَّرْبُ فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّعْزِيرِ مَا لَمْ يَنْتَهِيَا إلَى حَدِّ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ انْتَهَيَا إلَى حَدِّ الْكَبَائِرِ حَصَلَ التَّحْرِيمُ وَالتَّفْسِيقُ وَالتَّعْزِيرُ.
وَلِمَا لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ أَمْثِلَةُ - أَحَدُهَا إتْلَافُ الْأَمْوَالِ عَمْدًا وَأَحْكَامُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّعْزِيرُ وَإِيجَابُ الضَّمَانِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: الْقَذْفُ وَأَحْكَامُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّفْسِيقُ وَالْجَلْدُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: زِنَا الثَّيِّبِ وَأَحْكَامُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّفْسِيقُ وَالرَّجْمُ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: شُرْبُ الْخَمْرِ وَأَحْكَامُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّفْسِيقُ وَالْحَدُّ.

(2/101)


الْمِثَالُ الْخَامِسُ: شُرْبُ النَّبِيذِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّفْسِيقِ وَالْحَدِّ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فَهُوَ مُوجِبٌ لِحَدِّهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَلَا تَفْسِيقٍ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: الظِّهَارُ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّفْسِيقِ وَالْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ.
وَأَمَّا قَتْلُ الْعَمْدِ فَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّفْسِيقِ وَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَفَّارَةَ فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ.
وَأَمَّا مَالُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ فَكَزِنَا الْبِكْرِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّفْسِيقِ وَالْجِلْدِ وَالتَّغْرِيبِ.
وَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَسَبَبٌ لِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَسَجْدَةِ الشُّكْرِ وَالسَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ حَدَثُ الْجَنَابَةِ وَهُوَ الْحَدَثُ الْأَوْسَطُ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ.
وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَهُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْأَحْكَامُ السَّبْعَةُ فِي الْجَنَابَةِ، وَمِنْهَا الْعَشَرَةُ فِي الْحَيْضِ، وَمِنْهَا أَحْكَامُهُ فِي الصَّوْمِ وَهِيَ التَّحْرِيمُ وَالتَّفْسِيقُ وَالْإِفْسَادُ، وَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَمِنْهَا أَحْكَامُهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ، وَهِيَ التَّحْرِيمُ وَالْإِفْسَادُ وَالتَّعْزِيرُ، وَأَمَّا التَّفْسِيقُ فَإِنْ وَقَعَ الْجِمَاعُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ فِسْقًا.
وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ وَقَعَ فِي وَقْتِ مُلَابَسَةِ الْحَاجَةِ فَلَيْسَ بِمُفَسِّقٍ؛ لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَفِيهِ وَقْفَةٌ.
وَمِنْهَا: أَحْكَامُهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهِيَ التَّحْرِيمُ وَالتَّفْسِيقُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِفْسَادُ الصِّحَّةِ دُونَ الِانْعِقَادِ، وَأَمَّا الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ لَا بِالْجِمَاعِ، وَمِنْهَا تَحْلِيلُ الْمَرْأَةِ لِمُطَلَّقِهَا، وَمِنْهَا تَقْرِيرُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَإِيجَابُهُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَفِي الْوَطْءِ

(2/102)


بِالشُّبْهَةِ، وَوَطْءِ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ الِاسْتِبْرَاءَ فِي الْمَمْلُوكَةِ إذَا مُلِكَتْ، وَبَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهَا، وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّفْسِيقِ وَالْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ.
وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ لِإِلْحَاقِ الْأَوْلَادِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَكَذَلِكَ إلْحَاقُهُ النَّسَبَ إذَا وَقَعَ بِالشُّبْهَةِ فِي الْعَزَبَاتِ الْخَلِيَّاتِ، وَمِنْهَا التَّحْصِينُ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الزِّنَا، وَمِنْهَا حُصُولُ الْفَيْئَةِ بِهِ فِي الْإِيلَاءِ وَحُصُولُ الْعَوْدِ بِهِ فِي الظِّهَارِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهَا قَطْعُهُ لِلْعِدَّةِ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَائِهَا بِشُبْهَةٍ وَحَصَلَ مِنْهُ الْحَمْلُ، وَمِنْهَا تَحْرِيمُهُ أُمَّ الزَّوْجَةِ وَجَدَّاتِهَا وَبِنْتَ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتِهَا وَتَفْسِيقُهُ، وَإِيجَابُهُ الْحَدَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَمِنْهَا تَحْرِيمُهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَتَفْسِيقُهُ، وَإِيجَابُهُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ.
وَمِنْهَا تَحْرِيمُهُ وَتَفْسِيقُهُ إذَا وَقَعَ بِشُبْهَةِ الشَّرِكَةِ، وَإِيجَابِهِ لِبَعْضِ الْمَهْرِ، وَمِنْهَا تَحْرِيمُهُ وَطْءَ الزَّوْجِ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ إذَا وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ النِّكَاحِ، وَإِيجَابُهُ التَّعْزِيرَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَرَّمْنَاهُ عَلَى الزَّوْجِ، فَالتَّمْكِينُ مِنْهُ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ إذَا عَلِمْنَ مُوجِبَ لِلتَّعْزِيرِ إنْ وَقَعَ بِشُبْهَةٍ كَالْوَطْءِ فِي الْجَارِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالْحَدِّ إنْ خَلَا عَنْ الشُّبْهَةِ: إمَّا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالنِّسَاءِ فَلَهُنَّ مُهُورُ أَمْثَالِهِنَّ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَحْرِيمَ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالرَّجُلِ تَعَلَّقَ بِالنِّسَاءِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالزُّنَاةِ، وَلَا مَهْرَ لِلنِّسَاءِ وَعَلَيْهِنَّ الْعِدَدُ.

[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ الْمَوَانِعِ]
ِ مَوَانِعُ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا مَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: إحْدَاهَا: الْكُفْرُ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ وَدَوَامِهَا.

(2/103)


الْمِثَالُ الثَّانِي: الرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا إنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَدَامَتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا تَقْطَعُ الدَّوَامَ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الْحَدَثُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَدَوَامَهُمَا.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: الْمَحْرَمِيَّةُ تَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارِهِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: الرَّضَاعُ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ وَلَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ.
أَحَدُهَا: الْإِحْرَامُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: الْعِدَّةُ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا تَمْنَعُ الدَّوَامَ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: وُجُودُ الطُّولِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَلَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ، الْمِثَالُ الرَّابِعُ: أَمْنُ الْعَنَتِ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ وَلَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: تَوْقِيتُ النِّكَاحِ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَائِهِ وَلَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ، إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالِابْتِدَاءِ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: رُؤْيَةُ الْمَاءِ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَغَيْرُ مَانِعَةٍ فِي الدَّوَامِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الْمِثَالُ السَّابِعُ: وِجْدَانُ الرَّقَبَةِ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ. وَالرَّقَبَةُ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَغَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ دَوَامِهِ.

(2/104)