نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

 (كتاب التَّاء)

وَهُوَ سِتَّة أَبْوَاب: فِيهَا وَجْهَان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة.
(74 - بَاب التَّفْصِيل (35 / أ))

التَّفْصِيل فِي الأَصْل: التَّفْرِيق.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَنه فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: التَّفْرِيق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم آيَات مفصلات} ، أَي: متفرقات بَعْضهَا من بعض.
وَالثَّانِي: الْبَيَان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {وتفصيلا لكل شَيْء} ، وَفِي هود: {كتاب أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت} ، وَفِي حم السَّجْدَة: {كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا} .

(1/212)


(75 - بَاب التوفي)

التوفي: اسْم مَأْخُوذ من اسْتِيفَاء الْعدَد. وَاسْتِيفَاء الشَّيْء: أَن تستقضيه. يُقَال: توفيته، واستوفيته. (كَمَا يُقَال: تيقنت الْخَبَر: واستيقنته) . وَتثبت فِي الْأَمر: واستثبت. والوفاة: اسْم للْمَوْت، لِأَنَّهُ يكون عِنْد اسْتِيفَاء الْعُمر. وَذكر أهل التَّفْسِير أَن التوفي فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الرّفْع إِلَى السَّمَاء، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {إِنِّي متوفيك} ، وَفِي الْمَائِدَة: {فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} .
وَالثَّانِي: قبض الْأَرْوَاح بِالْمَوْتِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} ، وَفِي النَّحْل: {الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين} ، وَفِي تَنْزِيل السَّجْدَة: {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم} ، وَفِي الْمُؤمن: (فإمَّا

(1/213)


نرينك بعض الَّذِي نعدهم أَو نتوفينك} .
وَالثَّالِث: قبض حس الْإِنْسَان بِالنَّوْمِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} ، وَفِي الزمر: {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} . (35 / ب) .
وَحكى أَبُو عَليّ ابْن الْبناء من أَصْحَابنَا، عَن بعض أهل الْعلم أَنه قَالَ: للْإنْسَان حَيَاة وروح وَنَفس، فَإِذا نَام خرجت نَفسه الَّتِي بهَا يعقل الْأَشْيَاء، وَلها شُعَاع إِلَى الْجَسَد كشعاع الشَّمْس إِلَى الأَرْض، فَيرى الرُّؤْيَا بِالنَّفسِ الَّتِي خرجت، وَيبقى فِي الْجَسَد الرّوح والحياة، فبهما يتقلب ويتنفس، فَإِذا تحرّك رجعت إِلَيْهِ النَّفس أسْرع من طرفَة الْعين، فَإِذا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يميته أمسك النَّفس الْخَارِجَة وَقبض الرّوح، فَيَمُوت فِي مَنَامه.
(76 - بَاب التولي)

التولي يُقَال، وَيُرَاد بِهِ الْولَايَة. يُقَال: تولى فلَان علينا، أَي: صَار واليا. [وَيُقَال] ، وَيُرَاد: بِهِ الْإِعْرَاض. يُقَال: تولى فلَان عَنَّا إِذا أعرض.

(1/214)


وَذكر أهل التَّفْسِير أَن التولي فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الِانْصِرَاف، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {قلت لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ توَلّوا} ، وَفِي النَّمْل: {ثمَّ تول عَنْهُم} ، وَفِي الْقَصَص: {ثمَّ تولى إِلَى الظل} .
وَالثَّانِي: الإباء، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {حَتَّى يهاجروا فِي سَبِيل الله فَإِن توَلّوا فخذوهم} ، وَفِي الْمَائِدَة: {واحذرهم أَن يفتنوك عَن بعض مَا أنزل الله إِلَيْك فَإِن توَلّوا} .
وَالثَّالِث: الْإِعْرَاض، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله وَمن تولى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِم حفيظا} ، وَفِي يُونُس: {فَإِن توليتم فَمَا سألتكم من أجر} ، وَفِي النُّور: {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول فَإِن توَلّوا} ، وَفِي الذاريات: {فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم} .

(1/215)


وَالرَّابِع: الْهَزِيمَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْفَال: (36 / أ) {فَلَا تولوهم الأدبار وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره} ، وَفِي بَرَاءَة: {ثمَّ وليتم مُدبرين} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل لَا يولون الأدبار} .
وَقد ألحق بَعضهم، وَجها خَامِسًا: وَهُوَ الْولَايَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا} ، أَي صَار واليا قَالَه: الضَّحَّاك، وَمُجاهد، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَابْن جريج، أَن معنى تولى: غضب. وألحقه قوم بقسم: الِانْصِرَاف، مِنْهُم: مقَاتل، وَابْن قُتَيْبَة.
(أَبْوَاب الْخَمْسَة)

(77 - بَاب التَّأْوِيل)

التَّأْوِيل: الْعُدُول عَن ظَاهر اللَّفْظ إِلَى معنى لَا يَقْتَضِيهِ، لدَلِيل دلّ عَلَيْهِ وَالتَّفْسِير: هُوَ إبداء الْمَعْنى الْمُسْتَتر بِاللَّفْظِ قَالَ أَبُو الْقَاسِم

(1/216)


النَّحْوِيّ: التَّأْوِيل فِي اللُّغَة: الْمرجع والمصير. وَقَالَ شَيخنَا - رَضِي الله عَنهُ -: التَّأْوِيل نقل الْكَلَام عَن وَضعه وَأَصله السَّابِق إِلَى الْفَهم من ظَاهره فِي تعاريف اللُّغَة والشريعة أَو الْعَادة إِلَى مَا يحْتَاج فِي فهمه وَالْعلم بالمراد بِهِ إِلَى قرينَة تدل عَلَيْهِ لعائق منع من استمراره على مُقْتَضى لَفظه وَهُوَ مَأْخُوذ من الْمَآل، وَمن ذَلِك [مَا] وَقع الْخطاب فِيهِ على سَبِيل الْمجَاز وَلم [يكن] يُرَاد بِهِ الأَصْل فِي الْحَقِيقَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم} ، أَرَادَ حب الْعجل لِأَنَّهُ لَو حمل الْكَلَام على حَقِيقَته لَكَانَ الْعجل [يكون] فِي بطونهم لَا فِي قُلُوبهم لِأَن الْأَعْيَان إِنَّمَا تنْتَقل إِلَى الْبَطن لَا إِلَى الْقلب. وَمثله: {ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم قَول الْحق} ، أَرَادَ صَاحب [قَول] الْحق وَمن ذَلِك مَا سمي الشَّيْء فِيهِ باسم مَا يتَحَصَّل مِنْهُ (36 / ب) وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وأنزلنا إِلَيْكُم نورا مُبينًا} ، أَرَادَ مَا ثَمَرَته نور فِي الْقُلُوب، وَمثله: {يلقِي الرّوح من أمره} . أَرَادَ الْقُرْآن لِأَنَّهُ كالروح حَيَاة فِي الْقُلُوب فَأَما مَا فهم الْمَعْنى فِيهِ من لَفظه وَذكر بِغَيْر صيغته ليصل فهمه إِلَى السَّامع فَذَلِك هُوَ التَّفْسِير.

(1/217)


وَذكر أهل التَّفْسِير أَن التَّأْوِيل فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: _
أَحدهَا: الْعَاقِبَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} ، يَعْنِي عَاقِبَة مَا وعد الله تَعَالَى، وَفِي يُونُس: {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ وَلما يَأْتهمْ تَأْوِيله} .
وَالثَّانِي: اللَّوْن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه إِلَّا نبأتكما بتأويله} ، يَعْنِي بألوانه.
وَالثَّالِث: المنتهين، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله} ، يَعْنِي ابْتِغَاء مُنْتَهى ملك مُحَمَّد وَأمته وَذَلِكَ [حِين] زعم الْيَهُود حِين نزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فواتح السُّور أَنَّهَا من حِسَاب الْجمل وَأَن ملك امته على قدر حِسَاب مَا أنزل عَلَيْهِ من الْحُرُوف.
وَالرَّابِع: تَعْبِير الرُّؤْيَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك ويعلمك من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} ، وفيهَا: (نبئنا

(1/218)


بتأويله) {وفيهَا} (أَنا أنبئكم بتأويله) {وفيهَا} (وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} .
وَالْخَامِس: التَّحْقِيق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ من قبل} .
(78 - بَاب التَّقْوَى)

التَّقْوَى: اعْتِمَاد المتقي مَا يحصل بِهِ الْحَيْلُولَة بَينه وَبَين مَا يكرههُ، فالمتقي: هُوَ المحترز مِمَّا اتَّقَاهُ. وَقَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ: التَّقْوَى أَكثر (37 / أ) مِدْحَة من الْإِيمَان لِأَن الْإِيمَان قد تخلله غَيره (وَالتَّقوى لَا يتخلله غَيره) وَيُقَارب التَّقْوَى الْوَرع إِلَّا أَن الْفرق بَينهمَا أَن التَّقْوَى أَخذ عدَّة والورع دفع شُبْهَة وَالتَّقوى مُتَحَقق السَّبَب والورع مظنون السَّبَب والورع تجاف بِالنَّفسِ عَن الانبساط فِيمَا لَا يُؤمن عاقبته.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن التَّقْوَى فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه:

(1/219)


أَحدهَا: التَّوْحِيد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَقَد وصينا الَّذين أونوا الْكتاب من قبلكُمْ وَإِيَّاكُم أَن اتَّقوا الله وَإِن تكفرُوا فَإِن لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض} ، وَفِي الحجرات: {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى} .
وَالثَّانِي: الْإِخْلَاص، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب} ، أَرَادَ من إخلاص الْقُلُوب.
وَالثَّالِث: الْعِبَادَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون} ، وَفِي الْمُؤمنِينَ: {وَأَنا ربكُم فاتقون} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {قوم فِرْعَوْن أَلا يَتَّقُونَ} .
وَالرَّابِع: ترك الْمعْصِيَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَاتَّقوا الله} .
وَالْخَامِس: الخشية، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوح أَلا تَتَّقُون} ، وَكَذَلِكَ فِي قصَّة هود وَصَالح وَشُعَيْب.
(79 - بَاب التِّلَاوَة)

قَالَ الزّجاج: التِّلَاوَة فِي اللُّغَة: اتِّبَاع بعض الشَّيْء بَعْضًا.

(1/220)


وَقد استتلاك الشَّيْء: إِذا جعلك تتبعه.
قَالَ الراجز ...
(قد جعلت دلوي تستتليني ... وَلَا أحب تبع القرين)

وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال تَلَوت الْقُرْآن تِلَاوَة وتلوت فلَانا إِذا اتبعته تلوا. (37 / ب) والتلاوة: بِضَم التَّاء والتلية بَقِيَّة الشَّيْء. يُقَال: تليت لي من حَقي تِلَاوَة وتلية أَي بقيت وأتليت أبقيت. وَذكر أهل التَّفْسِير أَن التِّلَاوَة فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الْقِرَاءَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين} ، وفيهَا: {يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل} ، وَفِي فاطر: {إِن الَّذين يَتلون كتاب الله} .
وَالثَّانِي: الإتباع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} .
وَالثَّالِث: الْإِنْزَال، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {نتلوا عَلَيْك من نبإ مُوسَى وَفرْعَوْن} .
وَالرَّابِع: الْعَمَل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: (الَّذين آتَيْنَاهُم

(1/221)


الْكتاب يتلونه حق تِلَاوَته} ، أَي: يعْملُونَ بِهِ حق عمله. قَالَه مُجَاهِد.
وَالْخَامِس: الرِّوَايَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي [الْبَقَرَة] {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان} ، أَي: مَا تروي. قَالَه ابْن قُتَيْبَة.
(آخر كتاب التَّاء، يتلوه كتاب الثَّاء)

(1/222)