نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (كتاب الْحَاء)
وَهُوَ تِسْعَة عشر بَابا: -
(أَبْوَاب الْوَجْهَيْنِ وَالثَّلَاثَة)
(89 - بَاب الْحسن)
الْحسن: ضد الْقَبِيح. وَحده بَعضهم فَقَالَ: الْحسن مَا
لفَاعِله أَن يَفْعَله. والقبيح: عَكسه. وَقد يُقَال: هَذَا
شَيْء حسن فِي أَعلَى الْأَشْيَاء مرتبَة. وَيُقَال: فِي
المقارب.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحسن فِي الْقُرْآن على
وَجْهَيْن: - (40 / ب) .
أَحدهمَا: الْمُحْتَسب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
[الْبَقَرَة] : (من ذَا الَّذِي
(1/235)
يقْرض الله قرضا حسنا} ، وَمثلهَا فِي
الْحَدِيد والتغابن.
الثَّانِي: الْحق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي طه: {ألم
يَعدكُم ربكُم وَعدا حسنا} ، وَمثله فِي الْبَقَرَة:
{وَقُولُوا للنَّاس حسنا} ، على قِرَاءَة من حرك السِّين، أَي:
قُولُوا للنَّاس حَقًا فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْخطاب للْيَهُود وَمَعْنَاهُ من
سألكم عَن شَأْن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاصدقوه
وَلَا تكتموا بَعثه.
(90 - بَاب الْحَمِيم)
الْحَمِيم: المَاء الْحَار. وَالْحمية: حرارة الْغَضَب
والغيرة. وَيُقَال: الْحَمِيم وَيُرَاد بِهِ الْقَرِيب فِي
النّسَب.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحَمِيم فِي الْقُرْآن على هذَيْن
الْوَجْهَيْنِ: -
أَحدهمَا: المَاء الْحَار، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْحَج: (يصب من فَوق
(1/236)
رؤوسهم الْحَمِيم} ، وَفِي الصافات: {إِن
لَهُم عَلَيْهَا لشوبا من حميم} ، وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم} ،
وَفِي سُورَة الرَّحْمَن [عز وَجل] : {يطوفون بَينهَا وَبَين
حميم آن} .
وَالثَّانِي: الْقَرِيب فِي النّسَب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي الشُّعَرَاء: {وَلَا صديق حميم} ، وَفِي حم السَّجْدَة:
{كَأَنَّهُ ولي حميم} ، وَفِي سَأَلَ سَائل: {وَلَا يسئل حميم
حميما} .
(91 - بَاب الْحَرْث)
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله رَحمَه الله الْحَرْث اسْم
لكل مَا ذللته من الأَرْض لتزرع فِيهِ. وَيُقَال لأوّل الْفرس
وَالْبذْر إِلَى حَيْثُ بلغ: حرث.
وَقَالَ ابْن فَارس: الْحَرْث: الْجمع. وَبِه سمي الرجل حارثا.
وَفِي الحَدِيث: أحرث لدنياك كَأَنَّك تعيش أبدا، (41 / أ)
وَالْمَرْأَة: حرث الرجل. لِأَنَّهَا مزدرع وَلَده
وَيَقُولُونَ أحرث الْقُرْآن
(1/237)
[أَي] : أَكثر تِلَاوَته. وَذكر أهل
التَّفْسِير أَن الْحَرْث فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الثَّوَاب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي عسق: {من
كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه وَمن كَانَ
يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا} .
وَالثَّانِي: الأَرْض المحروثة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث} ، وفيهَا:
{وَيهْلك الْحَرْث والنسل} .
وَالثَّالِث: منبت الْوَلَد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي
الْبَقَرَة] : {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} .
(92 - بَاب الْحَرج)
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصل الْحَرج: الضّيق، والحرجة: الشّجر
الملتف.
(1/238)
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحَرج فِي
الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الضّيق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة:
{مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج} ، وَفِي الْحَج:
{وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} .
وَالثَّانِي: الشَّك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النِّسَاء: {ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت} ،
وَفِي الْأَنْعَام: {يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا} ، وَفِي
الْأَعْرَاف: {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} .
وَالثَّالِث: الْإِثْم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة:
{لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى وَلَا على الَّذين
لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ حرج} . يُرِيد لَيْسَ عَلَيْهِم
إِثْم فِي تخلفهم عَن الْغَزْو. وَمثله: {لَيْسَ على
الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض
حرج} . (41 / ب) .
(1/239)
(93 - بَاب الْحس)
الْحس: إِدْرَاك النَّفس مَا تُدْرِكهُ بآلات الْحس، وآلات
الْحس خمس: -
إِحْدَاهَا: السّمع، وَهِي (الحاسة) المدركة للأصوات، وَهِي
أدق الْحَواس، وأغمضها، فِي كَيْفيَّة تَحْصِيل الْإِدْرَاك
بهَا.
وَالثَّانيَِة: الْبَصَر، وَهِي الحاسة الَّتِي تدْرك بهَا:
المبصرات. وَهِي أغْلظ من السّمع، وأدق من غَيره.
وَالثَّالِثَة: الشم، وَهِي [الحاسة] الَّتِي يدْرك بهَا:
الروائح الطّيبَة والكريهة.
وَالرَّابِعَة: الذَّوْق، وَهِي الحاسة الَّتِي يدْرك بهَا:
الطعوم من الحلو والحامض، وَغير ذَلِك.
وَالْخَامِسَة: اللَّمْس، وَهِي الحاسة الَّتِي يدْرك بهَا:
الناعم من الخشن وَهِي أغْلظ الْحَواس.
والإحساس بالشَّيْء الْعلم بِهِ. وحس: كلمة تقال عِنْد الوجع.
وَيُقَال: حسست اللَّحْم: إِذا جعلته على الْجَمْر. الحسحاس،
الْمطعم السخي. والحساس: سوء الْخلق. والحس: الْقَتْل، وَمِنْه
قَوْله
(1/240)
تَعَالَى {إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ} .
يُقَال: حسه، يحسه، إِذا قَتله، وَقيل: سمي الْقَتْل حسا
لِأَنَّهُ يبطل الْحس.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحس فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة
أوجه: -
أَحدهَا: الرُّؤْيَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان:
{فَلَمَّا أحس عِيسَى مِنْهُم الْكفْر} ، وَفِي مَرْيَم: {هَل
تحس مِنْهُم من أحد} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {فَلَمَّا أحسوا
بأسنا} .
وَالثَّانِي: الْبَحْث، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف:
{اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف وأخيه} .
وَالثَّالِث: الصَّوْت، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْبِيَاء: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا وهم فِي مَا اشتهت
أنفسهم خَالدُونَ} .
(أَبْوَاب الْأَرْبَعَة)
{94 - بَاب الْحَبل}
الْحَبل فِي التعارف [هُوَ] : المفتول من الليف، أَو الْقطن،
أَو الصُّوف، أَو نَحْو ذَلِك. (42 / أ) وَيُقَال للْعهد:
حَبل، لِأَن المتمسك بِهِ يصل إِلَى مَطْلُوبه، وأنشدوا: -
(1/241)
(فَلَو حبلا تنَاول من سليمي ... لمد
بحبلها حبلا متينا)
وَيُقَال للأمان: حَبل لِأَن الْأَمْن منبسط بالأمان فَهُوَ
حَبل لَهُ إِلَى كل مَوضِع يُريدهُ قَالَ الْأَعْشَى: -
(وَإِذا تجوزها حبال قَبيلَة ... أخذت من الْأُخْرَى إِلَيْك
حبالها)
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحَبل فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: الْحَبل الْمُتَعَارف، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الشُّعَرَاء: {فَألْقوا حبالهم وعصيهم} ، وَفِي تبت: {فِي
جيدها حَبل من مسد} .
وَالثَّانِي: الْعَهْد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: {إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس} ، أَي:
بِعَهْد.
وَالثَّالِث: عرق فِي الْعُنُق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
قَاف: {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} .
(1/242)
وَالرَّابِع: الْقُرْآن، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي آل عمرَان: {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا} .
(95 - بَاب " حَتَّى ")
قَالَ الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا: " حَتَّى " حرف من حُرُوف
الْمعَانِي لَا يجوز إمالة ألفها، وَإِنَّمَا تكون الإمالة فِي
الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال. وتجيء فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع: -
أَحدهَا: أَن تكون حرفا جارا " كإلى "، كَقَوْلِه: {حَتَّى
مطلع الْفجْر} ، وَإِذا كَانَت جَارة قيل لَهَا غَايَة.
وَالثَّانِي: أَن تكون عاطفة بِمَنْزِلَة " الْوَاو "، تعطف
مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا، وتشركه فِي إعرابه كَقَوْلِك: قدم
الْحَاج حَتَّى المشاة. فتأتي " حَتَّى " لأحد مَعْنيين:
إِمَّا التَّعْظِيم. أَو التحقير. فالتعظيم: مَاتَ النَّاس
حَتَّى الْأَنْبِيَاء.
والتحقير: اجترأ عَلَيْهِ النَّاس حَتَّى الصّبيان.
وَلَا بُد أَن تكون مَا بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا (42 / ب) .
وَأَقل مِنْهُ فِي الْمِقْدَار تَقول: -
(1/243)
قَامَ الْقَوْم حَتَّى زيد.
وَالثَّالِث: أَن تكون حرفا يقطع بهَا الْكَلَام عَمَّا قبلهَا
ويستأنف، وَيَقَع بعْدهَا الجملتان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر،
وَالْفِعْل وَالْفَاعِل، فمثال وُقُوع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر
قَوْلك: خرج الْقَوْم حَتَّى زيد غَضْبَان.
قَالَ الفرزدق: -
(فواعجبا حَتَّى كُلَيْب تسبني ... كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو
مجاشع)
كَأَنَّهُ قَالَ: يَا عجبا تسبني النَّاس حَتَّى كُلَيْب
تسبني.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: -
(سريت بهم حَتَّى تكل مطيهم ... وَحَتَّى الْجِيَاد مَا يقدن
بأرسان)
فَهَذِهِ حُرُوف اسْتِئْنَاف.
وَالرَّابِع: أَن تدخل على الْفِعْل وَالْفَاعِل ودخولها على
ضَرْبَيْنِ: (عاملة، وَغير عاملة، فالعاملة: على ضَرْبَيْنِ:
_) .
ضرب يكون: الْفِعْل الأول سَببا للثَّانِي، فَتكون بِمَنْزِلَة
" كي " تَقول:
(1/244)
صليت حَتَّى أَدخل الْجنَّة. وكلمته حَتَّى
يَأْمُرنِي بِشَيْء. (فَالصَّلَاة وَالْكَلَام سيان لدُخُول
الْجنَّة وَالْأَمر بالشَّيْء) .
وَالثَّانِي: أَن لَا يكون الأول، سَببا للثَّانِي، فَيكون
التَّقْدِير إِلَى أَن وَذَلِكَ كَقَوْلِك لَا تنظرنه حَتَّى
تطلع الشَّمْس.
وَالْمعْنَى: إِلَى أَن تطلع الشَّمْس. أَو حَتَّى أَن تطلع
الشَّمْس فَلَيْسَ الْفِعْل الأول سَببا للْفِعْل الثَّانِي
فِي هَذَا لِأَن طُلُوع الشَّمْس لَيْسَ سَببه انتظارك،
وَإِنَّمَا قدرت فِي الأول " كي " وَفِي الثَّانِي " أَن "،
لتفرق بَين الْمُسَبّب وَغير الْمُسَبّب.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن حَتَّى فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: بِمَعْنى " إِلَى " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الذاريات: {إِذْ قيل لَهُم تمَتَّعُوا حَتَّى حِين} ، (43 / أ)
وَفِي سَأَلَ سَائل: {حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي يوعدون} ،
وَفِي الْقدر: {حَتَّى مطلع الْفجْر} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى " فَلَمَّا "، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي هود: {حَتَّى إِذا جَاءَ أمرنَا وفار التَّنور} ، وَفِي
يُوسُف: {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} ،
(1/245)
وَفِي الْأَنْبِيَاء: {حَتَّى إِذا فتحت
يَأْجُوج وَمَأْجُوج} ، وَفِي الْمُؤمنِينَ: {حَتَّى إِذا
أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى " كي ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله} .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى " الْوَاو ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ولنبلونكم
حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ} .
(96 - بَاب الْحجاب}
الْحجاب: الحاجز الْمَانِع من الْإِدْرَاك. وَيُقَال للأعمى:
مَحْجُوب لِأَن بَينه وَبَين الْإِدْرَاك بالبصر مَانِعا.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحجاب فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه -
أَحدهَا: السُّور، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف:
{وَبَينهمَا حجاب} .
وَالثَّانِي: السّتْر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَم:
{فاتخذت من دونهم حِجَابا} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {فسئلوهن من
وَرَاء حجاب} .
(1/246)
وَالثَّالِث: الْجَبَل، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى [فِي ص] : {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} .
وَالرَّابِع: الْمَنْع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المطففين:
{كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} .
(97 - بَاب الْحجر)
الْحجر: يُقَال، وَيُرَاد بِهِ الْعقل، وَيُرَاد بِهِ
الْحَرَام. وَيُقَال: حجر الْقَمَر إِذا صَارَت حوله دارة.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْحجر فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْعقل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفجْر: {هَل
فِي ذَلِك قسم لذِي حجر} . (43 / ب) .
وَالثَّانِي: قَرْيَة ثَمُود، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْحجر: (وَلَقَد
(1/247)
كذب أَصْحَاب الْحجر الْمُرْسلين} .
وَالثَّالِث: الحاجز، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفرْقَان:
{وَجعل بَينهمَا برزخا وحجرا مَحْجُورا} .
وَالرَّابِع: الْحَرَام، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْعَام: {وَقَالُوا هَذِه أنعام وحرث حجر} ، وَفِي
الْفرْقَان: {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} . قيل فِي
التَّفْسِير: تَقول الْمَلَائِكَة للْكفَّار: حرَام محرم
عَلَيْكُم أَن تدْخلُوا الْجنَّة فعلى هَذَا هُوَ من قَول
الْمَلَائِكَة.
وَقَالَ ابْن فَارس: كَانَ الرجل إِذا لَقِي من يخافه فِي
الشَّهْر الْحَرَام قَالَ حجرا، أَي: حرَام عَلَيْك أذاي
فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَرَأى الْمُشْركُونَ
الْمَلَائِكَة قَالُوا: {حجرا مَحْجُورا} يظنون أَن ذَلِك
يَنْفَعهُمْ كَمَا كَانَ يَنْفَعهُمْ فِي الدُّنْيَا. فعلى
هَذَا هُوَ من قَول الْمُشْركين.
(98 - بَاب الحَدِيث)
(الحَدِيث وَالْكَلَام وَاحِد) وَسمي الحَدِيث حَدِيثا،
لِأَنَّهُ يحدث للمحدث خَبرا لم يكن علمه. والحدوث: كَون مَا
لم يكن. وَرجل
(1/248)
حدث بِضَم الدَّال: حسن الحَدِيث. وَحدث:
بِفَتْحِهَا: طري السن. وَهُوَ حدث نسَاء بِكَسْر الْحَاء:
إِذا كَانَ يتحدث إلَيْهِنَّ.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الحَدِيث فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْقُرْآن وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الطّور:
{فليأتوا بِحَدِيث مثله} ، وَفِي المرسلات: {فَبِأَي حَدِيث
بعده يُؤمنُونَ} .
وَالثَّانِي: الْقَصَص، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزمر:
{الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا} .
وَالثَّالِث: الْعبْرَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْمُؤمنِينَ: {وجعلناهم أَحَادِيث فبعدا لقوم لَا يُؤمنُونَ}
، وَفِي سبأ] ، {فجعلناهم أَحَادِيث ومزقناهم كل ممزق} .
وَالرَّابِع: الْخَبَر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} (44 / أ) .
(1/249)
(أَبْوَاب الْخَمْسَة)
(99 - بَاب الْحساب)
الْحساب فِي عُمُوم التعارف إحصاء الْأَعْدَاد جملا وتفصيلا.
وَيُقَال: شَيْء حِسَاب، أَي: كَاف وأحسبته أَعْطيته مَا
يرضيه.
واحسبني الشَّيْء: كفاني. والحسب: الْكِفَايَة. واحتسب فلَان
ابْنا لَهُ: إِذا مَاتَ كَبِيرا فَإِن مَاتَ صَغِيرا فقد
افترطه. والحسب: مَا يعد من المآثر.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَقد يُرَاد بِالْحِسَابِ: الْكثير.
وَيُرَاد بِهِ: الْجَزَاء. وَيُرَاد بِهِ: المحاسبة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحساب فِي الْقُرْآن على خَمْسَة
أوجه -
أَحدهَا: الْعدَد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني
إِسْرَائِيل: {ولتعلموا عدد السنين والحساب} .
(1/250)
وَالثَّانِي: الْكثير وَقيل الْكَافِي،
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي عَم يتساءلون: {جَزَاء من رَبك
عَطاء حسابا} .
وَالثَّالِث: المحاسبة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الانشقاق:
{فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} .
وَالرَّابِع: التقتير، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم
الْمُؤمن: {يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب} .
وَالْخَامِس: الْجَزَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْمُؤمنِينَ: {فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه} ، وَفِي
الشُّعَرَاء: {إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي} ، وَفِي عَم
يتساءلون: {إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون حسابا} .
(100 - بَاب الْحَمد)
الْحَمد: ثَنَاء على الْمَحْمُود، ويشاركه الشُّكْر. إِلَّا
أَن بَينهمَا فرقا وَهُوَ أَن الْحَمد قد يَقع على سَبِيل
الِابْتِدَاء، وعَلى سَبِيل الْجَزَاء. وَالشُّكْر: لَا يكون
إِلَّا فِي مُقَابلَة النِّعْمَة، فَكل شكر: حمد، وَلَيْسَ كل
حمد شكرا. ونقيض الْحَمد: الذَّم. ونقيض الشُّكْر: الْكفْر.
وَيُقَال: رجل مَحْمُود، وَمُحَمّد، إِذا كثرت خصاله المحمودة.
قَالَ الْأَعْشَى يمدح بعض الْمُلُوك: -
(1/251)
(إِلَيْك أَبيت اللَّعْن كَانَ كلالها ...
إِلَى الْمَاجِد الْفَرْع الْجواد المحمد)
وَبِذَلِك، سمي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُحَمَّدًا. وَتقول: " حماداك أَن تفعل كَذَا "، أَي: غايتك.
وَرجل حمدة: يكثر حمد الْأَشْيَاء. وأحمدت فلَانا. إِذا وجدته
مَحْمُودًا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْحَمد فِي الْقُرْآن على خَمْسَة
أوجه: -
أَحدهَا: الثَّنَاء والمدح، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: {وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} ،
وَفِي بني إِسْرَائِيل: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما
مَحْمُودًا} .
وَالثَّانِي: الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني
إِسْرَائِيل: {يَوْم يدعوكم فتستجيبون بِحَمْدِهِ} ، وَفِي
الطّور: {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم} .
وَالثَّالِث: الْمِنَّة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزمر:
{وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده} .
(1/252)
وَالرَّابِع: الشُّكْر. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {الْحَمد لله الَّذِي خلق
السَّمَاوَات وَالْأَرْض} .
وَالْخَامِس: الصَّلَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرّوم:
{وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين
تظْهرُونَ} أَرَادَ الصَّلَوَات الْخمس.
(101 - بَاب الْحَيَاة)
الْحَيَاة: معنى يُفِيد الْحَيَوَان الْحس والتحرك، وتستعار
الْحَيَاة فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحَيَاة فِي الْقُرْآن على
خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: نفخ الرّوح فِي الْحَيَوَان بالخلق الأول، وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: {وكنتم أَمْوَاتًا
فأحياكم} ، أَي: نطفا فَنفخ فِيهَا الرّوح. وَفِي آل عمرَان:
{تخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} ، وَفِي
(1/253)
الْحَج: {وَهُوَ الَّذِي أحياكم} ، وَفِي
حم الْمُؤمن: {وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} ، وَفِي الجاثية: {قل
الله يُحْيِيكُمْ} .
وَالثَّانِي: إحْيَاء الْمَوْتَى بعد خُرُوج الْأَرْوَاح
مِنْهُم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وأحيي
الْمَوْتَى بِإِذن الله} ، وَفِي الْقِيَامَة: {أَلَيْسَ ذَلِك
بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} .
وَالثَّالِث: الْهدى، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْعَام: {أومن كَانَ مَيتا فأحييناه} ، وَفِي يس: {لينذر
من كَانَ حَيا} ، وَفِي سُورَة الْمَلَائِكَة: {وَمَا
يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات} .
وَالرَّابِع: الْبَقَاء، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي
الْبَقَرَة] : {ويستحيون نساءكم} ، [وفيهَا: {وَلكم فِي
الْقصاص حَيَاة} ] ، وَفِي الْمَائِدَة: {وَمن أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} .
وَالْخَامِس: حَيَاة الأَرْض بالنبات، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
(فِي فاطر) : {فسقناه إِلَى بلد ميت فأحيينا بِهِ الأَرْض} .
(102 - بَاب الْحِين)
الْحِين: الزَّمَان قَلِيله وَكَثِيره. وَيُقَال: أحينت
بِالْمَكَانِ، إِذا أَقمت بِهِ حينا. وحان حِين كَذَا، أَي:
قرب. وأنشدوا: -
(1/254)
(وَإِن سلوي عَن جميل لساعة ... من
الدَّهْر مَا حانت وَلَا حَان حينها)
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحِين فِي الْقُرْآن على خَمْسَة
أوجه: -
أَحدهَا: سِتَّة أشهر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
إِبْرَاهِيم: {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} .
وَالثَّانِي: مُنْتَهى الْآجَال، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين} ،
وَفِي يُونُس: {كشفنا عَنْهُم عَذَاب الخزي فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا} {ومتعناهم إِلَى حِين} ، وَفِي النَّحْل: {وَمن
أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين} .
وَالثَّالِث: السَّاعَات، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرّوم:
(فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ. وَله الْحَمد فِي
السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشيا
(1/255)
وَحين تظْهرُونَ} .
وَالرَّابِع: وَقت مُنكر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ص:
{ولتعلمن نبأه بعد حِين} .
وَالْخَامِس: أَرْبَعُونَ سنة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {هَل
أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} .
وألحقه قوم بالقسم الَّذِي قبله.
وَألْحق قوم قسما سادسا فَقَالُوا: والحين: ثَلَاثَة أَيَّام،
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الذاريات: {وَفِي ثَمُود إِذْ قيل
لَهُم تمَتَّعُوا حَتَّى حِين} . وَألْحق بَعضهم ثَلَاثَة أوجه
أخر: -
أَحدهَا: نصف النَّهَار، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَدخل
الْمَدِينَة على حِين غَفلَة من أَهلهَا} ، وَقيل بَين
العشاءين. وألحقه بعض الْمُحَقِّقين بقسم السَّاعَات.
وَالثَّانِي: خمس سِنِين. (وَمِنْه قَوْله تَعَالَى} (ثمَّ بدا
لَهُم من
(1/256)
بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه حَتَّى
حِين} .
وَالثَّالِث: ابْتِدَاء الْقِتَال يَوْم بدر، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى: {فتول عَنْهُم حَتَّى حِين} . وَهَذَانِ القسمان
داخلان فِي قسم الْوَقْت الْمُنكر. وَإِنَّمَا علمنَا نِهَايَة
سجن يُوسُف، بِوَقْت خُرُوجه، وَنِهَايَة الْإِعْرَاض عَن
الْمُشْركين، بِوَقْت الْأَمر بقتالهم. وَلم يستفد ذَلِك من
الْآي.
(أَبْوَاب السِّتَّة)
(103 - بَاب الْحسنى)
الْحسنى: فعلى من الْحسن، يُقَال: فِي النِّعْمَة الْوَاحِدَة،
أَو الفعلة الْوَاحِدَة من الْإِحْسَان.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحسنى (فِي الْقُرْآن) على سِتَّة
أوجه: -
أَحدهَا: الْجنَّة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس:
{للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: (إِن
الَّذين سبقت لَهُم منا
(1/257)
الْحسنى} ، وَفِي النَّجْم: {ويجزى الَّذين
أَحْسنُوا بِالْحُسْنَى} .
وَالثَّانِي: البنون، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل:
{وتصف ألسنتهم الْكَذِب أَن لَهُم الْحسنى} .
وَالثَّالِث: الْخَيْر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة:
{وَلَيَحْلِفُنَّ إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى} .
وَالرَّابِع: الْخلف، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي اللَّيْل:
{فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى. وَصدق بِالْحُسْنَى} ، أَي:
بالخلف. وَقَالَ: الإِمَام أَحْمد ابْن حَنْبَل وألحقه بَعضهم
بِالْأولِ.
وَالْخَامِس: الْعليا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى} .
وَالسَّادِس: الْبر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي العنكبوت
والأحقاف: {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} .
(1/258)
(104 - بَاب الْحَسَنَة والسيئة)
الْحَسَنَة: هِيَ الَّتِي لَا يشوبها نقص فِي كَونهَا حَسَنَة.
وَهَذَا هُوَ الْحَقِيقَة. وَقد يُسمى بذلك مَا يشوبه السوء
لِأَن الْأَظْهر فِيهِ الْحسن. والسيئة: نقيض الْحَسَنَة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحَسَنَة والسيئة فِي الْقُرْآن
على سِتَّة أوجه:
أَحدهَا: الْحَسَنَة: التَّوْحِيد. والسيئة: الشّرك. وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى فِي النَّمْل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ
خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون} {وَمن جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار} . وَفِي الْقَصَص:
{من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا} ، {وَمن جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى الَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات
إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ} .
وَالثَّانِي: الْحَسَنَة: النَّصْر وَالْغنيمَة. والسيئة:
الْقَتْل والهزيمة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان:
{إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا}
، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله
وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك} .
(1/259)
وَالثَّالِث: الْحَسَنَة: الْمَطَر
وَالْخصب. والسيئة: قحط الْمَطَر والجدب. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {فَإِذا جَاءَتْهُم الْحَسَنَة
قَالُوا لنا هَذِه وَإِن تصبهم سَيِّئَة يطيروا بمُوسَى وَمن
مَعَه} .
وفيهَا: {ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة} ، وفيهَا:
{وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات} .
وَالرَّابِع: الْحَسَنَة: الْعَافِيَة، والسيئة: الْبلَاء
وَالْعَذَاب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرَّعْد:
{ويستعجلونك بِالسَّيِّئَةِ قبل الْحَسَنَة} .
وَالْخَامِس: الْحَسَنَة: قَول الْمَعْرُوف، والسيئة: قَول
الْمُنكر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {ويدرؤون
بِالْحَسَنَة السَّيئَة} ، وَفِي حم السَّجْدَة: {وَلَا تستوي
الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} .
وَالسَّادِس: الْحَسَنَة: فعل نوع من الْخَيْر، والسيئة: فعل
نوع من الشَّرّ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {من
جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا وَمن جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} .
(105 - بَاب الْحِكْمَة)
قَالَ بعض أهل الْعلم: الْحِكْمَة: ضرب من الْعلم يمْنَع من
ركُوب الْبَاطِل. وَقَالَ غَيره: الْحِكْمَة: خُرُوج نفس
الْإِنْسَان إِلَى كمالها الْمُمكن
(1/260)
لَهَا فِي حدي الْعلم، وَالْعَمَل.
فَحِينَئِذٍ تنَال الْخلق الَّذِي يُسمى الْعَدَالَة، وَسميت
حِكْمَة الدَّابَّة بذلك، لِأَنَّهَا تمنعها من التَّصَرُّف
بِمَا لَا يُرِيد راكبها. كَمَا أَن الْحِكْمَة تمنع صَاحبهَا
من ركُوب مَا لَا يصلح.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْحِكْمَة: الْعلم، وَالْعَمَل، لَا
يكون الرجل حكيما حَتَّى يجمعهما.
وَقَالَ ابْن فَارس: أصل الحكم الْمَنْع. وأحكمت السَّفِيه
وحكمته أخذت على يَده. وَقَالَ جرير: -
(أبني حنيفَة أحكموا سفهاءكم ... إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن
أغضبا)
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحِكْمَة فِي الْقُرْآن على
سِتَّة أوجه: -
أَحدهَا: الموعظة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَمَر:
{حِكْمَة بَالِغَة فَمَا تغن النّذر} .
وَالثَّانِي: السّنة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{ويعلمكم الْكتاب وَالْحكمَة} ، وفيهَا: (وَمَا أنزل عَلَيْكُم
من الْكتاب وَالْحكمَة يعظكم
(1/261)
بِهِ} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {وَأنزل
الله عَلَيْك الْكتاب وَالْحكمَة وعلمك مَا لم يكن تعلم}
وَالثَّالِث: الْفَهم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْعَام: {أُولَئِكَ الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب وَالْحكم
والنبوة} ، وَفِي مَرْيَم: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} ، وَفِي
الْأَنْبِيَاء: {وكلا آتَيْنَا حكما وعلما} . وَفِي لُقْمَان:
{وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} .
وَالرَّابِع: النُّبُوَّة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وآتاه الله الْملك وَالْحكمَة} ، وَفِي ص:
{وأتيناه الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب} .
وَالْخَامِس: الْقُرْآن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
النَّحْل: {أدع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة} .
وَالسَّادِس: عُلُوم الْقُرْآن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} .
(1/262)
(أَبْوَاب مَا فَوق السِّتَّة)
(106 - بَاب الْحُضُور)
الْحُضُور: ضد الْغَيْبَة. والحضر: ضد البدو. والحضارة: سُكُون
الْحَضَر، قَالَهَا أَبُو زيد، بِكَسْر الْحَاء. والأصمعي:
بِفَتْحِهَا، وأنشدوا:
(فَمن تكن الحضارة أَعْجَبته، ... فَأَي رجال بادية تَرَانَا)
والحضر، بِضَم الْحَاء: الْعَدو. والحضر: بِفَتْحِهَا حصن فِي
قَول عدي: -
(وأخو الْحَضَر إِذْ بناه وَإِذ ... دجلة تجبى إِلَيْهِ
والخابور)
(1/263)
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْحُضُور فِي
الْقُرْآن على ثَمَانِيَة أوجه: -
أَحدهَا: الْكِتَابَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان:
{يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا} ، وَفِي الْكَهْف:
{ووجدوا مَا عمِلُوا حَاضرا} .
وَالثَّانِي: الْعَذَاب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرّوم:
{فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب محضرون} ، وَفِي الصافات:
{وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي لَكُنْت من المحضرين} .
وَالثَّالِث: الاستيطان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد
الْحَرَام} .
وَالرَّابِع: الْحُلُول، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة} .
وَالْخَامِس: الْمُجَاورَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {وسئلهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة
الْبَحْر} .
وَالسَّادِس: السماع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (48 / أ) فِي
الْأَحْقَاف: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصتُوا}
(1/264)
وَالسَّابِع: الْحُضُور الَّذِي يضاد
الْغَيْبَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَمَر: {كل شرب
محتضر} .
الثَّامِن: الْإِصَابَة بالسوء، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْمُؤمنِينَ: {وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون} ، أَي: أَن
يصيبوني بِسوء، قَالَه: ابْن فَارس.
(107 - بَاب الْحق)
الْحق: الصَّوَاب وَالصَّحِيح، وضده: الْبَاطِل. والحقيقة: مَا
يصير إِلَيْهِ حق الْأَمر، وَحقّ الشَّيْء: إِذا وَجب. وحاق
فلَان فلَانا: إِذا خاصمه وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْحق،
فَإِذا غَلبه قيل: حَقه وأحقه. وَيُقَال: احتقوا فِي الدّين،
إِذا ادّعى كل وَاحِد الْحق. والحاقة: الْقِيَامَة، لِأَنَّهَا
تحق بِكُل. والحقة: من أَوْلَاد الْإِبِل الَّتِي اسْتحقَّت
أَن يحمل عَلَيْهَا، وَالْجمع: حقاق. والحقة: مَعْرُوفَة،
وَالْجمع: حقق. والحقحقة: أرفع السّير وأتعبه لِلظهْرِ. قَالَ
مطرف بن عبد الله:
(إِن خير الْأُمُور أوساطها، وَإِن شَرّ السّير
الْحَقْحَقَةُ.)
(1/265)
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْحق فِي
الْقُرْآن على ثَمَانِيَة عشر وَجها: -
أَحدهَا: الله تَعَالَى، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْمُؤمنِينَ: {وَلَو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السَّمَاوَات
وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ} .
وَالثَّانِي: الْقُرْآن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْعَام: {فقد كذبُوا بِالْحَقِّ لما جَاءَهُم} ، وَفِي
الْقَصَص: {فَلَمَّا جَاءَهُم الْحق من عندنَا قَالُوا لَوْلَا
أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى} ، وَفِي الزخرف: {حَتَّى
جَاءَهُم الْحق وَرَسُول مُبين وَلما جَاءَهُم الْحق قَالُوا
هَذَا سحر} .
وَالثَّالِث: الْإِسْلَام، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْفَال: {ليحق الْحق} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {وَقل
جَاءَ الْحق (48 / ب} (وزهق الْبَاطِل) } ، وَفِي النَّمْل:
{إِنَّك على الْحق الْمُبين} .
وَالرَّابِع: الْعدْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا
بِالْحَقِّ} ، وَفِي النُّور: (يَوْمئِذٍ يوفيهم الله
(1/266)
دينهم} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {قَالَ رب
احكم بِالْحَقِّ} ، وَفِي ص: {فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ} .
وَالْخَامِس: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْمُؤمنِينَ: {بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرهم للحق
كَارِهُون} ، وَفِي الْقَصَص: {فَعَلمُوا أَن الْحق لله} ،
وَفِي العنكبوت: {أَو كذب بِالْحَقِّ لما جَاءَهُ} ، وَفِي
الصافات: {بل جَاءَ بِالْحَقِّ وَصدق الْمُرْسلين} .
وَالسَّادِس: الصدْق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْعَام: {قَوْله الْحق وَله الْملك} ، وَفِي يُونُس:
{ويستنبؤونك أَحَق هُوَ قل إِي وربي إِنَّه لحق} .
وَالسَّابِع: المَال، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق} {وفيهَا} (فَإِن كَانَ
الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَو ضَعِيفا [أَو لَا
يَسْتَطِيع أَن يمل] } .
وَالثَّامِن: الْوُجُوب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي تَنْزِيل
السَّجْدَة: {وَلَكِن حق القَوْل مني} ، وَفِي الْمُؤمن:
{وَكَذَلِكَ حقت كلمة رَبك على الَّذين كفرُوا (أَنهم أَصْحَاب
النَّار} } ، وَفِي الْأَحْقَاف: {أُولَئِكَ الَّذين حق
عَلَيْهِم القَوْل (فِي أُمَم} } .
(1/267)
وَالتَّاسِع: الْحَاجة، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي هود: {قَالُوا لقد علمت مَا لنا فِي بناتك من حق}
.
والعاشر: الْحَظ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سَأَلَ سَائل:
{وَالَّذين فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم للسَّائِل والمحروم} .
وَالْحَادِي عشر: الْبَيَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} ، وَفِي هود:
{وجاءك فِي هَذِه الْحق} .
وَالثَّانِي عشر: أَمر الْكَعْبَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي الْبَقَرَة: {وَإِن فريقا (49 / أ} مِنْهُم ليكتمون الْحق}
.
وَالثَّالِث عشر: إِيضَاح الْحَلَال وَالْحرَام. وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ذَلِك بِأَن الله نزل
الْكتاب بِالْحَقِّ} .
وَالرَّابِع عشر: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الرَّعْد: {لَهُ دَعْوَة الْحق} .
وَالْخَامِس عشر: انْقِضَاء الْأَجَل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي ق: {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ} .
وَالسَّادِس عشر: الْمُنجز. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
بَرَاءَة: {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة
وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن} ، وَفِي الْكَهْف: {وَكَانَ وعد
رَبِّي حَقًا}
(1/268)
وَالسَّابِع عشر: الجرم. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر
الْحق} ، وَفِي آل عمرَان: {وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر
حق} .
وَالثَّامِن عشر: الْحق الَّذِي يضاد الْبَاطِل. وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {وردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم
الْحق} ، وَفِي الْحَج: {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق} ، وَفِي
الْحجر: {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا
إِلَّا بِالْحَقِّ} .
(1/269)
|