نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

 (كتاب الدَّال)

(وَهُوَ أَرْبَعَة أَبْوَاب)

(119 - بَاب الدَّابَّة)

الدَّابَّة: اسْم الْفَاعِل من قَوْلك: دب، يدب، دبيبا. وكل ماش على الأَرْض: دَابَّة. وَفِي الحَدِيث: لَا يدْخل الْجنَّة ديبوب. (وَهُوَ النمام) ، والدبيب: أَضْعَف الْمَشْي.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الدَّابَّة فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: جَمِيع مَا دب على وَجه الأَرْض. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} ، وَفِي عسق: {وَمَا بَث فيهمَا من دَابَّة} .
وَالثَّانِي: الأرضة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سبأ: (مَا دلهم على مَوته

(1/290)


إِلَّا دَابَّة الأَرْض} .
وَالثَّالِث: الدَّابَّة الْخَارِجَة فِي آخر الزَّمَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّمْل: {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} .
(120 - بَاب الدَّار)

الدَّار فِي التعارف: اسْم لكل عَرصَة دَار عَلَيْهَا الْبناء يسكنهَا الْإِنْسَان. ثمَّ يُقَال: لكل مَكَان حل بِهِ قوم: هُوَ دَارهم. وَيُقَال للدهر: دواري، لِأَنَّهُ يَدُور بِالنَّاسِ حَالا عَن حَال، وأنشدوا للعجاج: -
(أطربا وَأَنت قنسري ... والدهر بالإنسان دواري)
(54 - ب)
والداري: الْعَطَّار. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مثل الجليس الصَّالح، كَمثل الدَّارِيّ إِن لم يجدك من عطره علقك من رِيحه ".
والداري: الرجل الْمُقِيم فِي دَاره لَا يكَاد يبرحه. وَالدَّار:

(1/291)


الْقَبِيلَة. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أنبئكم بِخَير دور الْأَنْصَار ": أَرَادَ الْقَبَائِل.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الدَّار فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْمنزل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين} .
وَالثَّانِي: الْجنَّة. وَمِنْه قَوْله [تَعَالَى فِي النَّحْل] : {ولدار الْآخِرَة خير ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ} .
وَالثَّالِث: جَهَنَّم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي إِبْرَاهِيم] : {وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم} .
وَالرَّابِع: الْمَدِينَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرَّعْد: {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} .
(121 - بَاب الدُّعَاء)

الدُّعَاء: (هُوَ) طلب الْأَدْنَى من الْأَعْلَى تَحْصِيل الشَّيْء. يُقَال

(1/292)


مِنْهُ: دَعَوْت، أَدْعُو، دُعَاء. والدعوة: الْمرة الْوَاحِدَة. والدعوة إِلَى الطَّعَام بِالْفَتْح، وَفِي النّسَب بِالْكَسْرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَهَذَا أَكثر كَلَام الْعَرَب إِلَّا عدي الربَاب فَإِنَّهُم ينصبون الدَّال فِي النّسَب ويكسرونها فِي الطَّعَام. وَفِي الحَدِيث: (دع دَاعِي اللَّبن) . وَهُوَ الْقَلِيل ينزل فِي الضَّرع ليدعو مَا بعْدهَا. وتداعت الْحِيطَان: تهادمت. ودواعي الدَّهْر: صروفه.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الدُّعَاء فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه: -
أَحدهَا: القَوْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا} ، وَفِي يُونُس: {دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {فَمَا زَالَت (55 / أ} تِلْكَ دَعوَاهُم} .
وَالثَّانِي: الْعِبَادَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {قل أندعوا من دون الله مَا لَا ينفعنا وَلَا يضرنا} ، وَفِي يُونُس: {وَلَا تدع من دون الله مَا لَا ينفعك وَلَا يَضرك} ، وَفِي الْقَصَص: (وَلَا تدع مَعَ الله

(1/293)


إِلَهًا آخر} ، وَفِي الْفرْقَان: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} {وفيهَا} (قل مَا يعبؤ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} ، وَفِي العنكبوت: {إِن الله يعلم مَا يدعونَ من دونه} .
وَالثَّالِث: النداء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي بني إِسْرَائِيل] : {يَوْم يدعوكم فتستجيبون بِحَمْدِهِ} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء} ، وَفِي فاطر: {إِن تدعوهم لَا يسمعوا دعاءكم} ، وَفِي الْقَمَر: {فَدَعَا ربه أَنِّي مغلوب فانتصر} {وفيهَا} (يَوْم يدع الداع إِلَى شَيْء نكر} .
وَالرَّابِع: الِاسْتِعَانَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَادعوا شهداءكم من دون الله} ، وَفِي يُونُس: {وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله} ، وَفِي الْمُؤمن: {وليدع ربه} .
وَالْخَامِس: السُّؤَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {ادْع لنا رَبك بِمَا عهد عنْدك لَئِن كشفت عَنَّا الرجز} ، وَفِي الزخرف: {ادْع لنا رَبك بِمَا عهد عنْدك} ، وَفِي حم الْمُؤمن: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} ، وفيهَا:

(1/294)


{وَقَالَ الَّذين فِي النَّار لخزنة جَهَنَّم ادعوا ربكُم} .
وَالسَّادِس: الِاسْتِفْهَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ} ، أَي: استفهم. وَفِي الْكَهْف: {فدعوهم فَلم يَسْتَجِيبُوا لَهُم} ، أَي: استفهموهم أأنتم آلِهَة.
وَالسَّابِع: الْعَذَاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي المعارج] : {نزاعة للشوى تَدْعُو من أدبر وَتَوَلَّى} ، أَي: تعذب
(122 - بَاب الدّين)

(55 / ب) قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: الدّين: مَا الْتَزمهُ الْإِنْسَان: يُقَال دَان الرجل لله (عز وَجل) ، أَي: الْتزم مَا يجب لله عز وَجل عَلَيْهِ.
وَحده غَيره فَقَالَ: الدّين قَول إلهي رادع للنَّفس يقومها ويمنعها من الاسترسال فِيمَا طبعت عَلَيْهِ. وَالدّين يُقَال وَيُرَاد بِهِ: الملكة وَالسُّلْطَان. يُقَال: دنت الْقَوْم أدينهم، أَي: قهرتهم وأذللتهم فدانوا، أَي: ذلوا وخضعوا.

(1/295)


وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَالدّين لله إِنَّمَا هُوَ من هَذَا. قَالَ الْقطَامِي: -
(كَانَت نوار تدينك الأديانا)

أَي: تذلك.
وأنشدوا من ذَلِك أَيْضا: -
(لَئِن حللت بجو فِي بني أَسد ... فِي دين عَمْرو وحالت بَيْننَا فدك)

وَالدّين يُقَال وَيُرَاد بِهِ: الْجَزَاء. يُقَال: دنته بِمَا صنع، أَي: جازيته و: كَمَا تدين تدان. وأنشدوا من ذَلِك:
(هُوَ دَان الرياب، إِذْ كَرهُوا ... الدّين دركا بغزوة وصيال)

وَمِنْه أَيْضا: -
(وَاعْلَم وأيقن أَن ملكك زائل ... وَاعْلَم بِأَن كَمَا تدين تدان)

وَالدّين يُقَال وَيُرَاد بِهِ الْعِبَادَة وأنشدوا من ذَلِك: -

(1/296)


(تَقول وَقد درأت لَهَا وضيني ... أَهَذا دينه أبدا وديني)

وَيذكر فِي مَوَاضِع أخر تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة وَتقول: داينت الرجل إِذا عاملته فأعطيته دينا وأدنت إِذا أخذت بدين وأنشدوا من ذَلِك: -
(داينت أروى والديون تقضى ... فعطلت بَعْضًا وَأَدت بَعْضًا)

وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الدّين فِي الْقُرْآن على عشرَة أوجه: -
أَحدهَا: الْإِسْلَام - وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى (56 / أ} وَدين الْحق} ، وَمثلهَا فِي الْفَتْح.
وَالثَّانِي: التَّوْحِيد - وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {دعوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} ، وَفِي لم يكن: {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} .
وَالثَّالِث: الْحساب - وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق} .

(1/297)


وَالرَّابِع: الْجَزَاء - وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي الْفَاتِحَة) : {مَالك يَوْم الدّين} ، وَفِي الصافات: {هَذَا يَوْم الدّين} ، وَفِي المطففين: {الَّذين يكذبُون بِيَوْم الدّين} .
وَالْخَامِس: الحكم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: [فِي يُوسُف {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} .
وَالسَّادِس: الطَّاعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة التَّوْبَة: {وَلَا يدينون دين الْحق} .
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا يطيعونه.
وَالسَّابِع: الْعَادة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الحجرات: {قل أتعلمون الله بدينكم} .
وَالثَّامِن: الْملَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي لم يكن] : {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} ، أَي: وَذَلِكَ دين الْملَّة المستقيمة.
وَالتَّاسِع: الْحُدُود. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {وَلَا نأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} .
والعاشر: الْعدَد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة التَّوْبَة: {مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم} ، أَي: الْعدَد الصَّحِيح.

(1/298)


وَقد ألحق بَعضهم وَجها حادي عشر فَقَالَ: وَالدّين: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ} .
(تمّ كتاب الدَّال)

(1/299)