نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

 (كتاب الذَّال)

وَفِيه بَابَانِ.
(123 - بَاب الذل)

الذل والخضوع يتقاربان.
قَالَ الْفراء: الذل والذلة بِمَعْنى [وَاحِد] .
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: رجل ذليل: بَين الذل. . بِضَم الذَّال (56 / ب) ودابة ذَلُول: بَيِّنَة الذل بِكَسْر الذَّال.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الذل فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: الْقلَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَلَقَد نصركم الله ببدر وَأَنْتُم أَذِلَّة} .

(1/300)


وَالثَّانِي: التَّوَاضُع) . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} .
وَالثَّالِث: السهولة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هَل أَتَى: {وذللت قطوفها تذليلا} .
(124 - بَاب الذّكر)

الذّكر يُقَال على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الذّكر بِالْقَلْبِ.
وَالثَّانِي: الذّكر بِاللِّسَانِ. وَهُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقِيّ ويستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة.
حَدثنَا مُحَمَّد بن نَاصِر عَن أبي زَكَرِيَّا عَن ابْن جني قَالَ الذّكر بِكَسْر الذَّال بِاللِّسَانِ وبضم الذَّال بِالْقَلْبِ تَقول: ذكرت الشَّيْء

(1/301)


بلساني ذكرا وبقلبي ذكرا، وَيُقَال اجْعَل هَذَا على ذكر مِنْك بِضَم الذَّال، أَي: لَا تنسه. وَالذكر: الْعلَا والشرف. والمذكر: الَّتِي ولدت ذكرا.
قَالَ الْفراء: كم الذكرة من ولدك؟ أَي: الذُّكُور.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الذّكر فِي الْقُرْآن على عشْرين وَجها: -
أَحدهَا: الذّكر بِاللِّسَانِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} ، وَفِي آل عمرَان: {الَّذين يذكرُونَ الله قيَاما وقعودا وعَلى جنُوبهم} ، [وَفِي سُورَة النِّسَاء] : {فَإِذا قضيتم الصَّلَاة فاذكروا الله قيَاما وقعودا} ، فِي الْأَحْزَاب: [ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا] اذْكروا (57 / أ} الله ذكرا كثيرا} .
وَالثَّانِي: الذّكر بِالْقَلْبِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم} ، وَقيل هُوَ النَّدَم.

(1/302)


وَالثَّالِث: الحَدِيث. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي يُوسُف] : - {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} ، أَي: حَدثهُ بحالي.
وَمثله: {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِبْرَاهِيم} ، {وَاذْكُر فِي الْكتاب مُوسَى} ، {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِسْمَاعِيل} ، {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِدْرِيس} .
وَالرَّابِع: الْخَبَر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {قل سأتلوا عَلَيْكُم مِنْهُ ذكرا} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {هَذَا ذكر من معي وَذكر من قبلي} ، وَفِي الصافات: {لَو أَن عندنَا ذكرا من الْأَوَّلين} .
وَالْخَامِس: العظة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي الْأَنْعَام: {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} ) ، وَفِي الْأَعْرَاف: {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ أنجينا الَّذين ينهون عَن السوء} ، وَفِي يس: {أئن ذكرْتُمْ بل أَنْتُم قوم مسرفون} ، وَفِي ق: {فَذكر بِالْقُرْآنِ من يخَاف وَعِيد} .
وَالسَّادِس: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي طه: {وَمن أعرض عَن ذكري} ، وَفِي الزخرف: {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن} .
وَالسَّابِع: الْوَحْي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصافات: (فالتاليات

(1/303)


ذكرا} وَفِي الْقَمَر: {أءلقي الذّكر عَلَيْهِ [من بَيْننَا] } ، وَفِي المرسلات: {فالملقيات ذكرا} .
وَالثَّامِن: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} {وفيهَا} (وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ} ، وَفِي الزخرف: {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا} .
وَالتَّاسِع: التَّوْرَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {فسألوا أهل الذّكر} ، وَمثله فِي الْأَنْبِيَاء.
والعاشر: الشّرف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} ، (57 / ب) وَفِي الْمُؤمنِينَ: {بل أتيناهم بذكرهم فهم عَن ذكرهم معرضون} ، وَفِي الزخرف: {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} .
وَالْحَادِي عشر: الطَّاعَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فاذكروني أذكركم} ، أَي: أَطِيعُونِي.
(وَالثَّانِي عشر: الْحِفْظ) . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة واذْكُرُوا مَا فِيهِ} ، وَفِي آل عمرَان: {واذْكُرُوا نعمت الله عَلَيْكُم} .

(1/304)


وَالثَّالِث عشر: الْبَيَان: [وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف] : {أوعجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم} ، وَفِي ص: {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} ، وفيهَا: {هَذَا ذكر وَإِن لِلْمُتقين} .
الرَّابِع عشر: الصَّلَوَات الْخمس. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فَإِذا أمنتم فاذكروا الله} ، وَفِي النُّور: {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} ، وَفِي الْمُنَافِقين: {لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} .
وَالْخَامِس عشر: صَلَاة الْجُمُعَة: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي سُورَة الْجُمُعَة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} .
وَالسَّادِس عشر: صَلَاة الْعَصْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ص: {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي} .
وَالسَّابِع عشر: الْغَيْب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {أَهَذا الَّذِي يذكر آلِهَتكُم} .

(1/305)


وَالثَّامِن عشر: اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} ، وَقيل: أَرَادَ بالزبور هَا هُنَا سَائِر الْكتب.
وَالتَّاسِع عشر: الثَّنَاء على الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى [وعَلى رَسُوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء: {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} . (58 / أ) .
وَالْعشْرُونَ: الرَّسُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الطَّلَاق] : {قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا رَسُولا} ، قيل: إِن أنزل هَا هُنَا بِمَعْنى أرسل.

(1/306)