نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

 (" كتاب الظَّاء ")

وَهُوَ أَرْبَعَة أَبْوَاب:
(200 - بَاب الظُّلُمَات)

الظُّلُمَات: جمع ظلمَة.
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: وَالْأَصْل فِي الظلمَة: اسوداد (87 / أ) اللَّيْل. فَإِنَّهُ إِذا عدم نور النَّهَار وَغَيره من الْأَنْوَار اسود الْأُفق بتكاثف الْهَوَاء الراكد، وَلِهَذَا إِذا اشتدت الْحجب على الْهَوَاء الراكد، كَانَ الظلام أَكثر وَأَشد، والظلمة: ذَات يخلقها الله تَعَالَى.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الظُّلُمَات فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
احدها: الشّرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} ، وَفِي إِبْرَاهِيم: {أَن أخرج قَوْمك من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} .

(1/423)


وَالثَّانِي: الْأَهْوَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {قل من ينجيكم من ظلمات الْبر وَالْبَحْر} ، وَفِي النَّمْل: {أَمن يهديكم فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر} .
وَالثَّالِث: الظُّلُمَات الْمَعْرُوفَة الَّتِي هِيَ ضد الْأَنْوَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {وَجعل الظُّلُمَات والنور} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} يَعْنِي ظلمَة اللَّيْل، وظلمة المَاء، وظلمة بطن الْحُوت وَقد قيل فِي قَوْله: {وَجعل الظُّلُمَات والنور} إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ اللَّيْل فجعلوه وَجها رَابِعا، وَهُوَ وان أُرِيد بِهِ اللَّيْل لم يخرح عَمَّا ذَكرْنَاهُ.
(201 - بَاب الظَّن)

الظَّن فِي الأَصْل: قُوَّة أحد الشَّيْئَيْنِ على نقيضه فِي النَّفس. وَالْفرق بَينه وَبَين الشَّك. أَن الشَّك: التَّرَدُّد فِي أَمريْن لَا مزية لاحدهما على الآخر. والتظني: اعمال الظَّن. وَالْأَصْل: التظنن. والظنون: الْقَلِيل الْخَيْر. ومظنة الشَّيْء: مَوْضِعه ومألفه. والظنة: التُّهْمَة. [والظنين: الْمُتَّهم] .

(1/424)


وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الظَّن فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه:
أَحدهَا: الشَّك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {إِن هم إِلَّا يظنون} وَفِي الجاثية: {إِن نظن إِلَّا ظنا} .
وَالثَّانِي: الْيَقِين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم} ، وفيهَا: (87 / ب) {قَالَ الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله} ، وفيهَا: {إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله} ، وَفِي ص: {وَظن دَاوُد أَنما فتناه} ، وَفِي سُورَة الحاقة: {إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه} .
وَالثَّالِث: التُّهْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: [فِي التكوير] : {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين} ، أَي بمتهم.
وَالرَّابِع: الحسبان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم السَّجْدَة: (وَلَكِن ظننتم أَن الله لَا يعلم كثيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ وذلكم ظنكم الَّذِي ظننتم

(1/425)


بربكم أرداكم} ، وَفِي الانشقاق: {إِنَّه ظن أَن لن يحور} ، أَي: حسب.
وَالْخَامِس: الْكَذِب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي النَّجْم] : {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا} ، قَالَه الْفراء.
(202 - بَاب الظُّلم)

الظُّلم: التَّصَرُّف فِيمَا لَا يملك (الْمُتَصَرف وَالتَّصَرُّف) فِيهِ وَقيل: هُوَ وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه يُقَال: من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم أَي: مَا وَقع الشّبَه فِي غير مَوْضِعه. وَالْأَرْض المظلومة: الَّتِي لم تحفر قطّ ثمَّ حفرت، وَذَلِكَ التُّرَاب ظليم. وظلمت فلَانا: نسبته إِلَى الظُّلم. والظلامة: مَا تطلبه من مظلمتك عِنْد الظَّالِم. وَرجل ظليم: شَدِيد الظُّلم. وَالظُّلم: بِفَتْح الظَّاء، مَاء الْأَسْنَان. وَقيل: هُوَ بريقها وصفاؤها. وَيُقَال: الزم [الطَّرِيق] وَلَا تظلمه، أَي: لَا تعدل عَنهُ.

(1/426)


وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الظُّلم فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه:
أَحدهَا: الظُّلم بِعَيْنِه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فتكونا من الظَّالِمين} ، وَفِي آل عمرَان: {وَالله لَا يحب الظَّالِمين} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} . وفيهَا: {وَمن يفعل ذَلِك عُدْوانًا وظلما} ، فِي الْأَنْبِيَاء: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} ، وَفِي حم السَّجْدَة: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} ، وَفِي عسق: {إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس} .
وَالثَّانِي: (88 / أ) الشّرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {أَن لعنة الله على الظَّالِمين} .
وَالثَّالِث: النَّقْص. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَا يظْلمُونَ فتيلا} ، وَفِي الْكَهْف: {آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا} [وَفِي

(1/427)


الْأَنْبِيَاء: {فَلَا تظلم نفس شَيْئا} ] .
وَالرَّابِع: الْجحْد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يظْلمُونَ} ، وفيهَا: {ثمَّ بعثنَا من بعدهمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْن وملئه فلموا بهَا} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {وآتينا ثَمُود النَّاقة مبصرة فظلموا بهَا} .
وَالْخَامِس: السّرقَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا} إِلَى قَوْله: {فَمن تَابَ من بعد ظلمه} ، أَي: بعد سَرقته. وَفِي يُوسُف: {من وجد فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِك نجزي الظَّالِمين} ، يَعْنِي السارقين.
وَالسَّادِس: الاضرار بِالنَّفسِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَمَا ظلمونا وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {وَمَا ظلمونا وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} ، وَفِي هود: {وَمَا ظلمناهم} وَلَكِن ظلمُوا أنفسهم} .
(203 - بَاب الظُّهُور)

الظُّهُور: ضد الخفاء. وَالظّهْر: الْغَلَبَة. وَتقول الْعَرَب: أظهرنَا: إِذا جَاءَ وَقت الظّهْر. وَظَهَرت على الشَّيْء: اطَّلَعت عَلَيْهِ. والظهري: كل

(1/428)


شَيْء تَجْعَلهُ يظْهر. أَي: تنساه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {واتخذتموه وراءكم ظهريا} ، وَقَالَ الفرزدق:
(تَمِيم بن قيس لَا تكونن حَاجَتي ... بِظهْر وَلَا يعيا عَليّ جوابها)

وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الظُّهُور فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه:
أَحدهَا: الإبداء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} ، وَفِي الْمُؤمن (88 / ب) : {أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} ، وَفِي الرّوم: {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} .
وَالثَّانِي: الِاطِّلَاع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي الْكَهْف) : {إِنَّهُم إِن يظهروا عَلَيْكُم يرجموكم} ، وَفِي التَّحْرِيم: {وأظهره الله عَلَيْهِ} ، وَفِي سُورَة الْجِنّ: {فَلَا يظْهر على غيبه أحدا} .

(1/429)


وَالثَّالِث: الارتقاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} ، وَفِي الزخرف: {ومعارج عَلَيْهَا يظهرون} .
وَالرَّابِع: الْعُلُوّ والقهر. وَمِنْه قَوْله تعلى فِي بَرَاءَة: {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} ، وَفِي الْمُؤمن: {لكم الْملك الْيَوْم ظَاهِرين فِي الأَرْض} ، وَفِي الصَّفّ: {فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} .
وَالْخَامِس: الْبطلَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرَّعْد: {أم بِظَاهِر من القَوْل} .
وَالسَّادِس: الظُّهُور الَّتِي يقابلها الصدود. وَمِنْه قله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ} ، وَفِي هود: {واتخذتموه وراءكم ظهريا} ، وَهَذَا مثل ضربه الله [تَعَالَى] لَهُم إِذْ لم يعملوا بِهِ. وَفِي الانشراح: {الَّذِي أنقض ظهرك} .
وَالسَّابِع: الدُّخُول فِي وَقت الظّهْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} ، وَفِي الرّوم: {وعشيا وَحين تظْهرُونَ} .

(1/430)