نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

" كتاب الْعين "

وَهُوَ أَرْبَعَة عشر بَابا:
(أَبْوَاب الْوَجْهَيْنِ)

(204 - بَاب الْعِبَادَة)

الأَصْل فِي الْعِبَادَة: الذل. يُقَال: طَرِيق معبد، أَي: مذلل. وَعبادَة الله تَعَالَى: الذل لَهُ بالانقياد لما أَمر والانتهاء عَمَّا نهى. وحد بَعضهم الْعِبَادَة فَقَالَ: هِيَ الْأَفْعَال الْوَاقِعَة على نِهَايَة مَا يُمكن من التذلل والخضوع، والمجاوزة لتذلل بعض الْعباد لبَعض.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعِبَادَة فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {واعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} ، أَي: وحدوه (89 / أ) وَفِي الْمُؤمنِينَ: {أَن اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: (وَكَانُوا لنا

(1/431)


عابدين} ، وَفِي سُورَة نوح: {أَن اعبدوا الله واتقوه} ، كَذَلِك كل مَا ورد فِي دُعَاء الْأَنْبِيَاء قَومهمْ.
وَالثَّانِي: الطَّاعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {تبرأنا إِلَيْك مَا كَانُوا إيانا يعْبدُونَ} ، وَفِي يس: {أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان} ، وَفِي سبأ: {أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ} .
(205 - بَاب الْعدوان)

الْعدوان: الظُّلم الصراح.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَنه فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: مَا ذكرنَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {تظاهرون عَلَيْهِم بالإثم والعدوان} ، وَفِي الْمَائِدَة: {وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} .
وَالثَّانِي: السَّبِيل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] : (فَلَا عدوان

(1/432)


إِلَّا على الظَّالِمين} ، وَفِي الْقَصَص: {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ وَالله على مَا نقُول وَكيل} .
(206 - بَاب الْعَوْرَة)

الْعَوْرَة: مَا يكره ظُهُورهَا فِي الْعَادة، وَيحرم فِي الشَّرْع. والعور: الْعَيْب، وَمِنْه: الْعين العوراء، وَيُقَال: عارت الْعين، وعورت، واعورت: إِذا ذهب بصرها، وَقد عرت عينه: إِذا صيرتها عوراء. والعوراء: الْكَلِمَة تهوي فِي غير عقل وَلَا رشد. وكل مَا يستحى مِنْهُ عَورَة. وَسميت سوءة الْإِنْسَان: عَورَة، لِأَن إظهارها عيب شرعا وَعرفا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعَوْرَة فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الْعَوْرَة الْمَعْرُوفَة من بني آدم الَّتِي أَمر بسترها. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء} .
وَالثَّانِي: الْخلْوَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: (ثَلَاث عورات

(1/433)


لكم} ، أَي: ثَلَاث أَوْقَات خلْوَة. وَفِي الْأَحْزَاب: {يَقُولُونَ إِن بُيُوتنَا عَورَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَة} . (89 / ب) أَي: خَالِيَة من الرِّجَال.
(" أَبْوَاب الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة ")

(207 - بَاب الْعِزَّة)

ذكر أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي: ان أصل الْعِزَّة: الشدَّة. وَمِنْه قَوْلهم: عز عَليّ، إِنَّمَا هُوَ: اشْتَدَّ عَليّ هَذَا الْأَمر.
ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعِزَّة فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: العظمة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء: {وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن (إِنَّا لنَحْنُ الغالبون} } ، وَفِي ص: {قَالَ فبعزتك لأغوينهم أَجْمَعِينَ} .
وَالثَّانِي: المنعة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {أيبتغون عِنْدهم الْعِزَّة فَإِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} .
وَالثَّالِث: الحمية. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: ((وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ

(1/434)


الله) أَخَذته الْعِزَّة بالإثم} ، وَفِي ص: {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} .
(208 - بَاب الْعَزِيز)

قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الْعَزِيز: المنيع الَّذِي لَا يغلب. والعز فِي كَلَام الْعَرَب على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الْغَلَبَة. وَمِنْه قَوْلهم: من عز بز، أَي: من غلب سلب. يُقَال مِنْهُ: عز يعز - بِضَم الْعين - من يعز، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وعزني فِي الْخطاب} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الشدَّة وَالْقُوَّة. وَيُقَال مِنْهُ: عز يعز، - بِفَتْح الْعين - من يفعل.
وَالثَّالِث: أَن يكون بِمَعْنى نفاسة الْقدر يُقَال مِنْهُ عز الشَّيْء يعز - بِكَسْر الْعين - من يعز. [إِنَّمَا قَالَ - بِكَسْر الْعين - لِأَن الْقَاعِدَة الصرفية أَن الثلاثي المضعف إِن كَانَ لَازِما تكسر فِيهِ عين الْفِعْل، نَحْو فر يفر. فَإِن كَانَ مُتَعَدِّيا تضم، نَحْو عد يعد] . ويتأول الْعَزِيز الَّذِي

(1/435)


هُوَ اسْم الله تَعَالَى على هَذَا، لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يعادله شَيْء وَلَا مثل لَهُ وَلَا نَظِير.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعَزِيز فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الْقوي الْمُمْتَنع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفَتْح: {وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} ، وَفِي الْمُنَافِقين: {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} .
وَالثَّانِي: الْعَظِيم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {وَمَا (90 / أ} أَنْت علينا بعزيز} ، وَفِي يُوسُف: {قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز} ، وفيهَا: {يَا أَيهَا الْعَزِيز} ، وَفِي النَّمْل: {وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} .
وَالثَّالِث: الشَّديد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم: {وَمَا ذَلِك على الله بعزيز} ، [قَوْله بعزيز أَي: شَدِيد أَو شاق] ، وَفِي بَرَاءَة: {عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} .
(209 - بَاب الْعَفو)

الْعَفو: يُقَال وَيُرَاد بِهِ الصفح. وَمِنْه عَفْو الله [تَعَالَى] عَن عَبده. وَيُقَال وَيُرَاد بِهِ: زَوَال الْأَثر. يُقَال: عفت الديار، إِذا غطى التُّرَاب أَثَرهَا فخفيت.

(1/436)


قَالَ ابْن فَارس: وَالْعَفو: حَلَال المَال وطيبه. والعفاة: طلاب الْمَعْرُوف. وأعطيته عفوا من غير مَسْأَلَة. وعفاه واعتفاه: إِذا طلب مَا عِنْده. وعفو المَال: فاضله عَن النَّفَقَة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعَفو فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الصفح وَالْمَغْفِرَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم} ، وَفِي بَرَاءَة: {عَفا الله عَنْك} .
وَالثَّانِي: التّرْك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} ، أَرَادَ: ترك الْمهْر. وَهَذَا قريب من معنى الأول.
وَالثَّالِث: الْفَاضِل من المَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} ، وَفِي الْأَعْرَاف: ( {خُذ الْعَفو} .
وَالرَّابِع: الْكَثْرَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى) [فِي الْأَعْرَاف] : {ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة حَتَّى عفوا} ، أَي: كَثُرُوا، قَالَه: أَبُو عُبَيْدَة.

(1/437)


(210 - بَاب عَن)

قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: معنى " عَن " الْمُجَاوزَة تَقول: بَلغنِي عَنْك كَلَام، أَي: جاوزك إِلَيّ كَلَام. وانصرفت عَن زيد، أَي: جاوزته إِلَى غَيره. وَهِي حرف مَا لم يدْخل عَلَيْهَا " من " فَإِذا دخلت عَلَيْهَا " من " كَانَت اسْما لِأَن حرف الْجَرّ لَا يدْخل على مثله تَقول: أَخَذته من عَن يَمِينك. (90 / ب) .
قَالَ الشَّاعِر: -
(من عَن يَمِيني مرّة وأمامي)

وَقد تكون بِمَعْنى " بعد " كَقَوْلِه: " لتركبن طبقًا عَن طبق ". وسادوك كَابِرًا عَن كَابر.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَنه فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: صلَة فِي الْكَلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} ،.

(1/438)


وَالثَّانِي: بِمَعْنى " الْبَاء " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك} ، وَفِي النَّجْم: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى " من ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده} .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى " على ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَمن يبخل فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه} .
(" أَبْوَاب الْخَمْسَة ")

(211 - بَاب الْعدْل)

الْعدْل: الْإِنْصَاف وَالْحق. وضده: الْجور. وَيُقَال للمرضي من النَّاس: عدل. فَيُقَال: رجل عدل، ورجلان عدل، وَرِجَال عدل. لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث، لِأَنَّهُ مصدر وَالْعدْل: الْمثل. وَبسط الْوَالِي عدله ومعدلته وَعدلت الشَّيْء فاعتدل، أَي: قومته

(1/439)


فاستقام. وَالْعدْل: الْفِدَاء، (فِي قَوْلهم) : " لَا يقبل الله صرفا وَلَا عدلا ".
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعدْل فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الْفِدَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل} ، وَفِي الْأَنْعَام: {وَإِن تعدل كل عدل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا} .
وَالثَّانِي: الْإِنْصَاف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {فَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تعدلوا فَوَاحِدَة} ، وفيهَا: {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء وَلَو حرصتم} .
وَالثَّالِث: الْقيمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {أَو عدل ذَلِك صياما} ، أَرَادَ: أَو قيمَة ذَلِك بصيام [عَنهُ] .
وَالرَّابِع: الشّرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} .

(1/440)


وَالْخَامِس: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ (91 / أ} وَالْإِحْسَان} ، قيل أَرَادَ بِالْعَدْلِ: كلمة التَّوْحِيد، وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله.
(212 - بَاب " على ")

قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: " على " تسْتَعْمل اسْما وفعلا وحرفا. فَإِذا كَانَت عبارَة عَن شخص فَهِيَ اسْم (وَتدْخل عَلَيْهَا عَلَامَات السَّمَاء. تَقول: جَاءَنِي علا، وَرَأَيْت علا، ومررت بعلا. وَإِذا كَانَت بِمَعْنى فَوق فَهِيَ اسْم أَيْضا. تَقول: جِئْت من عَلَيْهِ، كَمَا يُقَال: جِئْت من فَوْقه. قَالَ الشَّاعِر: -
(غَدَتْ من عَلَيْهِ بَعْدَمَا تمّ ظمؤها)

وَقَالَ الآخر: -
(فَهِيَ تنوش الْحَوْض نوشا من علا)

وَإِذا كَانَت مُشْتَقَّة من مصدر ودلت على زمَان مَخْصُوص فَهِيَ فعل تَقول: علا يَعْلُو علوا فَهُوَ عَال. وَعلا الْحَائِط، كَمَا تَقول ارْتَفع الْحَائِط.

(1/441)


وَمَا عدا هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَهِيَ حرف يجر مَا بعْدهَا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن " على " فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: بِمَعْنى فَوق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي طه] : {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الشَّرْط. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى الضَّمَان والالتزام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي النَّحْل] : {وعَلى الله قصد السَّبِيل}
وَالرَّابِع: بِمَعْنى " من ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المطففين: {الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون} . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَمثله: {من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان} ، أَي: اسْتحق مِنْهُم.
وَالْخَامِس: بِمَعْنى " فِي " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] :

(1/442)


(وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان} ، قَالَه الْمبرد.
(213 - بَاب الْعين)

الْعين: من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة، وَالْأَصْل فِيهَا: الْعين الباصرة. ثمَّ هِيَ بِالْوَضْعِ الْعرفِيّ منقولة إِلَى مَوَاضِع، فَيُقَال الْعين: (وَيُرَاد بهَا الذَّات) وَيُقَال الْعين: وَيُرَاد بهَا منابع المَاء. وَيُقَال: فِي غير ذَلِك (91 / ب) . وَالْمَاء الْمعِين: الظَّاهِر للعيون. وأعيان الْقَوْم: أَشْرَافهم. وَيُقَال: أفعل ذَلِك عمد عين، إِذا تَعَمّده. وَهَذَا عبد عين أَي: يخدمك مَا دمت ترَاهُ، فَإِذا غبت عَنهُ فَلَا. وَيُقَال: لقِيت فلَانا عين عَنهُ، أَي: أعيانا، وَيُقَال: عنت الرجل: أصبته بعيني. وَهُوَ معِين ومعيون، وَالْفَاعِل عائن.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعين فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الْعين الباصرة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {أم لَهُم أعين يبصرون بهَا} ، وَفِي الْبَلَد: {ألم نجْعَل لَهُ عينين} .
وَالثَّانِي: منبع المَاء الْجَارِي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:

(1/443)


( {فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} .
وَالثَّالِث: الْحِفْظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَمَر: {تجْرِي بأعيننا} .
وَالرَّابِع: المنظر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {فَأتوا بِهِ على أعين النَّاس} ، أَي: بمنظر مِنْهُم.
وَالْخَامِس: الْقلب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري}
وَزَاد بَعضهم وَجها سادسا فَقَالَ: وَالْعين: النَّهر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هَل أَتَى: {عينا يشرب بهَا عباد الله} .
(" أَبْوَاب مَا فَوق الْخَمْسَة ")

(214 - بَاب الْعَالمين)

قَالَ ابْن عَبَّاس: الْعَالمُونَ كل من يعقل من الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة. وَقَالَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: الْعَالمُونَ كل ذِي روح. وَيُقَال

(1/444)


فلَان خير الْعَالم. وَيُرَاد بذلك أهل زَمَانه، وأنشدوا للبيد: -
(مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت ... بِمثلِهِ فِي العالمينا)

وأنشدوا للحطيئة: -
(تنحي فاجلسي منا بَعيدا ... أراح الله مِنْك العالمينا)

(قَالَ شَيخنَا: فَأَما أهل النّظر، فالعالم عِنْدهم اسْم يَقع على الْكَوْن الْكُلِّي الْمُحدث (92 / أ) الْمُحِيط من فلك وسماء وَأَرْض، وَمَا بَين ذَلِك وَقد قَالَ معنى هَذَا القَوْل الزّجاج) .
قَالَ شَيخنَا: وَقيل: إِن الْعَالم مُشْتَقّ مِمَّا هُوَ عَلامَة، لِأَنَّهُ دَال على خالقه. وَهَذَا يُقَوي قَول من رَآهُ وَاقعا على الْكَائِن، كُله، وَقيل: إِن اشتقاقه من الْعلم. وَهَذَا يُقَوي مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعَالم فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه

(1/445)


أَحدهَا: كل ذِي روح. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْفَاتِحَة] : {الْحَمد لله رب الْعَالمين} .
وَالثَّانِي: الْمُؤْمِنُونَ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} .
وَالثَّالِث: عالموا أزمانهم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} .
(وَالرَّابِع: الأضياف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْحجر: {أولم ننهك عَن الْعَالمين} ) .
وَالْخَامِس: جَمِيع أَوْلَاد آدم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {ونجيناه ولوطا إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين} .
وَالسَّادِس: بعض أَوْلَاد آدم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {سَلام على نوح فِي الْعَالمين} ، أَي: ثَنَاء عَلَيْهِ بعده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
(215 - بَاب الْعَهْد)

قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْأمان: عهد. وَالْوَصِيَّة: عهد. وَالْيَمِين: عهد. والحفاظ: عهد. قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن حسن الْعَهْد من الْإِيمَان ". وَالزَّمَان: عهد. يُقَال: كَانَ ذَلِك بِعَهْد فلَان. وَقَالَ ابْن

(1/446)


فَارس: الْعَهْد: الْأمان الموثق. [وَيُقَال: عهِدت إِلَيْهِ: إِذا أوصيته، المعهد: الْمنزل] ، إِذا كَانَ مثابة. والعهد: الَّذِي يعاهدك والعهدة: وَثِيقَة الْمُتَبَايعين، وَفِي الْأَمر عُهْدَة: لم يحكم بعد. والتعهد: الاحتفاظ بالشَّيْء وتجديد الْعَهْد بِهِ.
وَيَقُولُونَ: تعهدت ضيعتي وَلَا يَقُولُونَ تعاهدت. لِأَن التعاهد لَا يكون إِلَّا من اثْنَيْنِ، والعهد من الْمَطَر. (92 / أ) [ولي قد مضى قبله وَسمي لِأَنَّهُ أول مَا عهد الأَرْض] .
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعَهْد فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْوَصِيَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} ، وَفِي يس: {ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم} .
وَالثَّانِي: الْأمان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم} .

(1/447)


وَالثَّالِث: الْوَفَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} .
وَالرَّابِع: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَم: {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} ، أَي: وَحده بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله.
وَالْخَامِس: الْيَمين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم} ، قَالَه: ابْن قُتَيْبَة، وَقَالَ غَيره: هُوَ من المعاهدة على فعل الشَّيْء.
وَالسَّادِس: الْوَحْي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا بَيْتِي} ، أَي: أَوْحَينَا. قَالَه: الْحسن. وألحقه بَعضهم بالقسم الأول، ومعناهما مُتَقَارب.
وَالسَّابِع: النُّبُوَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} .
(216 - بَاب الْعَذَاب}
الْعَذَاب: اسْم لما اسْتمرّ ألمه. وَيُقَال: مَاء عذب: إِذا اسْتمرّ سائغا

(1/448)


للشراب. وأعذب الْقَوْم: إِذا شربوا مَاء عذبا. وَالَّذِي يطْلب لَهُم المَاء العذب معذب وَقد عذب المَاء عذوبة، واستعذب الْقَوْم مَاءَهُمْ. وعذبة السَّوْط: طرفه. وعذبة الْمِيزَان: الْخَيط الَّذِي يرفع بِهِ. والعذيب: مَاء لتميم. وعاذب: مَكَان قَالَ ابْن فَارس: وأصل الْعَذَاب فِي كَلَام الْعَرَب: الضَّرْب.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعَذَاب فِي الْقُرْآن على عشرَة أوجه: -
أَحدهَا: الْحَد (93 / أ) فِي الزِّنَى. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} ، وَفِي النُّور: {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} ، وفيهَا: {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب} .
وَالثَّانِي: المسخ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {وأخذنا الَّذين ظلمُوا بِعَذَاب بئيس} ، أَرَادَ: مسخهم قرودا وَخَنَازِير.
وَالثَّالِث: هَلَاك المَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي نون والقلم: {كَذَلِك الْعَذَاب} .

(1/449)


وَالرَّابِع: الْغَرق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي نوح] : {إِنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه أَن أنذر قَوْمك من قبل أَن يَأْتِيهم عَذَاب أَلِيم} .
وَالْخَامِس: الْقَذْف والخسف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم وَمن تَحت أَرْجُلكُم أَو يلْبِسكُمْ} .
وَالسَّادِس: الْجُوع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمُؤمنِينَ {حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ} ، وفيهَا: {حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد} ، وَفِي الدُّخان: {رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ} .
وَالسَّابِع: الْقَتْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَشْر: {وَلَوْلَا أَن كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء لعذبهم فِي الدُّنْيَا} ، وَفِي سَجْدَة لُقْمَان: {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} ، وَقيل هُوَ الْقَتْل ببدر.
وَالثَّامِن: الضَّرْب المؤلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يس: {لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عَذَاب أَلِيم} .
وَالتَّاسِع: نتف الريش. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّمْل: (لأعذبنه

(1/450)


عذَابا شَدِيدا} .
والعاشر: تَعب الْخدمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سبأ: {فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين} .
(217 - بَاب الْعلم)

الْعلم: خَاصَّة من خَواص النَّفس. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي حَده، فَقَالَ قوم: الْعلم (93 / ب) معرفَة الْمَعْلُوم. وأكد قوم هَذَا الْحَد بِأَن قَالُوا على مَا هُوَ بِهِ وَهُوَ حَشْو فِي الْحَد. لِأَن الْمعرفَة لَا تحصل للعارف إِلَّا إِذا تعلّقت بالمعلوم على مَا هُوَ بِهِ.
وَحده آخَرُونَ فَقَالُوا: (اعْتِقَاد الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ. وَحده آخَرُونَ فَقَالُوا:) الاحاطة بالمعلوم على مَا هُوَ بِهِ. وَحده آخَرُونَ فَقَالُوا: قَضَاء جازم فِي النَّفس. وَالْأول أشهر فِي الصِّحَّة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعلم فِي الْقُرْآن على أحد عشر وَجها: -
أَحدهَا: الْعلم نَفسه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: (يعلم مَا يسرون

(1/451)


وَمَا يعلنون إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور) {وَمثله} (وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} ، وَهُوَ عَامَّة مَا فِي الْقُرْآن.
وَالثَّانِي: الرُّؤْيَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} وَفِي بَرَاءَة: {أم حسبتم أَن تتركوا وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم} ، وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ} .
وَالثَّالِث: الْإِذْن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {فاعلموا أَنما أنزل بِعلم الله} .
وَالرَّابِع: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَلَئِن اتبعت أهواءهم} {من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} .
وَالْخَامِس: الْكتاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {قل هَل عنْدكُمْ من علم فتخرجوه لنا} .
وَالسَّادِس: الرَّسُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم}
وَالسَّابِع: الْفِقْه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْأَنْبِيَاء] : {ولوطا آتيناه حكما وعلما} {وفيهَا} (ففهمناها سُلَيْمَان وكلا آتَيْنَا حكما وعلما} ) .

(1/452)


وَالثَّامِن: الْعقل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم وَيْلكُمْ ثَوَاب الله (94 / أ} خير} .
وَالتَّاسِع: التَّمْيِيز. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وليعلم الْمُؤمنِينَ} {وليعلم الَّذين نافقوا} .
والعاشر: الْفضل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي} .
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ لفضل عِنْدِي. ويروى أَنه كَانَ أَقرَأ بني إِسْرَائِيل للتوراة الْعلم.
وَالْحَادِي عشر: مَا يعده أربابه علما وان لم يكن كَذَلِك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم الْمُؤمن: (فرحوا بِمَا عِنْدهم من

(1/453)