نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (" كتاب الْفَاء ")
وَهُوَ اثْنَا عشر بَابا: -
(أَبْوَاب الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة)
(222 - بَاب الْفرْقَان)
الْفرْقَان: فعلان من التَّفْرِيق. وَالْفرق: الفلق من
الشَّيْء إِذا انْفَلق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فانفلق
فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} .
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفرْقَان فِي الْقُرْآن على
ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: النَّصْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{وَإِذ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَالْفرْقَان} ، وَفِي
الْأَنْفَال: {وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان} .
وَالثَّانِي: الْمخْرج فِي الدّين من الضلال والشبهة. وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى
(1/459)
(95 / ب) فِي الْبَقَرَة: {وبينات من
الْهدى وَالْفرْقَان} ، وَفِي آل عمرَان: {وَأنزل الْفرْقَان}
، وَفِي الْأَنْفَال: {إِن تتقوا الله يَجْعَل لكم فرقانا} .
وَالثَّالِث: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {تبَارك
الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده} .
(223 - بَاب الْفَصْل)
الْفَصْل: الْقطع. يُقَال فصلت الْخِرْقَة (من الثَّوْب)
أفصلها. والفيصل: الْحَاكِم. والفصيل: ولد النَّاقة إِذا افتصل
عَن أمه. والمفصل: للعظم. وَأَيْضًا الْمفصل: اللِّسَان.
والفصيلة عشيرة الرجل الَّتِي تؤويه. وَفِي الحَدِيث: (من
أنْفق نَفَقَة فاصلة فَلهُ من الْأجر كَذَا) .
وَهِي الَّتِي تفصل بَين إيمَانه وكفره.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة وَيُقَال: فصلت الصَّبِي عَن أمه، إِذا
فَطَمته. وَمِنْه
(1/460)
قيل للحوار إِذا قطع عَن الرَّضَاع. فصيل،
لِأَنَّهُ فصل عَن أمه. وأصل الْفَصْل: التَّفْرِيق.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفَصْل فِي الْقُرْآن على
ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الْقَضَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الدُّخان:
{إِن يَوْم الْفَصْل ميقاتهم أَجْمَعِينَ} ، وَفِي النبأ {إِن
يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتا} .
وَالثَّانِي: الْفِطَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {فَإِن أَرَادَا فصالا (عَن ترَاض} ) ، وَفِي
الْأَحْقَاف: {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} .
وَالثَّالِث: الْخُرُوج. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي
الْبَقَرَة) : {فَلَمَّا فصل طالوت بالجنود} ، وَفِي يُوسُف:
{وَلما فصلت العير} ، أَي: خرجت [العير] من مصر.
(224 - بَاب الْفَتْح)
الْفَتْح: ضد الاغلاق. وَالْفَتْح: النَّصْر، لِأَنَّهُ يفتح
بَابا مغلقا.
(1/461)
وَالْفَتْح: الْقَضَاء، لِأَنَّهُ فتح مَا
أشكل من الْأُمُور. والفتاح: الْحَاكِم والفتاحة: الحكم. قَالَ
أَعْرَابِي لآخر نازعه: بيني وَبَيْنك الفتاح.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن (96 / أ) الْفَتْح فِي الْقُرْآن
على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْفَتْح الَّذِي هُوَ ضد الاغلاق (وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الزمر: {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا}
.
وَالثَّانِي: الْقَضَاء) . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا
بِالْحَقِّ} ، وَفِي سبأ: {قل يجمع بَيْننَا رَبنَا ثمَّ يفتح
بَيْننَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الفتاح الْعَلِيم} ، وَفِي
السَّجْدَة: {قل يَوْم الْفَتْح لَا ينفع الَّذين كفرُوا
إِيمَانهم (وَلَا هم ينظرُونَ} )
. وَفِي الْفَتْح: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} .
وَالثَّالِث: الارسال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْبِيَاء: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج} ،
وَفِي الْمُؤمنِينَ: (حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا
(1/462)
عَذَاب شَدِيد} ، وَفِي فاطر: {مَا يفتح
الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا} .
وَالرَّابِع: النَّصْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
النِّسَاء: {فَإِن كَانَ لكم فتح من الله} ، وَفِي
الْمَائِدَة: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح (أَو أَمر
من عِنْده} } ، وَفِي الصَّفّ: {وَفتح قريب} .
(225 - بَاب الْفِرَار)
الأَصْل فِي الْفِرَار: أَنه الْهَرَب. والمفر: الْمَكَان
الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الفار. والفر: الْقَوْم الفارون.
وفررت عَن الْأَمر، إِذا تجنبت. وافتر الرجل ضَاحِكا، إِذا
أبدى أَسْنَانه. وَيَقُولُونَ: الْجواد عينه فرارة، أَي:
يُغْنِيك منظره عَن مخبره.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفِرَار فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْهَرَب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء:
{فَرَرْت مِنْكُم لما خفتكم} ، وَفِي الْأَحْزَاب: (قل لن
ينفعكم الْفِرَار إِن فررتم (من
(1/463)
الْمَوْت أَو الْقَتْل) } .
وَالثَّانِي: الْكَرَاهَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْجُمُعَة: {قل إِن الْمَوْت الَّذِي تفرون مِنْهُ فَإِنَّهُ
ملاقيكم} .
وَالثَّالِث: الِالْتِفَات. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي عبس:
{يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} ، أَي: لَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
وَالرَّابِع: (96 / ب) التباعد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
سُورَة نوح: {فَلم يزدهم دعائي إِلَّا فِرَارًا}
وَألْحق مقَاتل وَجها خَامِسًا، فَقَالَ: الْفِرَار:
التَّوْبَة.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الذاريات] : {فَفرُّوا إِلَى
الله [إِنِّي لكم مِنْهُ نَذِير مُبين} .
(226 - بَاب الْفسق)
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْفسق فِي اللُّغَة: الْخُرُوج عَن
الشَّيْء. قَالَ الْفراء: وَمِنْه يُقَال: فسقت الرّطبَة إِذا
خرجت من قشرها.
وَحكى ابْن فَارس: عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفويسقة:
الْفَأْرَة.
قَالَ: وَلم يسمع فِي كَلَام الْجَاهِلِيَّة فِي شعر وَلَا فِي
كَلَام: فَاسق.
(1/464)
قَالَ: وَهَذَا عجب هُوَ كَلَام عَرَبِيّ
وَلم يَأْتِ فِي شعر جاهلي.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْفسق فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْكفْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى سَجْدَة لُقْمَان:
{أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} ،
وفيهَا: {وَأما الَّذين فسقوا فمأواهم النَّار} .
وَالثَّانِي: الْمعْصِيَة من غير شرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي الْمَائِدَة: {فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم
الْفَاسِقين} ، يُرِيد الْمُخَالفين فِي دُخُول قَرْيَة
الجبارين. وفيهَا: {فَلَا تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين} .
وَالثَّالِث: الْكَذِب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور:
{وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم
الْفَاسِقُونَ} ، وَفِي الحجرات: {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا} .
وَالرَّابِع: السب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{فَلَا رفث وَلَا فسوق} وَقد ألحق بَعضهم وَجها خَامِسًا،
فَقَالَ: وَالْفِسْق: مُخَالفَة أَمر الرَّسُول صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي التَّوْبَة: {إِن
الْمُنَافِقين هم الْفَاسِقُونَ} .
(1/465)
(227 - بَاب الْفَوَاحِش)
الْفَوَاحِش: جمع فَاحِشَة. وَهِي مَا قبحت فِي النَّفس.
وَيُقَال: فَاحِشَة وفحشاء. وأفحش الرجل: قَالَ الْفُحْش، (97
/ أ) . وَهُوَ فحاش وفاحش. وَفِي الحَدِيث: " إِن الله يبغض
الْفَاحِش الْبَذِيء ". وكل شَيْء جَاوز قدره فَهُوَ: فَاحش.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفَوَاحِش فِي الْقُرْآن على
أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْمعْصِيَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا
آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر
بالفحشاء} ، وَفِي النَّجْم: {الَّذين يجتنبون كَبَائِر
الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} .
وَالثَّانِي: الزِّنَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم} ،
وَفِي سُورَة النِّسَاء: {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من
نِسَائِكُم} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي
الْفَوَاحِش} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {من يَأْتِ مِنْكُن
بِفَاحِشَة مبينَة} .
(1/466)
وَالثَّالِث: اللواط. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي العنكبوت: {إِنَّكُم لتأتون الْفَاحِشَة} .
وَالرَّابِع: نشوز الْمَرْأَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
سُورَة النِّسَاء: {وَلَا تضاروهن [لتذهبوا بِبَعْض مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ] } إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} ،
وَفِي الطَّلَاق: [ {وَلَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ] وَلَا
يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} .
" أَبْوَاب مَا فَوق الْأَرْبَعَة ")
(228 - بَاب الْفَرْض)
الْفَرْض فِي اللُّغَة: الحز فِي الشَّيْء. يُقَال فرضت
الْخَشَبَة. والحز فِي سية الْقوس، حَيْثُ يَقع الْوتر: فرض.
والفرضة: المشرعة فِي النَّهر. وَسمي مَا فَرْضه الله تَعَالَى
فرضا، لِأَن [لَهُ] معالم وحدودا.
وَأما الْفَرْض فِي الشَّرِيعَة: فَاخْتلف الْفُقَهَاء هَل
يزِيد على الْوَاجِب أم لَا فَروِيَ عَن الإِمَام أبي عبد الله
أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ: انهما اسمان بِمَعْنى
وَاحِد. كَمَا يُقَال: ندب ومستحب. وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهُمَا
اسمان لمعنيين. فالفرض أَكثر من الْوَاجِب. (97 / ب) وأختلف
أَصْحَابنَا فِي هَذَا التَّأْكِيد مَا مَعْنَاهُ، فَقَالَ
بَعضهم: مَعْنَاهُ أَنه لَا
(1/467)
يسامح الْإِنْسَان فِي تَركه عمدا وَلَا
سَهوا. كأركان الصَّلَاة وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ أَنه ثَبت
بطرِيق مَقْطُوع بِهِ. كالقرآن وأخبار التَّوَاتُر والاجماع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفَرْض فِي الْقُرْآن على خَمْسَة
أوجه: -
أَحدهَا: الْإِلْزَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} ، وفيهَا: {فَنصف مَا
فرضتم} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم
فِي أَزوَاجهم} .
وَالثَّانِي: الاحلال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَحْزَاب: {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله
لَهُ} .
وَالثَّالِث: الْبَيَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النُّور: {سُورَة أنزلناها وفرضناها} ، وَفِي التَّحْرِيم: {قد
فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} .
وَالرَّابِع: الْإِنْزَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْقَصَص: {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى
معاد} .
وَالْخَامِس: الْقِسْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النِّسَاء: (فَرِيضَة
(1/468)
من الله} ، وَفِي بَرَاءَة فِي آيَة
الزَّكَاة: {فَرِيضَة من الله} ، أَي: قسْمَة، وَقيل: انه من
الْفَرْض الَّذِي هُوَ قرين الْوُجُوب.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَيجوز أَن تكون هَذِه الْأَقْسَام
كلهَا من الْإِلْزَام والإيجاب.
(229 - بَاب الْفساد)
الْفساد: مصدر قَوْلك فسد الشَّيْء يفْسد فَسَادًا وفسودا،
فَهُوَ فَاسد وفسيد. وَالْفساد: تغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من
الصّلاح. وَقد يُقَال فِي الشَّيْء مَعَ قيام ذَاته. وَيُقَال
فِيهِ مَعَ انتقاضها. وَيُقَال فِيهِ إِذا بَطل وَزَالَ.
وَيذكر (98 / أ) الْفساد فِي الدّين كَمَا يذكر فِي الذَّات.
فَتَارَة يكون بالعصيان، وَتارَة بالْكفْر. وَمن الْعِبَادَات
مَا يلْزم الْمُضِيّ فِي فاسدها، كَالْحَجِّ وَالْعمْرَة.
وَمِنْهَا لَا يمْضِي فِي (فاسده كَالصَّلَاةِ. وَيُقَال فِي
الْعُقُود إِنَّهَا فَاسِدَة) ، إِذا لم تستوف شُرُوطهَا
الشَّرْعِيَّة. وَفِي الشَّهَادَة، إِذا لم يجب الحكم بهَا.
وَفِي الدعاوي إِذا لم تسمع، وَيلْزم الْجَواب [عَنْهَا] .
وَفِي الْأَقْوَال، إِذا كَانَت غير منتظمة. وَفِي الْأَفْعَال
(1/469)
إِذا لم يعْتد بهَا.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفساد فِي الْقُرْآن على سَبْعَة
أوجه: -
أَحدهَا: الْمعْصِيَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} .
وَالثَّانِي: الْهَلَاك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْبِيَاء: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
، وَفِي الْمُؤمنِينَ: {لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن
فِيهِنَّ} .
وَالثَّالِث: قحط الْمَطَر (وَقلة النَّبَات) . وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الرّوم: {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} .
وَالرَّابِع: الْقَتْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {أتذر مُوسَى وَقَومه ليفسدوا فِي الأَرْض} ،
أَرَادَ: ليقتلوا أهل مصر. وَفِي الْكَهْف: {إِن يَأْجُوج
وَمَأْجُوج مفسدون فِي الأَرْض} ، أَي: بقتل النَّاس. وَفِي حم
الْمُؤمن: {أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} .
(1/470)
وَالْخَامِس: الخراب. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا} ،
وَفِي النَّمْل: {إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها} .
وَالسَّادِس: الْكفْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {أولو
بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض} .
وَالسَّابِع: السحر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {إِن
الله لَا يصلح عمل المفسدين} .
(230 - بَاب الْفضل (98 / ب))
الْفضل: فِي الأَصْل: الزِّيَادَة. ويستعار فِي مَوَاضِع تدل
عَلَيْهَا الْقَرِينَة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْفضل فِي الْقُرْآن على
ثَمَانِيَة أوجه: -
أَحدهَا: الإنعام بِالْإِسْلَامِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
آل عمرَان: {قل إِن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء} ، (وَفِي
سُورَة يُونُس: {قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} ،
وَفِي الْجُمُعَة: (ذَلِك
(1/471)
فضل الله يؤتيه من يَشَاء} .
وَالثَّانِي: الإنعام بِالنُّبُوَّةِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي سُورَة النِّسَاء: {وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما} ،
وَفِي بني إِسْرَائِيل: {إِن فَضله كَانَ عَلَيْك كَبِيرا} .
وَالثَّالِث: الرزق فِي الدُّنْيَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَئِن أَصَابَكُم فضل من الله} ،
وَفِي الْجُمُعَة: {وابتغوا من فضل الله} ، وَفِي فاطر:
{لتبتغوا من فَضله} .
وَالرَّابِع: الرزق فِي الْجنَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
آل عمرَان: {يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل} ، وَفِي سُورَة
النِّسَاء: {فسيدخلهم فِي رَحْمَة مِنْهُ وَفضل} .
وَالْخَامِس: الْجنَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَحْزَاب: {وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا
كَبِيرا} .
وَالسَّادِس: الْمِنَّة وَالنعْمَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته
لاتبعتم الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلا} ، وَفِي يُوسُف: {ذَلِك
من فضل الله علينا وعَلى النَّاس} ، وَفِي النُّور: {وَلَوْلَا
فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} ، وفيهَا: {وَلَا يَأْتَلِ أولو
الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} .
(1/472)
وَالسَّابِع: الْحلف. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ
وفضلا} .
وَالثَّامِن: التجاوز. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {إِن الله لذُو فضل على النَّاس} ، وَمثلهَا فِي
يُونُس.
(231 - بَاب فَوق)
الأَصْل فِي فَوق: أَنه (ظرف من) ظروف الْمَكَان. ويقابله:
التحت. ويستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهِ الْقَرِينَة.
فَيُقَال: فِي الرُّتْبَة، والمنزلة، والصغر، وَالْكبر،
وَنَحْو ذَلِك. وَيُقَال: فاق فلَان أَصْحَابه يفوقهم، إِذا
علاهم. وفواق النَّاقة: رُجُوع اللَّبن فِي ضرْعهَا بعد
الْحَلب. يُقَال: مَا أَقَامَ فلَان إِلَّا فوَاق نَاقَة.
والأفاويق: مَا اجْتمع من المَاء فِي السَّحَاب.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن فَوق فِي الْقُرْآن على ثَمَانِيَة
أوجه: -
أَحدهَا: بِمَعْنى أكبر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {بعوضة فَمَا فَوْقهَا} .
(1/473)
وَالثَّانِي: بِمَعْنى أفضل. وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى فِي الْفَتْح: {يَد الله فَوق أَيْديهم} ، أى:
(يَد الله) أفضل من أَيْديهم.
وَالثَّالِث: بِمَعْنى أَكثر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
سُورَة النِّسَاء: {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ}
وَالرَّابِع: بِمَعْنى أرفع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وَالَّذين اتَّقوا فَوْقهم يَوْم الْقِيَامَة} ،
أَي: أرفع منزلَة.
وَالْخَامِس: بِمَعْنى " على ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {ورفعنا فَوْقكُم الطّور} ، وَفِي الْأَنْعَام:
{وَهُوَ القاهر فَوق عباده} ، فِيهَا: {وَرفع بَعْضكُم فَوق
بعض دَرَجَات} ، وَفِي الزمر: {لَهُم غرف من فَوْقهَا غرف} ،
وَفِي حم السَّجْدَة: {وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا} .
وَالسَّادِس: بِمَعْنى الْعُلُوّ فِي الْوَادي. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم} .
وَالسَّابِع: بِمَعْنى الظفر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: {وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة} ، أَي: فِي الظفر وَالثَّامِن: كَونهَا
صلَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْفَال: {فاضربوا (99
/ ب} فَوق الْأَعْنَاق} .
(1/474)
(232 - بَاب " فِي ")
" فِي " حرف مَوْضُوع فِي الأَصْل للظرفية. تَقول. زيد فِي
الدَّار. وَقد يستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَقَوْلهمْ: زيد فِي الْعلم. وَعَمْرو
فِي الشّغل. مستعار غير حَقِيقَة. وَقد يَتَّسِع فِيهَا حَتَّى
يُقَال: فِي يَد فلَان ضَيْعَة نفيسة. وَمن محَال أَن تكون
يَده وعَاء لما هُوَ أَكثر مِنْهَا. وَلَكِن هَذَا اتساع
كَأَنَّهُ بِشدَّة تمكنه من الضَّيْعَة. وَقُوَّة تصرفه فِيهَا
بِمَنْزِلَة الشَّيْء الَّذِي فِي يَده وَهَذَا كُله اتساع فِي
الْكَلَام. وَقد كثر فِيهِ وَأنس بِهِ.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن " فِي " الْقُرْآن على عشرَة أوجه:
-
أَحدهَا: وُقُوعهَا على أَصْلهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ} ، وفيهَا: {فِي
قُلُوبهم مرض} ، وفيهَا: {لَا بيع فِيهِ} ، وَفِي آل عمرَان:
{فِيهِ آيَات بَيِّنَات} .
وَهُوَ الْعَام بِالْقُرْآنِ.
(1/475)
وَالثَّانِي: بِمَعْنى " مَعَ ". وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَم
قد خلت من قبلكُمْ} ، وَفِي النَّمْل: {وأدخلني بِرَحْمَتك فِي
عِبَادك الصَّالِحين} ، وفيهَا: {فِي تسع آيَات إِلَى
فِرْعَوْن وَقَومه} ، وَفِي العنكبوت: {لندخلنهم فِي
الصَّالِحين} ، وَفِي الْأَحْقَاف: {أُولَئِكَ الَّذين حق
عَلَيْهِم القَوْل فِي أُمَم قد خلت من قبلهم} ] .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى " على ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْكَهْف: {على مَا أنْفق فِيهَا} ، وَفِي طه: {ولأصلبنكم فِي
جُذُوع النّخل}
وفيهَا: {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى " إِلَى ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
سُورَة النِّسَاء: {ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة فتهاجروا
فِيهَا} ، وَفِي إِبْرَاهِيم: {فَردُّوا أَيْديهم فِي
أَفْوَاههم} ، وَفِي نوح: {ثمَّ يعيدكم فِيهَا ويخرجكم (100 /
أ} إخراجا} .
وَالْخَامِس: بِمَعْنى " من ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
النَّحْل: {وَيَوْم نبعث فِي كل أمة شَهِيدا} ، وَفِي
النَّمْل: {الله الَّذِي يخرج الخبء فِي السَّمَوَات
وَالْأَرْض} .
وَالسَّادِس: بِمَعْنى عِنْد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
هود: (وَإِنَّا لنراك فِينَا
(1/476)
ضَعِيفا) {وفيهَا} (قد كنت فِينَا مرجوا
قبل هَذَا} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {وَلَبِثت فِينَا من عمرك
سِنِين} .
وَالسَّابِع: بِمَعْنى " الْبَاء ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي الْبَقَرَة: {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي
ظلل من الْغَمَام} ، وَفِي هود: {وَكَانَ فِي معزل} .
وَالثَّامِن: بِمَعْنى نَحْو. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي
الْبَقَرَة) : {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} .
وَالتَّاسِع: بِمَعْنى " عَن ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {أتجادلونني فِي أَسمَاء سميتموها أَنْتُم
وآباؤكم [مَا نزل الله بهَا من سُلْطَان} ] .
والعاشر: بِمَعْنى " اللَّام ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْحَج: {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} ، وَفِي العنكبوت:
{وَالَّذين جاهدوا فِينَا [لنهدينهم سبلنا} ] .
(233 - بَاب الْفِتْنَة)
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْفِتْنَة: الاختبار. يُقَال: فتنت
الذَّهَب فِي النَّار: إِذا أدخلته إِلَيْهَا لتعلم جودته من
رداءته.
(1/477)
وَقَالَ ابْن فَارس: [يُقَال] فتْنَة
وأفتنه. وَأنكر الْأَصْمَعِي أفتن. والفتان: الشَّيْطَان. وقلب
فاتن، أَي: مفتون. قَالَ الشَّاعِر:
(رخيم الْكَلَام قطيع الْقيام ... قد امسى فُؤَادِي بِهِ
فاتنا)
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْفِتْنَة فِي الْقُرْآن على
خَمْسَة عشر وَجها: -
أَحدهَا: الشّرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} ، وفيهَا: {والفتنة أَشد من
الْقَتْل} ، وَفِي الْأَنْفَال: {حَتَّى لَا تكون فتْنَة
وَيكون الدّين لله} ] .
وَالثَّانِي: الْكفْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان:
{فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ
ابْتِغَاء الْفِتْنَة} .
وَكَذَلِكَ كل فتْنَة مَذْكُورَة فِي حق الْمُنَافِقين
وَالْيَهُود. (100 / ب) .
وَالثَّالِث: الِابْتِلَاء والاختبار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي طه: [ {وَقتلت نفسا فنجيناك من الْغم وَفَتَنَّاك
فُتُونًا} ، وَفِي العنكبوت
(1/478)
{وهم لَا يفتنون} {وَلَقَد فتنا الَّذين من
قبلهم} .
وَالرَّابِع: الْعَذَاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
النَّحْل: {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا}
، وَفِي العنكبوت: {جعل فتْنَة النَّاس كعذاب الله} .
وَالْخَامِس: الاحراق بالنَّار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الذاريات: {يَوْم هم على النَّار يفتنون ذوقوا فتنتكم} ، وَفِي
البروج: {إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} .
وَالسَّادِس: الْقَتْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النِّسَاء: {إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} ،
وَفِي يُونُس: {على خوف من فِرْعَوْن وملئهم أَن يفتنهم} .
وَالسَّابِع: الصد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة:
{واحذرهم أَن يفتنوك} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {وَإِن كَادُوا
ليفتنوك} .
وَالثَّامِن: الضَّلَالَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْمَائِدَة: {وَمن يرد الله فتنته} ، وَفِي الصافات: {مَا
أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين} .
وَالتَّاسِع: المعذرة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي
الْأَنْعَام] : {ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا وَالله
رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} .
(1/479)
والعاشر: الْعبْرَة. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي يُونُس: {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم
الظَّالِمين} ، وَفِي الممتحنة: {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة
للَّذين كفرُوا} .
وَالْحَادِي عشر: الْجُنُون. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي نون
والقلم: {بأيكم الْمفْتُون} .
وَالثَّانِي عشر: الأثم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
بَرَاءَة: {أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} .
وَالثَّالِث عشر: الْعقُوبَة - وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
النُّور: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة}
.
وَالرَّابِع عشر: الْمَرَض. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
بَرَاءَة: {أَولا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو
مرَّتَيْنِ} . (101 / أ) .
وَالْخَامِس عشر: الْقَضَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك تضل بهَا من تشَاء وتهدي
من تشَاء} .
(1/480)
|