نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر " (كتاب الْكَاف ")
وَهُوَ تِسْعَة أَبْوَاب:
فِيهَا وَجْهَان وَخَمْسَة
(250 - بَاب الْكُرْسِيّ)
قَالَ الزّجاج: الْكُرْسِيّ فِي اللُّغَة: [هُوَ] الَّذِي يجلس
عَلَيْهِ والكرسي والكراسة: إِنَّمَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي قد
ثَبت وَلزِمَ بعضه بَعْضًا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْكُرْسِيّ فِي الْقُرْآن على
وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الْكُرْسِيّ الَّذِي يجلس عَلَيْهِ. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي ص: {وألقينا على كرسيه جسدا} .
وَالثَّانِي: الْعلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
(وسع كرسيه
(1/510)
السَّمَوَات وَالْأَرْض} ، أَي: علمه.
رَوَاهُ سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
(251 - بَاب " كلا ")
(قَالَ الْأَخْفَش وَابْن قُتَيْبَة) : معنى كلا الردع والزجر،
وَقَالَ السجسْتانِي تكون بِمَعْنى " لَا " أَي: لَا يكون
ذَلِك وَهُوَ رد للْأولِ، كَمَا قَالَ العجاج: (108 / ب) .
(قد طلبت شَيبَان أَن تصاكموا ... كلا، وَلما تَصْطَفِق مآتم)
وَذكر الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن:
-
أَحدهمَا: بِمَعْنى (لَا) . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
سُورَة مَرْيَم: {أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا. كلا} ، أَي:
لَيْسَ الْأَمر على مَا قَالَ. وفيهَا: {ليكونوا لَهُم عزا
كلا} ، وَفِي الْمُؤمنِينَ: (لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا
(1/511)
تركت كلا} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {فَأَخَاف
أَن يقتلُون. قَالَ كلا} {وفيهَا} (إِنَّا لمدركون. قَالَ كلا}
، وَفِي سبأ: {أروني الَّذين ألحقتم بِهِ شُرَكَاء كلا} ،
وَفِي سَأَلَ سَائل: {وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا ثمَّ ينجيه
كلا} {وفيهَا} (أيطمع كل امْرِئ مِنْهُم أَن يدْخل جنَّة نعيم
كلا} ، وَفِي المدثر: {ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد. كلا} {وفيهَا}
(أَن يُؤْتى صحفا منشرة. كلا} ، وَفِي الْقِيَامَة: {أَيْن
المفر. كلا} ، وَفِي المطففين: {قَالَ أساطير الْأَوَّلين كلا}
، وَفِي الْفجْر: {فَيَقُول رَبِّي أهانن كلا} ، وَفِي
الْهمزَة: {يحْسب أَن مَاله أخلده كلا} . فَهَذِهِ أَرْبَعَة
عشرَة وضعا يحسن الْوُقُوف عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: بِمَعْنى حَقًا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
المدثر: {كلا وَالْقَمَر} ، وفيهَا {كلا إِنَّه تذكرة} ، وَفِي
الْقِيَامَة: (كلا إِذا
(1/512)
بلغت التراقي) {وفيهَا} (كلا بل تحبون
العاجلة} ، وَفِي النبأ: {كلا سيعلمون ثمَّ كلا سيعلمون}
{وفيهَا} (كلا لما يقْض مَا أمره} ، وَفِي الانفطار: {كلا بل
تكذبون بِالدّينِ} ، وَفِي المطففين: كلا إِن كتاب الْأَبْرَار
لفي عليين} ، وفيهَا: {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} ،
وفيهَا: {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} ، وَفِي
الْفجْر: {كلا إِذا دكت الأَرْض دكا دكا} ، وَفِي اقْرَأ: {كلا
إِن الْإِنْسَان ليطْغى} ، وفيهَا: {كلا لَئِن لم ينْتَه} ،
(109 / أ) وفيهَا: {كلا لَا تطعه} ، وَفِي التكاثر: {كلا سَوف
تعلمُونَ ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ كلا لَو تعلمُونَ} .
فَهَذِهِ تِسْعَة عشر موضعا كلهَا لَا يحسن الْوَقْف عَلَيْهَا
على " كلا ". وَجُمْلَة مَا فِي الْوَجْهَيْنِ ثَلَاثَة
وَثَلَاثُونَ موضعا وَهِي جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن وَلَيْسَ
فِي النّصْف الأول مِنْهَا شَيْء.
(1/513)
وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي عَن ثَعْلَب: ان
" كلا " لَا يُوقف عَلَيْهَا فِي جَمِيع الْقُرْآن.
(252 - بَاب الْكتب)
الأَصْل فِي الْكتب: الْجمع. فَكَأَن الْكَاتِب هُوَ جَامع
الْحُرُوف.
يُقَال: كتبت البغلة، إِذا جمعت بَين شفريها بِحَلقَة.
والكتبة: الخرزة. والكتب: الخرز. وَالْمكَاتب: العَبْد يُكَاتب
على نَفسه بِشَيْء يُؤَدِّيه، فَإِذا أَدَّاهُ عتق.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْكتب فِي الْقُرْآن على خَمْسَة
أوجه: -
أَحدهَا: الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة:
{ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم} ، أَي:
أَمركُم بِدُخُولِهَا.
وَالثَّانِي: الْجعل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان:
{فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} ، وَفِي المجادلة: {أُولَئِكَ كتب
فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} .
وَالثَّالِث: الْقَضَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: (لبرز الَّذين
(1/514)
كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} ،
وَفِي بَرَاءَة: {لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا} ، وَفِي
الْحَج: {كتب عَلَيْهِ أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله} ، وَفِي
المجادلة: {كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي} .
وَالرَّابِع: الْفَرْض. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {كتب عَلَيْكُم الصّيام} {وفيهَا} (كتب عَلَيْكُم
الْقصاص) {وفيهَا} (كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت)
{وفيهَا} (كتب عَلَيْكُم الْقِتَال) {وفيهَا} (هَل عسيتم إِن
كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} ، وفيهَا: فَلَمَّا كتب عَلَيْهِم
الْقِتَال توَلّوا} . وَفِي سُورَة النِّسَاء: {رَبنَا لم كتبت
علينا الْقِتَال} ، (109 / ب) .
وَالْخَامِس: الْحِفْظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النِّسَاء: {وَالله يكْتب مَا يبيتُونَ} .
(253 - بَاب الْكفْر)
الْكفْر: التغطية والستر. وأنشدوا: -
فِي لَيْلَة كفر النُّجُوم غمامها.
قَالَ ابْن فَارس: وَالْكفْر - بِفَتْح الْكَاف مَا بعد من
الأَرْض عَن
(1/515)
النَّاس لَا يكَاد ينزله وَلَا يمر بِهِ
أحد. وَمن حل بِتِلْكَ الْمَوَاضِع فهم أهل الكفور. وَيُقَال:
الكفور: الْقرى.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْكفْر فِي الْقُرْآن على خَمْسَة
أوجه: -
أَحدهَا: الْكفْر بِالتَّوْحِيدِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم
لم تنذرهم} ، وَفِي الْحَج: {إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن
سَبِيل الله} . وَهُوَ الْأَعَمّ فِي الْقُرْآن.
وَالثَّانِي: كفران النِّعْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {واشكروا لي وَلَا تكفرون} ، وَفِي الشُّعَرَاء:
{وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين} ، وَفِي
النَّمْل: {أَأَشْكُرُ أم أكفر} .
وَالثَّالِث: التبري. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي العنكبوت:
{ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعْضكُم بِبَعْض} ، أَي: يتبرأ
بَعْضكُم من بعض. وَفِي الممتحنة: {كفرنا بكم} .
وَالرَّابِع: الْجُحُود. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ} .
(1/516)
وَالْخَامِس: التغطية. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي الْحَدِيد: -
{أعجب الْكفَّار نَبَاته} ، يُرِيد الزراع الَّذين يغطون
الْحبّ.
(" أَبْوَاب السِّتَّة ")
(254 - بَاب كَانَ)
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: كَانَ فعل مَاض فِي قَوْلك:
كَانَ يكون كونا فَهُوَ كَائِن. وَمَعْنَاهُ فِي الأَصْل وَقع
وَوجد. فَإِذا أُرِيد بهَا الذَّات كَانَت تَامَّة لَا تفْتَقر
إِلَى خبر. تَقول: من ذَلِك، (110 / أ) كَانَ اللَّيْل، أَي:
وَقع وَوجد. وأنشدوا مِنْهُ:
(إِذا كَانَ الشتَاء فأدفئوني ... فَإِن الشَّيْخ يهدمه
الشتَاء)
وَإِذا أُرِيد بهَا الْوَصْف كَانَت نَاقِصَة تحْتَاج إِلَى
خبر تَقول من ذَلِك كَانَ زيد قَائِما.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن كَانَ فِي الْقُرْآن على سِتَّة
أوجه: -
أَحدهَا: أَن تكون على أَصْلهَا إِمَّا تَامَّة وَإِمَّا
نَاقِصَة. وَمِنْه قَوْله
(1/517)
تَعَالَى فِي الْكَهْف: {وَكَانَ
وَرَاءَهُمْ ملك} ، وَفِي مَرْيَم: {إِنَّه كَانَ صَادِق
الْوَعْد}
وَالثَّانِي: أَن تكون صلَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
{وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} ، وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا أضيف
إِلَى الله تَعَالَى من الصِّفَات المقترنة بكان.
وَالثَّالِث: بِمَعْنى يَنْبَغِي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
آل عمرَان: {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم
والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله} ،
وَفِي سُورَة النِّسَاء: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل
مُؤمنا إِلَّا خطأ} ، وَفِي عسق: {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ
الله إِلَّا وَحيا} ، وَفِي النُّور: {مَا يكون لنا أَن نتكلم
بِهَذَا} .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى صَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر وَكَانَ من
الْكَافرين} ، وَفِي الْوَاقِعَة: {فَكَانَت هباء منبثا} ،
وَفِي المزمل: {وَكَانَت الْجبَال كثيبا مهيلا} ، وَفِي سَأَلَ
سَائل: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ وَتَكون الْجبَال
كالعهن} ، وَفِي عَم يتسألون: {وَفتحت السَّمَاء فَكَانَت
أبوابا} .
وَالْخَامِس: بِمَعْنى هُوَ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
مَرْيَم: (كَيفَ نُكَلِّم
(1/518)
من كَانَ فِي المهد صَبيا} .
وَالسَّادِس: بِمَعْنى وجد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} .
(255 - بَاب الْكَبِير)
الْكَبِير: من بَاب المتضايفات لَا حد لَهُ فِي نَفسه
وَإِنَّمَا يعرف بِالْإِضَافَة إِلَى غَيره (110 / ب) وَيُقَال
فِي الْجِسْم كَبِير، إِذا كَانَ ضخما. وَفِي السن، إِذا
(كَانَ) عَالِيا. وَفِي النّسَب: إِذا كَانَ شريفا.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْكَبِير فِي الْقُرْآن على سِتَّة
أوجه: -
أَحدهَا: الْعَظِيم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النِّسَاء: {إِنَّه كَانَ حوبا كَبِيرا} {وفيهَا} (إِن الله
كَانَ عليا كَبِيرا} ، وَفِي الرَّعْد: {الْكَبِير المتعال} ،
فِي العنكبوت: {وَلذكر الله أكبر} .
وَالثَّانِي: الشَّديد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني
إِسْرَائِيل: (فَمَا يزيدهم
(1/519)
إِلَّا طغيانا كَبِيرا} ، وَفِي
الْفرْقَان: {وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا} {وفيهَا} (وَمن يظلم
مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا} .
وَالثَّالِث: الثقيل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{وَإِنَّهَا لكبيرة} ، وَفِي الْأَنْعَام: {وَإِن كَانَ كبر
عَلَيْك إعراضهم} ، وَفِي يُونُس: {إِن كَانَ كبر عَلَيْكُم
مقَامي} .
وَالرَّابِع: الْكثير. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وَلَا تسئموا أَن تكتبوه صَغِيرا أَو كَبِيرا
إِلَى أَجله} ، وَفِي بَرَاءَة: {وَلَا يُنْفقُونَ نَفَقَة
صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة} .
وَالْخَامِس: العالي فِي السن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْبَقَرَة: {وأصابه الْكبر} ، وَفِي يُوسُف: {إِن لَهُ أَبَا
شَيخا كَبِيرا} ، وَفِي الْقَصَص: {وأبونا شيخ كَبِير} .
وَالسَّادِس: العالي فِي الْعلم والرأي. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي يُوسُف: {وَقَالَ كَبِيرهمْ (ألم تعلمُوا} } ،
أَي: كَبِيرهمْ فِي الرَّأْي وَالْعلم وَلم يكن أكبرهم فِي
السن. وَفِي طه: {إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر} .
(1/520)
(256 - بَاب الْكَرِيم)
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْكَرِيم: الشريف الْفَاضِل. وَيُقَال
الْكَرِيم وَيُرَاد بِهِ: الصفوح. وَيُقَال الْكَرِيم وَيُرَاد
بِهِ: الْحسن. وَأَصله كُله الشّرف.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْكَرِيم فِي الْقُرْآن على سِتَّة
أوجه: -
أَحدهَا: الْفَاضِل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني
إِسْرَائِيل: (111 / أ) . {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ}
أَي: فضلت عَليّ وفيهَا: {وَلَقَد كرمنا بني آدم} ، وَفِي
الْمُؤمنِينَ: {رب الْعَرْش الْكَرِيم} ، وَفِي النَّمْل:
{إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم} ، وَفِي الحجرات: {إِن
أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} ، وَفِي الحاقة: {إِنَّه
لقَوْل رَسُول كريم} ، وَفِي الْفجْر: {فَأكْرمه ونعمه
فَيَقُول رَبِّي أكرمن} .
(1/521)
وَالثَّانِي: الْحسن. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي النِّسَاء: {وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} ،
وَفِي بني إِسْرَائِيل: {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} ، وَفِي
الشُّعَرَاء: {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} .
وَالثَّالِث: الصفوح: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّمْل:
{فَإِن رَبِّي غَنِي كريم} ، وَفِي الانفطار: {مَا غَرَّك
بِرَبِّك الْكَرِيم} .
وَالرَّابِع: الْكثير. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْفَال: {لَهُم مغْفرَة ورزق كريم} ، أَي كثير. قَالَه
ابْن قُتَيْبَة.
وَالْخَامِس: المتكبر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
الدُّخان: {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} .
وَالسَّادِس: التقي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كراما كاتبين}
، وَمثله: {كرام بررة} ، وَلَو ألحق هَذَا الْقسم بِالْأولِ
كَانَ حسنا.
(" أَبْوَاب مَا فَوق السِّتَّة ")
(257 - بَاب الْكَلِمَات)
الْكَلِمَات: جمع كلمة. والكلمات يُقَال لما يحصره الْعدَد
وَهُوَ إِلَى الْقَلِيل أقرب وَالْجمع كلم وَكَلَام. (والكلم:
الْجرْح. وَالْجمع:
(1/522)
كلوم. وَكَلَام) ، وَقوم كلمى، أَي: جرحى.
وَرجل كليم، أَي: جريح. وَقيل: إِنَّمَا سمي الْكَلَام كلَاما،
لِأَنَّهُ يشق الاسماع بوصوله إِلَيْهَا. كَمَا يشق الْكَلم
الَّذِي هُوَ الْجرْح الْجلد وَاللَّحم. وَقيل: سمي كلَاما،
لتتشقيقه الْمعَانِي الْمَطْلُوبَة من أَنْوَاع الْخطاب
وأقسامه. وَحَقِيقَة الْكَلَام حُرُوف وأصوات مفيدة. قَالَ عمر
بن الْقَاسِم الثمانيني: وَالْكَلَام عِنْد أهل اللُّغَة: يَقع
على الْمُفِيد، وَغير الْمُفِيد. وَأما عِنْد النَّحْوِيين
(111 / ب) فَلَا يطلقونه إِلَّا على الْمُفِيد. فَإِن أوقعوه
على غير الْمُفِيد قيدوه بِصفة، فَقَالُوا: (كَلَام مهمل) ،
وَكَلَام مَتْرُوك، وَكَلَام غير مُسْتَعْمل، وَكَلَام غير
مُفِيد. والكلمة: عِنْد أهل اللُّغَة تقع على الْقَلِيل
وَالْكثير وَيدل على ذَلِك قَوْلهم: قَالَ فلَان فِي كَلمته.
يُرِيدُونَ فِي قصيدته، أَو رسَالَته، أَو خطبَته. وكل وَاحِد
من (هَذِه) يشْتَمل على كَلَام طَوِيل وجمل كَثِيرَة. قَالَ:
وَذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وتمت كلمة رَبك
الْحسنى على بني إِسْرَائِيل} ، أَن تَفْسِير هَذِه
الْكَلِمَة، قَوْله: {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي
الأَرْض} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يحذرون} . قَالَ: فَأَما
الْكَلِمَة فِي مدارس النَّحْوِيين. فَهِيَ عبارَة عَن اسْم
فَقَط، أَو فعل فَقَط، أَو حرف فَقَط.
(1/523)
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْكَلِمَات
فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه:
أَحدهَا: الْكَلِمَات الْعشْر اللواتي ابتلى الله تَعَالَى
بِهن إِبْرَاهِيم وَهن خمس فِي الرَّأْس: وَخمْس فِي الْجَسَد.
فَأَما (اللواتي) فِي الرَّأْس فَالْفرق والمضمضة
وَالِاسْتِنْشَاق وقص الشَّارِب والسواك. واللواتي فِي
الْجَسَد تقليم الأظافر وَحلق الْعَانَة ونتف الابط والاستطابة
بِالْمَاءِ والختان. رَوَاهُ طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس. وَهُوَ
معنى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه
بِكَلِمَات} .
وَالثَّانِي: الْكَلِمَات الَّتِي تلقاها آدم (من ربه) . وَهِي
قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر
لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} .
وَالثَّالِث: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَعْرَاف: {يُؤمن بِاللَّه وكلماته} .
وَالرَّابِع: علم الله وعجائبه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْكَهْف: {قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي} ، وَفِي لُقْمَان:
(مَا نفدت كَلِمَات
(1/524)
الله} ، وَقيل (فِي) هَذَا الْوَجْه:
إِنَّه على ظَاهره (112 / أ) لِأَن كَلَام الله لَا ينْفد.
وَالْخَامِس: (الدّين) . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
(الْأَنْعَام) : {لَا مبدل لكلماته وَهُوَ السَّمِيع
الْعَلِيم} .
وَالسَّادِس: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
فِي بَرَاءَة: {وَكلمَة الله هِيَ الْعليا} .
وَالسَّابِع: قَوْله: " كن ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
سُورَة النِّسَاء: {إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم
رَسُول الله وكلمته} .
(258 - بَاب الْكتاب)
الْكتاب: اسْم لكَلَام مَجْمُوع فِي صك. وَالْأَصْل فِيهِ:
الْجمع. وَمِنْه سميت الكتيبة لاجتماعها. قَالَ ابْن
قُتَيْبَة. وَيُقَال: لفعل الْكَاتِب: كتاب. وَيُقَال: كتب
كتابا، وَقَامَ قيَاما، وَصَامَ صياما. وَقد يُسمى الشَّيْء
بِفعل الْفَاعِل وَيُقَال: هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير،
وَإِنَّمَا هُوَ مَضْرُوب الْأَمِير. وَيُقَال: هَؤُلَاءِ خلق
الله، وَإِنَّمَا هم مخلوقو الله.
(1/525)
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْكتاب فِي
الْقُرْآن على أحد عشر وَجها:
أَحدهَا: اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي
الْأَنْعَام: {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين}
، وفيهَا: {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} وَفِي الْحَدِيد:
{مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا
فِي كتاب} .
وَالثَّانِي: الْكِتَابَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: {ويعلمه الْكتاب وَالْحكمَة} .
وَالثَّالِث: الْحساب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الجاثية:
{كل أمة تدعى إِلَى كتابها} .
وَالرَّابِع: الْعدة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:
{حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله} .
وَالْخَامِس: الْعَمَل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المطففين:
{إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} ، وفيهَا: {إِن كتاب
الْأَبْرَار لفي عليين} ، وَقيل: أَرَادَ الْكتاب الَّذِي
فِيهِ أَعْمَالهم.
(1/526)
وَالسَّادِس: الْوَقْت. وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى فِي آل عمرَان: {كتابا مُؤَجّلا} ، وَفِي الْحجر:
{إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} .
وَالسَّابِع: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (112 / ب)
فِي ص: {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك} ، وَفِي حم
السَّجْدَة: {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز} .
وَالثَّامِن: التَّوْرَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل
عمرَان: {يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم} ، وَفِي
الْمَائِدَة: {قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين} .
وَالتَّاسِع: الانجيل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان:
{يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا
وَبَيْنكُم} .
والعاشر: الْفَرْض. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
النِّسَاء: {كتاب الله عَلَيْكُم} .
وَالْحَادِي عشر: الْعلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرّوم:
{لقد لبثتم فِي كتاب الله إِلَى يَوْم الْبَعْث} .
(1/527)
|