نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

" كتاب اللَّام ")

وَهُوَ سَبْعَة أَبْوَاب:
( [أَبْوَاب الثَّلَاثَة] )

(259 - بَاب اللبَاس)

اللبَاس: اسْم لما يحصل بِهِ الاستتار من ثوب أَو غَيره وَمِمَّا يكون على بدن الْإِنْسَان. يُقَال: لبست الثَّوْب ألبسهُ. وكل ملبوس من الثِّيَاب أَو درع فَهُوَ: لبوس، فَأَما اللّبْس - بِفَتْح اللَّام - فَهُوَ: اخْتِلَاط الْأَمر. يُقَال: لبست عَلَيْهِ الْأَمر - بِفَتْح الْبَاء - ألبسهُ - بِكَسْرِهَا -، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} ، وَيُقَال: فِي الْأَمر لبس، إِذا لم يكن وَاضحا.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن اللبَاس فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: اللبَاس الْمَعْرُوف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: (لباسا

(1/528)


يواري سوءاتكم} ، وَفِي الْحَج: {ولباسهم فِيهَا حَرِير} ، وَفِي الدُّخان: {يلبسُونَ من سندس} .
وَالثَّانِي: السكن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} ، وَفِي عَم يتساءلون: {وَجَعَلنَا اللَّيْل لباسا} .
وَالثَّالِث: الْعَمَل الصَّالح. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} .
(260 - بَاب لَعَلَّ)

قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: وللعل (113 / أ) أَرْبَعَة مَعَاني:
أَحدهَا: بِمَعْنى " كي ". تَقول الْعَرَب للرجل: أَتَيْنَا لَعَلَّنَا نكرمك. وأنشدوا من ذَلِك:
(وقلتم لنا كفوا الحروب لَعَلَّنَا ... نكف ووثقتم لنا كل موثق)

(1/529)


(فَلَمَّا كففنا الْحَرْب كَانَت عهودكم ... كَلمعِ سراب فِي الملا متألق)

وَالثَّانِي: بِمَعْنى الظَّن. كَقَوْل الْقَائِل:
لعَلي سأحج الْعَام، مَعْنَاهُ أظنني سأحج.
وَالثَّالِث: بِمَعْنى عَسى. كَقَوْلِهِم: لَعَلَّ عبد الله أَن يقوم.
وَالرَّابِع: بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام. كَقَوْل الرجل للرجل: لَعَلَّك تَشْتمنِي فأعاقبك. وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن لَعَلَّ فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: بِمَعْنى " كي ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الترجي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي طه: {لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} ، أَي: على رجائكما. وَفِي الطَّلَاق: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى كَأَن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي سُورَة الشُّعَرَاء] : {وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون} ، [أَي: كَأَنَّهُمْ يخلدُونَ] .

(1/530)


(261 - بَاب اللَّغْو)

اللَّغْو: فِي الأَصْل الْكَلَام الَّذِي لَا فَائِدَة فِيهِ.
قَالَ ابْن فَارس: وَيُقَال: لما لَا يعد من أَوْلَاد الْإِبِل فِي الدِّيَة، أَو غَيرهَا: لَغْو. (وَيُقَال من اللَّغْو: لَغَا يَلْغُو لَغوا} . وَيُقَال: لغي بِالْأَمر يلغى، إِذا لهج بِهِ.
وَقَالَ قوم: إِن اشتقاق اللُّغَة من هَذَا. واللغا هُوَ اللَّغْو بِعَيْنِه. وأنشدوا:
(عَن اللغا ورفث التَّكَلُّم)

وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن اللَّغْو فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: الْيَمين الَّتِي لَا يعْقد عَلَيْهَا الْقلب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} .
وَالثَّانِي: القَوْل الْبَاطِل، كالشتم والأذى وَنَحْو ذَلِك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمُؤمنِينَ: {وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون} ، وَفِي الْفرْقَان: {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراما} ، (113 / ب) وَفِي الْقَصَص: (وَإِذا

(1/531)


سمعُوا اللَّغْو أَعرضُوا عَنهُ} ، وَفِي حم السَّجْدَة: {لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ} .
وَالثَّالِث: مَا يجْرِي من الرَّفَث وَالْكَلَام المرذول عِنْد شرب الْخمر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الطّور: {يتنازعون فِيهَا كأسا لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم} ، وَفِي الْوَاقِعَة: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيما} .
(262 - بَاب " لَوْلَا ")

" لَوْلَا " (فِي الأَصْل) : حرف وضع لِامْتِنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره، تَقول: لَوْلَا عصيانك لأحسنت إِلَيْك. قَالَ ابْن قُتَيْبَة إِذا رَأَيْت " لَوْلَا " بِلَا جَوَاب فَهِيَ بِمَعْنى: هلا، تَقول: لَوْلَا فعلت كَذَا، وَإِذا رَأَيْت لَهَا جَوَابا فَلَيْسَتْ بِهَذَا الْمَعْنى.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن لَوْلَا فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: بِمَعْنى " هلا " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا} وَفِي الْوَاقِعَة: {فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين}

(1/532)


وَالثَّانِي: بِمَعْنى لم يكن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنفعها إيمَانهَا} ، وَفِي هود: {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ [أولو بَقِيَّة] } . وَبَعض الْعلمَاء جعلُوا هَذَا الْقسم من الَّذِي قبله.
وَالثَّالِث: وُقُوعهَا على أَصْلهَا وَهُوَ وَضعهَا لِامْتِنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته لكنتم من الخاسرين} .
وَفِي الصافات: {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} .
(" أَبْوَاب مَا فَوق الثَّلَاثَة ")

(263 - بَاب اللِّسَان)

اللِّسَان: الْعُضْو الْمَعْرُوف فِي الْفَم وَهُوَ آلَة النُّطْق. وَيُقَال لمن أَجَاد الْكَلَام بِهِ: لسن، واللسن: الفصاحة.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن اللِّسَان فِي الْقُرْآن على (114 / أ) أَرْبَعَة أوجه: -

(1/533)


أَحدهَا: اللِّسَان بِعَيْنِه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفَتْح: {يَقُولُونَ بألسنتهم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم} ، وَفِي الْقِيَامَة: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} ، وَفِي الْبَلَد: {وَلِسَانًا وشفتين} .
وَالثَّانِي: اللُّغَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ابراهيم: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} ، وَفِي النَّحْل: {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين} .
وَالثَّالِث: الدُّعَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْمَائِدَة] : {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم} ، أَي: فِي دعائها.
وَالرَّابِع: الثَّنَاء الْحسن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء: {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} .
(264 - بَاب اللَّهْو)

قَالَ ابْن فَارس: كل مَا شغلك فقد ألهاك. ولهوت من

(1/534)


اللَّهْو. ولهيت عَن الشَّيْء، إِذا شغلت عَنهُ. وَكَانَ ابْن الزبير: إِذا سمع صَوت الرَّعْد لهي عَن حَدِيثه. أَي: تَركه وَأعْرض عَنهُ. واللهوة: مَا يطحنه الطاحن فِي الرَّحَى بِيَدِهِ. وَجَمعهَا: لهى، وَبِذَلِك سميت الْعَطِيَّة لهوة. فَقيل. هُوَ كثير اللهى. واللهاة: لهاة الْفَم، هِيَ اللحمة المشرفة على الْحلق. وَقيل: بل هِيَ أقْصَى الْفَم. وَجَمعهَا: لَهَا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن اللَّهْو فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه.
أَحدهَا: الِاسْتِهْزَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: [فِي الانعام] : {وذر الَّذين اتَّخذُوا دينهم لعبا ولهوا} .
وَالثَّانِي: ضرب الطبل والملاهي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْجُمُعَة: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إلهيا} .
وَالثَّالِث: الْوَلَد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا} ، قَالَ الْحسن وَقَتَادَة: أَرَادَ بِهِ الْمَرْأَة.
وَالرَّابِع: السرُور الفاني. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَدِيد: (اعلموا

(1/535)


أَنما الْحَيَاة الدُّنْيَا لعب وَلَهو} . (114 / ب) .
وَالْخَامِس: الْغناء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي لُقْمَان: {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} .
وَالسَّادِس: الشّغل وَالْمَنْع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحجر: {ويلههم الأمل} ، وَفِي الْمُنَافِقين: {لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} {وَمثله} (أَلْهَاكُم التكاثر} .
(265 - بَاب اللَّام)

" اللَّام " على ضَرْبَيْنِ: لَام مَفْتُوحَة، وَلَام مَكْسُورَة فالمفتوحة / تقع للتوكيد وَالْقسم، وَتَكون زَائِدَة. والمكسورة: تفِيد فِي الْإِعْرَاب الْجَرّ، وَفِي الْمَعْنى: الِاخْتِصَاص وَالْملك. والاختصاص: فِيمَا لَا يصلح فِيهِ الْملك نَحْو قَوْلك: الْمَسْجِد لزيد فالملك طَار على الِاخْتِصَاص ومفتقر إِلَيْهِ؛ لِأَن كل ملك اخْتِصَاص (وَلَيْسَ كل اخْتِصَاص) ملكا. وَقد تقع الْمَكْسُورَة: نائبة عَن حرف آخر. فَأَما - الْمَفْتُوحَة - فَهِيَ فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه -
أَحدهَا: لِمَعْنى التوكيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: (إِن إِبْرَاهِيم

(1/536)


لحليم} ، وَفِي العاديات: {إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْقسم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي هود] : {ليَقُولن مَا يحسبه} .
وَالثَّالِث: أَن تكون زَائِدَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّمْل: {قل عَسى أَن يكون ردف لكم} ، أَي: ردفكم.
وَأما - الْمَكْسُورَة - فَهِيَ فِي الْقُرْآن على اثْنَي عشر وَجها: -
أَحدهَا: الْملك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي لُقْمَان] : {لله مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى " على " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {دَعَانَا لجنبه} ، وَفِي الرَّعْد: {أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة} ، وَفِي الحجرات

(1/537)


{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل} . وَلَام (لَهُم اللَّعْنَة) . " وَله بالْقَوْل ". مَكْسُورَة فِي الأَصْل إِلَّا أَنه امْتنع كسرهَا لأجل الضَّمِير. فلولا الضَّمِير لقَالَ: للْقَوْم اللَّعْنَة، وَلَا تَجْهَرُوا للنَّبِي.
وَالرَّابِع: بِمَعْنى " إِلَى ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {الْحَمد لله (115 / أ} الَّذِي هدَانَا لهَذَا} ، وَفِي الزلزلة: {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} .
وَالْخَامِس: بِمَعْنى " كي " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {ليجزي الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات بِالْقِسْطِ} ، وَفِي فاطر: {ليوفيهم أُجُورهم} ، وَفِي يس: {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} ، وَفِي الْفَتْح {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} .
وَالسَّادِس: بِمَعْنى " عِنْد ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي طه) : {وخشعت الْأَصْوَات للرحمن} .
وَالسَّابِع: بِمَعْنى " أَن ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب} ، وَفِي الْأَنْفَال: {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} ، وَفِي إِبْرَاهِيم: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} .

(1/538)


وَالثَّامِن: بِمَعْنى " لِئَلَّا ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم} ، وَمثلهَا فِي العنكبوت وَالروم سَوَاء.
وَالتَّاسِع: لَام الْعَاقِبَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ من الله عَلَيْهِم من بَيْننَا} ، وَفِي يُونُس: {ليضلوا عَن سَبِيلك} ، وَفِي الْقَصَص {ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} .
والعاشر: لَام السَّبَب وَالْعلَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي هَل أَتَى) : {إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله} .
وَالْحَادِي عشر: بِمَعْنى " فِي " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لأوّل الْحَشْر} .
وَالثَّانِي عشر: صلَة. كَقَوْلِه تَعَالَى (فِي الْأَعْرَاف) : {لرَبهم يرهبون} . وَقَوله (فِي يُوسُف) : {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} .

(1/539)