نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

 (" كتاب النُّون ")

وَهُوَ أَرْبَعَة عشر بَابا.
(أَبْوَاب الْوَجْهَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة)

(288 - بَاب النسْيَان)

النسْيَان: مكسور النُّون، مسكن السِّين. فَأَما النسْيَان - بِفَتْح النُّون وَالسِّين - فتثنية عرق النسا. يُقَال: نِسْيَان، ونسوان.
وَذكر [بعض] أهل التَّفْسِير أَن النسْيَان فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: التّرْك مَعَ الْعمد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها} ، (على قِرَاءَة من لم يهمز) . وفيهَا: (125 / أ) {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} ، وَفِي طه: (وَلَقَد عهدنا إِلَى آدم من قبل

(1/579)


فنسي} وَفِي السَّجْدَة: {فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا إِنَّا نسيناكم} .
وَالثَّانِي: خلاف الذّكر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {فَإِنِّي نسيت الْحُوت} {وفيهَا} (لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} ، وَفِي الْأَعْلَى {سنقرئك فَلَا تنسى} .
(289 - بَاب النَّجْم)

النَّجْم: فِي مُطلق التعارف الْكَوْكَب وَجمعه نُجُوم. وَقيل: سمي نجما لظُهُوره. وَيُقَال: النَّجْم: النبت إِذا ظهر. وَنجم الْقرن وَالسّن: إِذا طلعا. والنجم من النَّبَات: مَا لَيْسَ لَهُ سَاق. وَيَقُولُونَ: طلع النَّجْم، ويريدون الثريا.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن النَّجْم فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: الْكَوْكَب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {وعلامات وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} ، وَفِي الصافات: {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم} ، وَفِي

(1/580)


الطارق: {النَّجْم الثاقب} .
وَالثَّانِي: النبت الَّذِي لَا سَاق لَهُ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الرَّحْمَن: {والنجم وَالشَّجر يسجدان} ، فالنجم مَا لَا سَاق لَهُ وَالشَّجر كل نبت لَهُ سَاق.
وَالثَّالِث: مَا كَانَ ينزل من الْقُرْآن مُتَفَرقًا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي النَّجْم] : {والنجم إِذا هوى} ، وَفِي الْوَاقِعَة: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} .
(290 - بَاب النَّبَات)

النَّبَات فِي الأَصْل: مَا يخرج من الأَرْض على صفة النمو. والمنبت: الأَصْل. وَذكر أهل التَّفْسِير أَن النَّبَات فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: النَّبَات بِعَيْنِه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمُؤمنِينَ: {تنْبت بالدهن} وَفِي عبس: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا وَعِنَبًا وَقَضْبًا} .
وَالثَّانِي: الْإِخْرَاج: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل} . (125 / ب) .

(1/581)


وَالثَّالِث: الْخلق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة نوح: {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} .
الرَّابِع: التربية. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وأنبتها نباتا حسنا} ، قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ كَانَت تنْبت فِي الْيَوْم مَا ينْبت الْمَوْلُود فِي عَام. وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِه الْآيَة: حَدثنَا أَنَّهَا كَانَت لَا تصيب الذُّنُوب، فان قيل: كَيفَ قَالَ [الله] : {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} وَلم يقل إنباتا فَالْجَوَاب ان الْمَعْنى: وَالله أنبتكم من الأَرْض فنبتم نباتا فَيكون مصدر الْمَحْذُوف مُقَدّر. وَمثله: وأنبتها نباتا حسنا، (أَي: فنبتم نباتا حسنا) .
(281 - بَاب النجَاة)

النجَاة والخلاص والسلامة مُتَقَارب يُقَال: نجيت فلَانا أنجيه إِذا خلصته من شَرّ وَقع فِيهِ.
وَفُلَان نجي فلَان ومناجيه. وَالْجمع: أنجية. وأنتجيت فلَانا: اختصصته بمناجاتي.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النجَاة فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: الْخَلَاص من الضَّرَر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (الْبَقَرَة} (وَإِذ

(1/582)


نجيناكم من آل فِرْعَوْن} .
وَالثَّانِي: السَّلامَة من الْهَلَاك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {ثمَّ ننجي رسلنَا وَالَّذين آمنُوا كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {وأنجينا مُوسَى وَمن مَعَه أَجْمَعِينَ} .
وَالثَّالِث: الِارْتفَاع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {فاليوم ننجيك ببدنك} أَي: نرفعك على أَعلَى الْبَحْر.
وَالرَّابِع: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم الْمُؤمن: {وَيَا قوم مَالِي أدعوكم إِلَى النجَاة وتدعونني إِلَى النَّار} .
(292 - بَاب النشر)

النشر: فِي الأَصْل بسط الشَّيْء ومده على مَا هُوَ عَلَيْهِ من مُنْتَهى جوانبه. ونقيضه: الطي. ويستعار (126 / أ) فِي مَوَاضِع [تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة] . فَيُقَال نشر الله الْمَوْتَى، أَي، أحياهم: وانتشر النَّاس فِي حوائجهم: تفَرقُوا. والنشر: الرّيح الطّيبَة. وريح نشر: منتشرة وَاسِعَة. والنشوار: مَا تبقيه الدَّابَّة من الْعلف.

(1/583)


وَذكر أهل التَّفْسِير فِي أَن النشور الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: التَّفَرُّق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا} وَفِي الْقَمَر: {كَأَنَّهُمْ جَراد منتشر} ، وَفِي الْجُمُعَة: {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} .
وَالثَّانِي: الْبسط. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {ينشر لكم ربكُم من رَحمته} وَفِي عسق: {وينشر رَحمته} .
وَالثَّالِث: الْبَعْث. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} ، وَفِي الْفرْقَان: {وَلَا يملكُونَ موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشورا} وفيهَا: {بل كَانُوا لَا يرجون نشورا} .
وَالرَّابِع: الاحياء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشرها} وَفِي الزخرف: {فأنشرنا بِهِ بَلْدَة مَيتا} ، أَي: أحيينا.

(1/584)


(293 - بَاب النُّشُوز)

النُّشُوز: اسْم مُشْتَقّ من النشز وَمَعْنَاهُ الِارْتفَاع عَن الطَّاعَة ونشزت الْمَرْأَة استصعبت على بَعْلهَا ونشز بَعْلهَا، إِذا ضربهَا وجفاها.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: النُّشُوز: بغض الْمَرْأَة لزوج. يُقَال: نشزت الْمَرْأَة على بَعْلهَا، ونشصت، إِذا تركته وَلم تطمئِن عِنْده. وأصل النُّشُوز: الانزعاج.
وَقَالَ الزّجاج: نشزت الْمَرْأَة تنشز وتنشز. وَمثله: {وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا} وانشزوا) ، واشتقاقه من النشز، وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن النُّشُوز فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: عصيان الْمَرْأَة زَوجهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {واللاتي (126 / ب} تخافون نشوزهن فعظوهن} .
وَالثَّانِي: ميل الرجل عَن أمْرَأَته إِلَى غَيرهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي

(1/585)


سُورَة النِّسَاء: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} .
وَالثَّالِث: الِارْتفَاع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المجادلة: {وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا} .
وَالرَّابِع: الْحَيَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] : {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها} .
(294 - بَاب النَّصْر)

النَّصْر: العون وانتصر فلَان: انتقم. والنصر: الْمَطَر. والنصر: الْإِتْيَان، يُقَال: نصرت أَرض بني فلَان: أتيتها. وأنشدوا:
(إِذا ودع الشَّهْر الْحَرَام فودعي ... بِلَاد تَمِيم وانصري أَرض عَامر)

وَذكر أهل التَّفْسِير أَن النَّصْر فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: الْمَنْع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينْصرُونَ} ، وَفِي الشُّعَرَاء: (هَل ينصرونكم أَو

(1/586)


ينتصرون} أَي: يمنعونكم من عَذَاب الله. وَفِي الْمُؤمن: {فَمن ينصرنا من بَأْس الله إِن جَاءَنَا} ، وَفِي الصافات: {مالكم لَا تناصرون} .
وَالثَّانِي: العون. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {ولينصرن الله من ينصره} ، وَفِي الْحَشْر: {وَلَئِن قوتلتم لننصرنكم} ، وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {إِن تنصرُوا الله ينصركم} .
وَالثَّالِث: الظفر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين} ، وَمثله فِي إل عمرَان.
وَالرَّابِع: الانتقام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي عسق: {وَلمن انتصر من بعد ظلمه} ، وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَلَو شَاءَ الله لانتصر مِنْهُم} وَفِي الْقَمَر: {إِنِّي مغلوب فانتصر} .
(295 - بَاب النّظر)

النّظر: فِي الأَصْل: إِدْرَاك المنظور إِلَيْهِ بِالْعينِ وَيُسمى مَا يَقع بِهِ النّظر من الْعين: النَّاظر. (127 / أ) وَقد يستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة. وَيُقَال: نظرت فلَانا: بِمَعْنى انتظرته. وأنظرته: أَخَّرته

(1/587)


والنظرة: التَّأْخِير. والنظير: الْمثل. وَهُوَ الَّذِي إِذا نظر إِلَيْهِ وَإِلَى نَظِيره كَانَا سَوَاء.
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: النّظر يُقَال على وُجُوه:
أَحدهَا: الْإِدْرَاك بحاسة الْبَصَر.
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الِانْتِظَار.
وَالثَّالِث: بِمَعْنى الرَّحْمَة.
وَالرَّابِع: بِمَعْنى الْمُقَابلَة والمحاذاة. يُقَال: دَاري تنظر دَار فلَان، ودورهم تتناظر، أَي: تتقابل
وَالْخَامِس: بِمَعْنى الفكرة فِي حقائق الْأَشْيَاء لاستخراج الحكم (بِالِاعْتِبَارِ ليصل بذلك إِلَى الْعلم بالمعلومات) .
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن النّظر فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: الرُّؤْيَة والمشاهدة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وأغرقنا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُم تنْظرُون} ، وفيهَا: {فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {أَرِنِي أنظر إِلَيْك} ، وفيهَا: (وتراهم

(1/588)


ينظرُونَ إِلَيْك} ، وَفِي الْقِيَامَة: {إِلَى رَبهَا ناظرة} .
وَالثَّانِي: الِانْتِظَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {لَا تَقولُوا رَاعنا وَقُولُوا انظرنا} ، وَفِي النِّسَاء: {واسمع وانظرنا} ، وَفِي النَّمْل: {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} ، وَفِي يس: {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} ، وَفِي الْحَدِيد: {انظرونا نقتبس من نوركم} ، وَفِي ص: {وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} .
وَالثَّالِث: التفكر وَالِاعْتِبَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {انْظُرُوا إِلَى ثمره} ، وَفِي يُونُس: {قل انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض} ، وَفِي عبس: {فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه} ، وَفِي الغاشية: {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الْإِبِل: كَيفَ خلقت} ، وَفِي الطارق: {فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق} {127 / ب} .
وَالرَّابِع: الرَّحْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة} .

(1/589)


(" بَاب مَا فَوق الْأَرْبَعَة ")

(296 - بَاب النِّكَاح)

قَالَ الْمفضل: أصل النِّكَاح: الْجِمَاع. ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى قيل للْعقد: النِّكَاح. وَقَالَ أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب: الَّذِي حصلناه عَن ثَعْلَب عَن الْكُوفِيّين والمبرد عَن الْبَصرِيين أَن النِّكَاح فِي أصل اللُّغَة اسْم للْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ وَقد سموا الْوَطْء نَفسه نِكَاحا من غير عقد قَالَ الْأَعْشَى: -
(ومنكوحة غير ممهورة ... وَأُخْرَى يُقَال لَهُ فادها)

يَعْنِي: المسبية الْمَوْطُوءَة بِغَيْر مهر وَلَا عقد. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: وَقد يُطلق اسْم النِّكَاح على العقد قَالَ الله تَعَالَى: {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} ، وَالْمرَاد بِهِ

(1/590)


العقد دون الْوَطْء إِلَّا أَنه حَقِيقَة فِي الْوَطْء، مجَاز فِي العقد. وَإِنَّمَا سمي العقد نِكَاحا لِأَنَّهُ سَبَب يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْوَطْء. وَقد يُسمى الشَّيْء باسم غَيره إِذا كَانَ مجاورا لَهُ أَو بَينهمَا سَبَب. كَمَا تسمى الشَّاة الَّتِي تذبح عَن الصَّبِي عقيقة وَإِنَّمَا الْعَقِيقَة اسْم الشّعْر الَّذِي على رَأسه. وَتسَمى المزادة راوية وَإِنَّمَا الراوية الْجمل. وَمَا يكون من الْإِنْسَان غائطا وَإِنَّمَا الْغَائِط الْمَكَان المطمئن.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النِّكَاح فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: العقد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} ، وفيهَا: {فانكحوهن بِإِذن أهلهن} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} .
وَالثَّانِي: الْوَطْء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (128 / أ) فِي الْبَقَرَة: {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} .
وَالثَّالِث: العقد وَالْوَطْء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاء: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} .

(1/591)


وَالرَّابِع: الْحلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاء: {وابتلوا الينامى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} .
وَالْخَامِس: الْمهْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {وليستعفف الَّذين لَا يَجدونَ نِكَاحا} . وَقد ألحق بَعضهم وَجها سادسا. فَقَالَ: وَالنِّكَاح: الْقبُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها} .
(297 - بَاب النداء)

النداء: استدعاء الْمُخَاطب الْمُخَاطب إِذا كَانَ بَعيدا مِنْهُ - وحروف النداء خَمْسَة: " يَا " و " أيا " و " هيا " و " أَي " و " ألف الِاسْتِفْهَام ". تَقول: يَا زيد، وأيا زيد، وهيا زيد، وَأي زيد، وأزيد. وأنشدوا فِي " أيا ":
(أيا بارح الجوزاء مَالك لَا ترى ... عِيَالك قد أَمْسوا مراميل جوع)

وَقَالَ ذُو الرمة فِي " هيا ":
(هيا ظَبْيَة الوعساء بَين جلاجل ... وَبَين النقا أَأَنْت أم أم سَالم)

(1/592)


وأنشدوا فِي " أَي ": {ألم تسمعي أَي عبد فِي رونق الضُّحَى ... غناء حمامات لَهُنَّ هدير}

رخم اسْم امْرَأَة (اسْمهَا عَبدة) . وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي " الف الِاسْتِفْهَام ":
(أُرِيد أَخا وَرْقَاء إِن كنت ثائرا ... فقد عرضت أحناء حق فخاصم)

وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النداء فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه: -
أَحدهَا: الْأَذَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} ، وَفِي سُورَة الْجُمُعَة: {إِذا نُودي للصَّلَاة [من يَوْم الْجُمُعَة] } .
وَالثَّانِي: الدُّعَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (128 / ب) فِي مَرْيَم: {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} ، وَفِي الْأَنْبِيَاء: {ونوحا إِذْ نَادَى من قبل} {وفيهَا} (وَأَيوب إِذا نَادَى ربه}

(1/593)


وَالثَّالِث: التكليم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَم: {وناديناه من جَانب الطّور الْأَيْمن} ، وَفِي الْقَصَص: {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا} .
وَالرَّابِع: الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء: {وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى أَن ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين} .
وَالْخَامِس: النفخ فِي الصُّور. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي ق] : -
{واستمع يَوْم يُنَادي المناد من مَكَان قريب} .
وَالسَّادِس: الاستغاثة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْأَعْرَاف] : {ونادى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجنَّة} ، وَفِي الزخرف: {وَنَادَوْا يَا مَالك} وَقد ألحق بَعضهم وَجها سابعا فَقَالَ: والنداء: الْوَحْي.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وناداهما ربهما ألم أنهكما عَن تلكما الشَّجَرَة} .
(298 - بَاب النَّفس)

قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: اخْتلف النَّاس فِي مَاهِيَّة النَّفس المختصة بالآدمي اخْتِلَافا كثيرا. وأقربهم إِلَى الصَّوَاب قَائِلُونَ قَالُوا: إِنَّهَا جَوْهَر روحاني، والجوهر الروحاني مَا كَانَ لطيفا لَا يرد شُعَاع الْأَبْصَار. وَهُوَ مَخْلُوق من النُّور والضياء. وأجسام الْمَلَائِكَة من نور، وَلِهَذَا هم

(1/594)


أجساد لَطِيفَة لَا تُدْرِكهُمْ الْأَبْصَار فِي عُمُوم الْأَحْوَال، وَيقرب مِنْهُم الْجِنّ وَالشَّيَاطِين فَإِنَّهُم مخلوقون من النَّار. وَقَالَ قوم: إِن النَّفس جسم لطيف. وَقَالَ قوم: هِيَ الدَّم. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ جسم غير الدَّم. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عرض لأَنا لَا نجدها تقوم بِنَفسِهَا. وَاخْتلفُوا فِي النَّفس هَل هِيَ الرّوح أم هِيَ غَيرهَا. فَقَالَ كثير من النَّاس: إِن الرّوح شَيْء غير النَّفس. وَقَالَ آخَرُونَ: بل هما شَيْء وَاحِد. وَاخْتلفُوا (129 / أ) هَل نفوس بني آدم جنس من نفوس الْحَيَوَان أم لَا، فَقَالَ كثير من النَّاس: إِن نفوس بني آدم جنس ونفوس الْبَهَائِم جنس آخر. وَزعم آخَرُونَ أَن النُّفُوس كلهَا جنس وَاحِد. والقائلون بِأَنَّهَا من جنس وَاحِد يَقُولُونَ إِن موت جَمِيع الْحَيَوَان يَتَوَلَّاهُ ملك الْمَوْت فِي قبض الْأَنْفس. والقائلون بِأَنَّهَا من جِنْسَيْنِ يَقُولُونَ: إِن ملك الْمَوْت يتَوَلَّى بني آدم فِي ذَلِك. فَأَما [جَمِيع] الْبَهَائِم فَلَا يتولاها ملك الْمَوْت وَإِنَّمَا تَمُوت بِفنَاء أَنْفسهَا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النَّفس فِي الْقُرْآن على ثَمَانِيَة أوجه: -
أَحدهَا: آدم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} ، وَفِي الْأَنْعَام: {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة} .

(1/595)


وَالثَّانِي: الْأُم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا} ، أَي: بأمهاتهم. وَالْمرَاد بِالْآيَةِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
وَالثَّالِث: الْجَمَاعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم} ، وَفِي بَرَاءَة: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} .
وَالرَّابِع: الْأَهْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم ذَلِكُم خير لكم عِنْد بارئكم} ، قيل: إِنَّه أَمر الْأَب الَّذِي لم يعبد الْعجل أَن يقتل ابْنه العابد، وَالْأَخ الَّذِي لم يعبد أَن يقتل (أَخَاهُ) العابد.
وَالْخَامِس: أهل الدّين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم} ، أَي: على أهل دينكُمْ. وَفِي الحجرات: {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم} .
وَالسَّادِس: الْإِنْسَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} ، أَي: الْإِنْسَان بالإنسان.
وَالسَّابِع: الْبَعْض. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم} ، أَي: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا (129 / ب) .
وَالثَّامِن: النَّفس بِعَينهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: (وَلَو

(1/596)


أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم} .
(299 - بَاب النِّعْمَة)

النِّعْمَة: مَا يحصل للْإنْسَان بِهِ التنعم فِي الْعَيْش.
وَالنعْمَة: الْمِنَّة، وَمثلهَا النعماء. وَالنعْمَة: المَال. يُقَال: فلَان وَاسع النِّعْمَة. والنعامى: ريح لينَة. فَأَما النِّعْمَة - بِفَتْح النُّون - فَهِيَ التنعم. والمتنعم: المترف. وَقد نعم الْإِنْسَان أَوْلَاده: ترفهم. وَنعم الشَّيْء من النِّعْمَة. [وَنعم] ضد لَا، وَقد تكسر عينهَا، وَنعم ضد بئس.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النِّعْمَة فِي الْقُرْآن على عشرَة أوجه: -
أَحدهَا: الْمِنَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْمَائِدَة] : {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعمت الله عَلَيْكُم} ، وَمثلهَا فِي الْأَحْزَاب
وَالثَّانِي: الدّين وَالْكتاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَمن يُبدل نعْمَة الله من بعد مَا جَاءَتْهُ} ، وَفِي إِبْرَاهِيم: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعمت الله كفرا} .
وَالثَّالِث: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: (يعْرفُونَ نعْمَة

(1/597)


الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا} .
وَالرَّابِع: الثَّوَاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل} .
وَالْخَامِس: النُّبُوَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفَاتِحَة: {الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} ، وَفِي الضُّحَى: {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} .
وَالسَّادِس: الرَّحْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الحجرات: {فضلا من الله ونعمة} .
وَالسَّابِع: الْإِحْسَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي اللَّيْل: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى} .
وَالثَّامِن: سَعَة الْمَعيشَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي لُقْمَان] : {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} .
وَالتَّاسِع: الْإِسْلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ [وأنعمت عَلَيْهِ} } .
والعاشر: (130 / أ) الْعتْق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْأَحْزَاب] :

(1/598)


{وأنعمت عَلَيْهِ} ، لِأَن إنعام الله [تَعَالَى] عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، وإنعام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعِتْقِ، وَهُوَ زيد بن حَارِثَة.
(300 - بَاب النُّور)

قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله.
النُّور: هُوَ الضياء المتشعشع الَّذِي تنفذه أنوار الْأَبْصَار فتصل بِهِ إِلَى نظر المبصرات وَهُوَ يتزايد بتزايد أَسبَابه. وَيُقَال: نَار الشَّيْء وأنار واستنار، إِذا أَضَاء. والنور مَأْخُوذ من النَّار، يُقَال تنورت النَّار: إِذا قصدت نَحْوهَا. ثمَّ يستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة فَيُقَال: أنار فلَان كَلَامه إِذا أوضحه. ومنار الأَرْض: أعلامها وحدودها. والمنارة: مفعلة من الاستنارة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن النُّور فِي الْقُرْآن على عشرَة أوجه: -
أَحدهَا: الْإِسْلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره} وَفِي الصَّفّ: {يُرِيدُونَ ليطفؤا نور الله بأفواههم} ،

(1/599)


{وَالله متم نوره} ، وَفِي سُورَة النُّور: {يهدي الله لنوره من يَشَاء} .
وَالثَّانِي: الْإِيمَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} ، وَفِي الْأَنْعَام: {وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس} ، وَفِي النُّور: {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} وَفِي الْحَدِيد: وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ} .
وَالثَّالِث: الْهدى. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض} ، (أَي: هادي من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض) {مثل نوره} ، أَي: مثل هداه
وَالرَّابِع: النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين} ، وَفِي النُّور: {نور على نور} ، أَرَادَ: نَبيا بعد نَبِي من نسل نَبِي (130 / ب) .
وَالْخَامِس: ضوء النَّهَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {وَجعل الظُّلُمَات والنور} .
وَالسَّادِس: ضوء الْقَمَر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفرْقَان: {وقمرا منيرا} ، وَفِي سُورَة نوح: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا}

(1/600)


وَالسَّابِع: ضوء الْمُؤمنِينَ على الصِّرَاط. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَدِيد: {يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم وبأيمانهم} ، وَفِي التَّحْرِيم: {نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم وبأيمانهم} .
وَالثَّامِن: الْبَيَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور} ، وَفِي الْأَنْعَام: {قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس} .
وَالتَّاسِع: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {وَاتبعُوا النُّور الَّذِي أنزل مَعَه} ، وَفِي التغابن: {فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله والنور الَّذِي أنزلنَا} .
والعاشر: الْعدْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزمر: {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} ، أَي: بعدله.
(301 - بَاب النَّاس)

النَّاس: [اسْم] للحيوان الْآدَمِيّ. وَوَاحِد النَّاس إِنْسَان. وَالْجمع: نَاس وأناسي.

(1/601)


قَالَ ابْن فَارس: سمي الْإِنْس إنسا لظهورهم. وَيُقَال: آنست الشَّيْء: رَأَيْته. وآنست الصَّوْت: سمعته. وآنست: علمت. والأنيس: كل مَا يؤنس بِهِ. وَالنَّاس بتَشْديد السِّين: العطشان. قَالَ الراجز:
وبلد تمسي قطاه نسا
وَيُقَال لمَكَّة: الناسية، لقلَّة المَاء بهَا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النَّاس فِي الْقُرْآن على اثْنَي عشر وَجها: -
أَحدهَا: النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاء: {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله} .
وَالثَّانِي: سَائِر الرُّسُل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ليكونوا شُهَدَاء على النَّاس} وَقيل إِن (على) (131 / أ) هَا هُنَا بِمَعْنى " اللَّام ".
وَالثَّالِث: الْمُؤْمِنُونَ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي [الْبَقَرَة] : {أُولَئِكَ عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} .

(1/602)


وَالرَّابِع: مؤمنو أهل [كتاب] التَّوْرَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] : {وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا كَمَا آمن النَّاس} . يُرِيد ابْن سَلام وَأَصْحَابه.
وَالْخَامِس: أهل مَكَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم} ، وَفِي الْحَج: {يَا أَيهَا النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث} ، وَهُوَ اللَّفْظ عَام وَإِن خُوطِبَ بِهِ أهل مَكَّة. وَفِي آل عمرَان: {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ} وَفِي يُونُس: {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} ، وَفِي النَّمْل: {أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون} .
وَالسَّادِس: الْيَهُود. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} .
وَالسَّابِع: بَنو إِسْرَائِيل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس} ، وَفِي الْمَائِدَة: {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} .

(1/603)


وَالثَّامِن: أهل مصر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {لعَلي أرجع إِلَى النَّاس} وفيهَا: {فِيهِ يغاث النَّاس} .
وَالتَّاسِع: نعيم بن مَسْعُود. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ} ، فالكلمة الأولى أُرِيد بهَا نعيم بن مَسْعُود. وَالثَّانيَِة أهل مَكَّة.
والعاشر: ربيعَة وَمُضر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} .
وَالْحَادِي عشر: من كَانَ من عهد آدم إِلَى زمن نوح. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] : {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} ، [وَفِي يُونُس: {وَمَا كَانَ النَّاس إِلَّا أمة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا} ] .
وَالثَّانِي عشر: سَائِر النَّاس. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} ، وَفِي الحجرات: {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} .
وَقد زَاد مقَاتل وَجها ثَالِث عشر، فَقَالَ: وَالنَّاس: (131 / ب)

(1/604)


الرِّجَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (فِي حم الْمُؤمن) : {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس} .

(1/605)