شرح صحيح
البخارى لابن بطال بسم الله الرحمن الرحيم
34 - كِتَاب الْوَكَالَةِ
- َكَالَةُ الشَّرِيكِ فِى الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا
وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِىُّ، عليه السَّلام، عَلِيًّا فِى
هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِسْمَتِهَا. / 1 - فيه:
عَلِىّ، أَمَرَنِى النَّبِىّ، عليه السَّلام، أَنْ
أَتَصَدَّقَ بِجِلاَلِ الْبُدْنِ الَّتِى نُحِرَتْ
وَبِجُلُودِهَا. / 2 - وفيه: عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ
النَّبِىَّ، عليه السَّلام، أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا
عَلَى صَحَابَتِهِ، فَبَقِىَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ
لِلنَّبِىِّ، عليه السَّلام، فَقَالَ: (ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)
. وكالة الشريك جائزة كما تجوز شركة الوكيل، وهو بمنزلة
الأجنبى فى أن ذلك مباح منه، وحديث على بين فى الترجمة،
فإن قيل: ليس فى حديث عقبة وكالة الشريك، قيل: عقبة إنما
وكله النبى - عليه السلام - على قسمة الضحايا وهو شريك
للموهوب لهم، فتوكيله على ذلك كتوكيل شركائه الذين قسم
بينهم الضحايا.
- بَاب إِذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ حَرْبِيًّا فِى دَارِ
الْحَرْبِ أَوْ فِى دَارِ الإِسْلاَمِ جَازَ
/ 3 - فيه: عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كَاتَبْتُ
أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا، بِأَنْ يَحْفَظَنِى فِى
صَاغِيَتِى بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِى صَاغِيَتِهِ
بِالْمَدِينَةِ،
(6/432)
فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ، قَالَ: لاَ
أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِى بِاسْمِكَ الَّذِى كَانَ
فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمِ بَدْرٍ، خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ
لأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فَأَبْصَرَهُ بِلاَلٌ،
فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ،
فَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ: لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا
أُمَيَّةُ، فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِى
آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا، خَلَّفْتُ
لَهُمُ ابْنَهُ لأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا
حَتَّى تَتْبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلاً ثَقِيلاً، فَلَمَّا
أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ، فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ
عَلَيْهِ نَفْسِى لأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ
بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِى حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ
أَحَدُهُمْ رِجْلِى بِسَيْفِهِ، وَكَانَ عَبْدُالرَّحْمَنِ
بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الأَثَرَ فِى ظَهْرِ
قَدَمِهِ. قال ابن المنذر: إذا وكل المسلم الحربى المستأمن
أو وكل الحربى المستأمن المسلم فهو جائز. قال المؤلف: ألا
ترى أن عبد الرحمن بن عوف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته
بمكة أن يحفظهم؟ وأمية مشرك، والتزم عبد الرحمن لأمية من
حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه. قال المهلب:
وترك عبد الرحمن بن عوف أن يكتب إليه عبد الرحمن لأن
التسمية علامة، كما فعل ذلك النبى - عليه السلام - يوم
الحديبية حين قال له رسول أهل مكة: لا أعرف الرحمن فكتب
باسمك اللهم. فلم يضره محو ذلك عليه السلام، ولا تشاح فيه
إذا ما محى من الكتاب ليس بمحو من الصدور، وإذ التشاح فى
مثل هذا ربما آل إلى فساد ما أحكموه من المقاضاة.
(6/433)
وقوله: فألقيت عليه نفسى لأمنعه، فلم يمتنع
بذلك أمية بن خلف من القتل، هو منسوخ بقوله عليه السلام:
(يجير على المسلمين أدناهم) لأن حديث أم هانئ كان يوم فتح
مكة. وفيه من الفقه: مجازاة المسلمُ الكافَر على البر يكون
منه للمسلم والإحسان إليه، ومفارضته على جميل فعله، والسعى
له فى تخليصه من القتل وشبهه. وفيه أيضًا: المجازاة على
سوء الفعل بمثله، والانتقام من الظالم، وإنما سعى بلال فى
قتل أمية بن خلف، واستصرخ الأنصار عليه وأغراهم به فى
ندائه: أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا أمية؛ لأنه كان عذب
بلالاً بمكة على ترك الإسلام، وكان يخرجه إلى الرمضاء بمكة
إذا حميت فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع
على صدره، ويقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول
بلال: أحد أحد. قال عبد الرحمن بن عوف: فكنت بين أمية
وابنه آخذًا بأيديهما، فلما رآه بلال صرخ بأعلى صوته: يا
أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا،
فأحاطوا بنا وأنا أذب عنه، فضرب رجل ابنه بالسيف فوقع،
وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط، قلت: انج بنفسك - ولا
نجاية - فو الله لا أغنى عنك شيئًا فهذوهما بأسيافهم حتى
فرغوا منهما. ذكره ابن إسحاق وذكر فى حديث آخر عن عبد الله
بن أبى بكر وغيره عن عبد الرحمن بن عوف قال:
(6/434)
وكان أمية بن خلف لى صديقًا بمكة، وكان
اسمى عبد عمرو فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن ونحن بمكة،
فكان يلقانى بمكة ويقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه
أبوك؟ فأقول: نعم. فيقول: فإنى لا أعرف الرحمن، فاجعل بينى
وبينك شيئًا أدعوك به، فسماه عبد الإله. فلما كان يوم بدر
مررت به وهو واقف به مع ابنه على بن أمية، ومعى أدراع
أسبيتها فأنا أحملها فلما رآنى قال: يا عبد عمرو، فلم
أجبه. قال: يا عبد الإله، قلت: نعم. قال: هل لك فى فأنا
خير لك من هذه الأدراع التى معك، قلت: نعم. قال: فطرحت
الأدراع من يدى وأخذت بيده ويد ابنه، وهو يقول: ما رأيت
كاليوم قط، فرآهما بلال، فكان حديثه ما تقدم، فكان عبد
الرحمن يقول: يرحم الله بلالا، ذهبت أدراعى وفجعنى بأسيرى.
وقول بلال: أمية بن خلف، معناه عليكم أمية ابن خلف، ونصبه
على الإغراء، ويجوز فيه الرفع على أن يكون خبر ابتداء مضمر
تقديره: هذا أمية بن خلف. وقال الأصمعى: صاغية الرجل:
الذين يميلون إليه ويأتونه. قال المؤلف: وهو مأخوذ من صغى
يصغو ويصغى صغوًا، إذا مال، ومنه قوله تعالى: (ولتصغى إليه
أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة (وكل مائل إلى شىء أو معه
فقد صغى إليه، وأصغى من كتاب الأفعال.
(6/435)
3 - بَاب الْوَكَالَةِ فِى الصَّرْفِ
وَالْمِيزَانِ وَقَدْ وَكَّلَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ فِى
الصَّرْفِ
. / 4 - فيه: أَبُو سَعِيد، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ
النَّبِىّ، عليه السَّلام، اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى
خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ:
(أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا) ؟ قَالَ: إِنَّا
لَنَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ
بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: (لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ
بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا) ،
وَقَالَ فِى الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. الترجمة صحيحة،
وبيع الطعام بالطعام يدًا بيد مثل الصرف سواء، وهو شبيهه
فى المعنى، فلذلك ترجم لهذا الحديث باب الوكالة فى الصرف،
وإنما صحت الوكالة فى هذا الحديث لقوله عليه السلام لعامل
خيبر: (بع الجمع بالدراهم) بعد أن كان باع على غير السنة،
فلو لم يجز بيع الوكيل والناظر فى المال لعرفه عليه السلام
بذلك، وأعلمه أن بيعه مردود وإن وقع على السنة، فلما لم
ينه النبى - عليه السلام - إلا عن الربا الذى واقعه فى
بيعه الصاع بالصاعين، دل ذلك أنه إذا باع على السنة أن
بيعه جائز. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل
العلم أن الوكالة فى الصرف جائزة، ولو وكل رجل رجلا يصرف
له دراهم، ووكل آخر يصرف له دنانير، فالتقيا وتصارفا صرفًا
جائزًا، أن ذلك جائز، وإن لم يحضر الموكلان أو أحدهما،
وكذلك إذا وكل الرجل الرجلين يصرفان دراهم، فليس لأحدهما
أن يصرف ذلك دون
(6/436)
صاحبه، فإن قام أحدهما فى المجلس الذى
تصارفا فيه قبل تمام الصرف انتقض الصرف؛ لقوله عليه
السلام: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء) . وقال أصحاب
الرأى: إن قام أحدهما قبل أن يقبضا انتقضت حصة الذى ذهب،
وحصة الثانى جائزة. وقال ابن المنذر: لم يجعل الموكل إلى
أحدهما شيئًا دون الآخر، ولهذا أصل فى كتاب الله - تعالى -
قال الله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من
أهله وحكمًا من أهلها (ولا يجوز لأحد من الحكمين أمر إلا
مع صاحبه. وقوله: (وقال فى الميزان مثل ذلك) يعنى: أن
الموزونات حكمها فى الربا حكم المكيلات، وهذا عند أهل
الحجاز فى المطعومات التى يجرى فيها الكيل والوزن،
والكوفيون يجعلون علة الربا الكيل والوزن فى المطعوم
وغيره؛ لقوله فى الذهب والورق: (وزنًا بوزن) وقوله فى
الطعام فى حديث عبادة: (مدى بمدى وكيل بكيل) .
4 - بَاب إِذَا أَبْصَرَ الرَّاعِى أَوِ الْوَكِيلُ شَاةً
تَمُوتُ أَوْ شَيْئًا يَفْسُدُ [ذَبَحَ] وَأَصْلَحَ مَا
يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ
/ 5 - فيه: كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَتْ لَه
غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا
بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا
فَذَبَحَتْهَا بِهِ،
(6/437)
فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى
أَسْأَلَ رَسُول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) ، أَوْ
أُرْسِلَ مَنْ يَسْأَلُهُ، وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِىَّ،
عليه السلام، عَنْ ذَاكَ، أَوْ أَرْسَلَ، فَأَمَرَهُ
بِأَكْلِهَا. قَالَ عُبَيْدُاللَّهِ: فَيُعْجِبُنِى
أَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. قال المهلب: وفيه
من الفقه تصديق الراعى والوكيل على ما أؤتمن عليه حتى يظهر
عليه دليل الخيانة والكذب، وهذا قول مالك وجماعة، وقال ابن
القاسم: إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن، ويصدق إن
جاء بها مذبوحة. وقال غيره: يضمن حتى يتبين ما قال. واختلف
ابن القاسم وأشهب إذا أنزى على إناث بغير أمر أربابها فهلك
فقال ابن القاسم: لا ضمان عليه؛ لأن الإنزاء من صلاح المال
ونمائه. وقال أشهب: عليه الضمان. وقول ابن القاسم أشبه
بدليل هذا الحديث؛ لأن الرسول لما أجاز ذبح الأمة الراعية
للشاة، وأمرهم بأكلها، وقد كان يجوز ألا تموت لو بقيت؛ دل
على أن الراعى والوكيل يجوز له الاجتهاد فيما استرعى عليه
ووكل به، وأنه لا ضمان عليه فيما أتلف باجتهاده إذا كان من
أهل الصلاح، وممن يعلم إشفاقه على المال والنية فى إصلاحه،
وأما إن كان من أهل الفسوق والفساد وأراد صاحب المال أن
يضمنه فعل؛ لأنه لا يصدق أنه رأى بالشاة موتا؛ لما عرف من
فسقه، وإن صدقه لم يضمنه.
(6/438)
5 - بَاب وَكَالَةُ الشَّاهِدِ
وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ
وَكَتَبَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى قَهْرَمَانِهِ
وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، أَنْ يُزَكِّىَ عَنْ أَهْلِهِ
الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. / 6 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ،
كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِىِّ، عليه السلام، سِنٌّ مِنَ
الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ) ،
فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَ سِنًّا
فَوْقَهَا، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ) ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِى
أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ عليه السلام: (إِنَّ
خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) . هذا الحديث حجة على
أبى حنيفة فى قوله: لا يجوز توكيل الحاضر بالبلد الصحيح
البدن إلا برضى من خصمه أو عذر مرض أو سفر ثلاثة أيام،
وهذا الحديث خلاف قوله؛ لأن النبى - عليه السلام - أمر
أصحابه أن يقضوا عنه السن التى كانت عليه وذلك توكيل منه
لهم على ذلك. ولم يكن عليه السلام غائبًا ولا مريضًا ولا
مسافرًا، وعامة الفقهاء يجيزون توكيل الحاضر الصحيح البدن
وإن لم يرض خصمه بذلك على ما دل عليه هذا الحديث، وهذا قول
ابن أبى ليلى ومالك وأبى يوسف ومحمد والشافعى إلا أن
مالكًا قال: يجوز ذلك وإن لم يرض خصمه إذا لم يكن الوكيل
عدوا للخصم. وقال سائرهم: يجوز ذلك وإن كان الوكيل عدو
للخصم. وقال الطحاوى: اتفق الصحابة على جواز ذلك، فروى أن
على بن أبى طالب وكل عقيلا عند أبى بكر، فلما أسر عقيل وكل
عبد الله ابن جعفر، فخاصم عبد الله بن جعفر طلحة فى صغيرة
أحدثها على عند عثمان،
(6/439)
وأقر عثمان بذلك، فصار ذلك إجماعا، وقال
النبى لعبد الرحمن بن سهل الأنصارى لما خاصم إليه فى دم
أخيه عبد الله ابن سهل، الذى وجد مقتولا بخيبر بمحضر من
عميه حويصة ومحيصة: (كبر كبر - يريد ولى الكلام فى ذلك
الكبير منهما - فتكلم حويصة ثم محيصة، وكان الوارث عبد
الله ابن سهل دونهما، فكانا وكيلين) ، وأما إذا وكل وكيلا
غائبًا على طلب حقه، فإن ذلك يفتقر إلى قبول الوكيل
للوكالة عند الفقهاء، وإذا كانت الوكالة مفتقرة إلى قبول
الوكيل فحكم الغائب والحاضر فيها سواء، فإن قيل: فأين
القبول فى حديث أبى هريرة؟ قيل: عملهم بأمر النبى - عليه
السلام - من توفية صاحب الحق حقه، قبول منهم لأمره عليه
السلام.
6 - بَاب الْوَكَالَةِ فِى قَضَاءِ الدُّيُونِ
/ 7 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى
النَّبِىَّ، عليه السلام، يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ،
فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى
الله عليه وسلم) : (دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ
مَقَالاً) ، ثُمَّ قَالَ: (أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ
سِنِّهِ) ، فَقَالُوا: لاَنجد إِلاَ أَمْثَلَ مِنْ
سِنِّهِ، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ
أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً) . الوكالة فى قضاء الديون وجميع
الحقوق جائزة. قال المهلب: وفيه من الفقه أن من آذى
السلطان بجفاء أو استنقاص،
(6/440)
أن حقا على أصحابه وجلسائه أن يعاقبوه على
ذلك، وينكروا عليه الجفاء وإن لم يأمرهم السلطان بذلك،
وليس لهم أن يتركوا مثل هذا حتى ينهاهم السلطان عنه، كما
نهى النبى - عليه السلام - الذين هموا بالذى أغلظ له.
ويبين هذا قصة المغيرة بن شعبة مع الشاب الأنصارى الذى جفا
على أبى بكر الصديق، فكسر المغيرة أنفه، فاستعدى عليه
الأنصارى ليقيده أبو بكر بن المغيرة، فقال أبو بكر: والله
لخروجهم من ديارهم أقرب إليهم من ذلك أقيده من ورعه أنفه
وكذلك فعل المغيرة برسول أهل مكة يوم المقاضاة، إذ كان
يكلم النبى ويشير بيده نحو لحيته، فضربه المغيرة بسيفه
مغمدًا، فقال: أقبض يدك عن لحية رسول الله قبل ألا ترجع
إليك، فلم ينكر ذلك النبى - عليه السلام.
7 - بَاب إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيلٍ أَوْ شَفِيعِ
قَوْمٍ جَازَ؛ لِقَوْلِ الرسول (صلى الله عليه وسلم)
لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ:
(نَصِيبِى لَكُمْ
/ 8 - فيه: مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ
مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِىّ، عليه السلام،
قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ،
فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ
وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله
عليه وسلم) : (أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ،
فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا السَّبْىَ،
وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ) ،
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)
انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ
(6/441)
قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه
وسلم) غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا،
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فِى
الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ
إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ،
وَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ
سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ
بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ
يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ
أَوَّلِ مَا يُفِىءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ) ،
فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يا رَسُولِ
اللَّهِ لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه
وسلم) : (إِنَّا لاَ نَدْرِى مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِى
ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى
يَرْفَعُ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ) ، فَرَجَعَ
النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ،
فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. قال:
إذا كان الوكيل أو الشفيع طلب لنفسه ولغيره فشفع فيما طلب
كان حكمهم كحكمه فى الشىء الذى سأل لنفسه ولهم، وأما إن
وهب لقوم وقبض لهم وكيلهم تلك الهبة جازت، ولم يدخل الوكيل
فى الهبة , والوفد رسل هوازن هم الوكلاء والشفعاء فى رد
أموالهم إلى جماعتهم، فشفعهم النبى وقال لهم: (ونصيبى لكم)
يعنى: من المال ومن العيال، ثم أخذ أنصباء الناس من العيال
خاصة، وأبقى لهم المال لحاجتهم إليه. قال أبو عبد الله:
فيه من الفقه أن بيع المكره فى الحق جائز، لأن النبى -
عليه السلام - حكم برد السبى، ثم قال: (من أحب أن يكون على
حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله علينا) ، ولم يجعل
(6/442)
لهم الخيار فى إمساك السبى أصلا، وإنما
خيرهم فى أن يعوضهم من مغانم أخر، ولم يخيرهم فى أعيان
السبى، لأنه قال لهم هذا بعد أن رد إليهم أهليهم، وإنما
خيرهم فى إحدى الطائفتين لئلا يجحف بالمسلمين فى مغانمهم
فيخليهم منه كله، ويخيبهم مما غنموه وتعبوا فيه. قال
المهلب: وفى رفع النبى - عليه السلام - إملاك الناس عن
الرقيق، ولم يجعل إلى تملك أعيانهم سبيلا دليل على أن
للإمام أن يستعين على مصالح المسلمين بأخذ بعض ما فى أيدى
الناس ما لم يجحف بهم، ويعد من لم تطب نفسه مما يأخذ منه
بالعوض، ألا ترى قوله: (من أحب أن يطيب بذلك) ، فأراد عليه
السلام أن يطيب نفوس المسلمين لأهل هوازن بما أخذ منهم من
العيال، ليرفع الشحناء والعداوة، ولا تبقى إحنة الغلبة لهم
فى انتزاع السبى منهم فى قلوبهم، فيولد ذلك اختلاف الكلمة.
وفيه أنه يجوز للإمام إذا جاءه أهل الحرب مسلمين بعد أن
غنم أهليهم وأموالهم أن يرد إليهم عيالهم إذا رأى ذلك
صوابًا كما فعل النبى - عليه السلام - لأن العيال ألذق
بنفوس الرجال من المال، والعار عليهم فيهم أشد. وقوله عليه
السلام: (إنا لا ندرى من أذن منكم فى ذلك ممن لم يأذن،
فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) إنما هذا تقص من
النبى فى استطابة نفوس الناس رجلا رجلا، وليعرف الحاضر
منهم الغائب.
(6/443)
8 - بَاب إِذَا وَكَّلَ رَجُلاً أَنْ
يُعْطِىَ شَيْئًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِى فَأَعْطَى
عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ
/ 9 - فيه: جَابِر، كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ، عليه السلام،
فِى سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ، إِنَّمَا هُوَ
فِى آخِرِ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِى النَّبِىُّ (صلى الله
عليه وسلم) ، فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) فَقُلْتُ: جَابِرُ
بْنُ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: (مَا لَكَ؟) قُلْتُ: إِنِّى
عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ، قَالَ: (أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟) قُلْتُ:
نَعَمْ، قَالَ: (أَعْطِنِيهِ) ، فَأَعْطَيْتُهُ،
فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ
الْقَوْمِ، قَالَ: (بِعْنِيهِ) ، فَقُلْتُ: بَلْ، هُوَ
لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (بَلْ بِعْنِيهِ، قَدْ
أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَلَكَ ظَهْرُهُ
إِلَى الْمَدِينَةِ) ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ
الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: (أَيْنَ
تُرِيدُ؟) قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً. . . . . . .
الحديث. فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ قَالَ: (يَا
بِلاَلُ، اقْضِهِ وَزِدْهُ) ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ
دَنَانِيرَ، وَزَادَهُ قِيرَاطًا، قَالَ جَابِرٌ: لاَ
تُفَارِقُنِى زِيَادَةُ النَّبِىّ، عليه السلام، فَلَمْ
يُفَارِقُ الْقِيرَاطُ جِرَابَ جَابِرِ. المأمور بالصدقة
إذا أعطى ما يتعارف الناس ويصلح للمعطى، ولا يخرج عن حال
المعطى جاز ونفذ، فإن أعطى أكثر مما يتعارف الناس، تعلق
ذلك برضا صاحب المال، فإن أجاز ذلك جاز، وإلا رجع عليه
بمقدار ذلك، والدليل على ذلك أنه لو أمره أن يعطيه قفيزًا
فأعطاه قفيزين ضمن الزيادة بإجماع، فدل أن المتعارف يقوم
مقام الشىء المعين. قال المهلب: وهذا الحديث يبين أن من
روى الاشتراط فى حديث جابر أن معناه: أن النبى - عليه
السلام - شرط له ذلك شرط تفضل،
(6/444)
لأن القصة كلها جرت من النبى - عليه السلام
- على جهة التفضل والرفق بجابر، لأنه وهبه الجمل بعد أن
أعطاه ثمنه وزاده. وجابر أيضًا قال للنبى حين سأله بيعه:
(هو لك يا رسول الله) يعنى: بلا ثمن، وسيأتى إيضاح هذا
المعنى ومذاهب العلماء فى ذلك فى كتاب الشروط بعد هذا إن
شاء الله. وفيه بركة النبى عليه السلام. قال ثعلب: يقال
بعير ثقال بفتح الثاء، أى: بطئ، والثقال بكسر الثاء: جلد
أو كساء يوضع تحت الرحى يقع عليه الدقيق.
9 - بَاب وَكَالَةِ الْمَرْأَةِ الإِمَامَ فِى النِّكَاحِ
/ 10 - فيه: سَهْل، جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّى قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِى، فَقَالَ
رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: (قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا
بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) . وجه استنباط الوكالة من
هذا الحديث: هو أن الرسول لما قالت له المرأة: (قد وهبت
نفسى لك) كان ذلك كالوكالة له على تزويجها من نفسه، أو ممن
رأى النبى تزويجها منه، فكان كل ولى للمرأة بهذه المنزلة
أنه لا ينكحها حتى تأذن له فى ذلك، إلا الأب فى
(6/445)
البكر، والسيد فى الأمة فإذا أذنت له
وافتقر الولى إلى إباحتها ورضاها، كانت إباحتها ورضاها
وكالة، وليست هذه الوكالة من جنس سائر الوكالات التى لا
يفعل الوكيل شيئًا إلا والموكل يفعل مثله، من أجل أن
الرسول قد خص النكاح أنه لا يتم إلا بهذه الوكالة بقوله:
(أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل) . وجمهور
العلماء على أنه لا تلى المرأة عقد نكاح بحال: لا نكاح
نفسها، ولا امرأة غيرها، هذا قول ابن أبى ليلى ومالك
والثورى والليث والشافعى، قال مالك: ويفسخ النكاح وإن ولدت
منه. وقال الأوزاعى: إذا زوجت نفسها فحسن ألا يعرض لها
الولى إلا أن تكون عربية تزوجت مولى فيفسخ. وقال أبو حنيفة
وزفر: يجوز عقد المرأة على نفسها، وأن تزوج نفسها كفئًا.
واختلفوا إذا لم يكن لها ولى فجعلت عقد نكاحها إلى رجل ليس
بولى، ولم يرفع أمرها إلى السلطان، فروى المصريون عن مالك
أن للسلطان أن ينظر فيه، فيجيزة أو يرده كما كان ذلك
للولى، وقد روى عن مالك فيمن تزوجت بغير ولاية من يجوز له
ولايتها، ودخل بها، والزوج كفء فلا يفسخ، وقال سحنون: قال
غير ابن القاسم: لا يجوز وإن أجازه السلطان والولى، لأنه
نكاح عقد بغير ولى. وهو قول ابن الماجشون، وحجتهم قوله
عليه السلام: (أيما امرأة نكحت بغير ولى، فنكاحها باطل) .
(6/446)
- بَاب إِذَا وَكَّلَ رجل رَجُلاً فَتَرَكَ
الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ
جَائِزٌ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى جَازَ
/ 11 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِى
النَّبِىّ، عليه السَّلام، بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ،
فَأَتَانِى آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ
فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ: [وَاللَّهِ] لأرْفَعَنَّكَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، قَالَ: إِنِّى
مُحْتَاجٌ ولىَّ عِيَالٌ، وَبِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ:
فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، أَصْبَح، النَّبىُّ فقال: (يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ) ؟ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً
وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ:
(أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ) ، فَعَرَفْتُ
أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله
عليه وسلم) إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ
يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ:
لاَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه
وسلم) ، قَالَ: دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ
عِيَالٌ لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ
سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِى النَّبىِّ: (يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟) قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً،
فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: (أَمَا
إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ) ، فَرَصَدْتُهُ
الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،
فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لاَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ تزعم أَنَّكَ لاَ
تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِى أُعَلِّمْكَ
كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هِىَ؟
قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ
الْكُرْسِىِّ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ
اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى
تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ
لِى النَّبىِّ عَلَيِه السَّلاَم: (مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ)
؟ قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ
يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ،
وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ
(6/447)
عَلَى الْخَيْرِ، وحكيت له القول، فَقَالَ
النَّبىُّ (صلى الله عليه وسلم) : (أَمَا إِنَّهُ قَدْ
صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ (ذَاكَ شَيْطَانٌ) . قال المهلب:
قوله: فترك الوكيل شيئًا، يريد أن أبا هريرة ترك الذى حثا
الطعام حين شكا إليه الحاجة، فأخبر النبى - عليه السلام -
بذلك، فأجاز فعله ولم يرده. قال غيره: ففهم من ذلك الحديث
أن من وكل على حفظ شئ، أو أؤتمن على مال فأعطى منه شيئًا
لأحد أنه لا يجوز، وإن كان بالمعروف، لأنه إنما جاز فعل
أبى هريرة لأجازة النبى - عليه السلام - له، لأنه عليه
السلام لم يوكل أبا هريرة على عطاء، ولا أباح له إمضاء ما
انتهب منه، وإنما وكله بحفظه خاصة. والدليل على صحة هذا
التأويل أنه ليس لمن أؤتمن على شىء أن يتلف منه شيئًا،
وأنه إذا أتلفه ضمنه إلا أن يجيزه رب المال، وفى تعلق جواز
ذلك بإجازة رب المال دليل على صحة الضمان لو لم يجزه وهذا
لا أعلم فيه خلافاُ بين الفقهاء. وأما قوله: وإن أقرضه إلى
أجل مسمى جاز، فلا أعلم خلافًا بين الفقهاء أن أحدًا لا
يجوز له أن يقرض من وديعة عنده أو مال استحفظه لأحد شيئًا
لا حالا ولا إلى أجل، ولكنه إن فعل كان رب المال مخيرًا
بين إجازة فعله أو تضمينه، أو طلب الذى قبض المال.
(6/448)
وقال المهلب: ويخرج قوله فى الترجمة: وإن
أقرضه إلى أجل مسمى جاز لأن الطعام كان مجموعًا للصدقة،
فلما أخذ السارق وقد حثا من الطعام، وقال له: دعنى فإنى
محتاج، وتركه، فكان سلفه ذلك الطعام إلى أجل، وهو وقت
قسمته وتفرقته على المساكين، لأنهم كانوا يجمعونه قبل
الفطر بثلاثة أيام للتفرقة، فكأنه سلفه إلى ذلك الأجل،
وفيه من الفقه أن السارق لا يقطع فى مجاعة، وفيه أنه يجوز
أن يعفى عنه قبل أن يبلغ الإمام، وفيه أنه قد يعلم الشيطان
علمًا ينتفع به إذا صدقته السنة وفيه أن الكاذب قد يصدق فى
الندرة، وفيه علامات النبوة، وفيه تفسير لقوله تعالى: (إنه
يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم (يعنى: الشياطين، أن
المراد بذلك ما هم عليه من خلقتهم الروحانية التى جبلوا
عليها فإذا تشخصوا فى صور الأجسام المدركة بالعين جازت
رؤيتهم، كما تشخص الشيطان فى هذا الحديث لأبى هريرة فى
صورة سارق.
- بَاب إِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا بيعًا فَاسِدًا
فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ
/ 12 - فيه: أَبُو سَعِيد، قَالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى
النَّبِىِّ، عليه السلام، بِتَمْرٍ بَرْنِىٍّ، فَقَالَ
لَهُ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) : (مِنْ أَيْنَ
هَذَا) ؟ قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَى تَمْرٌ رَدِىٌّ
فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِىَّ،
عليه السلام، فَقَالَ عليه السلام: (أَوَّهْ أَوَّهْ،
(6/449)
عَيْنُ الرِّبَا، مرتين، لاَ تَفْعَلْ،
وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِىَ فَبِعِ التَّمْرَ
بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بهِ) . قال المهلب: لا خلاف
بين العلماء أن كل من باع بيعًا فاسدًا أن بيعه مردود،
وقول النبى - عليه السلام -: (أوه عين الربا) دليل على فسخ
البيع، لأن الله - تعالى - قد أمر بذلك فى كتابه، وقضى برد
رأس المال بقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا
ما بقى من الربا (وقوله: (فلكم رءوس أموالكم (وقد روى فى
هذا الحديث عن بلال أن النبى قال: (اردده مكسومًا) وروى
منصور وقيس بن الربيع عن أبى جمرة عن سعيد بن المسيب، عن
بلال قال: (كان عندى تمر دون، فابتعت تمرًا أجود منه فى
السوق بنصف كيله صاعين بصاع، وأتيت النبى فقال: من أين لك
هذا؟ فحدثته بما صنعت، فقال: هذا الربا بعينه، انطلق فرده
على صاحبه، وخذ تمرك وبعه بحنطة أو شعير، ثم اشتر من هذا
التمر، ثم جئنى. .) وذكر الحديث. قال المهلب: فإنما الغرض
فى بيع الطعام من صنف واحد - والله أعلم - مثلا بمثل
التوسعة على الناس، ولئلا يستولى أهل الجدة على الطيب.
وقال صاحب العين: تأوه الرجل آهة، إذا توجع، ويقال: أوهة
لك، فى موضع مشقة وهم، ويقال: أوه من كذا، على معنى التذكر
والتحزن.
(6/450)
- بَاب الْوَكَالَةِ فِى الْوَقْفِ
وَنَفَقَتِهِ وَأَنْ يُطْعِمَ صَدِيقًا لَهُ وَيَأْكُلَ
بِالْمَعْرُوفِ
/ 13 - وَقَالَ عَمْرٍو فِى صَدَقَةِ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى
الْوَلِىِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا
لَهُ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ
هُوَ يَلِى صَدَقَةَ عُمَرَ يُهْدِى لِنَاسٍ مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. قال المهلب: هذا إنما
أخذه عمر من كتاب الله فى ولى اليتيم فى قوله: (ومن كان
فقيرًا فليأكل بالمعروف (والمعروف ما تعارفه الناس بينهم
غير مكتسب مالا، فهذا مباح عند الحاجة، وهذا سنة الوقف أن
يأكل منه الولى له ويؤكل، لأن الحبس لهذا حبس، وليس هو مثل
من أؤتمن على مال لغير الصدقة فأعطى منه بغير إذن ربه
شيئًا، فإنه لا يجوز له ذلك بإجماع العلماء.
- بَاب الْوَكَالَةِ فِى الْحُدُودِ
/ 14 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ،،
عَنِ النَّبِىِّ، عليه السلام، قَالَ: (وَاغْدُ يَا
أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ
فَارْجُمْهَا) .
(6/451)
/ 15 - وفيه: عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ،
قَالَ: جِىءَ بِالنُّعَيْمَانِ، أَوِ ابْنِ النُّعَيْمَانِ
شَارِبًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)
مَنْ كَانَ فِى الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوا، قَالَ:
فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ، فَضَرَبْنَاهُ
بِالْجَرِيدِ والنِّعَالِ. فى حديث أنس من الفقه أنه يجوز
للإمام أن يبعث فى إنفاذ الحكم من يقوم مقامه فيه، كالوكيل
للموكل. واختلف العلماء فى الوكالة فى الحدود والقصاص،
فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا يجوز قبول الوكالة فى
ذلك، ولا يقيم الحد والقصاص حتى يحضر المدعى، وهو قول
الشافعى، وقال ابن أبى ليلى وطائفة: تقبل الوكالة فى ذلك،
وقالوا: لا فرق بين الحدود والقصاص والديون إلا أن يدعى
الخصم أن صاحبه قد عفا، فيوقف عن النظر فيه حتى يحضر. وقول
من أجاز الوكالة فى ذلك يشهد له دلائل الأحاديث الثابتة،
فإن قيل: إن فى بعث النبى - عليه السلام - أنيسًا لإقامة
الحد على المرأة إن اعترفت بالزنا دليلاً على ذلك، وأما
حديث ابن النعيمان فإنما أقيم فيه الحد بحضرته عليه
السلام. قيل: المعنى واحد، وذلك أنه لما كان الإمام لا
يتناول إقامة الحد بنفسه، وأنه إنما يولى ذلك غيره، كان
ذلك فى معنى إقامة أنيس الحد غائبًا عنه إن اعترفت المرأة
لأن فى كلتا الحالتين إنما أقام الحد عن أمره عليه السلام
بإقامته، وذلك فى معنى الوكيل، ويجئ على مذهب مالك أن الحد
يقام على المقر دون حضور المدعى، خلاف قول أبى حنيفة
والشافعى،
(6/452)
لأنه حق وجب عليه، وليس دعواه على المدعى
بها يسقط الحد مما يجب أن يلتفت إليه بمجرد دعواه، إلا أن
يقيم بينه على ما ادعى من ذلك.
- بَاب الْوَكَالَةِ فِى الْبُدْنِ وَتَعَاهُدِهَا
/ 16 - فيه: عَائِشَة، أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْىِ
النَّبِىّ، عليه السلام، ثُمَّ قَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ
بِهَا مَعَ أَبِى. . . الحديث. الوكالة فى البدن وفى كل ما
يجوز للإنسان أن ينوب عن غيره فيه منابه من الأعمال جائزة،
لا خلاف فى شىء من ذلك، وقد تقدم هذا الحديث فى كتاب الحج،
فأغنى عن إعادته.
- بَاب إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ ضَعْهُ حَيْثُ
أَرَاكَ اللَّهُ وَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ سَمِعْتُ مَا
قُلْتَ
/ 17 - فيه: أَنَس، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ
أَنْصَارِى بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبَّ
أَمْوَالِهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ
الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه
وسلم) يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ،
فَلَمَّا نَزَلَتْ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (فَإِنَّ
أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا
صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا، وَذُخْرَهَا عِنْدَ
اللَّهِ، فَضَعْهَا
(6/453)
يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ،
فَقَالَ: (بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ
رَابِحٌ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ
تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ) ، قَالَ: أَفْعَلُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِى
أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ. قال المهلب: قوله عليه
السلام: (قد سمعت ما قلت) يدل على قبول النبى لما جعل إليه
أبو طلحة من الرأى فى وضعها، ثم رد النبى الوضع فيها إلى
أبى طلحة بعد أن أشار عليه فيمن يضعها. وفيه أن للوكيل أن
يقبل ما وكل عليه وله أن يرد، وأن الوكالة لا تتم إلا
بقبول الوكيل، ألا ترى أن أبا طلحة قال للنبى: (فضعها يا
رسول الله حيث أراك الله) فأشار عليه بالرأى، ورد عليه
العمل وقال: (أرى أن تجعلها فى الأقربين) فتولى أبو طلحة
قسمتها. وفيه: أن من أخرج شيئًا من ماله لله ولم يملكه
أحد، فجائز له أن يضعه حيث أراه الله من سبل الخير، وجائز
أن يشاور فيه من يثق برأيه من إخوانه وليس لذلك وجه معلوم
لا يتعدى، كما قال بعض الناس: معنى قول الرجل: لله وفى
سبيل الله فى وجه دون وجه، ألا ترى أن هذه الصدقة الموقوفة
رجعت إلى قرابة أبى طلحة، ولو سبلها فى وجه من الوجوه لم
تصرف إلى غيره. واختلف الفقهاء إذا قال الرجل: خذ هذا
المال فاجعله حيث أراك الله من وجوه الخير، هل يأخذ منه
لنفسه إن كان فقيرًا أم لا؟ فقالت طائفة: لا يأخذ منه
شيئًا، لأنه إنما أمر بوضعه عند غيره. وهذا يشبه مذهب مالك
فى المدونة، سئل مالك عن رجل أوصى بثلث ماله لرجل أن يجعله
حيث رأى، فأعطاه ولد نفسه، يعنى ولد الوصى أو أحدًا من ذوى
قرابته، قال مالك: لا أرى ذلك جائزًا.
(6/454)
وقال آخرون: يأخذ منه كنصيب أحد الفقراء
وقال آخرون: جائز له أن يأخذه لنفسه كله إن كان فقيرًا.
ووجه قول من قال: لا يأخذ منه شيئًا لنفسه، لأن ربه أمره
أن يضعه فى الفقراء، ولم يأذن له أن يأخذه لنفسه، ولو شاء
أن يعطيه له لم يأمره أن يضعه فى غيره، فكأنه أقامه مقام
نفسه ولو فرقه ربه لم يحبس منه شيئًا، ووجه قول من قال:
يأخذ منه كنصيب أحد الفقراء، فهو أن ربه أمره أن يضعه فى
الفقراء، وهو أحدهم، فلم يتعد ما قاله، ووجه قول من قال:
يأخذه كله لنفسه، أن ربه أمره أن يضعه فى الفقراء، ومعلوم
أنه لا يحيط بجماعتهم، وأن المال إنما يوضع فى بعضهم، وإذا
كان فقيرًا فهو من بعضهم لأنه من الصفة التى أمره أن يضعه
فيها.
- بَاب وَكَالَةِ الأَمِينِ فِى الْخِزَانَةِ وَنَحْوِهَا
/ 18 - فيه: أَبُو مُوسَى، قَالَ النَّبِىّ عليه السَّلام:
(الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِى يُنْفِقُ - وَرُبَّمَا
قَالَ: الَّذِى يُعْطِى - مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً
مُوَفَّرًا طَيِّبًا نَفْسُهُ إِلَى الَّذِى أُمِرَ بِهِ
أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ) . قال المهلب: إنما كان أحد
المتصدقين - والله أعلم - لأنه معين على إنفاذ الحسنة،
وأما إذا أعطاه كارهًا غير مريد لإعطائه لم يؤجر على ذلك،
لأنه لا نية له مع فعله، وقد اشترط النبى - عليه السلام -
أن الأعمال بالنيات، فدل ذلك أنها إذا لم تصحبها نية لا
يؤجر بها، ألا ترى أن المنافقين لم تقبل منهم صلاة ولا
صيام ولا غيره إذ عريت أعمالهم عن النيات.
(6/455)
|