إسبال المطر على قصب السكر [مسألة المرسل:]
(48) أو كان بعد التابعي فيدعى ...
بالمرسل المعروف أو كان سوى
أي أنه إذا كان السقط من آخره من بعد التابعي فإنه القسم
المعروف عند العلماء بالمرسل وصورته أن يقول التابعي صغيرا كان
أو كبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو
فعل بصيغة المجهول بحضرته كذا أو نحو ذلك وأنما ذكر في قسم
المردود للجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون صحابيا ويحتمل
أن يكون تابعيا وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفا ويحتمل أن
يكون ثقة وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمل عن صحابي ويحتمل أن
يكون حمله عن تابعي آخر وعلى الثاني فيعود الاحتمال السابق
ويتعدد إما بالتجويز العقلي فإلى ما لا نهاية له هكذا قاله
الحافظ قيل عليه محال عند العقل أن يجوز بين التابعي وبين
النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يتناهى كيف وقد وقع التناهي في
الوجه الخارجي بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأجيب بأنه أراد
الكثرة وأتى بما لا نهاية له مبالغة إذ من
(1/257)
المعلوم عند العقلاء أن الانتساب إلى آدم
أمر متناه فكيف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ثم قال وإما
بالاستقراء فإلى ستة أو سبعة وهو أكثر ما وجد من رواية بعض
التابعين عن بعض وتعرض الحافظ للخلاف في قبول المرسل هنا فقال
فإن عرف من عادة التابعي أنه لا يرسل إلا عن ثقة فذهب جمهور
المحدثين إلى التوقف لبقاء الاحتمال وهو أحد قولي أحمد
وثانيهما وهو قول المالكيين والكوفيين يقبل مطلقا وقال الشافعي
يقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسندا
كان أو مرسلا ليترجح كون المحذوف ثقة في نفس الأمر ونقل أبو
بكر الرازي من الحنفية وأبو الوليد الباجي من المالكية أن
الراوي إذا كان يرسل عن الثقات وغيرهم لا يقبل مرسله اتفاقا
انتهى وقال النووي في التقريب وفي شرحه للسيوطي ثم المرسل حديث
ضعيف لا يحتج به عند جماهير المحدثين كما حكاه عنهم مسلم في
صدر صحيحه وابن عبدالبر في التمهيد وكثير من الفقهاء وأصحاب
الأصول والنظر للجهل بحال المحذوف وإن اتفق أن المرسل لا يروي
إلا عن ثقة فالتوثيق مع الإبهام غير كاف ولأنه إذا كان المجهول
المسمى لا يقبل فالمجهول عينا وحالا أولا وقال مالك في المشهور
عنه وأبو حنيفة في طائفة منهم
أحمد في المشهور عنه صحيح قال في شرح المهذب وقيد ابن عبدالبر
وغيره ذلك بما إذا لم يكن مرسله ممن لا
(1/258)
يحترز ويرسل عن غير الثقات فإن كان فلا
خلاف في رده وقال غيره محل قبوله عند الحنفية إذا كان مرسله من
أهل القرون الثلاثة الفاضلة فإن كان من غيرها فلا لحديث ثم
يفشو الكذب صححه النسائي وقال ابن جرير اجمع التابعون بأسرهم
على قبول المراسيل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة
بعدهم إلى رأس المائتين قال ابن عبدالبر كأنه يعني أن الشافعي
أول من رده وبالغ بعضهم فقواه على المسند وقال من أسند فقد
أحالك ومن أرسل فقد تكفل لك فإن صح مخرج المرسل لمجيئه أو نحوه
من طريق آخر مسندا أو مرسلا أرسله من أخذ العلم عن غير رجال
المرسل الأول كان صحيحا هكذا نص عليه الشافعي في الرسالة مقيدا
له بمرسل كبار التابعين ومن إذا سمى من أرسل عنه سمى ثقة وإذا
شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه وزاد في الاعتضاد أن يوافق
قول صحابي أو يفتي أكثر العلماء بمقتضاه فإن فقد شرط مما ذكر
لم يقبل مرسله ويتبين بذلك صحة المرسل وإنهما أي المرسل وما
عضده صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق واحدة رجحناهما عليه
بتعدد الطرق إذا تعذر الجمع بينهما انتهى ثم قال هذا في غير
مرسل الصحابي أما مرسله كإخباره عن شيء فعله النبي صلى الله
عليه وسلم مما يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه
فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح الذي جزم به الجمهور من
أصحابنا وغيرهم وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون
بضعف المرسل وفي الصحيح من ذلك مالا يحصى لأن أكثر روايتهم عن
الصحابة وكلهم عدول وروايتهم عن غيرهم نادرة وإذا رووها بينوها
بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة بل
إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات
(1/259)
[مسألة في
المعضل:]
قال النووي إنه بفتح الضاد من أعضله فهو معضل قال ابن الصلاح
وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة أي لأن مفعلا بفتح العين
لا يكون إلا من ثلاثي لازم عدي بالهمزة وهذا لازم معها قال
وبحثت فوجدت له ثلاثيا من قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد وفعيل
بمعنى فاعل يدل على الثلاثي فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرا أو
أعضل متعديا كما قالوا ظلم الليل وأظلم انتهى وإلى حقيقته أشار
قولنا وهي مسألة المعضل
(49) هذين فانظر إن يكن باثنين ...
فصاعدا مع الولى في ذين
فقولنا هذين متصل بقولنا في آخر ما قبله سوى أي غير هذين وهما
ما كان السقط من مباديء السند أو من آخره إذ حكمهما تقدم وما
سواهما مما سقط من إسناده فإنه ينظر فإن كان السقط من الإسناد
اثنين فصاعدا أي فأكثر منهما مع التوالي فقولنا مع الولى أي
التوالي في ذين فيما سقط اثنان فصاعدا فجعلناهما شيئين لأنهما
في الخارج كذلك وإن كان مرجعهما إلى شيء واحد هو السقط فهذا
القسم كما قلنا
(50) فإنه المعضل ثم المنقطع ...
مالا توالي في السقوط فاستمع
فالمعضل ما اتفق التوالي فيمن سقط من إسناده وإلا يتوالى السقط
بل كان اثنين غير متواليين فهذا هو المنقطع كما قلنا ثم
المنقطع ما لا
(1/260)
توالي وكذا إن سقط واحد فقط أو أكثر من
اثنين بشرط عدم التوالي وقولنا
(51 إن السقوط واضح وخافي ...
فواضح إن فقد التلاقي
هو مفعول فاستمع أي استمع إلى ما قالوه في اصطلاحهم من تقسيم
السقوط إلى قسمين الأول واضح يحصل الاشتراك في معرفته لكون
الراوي مثلا لم يعاصر من روى عنه والثاني خفي لا يدركه إلا
الأئمة الحفاظ المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد فالأول
يدرك أي يعرف أنه سقط من الحديث بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه
لكونه لم يدرك عصره أو أدركه لكن لم يجتمعا وليست له من إجازة
ولا وجادة ومن ثمة احتيج إلى التاريخ لتضمنه تحرير مواليد
الرواة ووفياتهم وأوقات طلبهم وارتحالهم وقد افتضح أقوام ادعوا
الرواية عن شيوخ ظهر بالتاريخ كذب دعواهم ولذا قلنا
(52) ومن هنا احتيج إلى التاريخ
... معرفا ملاقي الشيوخ
قال السيد محمد ومعرفته أي السقط ثمرة معرفة تاريخ الوفايات
فهذا القسم الأول الواضح وأما الثاني وهو:
...
[مسألة المدلس:]
فأشرنا إليه بقولنا:
(53) وسموا الخافي بالمدلس ...
وربما يأتي بالملتبس
(54) كعن وقال من كلام يحتمل ...
لقاءه لناقل عنه نقل
(1/261)
هذا القسم الثاني وهو الخفي يقال له المدلس
بفتح اللام سمي بذلك لكون الراوي لم يسم من حدثه وأوهم سماعه
للحديث ممن لم يحدثه واشتقاقه من الدلس بالتحريك وهو اختلاط
الظلام لاشتراكهما في الخفاء ولما كان قد يرد المدلس بصيغة من
الصيغ التي توهم اللقاء نحو عن وقال أشرنا إليه بما سمعته قال
الحافظ ومتى وقع بصيغة صريحة كان كذبا وحكم من ثبت عنه التدليس
إذا كان عدلا أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث على
الأصح
...
[مسألة المرسل الخفي:]
قد بيناه بقولنا:
(55) والمرسل الخافي من معاصر ...
لم يلق من عاصره فذاكر
فهذا هو المرسل الخفي وهو ما رواه عن معاصر لم يقع له لقاءه بل
بينه وبينه واسطة قال الحافظ والفرق بين المدلس والمرسل الخفي
دقيق يحصل تحريره بما ذكرنا هنا وهو أن التدليس يختص بمن روى
عمن عرف لقاءه إياه فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو
المرسل الخفي ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير
لقيا لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه والصواب التفرقة بينهما
ثم قال ويعرف عدم الملاقاة بإخباره عن نفسه بذلك أو بجزم إمام
مطلع ولا يكفي أن تقع في بعض الطرق زيادة راو بينهما لاحتمال
أن يكون من المزيد ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي لتعارض
احتمال الاتصال والانقطاع انتهى
(1/262)
وقال السيد محمد بعد هذا وكذلك اشترط
البخاري تحقق اللقاء أي لمن روى عن المعاصرين حتى يؤمن
الانقطاع واكتفى مسلم بعدم العلم بانتفائه أي اللقاء فإنه إذا
كان معاصرا له وروى عنه دل عنده أنه قد اتفق به إذ حمل الثقة
على السلامة أولى انتهى مع تفكيك عبارته وأبسط منه ما في
التقريب وشرحه قال وفي اشتراط ثبوت اللقاء وعدم الاكتفاء
بإمكانه وطول الصحبة وعدم الاكتفاء بثبوت اللقاء ومعرفته
بالرواية عنه وعدم الاكتفاء بالصحبة خلاف منهم من لم يشترط
شيئا من ذلك واكتفى بإمكان اللقاء وعبر عنه بالمعاصرة وهو مذهب
مسلم بن الحجاج وادعى فيه الإجماع ومنهم من شرط اللقاء وحده
وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين ومنهم من شرط طول
الصحبة بينهما ولم يكتف بثبوت اللقاء وهو أبو المظفر السمعاني
ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه وهو أبو عمرو الداني انتهى
قلت وقد بسطنا القول في هذا في شرح التنقيح واعلم أنها سبقت
إشارة إلى قبول المرسل ورده وقد أشار السيد محمد في مختصره إلى
أدلة قبوله ومراده ما يشمل المعضل وغيره فقال ولقابليه أدلة
الأول إجماع الصحابة والخصم لا ينازع في قبوله يريد فإنه لا
يرسل الصحابي إلا عن صحابي مثله والصحابة عدول ويمنع أي الخصم
القياس عليه أي على قبول مرسل الصحابة بإبداء الفارق بين
الصحابة ومن بعدهم وهو أي الفارق غلبة الديانة في الصحابة
وورود الثناء عليهم كتابا وسنة وهو أي الفارق صحيح فبطل القياس
الثاني من أدلة قابلي المرسل إجماع التابعين على قبوله كما
نقله محمد بن جرير وقدمنا كلامه ومنع المخالف الذي لا يقبل
المرسل صحته أي إجماع التابعين لأنه سكوتي فإن غايته أنه قبله
البعض وسكت البعض والسكوت لا يدل على أن الساكت قائل بصحة ما
قاله غيره لأن
(1/263)
المسألة ظنية أي مسألة قبول المرسل ولا يجب
النكير فيها فلا يعلم موافقة الساكت بوجه إذ الظنيات لا نكير
فيها فسكوته لا يدل على قوله بقبوله ولا قائل بأن هذا الإجماع
قولي بل هو سكوتي قطعا ولأنا لا نسلم إجماع التابعين لثبوت
الخلاف فيه عن محمد بن سيرين والزهري فإنهما لا يقبلانه فأين
الإجماع وهما من أئمة التابعين ولو سلم فهو خاص بالتابعين ولا
يصح قياس غيرهم عليهم لوجود الفارق كالصحابة أي كوجود الفارق
بين الصحابة وغيرهم والفارق هنا بين التابعين وغيرهم ثبوت أنهم
من خير القرون كما ثبت به الحديث وقد ذكر المنصور بالله أنه لا
يسأل عن عدالة ثلاثة قرون وأن ذلك معلوم لأهل الفقه ولا يقال
يقاس عليهم من هو مثلهم في العدالة لأن القصد ظن عدالة الوسائط
الساقطة قالوا أي قابلوا المرسل الإرسال المجزوم بمنزلة
التعديل المطلق وقد قال الجويني والباقلاني إنه يحرم أي الجزم
في مواضع الخلاف على العالم والجواب عن هذا من وجوه الأول أنه
مخبر عن اعتقاده لا عن الأمة ولذا لم تحل حكاية الإجماع بأن
يقول إجماعا لأنها حكاية عن نفسه فلا تدليس منه إلا لو قالوا
إجماعا
(1/264)
الثاني من الأجوبة أنه قد لا يعلم الخلاف
في المسألة فلا يلزم أنه تدليس الثالث من الأجوبة أن تحريم
الإرسال أو التعديل المطلق عليه ظني فيجوز أن يخالفه الرابع من
الأجوبة أنه يلزم مثل ذلك في جميع مواضع الخلاف كالرواية
بالمعنى فإن فيها خلافا والفتوى فيلزم أن تحرم الرواية بالمعنى
والفتوى لأنها رواية بالمعنى ولا يقولون به الخامس من الأجوبة
أنه يلزمه أي المانع أن لا يقبل إلا مرسل العالم بمواضع الخلاف
لأنه الذي يصدق عليه ما ذكرتم والحق أن عادات العلماء والثقات
قد اختلفت في ذلك بالتجربة بتجربتنا لطرائقهم في ذلك فتكون
العادة متبعة في ذلك فمن عرفت عادته بشيء أقيم عليها دون مجرد
الاحتمال من غير عادة يريد أن احتمال سقوط عدالة الساقط لا
تقابل ما علم من اعتقاد اختلاف العلماء في قبول ذلك المرسل
لأنه أي الاحتمال لا يحصل به ظن مع العلم باختلافهم في ذلك
والله أعلم الثالث من أدلة قابلي المرسل تناول أدلة قبول
الآحاد التي قدمناها للمرسل لأنه داخل في الآحاد وأجيب بالمنع
أي بمنع جعل المرسل من الآحاد في السمعيات فإن الأدلة السمعية
إنما دلت على قبول الصدر الأول من الصحابة والتابعين دون غيرهم
وأما الدليل العقلي فمن اعتقد صحته أي صحة
(1/265)
الاستدلال بالعقل على قبول الآحاد لزمه
قبول ما أفاد الظن من المراسيل والظاهر أن ما أفاد الظن أوجب
العمل به ولذلك أجمعوا على قبول مراسيل الصحابة وقال الجمهور
بصحة تعاليق البخاري المجزوم بها وكأن من أوجب الإسناد يرى
وجوب طلب الظن الأقوى ومن قبل المرسل يكتفي لمجرد الظن بهذا
القوي عند حصول الظن الرابع من أدلة القابلين حمل الراوي على
السلامة موجب قبول مرسله ونكتة الجواب أن طريق المرسل أي الشخص
المرسل إلى اعتقاد صحة ما أرسله ظني اجتهادي والتقليد في
الاجتهاديات محرم على المجتهدين إلا عند الضرورة أي وقبول
المراسيل تقليد لمرسلها وهو محرم على المجتهد كالجرح والتعديل
وإنما وجب قبول الخبر أي من الراوي لأنه نقل لا اجتهاد له فيه
بل هو ناقل عن غيره ولذلك يترك الاجتهاد للخبر وقد علمت من هذا
الجواب حجة من أوجب الإسناد ولهم أي الذين أوجبوا الإسناد أيضا
أن قبوله أي المرسل يستلزم قبول مرسل من يقبل المجاهيل أي وهو
منكر أشد الإنكار وقبول سائر المختلف فيهم لأن قابل المرسل لا
يدري من سقط بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال السيد
محمد وقد يسند بعض الأئمة محيلا للغير على النظر في الإسناد
فيذهب بعض من أتباعه أو غيرهم إلى أن روايته إلى من أسند
الحديث إليهم يقضي بصحة الحديث عنده وتعديله لرجال إسناده
فيحذف الأسانيد اختصارا ويرسل الحديث بصيغة الجزم وهذا مذهب
بعض أصحاب الشافعي أن الرواية عن الرجل تقتضي تعديله وعليه عمل
بعض مصنفي الزيدية كأنه يريد أحمد بن سليمان وصاحب الشفا
والمهدي
(1/266)
وهو مذهب ضعيف جدا لما علم من رواية الثقات
عن الضعفاء انتهى كلام السيد محمد مبينا بزيادات لطيفة تحل
المعاني وإلى هنا انتهى ما يرد به الحديث من حيث السقط وقد
انحصر في المعلق والمرسل والمعضل والمنقطع وهو قسمان واضح وخفي
ومرسل خفي من معاصر لم يلق والقسم الثاني مما يرد به الحديث
وهو الطعن ويكون بأحد عشرة أشياء الأول ما أفاده قولنا:
...
[مسألة الموضوع:]
(56) والطعن إما أن يكون بالكذب
... فسمه الموضوع والترك يجب
قال الحافظ الطعن يكون بعشرة أشياء بعضها أشد في القدح من بعض
خمسة تتعلق بالعدالة وخمسة تتعلق بالضبط
(1/267)
الأول الموضوع قال في التقريب وهو المختلق
المصنوع وهو شر الضعيف وأقبحه وتحرم روايته مع العلم به في أي
معنى كان إلا مبينا أي مقرونا ببيان وضعه ومثله قاله الذهبي
قال الحافظ والحكم عليه بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا
بالقطع قلت هذا ليس خاصا بالموضوع بل بكل حديث وصف بصحة أو حسن
أو ضعف فليس إلا بالنظر إلى ما وصل إلى علم واصفه ولعله في نفس
الأمر بخلافه ولكنه لا تكليف بما في نفس الأمر قال السيد محمد
ويعرف أي الوضع بإقرار الراوي على نفسه بالوضع ومثله قال
الحافظ وقال قال ابن دقيق العيد لكن لا يقطع بذلك لاحتمال أن
يكون كذب في ذلك الإقرار انتهى وفهم منه بعضهم أن لا يعمل بذلك
الإقرار أصلا وليس ذلك مراده وإنما نفي القطع بذلك ولا يلزم من
نفي القطع نفي الحكم لأن الحكم يقع بالظن الغالب وهو هنا كذلك
ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل ولا رجم المعترف بالزنا
لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به انتهى قلت لا يخفى أنه
قد أقر أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد قال
الجويني إن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر وفي
شفاء الأوام أن
(1/268)
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإجماع منعقد على كفر قائله وفاعله فقد انتفى شرط قبول
الرواية قطعا سواء كان إقراره صدقا أو كذبا فلا فائدة تظهر في
الخلاف وأما قول الحافظ إنه يحتمل إقرار المقر بأنه قتل أو أنه
زنا الكذب فاحتمال في غاية من البعد لا يلتفت إليه ولا يعول
عليه وكذا احتمال أنه أقر الراوي بأنه كذب لا يحتمل أنه كاذب
في هذا الإقرار إلا احتمال لا يعول عليه بل قد جعل الله
الإنسان على نفسه بصيرة وعلق الإيمان بالقول حتى يقولوا ولم
يؤمر بالتفتيش عن القلوب فهذه الاحتمالات ليست من وظائف
التكليف حتى نشتغل بذكرها وممن أقر بالوضع أبو عصمة نوح بن أبي
مريم المروزي قاضي مرو قيل له من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس
في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا قال إني
رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة
ومغازي ابن إسحاق فوضعت ذلك حسبة وكان يقال لأبي عصمة نوح
الجامع قال ابن حبان جمع كل شيء إلا الصدق وروى ابن حبان في
الضعفاء عن ابن مهدي قال قلت لميسرة ابن عبد ربه من أين جئت
بالأحاديث من قرأ كذا فله كذا قال وضعتها أرغب الناس بها وكذا
حديث ابن أبي الطويل في فضائل قراءة القرآن سورة سورة فروى عن
المؤمل بن إسماعيل أنه قال حدثني به شيخ فقلت للشيخ من حدثك
قال حدثني رجل بالمدائن وهو حي فصرت إليه فقلت له
(1/269)
من حدثك قال حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت
إليه فقلت من حدثك قال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقلت من
حدثك فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم
متصوفة معهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت يا شيخ من حدثك
فقال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن
فوضعنا لهم هذا الحديث لينصرفوا إلى القرآن قال السيوطي ولم
أقف على تسمية هذا الشيخ إلا أن ابن الجوزى أورده في الموضوعات
من طريق بزيغ بن حبان عن علي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي
ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي قال والآفة فيه من بزيغ ثم أورده
من طريق مخلد بن عبدالواحد عن علي وعطاء ثم قال الآفة فيه من
مخلد فكأن أحدهما وضعه والآخر سرقه أو كلاهما سرقه من ذلك
الشيخ الواضع انتهى قال النووي وقد أخطأ من ذكره من المفسرين
قال السيوطي كالثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي قلت وأبو
السعود وغير هؤلاء قال العراقي لكن من أبرز إسناده كالأولين
فهو أبسط لعذره إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده وإن كان لا
يجوز السكوت عليه وأما من لم يبرز سنده وأورده بصيغة الجزم
فخطأه أفحش انتهى وقال النووي في التقريب بإقراره أو معنى
إقراره قال السيوطي في
(1/270)
شرحه عبارة ابن الصلاح وما يتنزل منزلة
إقراره وقال العراقي كأن يحدث بحديث عن شيخ ويسأل عن مولده
فيذكر تاريخ يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله ولا يعرف ذلك الحديث إلا
عنده فهذا لم يعترف بوضعه لكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة
إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا برواية هذا عنه
انتهى وقد ذكر الحافظ من القرائن التي يدرك بها الوضع ما يوجد
من حال الراوي كما وقع لمأمون بن أحمد أنه وقع بحضرته الخلاف
في كون الحسن سمع من أبي هريرة أولا فساق في الحال إلى النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال سمع الحسن من أبي هريرة ومنها ما
يؤخذ من حال المروي كأن يكون مناقضا لنص القرآن أو السنة
المتواترة أو الإجماع القطعي أو صريح العقل حيث لا يقبل شيء من
ذلك التأويل قلت ومن المخالف للعقل ما رواه ابن الجوزي من طريق
عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده مرفوعا إن سفينة نوح
طافت بالبيت سبعا وصلت عند المقام ركعتين قال ابن الجوزي إذا
رأيت الحديث ينافي المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول
فاعلم أنه موضوع وقال الربيع بن خيثم إن للحديث ضوءا كضوء
النهار نعرفه وظلمة كظلمة الليل ننكره وقال ابن الجوزي الحديث
المنكر يقشعرله جلد الطالب للعلم وينفر عنه قلبه في الغالب ثم
قال والحامل للواضع على الوضع إما عدم الدين كالزنادقة قلت روى
العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال وضعت الزنادقة على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث منهم عبدالكريم بن
أبي العرجاء الذي قتل وصلب في زمان المهدي قال ابن عدي لما أخذ
ليضرب عنقه قال وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال
وأحلل فيها الحرام ثم قال الحافظ أو غلبة الجهل كبعض
(1/271)
المتعبدين قال النووي إن أعظم الواضعين
ضررا قوم ينتسبون إلى الزهد وضعوه حسبة أي احتسابا للأجر عند
الله في زعمهم فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم قلت كواضع حديث فضائل
السور كما عرفت قال السيوطي واعلم أن السور التي صحت الأحاديث
في فضلها الفاتحة والزهراوان والأنعام والسبع الطوال مجملا
والكهف ويس والدخان والملك والزلزلة والنصر والكافرون والإخلاص
والمعوذتين وما عداها لم يصح فيها شيء قال وقد جمعت في ذلك
كتابا لطيفا سميته خمائل الزهر في فضائل السور وقال السيوطي
كان أبو داود النخعي أطول الناس قياما بليل وأكثرهم صياما
بنهار وكان يضع وقال ابن حبان كان أبو بشر أحمد بن محمد الفقيه
المروزي من أصلب أهل زمانه في السنة وأذبهم عنها وأقمعهم لمن
خالفها ومع هذا كان يضع الحديث وقال ابن عدي كان وهب بن حفص من
الصالحين مكث عشرين سنة لا يكلم أحدا وكان يكذب كذبا فاحشا قال
الحافظ أو فرط العصبية كبعض المقلدين أي أو يكون الحامل فرط
العصبية من مقلد لمن قلده ولما قاله إمامه كما قيل لمأمون بن
أحمد الهروي ألا ترى الشافعي ومن تبعه بخراسان فقال حدثنا أحمد
بن
(1/272)
عبدالله ثنا عبدالله بن معدان الأزدي عن
أنس مرفوعا يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على
أمتي من إبليس ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج
أمتي وقيل لمحمد بن عكاشة الكرماني إن قوما يرفعون أيديهم في
الركوع وفي الرفع منه فقال حدثنا المسيب بن واضح ثنا ابن
المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس مرفوعا من رفع يديه
في الركوع فلا صلاة له قال الحافظ أو اتباعا لهوى بعض الرؤساء
قلت كما ذكره الحافظ قبل هذا أن غياث بن إبراهيم دخل على
المهدي فوجده يلعب بالحمام فساق في الحال إسنادا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو
جناح فزاد في الحديث أو جناح فعرف المهدي أنه كذب لأجله فأمر
بذبح الحمام انتهى زاد في التدريب وقال أنا حملته على ذلك وذكر
أنه لما قام قال أشهد أن قفاك قفا كذاب أسنده الحاكم وأسند عن
هارون بن أبي عبدالله عن أبيه قال قال لي المهدي ألا ترى ما
يقول لي مقاتل قال إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس قلت لا
حاجة لي فيها انتهى قلت وفي تاريخ ابن عساكر قال زكريا الساجي
بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو يطير الحمام فقال هل
تحفظ في هذا شيئا قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يطير الحمام فقل هارون اخرج عني
ثم قال لو أنه من قريش لعزلته انتهى ثم قال الحافظ والإغراب
لقصد الاشتهار قال السيد محمد وقد يطلق أي الموضوع على غير
العمد
(1/273)
أي من الراوي بل على طريق الوهم والسهو وقد
أطلق بعض المحدثين الكذاب على من هو كاذب في اعتقاده أو غالط
وقد استوفينا البحث في شرح التنقيح قال الحافظ وكل ذلك حرام
بإجماع من يعتد به إلا أن بعض الكرامية وبعض المتصوفة نقل عنهم
إباحة الوضع في الترغيب والترهيب وهو خطأ من فاعله نشأ عن جهل
لأن الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية واتفقوا على أن
تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الكبائر
وبالغ أبو محمد الجويني فكفر من تعمد الكذب على رسول الله صلى
الله عليه وسلم واتفقوا على تحريم رواية الموضوع إلا مقرونا
ببيانه لقوله صلى الله عليه وسلم من حدث عني بحديث يرى أنه كذب
فهو أحد الكذابين انتهى واستدل من أجاز الوضع للترغيب والترهيب
بما روي في بعض طرق الحديث من كذب علي متعمدا ليضل به الناس
وحمل بعضهم حديث من كذب علي أي قال إنه شاعر أو مجنون وقال
بعضهم إنما يكذب له لا عليه وقال محمد بن سعيد المصلوب الكذاب
الوضاع لا بأس إذا كان كلام حسن أن تضع له إسنادا قلت ومحمد بن
سعيد هو الذي وضع الزيادة في حديث أنا خاتم النبيين لا نبي
بعدي إلا أن يشاء الله وضع هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من
الإلحاد والزندقة والدعوة إلى التبني قال النووي في التقريب
وقد أكثر جامع الموضوعات أعني أبا الفرج ابن الجوزي فذكر كثيرا
مما لا دليل على وضعه بل هو ضعيف قال السيوطي في شرحه بل فيها
الحسن بل والصحيح وأغرب من ذلك أن فيها حديثا من صحيح مسلم قال
الذهبي وربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حسانا قوية
وقال الحافظ ابن حجر غالب ما في كتاب ابن الجوزي موضوع والذي
ينتقد عليه بالنسبة إلى الذي
(1/274)
لا ينتقد قليل جدا انتهى إذا عرفت هذا فهذا
القسم الأول من العشرة التي يطعن بها في الحديث ويكون بها
مردودا.
...
[مسألة المتروك:]
وهذا القسم الثاني من العشرة أفاده قولنا:
(57) أو تهمة كانت به لمن روى ...
فإنه المتروك اسما لا سوى
قوله أو تهمة عطف على قوله بالكذب أي أو يكون الطعن في الرواية
بتهمة الراوي بالكذب بأن لا يروى ذلك الحديث إلا من جهته مع
المخالفة للقواعد المعلومة أو عرف بالكذب في كلامه في غيره وإن
لم يظهر منه الكذب في الحديث فإن هذا عند أهل الحديث هو المسمى
بالمتروك وهو أخف من الموضوع.
...
[مسألة في المنكر:]
وهو ثالث العشرة التي يطعن بها أشار إليه قولنا:
(58) أو غلط فيه يكون فاحشا ... أو
غفلة أو يفعل الفواحشا
هذه ثلاثة من المطاعن الأول فحش غلط من الراوي أي كثرته
(1/275)
والثاني غفلته عن الإتقان والثالث فسقه
بفعل أو قول مما لا يبلغ الكفر وقد فسره قولنا:
(59) مما به يفسق فادع الكلا ...
بمنكر أوهمه في الإملا
فقولنا مما به يفسق بيان لقوله للفواحش وقد شمل القول إن كان
المبين فعل الفواحش لكنه كما يفسق بالفعل يفسق أيضا بالقول
فهذه الثلاثة تسمى بالمنكر قال الحافظ والثالث وهو من فحش غلطه
المنكر على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة وكذا
الرابع يريد من به غفلة والخامس يريد من هو فاسق قال فمن فحش
غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر انتهى.
...
[مسألة في المعلل:]
وقد أفاده قولنا أو وهمه في الإملا والمراد به الرواية فهذا هو
القسم السادس من العشرة والوهم يعرف بما يفيده قولنا:
(60) والوهم إن يعرف بالقرائن ...
والجمع للطرق مع التباين
(61) فسمه معللا وإن طعن ... بأنه
خالف موثوقا أمن
قال الحافظ والوهم إن اطلع عليه بالقرائن الدالة على وهم راويه
من وصل مرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث أو نحو ذلك من
الأشياء القادحة ويحصل ذلك بكثرة التتبع وجمع الطرق فهذا هو
(1/276)
المعلل وهو من أغمض أنواع الحديث وأدقها
ولا يقوم به إلا من رزقه الله فهما ثاقبا وحفظا واسعا ومعرفة
تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد والمتون ولهذا لم
يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني وأحمد
بن حنبل والبخاري ويعقوب بن أبي شبية وأبي زرعة والدارقطني وقد
تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد
الدينار والدرهم انتهى فهذا القسم السابع يسمى معللا وفي عبارة
البخاري والترمذي والحاكم والدارقطني يسمونه المعلول قال
النووي وهو لحن وذلك لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي
على مفعول قال السيوطي والأجود فيه المعل بلام واحدة لأنه
مفعول أعل قياسا وأما معلل فمفعول علل وهو لغة بمعنى ألهاه
بالشيء وشغله وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم انتهى قال
النووي والعلة عبارة عن سبب غامض خفي قادح مع أن الظاهر
السلامة منه تتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة وقال السيد
محمد أو يرد الحديث لوهمه أي الراوي مع ثقته فإن اطلع عليه
بالقرائن وجمع الطرق فالمعل وهو جنس يدخل تحته الشاذ والمنكر
والمضطرب ويشبهه ما ترده الحنفية بعدم شهرته مع مسيس الحاجة
إليه قلت كما قالوه في حديث نقض الوضوء بمس الذكر فإنهم يعلونه
(1/277)
بعدم اشتهاره قالوا"ولو كان صحيحاً لكان
مشهوراً" وقد رد ما قالوه في أصول الفقه ثم قال لكنه صار
كالمعلل من غير بحث ووجه المسألة أن ظن صدق الراوي الثقة إن
كان أقوى عمل عليه وهو الغالب وإن كان أضعف أعل بفساد رجحان
الصحة وهي العلة في الموضعين أي في القبول والترك وهذا نادر
لكنه غير مقطوع بامتناعه انتهى كلامه وقوله وهذا أي الطرف
الآخر وهو قوله وإن كان أضعف نادر لأن خبر الثقة في الغالب
يحصل به الظن القوي لا العكس وقوله لكنه أي هذا النادر غير
مقطوع بامتناعه. واعلم أنه قال النووي "وقد تطلق العلة على غير
مقتضاها الذي قدمناه ككذب الراوي وغفلته وسوء حفظه ونحوها من
أسباب ضعف الحديث وسمى الترمذي النسخ علة"انتهى. قال وتقع
العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن وما وقع في
الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن كالإرسال والوقف وقد يقدح في
الإسناد خاصة ويكون المتن معروفاً صحيحا كحديث يعلى بن عبيد أي
الطنافسي أحد رجال الصحيح عن سفيان أي الثوري عن عمرو بن دينار
عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار" غلط على
سفيان في قوله عمرو بن دينار إنما هو عبدالله بن دينار قال
السيوطي رحمه الله هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان كأبي نعيم
الفضل بن
(1/278)
دكين ومحمد بن يوسف الفريابي ومخلد بن يزيد
وغيرهم قال ومثال العلة في المتن ما انفرد به مسلم في صحيحه من
رواية الوليد بن مسلم وساق سنده إلى أنس بن مالك أنه حدثه قال
صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان
وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله
الرحمن الرحيم لا في أول القراءة ولا في آخرها ثم رواه من
رواية الوليد عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة
أنة سمع أنساً يذكر ذلك وروى مالك في الموطأ عن حميد عن أنس
قال صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان وكلهم كان لا يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم وزاد فيه الوليد بن مسلم عن مالك صليت خلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث معلول أعله الحفاظ بوجوه
فأما رواية حميد فأعلها الشافعي بمخالفة الحفاظ مالكا فقال في
سنن حرملة فيما نقله عنه البيهقي فإن قال قائل قد روى مالك
فذكره قيل له خالفه سفيان بن عيينه والفزاري والثقفي وعدد
لقيتهم سبعة أو ثمانية متفقين مخالفين له والعدد الكثير أولى
بالحفظ من واحد ثم رجح روايتهم بما رواه عن سفيان عن أيوب عن
قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر
يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين قال الشافعي يعني
يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل مايقرأ بعدها ولا يعني أنهم
يتركون بسم الله الرحمن الرحيم قال الدارقطني وهذا هو المحفوظ
عن قتادة عن أنس قال البيهقي وكذلك رواه عن قتادة أكثر أصحابه
كأيوب وشعبة والدستوائي
(1/279)
وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة
وأبي عوانة وغيرهم قال ابن عبد البر فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة
وليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط البسملة وهذا هو
اللفظ المتفق عليه في الصحيحين وهو رواية الأكثرين ورواه كذلك
أيضاً عن أنس ثابت البناني وإسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة وما
أوله به الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني بسند صحيح وكانوا
يفتتحون بأم القرآن قال ابن عبد البر ويقولون إن أكثر رواية
حميد عن أنس إنما سمعها من قتادة وثابت عن أنس ويؤيد ذلك أن
ابن عدي صرح بذكر قتادة بينهما في هذا الحديث فتبين انقطاعها
ورجوع الطريقين إلى واحدة وأما رواية الأوزاعي فأعلها بعضهم
بأن الراوي عنه وهو الوليد يدلس تدليس التسوية وإن كان قد صرح
بسماعه من شيخه وإن ثبت أنه لم يسقط بين الأوزاعي وقتادة أحد
فقتادة ولد أكمه فلا بد أن يكون أملى عليه من كتب إلى الأوزاعي
ولم يسم هذا الكاتب فيحتمل أن يكون مجروحا أوغير ضابط فلا تقوم
به الحجة مع ما في أصل الرواية بالكتابة من الخلاف وإن بعضهم
يرى انقطاعها وقال ابن عبد البر اختلف في ألفاظ هذا الحديث
اختلافاً كثيراً متدافعا مضطرباً منهم من يقول صليت خلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ومنهم من يذكر
عثمان ومنهم من يقتصر على أبي بكر وعمر ومنهم من يقتصر على أبي
بكر وعمر وعثمان ومنهم من قال وكانوا لا يجهرون ببسم الله
الرحمن الرحيم ومنهم من قال وكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن
الرحيم ومنهم من قال فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب
العالمين ومنهم من قال وكانوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم
وهذا اضطراب لا تقدم معه حجة انتهى من شرح التقريب للسيوطي
(1/280)
[مسألة مدرج
الإسناد:]
أشرنا إليها بقولنا وإن طعن بأنه خالف موثوقا أمن إشارة إلى
السابع مما يطعن به وهو مخالفة الراوي للثقات ولما كانت
المخالفة بأمور ذكرناها بأسمائها فقلنا
(62) فإن يكن غير في السياق ...
فمدرج الإسناد باتفاق
هذا أول الأقسام من أقسام المخالفة من الراوي للثقات وهو أن
يغير في سياقه الإسناد فالواقع فيه ذلك التغيير يسمى مدرج
الإسناد قال الحافظ وهو أقسام الأول أن يروي جماعة الحديث
بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راو فيجمع الكل على إسناد واحد من
تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف الثاني أن يكون المتن عند راو
إلا طرفا منه فإنه عنده بأسانيد مختلفة فيرويه راو إلا طرفا
منه فإنه عنده بإسناد آخر فيرويه راو عنه تاما بالإسناد الأول
ومنه أن يسمع الحديث من شيخه إلا طرفا منه فيسمعه عن شيخه
بواسطة فيرويه عنه تاما بحذف الواسطة الثالث أن يكون عند
الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما راو عنه
مقتصرا على أحد الإسنادين أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص
به لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول الرابع أن
يسوق الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاما من قبل نفسه فيظن بعض
من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك هذه
أقسام مدرج الإسناد انتهى كلام الحافظ والسيد محمد ذكر بعض هذه
الأقسام في متن مختصره وقد بيناها وأمثلتها في شرحنا على
التنقيح
(1/281)
الثامن من أقسام المخالفة.
...
[مسألة مدرج المتن:]
وأشار إليه قولنا:
(62) أو أدمج الموقوف بالمرفوع ...
فمدرج المتن لدا الجميع
وهذا مدرج المتن وهو أن يقع في المتن كلام ليس منه بل من كلام
الصحابة أومن بعدهم يتصل بالمرفوع من كلامه صلى الله عليه وسلم
من غير فصل بينهما فتارة يكون في أوله وتارة في أثناءه وتارة
في آخره وهو الأكثر لأنه يقع بعطف جملة على جملة قال الحافظ
ويدرك الإدراج بوجود رواية مفصلة للقدر المدرج مما أدرج فيه أو
بالتنصيص على ذلك من الراوي أو من بعض الأئمة المطلعين أو
باستحالة كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وقد صنف
الخطيب في المدرج كتابا سماه تقريب المنهج في ترتيب المدرج
ولخصته وزدت عليه قدر ما ذكر مرتين أو أكثر انتهى قلت في
التقريب للنووي وصنف فيه الخطيب كتابا قال السيوطي في شرحه أي
في نوع المدرج وسماه الفصل للوصل المدرج في النقل قال النووي
شفى وكفى أي الخطيب قال السيوطي وقد لخصه شيخ الإسلام يريد
الحافظ ابن حجر وزاد عليه قدره مرتين أو أكثر في كتاب سماه
تقريب المنهج في ترتيب المدرج انتهى وكأنه وقع ما ذكره سهوا
وقول الحافظ بوجود رواية
(1/282)
مفصلة ومثاله ما رواه أبو داود ثنا عبدالله
بن محمد النفيلي ثنا زهير ثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن
مخيمرة قال أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبدالله بن مسعود وذكر
تعليمه له صلى الله عليه وسلم للتشهد وفيه إذا قلت هذا أو قضيت
هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد
فقوله إذا قلت إلى آخره وصله زهير بن معاوية بالحديث المرفوع
في رواية أبي داود قال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها
مدرجة وقد رواه شبابة بن سوار عن زهير ففصله فقال قال عبد الله
فإذا قلت إلى آخره رواه الدارقطني وقال شبابة ثقة وقد فصل آخر
الحديث وجعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية من أدرج وهو
أشبه بالصواب لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن كذلك مع اتفاق كل من
روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك وكذلك ما
أخرجه الشيخان من طريق ابن أبي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة
عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة من أعتق شقصا
وذكرا فيه الاستسعاء قال الدارقطني فيما انتقده على الشيخين قد
رواه شعبة وهشام وهما أثبت الناس في قتادة فلم يذكرا فيه
الاستسعاء ووافقهما همام وفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من
قول قتادة قال الدارقطني وذلك أولى بالصواب وقول الحافظ أو
(1/283)
باستحالة كون النبي صلى الله عليه وسلم
يقول ذلك ومثاله ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا للعبد
المملوك أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج
وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك فقوله والذي نفسي بيده إلى
آخره من كلام أبي هريرة لأنه ممتنع منه صلى الله عليه وسلم أن
يتمنى الرق ولأن أمه لم تكن إذ ذاك موجودة حتى يذكر برها وقول
الحافظ تارة في أوله لأن الراوي يقول كلاما فيريد أن يستدل
عليه بالحديث فيأتي به بلا فصل فيتوهم أن الكل حديث مثاله ما
رواه الخطيب من رواية أبي قطن وشبابة فرقهما عن شعبة عن محمد
بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار فقوله أسبغوا الوضوء مدرج
من قول أبي هريرة كما في رواية البخاري عن آدم عن شعبة إلى
قوله عن أبي هريرة أنه قال أسبغوا الوضوء قال أبو القاسم ويل
للأعقاب من النار قال الخطيب وهم أبو قطن وشبابة في روايتهما
عن شعبة وقد رواه الجم الغفير كرواية آدم ومثال المدرج في
الوسط حديث عائشة في بدء الوحي كان النبي صلى الله عليه وسلم
يتحنث في غار حراء وهو التعبد الليالي ذوات العدد فقوله وهو
التعبد مدرج من قول الزهري وحديث فضالة أنا الزعيم
(1/284)
والزعيم الحميل ببيت في ربض الجنة الحديث
فقوله والزعيم الحميل مدرج من تفسير ابن وهب والأمثلة كثيرة
والثالث من أقسام المخالفة تضمنها قولنا:
...
[مسألة المقلوب:]
(64) أو كان بالتقديم والتأخير ...
فإنه المقلوب في المأثور
عطف على قولنا فإن يكن غير في السياق أي أو كان الراوي للمخالف
غير في الرواية بالتقديم والتأخير في الأسماء كمرة بن كعب أو
كعب بن مرة لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر ونحو حديث مشهور عن
سالم جعله عن نافع ليرغب فيه لغرابته قال ابن دقيق العيد وهذا
هو الذي يطلق عل رواية أنه سرق الحديث فهذا هو المقلوب وعبارة
شرح التقريب في هذا قال أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر
وبالعكس وهذا قد يقصد به أيضا الإغراب فيكون كالوضع قال الحافظ
وللخطيب فيه كتاب رفع الارتياب قال وقد يقع القلب في المتن
أيضا كحديث أبي هريرة عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله
تعالى في ظل عرشه ففيه ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم
يمينه ما تنفقه شماله فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو
حتى لا
(1/285)
تعلم شماله ما تنفق يمينه كما في الصحيحين.
الرابع منها: |