إسبال المطر على قصب السكر

[مسألة متصل الأسانيد:]
أشار إليها قولنا:

(65) أو زاد راو سمه المزيد في ... متصل الإسناد فيه واكتفي
فقولنا راو من باب ولو أن واش وهو أيضا عطف على ما قبله أي أو كان الراوي المخالف زاد في أثناء الإسناد راويا والذي لم يزده أتقن فهذا يسمى المزيد في متصل الأسانيد.

[مسألة المضطرب:]
قد ألم به قولنا:

(66) أو كان إبدالا بلا مرجح ... فسمه مضطربا واطرح
هذا خامس ما تقع به المخالفة وهو معطوف على ما تقدمه من أقسامها الأربعة أي أو كان الراوي خالف غيره بإبداله براو آخر ولا مرجح لإحدى الروايتين على الأخرى فهذا عندهم يقال له المضطرب قال الحافظ وهو يقع في الإسناد غالبا وقد يقع في المتن لكن قل

(1/286)


أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون الإسناد انتهى كلام الحافظ واعلم أنه أجمل فيما تكلم به في هذا القسم وقد بسطه النووي في التقريب وشرحه للسيوطي فننقل ما قالا فقال المضطرب هو الذي يرد على أوجه مختلفة من راو واحد مرتين أو أكثر أو من راو ثان أو من رواة متقاربة وعبارة ابن الصلاح متساوية وعبارة ابن جماعة متقاومة بالواو والميم أي ولا مرجح فإن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات بحفظ راويها مثلا أو كثرة صحبته المروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيح فالحكم للراجحة ولا يكون الحديث مضطربا لا الرواية الراجحة كما هو ظاهر ولا المرجوحة بل هي شاذة أو منكرة والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعدم الضبط من رواته الذي هو شرط في الصحة أو الحسن ويقع الاضطراب في الإسناد تارة وفي المتن أخرى ويقع فيهما أي الإسناد والمتن معا من راو واحد أو راويين أو جماعة مثاله في الإسناد حديث أبي بكر أنه قال يا رسول الله أراك شبت قال شيبتني هود وأخواتها قال الدارقطني هذا مضطرب فإنه لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق وقد اختلف فيه عليه على نحو عشرة وجوه فمنهم من رواه عنه مرسلا ومنهم من رواه موصولا ومنهم من جعله من مسند أبي بكر ومنهم من جعله من مسند سعد ومنهم من جعله من مسند عائشة وغير ذلك ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض

(1/287)


ومثال مضطرب المتن فيما أورده العراقي حديث فاطمة بنت قيس قالت سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال إن في المال لحقا سوى الزكاة رواه الترمذي هكذا من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ ليس في المال حق سوى الزكاة قال فهذا الاضطراب لا يحتمل التأويل وقد عورض التمثيل بهذا بأن شيخ شريك ضعيف فهو مردود لضعف رواية لا لاضطرابه قيل وأحسن منه في التمثيل حديث البسملة الذي قدمناه.

[مسألة جواز الإبدال عمدا للامتحان:]
قد تضمنها قولنا:

(67) وربما للامتحان يفعل ... عمدا وفيه قصة لا تجهل
ضبط لقول الحافظ وقد يقع الإبدال عمدا امتحانا وقولنا وفيه قصة لا تجهل إشارة إلى ما وقع للبخاري من القصة المشهورة لما امتحنه علماء بغداد وأبدلوا له ما أوردوه عليه وذلك فيما رواه الخطيب بسنده إلى أبي أحمد بن عدي يقول سمعت عدة مشائخ بحلوان أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى

(1/288)


عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري وأخذوا الوعد للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم ومن كان منهم على غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم ثم انتدب إليه رجل أخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري لا أعرفه ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل وقد بسط القصة الحافظ في مقدمة فتح الباري وهذه

(1/289)


[مسألة المصحف والمحرف:]
وهو السابع منها أشار إليها قولنا:

(68) أو كان بالتغيير للحروف ... مع بقا سياقه المعروف
(69) فسمه المصحف المحرفا ... هذا وحرم منهم التصرفا
أي أو كان الراوي خالف بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق وجعلوه قسمين الأول إن كان بالنسبة إلى النقط فالمصحف وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف قال الحافظ ومعرفة هذا النوع مهمة وقد صنف فيه العسكري والدارقطني وغيرهما وأكثر ما يقع في المتون وقد يقع في الأسماء التي في الأسانيد انتهى مثال ما وقع في المتن ما رواه الدارقطني أن أبا بكر الصولي أملى حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فقال شيئا بالشين المعجمة والتحتانية ومنه ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة بإسناده عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد وإنما هو احتجر بالراء أي اتخذ حجرة من حصير أو نحوه يصلي عليها

(1/290)


ومن التصحيف في الإسناد العوام بن مراجم بالراء والجيم صحفه ابن معين فقال مزاحم بالزاي والحاء ويكون في المعنى كقول محمد بن المثنى العنزي نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم وإنما العنزة هنا الحربة تنصب بين يديه وأعجب من ذلك ما ذكره الحاكم عن أعرابي أنه زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى شاة صحف عنزة بسكون النون ثم رواه بالمعنى فكان خطأ من وجهين في اللفظ والمعنى وهذا باب واسع يقع في القرآن والحديث ومخاطبات الناس قال النووي وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق أي لا من بطون الكتب وإذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقال ابن سيرين وابن سخبرة يرويه كما سمعه أي ملحونا محرفا محافظة على اللفظ وهذا غلو في ذلك قال النووي والصواب وقول الأكثرين يرويه على الصواب انتهى

(1/291)


[مسألة جواز النقص من الرواية والرواية بالمعنى:]
قد ألم بهما قولنا:

(70) بالنقص والمرادف الشهير ... للمتن عمدا فيه بالتغيير
(71) إلا لمن يعلم بالمعاني ... وما يحيل اللفظ والمباني
هذا إلمام بمسألتين وهو منع التصرف في الحديث بالنقص منه ومنع روايته بلفظ يرادفه إلا لمن ذكر قال الحافظ ولا يجوز تغيير صورة المتن مطلقا ولا الاختصار منه بالنقص ولا إبدال اللفظ المرادف باللفظ المرادف له إلا لعالم بمدلولات الألفاظ بما يحيل المعاني على الصحيح في المسألتين أما اختصار الحديث فالأكثرون على جوازه بشرط أن يكون الذي يختصره عالما لأن العالم لا ينقص من الحديث إلا ما لا تعلق له بما يبقيه منه بحيث لا تختلف الدلالة ولا يختل البيان حتى يكون المذكور والمحذوف بمنزلة خبرين أو يدل ما ذكره على ما حذفه بخلاف الجاهل فإنه قد ينقص ماله تعلق كترك الاستثناء زاد النووي أما من رواه تاما فخاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة فيما رواه أولا أو نسيان لغفلة أو قلة ضبطه ثانيا فلا يحوز له النقصان ثانيا ولا ابتداء إن تعين عليه قال وأما تقطيع المصنف الحديث الواحد في الأبواب أي بحسب الاحتجاج به في المسائل فهو إلى الجواز أقرب قال الشيخ يعني ابن الصلاح ولا يخلو عن كراهة قال النووي وما أظنه أي ابن

(1/292)


الصلاح يوافق عليه أي على قوله بالكراهة قال السيوطي فقد فعله الأئمة مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم وأما الرواية بالمعنى فالخلاف فيها شهير والأكثرون على الجواز أيضا ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى وقيل إنما يجوز في المفردات دون المركبات وقيل إنما يجوز لمن يستحضر اللفظ ليتمكن من التصرف فيه وقيل إنما يجوز لمن كان يحفظ الحديث فنسي لفظه وبقي معناه مرتسما في ذهنه فله أن يرويه بالمعنى لمصلحة تحصيل الحكم بخلاف من كان مستحضرا للفظه وجميع ما تقدم يتعلق بالجواز وعدمه ولا شك أن الأولى إيراد الحديث بألفاظه دون التصرف فيه قال القاضي عياض ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا والله الموفق انتهى وقال النووي إنه قال جمهور السلف والخلف قال السيوطي منهم الأئمة الأربعة تجوز الرواية بالمعنى في جميع هـ إذا قطع بأداء المعنى قال السيوطي في شرحه لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف ويدل عليه روايتهم للقصة الواحدة بألفاظ مختلفة وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن مندة في معرفة الصحابة والطبراني في الكبير من حديث يعقوب بن عبدالله بن سليمان بن أكيمة

(1/293)


الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أرويه كما أسمع منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا واستدل الشافعي لذلك بحديث أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه قال فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف علما منه بأن الحفظ علما منه بأن الحفظ قد يزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه مالم يكن في اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ مالم يختل معناه وروى البيهقي عن مكحول قال دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع فقلنا له يا أبا الأسقع حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم ولا مزيد ولا نقصان فقال هل أحد فيكم يقرأ من القرآن شيئا فقلنا نعم وما نحن له بحافظين جدا إنا لنزيد الواو والألف وننقص قال فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألونه حفظا وأنتم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن لا يكون سمعناه منه إلا مرة واحدة حسبكم إذا حدثنا بالحديث على المعنى قال النووي وهذا أي الخلاف في الرواية بالمعنى إنما يجري في غير المصنفات ولا يجوز تغيير مصنف وإن كان بمعناه وذلك لأن الرواية بالمعنى إنما جازت لما تعذر ضبط اللفظ وذلك غير موجود في الكتب فليس له تغيير تصنيف غيره قال وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقبيه أو

(1/294)


كما قال أو نحوه أو شبهه أو ما أشبه هذا من الألفاظ قال السيوطي وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك وهم أعلم الناس بمعاني الكلام خوفا من الزلل لمعرفتهم ما في الرواية بالمعنى من الخلل روى ابن ماجه وأحمد والحاكم أن ابن مسعود قال يوما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه ثم قال أو مثله أو نحوه أو شبيه به فائدة قال النووي قال الشيخ يريد ابن الصلاح الظاهر أنه لا يجوز تغيير قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عكسه وإن جازت الرواية بالمعنى لاختلافه أي اختلاف معنى الرسول والنبي إذ الأول من أوحي إليه للتبليغ والثاني من أوحي إليه للعمل قال النووي والصواب جوازه لأنه لا يختلف به هنا معنى وهذا مذهب أحمد بن حنبل وحماد بن سلمة والخطيب وهذا إذا كان المعنى ظاهرا فإن كان خفيا فقد أرشد إلى ما يزيل خفاه قولنا:

[مسألة الاحتياج إلى معرفة غريب لفظ الحديث:]
تضمنها قولنا:

(72) فإن خفي معناه احتيج إلى ... شرح غريب موضح ما أشكلا
جعل النووي في التقريب هذا النوع الثاني والثلاثون فقال غريب

(1/295)


الحديث وهو ماوقع في الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها وهو فن مهم والخوض فيه صعب فليتحر خائضه وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت قال السيوطي في شرحه فقد روينا عن أحمد أنه سئل عن حرف منه فقال سلوا أصحاب الغريب فإنني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن وسئل الأصمعي عن حديث الجار أحق بسقبه فقال أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق ثم ذكر النووي من ألف فيه من الأئمة ثم قال ولا يقلد فيها إلا ما كان مصنفوها أئمة جلة قال السيوطي كمجمع الغرائب لعبد الغافر الفارسي وغريب الحديث لقاسم السرقسطي والفائق للزمخشري والغريبين للهروي وذيله للحافظ أبي موسى المديني ثم النهاية لابن الأثير وهي أحسن كتب الغريب وأجمعها وأشهرها الآن وأكثرها تداولا وقد فاته الكثير فذيل عليه الصفي الأرموي بذيل لم نقف عليه وقد شرعت في تخليصها تلخيصا حسنا مع زيادات جمة والله أسأل الإعانة على تمامه انتهى قلت قد أعان الله على تمامه وسماه الدر النثير في مختصر نهاية ابن الأثير قال النووي وأجود تفسير ما جاء مفسرا في الحديث قال شارحه كحديث الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد خبأت لك خبيئا فما هو قال الدخ

(1/296)


فالدخ هنا هو الدخان وهو لغة فيها حكاها الجوهري وغيره لما روى أبو داود والترمذي من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له خبأت لك خبيئا وخبأ له (يوم تأتى السماء بدخان مبين) قال المديني والسر في كونه خبأ له الدخان أنه عيسى عليه السلام يقتله بجبل الدخان فهذا هو الصواب في تفسير الدخ هنا وقد فسره غير واحد على غير ذلك فأخطأ انتهى وقال الحافظ وإن كان اللفظ مستعملا بكثرة لكن في معناه دقة احتيج إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الأخبار وبيان المشكل منها وقد أكثر الأئمة من التصانيف وذلك كالطحاوي والخطابي وابن عبدالبر وغيرهم انتهى والبيت في النظم قد ألم بالأمرين لقوله شرح غريب موضح ما أشكلا فإن إيضاح الإشكال يشملهما والسيد محمد قال فإن خفي المعنى احتيج إلى بيان ويسمى شرح الغريب وبيان المشكل والغريب أي ويسمى بيان المشكل والغريب فجعلهما قسما واحداً.