إسبال المطر على قصب السكر

[مسألة أسباب الجهالة:]
وهو السبب الثامن للطعن في رواية الحديث أشرنا إليه بقولنا:

(73) أو جهلة لأجل نعت يكثر ... وجاء بالأخفى وما لا يشهر

(1/297)


عطف على قوله أو جهله على قوله بالكذب وهو أول أسباب الطعن أي يكون الطعن بجهل الراوي قال الحافظ ثم الجهالة بالراوي سببها أمران أحدهما أن الراوي قد تكثر نعوته من اسم أو كنية أو لقب أو صفة أو حرفة أو نسب فيشتهر بشيء منها فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض فيظن أنه آخر فتحصل الجهالة بحاله انتهى وقد فهمت معنى البيت وإلمامه بالمراد إلا ذكر كونه لغرض قال النووي وهو فن عويص أي صعب تمس الحاجة إليه لمعرفة التدليس.

[مسألة الموضح:]
قد أشرنا إلى ما يزيل الجهالة بقولنا:

(74) وصنفوا الموضح في ذا المعنى ... أزال ما أشكل منه عنا
أي الموضح لأوهام الجمع والتفريق أجاد فيه الخطيب وسبقه إليه عبد الغني بن سعيد المصري وهو الأزدي ثم الصوري سمى كتابه إيضاح الإشكال ومن أمثلته محمد بن السائب بن بشر الكلبي نسبه بعضهم إلى جده فقال محمد بن بشر وسماه بعضهم حماد بن السائب وكناه بعضهم أبا النضر وبعضهم أبا سعيد وبعضهم أبا هشام فصار يظن أنه

(1/298)


جماعة وهو واحد ومن لا يعرف حقيقة الأمر لا يعرف شيئا من ذلك ذكره الحافظ قال النووي ومثله سالم الراوي عن أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة فإنه سالم أبو عبدالله المدني وهو سالم مولى مالك بن أوس وهو سالم مولى شداد بن الهاد وهو سالم مولى النصريين وهو سالم مولى المهري وهو سالم أبو عبدالله الدوسي وهو سالم مولى دوس وهو أبو عبد الله مولى شداد وهذا هو الأمر الأول من سببي الجهالة والأمر الثاني من سبب الجهالة أفاده قولنا:

(75) أو أنه كان مقلا ثم لا ... يكثر عنه الآخذون النبلا
أي السبب الثاني من الجهالة أن الراوي يكون مقلا من الحديث فلا يكثر الآخذون عنه وقد بين الأئمة هذا بما يفيده قولنا

(76) وصنفوا الوحدان في هذا وإن ... لم يذكر الاسم اختصار فاستبن
أي أنهم صنفوا الوحدان وهو من لم يرو عنه إلا واحد ولو سمي فممن جمعه مسلم والحسن بن سفيان وغيرهما فمن الصحابة جماعة مثل عامر بن شهر وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان ومحمد بن صيفي لم يرو عنهم غير الشعبي ومثل قدامة بن عبدالله لم يرو عنه غير أيمن بن نائل ومثل المسيب بن حزن القرشي لم يرو عنه إلا ابنه سعيد بن المسيب وغير ذلك كثير

(1/299)


وفي التابعين جماعة منهم الزهري تفرد عن نيف وعشرين من التابعين لم يرو منهم غيره وكذا انفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة وقد أنكر بعضهم حصول ذلك في الصحيحين وهو مردود بأحاديث فيها ليس لها إلا راو واحد منها حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي يذهب الصالحون الأول فالأول لا راوي له غير قيس أخرجه البخاري وكذا أخرج مسلم حديث رافع بن عمرو الغفاري ولم يرو عنه غير عبدالله بن الصامت وكذا أخرجا جميعا حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب مع أنه لا راوي له غير ابنه سعيد كما سبق فهذا تمام شرح الأمر الثاني من سببي الجهالة وأما قولنا وإن لم يذكر الاسم إلى آخره فإنه إشارة إلى كونه لا يسمى الراوي من روى عنه اختصارا من الراوي كقوله أخبرني فلان أو شيخ أو رجل أو بعضهم أو ابن فلان ويستدل على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى وقد اعتنى به الأئمة وبالتفتيش عنه بما أشرنا إليه وهي

(1/300)


[مسألة المبهمات:]
تضمنها قولنا:

(77) والمبهمات صنفت في هذا ... وفي سواها لم نجد ملاذا
أي في غير المبهمات من الكتب التي يعين فيها المبهم لا نجد ما نلوذ به أي لم نجد فيها وأما قبول المبهم أو عدمه فيستفاد من قولنا

(78) والمبهم الراوي في القبول ... ولو أتى بلفظه التعديل
(79) لا يقبلن على الأصح حكما ... وإن يكن من قد روى مسمى
قال الحافظ ولا يقبل حديث المبهم ما لم يسم لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف عدالته وكذا لا يقبل خبره ولو أبهم بلفظة التعديل كأن يقول الراوي عنه أخبرني الثقة لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحا عند غيره وهذا على الأصح في المسألة ولهذه النكتة لم يقبل المرسل ولو أرسله العدل جازما به لهذا الاحتمال بعينه وقيل يقبل تمسكا بالظاهر إذ الجرح على خلاف الأصل وقيل إن كان القائل عالما أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه انتهى وقد أفهم معنى النظم أنه لا يقبل المبهم ولو أتى من أبهمه بلفظ التعديل وهذا على الأصح وفيه ما سمعت من الخلاف وزاد السيد محمد بعد قوله على الأصح لما مضى في المرسل من المنع من دخول التقليد في الأخبار في مواضع الاجتهاد وهذا منها ولهذا رد بعضهم تعاليق

(1/301)


الصحيح المجزومة لأن ذلك يؤدي إلى تقليد المجتهد للمجتهد في الاجتهاد وقولنا وإن يكن من قد روى مسمى هو إشارة إلى:

[مسألة مجهول العين ومجهول الحال وأقسامه:]
كما يرشد إليه قولنا:

(80) فإن ترى الآخذ عنه واحدا ... أو كان اثنين رووا فصاعدا
(81) فالأول المجهول أعني عينا ... والثاني المجهول حالا فينا
(82) وهو الذي يدعونه المستورا ... إن لم يوثق سل به خبيرا
قال الحافظ فإن سمي الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك قلت فهذا هو القسم الأول والثاني من القسمين هو أن يروي عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق فهذا مجهول الحال وهو المستور وهو الذي أفاده قولنا والثاني المجهول حالا إلى آخره وقال النووي المستور هو عدل الظاهر خفي الباطن قال الحافظ وقد قبل روايته جماعة وردها الجمهور والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل

(1/302)


يقال هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين ونحوه قال ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر انتهى وظاهر كلامه أن الخلاف فيمن روى عنه اثنان وقال السيد محمد فإن سمى المجهول وانفرد واحد عنه فمجهول العين والحق عند الأصوليين أنه إذا وثقه الراوي أو غيره قبل خلافا لأكثر المحدثين والقول قول الأصوليين ووجه قول المحدثين أنه يتنزل منزلة التوثيق المبهم إذا كان اسم الرجل وعينه لم يثبت إلا من جهة من وثقه فكأنه قال حدثني الثقة وكأنه لو اشتهر لأمكن القدح فيه كالمبهم والجواب أن الضرورة إذا ألجأت إلى التقليد جاز بناء الاجتهاد عليه كالتقليد في توثيق المعين وجرحه قلت قد اختلفت كلامه في التوثيق والجرح فسماه هنا تقليدا وفي موضع من تنقيح الأنظار مثل هذا إنه تقليد وفي آخر إنه من باب قبول أخبار الآحاد وإنه من قسم الاجتهاد وقد حققنا الحق هنالك ثم قال فإن أوجبوا يريد المحدثين طلب الظن الأقوى فذلك مما لم يثبت عليه دليل وقد قبل علي عليه السلام حديث من اتهمه بعد أن استحلفه والحق أن مراتب الظن غير منحصرة فلا يتحقق قدر الظن الأقوى وحينئذ يجب الرجوع إلى مطلق الظن أي عند التعارض فيعمل بمجرد الرجحان وإن قاسوه أي أهل الحديث على الشهادة فمردود بوجود

(1/303)


الفارق انتهى أي بين الشهادة والرواية فلا يصح قياس أحدهما على الآخر قال السيوطي من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية والشهادة وقد خاض المتأخرون وغاية ما فرقوا به الاختلاف في بعض الأحكام كاشتراط العدد وغيره وذلك لا يوجب تخالفا في الحقيقة قال العراقي أقمت مدة أطلب الفرق بينهما حتى ظفرت به في كلام المازري فقال الرواية هي الإخبار عن أمر لا ترافع فيه إلى الحكام وخلافه الشهادة قال وأما الأحكام التي يفترقان فيها فكثيرة لم أر من تعرض لجمعها وأنا أذكر منها ما تيسر الأول العدد لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة وذكر ابن عبدالسلام في مناسبة ذلك أمورا أحدها أن الغالب مهابة المسلمين للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف شهادة الزور الثاني قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد الثالث إن بين كثير من المسلمين عدوانا يحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم الرابع لا يشترط الذكورة فيها مطلقا بخلاف الشهادة في بعض المواضع الخامس لا يشترط الحرية فيها بخلاف الشهادة مطلقا السادس تقبل شهادة التائب من الكذب دون روايته

(1/304)


السابع من كذب في حديث واحد رد جميع حديثه السابق بخلاف من تبين شهادته بالزور في مرة لا ينقض به ما شهد به قبل ذلك الثامن لا تقبل شهادة من جرت شهادته لنفسه نفعا أو دفعت عنه ضررا ويقبل من روى ذلك ثم عد وجوها من الفروق انتهت إلى عشرين لا حاجة إلى ذكرها هنا.

[مسألة البدعة:]
وهي التاسع من أسباب الطعن في الراوي وهو ما ألم به قولنا:

(83) والابتداع بالذي يكفر ... يرد من لابسه ويزجر
قال المناوي في التعريفات البدعة الفعلة المخالفة للسنة وفي الحديث كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار انتهى قال الحافظ ثم البدعة إما أن تكون بمكفر كأن يعتقد ما يستلزم الكفر أو بمفسق فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور قال وقيل يقبل مطلقا وقيل إن كان لا يعتقد حل الكذب لنصرة مقالته قبل والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من

(1/305)


الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله انتهى وفي التقريب للنووي ومن كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق قال شارحه كالمجسم ومنكر علم الجزئيات وناقشه في دعوى الاتفاق بما قاله الحافظ من الخلاف واعلم أن قول ابن حجر فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة يقال عليه أما هذا فإنه كافر تصريح لأنه مكذب للشارع ومكذبه كافر وكذا معتقد عكسه فليسا من أهل الإسلام والكلام في رواة هم من أهل الإسلام ارتكبوا بدعة في الدين وقد ألفنا رسالة ثمرات النظر في علم الأثر على هذه المسألة التي تكلم عليها الحافظ فيما يتعلق بالبدعة وقد حققناه تحقيقا شافيا وأضفنا إليه فوائد نافعة لمن أرادها وقد عرف من كلام الحافظ أنه اعتمد قبول رواية من ابتدع بمكفر إذا كان ضابطا ورعا تقيا ثم هذا مبني على التكفير بالإلزام وهو باطل وعلى أنه يكفر أهل القبلة بالبدعة وهو خلاف مذهب الأشعرية.

[مسألة البدعة بمفسق:]
قد أتى بها قولنا:

(1/306)


(84) لا بالذي فسق فهو يقبل ... مالم يكن داعية أو ينقل
(85) رواية تقوي ابتداعه ... هذا الذي يختاره الجماعه
(86) صرح به شيخ الإمام النسائي ... الجوزجاني ثم خذ من نبائي
اعلم أن هذه مسألة قبول فساق التأويل كما أن الطرف الأول في رواية كفار التأويل قال الحافظ والثاني وهو ما لا تقتضي بدعته التكفير أصلا قد اختلف في قبوله ورده فقيل يرد مطلقا وهو بعيد وأكثر ما علل به أن في الرواية عنه ترويجا لأمره وتنويها بذكره وعلى هذا فينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع وقيل يقبل مطلقا إلا إن اعتقد حل الكذب كما تقدم قلت أما اعتقاد حل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رد لما تواتر من حديث من كذب علي فهو كفر وقيل يقبل ما لم يكن داعية إلى بدعته لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف المرويات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه وهذا في الأصح وأغرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية من غير تفصيل نعم الأكثر على قبول غير الداعية إلا أن يروي ما يقوي بدعته فيرد على المذهب المختار وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي في كتابه معرفة الرجال فقال في وصف الرواة ومنهم زائغ عن الحق أي عن السنة صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته انتهى وما قاله متجه لأن العلة التي بها يرد حديث الداعية ظاهرة فيما إذا كان المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية والله أعلم انتهى وقد

(1/307)


ألمت بمعناه الأبيات وقال السيد محمد في مختصره وقد يرد المسلم بارتكاب الكبائر تصريحا وهو إجماع وشذ من قبل الصدوق منهم ويرد بكون مساويه أكثر من محاسنه وإن اجتنب الكبائر وقد يرد الراوي بالبدعة وهي إما بمكفر فلا يقبله الجمهور أو بمفسق فيقبل من لم يكن داعية في الأصح ويرد الداعية عند المحدثين قال والقوي في الدليل قبوله إلا فيما يقوي بدعته وتقوي القرائن تهمته ولا يتابع وقد ادعى جماعة حلة الإجماع على قبول المتأولين مطلقا وهو مذهب جمهور أهل البيت حجة من ردهم التهمة بالبدعة وحجة من قبلهم ظن الصدق مع عدم المانع منه ورواية الثقات للإجماع على ذلك منهم القاضي زيد في شرحه والمنصور بالله في المهذب والصفوة والإمام يحيى بن حمزة في الانتصار وعبدالله بن زيد في المنظومة وأبو الحسين في المعتمد والشيخ الحسن الرصاص في كتابه وحفيده أحمد في الجوهرة والحاكم في شرح العيون وما يلزم من ردهم من تعطيل علم الحديث والأثر كما يعلم ذلك من بحث عن رجال الصحيحين مع بلوغ الجهد في تنقية رواتهما وقد أوضحت ذلك في العواصم وعلوم الحديث انتهى كلامه وفيه قبول فساق التأويل مطلقا وهو الذي استدل له بالإجماع وغيره سواء كان داعية أو لا قوت روايته بدعته أو لا والنووي قوى في التقريب قبول المبتدع غير الداعية وقال إنه قول الكثير أو الأكثر وقال إن صاحبي الصحيحين احتجا بكثير من المبتدعة غير الدعاة وقال العراقي بل احتجا أي الشيخان بالدعاة فاحتج البخاري بعمران بن حطان وهو

(1/308)


من الدعاة واحتجا بعبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني وكان داعية إلى الإرجاء وأجاب بأن أبا داود قال ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج قال ولم يحتج مسلم بعبدالحميد بل أخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين انتهى قلت إذا قد قيل بأصحية حديث عمران بن حطان الخارجي الداعية المادح لقاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأجل أنه صادق في حديثه فليقبل كل مبتدع صدوق ويجعل الصدق هو المعيار في قبول الرواية ويطرح رسم العدالة وغيره وقد أودعنا ثمرات النظر أبحاثا نفيسة تعلق بهذا وهذا كله يقوي القول بقبول المبتدع مطلقا إذا كان صدوقا وقد نصرناه في شرح التنقيح وغيره.

[مسألة الشاذ والمختلط:]
وهو السبب العاشر من أسباب الطعن في الرواة وهو آخر المطاعن وقد أشرنا إليه بقولنا ثم خذ من نبائي فإنه يتعلق به قولنا:

(87) بأن سوء الحفظ في الرواة ... قسمان في مقالة الأثبات
(88) فلازم فالشاذ ما يرويه ... في رأي بعض والذي يليه
(89) طار وذا مختلط وفاقا ... وكلما نظمي له قد ساقا
المراد بسيئ الحفظ من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه وهو

(1/309)


على قسمين الأول إن كان لازما للراوي في جميع حالاته فهو الشاذ على رأي بعض أهل الحديث الثاني أن يكون سوء الحفظ طارئا على الراوي إما لكبره أو لذهاب بصره أو لاحتراق كتبه أو عدمها بأن كان يعتمدها فرجع إلى حفظه فساء حفظه فهذا يقال له المختلط وقد ألمت الأبيات بذلك والحكم في الثاني إنما حدث به قبل الاختلاط إذا تميز قبل وإذا لم يتميز توقف فيه وكذا من اشتبه الآمر فيه وإنما يعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه واعلم أنه قد تقدم أن الشاذ مقابل المحفوظ وهو ما رواه المقبول مخالفا لما هو أولى منه قال الحافظ وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح وهنا جعل الشاذ رواية من كان سوء الحفظ ملازما له في جميع حالاته وهو غير ما تقدم فلذا قيل هنا على رأي ولأئمة الحديث في الشاذ كلام كثير قد أودعناه شرح التنقيح وننقل هنا عبارة النووي في التقريب ففيها تقريب قال النوع الثالث عشر الشاذ وهو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره وقال الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به

(1/310)


وقال الحاكم هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل متابع وما ذكراه مشكل بإفراد العدل الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في كتابي الصحيح فالصحيح التفصيل فإن كان الثقة بتفرده مخالفا من هو أحفظ منه وأضبط كان شاذا مردوداً وإن لم يخالف فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه ولم يبعد عن درجة الحافظ كان حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا والحاصل أن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يجبر تفرده انتهى كلامه فجعل في الشاذ صحيحا وحسنا ومردودا وأما هذا القسم وهو ما رواه من كان سوء الحفظ ملازما له فما عده منه وقال السيد محمد وقد يرد لسوء الحفظ فإن كان ملازما فالضعيف واشترط الأصوليون أن يكون خطأه أكثر من صوابه أو مساويا للقطع بتجويز الخطأ على الثقات وتعيين العمل بالراجح وقال المحدثون متى كثر خطأه لا يحتج به وإن كان صوابه أكثر إما لعدم حصول الظن المطلق وهذا أقوى أو لأنهم لا يتمسكون من الظنون إلا بما ثبت عندهم من الإجماع عليه ويلزم من لم يتمسك بالعقل وإما لعدم حصول الظن الأقوى وفيه نظر كما تقدم في المرسل ومنهم من يعرف حديث الضعيف بالشاذ فإن كان سوء الحفظ طارئا

(1/311)


فالمختلط انتهى وفيه ما تراه من زيادة التفصيل واعلم أنه قد يحسن بعض ما ذكر مما وجد فيه مطعن ما تضمنه قولنا:
.................................... ... وكلما نظمي له قد ساقا
(90) من سيء الحفظ ومن مستور ... ومرسل مدلس مذكور
(91) إن توبعت بمن يرى معتبرا ... حسن مجموع الذي قد ذكرا
قولنا حسن أي ما ذكر من المعتبر ما ذكر من الأحاديث المطعون فيها يعني عن زيادة لا لذاته قال الحافظ ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله أي في الدرجة لا في الصفة لا دونه وكذا أي توبع المختلط الذي لم يتميز وكذا أي إذا توبع المستور والإسناد المرسل وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه صار حديثهم لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع لأن كل واحد منهما في احتمال كون روايته صواب أو غير صواب على حد سواء فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين ودل ذلك على أن الحديث محفوظ فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول والله سبحانه أعلم ومع ارتقائه إلى درجة القبول فهو منحط عن رتبة الحسن لذاته وإنما توقف بعضهم عن إطلاق اسم الحسن عليه انتهى وعبارة السيد محمد ومتى توبع سيئ الحفظ والمستور والمرسل والمدلس بمعتبر صار حديثهم حسنا بالمجموع انتهى فعرفت أن هؤلاء الأربعة إن توبعوا برواية معتبرة صار ما رووه حسنا لغيره فقوله مدلس

(1/312)


معطوف على مرسل حذف حرف عطفه للضرورة وهو جائز فلا يتوهم أنه صفة لمرسل وأن الأقسام ثلاثة إذا عرفت أن هذا هو جملة ما يتعلق بالمتن من حيث القبول والرد فإنه انقضى البحث فيه فاعلم أنه هنا أقساما باعتبار الإسناد وهو الطريق الموصلة إلى المتن والمتن هو غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام فهو باعتبار ما ينتهي إليه أقسام الأول:

[مسألة المرفوع:]
وقد اشتمل عليها قولنا:

(92) وإن تجده ينتهي الإسناد ... إلى الرسول خير من قد سادوا
(93) إما صريحا أو يكون حكما ... من قوله أو أخويه جزما
قولنا أخويه أي الفعل والتقدير لأنهما أخوا القول من حيث أن الثلاثة أقسام السنة وهو إما تصريحا أو حكما قال الحافظ مثال المرفوع من القول تصريحا أن يقول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلمي قول كذا أو حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو يقول هو أو غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا أو نحو ذلك ومثال المرفوع من الفعل تصريحا أن يقول الصحابي رأيت

(1/313)


رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا أو يقول هو أو غيره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا ومثال المرفوع من التقرير ان يقول الصحابي فعلت بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو يقول هو أو غيره فعل فلان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا ولا يذكر إنكاره لذلك ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء عليهم السلام أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة وكذلك الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره بذلك يقتضي له مخبرا وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفا للقائل به ولا توقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني وإذا كان فله حكم مالو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع سواء كان سمعه منه أو عنه بواسطة ومثال المرفوع من الفعل حكما أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد فيه فينزل ذلك على أن ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الشافعي في صلاة علي عليه السلام في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين ومثال المرفوع من التقرير حكما أن يخبر الصحابي أنهم كانوا يفعلون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كذا فإنه يكون له حكم الرفع من جهة أن الظاهر

(1/314)


اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك لتوفر دواعيهم على سؤاله على أمور دينهم ولأن ذلك الزمان زمان نزول الوحي فلا يقع من الصحابة فعل ويستمرون عليه إلا وهو غير ممنوع الفعل وقد استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونهم والقرآن ينزل ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن ويلتحق بقولي حكما ما ورد بصيغة الكناية في موضع الصيغ الصريحة بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم كقول التابعي عن الصحابي يرفع الحديث ويرويه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية أو رواه وقد يقتصرون على القول مع حذف القائل ويريدون به النبي صلى الله عليه وسلم كقول ابن سيرين عن أبي هريرة قال تقاتلون قوما الحديث وفي كلام الخطيب أنه اصطلاح خاص بأهل البصرة ومن الصيغ المحتملة قول الصحابي من السنة كذا فالأكثرون على أن ذلك مرفوع ونقل ابن عبدالبر فيه الاتفاق قال وإذا قالها غير الصحابي فكذلك ما لم يضفها إلى صاحبها كسنة العمرين وفي نقل الاتفاق نظر فعن الشافعي في أصل المسألة قولان وذهب إلى أنه غير مرفوع أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم من الظاهرية واحتجوا بأن السنة تتردد بين النبيصلى الله عليه وسلم وبين غيره وأجبيوا بأن احتمال إرادة غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيد وقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه في

(1/315)


قصته مع الحجاج حيث قال إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة قال ابن شهاب قلت لسالم أفعله النبي صلى الله عليه وسلم قال وهل يعنون بذلك إلا سنته فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأما قول بعضهم إن كان مرفوعا فلم لا يقولون فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجوابه أنهم تركوا الجزم بذلك تورعا واحتياطا ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا أخرجاه في الصحيح قال أبو قلابة لو شئت قلت إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي لو قلت لم أكذب لأن قوله من السنة هذا معناه لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابي أولى ومن ذلك قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فالخلاف فيه كالخلاف في الذي قبله لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وخالف في ذلك طائفة وتمسكوا باحتمال أن يكون غيره كأمر القرآن أو الإجماع أو بعض الخلفاء أو الاستنباط

(1/316)


وأجيبوا بأن الأصل قال هو الأول وما عداه محتمل لكنه بالنسبة إليه مرجوح وأيضا من كان في طاعة رئيس إذا قال أمرت لا يفهم عنه أن آمره إلا رئيسه وأما قول من يحتمل أن يظن ما ليس بأمر أمرا فلا اختصاص له بهذه المسألة بل هو مذكور فيما لو صرح وقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وهو احتمال ضعيف لأن الصحابي عدل عارف باللسان فلا يطلق ذلك إلا بعد التحقيق ومن ذلك قوله كنا نفعل كذا فله حكم الرفع أيضا كما تقدم ومن ذلك أن يحكم الصحابي على فعل من الأفعال أنه طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم أو معصية كقول عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فلهذا حكم الرفع أيضا لأن الظاهر أن ذلك مما تلقاه عنه صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الحافظ بطوله لاشتماله على مهمات من مسائل علوم الحديث إذا عرفت هذا القسم الأول من أقسام الإسناد فالقسم الثاني:

[مسألة حقيقة الصحابي والموقوف:]
هي ما أفهمه قولنا:

(94) أو ينتهي إلى الصحابي الذي ... بالوصف بالإيمان قد لاقا النبي
(95) ومات بعد مسلما وإن أتى ... بردة تخللت أو انتهى

(1/317)


قولنا أو ينتهي عطف على قولنا وإن تجده ينتهي الإسناد 000إلى آخره أو تجده ينتهي الإسناد إلى الصحابي كذلك في كون اللفظ يقتضي التصريح بأن المنقول هو من قول الصحابي أو من فعله أو من تقريره وتأتي تسميته هو وما قبله قال الحافظ ولما كان هذا المختصر شاملا لجميع أنواع علوم الحديث استطردت منه إلى تعريف الصحابي من هو فقلت وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح انتهى وقد ألم به قولنا بالوصف بالإيمان إلى قولنا تخللت وزاد السيد محمد قوله وفي اشتراط طول الملازمة خلاف وفي تقريب النووي اختلف في حد الصحابي والمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب الأصول أو بعضهم أنه من طالت مجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم على طريق التتبع وذكر قول من اشترط أن يقيم معه صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين أو يغزو غزوة أو غزوتين ورده انتهى فلذا قال الحافظ هنا على الأصح قال والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر وإن لم يكالمه ويدخل فيه رؤية أحدهما الآخر سواء كان بنفسه أو بغيره والتعبير باللقاء أولى من قول بعضهم الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخرج ابن أم مكتوم وغيره من العميان وهم صحابة بلا تردد واللقاء في هذا التعريف كالجنس

(1/318)


وقولي مؤمنا كالفصل يخرج من حصل له اللقاء المذكور لكن في حال كونه كافرا وقولي به فصل ثان يخرج من لقيه مؤمنا لكن بغيره من الأنبياء لكن هل يخرج من لقيه مؤمنا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة فيه نظر وقولي ومات على الإسلام فصل ثالث يخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمنا ومات على الردة كعبيدالله بن جحش وابن خطل وقولي ولو تخللت ردة أي بين من لقيه مؤمنا به وبين موته على الإسلام فإن اسم الصحبة باق له سواء رجع إلى الإسلام في حياته أو بعده سواء لقيه ثانيا أم لا وقولي في الأصح إشارة إلى الخلاف في المسألة ويدل على رجحان الأول قصة الأشعث بن قس فإنه كان ممن ارتد وأتي به إلى أبي بكر الصديق أسيرا فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوجه أخته ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها انتهى شرح تعرفه قوله أولى من قول بعضهم من رأى إلى آخره قلت وهو بناء على أنه فاعل الرؤية الصحابة وقيل فاعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السيوطي فيدخل فيه جميع الأمة فإنه كشف له صلى الله عليه وسلم عنهم ليلة الإسراء وغيرها ورآهم

(1/319)


وقوله إشارة إلى الخلاف في المسألة لأنه قال العراقي فيمن ارتد بعده ثم أسلم ومات مسلما في دخوله في الصحابة نظر فقد نص الشافعي وأبو حنيفة على أن الردة محبطة للعمل قال والظاهر أنها محبطة للصحبة السابقة كقرة بن ميسرة والأشعث بن قيس أما من رجع إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم كعبدالله بن أبي سرح فلا مانع من دخوله في الصحبة واعلم أن شرطهم أن يلاقيه مؤمنا به يشكل بجماعة من الصبيان لاقوه ومات صلى الله عليه وسلم قبل بلوغهم كالحسن والحسين وابن الزبير وغيرهم إذ الإيمان إنما يتصف به المكلف فلو قيل من لقيه مسلما أو على الفطرة لكان أشمل قالوا والمراد من رآه في عالم الشهادة فلا تطلق الصحابة على من رآه من الملائكة والنبيين وقد استشكل ابن الأثير عد مؤمني الجن في الصحابة دون من رآه من الملائكة وهم أحق بالذكر من هؤلاء قيل وليس كما زعم لأن الجن من جملة المكلفين الذين تشملهم الرسالة والبعثة فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه منهم حسنا نعم وأما معرفة الصحبة فقال الحافظ يعرف بالتواتر أنه صحابي أو الاستفاضة أو الشهرة أو بإخبار بعض الصحابة أو

(1/320)


بعض ثقات التابعين أو بإخباره عن نفسه بأنه صحابي إذا كان دعواه ذلك يدخل تحت الإمكان قال وقد استشكل هذا الأخير جماعة من حيث أن دعواه ذلك نظير دعوى من قال إنه عدل ويحتاج إلى تأمل انتهى قوله يدخل تحت الإمكان قلت قال السيوطي فإن ادعاه بعد مائة سنة من وفاته فإنه لا يقبل وإن ثبتت عدالته قبل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أرأيتكم هذه فإنه بعد مائة سنة لا يبقى أحد ممن على ظهر الأرض يريد انخرام ذلك القرن قال ذلك سنة وفاته صلى الله عليه وسلم وشرط الأصوليون في قبوله أن تعرف معاصرته له وقوله وقد استشكل هذا الأخير يعني قبول دعواه أنه صحابي قلت جزم الآمدي ورجحه أبو الحسن القطان أنه لا يقبل نقله السيوطي واعلم أن الصحابة وإن شملهم تعريف واحد فإن رتبهم متفاوتة قال الحافظ لا خفاء برجحان من لازمه صلى الله عليه وسلم وقاتل معه أو قاتل تحت رايته على من لم يلازمه أو يحضر معه مشهدا أو على من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حالة الطفولية وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع ومن ليس له سماع منه فحديثه مرسل من حيث الرواية

(1/321)


وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الصحبة انتهى قلت قال النووي اختلف في عدد طبقاتهم وجعلهم الحاكم اثني عشر طبقة قال السيوطي في شرحه الأولى قوم أسلموا بمكة كالخلفاء الأربعة الثانية أصحاب دار الندوة الثالثة مهاجرة الحبشة الرابعة أصحاب العقبة الأولى الخامسة أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم أنصار السادسة أول المهاجرين الذين وصلوا إليه بقباء قبل دخوله المدينة السابعة أهل بدر الثامنة الذين هاجروا بين بدر والحديبية التاسعة أهل بيعة الرضوان العاشرة من هاجر بين الحديبية وفتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص الحادية عشر مسلمة الفتح الثانية عشرة صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما انتهى قال أبو زرعة الرازي قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه فقيل له هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا قال أهل المدينة وأهل مكة وما بينهما والأعراب ومن شهد معه حجة الوداع كل رآه وسمع منه أخرجه الخطيب وقد قيل كيف يعرف تحديد ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والقرى وقال النووي الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به قلت وقد ذكر أدلة هذه الدعوى

(1/322)


ابن عبدالبر في أول كتابه التمهيد وقد سردنا ذلك في شرح التنقيح وذكرنا أن هذا العموم مخصص عند المحدثين بمن قدحوا فيه وذكر الخلاف في رتب الأفضل منهم بما يطول وليس من علوم أصول الحديث فهذا هو القسم الثاني من أقسام منتهى الإسناد ويأتي تسميته وإلى الثالث أعني: