إسبال المطر على قصب السكر

[مسألة رواية الأصاغر عن الأكابر:]
ولما قال الحافظ وفي عكسه أي وهو رواية الأصاغر عن الأكابر كثرة أرشد إليه قولنا:

(117) وعكسه هو الطريق الغالب ... أمثاله بحر فلا يغالب
قال الحافظ لأنه الجادة المسلوكة الغالبة قال وقد

(1/334)


صنف الخطيب في رواية الآباء عن الأبناء تصنيفا وأفرده جزءا لطيفا في رواية الصحابة عن التابعين وجمع صلاح الدين العلائي من المتأخرين مجلدا كبيرا في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقسمه أقساما فمنه ما يعود الضمير في قوله عن جده على الراوي ومنه ما يعود الضمير فيه على أبيه وبين ذلك وحققه وخرج في كل ترجمة حديثا من مرويه وقد لخصت كتابه المذكور وزدت عليه تراجم كثيرة جدا وأكثر ما وقع فيه ما سلسلت فيه الرواية عن الآباء بأربعة عشر أبا انتهى هذا ومن أنواع علوم الحديث:

[مسألة السابق واللاحق:]
تضمنها قولنا:

(118) واثنان إن يشتركا عن راوي ... ومات فرد منهما فالثاوي
(119) إذا روى عنه فهذا السابق ... في رسمه عندهم واللاحق
قولنا الثاوي بالمثلثة اسم الفاعل من ثوى في القاموس ثوى تثوية مات قال الحافظ وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما على الآخر فهو السابق واللاحق قال وأكثر ما وقفنا عليه ما بين الراويين فيه في الوفاة مائة وخمسون سنة وذلك أن الحافظ السلفي سمع منه أبو علي البرداني أحد مشائخه حديثا رواه عنه ومات على

(1/335)


رأس الخمسمائة ثم كان آخر أصحاب السلفي بالسماع سبطه أبو القاسم عبدالرحمن بن مكي وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة ومن قديم ذلك أن البخاري حدث عن تلميذه أبي العباس السراج أشياء في التاريخ وغيره ومات سنة ست وخمسين ومائتين وآخر من حدث عن السراج بالسماع هو أبو الحسين الخفاف ومات سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وغالب ما يقع ذلك أن المسموع منه قد يتأخر بعد أحد الراويين عنه زمانا حتى يسمع منه بعض الأحداث ويعيش بعد السماع منه دهر طويلا فيحصل من مجموع ذلك نحو هذه المدة والله سبحانه الموفق انتهى قال النووي ومن فوائده حلاوة الإسناد أي في القلوب قال السيوطي وأن لا يظن سقوط شيء من الإسناد قلت عد هذا نوعا من أنواع علوم الحديث قليل الجدوى عديم الفائدة وهذه الحلاوة التي ذكرت ما أظن عارفا يذوقها ثم ليس اسما لرتبة معينة كرواية الآباء عن الأبناء والأكابر عن الأصاغر ونحوهما.

[مسألة تبيين المهمل:]
تضمنها قولنا

(120) وإن روى عن رجلين اتفقا ... اسما وما ميز ما يفترقا
(121) به فباختصاصه بواحد ... تبين المهمل عند الناقد

(1/336)


إلمام بقول الحافظ وإن روى الراوي عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل هذا لفظ النخبة وقال في شرحها أو مع اسم الأب أو اسم الجد أو النسبة ولم يتميزا بما يخص كلا منهما فإن كانا ثقتين لم يضر ومن ذلك ما وقع في البخاري من روايته عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب فإنه إما أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى أو عن محمد غير منسوب عن أهل العراق فإنه إما محمد بن سلام أو محمد بن يحيى الذهلي وقد استوعبت ذلك في مقدمة شرح البخاري قلت والذي يضر أن يكون أحدهما ضعيفا من ذلك قول وكيع حدثنا النضر عن عكرمة وهو يروي عن النضر بن عربي وهو ثقة وعن النضر بن عبدالرحمن وهو ضعيف ونحو ذلك من الأمثلة قال الحافظ ومن أراد لذلك ضابطا كليا يمتاز به أحدهما عن الآخر فباختصاصه أي الشيخ المروي عنه بأحدهما يتبين المهمل ومتى لم يتبين ذلك أو كان مختصا بهما معا فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب انتهى فالنظم ألم بما في النخبة وأما الشرح فإنه فصل زيادة على ما فيها وقولنا تبين هو مصدر مبتدأ خبره فباختصاصه المقدم عليه وقولنا وما ميز ما يفترقا به هو معنى قول النخبة ولم يتميزا

(1/337)


[مسألة إنكار الشيخ رواية التلميذ عنه:]
(122) والشيخ إن أنكر جزما ما روى ... رد على راويه ما عنه أتى
(123) أو احتمال فالأصح أن لا ... يرد ما يرويه عنه نقلا
فهو ضبط لقول الحافظ وإن روى فجحد الشيخ مرويه جزما رد أو احتمالا قبل في الأصح فقد قسم جحد الشيخ رواية تلميذه عنه إلى قسمين الأول أن يجزم الشيخ بالتكذيب كأن يقول كذب علي أو ما رويت هذا أو نحو ذلك فإنه ترد الرواية عنه لكذب واحد منهما لا بعينه ولا يكون ذلك قادحا في واحد منهما للتعارض الثاني أن يكون جحده لروايته عنه احتمالا كأن يقول ما أذكر هذا ولا أعرفه فالأصح قبول ذلك الحديث لأن ذلك يحتمل نسيان الشيخ وقيل لا يقبل لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا أثبت الأصل الحديث ثبتت رواية الفرع فكذلك ينبغي أن يكون فرعا عليه وتبعا له في النفي وفي التحقيق وهذا متعقب بأن عدالة الفرع تقتضي صدقه وعدم علم الأصل لا ينافيه فالمثبت العالم مقدم على النافي الشاك وأما قياس ذلك بالشهادة ففاسد لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية فافترقا ومن أمثلة ذلك ما روي أن أبا هريرة كان يحدث بحديث لا عدوى ولا طيرة ويحدث أيضا بحديث لا يورد ممرض على مصح ثم إنه اقتصر على رواية حديث لا يورد وأمسك عن رواية حديث لا عدوى فروجع فيه وقالوا إنا سمعناك تحدث به فأبى أن يعترف به ومثله حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا في قصة الشاهد واليمين قال الدراوردي حدثني به ربيعة عن سهيل قال فلقيت سهيلا فسألته عنه فلم يعرفه فقلت له إن ربيعة حدثني عنك بكذا

(1/338)


فكان سهيل بعد ذلك يقول حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي قال عبدالعزيز وقد كان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله فنسي بعض حديثه وقد خالف بعض الحنفية وردوا حديث أبي هريرة في الشاهد واليمين.

[مسألة من حدث ونسي:]
هي قولنا:

(124) وفيه من حدث قوما ونسى ... ............................
فهو إشارة إلى أن هذا النوع قد صنف فيه العلماء فصنف فيه الدارقطني قال الحافظ وفيه ما يدل على تقوية المذهب الصحيح لكون كثير منهم حدثوا بأحاديث فلما عرضت عليهم لم يتذكروها لكنهم لاعتمادهم على الرواة صاروا يروونها عن الذي رواها عنهم عن أنفسهم كما عرفت مما سقناه.

[مسألة المسلسل:]
هي ما في قولنا:

........................ ... هذا وإن يتفق المؤدى

(1/339)


(125) ممن رووا في صيغ من الأدا ... أو غيرها من أي حال أوردا
(126) فإنهم يدعونه المسلسلا ... ...........................
إشارة إلى نوع من أنواع علوم الحديث يسمونه المسلسل وهو قسمان الأول الاتفاق في صيغ الأداء قال الحافظ فإن اتفق الرواة في إسناد من الأسانيد في صيغ الأداء كسمعت فلانا قال سمعت فلانا أو حدثنا فلان قال حدثنا فلان وغير ذلك من الصيغ انتهى فهذا هو الذي ألم به قولنا وإن يتفق إلى آخره والمؤدى اسم مفعول في عبارتنا وهذا هو الأول والثاني قولنا أو غيرها من أي حال أوردا فإنه إتيان بقول الحافظ أو غيرهما من الحالات قال في شرحه القولية كسمعت فلانا يقول أشهد بالله لقد حدثني فلان إلى آخره أو الفعلية كقوله دخلت على فلان فأطعمنا تمرا إلى آخره أو القولية والفعلية معا كقوله حدثني فلان وهو آخذ بلحيته قال آمنت بالقدر الخ انتهى فقولنا أو غيرها من أي حال أوردا يلم بالجميع ثم قال فهو المسلسل وهو من صفات الإسناد وقد يقع التسلسل في معظم الإسناد كالحديث المسلسل بالأولية فإن السلسلة فيه تنتهي إلى سفيان بن عيينة فقط ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم انتهى

(1/340)


فقوله أشهد بالله كأنه إشارة إلى ما أخرجه الحافظ أبو نعيم قال أشهد الله وأشهد بالله لقد حدثني القاضي أبو الحسن علي بن محمد القزويني قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني محمد بن أحمد بن قضاعة قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني القاسم بن العلا الهمداني قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني الحسن بن محمد بن علي بن الرضى قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي علي بن موسى بن جعفر قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي جعفر بن محمد قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني علي بن موسى الرضا قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي محمد بن علي قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي علي بن الحسين قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي الحسين بن علي قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني أبي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين قال أشهد بالله وأشهد لله لقد حدثني

(1/341)


رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أشهد بالله وأشهد لله قال لي جبريل يا محمد مدمن خمر كعابد وثن قال أبو نعيم هذا حديث صحيح رواته العترة الطيبة ولم نكتبه بهذا الشرط بالشهادة إلا عن هذا الشيخ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق ومدمن الخمر مستحله انتهى وأما الذي أشار إليه من الحديث المسلسل بالأولية فأقول أجاز لي شيخي الشيخ عبدالخالق بن الشيخ الزين إجازة عن أبيه الشيخ الزين إجازة منه عن شيخه الشيخ أحمد النخلي المكي قال حدثنا بمكة الشيخ يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن عيسى بن البركات المالكي سنة خمس وثمانين وألف بحديث الرحمة المسلسل بالأولية وهو أول حديث سمعناه منه قال نفعنا الله به أخبرنا الشيخ سعيد بن إبراهيم الجزائري المفتي الشهير بقدورة قال وهو أول حديث سمعته منه ثم ساقه مسلسلا إلى سفيان بن عيينة قال وهو أول حديث سمعته منه عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو أن رسول صلى الله عليه وسلم قال الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء فهذا الحديث المسلسل بالأولية المعروف بين أئمة الحديث الذي أشار إليه الحافظ وهو لنا رواية بالإجازة عمن ذكرنا ولم نستوف طريقه لأنها معروفة موجودة في إجازتنا

(1/342)


بحمد الله وهو كما قال الحافظ إن السلسلة بالأولية إلى سفيان بن عيينة فقط.

[مسألة في صيغ الأداء:]
ولما ذكرت صيغ الأداء آنفا وكانت من علوم الحديث أشرنا إليها وإلى عددها بقولنا:

() ....................... ... وللأدا كم صيغة بين الملا
(127) سمعته حدثني لمن سمع ... من لفظ شيخ بانفراد المستمع
قولنا كم صيغة استفهامية أو خبرية وهي ثماني صيغ الأولى ما أفاده قولنا سمعت وحدثني أي بأيهما عبر فهي أرفع الصيغ وهذان اللفظان صالحان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ ولذا قلنا لمن سمع من لفظ شيخ بانفراد المستمع قال الحافظ فاللفظان الأولان من صيغ الأداء وهما سمعت وحدثني صالحان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ وتخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ هو الشائع بين أهل الحديث اصطلاحا ولا فرق بين التحديث والإخبار من حيث اللغة وفي ادعاء الفرق بينهما تكلف شديد لكن لما تقرر

(1/343)


الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية تتقدم على الحقيقة اللغوية

(128) حدثنا له أتى مع غيره ... والأول الأصرح في تعبيره
الرتبة الثانية والأول إلى آخره إلمام بما قال الحافظ فإن جمع الراوي أي أتى بصيغة الجمع في الصيغة الأولى كأن يقول حدثنا أو سمعنا فلانا يقول فهو دليل أنه سمع منه مع غيره وقد تكون النون للعظمة لكن بقلة وأولها أي المراتب أصرحها أي أصرح صيغ الأداء في سماع قائلها لأنها لا تحتمل الواسطة ولأن حدثني قد تطلق في الإجازة تدليسا ثم قال الحافظ وأرفعها مقدارا ما يقع في الإملاء لما فيه من التثبت والتحفظ انتهى.