التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث

النوع الحادي عشر:
المُعضل
وهو بفتح الضاد يقولون: أعضله فهو مُعْضَل وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر، ويسمى منقطعاً، ويسمى مرسلاً عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم، وقيل: إن قول الراوي: بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " للملوك طعامه وكسوته " يسمى معضلاً عند أصحاب الحديث، وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثاً وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل.

(1/36)


فروع
أحدها: الإسناد المعنعن وهو فلان عن فلان، قيل: أنه مرسل، والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول، أنه متصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلساً وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضاً، وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عن خلاف، منهم من لم يشترط شيئاً من ذلك وهو مذهب مسلم بن الحجاج ادعى الإجماع فيه، ومنهم من شرط اللقاء وحده، وهو قول البخاري، وابن المديني، والمحققين. ومنهم من شرط طول الصحبة ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه، وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الاجازة، فإذا قال أحدهم: قرأت عن فلان عن فلان، فمراده أنه رواه عنه بالإجازة والله أعلم.
الثاني: إذا قال حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا، أو قال: قال ابن المسيب: كذا أو فعل كذا، أو كان ابن المسيب يفعل، وشبه ذلك. فقال أحمد بن حنبل وجماعة: لا تلتحق أن وشبهها بعن بل يكون منقطعاً حتى يتبين السماع، وقال الجمهور: أن كعن، ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم، والله أعلم.
الثالث: التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني، صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر، وكأنه

(1/37)


مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال، واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو قال ابن عباس: أو عطاء أو غيره كذا، وهذا التعليق له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا، أو يقال عنه، ويذكر، ويحكى؛ وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم. كقال، وفعل، وأمر، ونهى، وذكر، وحكى، ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده، والله أعلم.
الرابع: إذا روى بعض الثقاة الضابطين الحديث مرسلاً، وبعضهم متصلاً، أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر؛ لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة. ومنهم من قال: الحكم لمن أرسله أو وقفه. قال الخطيب: وهو قول أكثر المحدثين، وعند بعضهم الحكم للأكثر، وبعضهم للأحفظ، وعلى هذا لو ارسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة رواية، وقيل يقدح فيه وصله ما أرسل الحفاظ، والله أعلم.

(1/38)


النوع الثاني عشر:
التدليس
وهو قسمان.
الأول: تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهماً سماعه قائلاً: قال فلان. أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفاً أو صغيراً تحسيناً للحديث.
الثاني: تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف، أما الأول فمكروه جداً ذمه أكثر العلماء، ثم قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحاً مردود الرواية وإن بين السماع، والصحيح التفصيل، فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل وما بينه فيه، كسمعت، وحدثنا، وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به، وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير، كقنادة، والسفيانين وغيرهم، وهذا الحكم جار فيمن دلس مرة، وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى، وأما الثاني فكراهته أخف وسببها توعير طريق معرفته، ويختلف الحال في كراهته بحسب غرضه ككون المغير السمة ضعيفاً، أو صغيراً، أو متأخر الوفاة، أو سمع كثيراً فامتنع من تكراره على صورة، وتسمح الخطيب وغيره بهذا، والله أعلم.

(1/39)


النوع الثالث عشر:
الشاذ
هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفاً رواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره، قال الخليلي: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان من غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به، وقال الحاكم: هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع، وما ذكراه مشكل بافراد العدل الضابط كحديث " إنما الأعمال بالنيات " والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح، فالصحيح التفصيل فإن كان مفرده مخالفاً أحفظ منه وأضبط كان شاذ مردود، وإن لم يخالف، فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بضبطه كان مفرده صحيحاً، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسناً، وإن بعد كان شاذاً منكراً مردوداً، فالحاصل أن الشاذ المردود: هو الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في رواية من الثقة والضبط ما يجبر تفرده، والله أعلم.

(1/40)


النوع الرابع عشر: معرفة المنكر
قال الحافظ البرديحي هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، وكذا أطلقه كثيرون، والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ، فإنه بمعناه، والله أعلم.