التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح

النوع الثاني والأربعون- معرفة المدبج.
وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض.
وهم المتقاربون في السن والإسناد. وربما اكتفي الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد وإن لم يوجد التقارب في السن.
اعلم: أن رواية القرين عن القرين تنقسم: فمنها المدبج وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر مثاله في الصحابة: عائشة وأبو هريرة روى كل واحد منهما عن الآخر.
وفي التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز ورواية عمر عن الزهري وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عن مالك.
وفي أتباع الإتباع رواية أحمد بن حنبل عن علي بن المديني ورواية علي عن أحمد.
__________
النوع الثاني والأربعون. معرفة المديج.
وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض.
"قوله" اعلم أن رواية القرين عن القرين تنقسم فمنها المدبج وهو أن يروى القرينان كل واحد منهما عن الآخر انتهى.
وفيه أمران أحدهما أن تقييد المصنف للمدبج بالقرينين إذا روى كل واحد منهما عن الآخر تبع فيه الحاكم في علوم الحديث فإنه قال في علوم الحديث في النوع السادس والأربعين منه رواية الأقران وإنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما وهو على ثلاثة أجناس فالجنس الأول منه الذي سماه بعض مشايخنا المدبج وهو أن يروى قرين عن قرينه ثم يروى ذلك القرين عنه فهو المدبج انتهى.
وما قصره الحاكم وتبعه ابن الصلاح على أن المدبج رواية القرينين ليس على ما ذكراه وإنما المدبج أن يروى كل من الراويين عن الآخر سواء كانا قرينين أم كان أحدهما أكبر من الآخر فيكون رواية أحدهما عن الآخر من رواية الأكابر عن

(1/333)


.........................................................................
__________
الأصاغر فإن الحاكم نقل هذه التسمية عن بعض شيوخه من غير أن يسميه والمراد به الدارقطني فإنه أحد شيوخه وهو أول من سماه بذلك فيما أعلم وصنف فيه كتابا حافلا سماه المدبج في مجلد وعندى به نسخة صحيحة ولم يتقيد في ذلك بكونهما قرينين فإنه ذكر فيه رواية أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواية النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر ورواية عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته صلى الله عليه وسلم عن عمر رضي الله عنه ورواية سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن سعد وذكر فيه أيضا رواية الصحابة عن التابعين الذين رووا عنهم كرواية عمر عن كعب الأحبار ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر عنهم كرواية عمر عن كعب الأحبار ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر ابن حبيش ورواية زر عن عنه ورواية ابن عمر عن عطية العوفي وبكر بن عبد الله المزنى ورواية كل منهما عن ابن عمر ورواية ابن عباس عن عمرو بن دينار وأبي سلمة ابن عبد الرحمن وعكرمة مولاه ورواية كل من الثلاثة عن ابن عباس ورواية أبي سعيد الخدري عن أبي نضرة العبدى ورواية أبي نضرة عنه ورواية أنس بن مالك عن بكر ابن عبد الله المزنى ورواية بكر عنه وذكر فيه أيضا رواية التابعين عن أتباع التابعين كرواية عبد الله بن عون ويحيى بن سعيد الأنصارى عن مالك ورواية مالك عن كل منهما ورواية عمرو بن دينار وأبي إسحاق السبيعى وسليمان بن مهران الأعمش عن سفيان بن عيينة ورواية ابن عيينة عن كل من الثلاثة ورواية أبي إسحق السبيعى عن ابنه يونس بن أبي إسحق ورواية يونس عن أبيه وذكر فيه أيضا رواية أتباع أتباع التابعين عن أتباع الأتباع كرواية معمر عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن معمر وكذلك ذكر فيه رواية عبد الرزاق عن أحمد بن حنبل وعلى بن المدينى ويحيى بن معين وروايتهم عنه وكذلك ذكر فيه رواية أحمد عن أبي داود السجستاني وعن ابنه عبد الله بن أحمد ورواية كل منهما عن أحمد وغير ذلك فهذا يدل على المدبج لا يختص بكون الراويين الذين روى كل منهما عن الآخر قرينين بل الحكم أعم من ذلك والله أعلم.
الأمر الثاني: ما المناسبة المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج ومن أى شيء اشتقاقه ولم أر من تعرض لذلك إلا أن الظاهر أنه سمى بذلك لحسنه فإن المدبج لغة هو المزين قال صاحب المحكم الدبج النقش والتزيين فارسى معرب قال وديباجه الوجه حسن بشرته.

(1/334)


وذكر الحاكم في هذا رواية أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن أحمد. وليس هذا بمرضي.
ومنها: غير المدبج وهو أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه فيما نعلم مثاله: رواية سليمان التيمي عن مسعر وهما قرينان ولا نعلم لمسعر رواية عن التيمي. ولذلك أمثال كثيرة والله أعلم.
__________
ومنه تسميه ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن وإذا كان هذا منه فان الإسناد الذي يجتمع فيه قرينان أو أحدهما أكبر والآخر من رواية الأصاغر عن الأكابر إنما يقع ذلك غالبا فيما إذا كانا عالمين أو حافظين أو فيهما أو في أحدهما نوع من وجوه الترجيح حتى عدل الراوى عن العلو للمساواة أو النزول لأجل ذلك فحصل للإسناد بذلك تحسين وتزيين كرواية أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين ورواية ابن معين عن أحمد وإنما يقع رواية الأقران غالبا من أهل العلم المتميزين بالمعرفة ويحتمل أن يقال إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة فشبها بالخدين فان الخدين يقال لهما الديباجتان كما قاله صاحبا المحكم والصحاح وهذا المعنى يتجه على ما قاله الحاكم وابن الصلاح أن المدبج مختص بالقرينين ويحتمل أنه سمى بذلك لنزول الإسناد فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما درجة وان كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين وقد روينا عن يحيى بن معين قال الإسناد النازل قرحة في الوجه وروينا عن على بن المدينى وأبي عمرو المستملى قالا النزول شؤم فعلى هذا لا يكون المدبج مدحا له ويكون ذلك من قولهم رجل مدبج قبيح الوجه والهامه حكاه صاحب المحكم وفيه بعد والظاهر أنه إنما هو مدح لهذا النوع أو يكون من الاحتمال الثاني والله أعلم.
"قوله" وذكر الحاكم في هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن أحمد وليس هذا بمرض انتهى قلت والحاكم إنما تبع في ذلك شيخه أبا الحسن الدارقطني الذي سمى هذا النوع بهذا الاسم ووضع فيه مصنفا كما تقدم ولم يخص ذلك بالأقران فلا اعتراض حينئذ على الحاكم.
"قوله" ومنها غير المدبج وهو أن يروى أحد القرينين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما نعلم مثاله رواية سليمان التيمى عن مسعر وهما قرينان ولا يعلم لمسعر رواية عن التيمى ولذلك أمثال كثيرة انتهى وفيه أمران أحدهما أن هذا المثال الذي ذكره

(1/335)


..........................................................................
__________
المصنف ليس بصحيح وهو من القسم الأول وهو المدبج فقد روى مسعر أيضا عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطني في كتاب المدبج ثم روى من رواية الحكم بن مروان حدثنا مسعر عن أبي المعتمر وهو سليمان التيمى عن امرأة يقال لها أم خداش قالت رأيت على بن أبي طالب يصطبغ بخل خمرة.
الأمر الثاني: أن المصنف أشار إلى بقية الأسئلة لذلك بقوله ولذلك أمثلة كثيرة فينبغى أن يذكرههنا مثالا صحيحا لهذا.
القسم الثاني: وقد ذكر الحاكم في علوم الحديث لذلك أمثلة أربعة أحدها هذا الذي ذكره المصنف والثاني رواية زائدة بن قدامة عن زهير بن معاوية قال الحاكم زائدة بن قدامة وزهير بن معاوية قرينان إلا أنى لا أحفظ لزهير عن زائدة رواية والمثال الثالث رواية يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف قال الحاكم يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وإن كان أسند وأقدم من إبراهيم بن سعد بن إبراهيم فإنهما في أكثر الأسانيد قرينان ولا أحفظ لإبراهيم بن سعد عنه رواية انتهى.
قلت بل قد روى عنه إبراهيم بن سعد وروايته عنه في صحيح مسلم وسنن النسائي والله أعلم.
والمثال الرابع رواية سليمان بن طرخان التيمى عن رقبة بن مصقلة قال الحاكم سليمان بن طرخان ورقبة بن مصقلة قرينان ولا أحفظ لرقبة عنه رواية انتهى قلت بل قد روى رقبة عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطني في كتأب المدبج ثم روى له من رواية أبي عوانة عن رقبة عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا حبذا المتخللون من أمتى" والحديث رواه الطبراني في المعجم الأوسط فجعله من رواية رقبة عن أنس من غير ذكر سليمان التيمى فلم يصح من هذه الأمثلة الأربعة التي ذكرها الحاكم إلا المثال الثاني فقط وهو رواية زائدة بن قدامة عن زهير ابن معاوية والأمثلة الثلاثة الذي اقتصر عليه ابن الصلاح واللذان زادهما الحاكم حقها أن تذكر في القسم الأول وهو المدبج كما فعل الدارقطني والله أعلم.

(1/336)


النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة.
وذلك إحدى معارف أهل الحديث المفردة بالتصنيف صنف فيها علي بن المديني وأبو عبد الرحمن النسوي وأبو العباس السراج وغيرهم فمن أمثاله إلاخوين من الصحابة: عبد الله بن مسعود وعتبة بن مسعود هما أخوان زيد بن ثابت ويزيد بن ثابت هما أخوان. عمرو بن العاص وهشام بن العاص أخوان.
ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوه أرقم بن شرحبيل كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود. هزيل بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا
ومن أمثلة ثلاثة إلاخوة: سهل وعباد وعثمان بنو حنيف إخوة ثلاثة. عمرو بن شعيب وعمر وشعيب بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص إخوة ثلاثة.
ومن أمثلة الأربعة: سهيل بن أبي صالح السمان الزيات وإخوته: عبد الله الذي يقال له عباد ومحمد وصالح.
__________
النوع الثالث والأربعون معرفة الإخوة والأخوات.
"قوله" ومن التابعين عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوة أرقم بن شرحبيل كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود هزيل بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا انتهى هذا الذي ذكره المصنف من كون أرقم ابن شرحبيل اثنين أحدهما أخو عمرو بن شرحبيل والآخر أخو هزيل بن شرحبيل ليس بصحيح وأرقم بن شرحبيل واحد وإنما اختلف كلام التاريخيين والنس أبين هل الثلاثة إخوة وهم عمرو بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل وهزيل بن شرحبيل أو أن أرقم وهزيلا أخوان وليس عمرو أخا لهما فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى الأول قال هم ثلاثة إخوة والصحيح الذي عليه الجمهور أن أرقم وهزيلا أخوان فقط وهو الذي اقتصر عليه البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وحكاه عن أبيه أبي حاتم وعن أبي زرعة وكذلك ابن حبان في الثقات واقتصر عليه الحاكم أيضا في علوم الحديث في النوع السادس والثلاثين وكذلك اقتصر المزى في تهذيب الكمال.

(1/337)


ومن أمثلة الخمسة: ما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله قال: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ غير مرة يقول: آدم بن عيينة وعمران بن عيينة ومحمد بن عيينة وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن عيينة حدثوا عن آخرهم.
__________
على أن أرقم وهزيلا أخوان ذكر ذلك في ترجمة أرقم وترجمة هزيل ولم يتعرض في ترجمة عمرو لشيء من ذلك وما ذكره ابن عبد البر من كونهم الثلاثة إخوة ليس بجيد فإن عمرو بن شرحبيل همدانى وهزيل وأخوه أرقم أوديان ولا تجتمع همدان الكبرى ولا همدان الصغرى مع أود أما همدان الكبرى فينتسبون إلى همدان فهو أوسلة ابن مالك بن زيد أو سلة بن ربيعة بن الجبار بن ملكان وقيل مالك بن زيد بن كهلان وأما همدان الصغرى فينتسبون إلى همدان بن زياد بن حسان بن سهل بن زيد بن عمرو ابن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس وأما الذي ينسب إليه هزيل وأرقم أبنا شرحبيل الأوديان فهو أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ولا يجتمع مع همدان فالصواب قول الجمهور والله أعلم.
وعلى كل فما ذكره المصنف ليس موافقا لقول الجمهور ولا لقول ابن عبد البر.
"قوله" ومن أمثلة الخمسة ما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله قال سمعت أبا على الحسين ابن على الحافظ غير مرة يقول آدم بن عيينة وعمران بن عيينة ومحمد بن عيينة وسفيان ابن عيينة وإبراهيم بن عيينة حدثوا عن آخرهم انتهى اقتصر المؤلف على كونهم خمسة وهؤلاء هم المشهورون من أولاد عيينة وإلا فقد ذكر غير واحد أنهم عشرة منهم عبد الغنى ابن سرور وقد سمى لنا منهم سبعة الخمسة المذكورون ولم يذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل غيرهم واقتصر البخاري في التاريخ الكبير على ذكر أربعة منهم فلم يذكر آدم والسادس أحمد بن عيينة ذكره الدارقطني وابن ماكولا والسابع مخلد بن عيينة ذكره أبو بكر بن المقرى عن بعض أولادهم قال ابن المقرى سمعت أبا العباس أحمد ابن زكريا بن يحيى بن الفضل بن سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالى يقول سفيان ابن عيينة ومحمد بن عيينة وإبراهيم بن عيينة وعمران بن عيينة ومخلد بن عيينة إخوة فإن قيل إنما اقتصر المصنف على الخمسة المذكورين لكونهم الذين حدثوا منهم دون الباقين كما حكاه المزى في التهذيب عن بعضهم فقال وقيل كان بنو عيينة عشرة إخوة خزازين حدث منهم خمسة فذكرهم قلنا وقد حدث أحمد بن عيينة أيضا قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف عيينة بن أبي عمران الهلالى والد سفيان وإبراهيم وعمران وآدم ومحمد وأحمد بن عيينة المحدثون وكذا ذكرهم ابن ماكولا في الإكمال قال وكلهم محدثون

(1/338)


ومثال الستة: أولاد سيرين ستة تابعيون وهم: محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ذكرهم هكذا أبو عبد الرحمن النسوي ونقلته من كتابه بخط الدارقطني فيما أحسب.
وروي ذلك أيضا عن يحيى بن معين. وهكذا ذكرهم الحاكم في كتاب المعرفة. لكن ذكر فيما نرويه من تاريخه باسنادنا عنه: أنه سمع أبا علي الحافظ يذكر بني سيرين خمسة إخوة: محمد بن سيرين وأكبرهم معبد بن سيرين ويحيى بن سيرين وخالد بن سيرين وأنس بن سيرين وأصغرهم حفصة بنت سيرين.
__________
"قوله" ومثاله الستة أولاد سيرين ستة تابعيون وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ثم حكى أن الحاكم ذكر في تاريخه عن شيخه أبي على الحافظ أنه ذكر فيهم خالد بن سيرين ولم يذكر كريمة وذكر أن أصغرهم حفصة بنت سيرين انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض على المصنف بأنهم عشرة أنس وخالد ومحمد ومعبد ويحيى وحفصة وسودة وعمرة وكريمة وأم سليم فإن ابن سعد ذكر في الطبقات عمرة بنت سيرين وسودة بنت سيرين أنهما أم ولد كانت لأنس بن مالك وذكر أيضا أم سليم في خمسة من ولد سيرين منهم محمد أمهم صفية والجواب عنه أن المشهور ما ذكره المصنف من أنهم ستة وأما السابع فهو خالد فإن المصنف قد ذكره فلا يرد عليه مع أنى لم أجد له رواية ولم أقف له على ترجمة.
وقال محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمى خالد بن سيرين لم يخرج حديثه وأما الطبراني فقال كلهم قد حدثوا بعد أن عد فيهم خالد بن سيرين وأما عمرة وأم سليم وسودة فلم أر من ذكر لهن رواية فلا يردن على المصنف.
الأمر الثاني: أن ما قاله الحافظ أبو على النيسابوري من أن أصغرهم حفصة بنت سيرين وسكت عليه المصنف ليس بجيد وإنما أصغرهم أنس بن سيرين كما قاله عمرو ابن على الفلاس وهو الصواب فإن المشهور أنه ولد لست بقيت من خلافة عثمان وبه صدر المزى كلامه وتوفي في قول أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد المقدمى سنة عشرين ومائة قال أحمد وهو ابن ست وثمانين سنة وقال الذهبى في العبر خمس وثمانون سنة فعلى هذا يكون مولده سنة أربع وثلاثين وأما حفصة فإنها توفيت سنة إحدى ومائة.

(1/339)


قلت: وقد روي عن محمد عن يحيى عن أنس عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لبيك حقا حقا تعبدا ورقا" وهذه غريبة عابا بها بعضهم فقال: أي ثلاثة إخوة روى بعضهم عن بعض.
ومثال السبعة: النعمان بن مقرن وإخوته: معقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن وسابع لم يسم لنا بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا النبي صلى الله
__________
وعاشت إما سبعين سنة وإما تسعين سنة بتقديم المثناة وعلى كل تقدير فهي أكبر من أنس بن سيرين والله أعلم.
وقال ابن سعد في أواخر الطبقات أخبرنا بكار بن محمد من ولد محمد بن سيرين قال كانت حفصة بنت سيرين أكبر ولد سيرين من الرجال والنساء من ولد صفية وكان ولد صفية محمدا ويحيى وحفصة وكريمة وأم سليم.
"قوله" وقد روى عن محمد عن يحيى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبيك حقا حقا تعبدا ورقا قال وهذه غريبة عايا بها بعضهم فقال أي ثلاثة إخوة روى بعضهم عن بعض انتهى.
قلت وزاد بعضهم في هذا الإسناد معبد بن سيرين فاجتمع فيه أربعة أخوة يروى بعضهم عن بعض ذكره محمد بن طاهر المقدسي في تخريجه ل أبي منصور عبد المحسن ابن محمد بن على الشيرازى فقال روى هذا الحديث محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه معبد عن أخيه أنس بن سيرين ولكن المشهور ما ذكره المصنف من كونهم ثلاثة وكذلك رواه الدارقطني في كتاب العلل من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه أنس عن أنس بن مالك إلا أنه قال حجا حقا ولا نعرف ليحيى ابن سيرين رواية عن أخيه معبد ولا لمعبد رواية عن أخيه أنس قال على بن المدينى لم يرو عن معبد إلا أخوه أنس كذا قال وقد روى عنه أيضا أخوه محمد وروايته عنه في الصحيحين وقد جعله بعضهم من رواية ابنين من ولد سيرين رواه أبو بكر البزار في مسنده من رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أخيه يحيى عن أنس بن مالك وذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه وقال إن الصحيح ما رواه حماد بن زيد ويحيى القطان عن يحيى بن سيرين عن أنس بن مالك قوله وفعله.
"قوله" ومثال السبعة النعمان بن مقرن وإخوته معقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن وسابع لم يسم لنا بنو مقرن المزينون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله

(1/340)


عليه وسلم ولم يشاركهم فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة في هذه المكرمة غيرهم. وقد قيل: إنهم شهدوا الخندق كلهم.
وقد يقع في الأخوة ما فيه خلاف في مقدار عددهم.
__________
صلى الله عليه وسلم ولم يشاركهم فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة في هذه المكرمة سواهم انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد سمى لنا سابع وثامن وتاسع وهم نعيم بن مقرن وضرار بن مقرن وعبد الله بن مقرن.
فأما نعيم فذكره ابن عبد البر في الاستيعاب فقال نعيم بن مقرن أخو النعمان ابن مقرن خلف أخاه حين قتل بنهاوند وكانت على يديه فتوح كثيرة وهو واخوته من جلة الصحابة وأما ضرار بن مقرن فذكره الحافظ أبو بكر محمد بن خلف بن سليمان ابن خلف بن فتحون في ذيله على الاستيعاب وإن خالد بن الوليد لما دخل الحيرة في أيام أبي بكر أمر ضرارا هذا على جماعة من المسلمين وقال ذكره الطبرى وسيف وأما عبد الله بن مقرن فذكره بن فتحون أيضا في ذيله على الاستيعاب وقال إنه كان على ميسرة أبي بكر رضي الله عنه في خروجه لقتال أهل الردة إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذكره الطبرى وسيف وذكره ابن منده وأبو نعيم أيضا في معرفة الصحابة وهذا يدل على انهم أكثر من سبعة وقد قال الطبرى انهم كانوا عشرة إخوة انتهى.
وإنما اشتهر كونهم سبعة لما روى مسلم في صحيحه من حديث سويد بن مقرن قال لقد رأيتني سابع سبعة من بنى مقرن ما لنا خادم إلا واحدة فلطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها.
ويحتمل أن من أطلق كونهم سبعة أراد من هاجر منهم قال مصعب بن الزبير هاجر النعمان ومعه سبعة أخوة وسمى ابن عبد البر في الاستيعاب منهم ستة وهم سنان وسويد وعقيل ومعقل والنعمان ونعيم وسمى ابن فتحون في ذيله الباقين وهم ضرار وعبد الله وعبد الرحمن وقال إن عبد الرحمن ذكره في الصحابة الطبري وابن السكن والله أعلم.
الأمرالثاني: أن ما حكاه المصنف عن ابن عبد البر وجماعة من انفراد بني مقرن.

(1/341)


.........................................................................
__________
بهذه المكرمة من كونهم السبعة هاجروا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة معقل بن مقرن فقال وليس ذلك لأحد من العرب سواهم قاله الواقدى ومحمد بن عبد الله بن نمير انتهى.
وفيما قالوه نظر فإن أولاد الحارث بن قيس السهمى كلهم هاجر وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم ابن إسحق فيمن هاجر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة سبعة لم يعد فيهم تميما ولا حجاجا الآتى ذكرهما وقد تتبعت أسماءهم فوجدتهم تسعة بتقديم المثناة وهم بشر وتميم والحارث والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر وأبو قيس أولاد الحارث بن قيس السهمى وسمى الكلبى معمر بن الحرث معبدا والمشهور الأول وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب التسعة المذكورين كل واحد في موضعه وأنهم هاجروا إلى أرض الحبشة وقال في ترجمة سعيد بن الحارث هاجر هو واخوته كلهم إلى أرض الحبشة فهؤلاء تسعة إخوة هاجروا وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم أشرف نسبا في الجاهلية والإسلام وزادوا على بقية الإخوة بأن استشهد منهم سبعة في سبيل الله فقتل تميم والحرث والحجاج بأجنادين وقتل سعد يوم اليرموك وقتل السائب يوم فحل وقيل يوم الطايف وقتل عبد الله يوم الطايف وقيل باليمامة اوقال الطبرى إنه مات بالحبشة مهاجرا في زمنه صلى الله عليه وسلم وقتل أبو قيس يوم اليمامة واعترض الحافظ أبو بكر محمد بن خلف بن فتحون على ابن عبد البر في هذا الإطلاق في التبيه على ما أوهمه ابن عبد البر أو وهم فيه بأن معاوية بن الحكم السلمى واخوته الستة في مثل عددهم وفضيلتهم ثم روى من طريق أبي على بن السكن بإسناده إلى معاوية بن الحكم قال وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وستة إخوة لى فأبرز على بن الحكم فرسه خندقا فقصرت الفرس فدق جدار الخندق ساقه فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برأ فقال معاوية بن الحكم في قصيدة:
فأنزلها على فهوى تهوى ... هوى الدلو تنزعه برجل
ففضت رجله فسما عليها ... سمو الصقر صادف يوم طل
فقال محمد صلى عليه ... مليك الناس قولا غير فعل
لعا لك فاستمر بها سويا ... وكانت بعد ذاك أصح رجل

(1/342)


ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته ولعدم الحاجة إليه في غرضنا ههنا والله أعلم.
__________
قلت والحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير مع اختلاف في إيراد الشعر وفي غيره ولم يقل فيه إنه وفد معه ستة إخوة وأيضا ففي إسناده جهالة وأيضا فلم يقل فيه إنهم هاجروا حتى يعدوا مهاجرين فعلهم وفدوا عام قدوم الوفود ولا هجرة بعد الفتح وأيضا فلم تعرف بقية أسمائهم وإنما سمى منهم معاوية وعلى عمران كان مالك حفظه وإلا فقد قال على بن المدينى والبخاري إن مالكا وهم في قوله عمر بن الحكم وإنما هو معاوية بن الحكم والله أعلم.
"قوله" ولم نطول بما زاد على السبعة لندرتهم ولعدم الحاجة إليه في غرضنا ههنا انتهى.
وقد رأيت أن أذكر من المشهورين من الإخوة والأخوات من زاد على السبعة للفائدة فمثال الثمانية من الصحابة أسماء وحمران وخراش وذؤيب وسلمة وفضالة ومالك وهند بن حارثة بن سعيد بن عبد الله الأسلميون أسلموا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا معه بيعة الرضوان بالحديبية ذكر ذلك أبو القاسم البغوي وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة هند قال ولم يشهدها أي بيعة الرضوان إخوة في عددهم غيرهم ولزم النبي صلى الله عليه وسلم منهم اثنان أسماء وهند وكانا من أهل الصفة ومثالهم في التابعين أولاد أبي بكرة وهم عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم ورواد ويزيد وعتبة سماهم ابن سعد في الطبقات مجتمعين وله ابنة اسمها كيسة وروايتها عن أبيها في سنن أبي داود فيكون هذا من أمثلة التسعة.
وقد قال ابن سعد وتوفي أبو بكرة عن أربعين ولدا من بين ذكر وأنثى فأعقب منهم سبعة.
ومثال التسعة أولاد الحرث بن قيس السهمي وكلهم صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى أرض الحبشة وتقدمت أسماؤهم في الاعتراض الذي يليه هذا.
ومثال العشرة بنو العباس بن عبد المطلب وهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وعون والحارث وكثير وتمام وكان أصغرهم وكان العباس

(1/343)


.........................................................................
__________
يحمله ويقول:
تموا بتمام فصاروا عشرة
يا رب فجعلهم كراما برره
واحل لهم ذكرا وانم الثمرة
وكان للعباس ثلاث بنات أم كلثوم وأم حبيب وأميمة وقيل له رابعة وهى أم قثم.
فقد اوردها ابن سعد في الطبقات وروى لها اثرا عن على بن أبي طالب رضي الله عنه وقال هكذا جاء في الحديث ولم نجد العباس إبنة تسمى أم قثم.
ومثال الإثنى عشر أولاد عبد الله بن أبي طلحة وهم إبراهيم وإسحق وإسمعيل وزيد وعبد الله وعمارة وعمر وعمير والقاسم ومحمد ويعقوب ويعمر وكانوا كلهم قرأوا القرآن وقال أبو نعيم كلهم حمل عنه العلم كذا سماهم ابن الجوزي اثنى عشر وسماهم ابن عبد البر وغير واحد عشرة.
ومثال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر أولاد العباس بن عبد المطلب الذكور والإناث وقد تقدم تسميتهم عند العشرة.
وأكثر ما رأيت مسمى من الإخوة والأخوات من أولاد المشهور سعد بن أبي وقاص سمى له ابن الجوزي خمسة وثلاثين ولدا وقد روى عنه من اولاده في الكتب الستة أو بعضها إبراهيم وعامر وعمر ومحمد ومصعب وعائشة.
وقد كان أولاد أنس بن مالك يزيدون على المائة وسمى لنا ممن روى عنه من أولاده لصلبه عشرة وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له اللهم أكثر ماله وولده.

(1/344)