الشرح المختصر لنخبة الفكر لابن حجر العسقلاني

الموقوف:
-[قال الحافظ: (أو إلى الصحابي كذلك ... والثاني: الموقوف).]-
وقال في "النزهة" (ص:237): (أو ينتهي غاية الإسناد إلى الصحابي كذلك، أي: مثل ما تقدم في كون اللفظ يقتضي التصريح بأن المنقول هو من قول الصحابي، أو من فعله، أو من تقريره، ولا يجيء فيه جميع ما تقدم، بل معظمه، والتشبيه لا تشترط فيه المساواة من كل جهة).
ظاهر عبارة الحافظ أنه لا يرى دخول ما ثبت حكما في عبارته، وصرح بذلك القاري حيث قال في "شرح النخبة" (ص:574): ((ولا يجيء فيه) أي في هذا المقام، (جمع ما تقدم) لعدم شموله لما ثبت حكما أنه قول الصحابي، أو فعله أو تقريره ... (بل معظمه) أي أكثره وهو التصريح).

تتمات:
- تعريف الموقوف:
الموقوف هو: (ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم، ما لم يتجاوز به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

- هل تقرير الصحابي حجة:
ليس المقصود أن ذلك حجة ملزمة كالكتاب والسنة، وإنما المقصود أنه دلالة على ذهاب الصحابي إلى هذا القول - وسيأتي قريبا الكلام عن حجية قول الصحابي -.
قال الشيخ عبد الله الفوزان في "تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول": (لا ينسب لساكت قول، ثم إنه لا يجزم بأن هذا الساكت بلغه ذلك القول، أو يكون بلغه وقام مانع من الاعتراض، إمَّا لهيبة القائل، أو لأنه لا يرى الإنكار في مسائل الاجتهاد، أو لكونه يخاف على نفسه، أو أنه أنكر ولم يبلغنا إنكاره، إلى غير ذلك من الاحتمالات

(1/69)


الواردة في مثل هذه الحال.
وقد جعل المصنف المسألة عامة في مجتهدي الأعصار، وبعض الأصوليين يخص ذلك بالصحابة رضي الله عنهم دون من بعدهم؛ لأن منصبهم الشريف لا يقتضي السكوت في موضع المخالفة).
وهذا الأخير هو الراجح عندي، فروى الشيخان من عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) ونحن نشهد بالله أنهم وفوا بهذه البيعة وقالوا بالحق وصدعوا به ولم تأخذهم في الله لومة لائم ولم يكتموا شيئاً منه مخافة سوط ولا عصاً ولا أمير ولا وال كما هو معلوم لمن تأمله من هديهم وسيرتهم، وعليه فتقرير الصحابي قول له.

- قول التابعي من السنة كذا:
قال العراقي في التقييد والإيضاح (ص/68): (إذا قال التابعي من السنة كذا كقول عبيدالله بن عبد الله بن عتبة: السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقي في سننه، فهل هو مرسل مرفوع، أو موقوف متصل؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي حكاهما النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وشرح الوسيط قال والصحيح أنه موقوف انتهى. وحكى الداودى في شرح مختصر المزني أن الشافعي رضي الله عنه كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع إذا صدر من الصحابي أو التابعي ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة البلد انتهى. وما حكاه الداودي من رجوع الشافعي عن ذلك فيما إذا قاله الصحابي لم يوافق عليه فقد احتج به في مواضع من الجديد فيمكن أن يحمل قوله ثم رجع عنه أي عما إذا قاله التابعي والله أعلم).
وظاهر اختيار ابن حجر التسوية بين الصحابي وغيره بشرط ألا يضيفه التابعي إلى غير النبي كسنة العمرين حيث قال في "النزهة" (ص:236): (ومن الصيغ المحتملة قول الصحابي: من السنة كذا: فالأكثر أن ذلك مرفوع، ونقل ابن عبد البر فيه الاتفاق، قال: وإذا قالها غير الصحابي فكذلك، ما لم يضفها إلى صاحبها، كسنة العمرين، وفي نقل الاتفاق نظر؛ فعن الشافعي في أصل المسألة قولان.
وذهب إلى أنه غير مرفوع أبو بكر الصيرفي من الشافعية، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وابن حزم من أهل الظاهر، واحتجوا بأن السنة تتردد بين النبي صلى الله عليه

(1/70)


وسلم وبين غيره.
وأجيبوا: بأن احتمال إرادة غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيد، وقد روى البخاري في صحيحه في حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له (1): إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهل يعنون بذلك إلا سنته (2)؟!، فنقل سالم - وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة - أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قول بعضهم: إن كان مرفوعا فلم لا يقولون فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فجوابه: إنهم تركوا الجزم بذلك تورعا واحتياطا ... ).

- قول التابعي: كنا نفعل، أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا.
قال العراقي في التقييد والإيضاح (ص/67): (المسألة الأولى - فإذا قال التابعي: كنا نفعل فليس بمرفوع قطعا، وهل هو موقوف؟ لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن الصحابة، أم لا فيحتمل، فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضا، بل هو مقطوع، وإن أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه موقوف؛ لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك، وتقريرهم، ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا؛ لأن تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أحد وجوه السنن ...
وأما المسألة الثانية - فإذا قال التابعي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، فجزم أبو نصر بن الصباغ في كتاب العدة في أصول الفقه أنه مرسل، وذكر الغزالي في المستصفى فيه احتمالين من غير ترجيح هل يكون موقوفا، أو مرفوعا مرسلا ... ).
وقال الشيخ العثيمين في "شرح الأصول" (ص/461): (وليس قول التابعي - أي أُمرنا - كذلك؛ لأنه يحتمل أنه أَمْرُ الخليفة. فلو قال التابعي: هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صار مرفوعا صريحا لكنه منقطع أو مرسل).
__________
(1) القائل هو سالم.
(2) ولفظه عند البخاري: «وهل تتبعون في ذلك إلا سنته».

(1/71)


تعريف الصحابي:
-[قال الحافظ: (وهو: من لقي النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- مؤمنا به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح).]-
والتعبير بقوله من لقى كالتعبير بقوله من اجتمع، وتعريف الحافظ غير جامع فلا يدخل فيه مؤمني الجن، ولذلك نضيف قيد: (ولو جنيا) كما ذكره ابن النجار.
قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في "شرح الأصول" (ص/469): ((وقوله: (من اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم -): سواء رآه أم لم يره، وسواء سمعه أم لم يسمعه، فلو قدر أن رجلا أعمى أصم اجتمع بالرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به ومات على ذلك فهو صحابي وإن لم يره ويسمعه، ولا يشترط أن يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو حضر مجلسا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو صحابي (1).
وقوله: (اجتمع بالنبي): هذا قيد لابد منه، فهو وصف أي أن يكون مجتمعًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حال كونه نبيا، فإن اجتمع به قبل أن يرسل مؤمنا بأنه سيبعث ثم لم يره بعد أن بعث فليس بصحابي، فلابد أن يكون مجتمعًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حال نبوته.
س: وهل يشمل من اجتمع به بعد موته وقبل دفنه - يعني حضر وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
ج: في هذا خلاف:
فمنهم من يقول: إنه إذا حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته وقبل دفنه فهو صحابي؛ لأن نبوته - صلى الله عليه وسلم - لا تنقطع بموته.
ومنهم من قال: ليس بصحابي؛ لأنه اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ميت.
__________
(1) قال ابن النجار في "شرح الكوكب" (2/ 470): (ودخل في قولنا: "من لقي" من جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مميز فحنكه النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن الحارث بن نوفل، أو تفل في فيه كمحمود بن الربيع، بل مجه بالماء كما في البخاري، وهو ابن خمس سنين أو أربع. أو مسح وجهه، كعبد الله بن ثعلبة بن صعير- بالصاد وفتح العين المهملتين - ونحو ذلك. فهؤلاء صحابة، وإن اختار جماعة خلاف ذلك كما هو ظاهر كلام ابن معين وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم وأبي داود وابن عبد البر، وكأنهم نفوا الصحبة المؤكدة).

(1/72)


وانتفاء الصحبة في هذه الحال واضح جدًا بخلاف ما لو اجتمع به وهو حي وهذا هو الأقرب أنه لا بد أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حيًا (1) ...
ولابد أيضًا أن يكون مؤمنًا به (2) فإن كان مؤمنًا بغيره كما لو اجتمع به نصراني يؤمن بالأديان السابقة. لكن لم يؤمن بالرسول إلا بعد موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون صحابيًا.
وقوله: (ومات على ذلك): فإن مات على الردة فليس بصحابي؛ لأن الردة تبطلِ جميع الأعمال، قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23] والردة تمحو حتى الإسلام فضلاً عن الصحبة، فإن ارتد ثم عاد إلى الإِسلام فإن الأصح من أقوال أهل العلم أن صحبته تعود (3)؛ لأن الله تعالى اشترط لبطلان العمل بالردة أن يموت الإنسان على ردته فقال الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [البقرة: 217]).
__________
(1) قال ابن النجار (2/ 466): (وقولنا: "حيا" احتراز ممن رآه بعد موته كأبي ذؤيب الشاعر خالد بن خويلد الهذلي؛ لأنه لما أسلم وأخبر بمرض النبي صلى الله عليه وسلم: سافر ليراه، فوجده ميتا مسجى فحضر الصلاة عليه والدفن، فلم يعد صحابيا، وعده ابن منده في الصحابة، وقال: مات على الحنيفية. وفي "شرح التدريب"، ومن عده من الصحابة فمراده الصحبة الحكمية، دون الاصطلاحية.
(2) وقول الشيخ: (مؤمنا) قيد هام، قال الطوفي في " شرح مختصر الروضة" (2/ 185): (وإنما شرطنا مع ذلك الإيمان؛ لأن الكفار الذين صحبوه ورأوه عليه السلام، لا يسمون صحابة بالاتفاق؛ فدل على أن الإيمان شرط في إطلاق اسم الصحابي). وقال ابن النجار في "شرح الكوكب" (2/ 467): (وقولنا "مسلما" ليخرج من رآه واجتمع به قبل النبوة ولم يره بعد ذلك، كما في زيد بن عمرو بن نفيل. فإنه مات قبل المبعث. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه يبعث أمة وحده" كما رواه النسائي، وليخرج أيضا من رآه وهو كافر، ثم أسلم بعد موته).
(3) قال الحافظ في "النزهة" (ص/ 238): (وقولي: ((ولو تخللت ردة))؛ أي: بين لقيه له مؤمنا به وبين موته على الإسلام؛ فإن اسم الصحبة باق له، سواء أرجع إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وآله وسلم أو بعده، وسواء ألقيه ثانيا أم لا!. وقولي: ((في الأصح))؛ إشارة إلى الخلاف في المسألة. ويدل على رجحان الأول قصة الأشعث بن قيس؛ فإنه كان ممن ارتد، وأتي به إلى أبي بكر الصديق أسيرا، فعاد إلى الإسلام، فقبل منه ذلك، وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها.

(1/73)


وقال ابن النجار في "شرح الكوكب" (2/ 471): ((ولو جنيا في الأظهر) أي ولو كان من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما جنيا في الأظهر من قولي العلماء ليدخل الجن الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم من نصيبين وأسلموا، وهم تسعة أو سبعة من اليهود بدليل قوله تعالى: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى) [الأحقاف: 30] وذكر في أسمائهم: شاص، وماص، وناشى، ومنشى، والأحقب، وزوبعة، وسرق، وعمر، وجابر. وقد استشكل ابن الأثير في كتابه " أسد الغابة " قول من ذكرهم من الصحابة. فإن بعضهم لم يذكرهم في الصحابة، وبعضهم ذكرهم قال في شرح التحرير قلت: الأولى أنهم من الصحابة. فإنهم لقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا به وأسلموا، وذهبوا إلى قومهم منذرين).

المقطوع:
-[قال الحافظ: (أو إلى التابعي، وهو من لقى الصحابي كذلك ... والثالث: المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثلُهُ).]-
المقطوع هو: (ما أضيف إلى التابعي فمن بعده).
قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 224): (المقطوع وهو: ما ينتهي إلى التابعي قولا وفعلا ومن دون التابعي كذلك من أتباع التابعين فمن بعدهم فيه - أي التسمية - مثله - أي (مثل) ما ينتهي إلى التابعي).
- وإقرار التابعي فمن دونه ليس بحجة.

تعريف التابعي:
قال ابن حجر في "النزهة" (ص/ 239): (التابعي: وهو من لقي الصحابي كذلك،
وهذا متعلق باللقي، وما ذكر معه؛ إلا قيد الإيمان به؛ فذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا هو المختار؛ خلافا لمن اشترط في التابعي طول الملازمة، أو صحة السماع، أو التمييز).
ومقصود الحافظ أن الإيمان خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعني لا يصح أن نقول في التعريف: (لقى الصحابي مؤمنا به) بل نقول مؤمنا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فالإيمان خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد فهم البعض أن معنى عبارته أنه لا يشترط في التابعي أن يكون مسلما وقت اجتماعه بالصحابي. قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 217 (: (التابعي، وهو: من لقى الصحابي كذلك، وهذا متعلق باللقي. وما ذكر معه إلا قيد الإيمان به فذلك خاص

(1/74)


بالنبي. وقال الكمال ابن أبي شريف: قوله خاص بالنبي أي فإنه لا يشترط في التابعي أن يكون وقت تحمله عن الصحابي مؤمنا، بل لو كان كافرا ثم أسلم بعد موت الصحابي وروى سميناه تابعيا وقبلناه. انتهى).
وهذا خطأ في فهم عبارة الحافظ وعبارته لا تحتمله، فلو أراد الحافظ هذا المعنى لقال: قيد الإيمان خاص بتعريف الصحابي (1).

- لا يشترط طول الملازمة:
وقول أبو سعيد - رضي الله عنه - في الحديث الذي رواه مسلم: (فيكم من رأى من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فيقولون نعم فيفتح لهم) يدل على الاكتفاء بمجرد رؤية الصحابي ليحكم له بأنه تابعي.
قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في "شرح الأصول " (ص/471): (وظاهر كلام العلماء أنه لا تشترط طول الصحبة بين التابعي والصحابي، وأنه لو جلس معه ساعةً أو ساعتين ثم فارقه ولم يره بعد ذلك فهو تابعي).

- يشترط أن يكون من لقى الصحابي مميزا حتى يحكم له بأنه تابعي؟
لم يشترط ابن حجر التمييز في التابعي، واشترط ذلك ابن حبان فقال في كتاب "الثقات" (6/ 270) في ترجمة خلف بن خليفة: (قال خلف بن خليفة: كنت في حجر أبى إذ مر رجل على بغل أو بغلة فقيل هذا عمرو بن حُرَيْث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو حاتم رضي الله عنه لم يدخل خلف بن خليفة في التابعين وإن كان له رؤية من الصحابة لأنه رأى عمرو بن حريث وهو صبي صغير ولم يحفظ عنه شيئا فان قال قائل فلم أدخلت الأعمش في التابعين وإنما له رؤية دون رواية كما لخلف بن خليفة سواء يقال له إن الأعمش رأى أنسا بواسط يخطب والأعمش بالغ يعقل وحفظ منه خطبته ورآه بمكة يصلى عند المقام وحفظ عنه أحرفا حكاها فليس حكم البالغ إذا رأى وحفظ كحكم غير البالغ إذا رأى ولم يحفظ).
ومن تعريف الصحابي فإنه يصح إلحاق محمد بن أبي بكر المولود قبل الوفاة النبوية بثلاثة أشهر وأيام برتبة الصحابة اصطلاحا، وهو وإن لم تصح نسبة الرؤية إليه ولكن صدق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه ويكون صحابيا من هذه الحيثية خاصة، ومثل هذا الحكم لا يصح تعديته إلى غيره صلى الله عليه وسلم لعدم صحة قياس النبي -
__________
(1) انظر: شرح علي القاري للنزهة (ص/595)، حاشية لقط الدرر (ص/166).

(1/75)


صلى الله عليه وسلم - على غيره.
وعليه فكلام ابن حبان له وجه. والراجح في حديث هذه الطبقة من غير المميزين لرؤية الصحابي أنه من قبيل المعضل على أحسن أحواله سواء ألحقناهم بطبقة التابعين حكما أم بتابعيهم حقيقة.
وعليه فالتابعي هو: (من اجتمع بالصحابي مميزا مؤمناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومات على ذلك).

الأثر:
-[قال الحافظ: (ويقال للأخيرين: الأثر).]-
أي أن اصطلاح الحافظ أن الموقوف والمقطوع يطلق عليهما: الأثر، بخلاف المرفوع فسيأتي أنه يطلق عليه المسند.
وذكر في "النكت" نقلا عن النووي أن المحدثين يطلقون الأثر على الموقوف والمرفوع فقال (1/ 513): (الأثر في الأصل العلامة والبقية والرواية ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا. ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه (تهذيب الآثار) وهو مقصور على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا. وأما كتاب (شرح معاني الآثار) للطحاوي فمشتمل على المرفوع والموقوف - أيضا -) والمسألة اصطلاحية.

المسند:
قال الحافظ: (والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال).
وقال في "النزهة" (ص:241): (والمسند في قول أهل الحديث: "هذا حديث مسند" هو: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال.
فقولي: "مرفوع" كالجنس.
وقولي: "صحابي" كالفصل، يخرج به ما رفعه التابعي؛ فإنه مرسل، أو من دونه؛ فإنه معضل، أو معلق.
وقولي: "ظاهره الاتصال"، يخرج به ما ظاهره الانقطاع، ويدخل ما فيه الاحتمال، وما يوجد فيه حقيقة الاتصال، من باب الأولى. ويفهم من التقييد بالظهور أن الانقطاع الخفي، كعنعنة المدلس، والمعاصر الذي لم يثبت لقيه لا يخرج الحديث عن كونه مسندا؛ لإطباق الأئمة الذين خرجوا المسانيد على ذلك).

(1/76)


المسند:
-[قال الحافظ: (والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال).]-
وقال في "النزهة" (ص:241): (والمسند في قول أهل الحديث: " هذا حديث مسند"
هو: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال.
فقولي:"مرفوع" كالجنس.
وقولي:"صحابي" كالفصل, يخرج به ما رفعه التابعي؛ فإنه مرسل, أو من دونه؛ فإنه
معضل, أو معلق.
وقولي:" ظاهرة الاتصال", يخرج به ما ظاهره الانقطاع, ويدخل ما فيه الاحتمال,
وما يوجد فيه حقيقة الاتصال, من باب الأولى. ويفهم من التقييد بالظهور أن الانقطاع
الخفي, كعنعنة المدلس, والمعاصر الذي لم يثبت لقيه لا يخرج الحديث عن كونه مسنداً؛
لإطباق الأئمة الذين خرجوا المسانيد على ذلك).

فائدة:
لاحظ أن الحافظ جمع في تعريفه للمسند بين المرفوع والمتصل فراعي الإسناد والمتن معا كالحاكم (1).
قال اللقاني (2/ 1352): (بعضهم جعل المسند من صفات المتن، وهو قول ابن عبد البر، فإذا قيل - عنده -: هذا حديث مسند، معناه: أنه مضاف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قد يكون مرسلا، وقد يكون معضلا، إلى غير ذلك.
وبعضهم جعله من صفات الإسناد - وهو قول الخطيب - فإذا قيل - عنده -: هذا مسند فمعناه: أنه متصل الإسناد، ثم قد يكون مرفوعا، وقد يكون موقوفا إلى غير ذلك.
وبعضهم جعله من صفاتهما معا، وهو قول الحاكم).

تعقب:
__________
(1) قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص:17): (المسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه لسن يحتمله، وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(2) انظر: قضاء الوطر (2/ 1353).

(1/77)


وتُعقب تعريف الحافظ بأن استخدام كلمة: (سند) في تعريف (المسند) فيه دور، كما أنه لا حاجة إلى التعرض بذكر الصحابي مع اشتراط الاتصال (2).
والأولى في تعريف المسند أن يقال: (ما اتصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
ولو ظاهرا).
العلو المطلق والنسبي:
-[قال الحافظ: (فإن قل عدده: إما أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله
وسلم، أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة فالأول: العلو المطلق، والثاني: النسبي).]-
وقال في "النزهة" (ص/241): (فإن قل عدده، أي: عدد رجال السند، فإما:
أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك العدد القليل بالنسبة إلى سند آخر، يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد كثير.
أو ينتهي إلى إمام من أئمة الحديث ذي صفة علية: كالحفظ، والفقه، والضبط، والتصنيف، وغير ذلك من الصفات المقتضية للترجيح، كشعبة ومالك، والثوري،
والشافعي، والبخاري، ومسلم، ونحوهم.
فالأول: -وهو ما ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم-: العلو المطلق، فإن اتفق أن يكون سنده صحيحا كان الغاية القصوى، وإلا فصورة العلو فيه موجودة، ما لم يكن موضوعا؛ فهو كالعدم.
والثاني: العلو النسبي، وهو ما يقل العدد فيه إلى ذلك الإمام، ولو كان العدد من ذلك الإمام إلى منتهاه كثيرا.
وقد عظمت رغبة المتأخرين فيه، حتى غلب ذلك على كثير منهم، بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه.
وإنما كان العلو مرغوبا فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راو من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قلت قلت.
فإن كان في النزول مزية ليست في العلو: كأن تكون رجاله أوثق منه، أو أحفظ، أو أفقه، أو الاتصال فيه أظهر، فلا تردد أن النزول، حينئذ، أولى.
وأما من رجح النزول مطلقا واحتج بأن كثرة البحث تقتضي المشقة؛ فيعظم الأجر، فذلك ترجيح بأمر أجنبي عما يتعلق بالتصحيح والتضعيف (1)).
__________
(1) قال القاري في "شرح النخبة" (ص:622): (أي كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهو الصحة الأولى، وهذا بمثابة من يقصد المسجد للجماعة فيسلك الطريق البعيدة لتكثير الخطا رغبة في تكثير الأجر، وإن أدى سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصودة، وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته، وبعد الوهم وكلما كثر رجال الإسناد تطرق إليه احتمال الخطأ والخلل، وكلما قصر السند كان أسلم).

(1/78)


الموافقة، والبدل، والمساواة، والمصافحة:
-[قال الحافظ: (وفيه الموافقة: وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه. وفيه البدل: وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك. وفيه المساواة: وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين. وفيه المصافحة: وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف).]-
مثال: (1)
قال الإمام البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فلو أن أحد المحدثين ممن تأخر عهده عن البخاري، وليكن البيهقي مثلا أراد أن يروي الحديث بعينه من طريق البخاري فوجد أنه بينه وبين قتيبة - شيخ البخاري - أربعة رواه، فأراد أن يرويه من غير طريق البخاري ليعلو بالإسناد ويقل عدد الرواة بينه وبين قتيبة، فوجده أنه بينه وبين قتيبة ثلاثة رواه فهذه تسمى موافقة؛ لأنه وافق البخاري في رواية الحديث في شيخه مع العلو في الإسناد (2).
وإن أردا البيهقي أن يرويه من غير طريق قتيبة مع المحافظة على العلو في الإسناد فرواه من غير طريق قتيبة ن كمحمد بن بشار مثلا عن مالك، فهذه تسمى: البدل.
وأما المساواة، فكأن يروي النسائي، مثلا، حديثا يقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد عشر نفسا، فيقع لنا ذلك الحديث، بعينه، بإسناد آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقع بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفسا؛ فنساوي النسائي، من حيث العدد، مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص.
وكلما تأخر الزمان فقدت المساواة بين المتقدم والمتأخر كما لا يخفى.
وأما المصافحة فهي: أن يروي المتأخر الحديث بما يزيد عن عدد رواة المتقدم براو واحد فقط، فكأنه تلميذ له، وسميت مصافحة؛ لأن من عادة التلميذ إذا لقى شيخه أن بصافحه فشبهت بذلك.
وعليه: فالموافقة هي: الوصول إلى شيخ أحد المصنِّفين من غير طريقه بعدد أقل
__________
(1) انظر النزهة (ص/242)، والجواهر السليمانية (ص/191) وتيسير الطحان (ص/242).
(2) قال الحافظ في "النزهة" (ص 243): (أكثر ما يعتبرون الموافقة والبدل إذا قارنا العلو، وإلا فاسم الموافقة والبدل واقع بدونه).

(1/79)


مما لو رَوَي من طريقه عنه.
والبدل هو: الوصول إلى شيخ شيخِ أحد المصنِّفين من غير طريقه بعدد أقل مما لو روي من طريقه عنه.
والمساواة هي: استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنِّفين.
والمصافحة هي: استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المصنِّفين.