الشرح المختصر لنخبة الفكر لابن حجر العسقلاني النزول:
-[قال الحافظ: (ويقابل العلو بأقسامه النزول).]-
المصنف لم يذكر إلا قسمين من أقسام العلو الخمسة، والمقصود ذكر
أن كل قسم من أقسام العلو يقابله قسم من أقسام النزول، فكل ما
حكمنا بعلوه حكمنا على مقابله بالنزول.
قال السخاوي في "فتح المغيث" (3/ 358): (وأنزل ما في الصحيحين
مما وقفت عليه ما بينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه
ثمانية، وذلك في غير ما حديث، كحديث توبة كعب في تفسير
(براءة). وحديث بعث أبي بكر لأبي هريرة في الحج في (براءة)
أيضا ... ).
الأقران:
-[قال الحافظ: (فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي
فهو الأقران.]-
وقال في "النزهة" (ص:243): (فإن تشارك الراوي ومن روى عنه، في
أمر من الأمور المتعلقة بالرواية: مثل السن، واللقي وهو الأخذ
عن المشايخ فهو النوع الذي يقال له: رواية الأقران؛ لأنه حينئذ
يكون راويا عن قرينه).
تنبيهات (1):
- ظاهر المتن يوهم أنه لابد من التشارك في الأمرين جميعا أي
السن والأخذ عن الشيوخ، ولكن قوله في الشرح: (أمر من الأمور
المتعلقة بالرواية: مثل السن، واللقي) صرفه عن ظاهره وبين أن
الإجتماع ولو في أحدهما كاف.
غير أن الإطلاق في الأحدية يشمل السن، وفيه نظر، فقد قال
العراقي في شرح ألفيته" (2/ 174): (القرينان: من استويا في
الإسناد والسن غالبا، والمراد بالاستواء في ذلك على المقاربة،
كما قال الحاكم: (إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما).
وقولي:
__________
(1) انظر قضاء الوطر (2/ 1381) وما بعدها.
(1/80)
(غالبا) متعلق بالسن فقط، إشارة إلى أنهم
قد يكتفون بالإسناد دون السن، قال ابن الصلاح: (وربما اكتفى
الحاكم بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن)).
قال اللقاني: (فكان الأليق بقاء المتن على ظاهره، وحمله على
الغالب، وجعل مقابله الاكتفاء باللقاء دون السن).
- قال السخاوي في " فتح المغيث" (4/ 170): (ومثال ذلك: رواية
سليمان التيمي عن مِسْعَر ; فقد قال الحاكم: لا أحفظ لمسعر عن
التيمي رواية، على أن غيره توقف في كون التيمي من أقران مسعر،
بل هو أكبر منه، كما صرح به المزي وغيره. نعم، روى كل من
الثوري ومَالِكُ بْنُ مِغْوَل عن مسعر، وهم أقران، والأعمش عن
التيمي، وهما قرينان).
- فائدة معرفة هذا النوع: الأمن من ظن الزيادة في السند.
المُدَبَّج:
-[قال الحافظ: (وإن روى كل منهما عن الآخر: فالمُدَبَّج.]-
وقال في "النزهة" (ص:243): (وإن روى كل منهما، أي: القرينين،
عن الآخر فهو المدبج. وهو أخص من الأول؛ فكل مدبج أقران، وليس
كل أقران مدبجا، وقد صنف الدارقطني في ذلك (1)، وصنف أبو الشيخ
الأصبهاني في الذي قبله (2)، وإذا روى الشيخ عن تلميذه (3) صدق
أن كلا منهما يروي عن الآخر؛ فهل يسمى مدبجا؟ فيه بحث،
والظاهر: لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، والتدبيج
مأخوذ من ديباجتي الوجه (4)؛ فيقتضي أن يكون ذلك مستويا من
الجانبين؛ فلا يجيء فيه هذا).
- أمثلة:
قال السخاوي في "فتح المغيث" (4/ 169): (مثال ذلك في الصحابة:
أبو هريرة وعائشة، روى كل منهما عن الآخر. وفي التابعين:
الزهري وأبو الزبير كذلك. وفي أتباعهم: مالك والأوزاعي كذلك).
__________
(1) واسم كتابه: (كتاب المدبج).
(2) واسم كتابه: (ذكر الأقران وروايتهم عن بعضهم بعضا).
(3) قال اللقاني (2/ 1386): (أي: تلميذه الذي لم يشاركه في
السن واللقى، وإلا سمي بذلك، ولا كلام).
(4) وهما الخدان؛ لتساويهما وتقابلهما.
(1/81)
الأكابر عن الأصاغر
وعكسه:
-[قال الحافظ: (وإن روى عمن دونه: فالأكابر عن الأصاغر، ومنه
الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن
جده).]-
قال القاري في "شرح النخبة" (ص:636) ما ملخصه: ((وإن روى
الراوي عمن هو دونه في السن، أو في اللقي، أو في المقدار).
وحاصله: أن هذا النوع أقسام:
أحدها: أن يكون الراوي أكبر سنا، وأقدم طبقة كالزهري، ويحيى بن
سعيد عن مالك. ثانيها: أن يكون أكبر قدرا في الحفظ والعلم،
كمالك عن عبد الله بن دينار، وأحمد وإسحاق عن عبيد الله بن
موسى.
ثالثها: أن يكون أكبر من الجهتين كرواية العبادلة عن كعب،
وكرواية كثير من العلماء عن تلاميذهم. (فهذا النوع هو رواية
الأكابر عن الأصاغر) هو نوع مهم تدعو لفعله الهمم العلية،
والأنفس الزكية، ولذا قيل: لا يكون الرجل محدثا حتى يأخذ عمن
فوقه، ومثله ودونه. وفائدة ضبطه: الخوف من ظن الانقلاب في
السند مع ما فيه من العمل بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "
أنزلوا الناس منازلهم "، وإلى ذلك أشار ابن الصلاح بقوله: ومن
الفائدة فيه أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر أو أفضل، نظرا
إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك، فتجهل بذلك منزلتهما،
والأصل فيه رواية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حديث الجساسة
عن تميم الداري، كما في صحيح مسلم.
(ومنه، أي من جملة هذا النوع - وهو أخص من مطلقه - رواية
الآباء عن الأبناء) وفائدة ضبطه الأمن من التحريف الناشئ عن
كون الابن أبا في: " عن أبيه " مثلا، وفيه أمثلة كثيرة كقول
أنس: حدثتني ابنتي أمينة: أنه دفن لصلبي إلى مقدم الحجاج
البصرة بضع وعشرون ومئة "، وكروايته أيضا عن ابنه ولم يسمه،
وكرواية عمر بن الخطاب عن ابنه عبد الله، وكرواية العباس عم
النبي عليه الصلاة والسلام عن ابنه الفضل حديث " الجمع بين
الصلاتين بالمزدلفة ".
(والصحابة) أي ومنه رواية الصحابة (عن التابعين) كرواية أنس عن
كعب الأخبار، (والشيخ عن تلميذه) كرواية البخاري عن أبي العباس
السراج، (ونحو ذلك) كرواية التابعين عن الأتباع كالزهري عن
مالك.
(وفي عكسه) أي رواية الراوي عمن فوقه في السن، أو اللقي، أو
المقدار، وهو المعبر عنه برواية الأصاغر عن الأكابر، (كثرة؛
لأنه هو الجادة) أي الطريق المستوية المستقيمة، (المسلوكة
الغالبة، وقد صنف الخطيب في رواية الآباء عن الأبناء تصنيفا،
(1/82)
وأفرد جزء لطيفا في رواية الصحابة عن
التابعين، ومنه) أي من العكس (من روى عن أبيه عن جده، وجمع
الحافظ صلاح الدين العلائي) منسوب إلى العلاء بفتح المهملة (من
المتأخرين مجلدا كبيرا في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) كبَهْز بن حكيم عن أبيه عن
جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فحكيم هو ابن معاوية
بن حيدة القشيري، فالصحابي هو معاوية، وهو جد بهز).
السابق واللاحق:
-[قال الحافظ: (وإن اشترك اثنان عن شيخ، وتقدم موت أحدهما،
فهو: السابق واللاحق).]-
وقال في "النخبة" (ص/245): (وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت
أحدهما على الآخر؛ فهو السابق واللاحق (1). وأكثر ما وقفنا
عليه من ذلك ما بين الراويين فيه في الوفاة مائة وخمسون سنة،
وذلك أن الحافظ السِّلفي سمع منه أبو علي البَرْدانيّ- أحد
مشايخه - حديثا، ورواه عنه، ومات على رأس الخمسمائة، ثم كان
آخر أصحاب السلفي بالسماع سِبْطَه أبو القاسم عبد الرحمن بن
مكي، وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة. ومن قديم ذلك أن البخاري
حدث عن تلميذه أبي العباس السَّرَّاج أشياء، في التاريخ وغيره،
ومات سنة ست وخمسين ومائتين، وآخر من حدث عن السراج، بالسماع،
أبو الحسين الخفَّاف، ومات سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة. وغالب
ما يقع من ذلك أن المسموع منه قد
__________
(1) قال اللقاني (2/ 1406): (ومعرفته - مع لطافته - من
فوائدها: الأمن من ظن سقوط شيء من إسناد المتأخر، مع تقرير
حلاوة علوِّ الإسناد في القلوب).
(1/83)
يتأخر بعد أحد الراويين عنه زمانا؛ حتى يسمع منه بعض الأحداث،
ويعيش بعد السماع، دهرا طويلا؛ فيحصل من مجموع ذلك نحو هذه
المدة).
المهمل:
-[قال الحافظ: (وإن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا،
فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل).]-
وقال في "النزهة" (ص:245): (وإن روى الراوي عن اثنين متفقي
الاسم، أو مع اسم الأب، أو مع اسم الجد، أو مع النسبة، ولم
يتميزا بما يخص كلا منهما فإن كانا ثقتين لم يضر.
ومن ذلك ما وقع في البخاري في روايته عن أحمد، غير منسوب، عن
ابن وهب؛
فإنه إما أحمد بن صالح، أو أحمد بن عيسى. أو عن محمد، غير
منسوب، عن أهل العراق؛ فإنه إما محمد بن سلام، أو محمد بن يحيى
الذهلي.
ومن أراد لذلك ضابطا كليا يمتاز أحدهما عن الآخر فباختصاصه
(1)، أي الشيخ المروي عنه بأحدهما يتبين المهمل، ومتى لم يتبين
ذلك، أو كان مختصا بهما معا، فإشكاله شديد؛ فيرجع فيه إلى
القرائن والنظر الغالب). |