الغاية في شرح الهداية في علم الرواية الرِّوَايَة من الأَصْل وبالمعنى والاختصار
(64 - (ص) وَالنَّاس من مفرط أَو مفرط ... فى الْأَخْذ
وَالصَّوَاب فى التَّوَسُّط)
(65 - فَمن يصحح كتبه كَمَا سبق ... مَعَ ضَبطه وفهمه فَهُوَ
الأحق)
(ش) : قد شدد نَاس فى الرِّوَايَة وهى الْمعبر عَنهُ ب
[الْأَخْذ] فأفرطوا وتساهل آخَرُونَ ففرطوا، فَقَالَ بعض
المشددين: لَا حجَّة إِلَّا فِيمَا رَوَاهُ الراوى من حفظه
ويذكره. وَهُوَ مروى عَن أَبى حنيفَة، وَمَالك، وَكَذَا عَن
الصيدلانى من الشَّافِعِيَّة - رَحمَه الله -، وَقَالَ
(1/109)
بعض: يجوز من كِتَابه: لَكِن مَا لم يخرج
[/ 56] من يَده، وتساهل قوم فرووا من نسخ غير مُقَابلَة
بأصولهم، وأدرج الْحَاكِم هَؤُلَاءِ فى طبقَة " الْمَجْرُوحين
"، وَقَالَ: إِنَّه مِمَّا كثر فى النَّاس وتعاطاه قوم من
أكَابِر الْعلمَاء، والصلحاء. انْتهى.
وَهَذَا من الْحَاكِم - رَحمَه الله - إِمَّا لكَون شُرُوط
جَوَاز الرِّوَايَة من النُّسْخَة الَّتِى لم تقَابل لم تُوجد،
أَو أَنه يرى الْمَنْع مُطلقًا، ثمَّ إِن من المتساهلين
الْقَائِلين بالرواية بِالْوَصِيَّةِ والإعلام والمناولة
الْمُجَرَّدَة وَغير ذَلِك، وَالصَّوَاب مَا عَلَيْهِ
الْجُمْهُور وَهُوَ [التَّوَسُّط] بَين الإفراط والتفريط
فَإِذا قَامَ فى [تَصْحِيح] كتبة كتبه بِمَا سبق فى ضَبطه
وفهمه جَازَت لَهُ الرِّوَايَة مِنْهُ، وَإِن غَابَ عَنهُ
أَصله، إِذا كَانَ الْغَالِب على الظَّن وَإِلَّا فَلَا،
قَوْله: [فَهُوَ الأحق] جَوَاب من أى فَهُوَ الأحق،
بِالْجَوَازِ دون من لم يصحح، فَإِنَّهُ لَا يجوز، ويروى عَن
وهب بن مُنَبّه: " إِن لكل شئ طرفين ووسط فَإِذا أمسك أحد
الطَّرفَيْنِ مَال الآخر: وَإِذا أمسك الْوسط اعتدل الطرفان،
فَعَلَيْك بالأوسط من الْأَشْيَاء " وَاسْتعْمل النَّاظِم فى
[مفرط] أَو [مفرط] الجناس المحرف.
(66 - (ص) وَكَذَا الضَّرِير حَيْثُ يَسْتَعِين ... بضابط
وَهُوَ رضى أَمِين)
(67 - كَذَلِك الأمى وَهل يَصح ... النَّقْل بِالْمَعْنَى؟
بلَى الْأَصَح)
(68 - لعالم وَعِنْدنَا تردد ... بَين الذى يسند أَو يستشهد)
(ش) : لما فرغ من مَسْأَلَة اكْتفى الراوى بالرواية من فَرعه
الذى قابله على الْوَجْه الْمَشْرُوع
(1/110)
عَقبهَا بِمَسْأَلَة [الضَّرِير] ثمَّ
[الأمى] الَّذِي لَا يكْتب لِاسْتِوَائِهِمَا [/ 75] فى الحكم،
فَإِذا كَانَ الرواى ضريرا - يعْنى: وَلم يكن يحفظ مَا يسمعهُ
-، واستعان بالضابط الرضى الْأمين فى ضبط سَمَاعه وَحفظ
كِتَابه، فَعَلَيهِ حِين الْقِرَاءَة عَلَيْهِ أَيْضا أَن
يحْتَاط على حسب حَاله، بِحَيْثُ يغلب على ظَنّه السَّلامَة من
التَّغْيِير، وَكَذَا إِن كَانَ أُمِّيا لَا يحفظ أَيْضا.
قَالَ الْخَطِيب فى " الْكِفَايَة ":
إنَّهُمَا بِمَثَابَة وَاحِدَة، ثمَّ حكى الْمَنْع من السماع
مِنْهُمَا من غير وَاحِد من الْعلمَاء، قَالَ: ونرى علته فَوق
الإدخال عَلَيْهِمَا لما لَيْسَ من سماعهما، قَالَ: وَرخّص
فِيهِ بَعضهم قَالَ ابْن الصّلاح: غير أَن الضَّرِير أولى
بِالْخِلَافِ وَالْمَنْع من الأمى، يعْنى: غَالِبا، وَإِلَّا
فَرب؟ يكون أمهر.
ثمَّ ذكر النَّاظِم مَسْأَلَة النَّقْل بِالْمَعْنَى، وَقد
اخْتلف فى جَوَازه فجمهور السّلف وَالْخلف من الْمُحدثين،
وَالْفُقَهَاء والأصوليين كَمَا صَححهُ النَّاظِم تبعا لغيره
على الْجَوَاز، إِذْ أقطع بذا الْمَعْنى، وَإِلَيْهِ
الْإِشَارَة بقوله: " بلَى، الْأَصَح "، وَجعلهَا ردا لقَوْله:
" مطوى "، كَأَنَّهُ قَالَ قبل: " لَا يَصح مُطلقًا "،
[وَالأَصَح: " بلَى "] ، وَمن أقوى حججهم كَمَا قَالَ شَيخنَا:
الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف
بِهِ، فَإِذا جَازَ الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى فجوازه باللغة
الْعَرَبيَّة أولى. وَمنعه قوم من الطوائف، فَقَالُوا: لَا
يجوز إِلَّا بِلَفْظِهِ، لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم، وَغَيره لَيْسَ مثله، وَأَيْضًا:
فَلَمَّا فِيهَا من إِضَافَة لفظ إِلَى النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] بحَديثه، وَلذَا خص قوم [58] الْمَنْع بحَديثه
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دون غَيره، وَكَذَا فصل بَعضهم،
فجوزه لغير حَافظ اللَّفْظ، أما حافظه: فَلَا.
وَأما النَّاظِم، فَبعد أَن حكى الصَّحِيح؛ اخْتَار فى
الْمَسْأَلَة التَّفْصِيل بَين من يسند - أى: يرْوى -: فَهَذَا
يُؤَدِّيه على وَجهه من غير تَغْيِير، وَبَين من يُورد ذَلِك
للاستشهاد بِحكم
(1/111)
وَغَيره، فَإِنَّهُ يَصح، إِذا قطع بذا
الْمَعْنى، وَإِلَى التَّفْصِيل الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: "
[وَعِنْدنَا تردد. .] لى آخِره "، وَهَذَا الْخلاف كُله فى
الْعَالم بالألفاظ ومقاصدها وَمَا يحِيل مَعَانِيهَا، أما غير
الْعَالم بذلك: فَلَا يجوز لَهُ إِجْمَاعًا.
وَكَذَا لَا يجرى فِيمَا تضمنته بطُون الْكتب، فَذَاك لَا يجوز
تَغْيِير لَفظه أصلا، وَإِن كَانَ بِمَعْنَاهُ.
قَالَ ابْن الصّلاح: ثمَّ إِن هَذَا الْخلاف لَا نرَاهُ
جَارِيا، وَلَا أجراه النَّاس - فِيمَا نعلم - فِيمَا تضمنته
بطُون الْكتب، فَلَيْسَ لأحد أَن يُغير لفظ شئ من كتاب مُصَنف
وَيثبت بدله فِيهِ لفظا آخر بِمَعْنَاهُ، فَإِن الرِّوَايَة
بِالْمَعْنَى رخص فِيهَا من رخص لما كَانَ عَلَيْهِم فى ضبط
الْأَلْفَاظ، والجمود عَلَيْهَا من الْحَرج وَالنّصب، وَذَلِكَ
مَفْقُود فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ بطُون الأوراق من الدفاتر
والكتب، وَلِأَنَّهُ إِن ملك تَغْيِير اللَّفْظ فَلَيْسَ ذَلِك
تَغْيِير تصنيف غير، وَتَبعهُ العراقى وَكَذَا النَّاظِم فى
بعض تصانيفه، لَكِن ميل شَيخنَا إِلَى جَوَاز النَّقْل مِنْهَا
أَيْضا بِالْمَعْنَى، لَا سِيمَا إِذا قرن بِمَا يدل عَلَيْهِ
لنحوه أَو مَعْنَاهُ، وَمَا أشبه ذَلِك
(69 - (ص) نعم، يجوز الِاخْتِصَار مُطلقًا ... لعالم مُمَيّز
محققا)
(ش) : أرْدف الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى بِمَسْأَلَة اخْتِصَار
الْخَبَر والاقتصار على بعض مِنْهُ دون بعض، وهى أَيْضا
مُخْتَلف فِيهَا، وَالصَّحِيح الْجَوَاز مُطلقًا جَوَّزنَا
الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أَو مَعْنَاهَا رَوَاهُ قبل تَاما
أَولا، خلافًا لمن بنى الْمَنْع فِيهَا على منع الرِّوَايَة
بِالْمَعْنَى، وَالْجَوَاز على عدم رِوَايَته قبل تَاما، وَلَا
فرق فِيهِ بَين الرِّوَايَة والاستشهاد كَمَا أشعره إتْيَان
النَّاظِم بالاستدراك لتفرقته فى الَّتِي قبلهَا بَينهمَا
كَمَا مر، ثمَّ إِن مَا قدمْنَاهُ من الْجَوَاز هُوَ
الْمُحَقق، وَلكنه أَيْضا يشْتَرط
(1/112)
بِكَوْن الذى يختصر عَالما مُمَيّزا
للمحذوف من الْمُثبت محققا لذَلِك كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
النَّاظِم لِأَن الْعَالم لَا ينقص من الحَدِيث إِلَّا مَا لَا
تعلق لَهُ بِمَا يبقيه مِنْهُ بِحَيْثُ لَا تخْتَلف الدّلَالَة
وَلَا يخْتل الْبَيَان، بل يكون الْمَذْكُور والمحذوف
بِمَنْزِلَة خبرين، وَيدل مَا ذكره على مَا حذفه بِخِلَاف
الْجَاهِل فَإِنَّهُ قد ينقص مَا لَهُ بِهِ تعلق، كَتَرْكِ
الِاسْتِثْنَاء، أما إِذا اخْتلف الحكم بترك بعضه كالغاية من
حَدِيث " النهى من بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى " والإستثنى من
حَدِيث " النهى عَن بيع الْفضة بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَب
بِالذَّهَب إِلَّا سوا بسوى " فَلَا يجوز تَركه، وَكَذَا إِذا
رَوَاهُ تَاما ثمَّ خَافَ إِذا رَوَاهُ نَاقِصا أَن يتهم
بِزِيَادَة " أَولا "، أَو بالغفلة وَقلة الضَّبْط " ثَانِيًا
" فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَأما تقطيع المصنفين
كالبخارى الحَدِيث فى [الْأَبْوَاب للاستشهاد، فَقَالَ ابْن
الصّلاح: إِنَّه إِلَى الْجَوَاز [/ 60] أقرب وَلَا يَخْلُو من
(1/113)
كَرَاهِيَة، واستبعد النووى طرد الْخلاف
فِيهِ بل قَالَ: وَمَا أَظن غَيره يُوَافقهُ على [الْكَرَاهَة]
وَقَوله: [محققا] بِكَسْر الْقَاف ومنصوب على الْحَال وَيُمكن
أَن يكون بِفَتْحِهَا على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف كَمَا أَشرت
إِلَيْهِ.
تَنْبِيه: مَا تقدم فى هَاتين المسئلتين من الْخلاف هُوَ فى
الْجَوَاز وَعَدَمه، وَأما الْأَوْلَوِيَّة فَالْأولى إِيرَاد
الحَدِيث بِلَفْظِهِ الذى ضبط بِهِ عَن ناقليه دون التَّصَرُّف
فِيهِ قَالَ القاضى عِيَاض: " ينبغى سد بَاب الرِّوَايَة
بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن ظنا مِنْهُ أَنه يحسن
كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا.
التحذير من اللّحن، والتصحيف والحث على تعلم النَّحْو واللغة
وَكَذَا مشتبه الأسامى من أَقْوَال الْعلمَاء
(70 - (ص) وليحذر اللّحن مَعَ التَّصْحِيف ... كَذَا من
التَّغْيِير والتحريف)
(71 - خوف الدُّخُول فى وَعِيد الْكَذِب ... من حَيْثُ قَول
غير مَا قَالَ النَّبِي)
(72 - فَليعلم النَّحْو وَلَو مقدمه ... كَذَا من التصريف
حَتَّى يفهمهُ)
(73 - كَذَا من اللُّغَات مَا يُنَبه ... ثمَّ من الْأَسْمَاء
مَا يشْتَبه)
(1/114)
(ش) : أى [وليحذر] الراوى من [اللّحن]
وَهُوَ عدم الجرى على القوانين المستنبطة من اللِّسَان العربى
حِين اخْتِلَاط الْعَجم وَنَحْوهم بالعرب واضطراب الْعَرَبيَّة
بِسَبَب ذَلِك، وَأول من تكلم [/ 61] فِيهِ أَبُو الْأسود
الدؤلى أحد أَصْحَاب على بن أَبى طَالب - رضى الله عَنهُ -
وَأَشد اللّحن مَا غير الْمَعْنى، وَكَذَا ليحذر من
[التَّصْحِيف] وَهُوَ تَبْدِيل اللَّفْظ و [التَّغْيِير]
وَهُوَ إِبْدَال اللَّفْظ بِغَيْرِهِ و [التحريف] وَهُوَ
تَبْدِيل الحركات والسكنات والشدات، كل ذَلِك [خوفًا من
الدُّخُول فى الْوَعيد] الْوَارِد فِيمَن كذب على النَّبِي
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فقد قَالَ أَبُو دَاوُد السنجى
سَمِعت الأصمعى يَقُول: " إِن أخوف مَا أَخَاف على طَالب
الْعلم إِذا لم يعرف النَّحْو أَن يدْخل فى جملَة قَول
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من كذب على مُتَعَمدا
فليتبوء مَقْعَده من النَّار " لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] لم يكن يلحن فمهما روى عَنهُ ولحن فِيهِ فقد كذب
عَلَيْهِ وروينا عَن سَالم بن قُتَيْبَة قَالَ: " كنت عِنْد
ابْن هُبَيْرَة الْأَكْبَر فَجرى ذكر الْعَرَبيَّة فَقَالَ: "
وَالله مَا اسْتَوَى رجلَانِ دينهما وَاحِد، وحسبهما وَاحِد،
ومرؤتهما وَاحِدَة، أَحدهمَا يلحن وَالْآخر لَا يلحن، لِأَن
أفضلهما فى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الذى لَا يلحن. فَقلت: أصلح
الله الْأَمِير هَذَا أفضل فى الدُّنْيَا لفضل فَصَاحَته
وعربيته، أمراتب الْآخِرَة مَا لَهُ أفضل فِيهَا؟ قَالَ:
إِنَّه يقْرَأ كتاب الله على مَا أنزلهُ، وَإِن الذى يلحن
يحملهُ لحنه على أَن يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيخرج مَا
هُوَ فِيهِ ".
قلت: صدق الْأَمِير وبر، فيحق على طَالب الحَدِيث كَمَا قَالَ
ابْن الصّلاح أَن يتَعَلَّم من النَّحْو واللغة مَا يتَخَلَّص
بِهِ عَن شَيْئَيْنِ: اللّحن، والتحريف، ومعرفتهما وَإِلَى
ذَلِك [/ 62] أَشَارَ النَّاظِم بقوله: [فَليعلم النَّحْو]
وَهُوَ ظَاهر فى الْوُجُوب، وَقد صرح الْعِزّ بن عبد السَّلَام
حَيْثُ قَالَ فى آخر " الْقَوَاعِد ": " الْبِدْعَة خَمْسَة
أَقسَام: فالواجبة
(1/115)
كاستعمال النَّحْو الذى يفهم بِهِ كَلَام
الله عز وَجل وَرَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؛ لِأَن حفظ
الشَّرِيعَة وَاجِب وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا بذلك فَيكون من
مُقَدّمَة الْوَاجِب "، وَكَذَا صرح غَيره بِالْوُجُوب أَيْضا،
لَكِن لَا يجب التوغل فِيهِ، بل يَكْفِيهِ تَحْصِيل مُقَدّمَة
مشيرة لمقاصده بِحَيْثُ يفهمها ويميز بهَا حركات الْأَلْفَاظ
وإعرابها، لِئَلَّا يلتبس فَاعل بمفعول، أَو خبر بِأَمْر، أَو
نَحْو ذَلِك، وَمِمَّنْ صرح بذلك شَيخنَا، فَقَالَ وَأَقل مَا
يكفى من يُرِيد قِرَاءَة الحَدِيث أَن يعرف من الْعَرَبيَّة
أَن لَا يلحن. ويستأنس لَهُ بِمَا روينَاهُ أَنهم كَانُوا
يؤمرون، أَو قَالَ الْقَائِل: بتَعَلُّم الْقُرْآن ثمَّ
السّنة، ثمَّ الْفَرَائِض، ثمَّ الْعَرَبيَّة الْحُرُوف
الثَّلَاثَة فَسرهَا: بِالْجَرِّ وَالرَّفْع وَالنّصب انْتهى،
وَذَلِكَ لِأَن التوغل فِيهِ قد يعطل عَلَيْهِ إِدْرَاك هَذَا
الْفَنّ، الذى صرح أئمته بِأَنَّهُ لَا يعلق إِلَّا بِمن قصر
نَفسه عَلَيْهِ، وَلم يضم غَيره إِلَيْهِ، وعَلى ذَلِك يحمل من
وصف من الْأَئِمَّة باللحن كأبى دَاوُد الطيالسى، وهشيم،
والدراوردى، وَمن شَاءَ الله مِمَّن لَا أطيل بِذكر أخبارهم،
وَبِالْجُمْلَةِ فقد قَالَ السلفى: " وَقد كَانَ فى
الرِّوَايَة على هَذَا الْوَضع قوم وَاحْتج برواياتهم فى "
الصِّحَاح "، وَلَا يجوز تخطئتهم وتخطئة من أَخذ عَنْهُم "،
وَقَالَ أَيْضا فى تَرْجَمَة بعض أئمتهم: " إِنَّه كَانَ
قَارِئ الحَدِيث بِبَغْدَاد، والمستملى بهَا على الشُّيُوخ [/
63] وَهُوَ فى نَفسه ثِقَة كثير السماع، وَلم يكن لَهُ ألسن
بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يلحن لحن أَصْحَاب الحَدِيث،
وَقَرَأَ الْحَافِظ عبد الْغنى على القاضى أَبى الطَّاهِر
الذهبى كتابا وَقَالَ لَهُ: قرأته عَلَيْك كَمَا قرأته أَنْت؟
قَالَ: نعم إِلَّا اللحنة بعد اللحنة، فَقلت: أَيهَا القاضى
فَسَمعته معربا؟ قَالَ:
(1/116)
لَا، قلت: هَذِه بِهَذِهِ. وَأما مَا ورد
من الذَّم الشَّديد لمن طلب الحَدِيث بِالْعَرَبِيَّةِ فَذَاك
حق من لم يتَقَدَّم لَهُ فِيهَا عمل أصلا، وَكَذَا يعلم من
التصريف وَهُوَ: معرفَة أَحْوَال الْكَلم الْعَرَبيَّة الَّتِى
لَيست بإعراب، الذى أول من تكلم فِيهِ: الْمعَافى. وَالْعلم
بِهِ ملازم للْعلم بالنحو غَالِبا لَا يكَاد أَن يفترقا
وَكَذَا من اللُّغَة مَا لَا بُد مِنْهُ فى معرفَة أَلْفَاظ
الحَدِيث وَمن [مشتبه الْأَسْمَاء] وَنَحْوهَا من الكنى،
والأنساب، وَقد ذكر النَّاظِم فِيمَا سيأتى جملَة من ذَاك،
وَظَاهر النّظم، وجوب ذَلِك كُله، وَعبارَة ابْن الصّلاح
السالفة قريبَة مِنْهُ، لَكِن فى اللُّغَة خَاصَّة، وَبِه صرح
ابْن عبد السَّلَام حَيْثُ أدرج فى الْبِدْعَة الْوَاجِبَة شرح
الْعَرَبيَّة والتوصل إِلَى تَمْيِيز الصَّحِيح من السقيم وَقد
كَانَ لعَمْرو بن عون الواسطى مستملى يلحن كثيرا فَقَالَ:
أخروه، وَتقدم إِلَى وراق كَانَ ينظر فى الْأَدَب وَالشعر أَن
يقرئ عَلَيْهِ، وَكَانَ لكَونه لَا يعرف شَيْئا من الحَدِيث
يصحف فى الروَاة، فَقَالَ عمروا: " ردونا إِلَى الأول "،
فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ يلحن فَلَيْسَ يمسخ، وَنَحْو هَذَا
الصَّنِيع تَرْجِيح شَيخنَا من عرف مُشكل الْأَسْمَاء والمتون
دون الْعَرَبيَّة على من عرف الْعَرَبيَّة فَقَط وَقَوله:
[خوفًا] مَنْصُوب على أَنه [/ 64] مفعول لأَجله.
(74 - (ص) وَبعد هَذَا كُله لن يسلما ... روا وعى من صَحْفَة
مُسلما)
(75 - بلَى من أَفْوَاه الشُّيُوخ العلما ... الضابطين لفظ من
تقدما)
(ش) : أى وَبعد معرفَة مَا تقدم لن يسلم من الْوُقُوع فى
التَّصْحِيف، والتحريف فى الْأَلْفَاظ، والأسماء من قلد
الصُّحُف، وبطون الْكتب فى ذَلِك، وَلم يضبطه عَن الْمَشَايِخ
فسبيله بحث ذَلِك، وَالْأَخْذ من أَفْوَاه أهل الْعلم، والضبط
عَنْهُم مِمَّن أَخذ ذَلِك عَمَّن
(1/117)
تقدم من شُيُوخه وهلم جرا؛ ليسلم من ذَلِك وَإِلَيْهِ
الْإِشَارَة بالاستدراك، وَقد روينَا عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى
أَنه قَالَ: " كَانَ يُقَال: لَا تَأْخُذُوا الْقُرْآن من
مصحف، وَلَا الْعلم من مصحفى "، وَقَوله: [مُسلما] بِكَسْر
اللَّام وَيجوز فتحهَا على أَنه اسْم فَاعل ومفعول. |