الغاية في شرح الهداية في علم الرواية أَقسَام الحَدِيث
(99 - (ص) وَهُوَ تَوَاتر اشتهار صِحَة ... حسن وَصَالح وكل
حجَّة)
(100 - مضعف ضَعِيف بِسَنَد رفع ... مَوْقُوف مَوْصُول أَو
مُرْسل قطع)
(101 - مُنْقَطع والعضل والعنعنة ... مؤنن مُعَلّق والدلسة [/
83] )
(102 - ومدرج عَال نزُول سلسلوا ... غَرِيب والعزيز والمعلل)
(1/136)
(103 - فَرد وشاذ مُنكر مُضْطَرب ...
مَوْضُوع مقلوب كَذَا مركب)
(104 - مُنْقَلب مدبج مصحف ... وناسخ الْمَنْسُوخ والمختلف)
(ش) : قد سرد النَّاظِم فى هَذِه الأبيات الْأَنْوَاع الَّتِي
اصْطَلحُوا عَلَيْهَا، وهى: الْمُتَوَاتر، وَالْمَشْهُور،
وَالْحسن، والصالح، والمضعف، والضعيف، والمسند، وَالْمَرْفُوع،
وَالْمَوْقُوف، والموصول، وَيُسمى: الْمُتَّصِل أَيْضا،
والمرسل، والمقطوع، والمنقطع، والمعضل، والمعنعن، والمؤنن،
وَالْمُعَلّق، والمدلس، والمدرج، والعالى، والنازل، والمسلسل،
والغريب، والعزيز، والمعلل، والفرد، والشاذ، وَالْمُنكر،
والمضطرب، والموضوع، والمقلوب، والمركب، والمنقلب، والمدبج،
والمصحف، والناسخ، والمنسوخ، والمختلف. ثمَّ أرقها كَمَا سيأتى
بَيَانهَا أَولا فأولا، فأدرج فى خلالها عدَّة مسَائِل، وهى:
تعَارض الْوَصْل والإرسال، وَالرَّفْع، وَالْوَقْف، وَالْحكم
فى زيادات الثِّقَات، وَمَعْرِفَة المتابعات، والشواهد، بل
أنواعا أَيْضا، وهى: خفى للإرسال، والمزيد فى مُتَّصِل
الْأَسَانِيد، والأكابر عَن الأصاغر والآباء عَن الْأَبْنَاء،
وَعَكسه، وَالسَّابِق، واللاحق. زِيَادَة على أَنْوَاع ومسائل
أوردهَا بعد انْتِهَاء المسرود هَذَا كُله، فقد بقى عَلَيْهِ
مِمَّا ذكره ابْن الصّلاح أَشْيَاء مَعَ زِيَادَته وَهُوَ
أَيْضا عَلَيْهِ. وَكَانَ الْأَنْسَب فى الِاخْتِصَار عدم
سردها. وَقَوله [وكل حجَّة] أى الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور [/
84] وَالصَّحِيح وَالْحسن والصالح.
(1/137)
الْمُتَوَاتر
(105 - (ص) فالمتواتر الذى
يرويهِ ... من يحصل الْعلم بِمَا يبديه)
(106 - مثل حَدِيث من على كذبا ... وَرفع الأيدى فى الصَّلَاة
كتبا)
(ش) : هَذَا شُرُوع مِنْهُ فى بَيَان مَا أجمله أَولا؛ فأوله
[الْمُتَوَاتر] ، سمى بذلك: من تَوَاتر الرِّجَال إِذا جَاءُوا
وَاحِدًا بعد وَاحِد بَينهمَا فَتْرَة. وَهُوَ: مَا أخبر بِهِ
جمَاعَة يُفِيد خبرهم لذاته الْعلم؛ لِاسْتِحَالَة تواطؤهم على
الْكَذِب من غير تعْيين عدد على الصَّحِيح، فَقَوله: فى
تَعْرِيفه [من]- وَإِن تنَاول الْوَاحِد فَمَا بعده - مخصصة،
وبالتقييد بِذَاتِهِ خرج الْخَبَر المحتف بالقرائن كَمَا أشعر
بِهِ قَوْله [يبديه] ، وللعمل بِهِ شَرْطَانِ: استنادهم إِلَى
الْحس وَهُوَ: الْمُشَاهدَة، أَو السماع، واستواء
الطَّرفَيْنِ، وَمَا بَينهمَا فى اسْتِحَالَة التواطئ وَشرط
بَعضهم شُرُوطًا ضَعِيفَة مثل: إِسْلَام المخبرين، وعدالتهم،
وَخُرُوج عَددهمْ عَن الإحصاء، وَاخْتِلَاف أوطانهم، وَعين
بَعضهم عددا؛ محصورا؛ فعلى الصَّحِيح يكون خبر الْخُلَفَاء
الْأَرْبَعَة مثلا، أَو باقى الْعشْرَة، أَو نَحْو ذَلِك من
أَعْيَان الصَّحَابَة؛ متوترا لِأَن النَّفس تطمئِن إِلَى
خبرهم، وَيحصل لنا الْعلم الضَّرُورِيّ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ
بَعضهم: الْعدَد على قسمَيْنِ: كَامِل، وَهُوَ: أقل عدد يُورث
الْعلم، وزائد: يحصل الْعلم بِبَعْضِه، وَيَقَع الزَّائِد
فضلَة، وبالشرطين الْمَذْكُورين تخرج أَخْبَار النَّصَارَى عَن
صلب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْيَهُود على مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام [/ 85] : إِنَّه كذب على كل نَاسخ لشريعته،
وَقَول الشِّيعَة: بِالنَّصِّ على إِمَامَة على، لِأَن
الْإِخْبَار بالصلب كَانَ مُسْتَنده الظَّن أَولا ثمَّ نقل
متواترا، وَكَذَا الباقى: وضع آحادا، ثمَّ نقل متواترا، وَقد
يكون التَّوَاتُر فِيمَا قيل نسبيا؛ فيتواتر الْخَبَر عِنْد
قوم دون آخَرين، كَمَا يَصح الْخَبَر عِنْد بعض دون آخَرين،
ثمَّ مثل النَّاظِم للمتواتر بحديثين كتبا فى أَمْثِلَة:
(1/138)
أَحدهمَا: " من كذب على مُتَعَمدا "، وَقد
نقل النووى: " أَنه جَاءَ عَن مِائَتَيْنِ من الصَّحَابَة "
قلت: وَمِنْهُم الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ فَمن
" الصِّحَاح " على، وَالزُّبَيْر، وَمن الحسان: طَلْحَة،
وَسعد، وَسَعِيد، وأبى عُبَيْدَة، وَمن الضَّعِيف المتماسك:
طَرِيق عُثْمَان، وبقيتها ضَعِيف، أَو سَاقِط.
ثَانِيهمَا: حَدِيث " رفع الْيَدَيْنِ فى الصَّلَاة " وَقد
تتبع طرقه الْحَافِظ الذهبى فبلغت نيفا عَن أَرْبَعِينَ
صحابيا، وَكَذَا أَفَادَ شَيخنَا أَن من أمثلته حَدِيث " من
بنى لله مَسْجِدا "، و " الْمسْح على الْخُفَّيْنِ "، و "
الشَّفَاعَة " و " الْحَوْض "، و " رُؤْيَة الله تَعَالَى فى
الْآخِرَة "، و " الْأَئِمَّة من قُرَيْش "، وَذكر غَيره من
أمثلته حَدِيث " أنزل
(1/139)
الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف "، و " غسل
الرجلَيْن فِي الْوضُوء " وَغير ذَلِك على أَن ابْن الصّلاح
قَالَ: " إِن مِثَال الْمُتَوَاتر على التَّفْسِير
الْمُتَقَدّم يعز وجوده إِلَّا أَن يدعى ذَلِك فى حَدِيث: " من
كذب على " لَكِن قد نازعه شَيخنَا وَقَالَ: " إِن مَا
ادَّعَاهُ من الْعِزَّة مَمْنُوع، وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيره
من الْعَدَم. . قَالَ /: لِأَن ذَلِك [/ 86] نَشأ من قلَّة
اطلَاع على كَثْرَة الطّرق، وأحوال الرِّجَال، وصفاتهم
الْمُقْتَضِيَة لأبعاد الْعَادة أَن يتواطئوا على كذب وَيحصل
مِنْهُم اتِّفَاقًا قَالَ: وَمن أحسن مَا يُقرر بِهِ كَون
الْمُتَوَاتر مَوْجُودا وجود كَثْرَة فى الْأَحَادِيث إِن
الْكتب الْمَشْهُورَة المتداولة بأيدى أهل الْعلم شرقا وغربا
الْمَقْطُوع عِنْدهم بِصِحَّة نسبتها إِلَى مصنفيها، إِذا
اجْتمعت على إِخْرَاج حَدِيث، وتعددت طرقه تعددا تحيل الْعَادة
تواطئهم على الْكَذِب إِلَى آخر الشُّرُوط؛ أَفَادَ الْعلم
اليقينى بِصِحَّتِهِ إِلَى قَائِله وَمثل ذَلِك فى الْكتب
الْمَشْهُورَة كثيرا " إِذا علم هَذَا: فَإِنَّمَا لم يفرد
ابْن الصّلاح للتواتر نوعا خَاصّا: لِأَنَّهُ لَيْسَ من مبَاحث
الْإِسْنَاد لِأَن مباحثه تتَعَلَّق بِصِفَات الرِّجَال، وصيغ
أدائهم، هَل هُوَ صَحِيح فَيعْمل بِهِ؟ أَو ضَعِيف فَيتْرك
وَكَذَا قَالَ النَّاظِم.
إِن عدم اعتناء أهل الحَدِيث بتتبع هَذَا النَّوْع لاكتفائهم
بِالصَّحِيحِ الْمجمع عَلَيْهِ عِنْدهم المتلقى بِالْقبُولِ
كَمَا سيأتى فى الذى بعده إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1/140)
الْمَشْهُور
(107 - (ص) وَالْخَبَر الْمَشْهُور إِن صَحَّ فَقل ...
كَأَنَّمَا الْأَعْمَال مَعَ نصب وَالْإِبِل)
(108 - وَهُوَ عِنْدهم بِمَا قبل الْتحق ... أَو لَا فمردود
كالسائل حق)
(109 - واصطلحوا الْمَشْهُور مَا يرويهِ ... فَوق ثَلَاثَة عَن
الْوَجِيه)
(ش) هَذَا بَيَان لما ذهب إِلَيْهِ كَثِيرُونَ من أهل الحَدِيث
فى تقسيمهم الْمَشْهُور إِلَى صَحِيح كَحَدِيث: " إِنَّمَا
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " فَهُوَ مروى فى الصَّحِيحَيْنِ
بِأَلْفَاظ من [/ 87] حَدِيث عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ
وَحَدِيث: " نصب الْإِبِل " فَهُوَ مروى فيهمَا من حَدِيث أنس
وَغَيره بِأَلْفَاظ، والتمثيل لَهما - مَعَ أَن الشُّهْرَة
إِنَّمَا طرأت من عِنْد يحيى بن سعيد وَأول الْإِسْنَاد فَرد
كَمَا فى غير هَذَا الْمحل - لَيْسَ بممتنع، [وَهُوَ] أى:
الْمَشْهُور ملتحق بالمتواتر عِنْد أهل الحَدِيث، غير أَنه
يُفِيد الْعلم الضرورى، وَكَذَا بِأَن لمتواتر يشْتَرط فِيهِ
الاسْتوَاء كَمَا تقدم بِخِلَاف الْمَشْهُور، فَإِنَّهُ قد
يكون آحادا بِالْأَصْلِ، ثمَّ يشْتَهر بعد الصَّحَابَة فى
الْقرن الثانى، كالزهرى، وَقَتَادَة، وأشباههما من الْأَئِمَّة
مِمَّن يجمع حَدِيثهمْ، وَكَذَا فِيمَا بعدهمْ، وَبِأَن
الْمُتَوَاتر أَيْضا يحصل الْعلم بِهِ لكل من وصل إِلَيْهِ،
بِخِلَاف الْمَشْهُور، فَلَا يحصل الْعلم بِهِ إِلَّا للْعَالم
المتبحر فِيهِ الْعَارِف بأحوال الرِّجَال المطلع على
الْعِلَل، وَالْقسم الثانى وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله:
[أَولا] مَا اشْتهر على الْأَلْسِنَة وَلَيْسَ صَحِيحا
كَقَوْلِه: " للسَّائِل حق وَإِن جَاءَ على فرس " وَهَذَا
الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من
(1/141)
حَدِيث على بن أَبى طَالب، وَولده
الْحُسَيْن بن على - رضى الله عَنْهُمَا، وَكَذَا أخرجه أَحْمد
من حَدِيثهمَا، وَسَنَده جيد لَكِن قد تبع النَّاظِم فى
التَّمْثِيل بِهِ للقسم الثانى ابْن الصّلاح حَيْثُ نقل عَن
الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: " أَرْبَعَة أَحَادِيث تَدور عَن
النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فى الْأَسْوَاق وَلَيْسَ
لَهَا أصل وَذكره مِنْهَا "، وَكَلَام الإِمَام أَحْمد -
رَحمَه الله - إِن صَحَّ: مَحْمُول على أَنه لَيْسَ لَهَا أصل
صَحِيح [/ 88] وَلَو مثل بِمَا لَا يَصح أصلا مِمَّا اشْتهر
بَين النَّاس، وَهُوَ مَوْضُوع لَكَانَ حسن لأجل قَوْله:
[وَهُوَ مَرْدُود] وَمن نظر " الموضوعات " لِابْنِ الجوزى علم
لذَلِك أَمْثِلَة كَثِيرَة وَكَذَا يَشْمَل مَا [اشْتَمَل] على
الْأَلْسِنَة مِمَّا لَهُ إِسْنَاد وَاحِد فَصَاعِدا، ثمَّ إِن
الْمَشْهُور فى اصْطِلَاح أهل الحَدِيث خَاصَّة على مَا
أَشَارَ النَّاظِم تبعا لغيره: مَا لَهُ طرق أَكثر من ثَلَاثَة
يعْنى مَا لم يبلغ إِلَى الْحَد الذى يصير بِهِ الْخَبَر
متواترا، وَلَكِن الذى مَشى عَلَيْهِ شَيخنَا خِلَافه
فَإِنَّهُ قَالَ: " والثانى - وَهُوَ أول الْأَقْسَام،
الْآحَاد -: مَا لَهُ طرق
(1/142)
محصورة بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ وَهُوَ
الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين سمى بذلك لوضوحة، يُقَال: شهرت
الْأَمر شهره شهرا أَو شهرة فاشتهر، وَهُوَ المستفيض أى على
رأى الْفُقَهَاء، سمى بذلك لانتشاره وشياعه فى النَّاس من: فاض
المَاء يفِيض فيضا وفيوضة إِذا كثر حَتَّى سَالَ على ضفة
الوادى ثمَّ إِن من الْقسم الأول مَا يكون الشُّهْرَة فِيهِ
عِنْد أهل الحَدِيث خَاصَّة، كَحَدِيث: مُحَمَّد بن عبد الله
الأنصارى عَن سُلَيْمَان التيمى، عَن أَبى مخلد، عَن أنس رضى
الله عَنهُ: " أَن النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قنت شهرا
بعد الرُّكُوع يَدْعُو على رعل وذكوان فَهَذَا مَشْهُور بَين
أهل الحَدِيث مخرج فى الصَّحِيح، وَله رُوَاة عَن أنس غير أَبى
مخلد، وَعَن أَبى مخلد غير التيمى، وَرَوَاهُ عَن النبى [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] غير الأنصارى، وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا
أهل الحَدِيث، وَأما غَيرهم فقد يستغربونه من حَيْثُ أَن
التيمى يرْوى عَن أنس، وَهُوَ هُنَا يرْوى عَن وَاحِد غير أنس
[/ 89] وَلَكِن لَا عِبْرَة إِلَّا بِمَا هُوَ مَشْهُور عِنْد
عُلَمَاء الحَدِيث [والوجيه] هُوَ ذُو الجاه وَالْقدر وَهُوَ
بِضَم الْهَاء يُقَال: وَجه الرجل يُوَجه وجاهة فَهُوَ وجيه
إِذا كَانَ ذَا جاه، وَقدر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَكَانَ عِنْد
الله وجيها} قَالَ ابْن عَبَّاس: " كَانَ عِنْد الله حظيا لَا
يسْأَله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ " وَنَحْوه قَالَ الْحسن: "
(1/143)
كَانَ مستجاب الدعْوَة ".
الصَّحِيح
(110 - (ص) ثمَّ الصَّحِيح وَهُوَ مَوْصُول السَّنَد ...
بِالْعَدْلِ ضابطا عَن الْميل اسْتندَ)
(111 - وَهُوَ لَا يكون شاذا أَو مُعَللا ... مثل
الصَّحِيحَيْنِ وَمن بعد تَلا)
(ش) أى ثمَّ تلى الصَّحِيح من قسمى الْمَشْهُور [الصَّحِيح] :
وَهُوَ الْمُتَّصِل الْإِسْنَاد، بِنَقْل الْعدْل الضَّابِط
عَن مثله، سالما عَن شذوذ وَعلة.
فَالسَّنَد: هُوَ طَرِيق الْمَتْن.
والمتن: هُوَ الْغَايَة الَّتِى ينتهى إِلَيْهَا السَّنَد.
والاتصال: هُوَ سَماع راو لذَلِك المروى مِمَّن فَوْقه.
وَاحْترز بِهِ عَن الْمُرْسل والمنقطع والمعضل الْآتِي
تَعْرِيفهَا، و [بِالْعَدْلِ] عَن الضَّعِيف، أَو الْمَجْهُول
حَالا أَو عينا، وَقد مضى
(1/144)
و [بالضابط] عَمَّن عرف بِالصّدقِ
وَالْعَدَالَة إِلَّا أَنه مُغفل كثير الْخَطَأ. [والضبط]
ضبطان: ضبط صدر، وَهُوَ أَن يثبت مَا سمعة بِحَيْثُ يتَمَكَّن
من استحضاره مَتى شَاءَ وَضبط كتاب وَهُوَ صيانته لَدَيْهِ
مُنْذُ سمع فِيهِ وَصَححهُ إِلَى أَن يُؤدى مِنْهُ. وَهُوَ فى
النّظم حَال وَأطلق الضَّبْط تبعا لغيره، وَقد قَيده شَيخنَا
بالتام ليخرج الْحسن لذاته، وَكَذَا لم يُقيد الْعلَّة
بالقادحة اكْتِفَاء بقوله [مُعَللا] ، فَإِنَّهُ كَمَا سيأتى
فى مَحَله: مَا فِيهِ أَسبَاب [/ 90] خُفْيَة قادحة، طرأت على
الحَدِيث الذى ظَاهره السَّلامَة، وَاحْترز بالخفية عَن
الظَّاهِرَة، كالانقطاع، وَضعف، وبالقادحة عَن الْعلَّة
الَّتِى لَيست بقادحة، كَأَن يرْوى الْعدْل الضَّابِط عَن
تابعى - مثلا - عَن صحابى، فيرويه غَيره مِمَّن يُشَارِكهُ فى
سَائِر صِفَاته عَن ذَلِك التابعى بِعَيْنِه عَن صحابى آخر،
هَذَا يُسمى عِنْد كثير من الْمُحدثين عِلّة، لوُجُود
الِاخْتِلَاف على تابعيه فى شَيْخه، وَلكنهَا غير قادحة،
لجَوَاز أَن يكون التابعى سَمعه من كل مِنْهُمَا، وفى
الصَّحِيحَيْنِ من أَمْثِلَة ذَلِك جملَة، ثمَّ إِن من
اشْتِرَاط نفى الشذوذ لم يُصَرح بِهِ كَثِيرُونَ وَبحث شَيخنَا
فى اشْتِرَاطه فَقَالَ: الْإِسْنَاد الذى ظَاهره السَّلامَة:
هُوَ أَن يكون مُتَّصِلا وَرُوَاته عُدُولًا ضابطين، فَإِذا
وجد الْوَصْف بذلك، فقد انْتَفَت عَنهُ الْعلَّة الظَّاهِرَة،
الْمَانِعَة عَن الحكم بِصِحَّتِهِ، وَغَايَة مَا فِيهِ
رُجْحَان رِوَايَة على أُخْرَى، والمرجوحية كَانَتَا فى
الصِّحَّة، وَأكْثر مَا فِيهِ أَن يكون هُنَا صَحِيح وَأَصَح
فَيعْمل بالراجح، وَلَا يعْمل بالمرجوح، لأجل معارضته لَهُ لَا
لكَونه لم تصح طَرِيقه، وَلَا يلْزم من ذَلِك الحكم عَلَيْهِ
بالضعف، وَإِنَّمَا غَايَته أَن يتَوَقَّف عَن الْعَمَل بِهِ،
وَهَذَا كَمَا فى النَّاسِخ والمنسوخ صَحَّ بطرِيق كل
مِنْهُمَا، لَكِن قَامَ مَانع عَن الْعَمَل بالمنسوخ، وَلَا
يلْزم من ذَلِك أَن يكون صَحِيحا. ثمَّ بحث فى جَوَاز الحكم
بِالصِّحَّةِ، قبل الْعلم بِانْتِفَاء الشذوذ عَنهُ، وَلم لَا
يحكم للْحَدِيث بِالصِّحَّةِ إِلَى
(1/145)
أَن تظهر [/ 91] الْمُخَالفَة، فَيحكم
حِينَئِذٍ بالشذوذ انْتهى، وَهَذَا الْأَخير يفضى إِلَى
الاسترواح بِحَيْثُ يحكم على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ قبل تتبع
طرقه الَّتِى يعلم بهَا الشذوذ نفيا وإثباتا، فَرُبمَا يطْرق
إِلَى التَّصْحِيح متمسكا بذلك من لَا يحسن، وَالْأَحْسَن يسد
هَذَا الْبَاب، وَقَوله: [مثل الصَّحِيحَيْنِ] إِشَارَة إِلَى
صَحِيح البخارى وَمُسلم وَهُوَ إِمَّا للتشبيه وَإِمَّا
للتمثيل، وَلَا يلْزم من كَونهمَا للتمثيل وجود مصنفات نظيرهما
فى الصَّحِيح، بل ذَاك بِالنِّسْبَةِ فانهما مِمَّا هُوَ على
شَرطهمَا، وَأما قَوْله [وَمن بعد تَلا] فِيهِ نظر، لِأَن
الَّذين تلوهما فى جمع الصَّحِيح، هُوَ ابْن خُزَيْمَة وَابْن
حبَان وَالْحَاكِم وَأَبُو عوَانَة، وَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا
ملتحقا بِوَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِمُجَرَّد التَّسْمِيَة،
لكَون فيهمَا الصَّحِيح وَغَيره، وأشدها توسعا وتساهلا كتاب
الْحَاكِم، وَقد سبقت الْإِشَارَة فى أَنْوَاع الْعُلُوّ إِلَى
تَفْضِيل كتاب البخارى.
(112 - (ص) وَهل لنا تَصْحِيح مَا لَا صححوا ... نعم شَرطه
وَهَذَا الْأَرْجَح)
(ش) : لما انْتهى النَّاظِم من ذكر الصَّحِيحَيْنِ وَمن
تلاهما، ذكر مَسْأَلَة إِمْكَان التَّصْحِيح فى الْأَزْمَان
الْمُتَأَخِّرَة، وَأَشَارَ إِلَى مَذْهَب ابْن الصّلاح
فِيهَا، وَهُوَ عدم التجاسر على الْجَزْم بالحكم بِالصِّحَّةِ
يعْنى لِأَن مُجَرّد صِحَة السَّنَد لَا تكفى مَعَ غَلَبَة
الظَّن، لِأَنَّهُ لما أهمله أَئِمَّة
(1/146)
الْأَعْصَار الْمُتَقَدّمَة لشدَّة فحصهم،
واجتهادهم، وَأَن الصَّحِيح: الْجَوَاز، وَهُوَ الذى عَلَيْهِ
عمل الْحفاظ من المعاصرين لَهُ وَبعده، وَبِه صرح النووى
حِينَئِذٍ قَالَ: الْأَظْهر عندى جَوَازه، لمن تمكن، وقويت [/
92] مَعْرفَته، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: [بِشَرْطِهِ]
وَحجَّة ابْن الصّلاح لما ذهب إِلَيْهِ، أَنه مَا من إِسْنَاد
إِلَّا وَفِيه من اعْتمد على مَا ذكر فى كِتَابه عريا عَن
الضَّبْط والإتقان، وصنيع شَيخنَا يشْعر بموافقته فى الحكم
فِيمَا إِذا لم يعتضد الْإِسْنَاد المتصف بذلك بِمَا يقويه،
أما إِذا اعتضد فَلَا، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: إِن الْكتاب
الْمَشْهُور الْغنى بشهرته عَن اعْتِبَار الْإِسْنَاد منا
إِلَى مُصَنفه كسنن النَّسَائِيّ - مثلا - لَا يحْتَاج فى
صِحَة نسبته إِلَى النسائى إِلَى الِاعْتِبَار رجال
الْإِسْنَاد منا إِلَى مُصَنفه، قَالَ فَإِذا رقا حَدِيثا وَلم
يعلله وَجمع إِسْنَاد شُرُوط الصِّحَّة، وَلم يطلع الْمُحدث
المطلع فِيهِ على عِلّة، فَمَا الْمَانِع من الحكم
بِصِحَّتِهِ؟ وَلَو لم ينص على صِحَّته أحد من
الْمُتَقَدِّمين؟ وَلَا سِيمَا وَأكْثر مَا يُوجد من هَذَا
الْقَبِيل مَا رَاوِيه رُوَاة الصَّحِيح، أَلا يُنَازع فِيهِ
من لَهُ ذوق فى هَذَا الْفَنّ؟ [قلت] : وَالظَّاهِر أَن ابْن
الصّلاح لَا يُخَالف فى هَذَا إِلَّا أَنه قَالَ: الْأَمر إِذا
فى معرفَة الصَّحِيح، وَالْحسن إِلَى الِاعْتِمَاد على مَا نَص
عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث فى تصانيفهم الْمُعْتَمدَة
الْمَشْهُورَة، الَّتِى يُؤمن فِيهَا لشهرتها من التَّغْيِير
والتحريف. وَلذَا قَالَ الولى العراقى فى ديباجة شَرحه ل "
سنَن أَبى دَاوُد "، وَهُوَ قريب مِمَّا ذهب إِلَيْهِ شَيخنَا
مَا نَصه: إِن تَعْلِيل ابْن الصّلاح الْمَنْع الذى لم
يتَحَصَّل مِنْهُ على شئ، لَا يأتى فِيمَا إِذا وجدنَا حَدِيثا
فى " سنَن أَبى دَاوُد "، و " النسائى " أَو غَيرهَا من
التصانيف الْمُعْتَمدَة الْمَشْهُورَة، الَّتِى يُؤمن فِيهَا
لشهرتها من التَّغْيِير [/ 93] والتحريف بِإِسْنَاد لَا غُبَار
عَلَيْهِ [كقيبة] عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، فأى
مَانع من الحكم بِصِحَّة هَذَا؟ فَإِن الْإِسْنَاد من فَوق
وَيصِح الْأَمْن وَمن أَسْفَل لَهُ يحْتَاج إِلَيْهِ على
طَرِيقَته المشتهرة ذَلِك التصنيف. انْتهى. وَحِينَئِذٍ قَول
شَيخنَا إِن الرَّد على ابْن الصّلاح بِهَذَا، أولى من
الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بصنيع معاصريه، فَإِنَّهُ مُجْتَهد وهم
مجتهدون، فَكيف ينْقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ؟ فِيهِ
نظر، وَكَذَا القَوْل بِإِطْلَاق الْجَوَاز.
(1/147)
تَنْبِيه: لم يتَعَرَّض النَّاظِم للتحسين،
وَقد سوى ابْن الصّلاح بَينه وَبَين الصَّحِيح، فى الْمَنْع،
وَلَا فرق بَينهمَا فيأتى فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فى الصَّحِيح
سَوَاء.
الْحسن
(113 - (ص) وَالْحسن اخْتلف جدا وَالأَصَح ... بِأَنَّهُ دون
الذى من قبل صَحَّ)
(114 - وَقيل: مَا قرب ضعفا والذى ... قَالَ: صَحِيح حسن
كالترمذى)
(115 - يعْنى يشد صِحَة وحسنا ... فَهُوَ إِذن دون الصَّحِيح
مَعنا)
(ش) : قد اخْتلف أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن فى تَعْرِيف [الْحسن]
.
فَقَالَ الخطابى: هُوَ مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله،
وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث. فاحترز بِمَعْرِِفَة الْمخْرج
عَن المدلس قبل بَيَانه، والمنقطع، وَمَا أشبههَا مِمَّا لم
يتَّصل، فَإِنَّهُ لَا يعرفهَا مخرج الحَدِيث بِخِلَاف مَا
أبرز جَمِيع رِجَاله. وَالْمرَاد بمخرجه: كَونه شاميا، حجازيا،
عراقيا، لَكِن قد يعْتَرض بِأَنَّهُ لم يتَمَيَّز بِهَذَا
التَّعْرِيف عَن الصَّحِيح، بِكَوْنِهِ أَيْضا قد عرف مخرجه
واشتهر رِجَاله؟ وَأجِيب: بِأَن [/ 94] المُرَاد الشُّهْرَة
بِالصّدقِ دون بُلُوغ الْغَايَة فى الضَّبْط والإتقان،
وَقَالَ الترمذى فى " الْعِلَل " - الذى بآخر جَامعه -: كل
حَدِيث يرْوى لَا يكون فى إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ،
وَلَا يكون الحَدِيث شاذا، ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك،
فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن.
(1/148)
وَتعقب أَيْضا بِأَنَّهُ لم يتَمَيَّز عَن
الصَّحِيح إِذْ لَا يكون صَحِيحا إِلَّا وَهُوَ غير شَاذ،
وَلَا يكون صَحِيحا حَتَّى يكون رُوَاته غير متهمين بل ثِقَات،
وَبِأَنَّهُ يشْتَرط فِيهِ مَجِيئه من وَجه، وَلم يشْتَرط فى
الصَّحِيح ذَلِك، وَقَالَ ابْن الجوزى فى " الموضوعات "، و "
الْعِلَل المتناهية " مَعًا: هُوَ الحَدِيث الذى فِيهِ ضعف
قريب مُحْتَمل وَاقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم من بَين هَذِه
الْأَقْوَال، لَكِن مَعَ تَضْعِيفه فَإِنَّهُ تعقب أَيْضا
بِأَنَّهُ لم يضْبط الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره فَلم يحصل
تَمْيِيز. وَالْمُعْتَمد فى تَعْرِيفه حَسْبَمَا صَححهُ
النَّاظِم: أَنه يعْتَبر فِيهِ مَا اعْتبر فى الصَّحِيح، من
الِاتِّصَال، وعدالة الرِّجَال، والسلامة من الشذوذ والإعلال
غير أَنه لَا يكون فى رُوَاته من الضَّبْط مَا فى رُوَاة
الصَّحِيح، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: [وَالأَصَح] إِلَى
آخِره، ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى إِيرَاد مَا اسْتشْكل
الْجمع بَين الْوَصْف وَالصِّحَّة وَالْحسن، وَقَالَ: إِن
الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح، ففى الْجمع بَين الوصفين
إِثْبَات لذَلِك الْمَقْصُور ونفيه، وَنبهَ على الْجَواب بِمَا
أَفَادَ
(1/149)
فى غير هَذِه الْمَنْظُومَة أَنه لَيْسَ
بمنقول حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِر أَن مُرَاده أَنه تَسْوِيَة
الحكم بِالصِّحَّةِ مَعَ الحكم [/ 95] بالْحسنِ، أى أَنه
أَعلَى رُتْبَة من الْحسن وَدون الصَّحِيح الْمُطلق. قَالَ:
وَكَذَا سَمِعت مَعْنَاهُ من شَيخنَا ابْن كثير. انْتهى. وَمَا
أجَاب بِهِ ابْن الصّلاح من كَونه أَرَادَ الْحسن اللغوى:
وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وتستحبه، فَلَيْسَ بجيد،
وَقد حقق شَيخنَا فى توضيح " النخبة " هَذَا الْمحل، بقوله:
ومحصل الْجَواب أَن تردد أَئِمَّة الحَدِيث فى حَال ناقله
اقْتضى للمجتهد أَن لَا يصفه بِأحد الوصفين، فَيُقَال: حسن
بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم، صَحِيح بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد
قوم، وَغَايَة مَا فِيهِ أَنه [حذف] مِنْهُ حرف التَّرَدُّد،
لِأَن حَقه أَن يَقُول: حسن أَو صَحِيح، وَهَذَا كَمَا حذف حرف
الْعَطف الذى بعده، وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ: حسن صَحِيح
دون مَا قيل فِيهِ صَحِيح؛ لِأَن الْجَزْم أقوى من
التَّرَدُّد، قَالَ: وَهَذَا يعْنى الْجَواب؛ حَيْثُ التفرد،
وَإِلَّا لم يحصل التفرد، فإطلاق الوصفين مَعًا على الحَدِيث
يكون بِاعْتِبَار إسنادين، أَحدهمَا: صَحِيح، وَالْآخر: حسن
وعَلى هَذَا مَا قيل فِيهِ: حسن صَحِيح فَوق مَا قيل فِيهِ
صَحِيح فَقَط، إِذا كَانَ فَردا، لِأَن كَثْرَة الطّرق تقوى
ثمَّ نبه شَيخنَا على استشكال هَذَا الْجَواب بالأحاديث
الَّتِى يحكم عَلَيْهَا الترمذى بالْحسنِ مَعَ الغرابة،
وَالتَّصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يعرفهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه،
بِمَا يرجع إِلَى حَاصِل الذى قَرَّرَهُ ابْن الصّلاح فى حمل
كَلَام الترمذى على إِرَادَة تَعْرِيف الْحسن بِغَيْرِهِ،
فَإِنَّهُ: هُوَ الحَدِيث الذى فى رَاوِيه ضعف يسير، نَشأ عَن
قلَّة حفظه [/ 96] لكنه اعتضد بمجيئه من وَجه آخر، فَقَالَ:
فَإِن قيل: قد صرح الترمذى بِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير
وَجه، فَكيف يَقُول فى بعض الْأَحَادِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه
إِلَّا من هَذَا الْوَجْه؟ فَالْجَوَاب: أَن الترمذى لم يعرف
الْحسن مُطلقًا، وَإِنَّمَا عرفه بِنَوْع خَاص مِنْهُ وَقع فى
كِتَابه، وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ: حسن من غير صفة أُخْرَى،
وَذَلِكَ أَنه يَقُول
(1/150)
فى بعض الْأَحَادِيث: حسن، وفى بَعْضهَا: صَحِيح، وفى
بَعْضهَا: غَرِيب، وفى بَعْضهَا: حسن صَحِيح غَرِيب، وتعريفه
إِنَّمَا وَقع على الأول فَقَط، وَعبارَته ترشد إِلَى ذَلِك،
حَيْثُ قَالَ فى أَوَاخِر كِتَابه: وَمَا قُلْنَا فى كتَابنَا
حَدِيث حسن، فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا، كل
حَدِيث يرْوى لَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب، ويروى من غير
وَجه، نَحْو ذَلِك، وَلَا يكون شاذا، فَهُوَ عندنَا حَدِيث
حسن. فَعرف بِهَذَا أَنه إِنَّمَا عرف الذى يَقُول فِيهِ حسن
فَقَط، أما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح، أَو حسن غَرِيب، أَو
حسن صَحِيح غَرِيب فَلم يعرج على تَعْرِيفه، كَمَا لم يعرج على
تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ: صَحِيح فَقَط، أَو غَرِيب فَقَط،
وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك اسْتغْنَاء بشهرته عِنْد أهل الْفَنّ،
وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ فى كِتَابه حسن فَقَط،
إِمَّا لغموضه أَو لِأَنَّهُ اصْطِلَاح جَدِيد، وَلذَلِك قَيده
بقوله عندنَا، وَلم ينْسبهُ إِلَى أهل الحَدِيث، كَمَا فعل
الخطابى، قَالَ: وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع كثير من
الإيرادات الَّتِى طَال الْبَحْث فِيهَا، وَلم يسْتَقرّ وَجه
توجيهها [/ 97] فَللَّه الْحَمد على مَا ألهم وَعلم وَقَوله:
[جدا] نصب على التَّمْيِيز، وضعفا، إِمَّا على التَّمْيِيز،
أَو بِنَزْع الْخَافِض |