الغاية في شرح الهداية في علم الرواية

الصَّالح

(116 - (ص) ودونه الصَّالح إِذْ قد سكتا ... عِنْد السجستانى وَفَاتَ الصحتا)

(117 - وَفِيهِمَا الثِّقَة شَرط أَو عدم ... مُتَّهم وَمن شذوذ قد سلم)

(118 - لَكِن هما للأكثرين وَاحِد ... أما المصابيح اصْطِلَاح زايد)

(ش) أى وَدون الْحسن الحَدِيث [الصَّالح] وَلم أرى من أفرده بِنَوْع خَاص، وَإِنَّمَا وَقع فى كَلَام أَبى دَاوُد السجستانى حَيْثُ قَالَ: " مَا كَانَ فى كتابى - أى: " السّنَن " - من

(1/151)


حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد، فقد بَينته، وَمَا لم (أذكرهُ) فِيهِ شَيْئا فَهُوَ الصَّالح، وَبَعضهَا أصح من بعض " ومتقضاه أَن الْأَحَادِيث الْمَسْكُوت عِنْده عَلَيْهَا مُتَفَاوِتَة الْمرتبَة فى الصلاحية، بِحَيْثُ يكون فِيهَا الضعْف أَيْضا، وَلذَا قَالَ أَيْضا " ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه "، فَإِن الذى يشبه الصَّحِيح هُوَ الْحسن، والذى يُقَارِبه هُوَ الذى فِيهِ ضعف يسير، والاستقراء يشْهد لذَلِك، فَإِنَّهَا أَقسَام، مِنْهَا: مَا هُوَ فى الصَّحِيحَيْنِ، أَو على شَرط الصِّحَّة، وَمِنْهَا: مَا هُوَ من قبل الْحسن إِذا اعتضد، وَهَذَانِ القسمان كثير فى كِتَابه جدا، وَمِنْهَا: مَا هُوَ ضَعِيف لَكِن من رِوَايَة من لَا يجمع على تَركه غَالِبا. وكل هَذِه الْأَقْسَام عِنْده تصلح للاحتجاج بهَا، كَمَا نقل ابْن مَنْدَه خبر أَنه يخرج الحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يجد فى الْبَاب غَيره، وَأَنه أقوى عِنْده من رأى الرِّجَال "، وَقد قَرَأت بِخَط شَيخنَا مَا نَصه: " لفظ (صَالح) فى كَلَام [/ 98] أَبى دَاوُد، أَعم من أَن يكون للاحتجاج، أَو للاعتبار، فَمَا ارْتقى إِلَى الصِّحَّة، ثمَّ إِلَى الْحسن فَهُوَ بِالْمَعْنَى الأول، وَمَا عداهما فَهُوَ بِالْمَعْنَى الثانى، وَمَا قصر عَن ذَلِك فَهُوَ الذى فِيهِ وَهن شَدِيد، وَقد الْتزم بَيَانه لَكِن مَا مَحل هَذَا الْبَيَان؟ هَل هُوَ عقيب كل حَدِيث على حِدته، وَلَو تكَرر ذَلِك الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مثلا؟ أَو يكْتَفى بالْكلَام على وَهن إِسْنَاده مثلا؟ فَإِن عَاد يعْنى بِغَيْر اعتضاد لم يُبينهُ اكْتِفَاء بِمَا تقدم، وَيكون كَأَنَّهُ قد بَينه - هَذَا الثانى - أقرب عندى، قَالَ: وَأَيْضًا قد يَقع الْبَيَان فِيهِ فى بعض النّسخ دون بعض، وَلَا سِيمَا رِوَايَة أَبى الْحسن ابْن العَبْد، فَإِن فِيهَا

(1/152)


من كَلَام أَبى دَاوُد أَشْيَاء زَائِدَة على رِوَايَة اللؤلؤى " انْتهى، وَحِينَئِذٍ فَمن احْتج بِمَا سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد مِمَّا لم يبلغ الصِّحَّة لَيْسَ بجيد لشُمُوله الْحسن، وَكَذَا قَوْله:
[وَفِيهِمَا] إِلَى آخِره إِلَّا أَنه يُوَافق قَوْله فى بعض تصانيفه؛ إِن أَكثر أَئِمَّة الحَدِيث لَا يذكرُونَ بعد الصَّحِيح إِلَّا الْحسن، فَهُوَ عِنْدهم والصالح وَاحِد، نعم: قَوْله أَولا ودونه يدْفع هَذَا، وَحِينَئِذٍ فَيكون اشْتِرَاط الثِّقَة خَاصّا بالْحسنِ لذاته، والاكتفاء بالمستور بالصالح على وَجه اللف والنشر والمرتب، وَقَوله: [وَمن شذوذ قد سلم] يعْنى كلا مِنْهُمَا، ويتأيد بقوله فى بعض تصانيفه، إِنَّه لَو قيل: إِنَّه الحَدِيث الذى فى سَنَده الْمُتَّصِل مَسْتُور، وَهُوَ خَال عَن عِلّة قادحة، لم يكن بَعيدا، قَالَ: وَلَا شكّ أَن من الحَدِيث مَا لم يكن [/ 99] ضَعِيفا بِمرَّة وَلَا حسنا، كَحَدِيث أنس الذى سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد يرفعهُ: " عَلَيْكُم بالدلجة فَإِن الأَرْض تطوى بِاللَّيْلِ " فَإِن فى سَنَده أَبَا جَعْفَر الرازى واسْمه عبد الله بن ماهان، وَقد تكلم فِيهِ، لكنه غير ضَعِيف بِمرَّة، حَتَّى وَثَّقَهُ بَعضهم، وَهَذَا يقتضى إِفْرَاد نوع متوسط بَين الْحسن والضعيف، قَالَ: وَيشْهد لذَلِك صَنِيع المنذرى فى " اختصاره السّنَن "، فَإِنَّهُ تعقب كثيرا من الْأَحَادِيث من حَيْثُ أَنه سكت عَلَيْهَا، وَلَيْسَت على شَرط الْحسن، فَإِن هَذَا مِمَّا يظْهر نوع الصَّالح، قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَمَا سكت عَلَيْهِ، وَلم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح، فَإِن أقره المنذرى عَلَيْهِ فَهُوَ حسن، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ بِمَا لَا يقتضى أَن لَا يكن حسنا فَهُوَ صَالح عِنْده، قلت: وَلَكِن لماذا يأتى مَا قَدمته وَنَحْوه قَول يَعْقُوب بن شيبَة فى بعض الْأَحَادِيث: إِسْنَاده وسط " " لَيْسَ بالثبت "، و " لَا السَّاقِط "، فَهُوَ الصَّالح " انْتهى، قَالَ هُنَا يظْهر أَن كَلَام ابْن الصّلاح: " مَا وَجَدْنَاهُ فى " كتاب أَبى دَاوُد " مَذْكُورا [مُطلقًا] وَلَيْسَ " فى أحد الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَا نَص على صِحَّته أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الصِّحَّة، وَالْحسن عَرفْنَاهُ بِأَنَّهُ من الْحسن عِنْده ": فِيهِ نظر بِمُقْتَضى اصْطِلَاح أَبى دَاوُد

(1/153)


كَمَا أَشرت إِلَيْهِ.
[قلت] : وَبعد هَذَا كُله فالاحتياط أَن لَا يُقَال فى الْأَحَادِيث الَّتِى سكت عَلَيْهَا، وَلم يُؤْخَذ لَهُ كَلَام عَلَيْهَا، عِنْد أحد من رُوَاة كِتَابه، وَلَا علل بِأحد من رواتها فى مَوضِع آخر: صَالح، وَعَلِيهِ مَشى ابْن الْمواق فى " بغية النقاد "، وَأما [/ 100] مَا سلكه البغوى فى [المصابيح] من جعله مَا انْفَرد بِهِ أَصْحَاب " السّنَن " عَن " الصَّحِيحَيْنِ " من الحسان، فَهُوَ اصْطِلَاح لَا يعرف، وَلذَلِك قَالَ النَّاظِم فَهُوَ [زَائِد] أى على اصْطِلَاح الْمُحدثين، كَيفَ وَقد قَالَ ابْن مَنْدَه عَن أَبى دَاوُد مَا أسلفته قَرِيبا؟ وَقَالَ غَيره: كَانَ من مَذْهَب النسائى أَن يخرج عَن كل من لم يجمع على تَركه، وَقَوله: [سكتا] هُوَ بالإشباع فِيهِ وفى الصِّحَّة مَعًا، لأجل النّظم وَكَذَا فى الْبَيْت الثانى اسْتِعْمَال إِلَّا أَو هُوَ جَائِز عِنْدهم، [والسجستانى] بِكَسْر الْمُهْملَة وَالْجِيم مَعًا، وَقيل: فى أَولهمَا الْفَتْح أَيْضا نِسْبَة إِلَى سجستان وهى بِلَاد مَعْرُوفَة.

(1/154)


الضَّعِيف والمضعف

(119 - (ص) ثمَّ مضعف وَذَاكَ مَا ورد ... فِيهِ لبَعض ضعف متن أَو سَنَد)

(120 - لم يجمعوا فِيهِ على التَّضْعِيف ... وَدون هَذَا رُتْبَة الضَّعِيف)

(121 - وَهُوَ الذى وَلَو على ضعف حصل ... وَقيل مَا لم يكن لِلْحسنِ وصل)

(ش) : أى ثمَّ تَلا مَا يقدم من الْأَنْوَاع [المضعف] وَهُوَ الذى يجمع على ضعفه، بل فِيهِ: إِمَّا فى الْمَتْن، أَو السَّنَد تَضْعِيف أهل الحَدِيث، وتقوية لآخرين، وَهُوَ أَعلَى مرتبَة من الضَّعِيف، بِمَعْنى الْمجمع على ضعفه فى إِتْيَانه ب [ثمَّ] مَا يقتضى إنحطاطه عَن سَائِر مَا سبق مُطلقًا، وَلَيْسَ كَذَلِك، لما يُوجد من هَذَا الْقَبِيل فى كتب ملتزمي الصِّحَّة حَتَّى البخارى، فليجعل كَلَام النَّاظِم على مَا إِذا كَانَ الضَّعِيف هُوَ الرَّاجِح أَو لم يرجح شئ، وَقَوله: [لم يجمعوا] تَأْكِيدًا لما فهم.
وَأما الضَّعِيف فقد اخْتلف فى تَعْرِيفه، فَقيل: مَا اشْتَمَل على ضعف، وَقيل: مَا قصر عَن [/ 101] رُتْبَة الْحسن.
وتتفاوت درجاته فى الضعْف بِحَسب بعده من شُرُوط [] ، كَمَا تَتَفَاوَت دَرَجَات الصَّحِيح بِحَسب تمكنه مِنْهَا، وَقد قسمه ابْن حبَان إِلَى قريب من خمسين قسما، وَكلهَا

(1/155)


دَاخِلَة فى الضَّابِط الْمَذْكُور، فَلَا نطيل ببسطها، خُصُوصا وَقد بينتها فِيمَا كتبته على الألفية وَشَرحهَا.
فَائِدَة: قد أثبت الذهبى نوعا من الضَّعِيف والموضوع سَمَّاهُ: " الْمَطْرُوح ".
وعرفه: بِأَنَّهُ مَا نزل عَن رُتْبَة الضَّعِيف، وارتفع عَن رتبه الْمَوْضُوع، وَمثل لَهُ بِحَدِيث: عَمْرو بن سَمُرَة، عَن جَابر الجعفى، عَن الْحَارِث، عَن على، وبجويبر عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ فى التَّحْقِيق [الْمَتْرُوك] كَمَا قَالَ شَيخنَا.

(122 - (ص) وَقَوْلهمْ هَذَا صَحِيح سندا ... وَغَيره لَا يقتضيها أبدا)

(ش) : وَقَول أهل الحَدِيث: هَذَا [صَحِيح الْإِسْنَاد] لَا يقتضى الحكم للمتن بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ قد يَصح الْإِسْنَاد لثقة رِجَاله وَلَا يَصح الْمَتْن لشذوذ أَو عِلّة، وَقد ضعف غير وَاحِد من الْأَئِمَّة أَحَادِيث بعد أَن حكمُوا على أسانيدها بِالصِّحَّةِ، وَمِنْهُم: الْحَاكِم، وَكَذَا إِذا قَالُوا: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، لَا يقتضى الحكم للمتن بالضعف لاحْتِمَال مَجِيئه بِإِسْنَاد آخر صَحِيح، وَقَول النَّاظِم: [لَا يقتضيها أبدا] أى: لَا يقتضى القَوْل بِالصِّحَّةِ أَو الضعْف الْمقَالة

(1/156)


بذلك مُطلقًا سندا ومتنا، بل تخْتَص بالسند لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح: " إِن ذَلِك إِن صدر من إِمَام مُعْتَمد مِنْهُم من غير تعقب، فَالظَّاهِر اعْتِمَاده سندا ومتنا ".

الْمسند

(123 - (ص) والمسند الْمُتَّصِل الإسنادا ... قيل وَلَو وقف بعض زادا)

(ش) : [الْمسند] هُوَ الذى اتَّصل إِسْنَاده من وراته إِلَى منتهاه.
وَعبر شَيخنَا بقوله: هُوَ مَرْفُوع صحابى بِسَنَد ظَاهر الِاتِّصَال، ليشْمل مَرَاسِيل صغَار الصَّحَابَة، وخفى الْإِرْسَال، وَمثل ذَلِك: عَن الزهرى، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِنَّهُ مُسْند وَإِن لم يسمع الزهرى ابْن عَبَّاس.
وَقد صرح ابْن عبد الْبر بِأَنَّهُ الْمَرْفُوع إِلَى النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا.

(1/157)


وَمثل للثانى [مَالك عَن] الزهرى، عَن ابْن عَبَّاس، وللأول: بِبَعْض الْأَمْثِلَة، وَحكى فِيهِ الِاتِّفَاق، فَإِنَّهُ قَالَ عقبه: " فَهَذَا مُسْند عِنْد الْجَمِيع، لِأَنَّهُ مُتَّصِل الْإِسْنَاد مَرْفُوع "، وَلَكِن قد قطع الْحَاكِم بِأَنَّهُ لَا يَقع إِلَّا على مَا تصل مَرْفُوعا إِلَى النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نعم قَالَ الْخَطِيب نقلا عَن أهل الحَدِيث: " إِن أَكثر مَا يسْتَعْمل فِيمَا جَاءَ عَن النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دون مَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة وَغَيرهم "، فعلى هَذَا يَقع أَيْضا على الْمَوْقُوف، وَهُوَ قَول ابْن الصّباغ، وَجَمَاعَة، لَكِن الْأَكْثَر على خِلَافه، وَلذَلِك أوردهُ النَّاظِم بِصِيغَة التمريض، وَأبْهم قَائِله وَتَقْدِير الْكَلَام قيل: وَلَو مَوْقُوفا فِيمَا زَاده بَعضهم، وَمن حكايته علم أَن الذى قبله يُفِيد الرّفْع.
[والمتصل] صفة مَوْصُوف مَحْذُوف تَقْدِيره: الْمسند الحَدِيث الْمُتَّصِل وميز الِاتِّصَال بقوله: [الْإِسْنَاد] على نَحْو الْعشْرُونَ الدِّرْهَم، وينقسم الْمسند إِلَى الصَّحِيح وَغَيره.

(1/158)


تَعْرِيف الْمَرْفُوع

(124 - (ص) وَالْخَبَر الْمَرْفُوع مَا أضيفا ... إِلَى النبى وَلم يكن مَوْقُوفا)

(ش) : [الْمَرْفُوع] هُوَ مَا أضيف إِلَى النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خَاصَّة من قَول أَو فعل أَو تَقْرِير، سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا، أَو مُنْقَطِعًا، وَيدخل فِيهِ الْمُرْسل وَنَحْوه ويشمل الضَّعِيف وَغَيره.
وَقَالَ الْخَطِيب: [الْمَرْفُوع] مَا أخبر [فِيهِ] الصحابى عَن قَول [/ 103] الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَو فعله فخصه بالصحابة فَيخرج [عَنهُ] مُرْسل التابعى فَمن بعده [عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] ، وَلَكِن الْمَشْهُور الأول مَعَ أَن شَيخنَا، قَالَ: إِنَّه يجوز أَن يكون ذكره للصحابى على سَبِيل الْمِثَال، أَو الْغَالِب دون التَّقْيِيد والحصر، ويتأيد بِكَوْن الرّفْع إِنَّمَا ينظر فِيهِ إِلَى الْمَتْن دون الْإِسْنَاد، وَقَول النَّاظِم: [وَلم يكن مَوْقُوفا] هُوَ تَأْكِيد ألجأ إِلَيْهِ النّظم وَإِلَّا فَهُوَ لم يدْخل، وَلَا ذكر مَا يُوهم دُخُوله حَتَّى يكون.

(1/159)


للِاحْتِرَاز.

مَا لَهُ حكم الرّفْع

(125 - (ص) وَصَاحب يَقُول كُنَّا نصْنَع ... كَذَا أمرنَا ونهينا رفعوا)

(126 - كَذَاك ينميه كَذَا يبلغ بِهِ ... أَو فى الْقرَان كنزول بِسَبَبِهِ)

(127 - كَذَا الذى عَلَيْهِ لَا يطلع ... كَذَا حَدِيث قَالَ قَالَ يرفع)

(ش) : أى هَذِه الْأَلْفَاظ لَهَا حكم الرّفْع، مِنْهَا: أَن قَول الصحابى كُنَّا نقُول كَذَا و [كُنَّا نصْنَع] وَهُوَ مَرْفُوع على الصَّحِيح قطع بِهِ الْحَاكِم وَالْجُمْهُور، وَقيل: مَوْقُوف، وَهُوَ بعيد لِأَن الظَّاهِر أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اطلع عَلَيْهِ وقررهم، واطلق النَّاظِم الحكم بِرَفْعِهِ تبعا للْحَاكِم، وَالْفَخْر الرازى فَهُوَ القوى، وَإِن قَيده الْخَطِيب وَغَيره بِمَا إِذا أضَاف إِلَى زمن النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لكَونه لَا يجوز فى حَقه أَن يعلم إِنْكَاره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لذَلِك وَلَا يُبينهُ، أما إِذا لم يصفه إِلَى زَمَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَهُوَ مَوْقُوف.
وَمِنْهَا: قَول الصحابى أَيْضا [أمرنَا ونهينا] عَن كَذَا، " وَأمر بِلَال بِكَذَا " مَرْفُوع عِنْد أهل الحَدِيث، وَأكْثر الْعلمَاء، لِأَن الظَّاهِر أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هُوَ الْآمِر والناهى، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره: لَيْسَ بمرفوع وَالصَّحِيح الأول [/ 104] وَسَوَاء كَانَ قَوْله ذَلِك فى حَيَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَو بعده.

(1/160)


وَمِنْهَا: إِذا قيل عَن الصحابى [ينميه أَو يبلغ بِهِ] وَنَحْو ذَلِك كيرفع الحَدِيث، أَو يرويهِ، فَإِن كل هَذَا كِنَايَة عَن رَفعه، وَحكمه حكم الْمَرْفُوع صَرِيحًا، كَذَا إِذا قيل عَن التابعى: يرفع الحَدِيث وَنَحْوه، فَهُوَ مَرْفُوع أَيْضا لكنه يُرْسل وَأبْدى المنذرى للعدول عَن التَّصْرِيح بالرسول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِكْمَة، وَهُوَ: شكّ الراوى فى الصِّيغَة بِعَينهَا، فَلم يجْزم أَو أَتَى بِلَفْظ يدل على الرّفْع، وَيُؤَيِّدهُ قَول أَبى قلَابَة عَن أنس: " من السّنة إِذا تزوج ". الحَدِيث. يتلوه لَو شِئْت لَقلت: إِن أنسا رَفعه إِلَى النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَإِن مَعْنَاهُ: أَنى لَو قلت رَفعه لَكُنْت صَادِقا بِنَاء على الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، لكنه تحرز عَن ذَلِك لِأَن قَوْله: " من السّنة " إِنَّمَا يحكم لَهُ بِالرَّفْع بطرِيق نظرى، وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون شكّ فى ثُبُوت ذَلِك عَن النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَلم يجْزم بِلَفْظ قَول رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : كَذَا، بل كنى عَنهُ تجوزا، لِأَن قَوْله: " من السّنة " إِنَّمَا حكم، وَيحْتَمل أَن يكون طلبا للاختصار، وَمِنْهَا: قَول الصحابى فى تَفْسِير الْقُرْآن مَرْفُوع، إِذا كَانَ يتَعَلَّق بِسَبَب النُّزُول كَقَوْل جَابر: " كَانَت الْيَهُود تَقول من أَتَى امْرَأَته من دبرهَا فى قبلهَا جَاءَ أَحول فَأنْزل الله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} " الْآيَة، فَأَما تفاسير الصَّحَابَة الَّتِى لَيست من هَذَا وَلَا يشْتَمل على إِضَافَة شئ إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فمعدودة فى الْمَوْقُوفَات [/ 105] خلافًا للْحَاكِم، وَكَذَا كل مَا قَالَه الصحابى مِمَّا لم يُمكن يطلع عَلَيْهِ إِلَّا بتوقيف من النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مثل حَدِيث ابْن مَسْعُود (لقد رأى من آيَات ربه

(1/161)


الْكُبْرَى} ، قَالَ: " رأى رفرفا أَخْضَر سد أفق السَّمَاء " رَوَاهُ البخارى، فَهَذَا مَعْلُوم أَنه لَا يَقُوله إِلَّا عَن تَوْقِيف، وَقيل: إِن مَحل هَذَا مَا إِذا لم يكن الصحابى إخذ عَن الْإسْرَائِيلِيات، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ بصدد بَيَان شريعتهم فَلَا يظنّ بهم النَّقْل عَن غَيرهَا، من غير تَمْيِيز لذَلِك، وَكَذَا حَدِيث ابْن سِيرِين، عَن أَبى هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ: " إِن الْمَلَائِكَة تصلى على أحدكُم ". الحَدِيث، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يقتصرون فِيهِ على القَوْل مَعَ حذف الْقَائِل مَرْفُوع أَيْضا، فقد قَالَ مُحَمَّد بن سِرين: كل شئ أحدث بِهِ عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ فَهُوَ مَرْفُوع. انْتهى.
قَالَ مُوسَى بن هَارُون: إِذْ قَالَ حَمَّاد بن زيد والبصريون: (قَالَ) قَالَ: فَهُوَ مَرْفُوع حَكَاهُ الْخَطِيب، وَقَالَ: قلت للبرقانى أَحسب أَن مُوسَى عَنى بِهَذَا القَوْل أَحَادِيث ابْن سِيرِين خَاصَّة، فَقَالَ: كَذَا يجب، وَأورد الْخَطِيب من طَرِيق إِدْرِيس الأزدى عَن أَبِيه، عَن
أَبى هُرَيْرَة - رضى الله عَنهُ -، قَالَ: قَالَ فَذكر حَدِيثا، وَمن طَرِيق أَبى منيب العتكى، عَن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه حَدِيثا آخر، قَالَ: فعلى مَا ذكر مُوسَى يعْنى من الِاخْتِصَار لَيْسَ مِمَّا يعد مَرْفُوعا وَإِنَّمَا (سَببه) فيهمَا بِالرَّفْع، قَالَ: وَقد ورد من غير الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورين مَرْفُوعا.

(1/162)